الجبرتي 3. و4.
3. و4.
كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
فكانت الحرب بينهم سجالا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع
صالح بك ان يذهب الى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال
والغلال
وكان ذلك في شهر جمادى الاولى سنة 1180
وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الازبكاوي انه يراسل
علي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم
حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج
ام عبد الرحمن كتخدا وكان مقيما بمصر القديمة وقد صار مسنا فسفروهم الى جهة بحري
وتخيلوا من اقامة علي بك بالنوسات فارسلوا له خليل بك السكران فاخذه وذهب به الى
السويس ليسافر الى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها
وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الامراء الى قراميدان
ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسوم القديمة ان كبار الامراء يركبون بعد
الفجر من يوم العيد كذلك ارباب العكاكيز فيطلعون الى القلعة ويمشون امام الباشا من
باب السراية الى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون
اتكة ويهنئونه وينزلون الى بيوتهم فيهنىء بعضهم بعضا على رسمهم واصطلاحهم وينزل
الباشا في ثاني يوم الى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر
واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبوا جميع
الاحتياجات واللوازم من الليل واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس
الباشا الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتردار وأمير
الحاج والامراء الصناجق والاختيارية وكتخدا والعزب أصحاب الوقت والمقادم والاوده
باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا
ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم
ينصرفون
فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنا الامراء الصناجق
الباشا وخرجوا الى دهليز القصر يريدون النزول وقف لهم جماعة وسحبوا السلاح عليهم
وضربوا عليهم بنادق فاصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب
برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم واحتاط بهم مماليكهم ونط اكثرهم من
حائط البستان ونفذوا من الجهة الاخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة
وانجرح أيضا اسمعيل بك ابو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا
ولكن لم يمت منهم الا عثمان بك
وباتوا على ذلك فلما اصبحوا اجتمعوا وطلعوا الى الابواب
وارسلوا الى الباشا يأمرونه بالنزول فنزل الى بيت احمد بك كشك بقوصون وعند نزوله
ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاما قبيحا ثم انهم جعلوا خليل بك بلغيه
قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقا عوضا عن سيده ونسبت هذه
النكتة الى حمزة باشا وقيل انها من علي بك الذي بالنوسات ومراسلاته الى حسن بك
جوجو فبيت مع انفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة ايام وتواعدوا على ذلك اليوم
وذهبوا الى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الاربعين فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم
بدهليز بيت القاضي وتفرقوا الا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الاتفاق وفعلوا هذه
الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم
وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت اشجارها وذهبت
نضارتها ولما حصلت هذه الحادثة أرسلوا حمزة بك الى علي بك فوجده في المركب الغاطس ينتظر
اعتدال الريح للسفر فرده الى البر واركبه بمماليكه واتباعه ورجع الى جهة مصر ومر
من الجبل وذهب الى جهة شرق اطفيح ثم الى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك الى مصر
ثم ان علي بك اجتمع
عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الانضمام الى صالح
بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيا من قبله وجعله
سفيرا فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك الاسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي فارسلهم
فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم
فعند ذلك ارسل اليه محمد بك ابو الذهب فلم يزل به حتى
انخدع له واجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب
والسيف
وكتبوا بذلك حجة واتفق مع علي بك انه اذا تم لهم الامر
اعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته
واتفقوا على ذلك بالمواثيق الاكيدة وأرسلوا بذلك الى شيخ
العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا
والمال والرجال واجتمع عليهم المتفرقون والمشردون من الغز والاجناد والهوارة والشجعان
ولموا جموعا كثيرة وحضروا الى المنية وكان بها خليل بك السكران
فلما بلغه قدومهم ارتحل منها وحضر الى مصر هاربا واستقر
علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها اسوارا وابراجا وركبوا عليها
المادفع وقطعوا الطريق على المسارفين المبحرين والمقبلين
وأرسل علي بك الى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته
جماعة كشاف فارتحلوا ليلا وذهبوا الى المنية فعمل الامراء جمعية وعزموا على تشهيل
تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم
الكلام ومانع في ذلك وحلف انه لا يسافر أحد بتجريدة مطلقا وان فعلوا ذلك لا يحصل
لهم خير ابدا فقالوا انه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وان لم
نذهب اليه أتى هو الينا وفعل مراده فينا فقال لهم الشيخ أنا أرسل اليه مكاتبة فلا
تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب
فلم يسعهم الا الامتثال فكتب له الشيخ مكتوبا ووبخه فيه
وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه اليه فلم يلبث الشيخ بعد
هذا المجلس الا أياما ومرض ورمى بالدم وتوفى الى رحمة
الله تعالى
فيقال انهم اشغلوه وسموه ليتمكنوا من اغراضهم
ولاية محمد باشا راقم وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول
محمد باشا راقم الى سكندرية فارسلوا له الملاقاة وحضر الى مصر وطلع الى القلعة في
غرة ربيع الثاني سنة 1181
وفي حادي عشر جمادى الاولى اجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن
بك رضوان دفتردار مصر
وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلغيه امير الحاج وقاسم أغا
صنجقا وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة الى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش
وشرعوا في التشهيل واضطرهم الحال الى مصادرة التجار وأحضر خليل بيك النواخيد وهم
منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ ابراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلا
فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال
من التجار وبرز حسين بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الاولى وخرج صحبته ستة من
الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة واسمعيل بيك أبو مدفع
وحمزة بيك وقاسم بيك واسرعوا في الارتحال
وفي عشرينه اخرج خلفهم ايضا خليل بك تجريدة اخرى وفيها
ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا ايضا في يومها وبعد ثلاثة ايام ورد
الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين بك ومن معه وقتل
علي أغا الميجي وخلافه
وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار بك ورجع المهزومون في ذلك
ثاني يوم
الاحد طلعوا الى ابواب القلعة وطلبوا من الباشا فرمانا
بالتجريدة على الكثرة وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في اسوأ حال
واصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس
من الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم الاثنين بوصول
القادمين الى غمازه وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين فارتحلوا
ليلا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومن معهما وتحيروا في امرهم وتحققوا
الادبار والزوال وأرسل الباشا الى الوجاقلية يقول لهم كل وجاق يلازم بابه
وفي سابع عشرينه حضر علي بك صالح بك ومن معهم الى البساتين
فازداد تحيرهم وطلعوا الى الابواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا الى قراميدان وجلسوا هناك
ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الامراء والاجناد وخرجوا الى جهة علي بك وكان
حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سرا ويكاتبهما وضم اليه
بعض الامراء مثل قاسم بك خشداشه واسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك السروجي
وجن علي وهو خشداش ابراهيم بك بلغية وكثير من اعيان الوجاقلية ويرسلون لهم الاوراق
في داخل الاقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك
وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الاولى هرب الامراء
الذين بمصر وهو خليل بك شيخ البلد واتباعه وحسين بك كشكش واتباعه وهم نحو عشرة
صناجق وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الاعيان وغيرهم
لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم واتباعهم
وجميع من كان منفيا بالصعيد قبل ذلك من امراء ووجاقلية وغيرهم وحضر صحبتهم علي
كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك
الصنجقية مجددا وضربت النوبة في بيته ثم أعطاه كشوفية
الشرقية وسافر اليها
وفي يوم الاحد ثاني جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك
وباقي الامراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو واسمعيل بك زوج
هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم الى الديوان
بالقلعة فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما كان وخلع علي صناجقه
خلع الاستمرار أيضا في امارتهم كما كانوا ونزلوا الى بيوتهم وثبت قدم علي بك في
امارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية
والاقطار الحجازية والبلاد الشامية وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل
المنافقين و وخرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي
كانت مستقمية ثم انه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه الى مصر وعزم على نفي
بعض الاعيان واخراجهم من مصر فعلم انه لا يتمكن من اغراضه مع وجود حسن بك جوجو
وانم ما دام حيا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله فبيت مع اتباعه على قتله
فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب
الى بيته فركب وركب معه جن علي ومحمد بك ابو الذهب وايوب بك ليذهبا ايضا الى بيوتهما
لاتحاد الطريق فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا
سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك
وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 واصبح علي بك مالكا للابواب ورسم
بنفي قاسم بك واسمعيل بك ابي مدفع وعبد الرحمن بك واسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد
كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع
مصطفى جاويش الكبير مملوك ابراهيم كتخدا وخليل جاويش درب
الحجر
وفي حادي عشر شهر شوال اخرج ايضا نحو الثلاثين شخصا من
الاعيان ونفاهم في البلاد وفيهم ثمانية عشر اميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا
واحمد كتخدا الفلاح وابراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه
حسن بك ابو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية فنفى الجميع الى جهة
قبلي وارسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية الى السويس ليذهب الى الحجاز من القلزم
واستمر هناك الى أن مات
وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية
ونفاه الى بلده جناج فلم يزل بها الى أن مات
وكان من دهاة العالم وكان كاتبا عند عبد الرحمن كتخدا
القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات
والتلبيسات وغير ذلك
وفي شهر الحجة وصلت اخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك انهم
لما وصلوا الى غزة جمعوا جموعا وانهم قادمون الى مصر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة
عظيمة وبرزوا وسافروا
ثم ورد الخبر بعد ثلاثة ايام انهم عرجوا الى جهة دمياط
ونهبوا منها شيئا كثيرا ثم حضروا الى المنصورة ونهبوا منها كذلك فارسل علي بك يأمر
التجريدة بالذهاب اليهم وأرسل لهم أيضا عسكرا من البحر فتلاقوا معهم عند الديزس
والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة
وولوا راجعين
وقتل في هذه المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان
واحمد جرجبي ظنان جراكسه وعمر أغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقات ولم
يزالوا في هزيمتهم الى دجوة
فلما وصل الخبر بذلك الى علي بك اهتم لذلك ونزل الباشا
وخرج الى
قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء
وارباب السجاجيد وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقيا او عليه عتامنة يشهل نفسه ويطلع
الى التجريدة أو يخرج عنه بدلا واجتهد علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها
محمد بك ابو الذهب وسافروا في أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الاولى وسار الجميع
خلف حسين بك وخليل بك ومن معهم وكانوا عدوا الى بر الغربية بعد ان هزموا التجريدة
فلو قدر الله انهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك لدخلوا
الى مصر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك
وانقضت هذه السنين وما وقع بها
من مات في هذه الاعوام من اكابر العلماء وأعاظم الامراء
مات الشيخ الامام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي المالكي الاشعري
الاندلسي حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في سنة
1110 ثم على اشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي وتمهر ثم لازم الفقه
والحديث بالمشهد الحسيني فراج امره واشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه
وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية فهادوه وواسوه واشتروا
له بيتا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني وفسطوا المنه على أنفسهم ودفعوه من مالهم
فلم يزل مقبلا على شانه ملازما على طريقته مواطبا على املاء
الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل حتى توفي ليلة التاسع
والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة والف
ومات الاستاذ المعظم ذو المناقب العلية والسجايا المرضية
بقية السلف السيد مجد الدين محمد أبو هادي بن وفي ولد سنة 1151 ومات والده وهو طفل
فنشأ يتيما وخلف عمه في المشيخة والتكلم واقبل على العلم
والمطالعة والاذكار والاوراد وولى نقابة الاشراف بمصر في
الاثناء فساس فيها أحسن سياسة وجمع له بين طرفي الرياسة وكان ابيض وسيما ذا مهابة
لايهاب في الله امارا بالمعروف فاعلا للخير توفي يوم الخميس خامس ربيع الاول سنة
1176 وصلي عليه بالازهر في مشهد عظيم حضره الاكابر والاصاغر وحمل على الاعناق ودفن
بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد ابو
الامداد
ومات ايضا في هذا الشهر والسنة الصدر الاعظم المغفور له
محمد باشا المعروف براغب وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعا
للرياستين حويا للفضيلتين وله تأليف وابحاث في المعقول والمنقول والفروع والاصول
وهو الذي حضر الى مصر واليا في سنة 1159 ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم
ورجع الى الديار الرومية وتولى الصدارة ثم توفي الى رحمة الله تعالى في رابع عشرين
شهر رمضان سنة 1176
ومات الشيخ المجذوب علي الهواري كان من ارباب الاحوال
الصادقين والاولياء المستغفرين وأصله من الصعيد
وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها ولذلك لقب
بالهواري
ثم اقلع من ذلك وانجذب مرة واحدة وكان للناس فيه اعتقاد
حسن وحكى عنه الكشف غير واحد ويدور في الاسواق والناس يتبركون به
مات شهيدا بالرميلة أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة
1176 وصلوا عليه بالازهر وازدحم الناس على جنازته رحمه الله
ومات الشيخ المسند عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي
الشافعي الشهير باسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري وأسقاف لقب
جده الاكبر عبد الرحمن من آل باعلوي
ولد بمكة سنة 1102 وروى عن خالد المذكور وعن الشيخين
العجمي والنخلي
والشيخ تاج الدين المفتي وحسين بن عبد الرحمن الخطيب
ومحمد عقبلة وادريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن
فتح الله الحنفي وسمع الاولية عاليا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110 ومهر
وانجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ احمد
الجوهري وعندي اجازته للوالد بخطه وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد
عقيلة ومحمد السندي وذلك بمكة سنة 1157 وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب
مروياته وسمعت منه إنه اجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة احد ابواب الحرم
الشريف وسمع منه وأجازه اجازة عامة وذلك في سنة 1163 ولازمه بمكة سنة 1164 وسمع
منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج اليه وسمع من لفظه
المسلسل بالعيد بالحرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع
وأجازهما توفي في سنة 1174
ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ محمد
العدوي الحنفي تفقه على كل من الاسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم
وحضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوكي والعماوي
وتصدر للافادة والاقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق
توفي في ثالث الحجة سنة 1175
ومات الامام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن
عبدالوهاب الدلجي الحنفي وهو ابن خال الوالد اشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت
ودرس وأفتى واقتنى كتبا نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن وقابلها وصححها وكتب عليها
بخطه الحسن وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة والصحة يضرب بها المثل
ويعتمد عليها الى الآن
وكان ملازما للافادة والافتاء والتدريس والنفع على حالة
حسنة ودماثة
أخلاق وحسن عشرة ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة 1177
ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي
المالكي نزيل ثغر رشيد تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج وأجازه
محمد بن عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة وسيدي احمد ابن قاسم البوتي حين ورد
ثغر رشيد في الحديث ودرس بجامع زغلول وأفتى ودرسه اكبر الدروس وكان لديه فوائد
كثيرة
توفي سنة 1176
ومات المفتي الفاضل النبيه زين الدين ابو المعالي حسن بن
علي بن علي ابن منصور بن عامر بن ذئاب شمة الفوي الاصل المكي ينتهي نسبة الى الولي
الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي ومن أمة الى سيدي ابراهيم البسيوني ولد بمكة سنة
1142 وبها تنشأ واخذ العلم عن الشيخ عطاء بن أحمد المصري والشيخ احمد الاشبولي
وغيرهما من الواردين بالحرمين وأتى الى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله انتسب
وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ منصور هدية وألف وأجاد وكان فصيحا بليغا
ذكيا حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغريبة ونظم رائق مع سرعة الارتجال
وقد جمع كلامه في ديران هو على فضله عنوان وسكن في الآخر بولاق وبها توفي ليلة
الجمعة رابع عشرين رمضان سنة 1146
ومات الشيخ الامام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن
محمد المغربي الاصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولده المترجم
بها نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم وحضر
دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت الى ان استكمل هلال
معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر وكان حسن الالقاء للعلوم حسن
التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن اماما في المعقولات وحلالا للمشكلات وولي
خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث وانتفع
به جماعة كثيرون من أهل عصرنا وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر
توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو
منصرف من الحج
ومات السيد الاديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي
التونسي ويعرف بابن الوكيل ورد مصر في سنة أربع وخمسين فسمع الصحيح على الشيخ
الحفني وأجازه في ثاني المحرم منها ثم توجه الى الاسكندرية وتديرها مدة ثم ورد في
أثناء أربع وسبعين وكان ينشد كثيرا من المقاطع لنفسه ولغيره والف رسالة في الصلاة على
النبي صلى الله عليه و سلم خرج صيغها بالدور الاعلى للشيخ الاكبر وتولى نيابة
القضاء بالكاملية وكان انسانا حسنا لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش
الملتقى مقبلا على شأنه
توفي في ثاني ذي الحجة 1175
ومات الاستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تليذ سيدي محمد
ابن يوسف من ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178
ودفن يومه قريبا من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها
ومات العالم الفقيه المحدث الاصولي الشيخ محمد بن يوسف
بن عيسى الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178
ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم
النبوي عبد الرحمن آغا في ثامن شوال سنة 1179 ودفن بجوار المشهد النفيسي
ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الامير
ابراهيم أوده باشه غالم فجأة في ثامن جمادى الاولى سنة 1177 ودفن بمقبرتهم عند
السادة المالكية
ومات ايضا العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالازبكية
في تاسع شوال سنة 1178
ومات الاجل المكرم الحاج حسن فخر الدين النابلسي عن سن
عالية وكان من ارباب الاموال رابع عشرين جمادى الاولى سنة 1178
ومات الامير الاجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب الى
الصالحات علي بن عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة ولي وكالة دار السعادة فباشر
فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة
وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر التجليات الاشراق
مع ميله الى الفنون الغريبة وكماله في البدائع العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي
واتقان الفروسية
ومدحته الشعراء وأحبته العلماء والقت اليه الرياسة
قيادها فاصلح ما وهن من اركانها وازال فسادها ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر
كماله واستمر ناموس حشمته باقيا على حاله واقتنى كتبا نفيسة وكان سموحا باعارتها
وكان من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على هيئة القاموس
وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغريبة ومنها كشف الظنون في اسماء الكتب
والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب
توفي يوم الاثنين ثامن عشر شهر صفر سنة 1176 وصلى عليه
بسبيل المؤمن ودفن بالقرافة بالقرب من الامام الشافعي ولم يخلف بعده مثله في المروءة
والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة
ومات الامام العالم العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف
شقيق الاستاذ شمس الدين الحفني اخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لاخيه وتلقى عن
أخيه ولازمه ودرس وافاد وافتى والف ونظم الشعر الفائق الرائق وله ديوان شعر مشهور
وكتب حاشية عظيمة على الاشموني وهي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء وحاشية على مختصر السعد
وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الاسلام وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل وحاشية على
الناصر وابن قاسم وشرح شرح الازهرية لمؤلفها وشرح على
شرح السعد لعقائد النسفي وحاشية الخيالي عليه
توفي في شهر صفر سنة 1178
ومات الامام الفصيح المفرد الاديب الماهر الناظم الناثر
الشيخ علي ابن الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي
توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة 1178
ومات الامام العلامة السيد ابراهيم بن محمد ابي السعود
بن علي بن علي الحسيني الحنفي ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون
ومهر في الفقه وانجب وغاص في معرفة فروع المذهب وكانت فتاوية في حياة والده مسددة معروفة
ويده الطولى في حل الاشكالات العقيمة مذكورة موصوفة رحل في صحبة والده الى
المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكي واثنى عليهما بما هو مثبت في
ترجمته ولو عاش المترجم لتم به جمال المذهب
توفي يوم الاحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179
ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ محمد بن
عيسى ابن يوسف الدمياطي الشافعي أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي
والشيخ ابراهيم الفيومي والفقه أيضا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني
وطبقتهم واجتمع بالسيد مصطفى البكري واخذ عنه الطريقة الخلوتية ولقنه الاسماء
بشروطها والف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي وله حاشية على
سلم الاخضري في المنطق وحاشية علي السنوسية وغير ذلك
توفي في ثامن رمضان سنة 1178 وكانت جنازته حافلة وصلى
عليه بالازهر ودفن ببستان المجاورين وبنوا على قبره سقيفة يجتمع تحتها تلامذته في
صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون واستمروا على ذلك مدة سنين
ومات الامام العلامة الناسك الشيخ احمد بن محمد السحيمي
الشافعي
نزيل قلعة الجبل حضر دروس الاشياخ ولازم الشيخ عيسى
البراوي وبه انتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية واحيا الله به تلك البقعة
وانتفع به الناس جيلا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها
بعض الامراء باشارته مالا حفيلا فنبع الماء وعد ذلك من كراماته فانهم كانوا قبل
ذلك يتعبون من قلة الماء كثيرا
وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف
المفيدة في علم التوحيد على الجوهرة وجعله متنا وشرحه مزجا وهي غاية في بابها وله
حال مع الله وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض اصحابه بجمعها واشتهر بينهم انه كان يعرف
الاسم الاعظم وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك
على قدم السلف
توفي ثامن شعبان سنة 1178
ودفن بباب الوزير
ومات الامام العلامة شمس الدين ابو عبد الله محمد بن
احمد بن صالح ابن احمد بن علي بن الاستاذ ابي السعود الجارحي الشافعي ويقال له
السعودي نسبة الى جده المذكور حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت
وكان اماما محققا له باع في العلوم وكان مسكنه في باب
الحديد احد ابواب مصر وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي وكان الشيخ يعتمده في
اكثر ما يقول ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه
توفي في شعبان سنة 1179
ومات السيد الاجل المحترم فخر اعيان الاشراف المعتبر بن
السيد محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي ولد بمصر قبل القرن بقليل وادرك
الشيوخ وتمول واثرى وصار له صيت وجاه وكان بيته بالازبكية ويرد عليه العلماء
والفضلاء وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عند الامراء والاكابر
ولما تولى الشيخ ابو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان
يتردد الى مجلسه كثيرا
توفي سنة 1178
ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر البليغ سليمان
بن عبد الله الرومي الاصل المصري مولى المرحوم علي بك الدمياطي جود الخط على حسن
افندي الضيائي وانجب وتميز فيه واجيز وكتب بخطه الفائق كثيرا من الرسائل والاحزاب والاوراد
وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لاجتماع الاحباب وكان حسن المذاكرة لطيف
الشمائل حلو الفاكهة يحفظ كثيرا من الاناشيد والمناسبات
توفي سنة 1179
ومات السيد العالم الاديب الماهر الناظم الناثر محمد بن
رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي ولد باسيوط على رأس الاربعين ونشأ هناك وامه
شريفة من بيت شهير هناك ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد
الحفني ولازمه وانتسب اليه فلاحظته لوناره ولبسته اسراره ومال الى فن الادب فأخذ منه
بالحظ الاوفر وخطه في غاية الجودة والصحة
وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والاتقان والضبط
وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعاني وربما يبتكر ما لم يسبق اليه
وتوجه بآخر امره الى بلده وبه توفي سنة 1180 رحمه الله
ومات الامام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن
أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي ولد بمحلة ابي النجيب من بغداد
وبها نشأ واخذ عن الشيخ عبد العزيز بن احمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري وآخرين وحج
وقطن المدينة مدة واجازه الشيخ محمد حيوة السندي والشيخ حسن الكوراني
ورد مصر سنة 1171
فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني وكان له في كلام
القوم علافان الى الغاية يورده على طريقة غريبة بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به
وكان يذهب لزيارته الاجلاء من الاشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد
مرتضى والشيخ العفيفي وبالجملة فكان من
اعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه ويقول في حقه
انه من رجال الحضرة وانه ممن يرى النبي صلى الله عليه و سلم عيانا
وتوجه الى الديار الرومية ثم عاد الى المدينة ثم ورد
ايضا الى مصر بعد ذلك ونزل قرب الجامع الازهر
ثم توجه الى الديار الرومية وقطن بها
وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته وصار له
اتباع ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الاجل المحتوم في اواخر
الثمانين وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه
ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ احمد
بن احمد السبلاوي الشافعي الازهري الشهير برزة كان اماما عالما مواظبا على تدريس
الفقه والمعقول بالجامع الازهر وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت بسوق الكتبيين مع
الصلاح والورع والديانة ملازما على قراءة ابن قاسم بالازهر كل يوم بعد الظهر اخذ
عن الاشياخ المتقدمين وانتفع به الطلبة وكان انسانا حسنا بهي الشكل عظيم اللحية
منور الشيبة معتنيا بشأنه مقبلا على ربه
توفي سنة 1180
ومات الاجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن
افندي ابن حسن الضيائي المصري المجود المكتب ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف
جمادى الثانية واشتغل بالعلم على اعيان عصره واشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا
الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ
اما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزائري
وصالح الحمامي واما طريقة ابن الصائغ فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي فالشاكري
والحمامي جودا على عمر افندي وهو على درويش علي وهو على خالد افندي وهو على درويش
محمد شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الاماسي واما السملاوي
فجود على محمد ابن محمد بن عمار وهو على والده وهو على يحيى المرصفي وهو على
اسمعيل المكتب وهو على محمد الوسمي وهو على ابي الفضل الاعرج
وهو على ابن الصائغ بسنده
وكان شيخا مهيبا بهي الشكل منور الشيبة شديد الانجماع عن
الناس وله معرفة في علم الموسيقى والاوزان والعروض
وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرا ويذاكره في العلوم
والمعارف ويكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل والمرقعات وقد اجاز في
الخط لاناس كثيرا ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس
توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180
ومات الامام العالم احد العلماء الاذكياء وافراد الدهر
البحاث في المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي
المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات حضر دروس فضلاء الوقت وانضوى الى
الشيخ سليمان الزيات ولازمه حتى صار معيدا الدروسة ومهر وانجب وتضلع في الفنون ودرس
واملى
وكان اوحد زمانه في المعقولات ولازم اخيرا دروس الشيخ الحفني
وتلقن منه العهد ثم ارسله الشيخ الى بلاد الصعيد لانه جاءه كتاب من احد مشايخ
الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بان يرسل اليهم احد تلامذته ينفع الناس بالناحية فكان
هو المعين لهذا المهم فالبسه واجازه ولما وصل الى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول
التام وعين له منزل واسع وحشم وخدم واقطعوا له جانبا من الارض ليزرعها
فقطن بالبهجورة واعتنى به اميرها شيخ العرب اسمعيل بن
عبد الله فدرس وافتى وقطع العهود واقام مجلس الذكر وراج امره وراش جناحه ونفع وشفع
واثرى جدا وتملك عقارات ومواشي وعبيدا وزروعات ثم تقلبت الاحوال بالصعيد واوذي
المترجم واخذ ما بيده من الاراضي وزحرحت حاله فأتى الى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة
شيخه
ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة حتى مات في
اواخر سنة 1181
ومات الامام العلامة المتقن المعمر مسند الوقت وشيخ
الشيوخ الشيخ احمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري الملوي الشافعي الازهري
ولد كما اخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088 وامه آمنة بنت
عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي
الحسني اعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة واخذ عن الكبار من اولى الاسناد والحق
الاحفاد بالاجداد فمن شيوخه الشهاب احمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ
عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الاطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد
النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وابو العز محمد بن العجمي والشيخ عبد ربه
الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد وخاله ابو جابر علي بن فامر
الايتاوي وابو الفيض علي بن ابراهيم البوتيجي وابو الانس محمد بن عبد الرحمن
المليجي هؤلاء من الشافعية ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن احمد الورزازي
والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني والشيخ احمد الهشتوكي
والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ احمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي
وابن ابي زكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي ومن الحنفية السيد علي بن علي الحسيني
الضرير الشهير باسكندر ورحل الى الحرمين سنة 1122
فسمع علي البصري والنخلي الاولية واوائل الكتب الستة
واجازه والشيخ محمد طاهر الكوراني واجازه الشيخ ادريس ليماني ومنلا الياسي
الكوراني ودخل تحت اجازة الشيخ ابراهيم الكوراني في العموم وعاد الى مصر وهو امام
وقته المشار اليه في حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات قرأ المنهج
مرارا وكذا غالب الكتب وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل
وكان تحريره اقوى من تقريره
وله رضي
الله نعه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير
وصغير وشرحان كذلك على السمرقندية وشرح على الياسمينية وشرح الاجرومية ونظم النسب
وشرحها وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر أتمه بالمشهد
الحسيني سنة ثلاث وعشرين
ونظم الموجهات وشرحها وتعريب رسالة منلا عصام في المجاز
ومجموع صيغ صلوات على النبي صلى الله عليه و سلم
ومؤلفاته مشهورة مقبولة متدولة بايدي الطلبة ويدرسها
الاشياخ
وتعلل مدة وانقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش ومع
ذلك يقرأ عليه كل يوم اوقات مختلفة انواع العلوم وترد عليه الناس من الآفاق
ويقرأون عليه ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم ومنهم من يأتيه للزيارة
والتبرك وطلب الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان ممتع الحواس واقام على هذه الحالة
نحو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول سنة 1181
ومات الشيخ الامام الصالح عبد الحي بن الحسن بن زين
العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم الى مصر
فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد
الاطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن سيف والشيخ
محمد الخرشي وحج سنة 1113
والف فأخذ عن البصري والتخلي واجازه السيد محمد التهامي
بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن علي العلوي في الاحمدية والشيخ محمد شويخ في
الشناوية وحضر دروس المحدث الشيخ علي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وافاد
الطلبة وكان شيخا بهيا معمرا منور الشيبة منجمعا عن الناس زاهدا قانعا بالكفاف
توفي ليلة الاثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزلة ببولاق
وصلي عليه
بالجامع الكبير في مشهد حافل وحمل على الاعناق الى مدافن
الخلفاء قرب مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمه الله
ومات الشيخ امام السنة ومقتدى الامة عبد الخالق بن ابي
بكر بن الزين ابن الصديق بن الزين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد
بن ابي القاسم النمري الاشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف جده الاعلى
محمد بن محمد بن ابي القاسم صاحب الشيخ اسمعيل الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد
الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية وهو الذي تدير زبيد باهلة وعياله
وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية اسفل زبيد خربت الآن
ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن وبعض
المتون ولما ترعرع اخذ عن الامام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد عبد
الفتاح بن اسمعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل مخا واجازه من مكة الشيخ حسن
العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ علي بن علي المزجاجي نزيل مكة ووفد الى
الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة
روى عنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها والبسه
وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والاصول وكان يحثه على قراءة
الاخسكيتي ويقول لا يستغنى عنه طالب وحضر دروس الشيخ عبد المنعم ابن تاج الدين
القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بن سعيد التنبكتي وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر
الكردي سمع منه اوائل الكتب الستة والشيخ محمد حياة السدي لازمه في سماع الكتب
الستة وعاد الى زبيد فاقبل على التدريس والافادة وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتضى
الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضح بالنخل خارج زبيد كان
يمكث فيه ايام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه بن عقلية
وهي خمسة واربعون مسلسلا
وسمع عليه ايضا
المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة والخاصة والبسه
الخرقة ونقبه وحكمه بعد ان صحبه وتأدب به وبه تخرج شيخنا المذكور
كذا ذكر في ترجمته
قال وفي اخرى توجه الى الحرمين فمات بمكة في ذي الحجة
سنة 1181
ومات الشيخ الامام الثبت العلامة الفقيه المحدث الشيخ
عمر بن علي ابن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الازهري تفقه على الشيخ سالم
النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب بن الفقيه والشيخ محمد الصغير
الورزازي والشيخ احمد الملوي والشبراوي والبليدي وسمع الحديث عن الشهابين احمد البابلي
والشيخ احمد العماوي وابي الحسن علي بن احمد الحريشي الفاسي وتمهر في الفنون ودرس
بالجامع الازهر وبالمشهد الحسيني واشتهر امره وطار صيته واشير اليه بالتقدم في
العلوم وتوجه الى دار السلطنة في مهم اقتضى لامراء مصر فقوبل بالاجابة والقى هناك
دروسا في الحديث في آيا صوفية وتلقى عنه اكابر العلماء هناك في ذلك الوقت وصرف
معززا مقضيا حوائجه وذلك في سنة 1147
ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي بناء مسجده بالازبكية في
تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل سفره الى الديار الرومية وكان مشهورا
في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الالقاء وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني
وافاد وأجاز الاشياخ وكان يطلع في كل جمعة الى المرحوم حمزة باشا مرة فيسمع عليه
الحديث
وكان للناس فيه اعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون
ولكلامه وقع في القلوب توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة 1181 وصلي عليه بصباحه
في الازهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله
ومات الوجيه الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن
عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن احمد بن القطب شمس الدين بن أبي
المفاخر محمد بن داود التشربيني الشافعي وهو احد الاخوة
الثلاثة وهو اكبرهم تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد ابيه فسار فيها سيرا مليحا
واحيا المآثر بعدما اندرست وعمر الزاوية واكرم الوافدين واقام حلقة الذكر كل يوم وليلة
بالمسجد ويغدق على المنشدين وورد مصر مرارا منها صحبة والده ومنها بعد وفاته والف
باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الاوسية سماها عقيلة الاتراب في سند
الطريقة والاحزاب وفي آخره اتى الى مصر لمقتضى ومرض ثلاثة ايام
وتوفي ليلة الاحد غرة ذي القعدة سنة 1181
ومات الشيخ الامام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علما
وعملا ومن أدرك ما لم تدركه الاول المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه
في كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي وهو شريف حسيني
من جهة ام أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبد الكريم بن السيد
برطع المدفون ببركة الحاج وينتهي نسبه الى الامام الحسين رضي الله عنه وكان والده
مستوفيا عند بعض الامراء بمصر وكان غاية من العفاف ولد على راس المائة ببلده حفنا
بالقصر قرية من اعمال بلبيس وبها نشأ والنسبة اليها حفناوي وحفني وحفنوي وغلبت
عليه النسبة حتى صار لا يذكر الا بها وقرأ بها القرآن الى سورة الشعراء ثم حجزه
ابوه باشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره اربع عشرة سنة بالقاهرة فكمل حفظ القرآن
ثم اشتغل بحفظ المتون فحفظ الفية ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبية وابا شجاع
وغير ذلك
واخذ العلم عن علماء عصره واجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر
واقرأ ودرس وأفاد في حياة اشياخه واجازوه بالافتاء والتدريس فاقرا الكتب الدقيقة
كالاشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك من كتب الفقه والمنطق
والاصول والحديث
والكلام عام اثنتين وعشرين واشياخه الذين اخذ عنهم وتخرج
عليهم الشيخ احمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ
احمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ
محمد الصغير ومن اجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي
الشهير بابن المبت اخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والاحياء للإمام
الغزالي وصحيح البخاري ومسلم وسنن ابي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه والموطأ
ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطيراني والمعجم الاوسط والصغير له أيضا وصحيح ابن
حيان والمستدرك للنيسابوري والحلية للحافظ ابي نعيم وغير ذلك
وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للافادة
لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق
العيش والنفقة فاشترى دواة وأقلاما واوراقا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفا
من انقطاعه عن العلم
وكان يتردد الى زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل
ويمكث فيها الليالي متحنثا واقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع
العلماء وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد
وحاشية حفيده علبه كتب عليها وقرأها غير مرة وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي اذا
رفع اليه سؤال يرسله اليه
واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وعالى النظم والنثر
وتخرج عليه غالب اهل عصره وطبقته ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ
اسمعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة احدى وستين
وشيخ الشيوخ الشيخ علي الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل
المحلة الكبرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين منهم
وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله احد لمهابته
وجلالته فمن تآليفه المشهورة
حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وعلى الشنشوري في
الفرائض وعلى شرح الهمزية لابن حجر وعلى مختصر السعد وعلى شرح السمرقندي
للياسمينية في الجبر والمقابلة وله تصانيف أخر مشهورة
وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة جميل
السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها كان على وجهه قنديلا من النور
وكان كريم العين على احداهما نقطة واكثر الناس لا يعلمون
ذلك لجلالته ومهابته وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم آخلاقه اصغاؤه لكلام
كل متكلم ولو من الخزعبلات مع انبساطه اليه واظهار المحبة ولو أطال عليه ومن رآه
مدعيا شيئا سلم له في دعواه ومن مكارم اخلاقه انه لو سأله انسان اعز حاجة عليه
اعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك انسا وانشراحا ولا يعلق أمله بشيء من الدنيا
وله صدقات وصلات اخفية وظاهرة وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الاردب
والطاحون دائمة الدوران وكذلك دق البن وشربات السكر ولا ينقطع وورد الورادين ليلا
ونهارا ويجتمع على مائدته الاربعون والخمسون والستون ويصرف على بيوت اتباعه
والمنتسبين اليه
وشاع ذكره في أقطار الأرض واقبل عليه الوافدون بالطول
والعرض وهادته الملوك وقصده والآخرة وجده
وكان رزقه فيضا الهيا
وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات
وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه
في خصوص الاستاذ وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في
مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك
وصل في ذكر أخذ العهد بطريق الخلوتية وهي نسبة الى سيدي
محمد الخلوتي احد اهل السلسلة ويعرفون
أيضا بالقرباشلية نسبة الى سيدي علي افندي قره باش احد
رجالها ايضا وهذا هو الاسم الخاص المميز لهم عن غيرهم من الخلوتية ولذلك قال السيد
البكري في الالفية ... والخلوتية الكرام فرق ... قد نهجوا نهج الجنيد فرقوا ... وخيرهم طريقنا
العلية ... من قد دعوا بالقربا شليه
...
وهي طريقة مؤيدة بالشريعة الغراء والحنفية السمحاء ليس
فيها تكليف بما لا يطاق وكانت خير الطرق لان ذكرها الخاص بها لا اله الا الله وهي
أفضل ما يقول العبد كما في الحديث الشريف
وكان المترجم رضي الله عنه اشتغل بالسلوك وطريق القوم
بعد الثلاثين فاخذ على رجل يقال له الشيخ احمد الشاذلي المغربي المعروف بالمقري
فتلقى منه بعض أحزاب واوراد ثم قدم السيد البكري من الشام سنة 1133 فاجتمع عليه
الشيخ بواسطة بعض تلامذة السيد وهو السيد عبد الله السلفيتي فسلم عليه وجلس فجعل
السيد ينظر اليه وهو كذلك ينظر اليه فحصل بينهما الارتباط القلبي ثم قام وجلس بين
يدي السيد بعد الاستئذان وكانت عادة السيد اذا اتاه مريد امره اولا بالاستخارة قبل
ذلك الا هو فلم يأمره بها وذلك اشارة الى كمال الارتباط فأخذ عليه العهد حالا ثم
اشتغل بالذكر والمجاهدة
فرأى في منامه في بعض الليالي السيد البكري والشيخ احمد الشاذلي
المذكور جالسين والشيخ حمد يعاتبه على دخوله في الطريق ويعاتب أيضا السيد فقال له
السيد هل لك معه حاجة قال نعم لي معه أمانة
واذا بجريدة خضراء بيد السيد فقال له هذه امانتك قال نعم
فكسرها نصفين ورماها للشاذلي وقال له خذ امانتك ثم انتبه
فاخبر السيد فقال له هذا اتصال بنا وانفصال عنه
وهذه النسبة الباطنية التي صار بها سلمان الفارسي وصهيب
من أهل البيت
وقال ابن الفارض في التائيه على لسان
الصادق صلى الله عليه و سلم ... واني وان كنت ابن آدم
صورة ... فلي فيه معنى شاهد بالأبوة
...
فان آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث
النسبة الباطنة لانه نائب عنه في الارسال ومنبأ بخده في الانزال ولم يستمد من
الحضرة العلية الا بواسطته ولذلك لما توسل به قبلت توبته وزادت محبته ولم يجعل مهر
حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو من المعلوم ضرورة
فظهر بهذا ان هذه النسبة أعظم من تلك لترتب الثمرة عليها
ثم سار في طريقة القوم اتم سير حتى لقنه الاستاذ الاسم
الثاني والثالث
ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع منه في حق الشيخ الا كمال
الادب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره
فمن ذلك انه كان لا يتكلم في مجلسه أصلا الا اذا سأله
فانه يجيبه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى اذن له بالتكلم في مجلسه في
بعض رحلاته الى القاهرة وسببه انه لما رأى اقبال الناس عليه وتوجههم اليه قال له
انبسط الى الناس واستقبلهم لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
ومما اتفق له ان شيخه المذكور قال له مرة تعال الليلة مع
الجماعة واذكروا عندنا في البيت
فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيا
والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له كيف جئت في هذه الحالة
فقال يا سيدي امرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وايضا لا
عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وان كنت حافيا
فقال له احسنت هذا أول قدم في الكمال الى غير ذلك
ولما علم الشيخ صدق حاله وحسن فعاله قدمه على خلفائه
وأولاده حسن ولائه ودعاه بالاخ الصادق ومنحه اسرارا واراه عيون الحقائق وكيفية
تلقين الذكر واخذ العهد كما وجد بخط الاستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالم البصري ما نصه
هذه صورة أخذ العهد ارسلها اليه السيد البكري الصديقي
الخلوتي حين أذنه باخذ العهود على طريقة السادة الخلوتية
ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة ان يجلس المريد
بين يدي الاستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويضع يده
اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدا من امداده ويقول له قل معي استغفر الله العظيم
ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة
نصوحا الى قدير ثم يقرأ آية المبايعة التي في الفتح ليزول الإشتباه وهي إن الذين
يبايعونك إنما يبايعون الله اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم الى قوله تعالى
عظيما ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام
باوراد الطريق والدوام على ذوق اهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر
واذا وقعت الاشارة بتلقين الاسم الثاني لقنه ليبلغ الاماني
وفتح له باب توحيد الافعال اذ لا غيره فعال وفي الثالث
توحيد الاسماء ليشهد السر الاسمى وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه الى اعلى الصفات
وفي الخامس توحيد الذات ليحظى باوفر اللذات وفي السادس والسابع يكمل له التوابع
ونسأل الله تعالى الهداية والرعاية والعناية والدراية
والحمد لله رب العالمين انتهى
هذا ما كتب بخطه الشريف
قال ورأيت أيضا بظهر الثبت المذكور ما نصه
ثم رأيت في الفتوحات الالهية في نفع ارواح الذوات
الانسانية وهو كتاب نحو كراس لشيخ الاسلام زكريا الانصاري ما نصه اذا اراد الشيخ
ان ياخذ العهد على المريد فليتطهر وليأمره بالتطهر من الحدث والخبث ليتهيا لقبول
ما يلقيه اليه من الشروط في الطريق ويتوجه الى الله تعالى ويسأله القبول لهما
ويتوسل اليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه و سلم لانه الواسطة بينه وبين خلفه ويضع يده
اليمنى على يد المريد اليمنى بان يضع رحته على راحته ويقبض ابهامه باصابعه ويتعوذ
ويبسمل ثم يقول الحمد لله رب العالمين استغفر الله العظيم
الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما قال
ثم يقول اللهم اني اشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك
وأولياءك اني قد قبلته شيخنا في الله ومرشدا وداعيا إليه ثم يقول الشيخ اللهم إني
اشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك إني قد قبلته ولدا في الله فاقبله واقبل عليه وكن له
ولا تكن عليه
ثم يدعو كأن يقول اللهم اصلحنا وأصلح بنا واهدنا واهد
بنا وارشدنا وارشد بنا اللهم ارنا الحق حقا والهمنا اتباعه وارنا الباطل باطلا
وارزقنا اجتنابه اللهم اقطع عنا كل قاطع بقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك
عنك انتهى
قلت والمراتب السبعة التي اشار اليها السيد في الكيفية
المتقدمة هي مراتب الاسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال
عليها الاسم الاول لا اله الا الله وتسمى النفس فيه أمارة والثاني الله وتسمى
النفس فيه لوامة والثالث هو وتسمى النفس فيه ملهمة والرابع حق وهو اول قدم يحله
المريد من الولاية كما مرت الاشارة اليه وتسمى النفس فيه مطمئنة الخامس حي وتسمى
النفس فيه راضية والسا دس قيوم وتسمى النفس فيه مرضية والسابع قهار وتسمى النفس
فيه كاملة وهو غاية التلقين
وكلها ما عدا الاول منها تلقن في الاذن اليمنى الا
السابع ففي اليسري وتلقينها بحسب ما يراه الشيخ من احوال المريدين افعال واقوال
وعالم مثال
واعلم ان سلسلة القوم هذه في كيفية اخذ العهد والتلقين
مروية عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو يرويه عن جبريل وهو يرويه عن الله عز و جل
وفي بعض الروايات روايته عن رؤساء الملائكة الاربع
والنبي صلى الله عليه و سلم لقن عليا رضي الله عنه وصورة ذلك كما في ريحان القلوب
في التوصل الى المحبوب لسيدي
يوسف العجمي ان عليا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقال يا رسول الله دلني على اقرب الطرق الى الله تعالى
فقال يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات
فقال علي رضي الله عنه هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا علي لا تقوم
الساعة وعلى وجه الارض من يقول الله
فقال علي كيف اذكر يا رسول الله
قال غمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل انت ثلاث مرات
وانا اسمع
فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا اله الا الله ثلاث
مرات مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي لا اله الا الله ثلاث مرات
مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي صلى الله عليه و سلم يسمع
ثم لقن علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح عند
اهل السلسلة الاخيار من المحدثين
قال الجاحظ السيوطي الراجح ان البصري اخذ عن علي ومثله
عن الضياء المقدسي ومن المقرر في الاصول أن المثبت مقدم على النافي ثم لقن الحسن
البصري حبيبا العجمي وهو لقن داود الطائي وهو لقن معروفا الكرخي وهو لقن سريا
السقطي وهو لقن أبا القاسم سيد الطائفتين الجنيد البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة
في الاسلام
ثم لقن الجنيد ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري وهو
لقن القاضي وجيه الدين وهو لقن عمر البكري وهو لقن ابا النجيب السهروردي وهو لقن
قطب الدين الابهري وهو لقن محمد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن جلال
الدين التبريزي وهو لقن إبراهيم الكيلاني وهو لقن اخي محمد الخلوتي واليه نسبة اهل
الطريق وهو لقن بير عمر الخلوتي وهو لقن اخي بيرام الخلوتي وهو لقن عز الدين
الخلوتي وهو لقن صدر الدين الخيالي وهو لقن يحيى الشرواني صاحب ورد الستار وهو لقن
بير محمد الارزنجاني وهو لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة وهو لقن خير التوقادي
وهو لقن
شعبان القسطموني وهو لقن اسمعيل الجورومي وهو المدفون في
باب الصغير في بيت المقدس عند مرقد سيدي بلال الحبشي وهو لقن سيدي علي افندي قره
باش اي اسود الرأس باللغة التركية واليه نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى افندي
ولده وخلفاؤه كما قال السيد الصديقي اربعمائة ونيف واربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيف
بن حسام الدين الحلبي وهو لقن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال
الدين البكري الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها شيخنا الشيخ محمد
الحفناوي وهو لقن وخلف اشياخا كثيرة منهم بركة المسلمين وكهف الواصلين الصوفي
الصائم القائم العابد الزاهد الشيخ محمد السمنودي المعروف بالمنير شيخ القراء
والمحدثين وصدر الفقهاء والمتكلمين
من مناقبه الحميدة صيام الدهر مع عدم التكلف لذلك وقيام
الليل يقرأ في كل ركعة ثلث القرآن وربما نصفه او جميعه في كل ركعة هذا ورده دائما
صيفا وشتاء فتى وشيخا يافعا ومنها تواضعه وخموله وعدم رؤية نفسه ويبرأ من ان تنسب
اليه منقبة وسيأتي باقي ترجمته في وفاته
ومنهم علامة وقته واوانه الولي الصوفي الشيخ حسن
الشيبيني ثم القوى طلب العلم وبرع فيه وفاق على أقرانه ثم جذبته ايدي العناية الى
الشيخ فاخذ عليه العهد ولقنه اسماء الطريق السبعة على حسب سلوكه في سيره ثنم البسه
التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الذكر
ودعا الناس اليها من سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار
القرآن
ومنهم العالم النحرير الصوفي الصالح السلك الراجح الشيخ
محمد السنهوري ثم الفوى طلب العلم حتى صار من اهل الافتاء والتدريس وانتصب للتأكيد
والتأسيس ثم دعته سعادة حضرة القوم فسلك مع
المجاهدة وحسن السيرة على يد الاستاذ حتى لقنه الاسماء
السبعة والبسه التاج واقامة خليفة يهدي لاقوم منهاج ثم اذن له في التوجه الى بلده
فتوجه اليها وربي بها المريدين وادار مجالس الاذكار بتلك البقاع وعم به في الوجود
الانتفاع
ومنهم البحر الزاخر حائز مراتب المفاخر الولي الرباني
والصوفي في العالم الانساني الشيخ محمد الزعيري اشتغل بالعلم حتى برع وصار قدوة
لكل مفتدي وجذوة لمن لا يهتدي ثم سلك على يد الاستاذ فاخذ عليه العهد ولقنه
الاسماء على حسب سيره وسلوكه ثم خلفه والبسه التاج واجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم الحبر العلامة والبحر الفهامة شيخ الافتاء
والتدريس الشيخ خضر رسلان اشتغل على الشيخ مدة مديدة ولازمه شديدة واخذ عليه العهد
في طريق الخلوتية حتى تلقن الاسماء والبسه الشيخ التاج وصار خليفة مجازا باخذ
العهود والتسليك
ومنهم الشيخ الصوفي الولي صاحب الكرامات والايادي
والمكرمات شيخنا الشيخ محمود الكردي اخذ على الشيخ العهد والطريق ولقنه الاسماء
فكان محمود الإفعال معروفاة بالكمال ثم البسه التاج وصار خليفة واجازه بالتلقين
والتسليك فارشد الناس وازال عن قلوبهم الوسواس
وهو مشهور البركة يعتقده الخاص والعام كثير الرؤية لرسول
الله صلى الله عليه و سلم ومن كراماته انه متى اراد رؤية النبي صلى الله عليه و
سلم رآه
وله مكاشفات عجبية نفعنا الله بحبه ولا حجبنا عن قربه
وهو الذي قام للارشاد والتسليك بعد انتقال شيخه وسلك على يده كثير وخلفوه من بعده
منهم الشيخ الصالح الصوفي والشيخ محمد السقاط والشيخ العلامة شيخ الاسلام
والمسلمين مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الازهر الآن والإمام الاوحد
الشيخ محمد بدير الذي هو الآن بالقدس الشريف والمشار
اليه في التسليك بتلك الديار والشيخ الصالح الناجح ابراهيم الحلبي الحنفي والسيد
الاجل العلامة والرحالة الفهامة السيد عبد القادر الطرابلسي الحنفي والشيخ الامام
العمدة الهمام الشيخ عمر البابلي وغيرهم ادام الله النفع بوجودهم
ومنهم العالم الالمعي الفهامة بقية السلف والخليفة ونعم
الخلف الشيخ محمد سبط الاستاذ المترجم أطال الله بقاءه
ومنهم الشيخ الفهامة الاديب الاريب واللوذعي النجيب
الشيخ محمد البلناوي الشهير بالدمنهوري الشافعي
ومنهم الشيخ الصوفي القدوة الشيخ احمد الغزالي تلقن منه
الاسماء وتخلف عنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم العالم العامل الشيخ احمد القحافي الانصاري اخذ
العهد وانتظم في سلك اهل الطريق وتلقن الاسماء وصار خليفة مجازا فارشد الناس
وافتتح مجالس الاذكار
ومنهم تاج الملة وانسان عين المجد من غير علة ذو النسب
الباذخ والشرف الرفيع الشانح السيد علي القناوي تلقن الاسماء والبس التاج وصار خليفة
حقا ومجازا بالتلقين والتسليك فادار مجالس الاذكار واشرقت به الانوار
ومنهم العلامة العامل والفهامة الواصل الفاضل الشيخ
سليمان المنوفي نزيل طندتا وارشده وخلفه والبسه التاج واجازه فسلك وأرشد وله أحوال
عجيبة
ومنهم الصوفي الصالح الشيخ حسن السخاوي نزيل طندتا ايضا
لقنه وخلفه والبسه التاج فدعا الناس لاقوم منهاج
ومنهم علامة الانام الشيخ محمد الرشيدي الملقب بشعير
لقنه وخلفه واجازه فكثر نفعه
ومنهم العلامة الاوحد ومن على مثله الخناصر تعقد الشيخ
يوسف الرشيدي الملقب بالشيال رحل ايضا اليه فتلقن منه وسلك على يديه حتى صار خليفة
والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك ورجع الى بلاده باوفر زاد وادار مجالس
الذكر واكثر المراقبة والفكر حتى كثرت اتباعه وعم انتفاعه
ومنهم العمدة المقدم الهمام الناسك السالك الشيخ محمد
الشهير بالسقالقنه واجازه بالتلقين والتسليك فكثر نفعه وطاب صنعه
ومنهم فريد دهره وعالم عصره معدن الفضل والكمال قطب
الجمال والجلال الشيخ باكير افندي لقنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم بدر الطريق وشمس افق التحقيق العالم العلامة
والصوفي الفهامة الشيخ محمد الفشني لقنه وخلفه والبسه التاج فاخذ العهود ولقن وسلك
وفاق في سائر الآفاق وتقدم في الخلاف والوفاق
ومنهم العالم العامل والشهم الماهر الكامل الشيخ عبد
الكريم المسيري الشهير بالزيات تلقن العهد والاسماء حسب سلوكه وسيره واجيز باخذ
العهود والتلقين والتسليك فزاد نورا على نور وحبي بلذة الطاعة والحبور
ومنهم شيخ الفروع والاصول الجامع بين المعقول والمنقول
علامة الزمان والحامل في وقته لواء العرفان الشيخ احمد العدوي الملقب بدر دير
جذبته العناية الى نادي الهداية فجاء الى الشيخ وطلب منه تلقين الذكر فلقنه وسار
أحسن سير وسلك احسن سلوك حتى صار خليفة باخذ العهود والتلقين والتسليك مع المجاهدة
والعمل المرضي وسيأتي في وفياتهم تتمة تراجمهم رضي الله عنهم
ومنهم أيضا الشيخ العلامة الولي الصوفي الشيخ محمد
الرشيدي الشهير بالمعصراوي
ومنهم الامام الجامع والولي الصوفي النافع مولاي احمد
الصقلي المغربي تلقن وتخلفه وأجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك
ومنهم الامجد العامل بعمله والمزدري السحر بفهمه الشيخ
سليمان البتراوي ثم الانصاري
ومنهم الصالح العامل الفهامة العابد الزاهد الشيخ اسمعيل
اليمني تلقن وسلك مع التقى والعفاف والملازمة الشديدة والخدمة الاكيدة وحسن
المجاهدة
ومنهم النحرير الكامل واللوذعي الفاضل مؤلف المجموع
الشيخ حسن بن علي المكي المعروف بشمه الناظم الناثر الحاوي الخير المتكاثر وغير
هؤلاء ممن لم نعرف كثير
في ذكر رحلة الاستاذ المترجم الى بيت المقدس وهو انه لما
اذن له السيد البكري بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع له تسليك أحد في هذه الطريقة
إنما كان شغله وتوجهه كله الى العلم واقرائه لكن ذلك بجسمه واما قلبه فلم يكن الا
عند شيخه السيد الصديقي ولم يزل كذلك الى عام تسع واربعين
فحن جسمه الى زيارة شيخه وانشد لسان حاله ... أخذتم
فؤادي وهو بعضى فما الذي ... يضركم لو كان عندكم الكل ...
فارسل اليه السيد يدعوه لزيارته فهام إذ فهم رمز اشارته
وتعلقت نفسه بالرحيل فترك الاقراء والتدريس وتقشف وسافر الى أن وصل بالقرب من بيت المقدس
فقيل له اذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلاني وصل
ركعتين وزر محل كذا فقال لهم انا جئت قاصدا بيت المقدس وما جئت قاصدا الا أستاذي
فلا أدخل الا من بابه ولا أصلي الا في بيته
فعجبوا له فبلغ السيد كلامه فكان سببا لاقباله عليه
وامداده ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجه الى بيت الاستاذ فقابله بالرحب والسعة
وأفرد له مكانا ثم أخذ في المجاهدة من الصلاة والصوم والذكر
والعزلة والخلوة قال فبينما انا جالس في الخلوة اذا بداع
يدعوني اليه فجئت اليه فوجدت بين يديه مائدة فقال انت صائم قلت نعم فقال كل
فامتثلت امره واكلت فقال اسمع ما اقول لك ان كان مرادك صوما وصلاة وجهادا او رياضة
فليكن ذلك في بلدك واما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد اوقاتك بما تروم من المجاهدة
وانما يكون ذلك بحسب الاستطاعة وكل واشرب وانبسط قال فامتثلت اشارته ومكثت عنده
اربعة اشهر كأنها ساعة غير اني لم افارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة
الاسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع الاول والثاني
وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني ثم لما انقضت المدة واراد
العود الى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل الى غزة فبلغ خبره امير تلك القرية
وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء
الطريق اعراب فخاوفوهم فقالوا لاهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وان
كنا منهم فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم واشاروا الى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى
انتهوا الى مكان في اثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم ان طريقكم
هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم اعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك
بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم نأخذه منكم اذا وصلتم الى بلبيس
فتوقف الركب أجمعه فقال الاستاذ انا ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل الى ذلك
كيف تدفع انت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا الا ان ضمنت اهل
القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من ارباب التجارات بضمانة الشيخ
فضمنهم وساروا حتى وصلوا الى بلبيس ثم منها الى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل
عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب واخذ العهود على العالم
وادار مجالس الاذكار بالليل والنهار واحيا طريق القوم
بعد دروسها وأنقذ من ورطة الجهل مهجا من عي نفوسها فبلغ هدية الاقطار كلها وصار في
كثير من قرى مصر نقيب وخليفة وتلامذة واتباع يذكرون الله تعالى ولم يزل امره في
ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر اقطار الارض
وسار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى
بطريقته وصار خليفة الوقت وقطبه ولم يبق ولي من اهل عصره الا اذعن له وحين تصدى
للتسليك واخذ العهود اقبل عليه الناس من كل فج وكان في بدء الامر لا يأخذون الا بالاستخارة
والاستشارة وكتابة اسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد
الصديقي بذلك فقال له لا تمنع احدا يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط واسلم على
يديه خلق كثير من النصارى واول من اخذ عنه الطريق وسلك على يديه الولي الصوفي
العالم العلامة المرشد الشيخ احمد البناء الفوي ثم تلاه من ذكر وغيرهم وكان استاذه
السيد يثني عليه ويمدحه ويراسله نظما ونثرا ويترجمه بالاخ ولولا رآه قسيما له في
الحال ما صدر عنه ذلك المقال حتى انه قال له يوما اني اخشى من دعائكم لي بالاخ
لانه خلاف عادة الاشياخ مع المريدين فقال له لا تخش من شيء وامتدحه اشياخه
ومعاصروه وتلامذته
توفي رضي الله عنه يوم السبت قبل الظهر سابع عشري ربيع
الاول سنة 1181 ودفن يوم الاحد بعد ان صلي عليه في الازهر في مشهد عظيم جدا وكان
يوم هول كبير وكان بين وفاته ووفاة الاستاذ الملوي ثلاثة عشر يوما ومن ذلك التاريخ
ابتدأ نزول البلاء واختلال احوال الديار المصرية وظهر مصداق قول الراغب ان وجوده امان
على اهل مصر من نزول البلاء وهذا من المشاهد المحسوس وذلك انه لم يكن في الناس من
يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فسد نظام العالم وتنافرت
القلوب ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء ومن المعلوم المقرر ان صلاح
الامة بالعلماء والملوك وصلاح الملوك تابع لصلاح العلماء
وفساد اللازم بفساد الملزوم فما بالك بفقده والرحى لا تدور بدون قطبها وقد كان
رحمه الله قطب رحى الديار المصرية ولا يتم امر من امور الدولة وغيرها الا باطلاعه
واذنه ولما شرع الأمراء القائمون بمصر في اخراج التجاريد لعلي بك وصالح بك
واستأذنوه فمنعهم من ذلك وزجرهم وشنع عليهم ولم يأذن بذلك كما تقدم وعلموا انه لا
يتم قصدهم بدون ذاك فاشغلوا الاستاذ وسموه فعند ذلك لم يجدوا مانعا ولا رادعا
وأخرجوا التجاريد وآل الامر لخذلانهم وهلاكهم والتمثيل بهم وملك علي بك وفعل ما
بدا له فلم يجد رادعا أيضا ونزل البلاء حينئذ بالبلاد المصرية والشامية والحجازية
ولم يزل يتضاعف حتى عم الدنيا وأقطار الارض فهذا هو السر الظاهري وهو لا شك تابع
للباطني وهو القيام بحق وراثه النبوة وكمال المتابعة وتمهيد القواعد واقامة اعلام الهدى
والاسلام واحكام مباني التقوى لانهم امناء الله في العالم وخلاصة بني آدم اولئك هم
الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون
ومات شمس الكمال ابو محمد الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين
بن عبد الوهاب بن الشيخ نور بن بايزيد شهاب الدين احمد بن القطب سيدي محمد بن أبي
المفاخر داود الشربيني بمصر ونقلوا جسده الى شريين ودفن عند جده سامحه الله وتجاوز
عن سيآته وتولى بعده في خلافتهم أخوه الشيخ محمد ولهما أخ ثالث اسمه علي وكانت وفاة
المترجم ليلة الاحد غرة ذي القعدة سنة 1181
ومات الشيخ الامام العلامة المتقن المتفنن الفقيه
الاصولي النحوي الشيخ محمد بن محمد بن موسى العبيدي الفارسي الشافعي واصله من
فارسكور أخذ عن الشيخ علي قايتباي والشيخ الدفري والبشبيشي والنفراوي وكان آية في
المعارف والزهد والورع والتصوف وكان
يلقي دروسا بجامع قوصون على طريقة الشيخ العزيزي
والدمياطي وبآخراته توجه الى الحجاز وجاور به سنة والقى هناك دروسا وانتفع به
جماعة ومات بمكة وكان له مشهد عظيم ودفن عند السيدة خديجة رضي الله عنها
ومات الشيخ الامام العلامة مفيد الطالبين الشيخ احمد ابو
عامر النفراوي المالكي أخذ الفقه عن الشيخ سالم النفراوي والشيخ البليدي والطحلاوي
والمعقول عنهم وعن الشيخ الملوي والحفني والشيخ عيسى البراوي وبرع في المعقول
والمنقول ودرس وافاد وانتفع به الطلبة وكان درسه حافلا وله حظوة في كثرة الطلبة
والتلاميذ توفي سنة 1181
ومات الامير حسن بك جوجو وجن علي بك وهما من مماليك
ابراهيم كتخدا وكان حسن مذبذبا ومنافقا بين خشداشينه يوالي هؤلاء ظاهرا وينافق
الآخرين سرا وتعصب مع حسين بك وخليل بك حتى أخرجوا علي بك الى النوسات ثم صار
يراسله سرا ويعلمه باحوالهم وأسرارهم الى أن تحول الى قبلي وانضم الى صالح بك فأخذ
يستميل متكلمي الوجاقلية الى أن كانوا يكتبون لاغراضهم بقبلي ويرسلون المكاتبات في
داخل افصاب الدخان وغيرها وهو مع من بمصر في الحركات والسكنات الى أن حضر علي بك
وصالح بك وكان هو ناصبا وطاقة معهم جهة البساتين فلما أرادوا الارتحال استمر مكانه
وتخلف عنهم وبقي مع علي بك بمصر يشار اليه ويرى لنفسه المنة عليه وربما حدثته
بالامارة دونه وتحقق علي بك انه لا يتمكن من اغراضه وتمهيد الامر لنفسه ما دام حسن
بك موجودا فكتم امره واخذ يدبر على قتله
فبيت مع اتباعه محمد بك وايوب بك وخشداشينهم وتوافقوا
على اغتياله فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن من شهر رجب حضر حسن بك المذكور وكذا
خشداشه جن علي بك وسمرا معه حصة من الليل ثم ركبا فركب صحبتهما محمد
بك وايوب بك ومماليكهما واغتالوهما في اثناء الطريق كما
تقدم
ومات الامير رضوان جربجي الرزاز وأصله مملوك حسن كتخدا
ابن الامير خليل أغا وأصل خليل أغا هذا شاب تركي خردجي يبيع الخردة دخل يوما من
بيت لاجين بك الذي عند السويقة المعروفة بسويقة لاجين وهو بيت عبد الرحمن أغا
المتخرب الآن وكان ينفذ من الجهتين فرآه لاجين بك فمال قلبه اليه ونظر فيه بالفراسة
مخايل النجابة فدعاه للمقام عنده في خدمته فأجاب لذلك واستمر في خدمته مدة وترقى
عنده ثم عينه لسد جسر شرمساح ووعده بالاكرام ان هو اجتهد في سده على ما ينبغي فنزل
اليه وساعدته العناية حتى سده وأحكمه ورجع ثم عينه لجبي الخراج وكان لا يحصل له
الخراج الا بالمشقة وتبقى البواقي على البواقي القديمة في كل سنة فلما نزل وكان في
اوان حصاد الارز فوزن من المزارعين شعير الارز من المال الجديد والبواقي اولا باول
وشطب جميع ذلك من غير ضرر ولا أذية وجمعه وخزنه واتفق انه غلا ثمنه في تلك السنة
غلوا زائدا عن المعتاد فباعه بمبلغ عظيم ورجع لسيده بصناديق المال فقال لا أخذ الا
حقي واما الربح فهو لك فأخذ قدر ماله واعطاه الباقي فذهب واشترى لمخدومه جارية
مليحة واهداها له فلم يقبلها وردها اليه وأعطى له البيت الذي بلتبانة ونزل له عن
طصفة وكفرها ومنية تمامه وصار من الامراء المعدودين فولد لخليل هذا حسن كتخدا
ومصطفى كتخدا كانا أميرين كبيرين معدودين بمصر ومماليكه صالح كتخدا وعبد الله
جربجي وابراهيم جربجي وغيرهم ومن مماليكه حسن حسين جربجي المعروف بالفحل ورضوان
جربجي هذا المترجم وغيرهما أكثر من المائة أمير
وكان رضوان جربجي هذا من الامراء الخيرين الدينين له
مكارم أخلاق وبر ومعروف ولما نفي علي بك عبد الرحمن كتخدا نفاه أيضا وأخرجه من مصر
ثم ان علي بك ذهب
يوما عند سليمان أغا كتخدا الجاويشية فعاتبه على نفي
رضوان جربجي فقال له علي بك تعاتبني على نفي رضوان جربجي ولا تعاتبني على نفي ابنك
عبد الرحمن كتخدا فقال ابني المذكور منافق يسعى في اثارة الفتن ويلقي بين الناس
فهو يستاهل واما هذا فهو انسان طيب وما علمنا عليه ما تشينه في دينه ولا دنياه فقال
نرده لاجل خاطرك وخاطره ورده ولم يزل في سيادته حتى مات على فراشه سادس جمادى
الاولى في هذه السنة والله سبحانه وتعالى أعلم
سنة اثنتين وثمانين ومائة والف استهل شهر المحرم بيوم
الاربعاء في ثانية سافرت التجريدة المعينة الى بحري بسبب الامراء المتقدم ذكرهم
وهم حسين بك وخليل بك ومن معهم وقد بذل جهده علي بك حتى شهل أمرها ولوازمها في
أسرع وقت وسافرت يوم الخميس وأميرها وسر عسكرها محمد بك ابو الذهب
فلما وصلوا الى ناحية دجوة وجدوهم عدوا الى مسجد الخضر
فعدوا خلفهم فوجدوهم ذهبوا الى طندتا وكرنكوا بها فتبعوهم الى هناك واحاطوا
بالبلدة من كل جهة ووقع الحرب بينهم في منتصف شهر المحرم فلم يزل الحرب قائما بين
الفريقين حتى فرغ ما عندهم من الجبخانة والبارود فعند ذلك أرسلوا الى محمد بك
وطلبوا منه الامان فأعطاهم الامان وارتفع الحرب من بين الفريقين
وكاتبهم محمد بك وخادعهم والتزم لهم باجراء الصلح بينهم
وبين مخدومه علي بك فانخدعوا له وصدقوه وانحلت عزائمهم واختلفت آراؤهم
وسكن الحال تلك الليلة ثم ان محمد بك أرسل في ثاني يوم
الى حسين بك يستدعيه ليعمل معه مشورة فحضر عنده بمفرده وصحبته خليل بك السكران
تابعة فقط
فلما وصلوا الى مجلسه ودخلوا اليه فلم يجدوه فعندما
استقر بهما الجلوس دخل عليهما جماعة وقتلوهما وحضر في أثرهما
حسن بك شبكة ولم يعلم ما جرى لسيده فلما قرب من المكان
أحس قلبه بالشر فاراد الرجوع فعاقه رجل سائس يسمى مرزوق وضربه بنبوت فوقع الى
الارض فلحقه بعض الجند واحتز رأسه فلما علم بذلك خليل بك الكبير ومن معه ذهبوا الى
ضريح سيدي أحمد البدوي والتجأوا الى قبره واشتد بهم الخوف وعلموا انهم لاحقون باخوانهم
فلما فعلوا ذلك لم يقتلوهم وأرسل محمد بك يستشير سيده في أمر خليل بك ومن معه فأمر
بنفيه الى ثغر سكندرية وخنقوه بعد ذلك بها
ورجع محمد بك وصالح بك والتجريدة ودخلوا المدينة من باب
النصر في موكب عظيم وامامهم الرؤوس محمولة في صوان من فضة وعدتها ستة رؤوس وهي رأس
حسين بك وخليل بك السكران وحسن بك شبكة وحمزة بك واسمعيل بك أبي مدفع سليمان أغا
الوالي وذلك يوم الجمعة سابع عشر المحرم
وفي يوم الثلاثاء رابع عشر صفر حضر نجاب الحج واطمأن
الناس وفي يوم الجمعة سابع عشره وصل الحجاج بالسلامة ودخلوا المدينة وامير الحاج
خليل بك بلغيه وسر الناس بسلامة الحجاج وكانوا يظنون تعبهم بسبب هذه الحركات
والوقائع
وفي ثامن عشر صفر اخرج علي بك جملة من الامراء من مصر
ونفى بعضهم الى الصعيد وبعضهم الى الحجاز وارسل البعض الى الفيوم وفيهم محمد كتخدا
تابع عبد الله كتخدا وقرا حسن كتخدا وعبد الله كتخدا تابع مصطفى باش اختيار
مستحفظان وسليمان جاويش ومحمد كتخدا الجردلي وحسن افندي الباقرجي وبعض أوده باشية
وعلي جربجي وعلي افندي الشريف جمليان
وفيه صرف علي بك مواجب الجامكية
وفيه ارسل علي بك وقبض على أولاد سعد الخادم بضريح سيدي
احمد البدوي وصادرهم وأخذ منهم اموالا عظيمة لا يقدر قدرها
وأخرجهم من البلدة ومنعهم من سكناها ومن خدمة المقام
الاحمدي وأرسل الحاج حسن عبد المعطي وقيده بالسدنة عوضا عن المذكورين وشرع في بناء
الجامع والقبة والسبيل والقيسارية العظيمة وأبطل منها مظالم أولاد الخادم والحمل والنشالين
والحرمية والعيارين وضمان البغايا والخواطيء وغير ذلك
وفي تاسع شهر ربيع الاول حضر قابجي من الديار الرومية
بمرسوم وقفطان وسيف لعلي بك من الدولة وفيه وصلت الاخبار بموت خليل بك الكبير بثغر
سكندرية مخنوقا
وفي يوم السبت ثاني عشرة نزل الباشا الى بيت علي بك
باستدعائه فتغدى عنده وقدم له تقادم وهدايا
وفي يوم الاحد ثامن عشر ربيع الاخر اجتمع الامراء بمنزل
علي بك على العادة وفيهم صالح بك وقد كان علي بك بيت مع اتباعه على قتل صالح بك
فلما انقضى المجلس وركب صالح بك ركب معه محمد بك وايوب بك ورضوان بك واحمد بك
بشناق المعروف بالجرار وحسن بك العبداوي وعلي بك الطنطاوي واحدق الجميع بصالح بك ومن
خلفهم الجند والمماليك والطوائف فلما وصلوا الى مضيق الطريق عند المفارق بسويقة
عصفور تأخر محمد بك ومن معه عن صالح بك قليلا واحدث له محمد بك حماقة مع سائسه
وسحب سيفه من غمده سريعا وضرب صالح بك وسحب الآخرون سيوفهم ما عدا احمد بك بشناق
وكملوا قتلته ووقع طريحا على الارض ورمح الجماعة الضاربون وطوائفهم الى القلعة
وعندما رأوا مماليك صالح بك واتباعه ما نزل بسيدهم خرجوا على وجوههم ولما استقر
الجماعة القاتلون بالقلعة وجلسوا مع بعضهم يتحدثون عاتبوا أحمد بك بشناق في عدم
ضربه معهم صالح بك وقالوا له لماذا لم تجرد سيفك وتضرب مثلنا فقل بل ضربت معكم
فكذبوه
فقال له بعضهم أرنا سيفك فامتنع وقال ان سيفي لا يخرج من
غمده لاجل الفرجة ثم ستوا وأخذ في نفسه منهم وعلم انهم سيخبرون سيدهم بذلك فلا
يأمن غائلته وذلك ان احمد بك هذا لم يكن مملوكا لعلي بك وانما كان اصله من بلاد
بشناق حضر الى مصر في جملة اتباع علي باشا الحكيم عندما كان واليا على مصر في سنة 1169
فاقام في خدمته الى سنة 1171
وتلبس صالح بك بامارة الحج في ذلك التاريخ فاستأذن احمد
بك المذكور علي باشا في الحج واذن له فحج مع صالح بك واكرمه واحبه والبسه زي
المصريين ورجع صحبته وتنقلت به الاحوال وخدم عند عبدالله بك علي ثم خدم عند علي بك
فأعجبه شجاعته وفروسيته فرقاه في المناصب حتى قلده الصنجقية وصار من الامراء
المعدودين
فلم يزل يراعي منة صالح السابقة عليه فلما عزم علي بك
على خيانة صالح بك السابقة وغدره خصصه بالذكر وأوصاه ان يكون اول ضارب فيه لما
يعلمه في من العصبية له فقيل له ان احمد بك اسر ذلك الى صالح بك وحذره غدر علي بك
اياه فلم يصدقه لما بينهما من العهود والايمان والمواثيق ولم يحصل منه ما يوجب ذلك
ولم يعارضه في شيء ولم ينكر عليه فعلا
فلما اختلى صالح بك بعلي بك اشار البه بما بلغه فحلف له
علي بك بان ذلك نفاق من المخبر ولم يعلم من هو فلما حصل ما حصل ورأى مراقبة
الجماعة له ومناقشتهم له عند استقرارهم بالقلعة تخيل وداخله الوهم وتحقق في ظنه
تجسم القضية فلما نزلوا من القلعة وانصرفوا الى منازلهم تفكر تلك الليلة وخرج من
مصر وذهب الى الاسكندرية وأوصى حريمه بكتمان امره ما امكنهم حتى يتباعد عن مصر
فلما تأخر حضوره بمنزل علي بيك وركوبه سألوا عنه فقيل له انه متوعك فحضر اليه في
ثاني يوم محمد بيك ليعوده وطلب الدخول اليه فلم يمكنهم منعه فدخل الى محل
مبيته فلم يجده في فراشه فسأل عنه حريمه فقالوا لا نعلم
له محلا ولم يأذن لاحد بالدخول عليه وفتشوا عليه فلم يجدوه وارسل علي بيك عبد
الرحمن آغا وامره بالتفتيش عليه وقتله فاحاط بالبيت وفتش عليه في البيت والخطة فلم
يجده وهو قد كان هرب ليلة الواقعة في صورة جزائرلي مغربي وقصقص لحيته وسعى بمفرده
الى شلقان وسافر الى بحري ووصل السعاة بخبره لعلي بيك بانه بالاسكندرية فارسل
بالقبض عليه فوجدوه نزل بالقبطانة واحتمى بها وكان من امره ما كان بعد ذلك كما سيأتي
وهو احمد باشا الجزار الشهير الذكر الذي تملك عكا وتولى الشام وامارة الحج الشامي
وطار صيته في الممالك
وفيه عين علي بيك تجريدة على سويلم بن حبيب وعرب الجزيرة
فنزل محمد بيك بتجريدة الى عرب الجزيرة وايوب بيك الى سويلم فلما ذهب ايوب بيك الى
دجوة فلم يجد بها احدا وكان سويلم بائتا في سند نهور وباقي الحبابية متفرقين في
البلاد فلما وصله الخبر ركب من سند نهور وهرب بمن معه الى البحيرة والتجأ الى الهنادي
ونهبوا دوائره ومواشيه وحضروا بالمنهوبات الى مصر واحتج
عليه بسبب واقعة حسين بيك وخليل بيك لما اتيا الى دجوة بعد واقعة الديرس والجراح
قدم لهم التقادم وساعدهم بالكلف والذبائح ونحو ذلك والغرض الباطني اجتهاده في
ازالة اصحاب المظاهر كائنا ما كان
وفي يوم الاثنين تاسع عشرة امر علي بك باخراج علي كتخدا الخربطلي
منفيا وكذلك يوسف كتخدا مملوكه ونفي حسن افندي درب الشمسي واخوته الى السويس
ليذهبوا الى الحجاز وسليمان كتخدا الجلفي وعثمان كتخدا عزبان المنفوخ وكان خليل بك
الاسيوطي بالشرقية فلما سمع بقتل صالح بك هرب الى غزة
وفي يوم الاحد خامس جمادى الاولى طلع علي بك الى القلعة
وقلد
ثلاثة صناجق من اتباعه وكذلك وجاقلية وقلد ايوب بك تابعه
ولاية جرجا وحسن بك رضوان امير حج وقلد الوالي وفي جمادى الآخرة قلد إسمعيل بك
الدفتروارية وصرف المواجب في ذلك اليوم
وفي منتصف شهر رجب وصل آغا من الديار الرومية وعلى يده
مرسوم بطلب عسكر للسفر فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسوم وكان علي بك احضر سليمان
بك الشابوري من نفيه بناحية المنصورة وكان منفيا هناك من سنة 1172
وفي يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة ولبسوا سليمان
بك الشابوري امير السفر الموجه الى الروم واخذوا في تشهيله وسافر محمد بك ابو
الذهب بتجريدة ومعه جملة من الصناجق والمقاتلين لمنابذة شيخ العرب همام فلما قربوا
من بلاده ترددت بيتهم الرسل واصطلحوا معه على أن يكون لشيخ العرب همام من حدود
برديس ولا يتعدى حمكه لما بعدها
واتفقوا على ذلك ثم بلغ شيخ العرب انه ولد لمحمد بك
مولود فارسل له بالتجاوز عن برديس ايضا انعاما منه للمولود ورجع محمد بك ومن معه
الى مصر
وفيه قبض علي بك على الشيخ احمد الكتبي المعروف بالسقط
وضربه علقة قوية وامر بنفيه الى قبرص فلما نزل الى البحر الرومي ذهب الىا اسلامبول
وصاهر حسن افندي قطه مسكين النجم واقام هناك الى أن مات وكان المذكور من دهاة
العالم يسعى في القضايا والدعاوى يحيى الباطل ويبطل الحق بحسن سبكه وتداخله
وفي سابع عشرة حصلت قلقة من جهة والي مصر محمد باشا وكان
اراد ان يحدث حركة فوشي به كتخداه عبد الله بك الى علي بك فاصبحوا وملكوا الابواب
والرميلة والمحجر وحوالي القلعة وأمروه بالنزول فنزل من باب الميدان الى بيت احمد
بك كشك واجلسوا عنده الحرسجية
وفي يوم الاحد غرة شعبان تقلد علي بك قائمقامية عوضا عن
الباشا
وفي يوم الخميس أرسل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان الى
رجل من الاجناد يسمى اسمعيل اغا من القاسمية وامره بقتله وكان اسمعيل هذا منفيا
جهة بحري وحضر الى مصر قبل ذلك وأقام ببيته جهة الصليبة
وكان مشهورا بالشجاعة والفروسية والاقدام فلما وصل الاغا
حذاء بيته وطلبه ونظر الى الاغا واقفا باتباعه ينتظره علم انه يطلبه ليقتله كغيره
لانه تقدم قتله لاناس كثيرة على هذا النسق بأمر علي بك فامتنع من النزول واغلق
بابه ولم يكن عنده احد سوى زوجته وهي ايضا جارية تركية
وعمر بندقيته وقرابينته وضرب عليهم فلم يستطيعوا العبور
اليه من الباب وصارت زوجته تعمر له وهو يضرب حتى قتل منهم أناسا وانجرح كذلك
واستمر على ذلك يومين وهو يحارب وحده
وتكاثروا عليه وقتلوا من اتباعه وهو ممتنع عليهم الى ان
فرغ منه البارود والرصاص ونادوه بالامان فصدقهم ونزل من الدرج فوقف له شخص وضربه
وهو نازل من الدرج وتكاثروا عليه وقتلوه وقطعوا رأسه ظلما رحمه الله تعالى
وفي تاسع عشره صرفت المواجب على الناس والفقراء
وفي ثامن عشرينه خرج موكب السفر الموجه الى الروم في
تجمل زائد
وفي عاشر رمضان قبض علي بك على المعلم اسحق اليهودي معلم
الديوان ببولاق وأخذ منه اربعين الف محبوب ذهب وضربه حتى مات وكذلك صادر اناسا
كثيرة في اموالهم من التجار مثل العشوبي والكمين وغيرهما وهو الذي ابتدع المصادرات
وسلب الاموال من مبادي ظهوره واقتدى به من بعده
وفي شوال هيأ علي بك هدية حافلة وخيولا مصرية جيادا
وارسلها الى اسلامبول للسلطان ورجال الدولة وكان المتسفر بذلك ابراهيم
أغا سراج باشا وكتب مكاتبات الى الدولة ورجالها والتمس
من الشيخ الوالد أن يكتب له ايضا مكاتبات لما يعتقده من قبول كلامه واشارته عندهم
ومضمون ذلك الشكوى من عثمان بك بن العظم والي الشام وطلب عزله عنها بسبب انضمام
بعض المصريين المطرودين اليه ومعاونته لهم وطلب منه ان يرسل من طرفه اناسا مخصوصين
فأرسل الشيخ عبد الرحمن العريشي ومحمد افندي البردلي فسافروا مع الهدية وغرضه بذلك
وضع قدمه بالقطر الشامي ايضا
وفي ثاني عشر ذي القعدة رسم بنفي جماعة من الامراء ايضا
وفيهم ابراهيم اغا الساعي اختيارية متفرقة واسمعيل افندي جاويشان وخليل أغا باش
جاويشان جمليان وباشجاويش تفكجيان ومحمد افندي جراكسة ورضوان والزعفراني فارسل
منهم الى دمياط ورشيد واسكندرية وقبلي وأخذ منهم دراهم قبل خروجهم واستولى على
بلادهم وفرقها في اتباعه وكانت هذه طريقته فيمن يخرجه يستصفي اموالهم أولا ثم
يخرجهم ويأخذ بلادهم واقطاعهم فيفرقها على مماليكه واتباعه الذين يؤمرهم في مكانهم
ونفى ايضا ابراهيم كتخدا جدك وابنه محمدا الى رشيد وكان ابراهيم هذا كتخدا ثم عزله
وولاه الحسبة فلما نفاه ولى مكانه في الحسبة مصطفى اغا والله اعلم
من مات في هذه السنة ومات الامام الفقيه المحدث الاصولي
المتكلم شيخ الاسلام وعمدة الانام الشيخ احمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن
يوسف بن كريم الدين الكريمي الحالدي الشافعي الازهري الشهير بالجوهري وانما قيل له
الجوهري لان والده كان يبيع الجوهر فعرف به ولد بمصر سنة 1096 واشتغل بالعلم وجد
في تحصيله حتى فاق أهل عصره ودرس بالازهر وأفتى نحو ستين سنة مشايخه كثيرون منهم
الشهاب احمد بن الفقيه
ورضوان الطوخي امام الجامع الازهر والشيخ منصور المنوفي
والشهاب أحمد الخليلي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ
محمد ابو العز العجمي والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ عبد الجواد المخلي الشافعيون
والشيخ محمد السجلماسي والشيخ أحمد الننراوي ! والشيخ سليمان الحصيني والشيخ
عبدالله الكنكسي الشيخ محمد الصغير الورزازي وابن زكري والشيخ احمد الهشتوكي
والشيخ سليمان الشبرخيتي والسيد عبد القادر المغربي ومحمد القسطنطيني ومحمد
النشرتي المالكيون ورحل الى الحرمين في سنة 1120 فسمع من البصري والنخلي في سنة
1124 ثم في سنة 1130 وحمل في هذه الرحلات علوما جمة اجازه مولاي الطيب بن مولاي عبد
الله الشريف الحسيني وجعله خليفة بمصر وله شيوخ كثيرون غير من ذكرت وقد وجدت في بعض
اجازاته تفصيل ما سمعه من شيوحه ما نصه على البصري والنخلي أوائل الكتب الستة
والاجازة العامة مع حديث الرحمة بشرطه وعلى الاطفيحي بعض كتب الفقه والحديث
والتصوف والاجازة العامة وعلى السجلماسي في سنة 1126 الكبرى للسنوسي ومختصرة
المنطقي وشرحه وبعض تلخيص القزويني وأول البخاري الى كتاب الغسل وبعض الحكم
العطائية وأجازه علي بن زكري أوائل الستة وأجازه وعلى الكنكسي الصحيح بطرفيه وشرح
العقائد للسعد وعقائد السنوسي وشروحها وشرح التسهيل لابن مالك الى آخره وشرح
الالفية للمكوي والمطول بتمامه وشرح التلخيص وعلى الهشتوكي الاجازة بسائرها وعلى
النفراوي شرح التلخيص مرارا وشرح الفية المصطلح وشرح الورقات وعلي الديوي شرح
المنهج لشيخ الاسلام مرارا وشرح التحرير وشرح القية ابن الهائم وشرح التلخيص وشرح
ابن عقيل على الالفية وشرح الجزرية وعلى المنوفي جمع الجوامع وشرحه للمحلى وشرح
التلخيص
وعلى ابن الفقيه شرح التحرير وشرح الخضيب مرارا وشرح
العقائد النسفية وشرح التلخيص والخبيصي وعلى الطوخي شرح الخطيب وابن قاسم مرارا
وشرح الجوهرة لعبد السلام وعلي الخليفي البخاري وشرح التلخيص والاشموني والعصام
وشرح الورقات وعلي الحصيني شرح الكبرى للسنوسي بتمامه وعلى الشبرخيتي شرح الرحبية
وشرح الاجرومية وغيرهما وعلى الورزازي شرح الكبرى بتمامه مرارا وشرح الصغرى وشرح
مختصر السنوسي والتفسير وغيره وعلي البشبيشي المنهج مرارا وجمع الجوامع مرارا
والتلخيص والفية المصطلح والشمائل وشرح التحرير لزكريا وغيره هذا نص ما وجدته بخطه
واجتمع بالقطب سيدي احمد بن ناصر فأجازه لفظا وكتابه
وممن أجازه أبو المواهب البكري واحمد البناء وأبو السعود الدنجيهي وعبد الحي
الشرنبلالي ومحمد بن عبد الرحمن المليجي وفي الحرمين عمر بن عبد الكريم الخلخالي
حضر دروسه وسمع منه المسلسل بالاولية بشرطه وتوجه بآخرته الحرمين باهله وعياله
وألقى الدروس وانتفع به الواردون ثم عاد الى مصر فانجمع عن الناس وانقطع في منزله
يزار ويتبرك به وله تآليف منها منقذة العبيد عن ربقة التقليد في التوحيد وحاشية
علي عبد السلام ورسالة في الاولية وأخرى في حياة الانبياء في قبورهم وأخرى في
الغرائق وغيرها وكانت وفاته وقت الغروب يوم الاربعاء ثامن جمادى الاولى وجهز
بصباحه وصلي عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن بالزاوية القادرية داخل درب شمس
الدولة رحمه الله
ومات الامام العلامة والحبر الفهامة الفقيه الدراكة
الاصولي النحوي شيخ الاسلام وعمدة ذوي الافهام الشيخ عيسى بن احمد بن عيسى بن محمد
الزبيري البراوي الشافعي الازهري ورد الجامع وهو
صغير فقرأ العلم على مشايخ وقته وتفقه على الشيخ مصطفى
العزيزي وابن الفقيه وحضر دروس الملوي والجوهري والبشبراوي وانجب وشهد له بالفضل
أهل عصره وقرأ الدروس في الفقه واحدقت به الطلبة واتسعت حلقته واشتهر بحفظ الفروع
الفقهية حتى لقب بالشافعي الصغير لكثرة استحضاره في الفقه وجودة تقريره وانتفع به
طلبة العصر طبقة بعد طبقة وصاروا مدرسين وروى الحديث عن الشيخ محمد الدفري وكان حسن
الاعتقاد في الشيخ عبد الوهاب العفيفي وفي سائر الصلحاء
وله مؤلفات مقبولة منها حاشية على شرح الجوهرة في
التوحيد وشرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلد يذكر في كل حديث ما يتعلق بالفقه
خاصة ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي سحر ليلة الاثنين رابع رجب وجهز في
صباحه وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل ودفن بالمجاورين وبني على قبره مزار ومقام
واستقر مكانه في التصدر والتدريس ابنه العلامة الشيخ احمد ولازم حضوره تلامذة ابيه
رحمه الله
ومات الامام العلامة الفقيه واللوذعي الذكي النبيه عمدة
المحققين ومفتي المسلمين حسن بن نور الدين المقدسي الحنفي الازهري تفقه على شيخ
وقته الشيخ سليمان المنصوري والشيخ محمد عبد العزيزي الزيادي وحضر دروس الشيخ
مصطفى العزيزي والسيد علي الضرير والملوي والجوهري والحفني والبليدي وغيرهم ودرس
بالجامع الازهر في حياة شيوخه ولما بنى الامير عثمان كتخدا مسجده بالازبكية جعله
خطيبا واماما به وسكن في منزل قرب الجامع وراج أمره ولما شعر فتوى الحنفية بموت
الشيخ سليمان المنصوري جعل شيخ الحنفية بعناية عبد الرحمن كتخدا وكان له به الفة
ثم ابتنى منزلا نفيسا مشرفا على بركة الازبكية بمساعدة بعض الامراء واشتهر امره
ودرس بعدة
أماكن كالصرغقشية المشروطة لشيخ الحنفية والمدرسة
المحمودية والشيخ مطهر وغيرها والف متنا في فقه المذهب ذكر فيه الراجح من الاقوال
واقتنى كتبا نفيسة بديعة الامثال وكان عنده ذوق والفة ولطافة وأخلاق مهذبة توفي
يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة
ومات الامام العلامة احد أذكياء العصر ونجباء الدهر
الشيخ محمد ابن بدر الدين الشافعي سبط الشمس الشرنبابلي ولد قبل القرن بقليل
وأجازه جده وحضر بنفسه على شيوخ وقته كالشيخ عبد ربه الديوي والشيخ مصطفى العزيزي
وسيدي عبد الله الكنكسي والسيد علي الحنفي والشيخ الملوي في آخرين وباحث وناصل
والف وأفاد ولزمه سليقة في الشعر جيدة وكلامه موجود بين ايدي الناس وله ميل لعلم
اللغة ومعرفة بالانساب غير انه كان كثير الوقيعة في الشيخ محي الدين ابن عربي قدس
الله سره والف عدة رسائل في الرد عليه وكان يباحث بعض اهل العلم فيما يتعلق بذلك
فينصحونه ويمنعونه من الكلام في ذلك فيعترف تارة وينكر أخرى ولا يثبت على اعترافه
وبلغني انه الف مرة رسالة في الرد عليه في ليلة من الليالي ونام فاحترق منزله
بالنار واحترقت تلك الرسالة من جملة ما احترق من الكتب ومع ذلك فلم يرجع عما كان عليه
من التعصب وربما تعصب لمذهبه فيتكلم في بعض مسائل مع الحنفية ويرتب عليها أسئلة
ويغض عنهم ولما كان عليه مما ذكر لم يخل حاله عن ضيق وهيئته عن رثاثة توفي المترجم
في المحرم افتتاح السنة وصلي عليه بالازهر ودفن بالقرافة عند جده لامه رحمه الله
تعالى
ومات الجناب الامجد والملاذ الاوحد حامل لواء علم المجد
وناشره وجالب متاع الفضل وتاجره السيد أحمد بن اسمعيل بن محمد أبو الامداد سبط بني
الوفي والده وجده من أمراء مصر وكذا اخوه لابيه محمد وكل منهم قد تولى الامارة
والمترجم أمه هي ابنة الاستاذ سيدي
عبد الخالق بن وفي ولد بمصر ونشأ في حجر أبويه في عفاف
وحشمة وأبهة وأحبه الناس لمكان جده لامه المشار اليه مع جذب فيه وصلاح وتولى نقابة
السادة الاشراف سنة 1168 ثم تولى الخلافة الوفائية بعد وفاة السيد ابي هادي فنزل
عن النقابة للسيد محمد افندي الصديقي وقنع بخلافة بيتهم وكان انسانا حسنا بهيا ذا
تؤدة ووقار وفيه قابلية لادراك الامور الدقيقة والاعمال الرياضية وهو الذي حمل
الشيخ مصطفى الخياط الفلكي على حساب حركة الكواكب الثابتة وأطوالها وعروضها ودرجات
ممرها ومطالعها لما بعد الرصد الجديد الى تاريخ وقته وهي من مآثره مستمرة المنفعة
لمدة من السنين واقتنى كثيرا من الآلات الهندسية الادوات الرسمية رغب فيها وحصلها
بالاثمان الغالية وهو الذي أنشأ المكان اللطيف المرتفع بدارهم المجاور للقاعة الكبيرة
المعروفة بأم الافراح المطل على الشارع المسلوك وما به من الرواشن المطلة على حوش
المنزل والطريق وما به من الخزائن والخورنقات والرفارف والشرفات والرفوف الدقيقة
الصنعة وغير ذلك وهو الذي كنى الفقير بابي العزم وذلك في سنة 1177 برحاب اجدادهم
يوم المولد النبوي المعتاد وتوفي في سابع المحرم سنة تاريخه وصلي عليه بالجامع
الازهر بمشهد حافل ودفن بتربة اجدادهم نفعنا الله بهم وامدنا من أمدادهم
وتولى الخلافة بعده مسك ختامهم ومهبط وحي اسرارهم نادرة
الدهر وغرة وجه العصر الامام العلامة واللوذعي الفهامة من مصابيح فضله مشارق
الانوار السيد شمس الدين محمد ابو الانوار نسأل الله لحضرته طول البقاء ودوام العز
والارتقاء آمين
ومات الامام العلامة الفقيه النبيه شيخ الاسلام وعمدة
الانام الشيخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن احمد السجيني الشافعي الازهري
شيخ الازهر وكنيته ابو الجود اخذ عن عمه الشمس السجيني
ولازمه وبه تخرج وبعد وفاته درس المنهج موضعه وتولى
مشيخة الازهر بعد الشيخ الحفني وسار فيها بشهامة وصرامة الا انه لم تطل مدته وتوفي
رابع عشر شوال وصلي عليه بالازهر ودفن بجوار عمه باعلى البستان واتفق انه وقعت له
حادثة قبل ولايته على مشيخة الجامع بمدة وهي التي كانت سببا لاشتهار ذكره بمصر
وذلك ان شخصا من تجار خان الخليلي تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من
امامه فتبعه هو وآخرون من ابناء جنسه فدخل الى بيت الشيخ المترجم فاضل خلفه وضربه
برصاصة فاصابت شخصا من اقارب الشيخ يسمى السيد احمد فمات وهرب الضارب فطلبوه
فامتنع عليهم وتعصب معه اهل خطته وابناء جنسه فاهتم الشيخ عبد الرؤوف وجمع المشايخ
والقاضي وحضر اليهم جماعة من امراء الوجاقلية وانضم اليهم الكثير من العامة وثارت فتنة
أغلق الناس فيها الاسواق والحوانيت واعتصم اهل خان الخليلي بدائرتهم واحاط الناس
بهم من كل جهة وحضر اهل بولاق واهل مصر القديمة وقتل بين الفريقين عدة اشخاص
واستمر الحال على ذلك اسبوعا ثم حضر علي بك ايضا وذلك في مبادي امره قبل خروجه
منفيا واجتمعوا بالمحكمة الكبرى وامتلأ حوش القاضي بالغوغاء والعامة وانحط الامر
على الصلح وانفض الجمع ونودي في صبحها بالامان وفتح الحوانيت والبيع والشراء وسكن
الحال
ومات الشيخ الصالح الخير الجواد احمد بن صلاح الدين
الدنجيهي الدمياطي شيخ المتبولية والناظر على اوقافها كان رجلا رئيسا محتشما صاحب
احسان وبر ومكارم اخلاق وكان ظلا ظليلا على الثغر يأوي اليه الواردون فيكرمهم
ويواجههم بالطلاقة والبشر التام مع الاعانة والانعام ومنزله مجمع للاحباب ومورد
لائتناس الاصحاب وتوفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة عن ثمانين سنة تقريبا
ومات الامام الفاضل احد المتصدرين بجامع بن طولون الشيخ
احمد ابن احمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عامر العطاشي الفيومي الشافعي كان له
معرفة في الفقه والمعقول والادب بلغني انه كان يخبر عن نفسه انه يحفظ اثني عشر الف
بيت من شواهد العربية وغيرها وادرك الاشياخ المتقدمين واخذ عنهم وكان انسانا حسنا
منور الوجه والسيبة ولديه فوائد ونوادر مات في سادس جمادى الثانية عن نيف وثمانين
سنة تقريبا غفر الله له
ومات الامير خليل بك القازدغلي اصله من مماليك ابراهيم
كتخدا القازدغلي وتقلد الامارة والصنجقية بعد موت سيده وبعد قتل حسين بك المعروف
بالصابونجي وظهر شأنه في أيام علي بك الغزاوي وتقلد الدفتردارية ولما سافر علي بك
اميرا بالحج في سنة ثلاث وسبعين جعله وكيلا عنه في رياسة البلد ومشيختها وحصل ما
حصل من تعصبهم على علي بك وهروبه الى غزة كما تقدم وتقلبت الاحوال فلما نفي علي بك
جن في المرة الثانية كان هو المتعين للامارة مع مشاركة حسين بك كشكش فلما وصل علي
بك وصالح بك على الصورة المتقدمة هرب المترجم مع حسين بك وباقي جماعتهم الى جهة
الشام ورجعوا في صورة هائلة وجرد عليهم علي بك وكانت الغلبة لهم على المصريين فلم
يجسراو على الهجوم كما فعل علي بك وصالح بك
فلو قدر الله لهم ذلك كان هو الرأي فجهز علي بك على
الفور تجريدة عظيمة وعليهم محمد بك ابو الذهب وخشداشينه فخرجوا اليهم وعدوا خلفهم
ولحقوهم الى طندتا فحاصروهم بها وحصل ما حصل من قتل حسين بك ومن معه والتجأ
المترجم الى ضريح سيدي احمد البلدوي فلم يقتلوه اكراما لصاحب الضريح
وارسل محمد بك يخبر مخدومه ويستشيره في أمره فارسل اليه
بتأمينه وارساله الى ثغر سكندرية ثم ارسل بقتله فقتلوه بالثغر خنقا ودفن هناك
وكان اميرا جليلا ذا عقل ورياسة واما الظلم فهو قدر
مشترك في الجميع
ومات ايضا الامير حسين بك كشكش القازدغلي وهو ايضا من
مماليك ابراهيم كتخدا وهو احد من تآمر في حياة استاذه وكان بطلا شجاعا مقداما
مشهورا بالفروسية وتقلد امارة الحج اربع مرات آخرها سنة 1176 ورجع اوائل سنة 1177 ووقع
له مع العرب ما تقدم الالماع به في الحوادث السابقة واخافهم وهابوه حتى كانوا
يخوفون بذكره اطفالهم وكذلك عربان الاقاليم المصرية
وكان اسمر جهوري الصوت عظيم اللحية يخالطها الشيب يميل
طبعه الى المزاح والخدعة واذا لم يجد من يمازحه في حال ركوبه وسيره مازح سواسه
وخدمه وضاحكهم
وسمعته مرة يقول لبعضهم مثلا سائرا ونحو ذلك
وكان له ابن يسمى فيض الله كريم العين فكان يكنى به
قتل المترجم بطندتا واتى برأسه الى مصر كما تقدم ودفن
هناك وقبره ظاهر مشهور ودفن ايضا معه مملوكه حسن بيك شبكة وخليل بيك السكران وكانا
ايضا يشبهان سيدهما في الشجاعة والخلاعة
ومات الامير الكبير الشهير صالح بك القاسمي وأصله مملوك
مصطفى بك المعروف بالفرد ولما مات سيده تقلد الامارة عوضه وجيش عليه خشداشينه
واشتهر ذكره وتقلد امارة الحج في سنة 1172 كما تقدم في ولاية علي باشا الحكيم وسار
أحسن سير ولبسته الرياسة والامارة والتزم ببلاد أسياده واقطاعاتهم القبلية هو
وخشداشينه واتباعهم وصار لهم نماء عظيم وامتزجوا بهوارة الصعيد وطباعهم ولغتهم
ووكله شيخ العرب همام في اموره بمصر وأنشأ داره العظيمة المواجهة للكبش ولم يكن
لها نظير بمصر
ولما نما أمر علي بك ونفي عبد الرحمن كتخدا الى السويس
كان المترجم هو المتسفر عليه وأرسل خلفه فرمانا بنفيه الى غزة ثم نقل منها الى
رشيد ثم ذهب من هناك الى الصعيد من ناحية البحيرة واقام بالمنية وتحصن بها وجرى ما
جرى من توجيه المحاربين اليه وخروج
علي بك منفيا وذهابه الى قبلي وانضمامه الى المذكور كما
تقدم بعد الايمان والعهود والمواثيق وحضوره معه الى مصر على الصورة المذكورة آنفا
وقد ركن اليه وصدق مواثيقه ولم يخرج عن مزاجه ولا ما يأمر به مثقال ذرة وباشر قتال
حسين بك كشكش وخليل بك ومن معهما مع محمد بك كما ذكر آنفا كل ذلك في مرضاة علي بك
وحسن ظنه فيه ووفائه بعهده الى ان غدر به وخانه وقتله كما ذكر
وخرجت عشيرته وأتباه من مصر على وجوههم منهم من ذهب الى
الصعيد ومنهم من ذهب الى جهة بحري
وكان أميرا جليلا مهيبا لين العريكة يميل بطبعه الى
الخير ويكره الظلم سليم الصدر ليس فيه حقد ولا يتطلع لما في أيدي الناس والفلاحين
ويغلق ما عليه وعلى أتباعه وخشداشينه من المال والغلال الميرية كيلا وعينا سنة
بسنة وقورا محتشما كثير الحياء وكانت احدى ثناياه مقلوعة فاذا تكلم مع أحد جعل طرف
سبابته على فمه ليسترها حياء من ظهورها حتى صار ذلك عادة له
ولما بلغ شيخ العرب همام موته اغتم عليه غما شديدا وكان
يحبه محبة اكيدة وجعله وكيله في جميع مهماته وبعلقاته بمصر ويسدد له ما عليه من
الاموال الميرية والغلال
ولما قتل الامير صالح بك أقام مرميا تجاه الفرن الذي
هناك حصة ثم أخذوه في تابوت الى داره وغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة رحمه الله
ومات وحيد دهره في المفاخر وفريد عصره في المآثر نخبة
السلالة الهاشمية وطراز العصابة المصطفوية السيد جعفر بن محمد البيتي السقاف
باعلوي الحسيني أديب جزيرة الحجاز ولد بمكة وبها أخذ عن النخلي والبصري وأجيز
بالتدريس فدرس وأفاد
واجتمع إذ ذاك بالسيد عبد الرحمن العيدروس وكل منهما أخذ
عن صاحبه وتنقلت به الاحوال فولي كتابة الينبع ثم وزارة المدينة وصار اماما في
الادب يشار اليه بالبنان وكلامه العذب يتناقله الركبان وله ديوان شعر جمعه لنفسه
وله مدائح وقصائد وغزليات كلها غرر محشوة بالبلاغة تدل
على غزارة علمه وسعة اطلاعه
توفي بهذه السنة بالمدينة المنورة
سنة ثلاث وثمانين ومائة والف فيها في المحرم أخرج علي بك
عثمان اغا الوكيل من مصر منفيا الى جهة الشام وكذلك احمد أغا اغات الجوالي وأغات
الضربخانة الى جهة الروم
وكان أحمد أغا هذا رجلا عظيما ذا غنية كبيرة وثروة زائدة
فصادره علي بك في ماله وامره بالخروج من مصر فاحضر المطربازية والدلالين والتجار
وأخرج متاعه وذخائره وباعها بسوق المزاد بينهم فبيع موجوده من أمتعة وثياب وجواهر
وتحف واسلحة وكتب واشياء نفيسة وهو ينظر اليها ويتحسر ثم سافر الى جهة الاسكندرية
وفيها توفي محمد باشا الذي كان بقصر عبد الرحمن كتخدا
بشاطيء النيل ولعله مات مسموعا ودفن بالقرافة الصغرى عند مدافن الباشوات بالقرب من
الامام الشافعي
ونزل الحج ودخل الى مصر مع امير الحاج خليل بك بلغيا في
امن وأمان
ووصل باشا من طريق البر وطلع الامراء الى العادلية
لملاقاته ونصبوا خيامهم ودخل بالموكب وذلك في شهر صفر
وفيها أرسل علي بك تجريدة الى سويلم بن حبيب والهنادي
بالبحيرة ثم نقل منها الى المحلة الكبرى فاقام سنين
وفيها ارسل علي بك تجريدة الى سويلم بن حبيب والهنادي
بالبحبر وباش التجربدة اسمعيل بك وذلك ان ابن حبيب لما رحل من دجوة وذهب الى
البحيرة وانضم الى عرب الهنادي وكان المتولي على كشوفية البحيرة عبدالله بك تابع علي
بك فحاربوه وحاربهم حتى قتل عبد الله بك المذكور في المعركة ونهبوا متاعة ووطاقه
وكان احمد بك بشناق لما خرج من مصر هاربا بعد قتل صالح بك كما تقدم ذهب الى الروم
فصادف
هناك جماعة من الهربانين ومنهم يحيى السكري وعلي أغا المعمار
وعلي بك الملط وغيرهم وزيفوا بسبب المغرضين لعلي بك بدار السلطنة فنزلوا في مركبين
الى درنة فوصلوها متفرقين
فالتي وصلت اولا بها يحيى السكري وعلي المعمار والملط
فركبوا عندما وصلوا الى درنة وذهبوا الى الصعيد ووصلت المركب الأخرى بعد أيام وبها
أحمد بك بشناق فطلع الى عند الهنادي
فلما وصل اسمعيل بك ومن معة بالتجريدة فتحاربوا مع
الحبايبة والهنادي ومعهم أحمد بك بشناق ثلاثة أيام وكان سويلم بن حبيب منعزلا في خيمة
صغيرة عند امرأة بدوية بعيدا عن المعركة فذهب بعض العرب وعرف الامراء بمكانة
فكبسوه وقتلوه وقطعوا رأسة ورفعوها على رمح واشتهر ذلك
فارتفع الحرب من بين الفريقين وتفرق الهنادي وعرب
الجزيرة والصوالحة وغيرهم وراحت كسرة على الجميع ولم يقم لهم قائم من ذلك اليوم
وتغيب أحمد بك بشناق فلم يظهر الا بعد مدة ببلاد الشام
وفيها تقلد أيوب بك على منصب جرجا وخرج مسافرا ومعه عدة
كبيرة من العساكر والاجناد فوصلوا الى قرب اسيوط فوردت الاخبار باجتماع الامراء
المنفيين وتملكهم اسيوط وتحصنهم بها وكان من أمرهم انه لما ذهب محمد بك أبو الذهب الى
جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام كما تقدم وجرى بينهما الصلح على ان يكون لهمام من
حدود برديس وتم الامر على ذلك بشرط ان تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم
احدا بدائرتك
فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم اذهبوا الى اسيوط واملكوها
قبل كل شيء فان فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا امدكم بعد ذلك بالمال
والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا الى اسيوط وكان بها عبد الرحمن كاشف من طرف
علي بك وذو الفقار كاشف
وقد كانوا حصنوا البلدة وجهاتها وبنوا كرانك والبوابة
وركب عليها المدافع فتحيل ليلا وزحفوا الى البوابة ومعهم انخاخ وأحطاب جعلوا فيها
الكبريت والزيت وأشعلوها وأحرقوا الباب وهجموا على البلدة فلم يكن له بهم طاقة
لكثرتهم وهم جماعة صالح بك وباقي القاسمية وجماعة الخشاب وجماعة الفلاح وجماعة
مناو ويحيى السكري وسليمان الجلفي وحسن كاشف ترك وحسن بك ابو كرش ومحمد بك
الماوردي وعبد الرحمن كاشف من خشداشين صالح بك وكان من الشجعان ومحمد كتخدا الجلفي
وعلي بك الملط تابع خليل بك وجماعة كشكش وغيرهم ومعهم كبار الهوارة واهالي الصعيد
فملكوا اسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت
الاخبار بذلك الى علي بك فعين للسفر ابراهيم بلغيا ومحمد بك أبا شنب وعلي بك
الطنطاوي ومن كل وجاق جماعة وعساكر ومغاربة وأرسل الى خليل بك القاسمي المعروف بالاسيوطي
فاحضره من غزة وطلع هو وابراهيم بك تابع محمد بك بعساكر أيضا وعزل الباشا وأنزله
وحبسه ببيت ايواظ يك عند الزير المعلق ثم سافر محمد بك ابو الذهب ورضوان بك وعدة
من الامراء والصناجق وضم اليهم ما جمعه وجلبه من العساكر المختلفة الاجناس من دلاة
ودروز ومتاولة وشوام
وسافر الجميع برا وبحرا حتى وصلوا الى أيوب بك وهو يرسل
خلفهم في كل يوم بالامداد والجبخانات والذخيرة والبقسماط وذهب الجميع الى أن وصلوا
قرب اسيوط ونصبوا عرضيهم عند جزيرة منقباط وتحققوا وصول محمد بك ومن معه وفرحوا
بذلك لانهم كانوا رأوا في زايرجات الرمل سقوطه في المعركة
ثم أجمعوا رأيهم على ان يدهموهم آخر الليل فركبوا في
ساعة معلومة وسار بهم الدليل في طوق الجبل وقصدوا النزول من محل كذا على ناحية كذا
من العرضي فتاه وضل بهم الدليل حتى تجاوزوا
المكان المقصود بساعتين واخذوا جهة العرضى فوجدوه قبليهم
بذلك المقدار وعلموا فوات القصد وان القوم متى علموا حصولهم خلفهم ملكوا البلدة من
غير مانع قبل رجوعهم من المكان الذي اتوا منه فما وسعهم الا الذهاب اليهم
ومصادمتهم على أي وجه كان فلم يصلوهم الا بعد طلوع النهار
وتبقظ القوم واستعدوا لهم فالتطموا معهم وهم قليلون
بالنسبة اليهم ووقع العرب واشتد الجلاد وبذلوا جهدهم في الحرب ويصرخ الكثير منهم
بقوله اين محمد بك فبرز اليهم محمد بك أبو شنب وهو يقول أنا محمد بك
فقصدوه وقاتلوه وقاتلهم حتى قتل وسقط جواد يحيى السكري
فلم يزل يقاتل ويدافع حصة طويلة حتى تكاثروا علية وقتلوة وعبد الرحمن كاشف القاسمي
يحارب بمدفع يضربة وهو على كتفة
وانجلت الحرب عن هزيمتهم ونصرة المصريين عليهم وذلك عند
جبانة اسيوط
فتشتتوا في الجهات وانضموا الى كبار الهوارة وملك
المصريون اسيوط ودفنوا القتلى ومحمد بك أبا شنب
واغتم محمد بك ابو الذهب لموته وفرح لوقوع الزايرجة عليه
ومفاداته لة لأنه كان يعلم ذلك أيضا
وأقاموا بأسيوط اياما ثم ارتحلوا الى قبلي بقصد محاربة
همام والهوارة
واجتمع كبار الهوارة مع من انضم اليهم من الأمراء
المهزومين فراسل محمد بك اسمعيل أبا عبد الله وهو ابن عم همام واستماله ومناه
وواعده برياسة بلاد الصعيد عوضا عن شيخ العرب همام حتى ركن الى قوله وصدق تمويهاته
وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه
ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من
فرشوط وبعد عنها مسافة ثلاثة ايام ومات مكمودا مقهورا ووصل محمد بك ومن معه الى
فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوا واخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربة
واتباعه من ذخائر وأموال وغلال
وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك
التاريخ كانها
لم يكن ورجع الأمراء الى مصر ومحمد بك أبو الذهب وصحبته
درويش ابن شيخ العرب همام
فانه لما مات أبوه وانكسر ظهر القوم بموته وعلموا انهم
لا نجاح لهم بعده أشاروا على ابنه بمقابلة محمد بك وانفصلوا عنه وتفرقوا في الجهات
فمنهم من ذهب الى درنه ومنهم من ذهب الى الروم ومنهم من
ذهب الى الشام
وقابل درويش بن همام محمد بك وحضر صحبته الى مصر وأسكنه
في مكان بالرحبة المقابلة لبيته وصار يركب ويذهب لزيارة المشاهد ويتفرج على مصر
ويتفرج عليه الناس ويعدون خلفه وأمامه لينظروا ذاته
وكان وجيها طويلا أبيض اللون اسود اللحية جميل الصورة ثم
ان علي بك أعطاه بلاد فرشوط والوقف بشفاعة محمد بك
وذهب الى وطنه فلم يحسن السير والتدبير وأخذ امره في
الانحلال وحاله في الاضمحلال وارسل من طالبه بالاموال والذخائر فاخذوا ما وجدوه
وحضر الى مصر والتجأ الى محمد بك فاكرمه وانزله بمنزل
بجواره فلم يزل مقيما به حتى خرج محمد بك من مصر مغاضبا لاستاذه فلحق به الى
الصعيد وخلص الاقليم المصري بحري
وقبلي الى علي بك وأتباعه فشرع في قتل المنفيين الذين
أخرجهم الى البنادر مثل دمياط ورشيد والاسكندرية والمنصورة فكان يرسل اليهم ويخنقهم
واحدا بعد واحد فخنق علي كتخدا الخربطلي برشيد وحمزة بك تابع خليل بك بزفتا وقتلوا
معه سليمان أغا الوالي وإسمعيل بك أبا مدفع بالمنصورة وعثمان بك تابع خليل بك هرب
الى مركب البيليك فحماه وذهب الى اسلامبول ومات هناك ونفى أيضا جماعة واخرجهم من
مصر وفيهم سليمان كتخدا المشهدي وابراهيم أفندي جمليان
ومات الباشا المنفصل بالبيت الذي نزل فيه ولحق بمن قبله
ومما اتفق ان علي بك صلى الجمعة في اوائل شهر رمضان
بجامع الداودية فخطب الشيخ عبد ربه ودعا للسلطان ثم دعا لعلي بك
فلما
انقضت الصلاة وقام علي بك يريد الانصراف احضر الخطيب
وكان رجلا من اهل العلم يغلب عليه البله والصلاح فقال له من امرك بالدعاء باسمي
على المنبر أقيل لك اني سلطان فقال نعم انت سلطان وانا ادعو لك
فاظهر الغيظ وامر بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي فقام بعد
ذلك متألما من الضرب وركب حمارا وذهب الى داره ثم ان علي بك ارسل اليه في ثاني يوم
بدراهم وكسوة واستسمحه
من مات في هذه السنة من العلماء والامراء مات الامام
الولي الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل الشيخ علي ابن حجازي بن محمد البيومي
الشافعي الخلوتي ثم الاحمدي ولد تقريبا سنة 1108 حفظ القرآن في صغره وطلب العلم وحضر
دروس الاشياخ وسمع الحديث والمسلسلات على عمر بن عبد السلام التطاوني وتلقن
الخلوتية من السيد حسين الدمرداشي العادلي وسلك بها مدة ثم اخذ طريق الاحمدية عن
جماعة ثم حصل له جذب ومالت اليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم
وانجذبت اليه الارواح ومشى كثير من الخلق على طريقته
واذكاره وصار له اتباع ومريدون وكان يسكن الحسينية ويعقد حلق الذكر في مسجد الظاهر
خارج الحسينية وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته وكان ذا واردات وفيوضات
واحواله غريبة
والف كتبا عديدة منها شرح الجامع الصغير وشرح الحكم لابن
عطاء الله السكندري وشرح الانسان الكامل للجيلي وله مؤلفات في طريق القوم خصوصا في
طريق الخلوتية الدمرداشية الفه سنة 1144 وشرح الاربعين النووية ورسالة في الحدود
وشرح على الصيغة الاحمدية وشرح على الصيغة المطلسمة وله كلام عال في التصوف واذا
تكلم افصح في البيان واتى بما يبهر الاعيلان وكان يلبس قميصا ابيض وطاقية بيضاء
ويعتم عليها بقطعة شملة حمراء لا يزيد على ذلك شتاء
وصيفا وكان لا يخرج من بيته الا في كل اسبوع مرة لزيارة المشهد الحسيني وهو على
بغلة واتباعه بين يديه وخلفه يعلنون بالتوحيد والذكر وربما جلس شهورا لا يجتمع
باحد من الناس
وكانت له كرامات ظاهرة
ولما كان يعقد الذكر بالمشهد الحسيني في كل يوم ثلاثاء
ويأتي بجماعته على الصفة المذكورة ويذكرون في الصحن الى الضحوة الكبرى قامت عليه
العلماء وانكروا ما يحصل من التلوث في الجامع من اقدام جماعته اذ غالبهم كانوا يأتون
حفاة ويرفعون اصواتهم بالشدة وكاد ان يتم لهم منعه بواسطة بعض الامراء فانبرى لهم
الشيخ الشبراوي وكان شديد الحب في المجاذيب وانتصر له وقال للباشا والامراء هذا
الرجل من كبار العلماء والاولياء فلا ينبغي التعرض له
وحينئذ امره الشيخ بان يعقد درسا بالجامع الازهر فقرأ في
الطيبرسية الاربعين النووية وحضره غالب العلماء وقرر لهم ما بهر عقولهم فسكتوا عنه
وخمدت نار الفتنة
ومن كلامه في آخر رسالة الخلوتية ما نصه فمن منن الله
علي وكرمه أني رأيت الشيخ دمرداش في السماء وقال لي لا تخف في الدنيا ولا في
الآخرة وكنت ارى النبي صلى الله عليه و سلم في الخلوة في المولد فقال لي في بعض
السنين لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة ورأيته يقول لابي بكر رضي الله عنه اسع بنا
نطل على زاوية الشيخ دمرداش وجاءا حتى دخلا في الخلوة ووقفا عندي وأنا اقول الله
الله وحصل لي في الخلوة وهم في رؤية النبي صلى الله عليه و سلم فرأيت الشيخ الكبير
يقول لي عند ضريحه مد يدك الى النبي صلى الله عليه و سلم فهو حاضر عندي
ورأيته في خلوة الكردي يعني الشيخ شرف الدين المدفون
بالحسينية بين اليقظة والنوم وأنا جالس فانتبهت فرأيت النور قد ملأ المحل فخرجت
منها هائما فحاشني بعض من كان في المحل فوقفت عند الشيخ ولم أقدر
على العود الى الخلوة من الهيبة الى آخر الليل
وتبسم في وجهي مرة واعطاني خاتما وقال لي والذي نفسي
بيده في غد يظهر ما كان مني وما كان منك
ومن كراماته انه كان يتوب العصاة من قطاع الطريق ويردهم
عن حالهم فيصيرون مريدين له وذا سمعته من الثقات ومنهم من صار من السالكين وكان
تارة يربطهم بسلسلة عظيمة من حديد في عمدان مسجد الظاهر وتارة بالشوق في رقبتهم
يؤدبهم بما يقتضيه رأيه
وكان اذا ركب ساروا خلفه بالاسلحة والعصي وكانت عليه
مهابة الملوك
واذا ورد المشهد الحسيني يغلب عليه الوجد في الذكر حتى
يصير كالوحش النافر في غاية القوة فاذا جلس بعد الذكر تراه في غاية الضعف
وكان الجالس يرى وجهه تارة كالوحش وتارة كالعجل وتارة
كالغزال
ولما كان بمصر مصطفى باشا مال اليه واعتقده وزاره فقال
له انك ستطلب الى الصدارة في الوقت الفلاني فكان كما قال له الشيخ
فلما ولي الصدارة بعث الى مصر وبنى له المسجد المعروف به
بالحسينية وسبيلا وكتابا وقمة وبداخلها مدفن للشيخ علي على يد الامير عثمان أغا
وكيل دار السعادة ولما مات خرجوا بجنازته وصلي عليه بالازهر في مشهد عظيم ودفن بالقبر
الذي بني له بداخل القبة بالمسجد المذكور
ومات علامة وقته واوانه الآخذ من كمية البلاغة بعنانه
والولي الصوفي من صفا فصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم الفوي رحل من بلدته فوة الى
الجامع الازهر فطلب العلم وأخذ عن الشيخ الديربي فجعله ممليا عليه في الدرس حتى
قرأ الاشموني والمختصر ونحو ذلك واخبر عن نفسه كان ملازما لولي من أولياء الله
تعالى فحين تعلقت نفسه بالمجيء الى الجامع الازهر توجه مع هذا الولي لزيارة ثغر
دمياط
ثم اشتغل بالفقه وغيره من أصول ومنطق ومعان وبيان وتفسير
وحديث وغير ذلك حتى فاق على أقرانه وصار علامة زمانه
ثم اخذ عن الشيخ الحفني الطريق
وتلقن الاسماء وسار على حسب سلوكه وسيره والبسه التاج
واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الاذكار ودعا
الناس اليها في سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار
القرآن ويتكلم في الحقائق
نقل عن الشيخ الحفني انه ورد عليه منه مكتوب فقال الحمد
لله الذي جعل في اتباعه من هو كمحيي الدين ابن العربي
توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وخلف ولده السيد احمد
موجود في الاحياء بارك الله فيه
وممن أخذ عنه صاحبنا العمدة العلامة الصالح السيد علي
المعروف بزيادة الرشيدي وهو خليفة الخلوتية الآن بثغر رشيد نفع الله به
ومات الجناب المبجل الفريد الكاتب الماهر المنشيء البليغ
المجيد محمد أفندي بن اسمعيل السكندري العارف بالالسنة الثلاثة العربية والفارسية والتركية
وكان لديه محاورات ولطائف ادبية وميل شديد الى علم اللغة وبحث عن الادوات المتعلقة
به ورسائله في الالسن الثلاثة غاية في الفصاحة مع حسن حظ ووفور حظ ومهابة عند
الامراء وقبول عند الخواص ووالده كان اسرائيليا فاسلم وحسن اسلامه وتولى مناصب
جليلة بالثغر وله هناك شهرة فولد هذا هناك وهذبه وادبه حتى صار الى ما صار واستقر
بمصر وما زالت له املاك هناك وقرابة رايته يأتي لزيارة الشيخ الوالد وقد اكتهل
وتناهى في السن وابقى الدهر في زواياه خبايا مستحسنة
ورأيت بخط يده كتاب بهارستان لمولانا جامي قد احسن في
كتابته واتقن في سياقه ومجموعا فيه النوادر من اشعار الالسن الثلاثة
وبالجملة لم يكن في عصره من يدانية في الفنون التي كان
تجمل بها
وقد ذكره الاديب الشيخ عبد الله الادكاري في بضاعة
الاريب واثنى على محاسنه وكانت بينهما الفة تامة ومصافاة ومصادقة ومحاورات ادبية
فان المترجم كان أوحد عصره ووحيد مصره لم يدانيه في
مجموعة
الفضائل احد ولم يزل حميد المسغى جميل السيرة بهيا وقورا
مهيبا عند الامراء والوزراء حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة حادي عشر المحرم من
السنة
ومات الاستاذ العارف سيدي علي بن العربي بن علي العربي
الفاسي المصري الشهير بالسقاط ولد بفاس وقرأ على والده وعلى العلامة محمد ابن أحمد
بن العربي بن الحاج الفاسي سمع منه الاحياء جميعا بقراءة ولد عمه النبيه الكاتب
ابي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد بن علي السقاط وعلى ولده ابي العباس احمد بن
محمد العربي ابن الحاج وعلى سيدي محمد بن عبد السلام البناني كتب العربية والمعقول
والبيان ولما ورد مصر حاجا لازمه فقرأ عليه بلفظه من الصحيح الى الزكاة والشمايل
بطرفيه بالجامع الازهر وكثيرا من المسلسلات والكتب التي تضمنتها فهرست ابن غازي
قراءة بحث وتفهيم واجازه حينئذ باواسط جمادى الثانية سنة 1143 وجاور بمكة فسمع على
البصري الصحيح كاملا ومسلما بفوت وجميع الموطأ رواية يحيى بن يحيى وذلك خلف المقام
المالكي عند باب ابراهيم واجازه وعلى النخلي اوائل الكتب الستة واجازه وعاد الى
مصر فقرأ على الشيخ ابراهيم الفيومي اوائل البخاري وعلى احمد بن احمد الغرقاوي
واجازه وعلى عمر بن عبد السلام التطاوني جميع الصحيح وقطعة من البيضاوي بجامع
الغوري سنة 1136 وجميع المنح البادية في الاسانيد العالية واضافه على الاسودين
وشابكه وصافحه وناوله السبحة واجازه بسائر السلسلات وعلى محمد القسطنطيني رسالة
ابن ابي زيد برواق المغاربة وعلى محمد بن زكري شرحه على الحكم بجامع الغوري وعلى
سيدي محمد الزرقاني كتاب الموطأ من باب العتق الى آخره واجازه به يوم ختمه وذلك
ثامن شعبان سنة 1113
وروى حديث الرحمة عن سيدي السيد مصطفى البكري في سنة
1160
واجازه ابن الميت في العموم واجتمع به شيخنا السيد مرتضى
في منزل السيد علي المقدسي كان قد اتى اليه لمقابلة المنح البادية على نسخته
وشاركهما في المقابلة واحبه وباسطه وشافهه بالإجازة العامة وكان انسانا مستأنسا
بالوحدة منجمعا عن الناس محبا للانفراد غامضا مخفيا ولا زال كذلك حتى توفي في آواخر
جمادى الاولى سنة 1183 ودفن بالزاوية بالقرب من الفحامين
ومات الجناب الاجل والكهف الاظل الجليل المعظم والملاذ
المفخم الاصيلي الملكي ملجأ الفقراء والامراء ومحط رجال الفضلاء والكبراء شيخ
العرب الامير شرف الدولة همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام بن صبيح بن سيبيه
الهوراي عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال
ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الاسفار وتلقى عنده عصى التسيار
واخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان منها انه اذا نزل بساحته الوفود
والضيفان تلقاهم الخدم وانزلوهم في اماكن معدة لامثالهم واحضروا لهم الاحتياجات
واللوازم من السكر وشمع العسل والاواني وغير ذلك ثم مرتب الاطعمة في الغداء
والعشاء والفطور في الصباح والمربيات والحلوى مدة اقامتهم لمن يعرف ومن لا يعرف
فان أقاموا على ذلك شهورا لا يختل نظامهم ولا ينقص
راتبهم والا قضوا اشغالهم على اتم مرادهم وزادهم اكراما وانصرفوا شاكرين وان كان
الوافد ممن يرتجى البر والاحسان اكرمه واعطاه وبلغه اضعاف ما يترجاه
ومن الناس من كان يذهب اليه في كل سنة ويرجع بكفاية عامة
وهذا شأنه في كل من كان من الناس
وأما اذا كان الوافد عليه من اهل الفضائل او ذوي البيوت
قابلة بمزيد الاحترام وحياة بجزيل الانعام وكان ينعم بالجواري والعبيد والسكر
والغلال والثمر والسمن والعسل واذا
ورد عليه انسان ورآه مرة وغاب عنه سنين ثم نظره وخاطبه
عرفه وتذكره ولا ينساه
وحاله فيما ذكر من الضيفان والوافدين والمسترفدين أمر
مستمر على الدوام لا ينقطع أبدا
وكان الفراشون والخدم يهيئون أمر الفطور من طلوع الفجر
فلا يفرغون من ذلك الا ضحوة النهار ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحوة الكبرى الى
قريب العصر ثم يبتدئون في أمر العشاء وهكذا
وعنده من الجواري والسراري والمماليك والعبيد شيء كثير
ويطلب في كل سنة دفتر الارقاء ويسأل عن مقدار من مات منهم فان وجده خمسمائة أو
أربعمائة استبش وانشرح وان وجده ثلثمائة او اقل او نحو ذلك اغتم وانقبض خاطره ورأى
ان ربما كانت في اعظم من ذلك وكان له برسم زراعة قصب السكر وشركة فقط اثنا عشر ألف
ثور وهذا بخلاف المعد للحرث ودراس الغلال والسواقي والطواحين والجواميس والابقار
الحلابة وغير ذلك
واما شون الغلال وحواصل السكر والتمر بأنواعه والعجوة
فشيء لا يعد ولا يحد وكان الانسان الغريب اذا رأى شون الغلال من البعد ظنها مزارع
مرتفعة لطول مكث الغلال وكثرتها فينزل عليها ماء المطر ويختلط بالتراب فتنبت وتصير
خضرا كأنها مزروعة وكان عنده من الأجناد والقواسة واكثرهم من بقايا القاسمية انضموا
اليه وانتسبوا له وهم عدة وافرة وتزوجوا وتوالدوا وتخلقوا باخلاق تلك البلاد
ولغاتهم وله دواوين وعدة كتبة من الأقباط والمستوفيين والمحاسبين لا يبطل شغلهم
ولا حسابهم ولا كتابتهم ليلا ونهارا ويجلس معهم حصة من الليل الى الثلث الاخير
بمجلسه الداخل بحاسب ويملي ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات
لا يعزب عن فكره شيء قل ولاجل ثم يدخل الى الحريم فينام
حصة لطيفة ثم يقوم الى الصلاة
واذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا فيه قطنة وماء
ورد فاذا قرب
منه بعض الاجلاف وتحادثوا معه وانصرفوا مسح بتلك القطنة
عينيه وشمها بانفه حذرا من رائحتهم وصنانهم
وكان له صلات واغداقات وغلال يرسلها للعلماء وارباب
المظاهر بمصر في كل سنة
وكان ظلا ظليلا بارض مصر ولما ارتحل لزيارته شيخنا السيد
محمد مرتضى وعرف فضله اكرمه اكراما كثيرا وانعم عليه بغلال وسكر وجوار وعبيد وكذلك
كان فعله مع امثاله من أهل العلم والمزايا
ولم يزل هذا شأنه حتى ظهر امر علي بك وحصل ما تقدم شرحه
من وقائعه من خشداشينه وذهابه الى الصعيد وصلحه مع صالح بك وانضمامه اليه وكان
المترجم صديقا لصالح بك وعشيرته فامدهما بالمال والرجال مراعاة لسعي صالح بك حتى
تم لهما الامر وغدر علي بك بصالح بك وخرجت رجاله واتباعه الى الصعيد واعلموه بما
اوقعه بهم علي بك فاغتم على فقد صالح بك غما شديدا
وحمله ذلك على ان اشار عليهم بذهابهم الى اسيوط وتملكهم
اياها فانها باب الصعيد فذهبوا اليها مع جملة المنفيين من مصر والمطرودين كما تقدم
وامدهم شيخ العرب المترجم حتى ملكوها واخرجوا من كان بها واستوحش منه علي بك بسبب
ذلك وتابع ارسال التجاريد وقدر الله بخذلان القبالي ورجوعهم الى قبلي على تلك
الصورة فعند ذلك علم همام انه لم يبق مطلوبا لهم سواه وخصوصا مع ما وقع من فشل
كبار الهوارة وآقاربه ونفاقهم عليه فلم يسعه الا الارتحال من فرشوط وتركها بما
فيها من الخيرات وذهب الى جهة اسنا فمات في ثامن شعبان من السنة ودفن في بلدة تسمى
قمولة فقضى عليه بها رحمه الله
وخلف من الاولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد
الكريم
ولما مات انكسرت نفوس الامراء ثم ان اكابر الهوارة قدموا
ابنه درويشا لكونه اكبر اخوته واشاروا عليه بمقابلة محمد بك ففعل
واما الامراء فنهم من اخذ أمانا من محمد بك وقابله وانضم
اليه ومنهم من ذهب الى ناحية
درنه ونزل البحر وسافر الى الشام والروم ومنهم من انزوى
الى الهوارة بالصعيد
وحضر درويش صحبة محمد بك الى مصر وقابل علي بك واعطاه
بلاد فرشوط ورجع مكرما الى بلاده
فلم يحسن السير ولم يفلح واول ما بدأ في احكامه انه صار
يقبض على خدم ابيه واتباعه ويعاقبهم ويسلب اموالهم وقبض على رجل يسمى زعيتر وكيل
البصل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالا عظيمة في عدة ايام على مرار اخذ منه في دفعة
من الدفعات من جنس الذهب البندقي أربعين الفا وكذلك من يصنع البرد للجواري السود
والعبيد وذلك خلاف وكلاء الغلال والاقصاب والسكر والسمن والعسل والتمر والشمع
والزيت والبن والشركاء في المزارع
ووصلت اخباره بذلك الى علي بك فعين عليه احمد كتخدا
وسافر اليه بعدة من الاجناد والمماليك وطالبه بالاموال حتى قبض منه مقادير عظيمة
ورجع بها الى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام امارته واخذ منه جملة
وكذلك اتباعه من بعده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والاواني والنحاس قناطير
مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لاجل استخراج الخبايا حتى هدموا الدور والمجالس ونبشوها واخربوها
وحضر درويش المذكور بآخرة الى مصر جاليا عن وطنه ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس
واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بارض الوقف اسوة
المزارعين ويتعيشون حتى ماتا
فاما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 ايام الفرنسيس
لامور نقمها عليه وخلف ولدا يدعى محمدا
واما عبد الكريم فانه مات على فراشه قريبا من ذلك
التاريخ وترك ولدا يدعى هماما دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل الينا من السفار
وكاتبني وكاتبته في بعض المقتضيات ورأيت ابن عمه محمد
المكذور حين اتى الى مصر بعد ذهاب الفرنسيس وتردد عندي مرارا وسبحان من يرث الارض
ومن عليها وهو خير الوارثين
ومات الجناب الكبير والمقدام الشهير من سرت بذكره
الركبان وطار صيته بكل مكان الفارس الضرغام النجيب شيخ العرب سويلم بن حبيب من اكابر
عظماء مشايخ العرب بالقليوبية ومسكنهم دجوة على شاطيء البحر وهو كبير نصف سعد مثل
أبيه حبيب بن احمد وليس لهم اصل مذكور في قبائل العرب وانما اشتهروا بالفروسية
والشجاعة
وحبيب هذا اصله من شطب قرية قريبة من اسيوط ولما مات
حبيب خلف ولديه سالما وسويلما وكان سالم أكبر من اخيه وهو الذي تولى الرياسة بعد
ابيه واشتهر بالفروسية وعظم امره وطار صيته وكثرت جنوده وفرسانه ورحاله وخيوله
واطاعته جميع المقادم وكبار القبائل ونفذت كلمته فيهم وعظمت صولته عليهم وامتثلوا
امره ونهيه ولا يفعلون شيئا بدون اشارته ومشورته
صار له خفارة البرين الشرقي والغربي من ابتداء بولاق الى
رشيد ودمياط
وكان هو وفرسه مقوما على انفراده بالف خيال
وكان ظهور حبيب هذا في اوائل القرن
واتفق له ولابنه سالم هذا وقائع وامور مع اسمعيل بك ابن
ايواظ وغيره لا بأس يذكر بعضها في ترجمته منها ان في سنة 1125 ارسل حبيب ولده
سالما الى خيول الامير اسمعيل بك ابن ايواظ وهجم عليها بالمربع وجم معارفها
واذنابها وتركها وذهب ولم ياخذ منها شيئا
وذلك باغراء بعض الناس مثل قيطاس بك وخلافه
وكانت الخيول بالغيط جهة القليوبية
وحضر اميرا خور واخبر مخدومه فاغتاظ لذلك وعزم على
الركوب عليه فلاطفه يوسف بك الجزار حتى سكن غيظه ثم احضر حسنا ابا دفية زعيم مصر
سابقا من القاسمية مشهور بالشجاعة وجعلوه قائمقام الامانة فسافر بجبخانة ومدفعين وصحبته
طوائف ورجال وامره بان يطلب شر حبيب وان قدر على قتله فليفعل
وكتب مكاتبات للنواحي بان يكونوا مطيعين للمذكور فلم يزل
حتى نزل في غيط برسيم عند ساقية خراب وعمل هناك متراسا
ووضع المدفعين وغطاهما بلباد واقام رصد خيالة بالطريق
واذا بسالم بن حبيب ركب في عبيده ورجاله متوجهين الى الجزيرة فنزل بطريقه بغيط
الاوسية فحضر الخيالة الرصد الى الامير حسن ابي دفية واخبروه فركب برجاله وابقى
عند المدافع عشرة من السجمانية واوصاهم بانهم اذا انهزموا من القوم فانهم يرمون بالمدفعين
سواء ففعلوا ذلك بعدما لاقاهم ورمى منهم رجالا ووقع منهم ايضا عند رمي المدافع
والرصاص ثلاثة عشر خيالا واخذوا منهم نحو ستة قلائع
ورجع سالم بن حبيب بمن بقي من طائفته الى ابيه وعرفه بما
وقع له مع الامير حسن ابي دفية فارسل الى عرب الجزيرة فاحضر منهم فرسانا كثيرة
وكذلك من اقليم المنوفية وركب الجميع قاصدين مناوشته
ووصلته أخبار ذلك فركب بمن معه وفعل كالأول وركب مبحرا
وانعطف عليهم وحاربهم فرمى منهم فرسانا فانهزموا امامه
فوقف مكانه فرجعت عليه العرب والعبيد فانهزم امامهم
فرمحوا خلفه طمعا منهم حتى وصل المدافع فرموا بهم واتبعوهم بطلق الرصاص فولوا
هاربين وسقط من عرب الجزيرة وغيرها عدة فرسان
واخذوا منهم خيولا وسلاحا وحضرت نساؤهم ورفعوا القتلى
ورجع سالم الى ابيه وعرفه بما جرى عليهم من حرقهم وقتل فرسانهم فارسل حبيب الى
قيطاس بك يقول له انك اغريتنا بابن ايواظ وتولد من ذلك انه وجه علينا قائمقامه
حرقنا بالنار وقتل منا اجاويد
فأرسل اليه مكاتبة خطابا للقصاصين بمعاونته ومساعدته
فحضر اليه منهم عدة فرسان ضاربي نار وجمع اليه عربان الجزيرة وخيالة كثيرة من
المنوفية وركب حبيب واولاده وجموعه الى جسر الناحية ونزل هناك وارسل اولاده بخيول
يطلبون شر ابي دفية
واذا ركب عليهم انهزموا امامه حتى يصلوا الى محل رباطهم
بالجسر ففعلوا ذلك الى ان وصلوا الى الجسر فضربت القصاصة بنادقهم طلقا واحدا فرموا
نحو ثلاثين جنديا من الكبار والذي ما اصيب في بدنه
اصيب حصانه وردت عليهم الخيول وانهزم الامير حسن ابو
دفية بمن بقي معه الى دار الاوسية فاخذت العرب الخيول الشاردة وعروا الغز ورموهم
في مقطع من الجسر وارسل العبيد اتوابا لجراريف وجرفوا عليهم التراب من غير غسل ولا
تكفين
ورجع الى بلده وخلص ثأره وزيادة وحضرت الاجناد الى مصر
واخبروا الصنجق بما وقع لهم مع حبيب واولاده فعزل الامير حسن ابا دفية من
قائمقاميته وولى خلافه واخذ فرمانا بضرب حبيب واولاده وركب عليهم من البر والبحر
ووصلت النذيرة الى حبيب فرمى مدافع ابي دفية البحر ووضع النحاس في اشناف والقاها
ايضا في البحر
وقيل ان حبيب قبل هذه الواقعة بايام احضر ستة قناديل
وعمرها بعدما عاير فتائلها وزنها بالميزان عيارا واحدا وكتب على كل قنديل ورقة باسمه
واسم اخيه واولاده واسم ابن ايواظ واسرجها دفعة واحدة فانطفأ الذي باسمه اولا ثم
انطفأ قنديل ابن ايواظ ثم قناديل اخيه واولاده شيئا بعد شيء
فقال انا اموت في دولة ابن ايواظ
ولما وصل اليه الخبر بحركة ابن ايواظ وركوبه عليه فركب
باخيه واولاده وخرجوا هاربين ووصل ابن ايواظ الى دجوة ورمحوا على دواويرهم ورموا
الرصاص وكانت المراكب وصلت الى البر الغربي تجاه دجوة ورسوا هناك وموعدهم سماع البنادق
فعند ذلك عدوا الى البر الشرقي وطلعوا اليه
فامر ابن ايواظ بهدم دواوير الحبايبة فهدموها بالقزم
والفؤوس وانشأ كفرا بعيدا عن البحر بساقيه وحوض دواب وجامع وميضاة وطاحونين وجمع
اهل البلد فعمروا مساكنهم في الكفر وسموه كفر الغلبة
ورجع الامير اسمعيل بك الى مصر واخذ الغز والاجناد
ابقارا وعجولا واغناما وجواميس وامتعة وفرشا واخشابا شيئا كثيرا ووسقوه في المراكب
وحضروا به من البر ايضا الى مصر
وكتب مكاتبات الى سائر القبائل من العربان بتحذيرهم من
قبولهم حبيبا
واولاده وان لا ينجمع عليه احد ولا يأويه فلم يسعهم الا
انهم ذهبوا عند عرب غزة فاكرموهم ولم يزل بها حتى مات وحضر سالم ابنه بعد ذلك الى
قليوب ببيت الشواربي شيخ الناحية سرا واخذله مكاتبة من ابراهيم بك ابي شنب خطابا الى
ابن وافي المغربي بأن يوطن اولاد حبيب عنده حتى يأخذ لهم اجازة من استاذهم فارسل
احضر عمه واخاه سويلما وعدوا الى الجبل الغربي وساروا عند ابن وافي شيخ المغاربة
فرحب بهم وضرب لهم بيوت شعر واقاموا بها الى سنة 1130 فمات ابراهيم بك ابو شنب وكان يؤاسي
اولاد حبيب ويرسل لهم وصولات بغلال يأخذونها من بلاده القبلية
فلما مات في الفصل ضاقت معيشتهم فحضر سالم بن حبيب من
عند ابن وافي خفية وذلك قبل طلوع ابن ايواظ بالحج سنة احدى وثلاثين ودخل بيت السيد
محمد دمرداش وسلم عليه وعرفه بنفسه فرحب به وشكا له حال غربته وبات عنده تلك
الليلة واخذه في الصباح الى ابن ايواظ فدخل عليه وقبل يده ووقف فقال السيد محمد
للصنجق عرفت هذا الذي قبل يدك
قال لا
قال هذا الذي جم أذناب خيولك
قال سالم
قال لبيك
قال اتيت بيتي ولم تخف قال له نعم اتيت بكفني اما ان
تنتقم واما ان تعفو فأننا ضقنا من الغربة وها انا بين يديك
فقال له مرحبا بك احضر اهلك وعيالك وعمر في الكفر واتق
الله تعالى وعليكم الامان
وامر له بكسوة وشال وكتب له أمانا وارسل به عبده
وركب سالم وذهب عند ابراهيم الشواربي بقليوب فاقام عنده
حتى وصل العبد بالامان الى عمه واخيه في بني سويف فحملوا وركبوا وساروا الى قليوب
ونزلوا بدار اوسية الكفر حتى بنوا لهم دواوير واماكن ومساكن واتتهم العرنبية ومشايخ
البلاد ومقادمها للسلام والهدايا والتقادم
فاقام على ذلك حتى تولى محمد بك ابن اسمعيل بك امير
الحاج فأخذ منه اجازة بعمار البلد الذي على البحر
وشرع في تعمير الدور العظيمة والبساتين والسواقي
والمعاصر والجوامع وذلك سنة 1134 واستقام حال سالم واشتهر ذكره وعظم صيته واستولى
على خفارة البرين ونفذت كلمته بالبلاد البحرية من بولاق الى البغازين وصارت
المراكب والرؤساء تحت حكمة وضرب عليها الضرائب والعوائد الشهرية والسنوية وانشأ الدواوير
الواسعة والبستان الكبير بشاطيء النيل وكان عظيما جدا وعليه عدة سواق وغرس به
اصناف النخيل والاشجار المتنوعة فكانت ثماره وفاكهته وعنبه تجتني بطول السنة واحضر
لها الخولة من الشام ورشيد وغير ذلك
ولما وقعت الوقائع بين ذي الفقار بك ومحمد بك جركس
المتقدم ذكرها وحضر جركس بمن معه من اللموم الى قرب المنشية وخرجت اليه عساكر مصر
وارسلوا الى سالم بن حبيب فجمع العربان وحضر بفرسانه وعبيده الى ناحية الشيمي
وحارب مع الأجناد المصرية حتى قتل سليمان بك في المعركة وولى جركس ورجعت التجريدة
وتبعه سالم بن حبيب والأسباهية وذهبوا خلفه فعدى الشرق فعدوا خلفه وطلعت تجريدة
اخرى من مصر فتلاقوا معهم وتحاربوا مع محمد بك جركس فكانت بينهم وقعة عظيمة فكانت
الهزيمة على جركس وحصل ما حصل من وقوع جركس في الروبة وموته ودفنوه بناحية شرونه
كما تقدم ورجع سالم بن حبيب بما غنمه في تلك الوقائع الى بلده واشتهر امره واشترى
السراري البيض ولم يزل حتى توفي سنة 1151 وخلف ولدا يسمى عليا اشتهر ايضا
بالفروسية والنجابة والشجاعة ولما مات سالم ترأس عوضه أخوه سويلم في مشيخة نصف سعد
فسار بشهامة واشتهر ذكره وعظم صيته في الاقليم المصري زيادة عن أخيه سالم ووسع
الدواوير والمجالس ولما سافر الامير عثمان بك الفقاري بالحج ورجع سنة احدى وخمسين
المذكورة فارسل
هدية الى سويلم المذكور وارسل له الآخر التقادم ثم ان
الامير عثمان بك تغير خاطره على سويلم لسبب من الاسباب فركب عليه على حين غفلة
ليلا وتعالى به الدليل ونزل على دجوة طلوع الشمس وكان الجاسوس سبق اليهم وعرفهم
بركوب الصنجق عليهم فخرجوا من الدور ووقفوا على ظهور خيولهم بالغيط بعيدا عن البلد
فلما حضر الصنجق ورمح على دورهم ورمى الطوائف بالرصاص فلم يجدوا أحدا
فلم يتعرض لنهب شيء ومنع الغز والطوائف عن اخذ شيء وبلغ
خبر ركوب الصنجق عمر بك رضوان وابراهيم بك فركبا خلفه حتى وصلا اليه وسلما عليه فعرفهما
انه لم يجدهم بالبلد فركب عمر بك وأخذ صحبته مملوكين فقط وسار نحو الغيط فرآهم
واقفين على ظهور الخيل فلما عاينوه وعرفوه نزلوا عن الخيل وسلموا عليه فقال لهم
لاي شيء تهربون من استاذكم وعرفهم انه اتى بقصد النزهة وأحضر صحبته علي بن سالم
فقابل به الامير وقبل يده ورجع الى دواره وأحضر اشياء كثيرة من انواع المآكل حتى
اكتفى الجميع
وعزموا عليهم تلك الليلة فبات الصنجق وباقي الامراء وذبح
لهم اغناما كثيرة وعجلين جاموس وتعشى الجميع واخرجوا لهم في الصباح شيئا كثيرا من
انواع الفطورات ثم قدم لهم خيولا صافنات وركبوا ورجعوا الى منازلهم ولما هرب
ابراهيم بك قطامش في ايام محمد راغب باشا وكان سويلم مركونا عليه فجمع سويلم عرب
بلي وضرب ناحية شبرا المعدية فوصل الخبر الى ابراهيم جاويش القازدغلي فأخذ فرمانا
بضرب ناحية دجوة والخروج من حق اولاد حبيب فعين عليم ثلاثة صناجق وهم عثمان بك ابو
يوسف واحمد بك كشك وآخر ووصلتهم النذيرة بذلك فوزعوا دبشهم وحريمهم في البلاد
وركبوا خيولهم ونزلوا في الغيط ونزلت لهم التجريدة ومعهم الجبخانة والمحاربون
وهجموا على البلد فوجدوها خالية
ولما رأى الحبايبة كثرة التجريدة فوسعوا وذهبوا الى
ناحية
الجبل الشرقي وارسل ابراهيم جاويش الى عثمان بك ابي سيف
امير التجريدة بانه ينادي في البلاد عليهم ولم يدع احدا منهم ينزل الريف فركب
عثمان بك وطاف بالبلاد يتجسس عليهم وظفر لهم بقومانية وذخيرة ذاهبة اليهم من الريف
على الجمال فحجزها واخذها وذلك مرتين ورجع عثمان بك ومن معه الى مصر وصحبتهم ما
وجدوه للحبايبة في البلاد من مواش وسكر وعسل واخشاب وهدموا جانبا من بيوتهم وكان علي
بن سالم لم يذهب مع سويلم الى الجيل بل اخذ عياله وذهب عند اولاد فودة فلما سمع
بالتقريظ على اصحاب الدرك فأتى الى مصر ودخل الى بيت ابراهيم جاويش وعرفه بنفسه
وطلب منه الامان فعفا عنه بشرط ان لا يقرب دجوة ويسكن في اي بلد شاء يزرع مثل
الناس ثم ان سويلما ومن معه ارسلوا الى حسين بك الخشاب بان يأخذ لهم امانا من
ابراهيم جاويش ففعل وقبل شفاعة حسين بك بشرط ابطال حماية المراكب واذية بلاد الناس
ويكفيهم الخفارة التي اخذوها بالقوة واستخلص لهم المواشي التي كان جمعها عثمان بك
ابو سيف واستقر سويلم كما كان بدجوة وبنى له دورا عظيما ومقاعد مرتفعة شاهقة في
العلو يحمل سقوفها عدة اعمدة وعليها بوائك مقوصرة ترى من مسافة بعيدة في البر والبحر
وبها عدة مجالس ومخادع ولواوين وفسحات علوية وسفلية وجميعه مفروش بالبلاط الكدان
وبنى بداخل ذلك الدوار مسجدا ومصلى وبداخل حوش الدوار مساطب ومنايف لاجناس الناس
الآفاقية وغيرهم وبنى تحت ذلك الدوار بشاطيء النيل رصيفا متينا ومساطب يجلس عليها
في بعض الاوقات وانشأ عدة مراكب تسمى الخرجات ولها شرفات وقلوع عظيمة وعليها رجال
غلاظ شداد فاذا مرت بهم سفينة صاعدة أو حادرة صرخ عليها أولئك الرجال قائلين البرفان
امتثلوا وحضروا وأخذوا منهم ما أحبوه من حمل السفينة وبضائع التجار وان
تلكأوا في الحضور قاطعوا عليهم بالخرجات في أسرع وقت
وأحضروهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الامر
وكان له قواعد واغراض وركائز واناس من الامراء وأعوانهم بمصر يراسلهم ويهاديهم
فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى وله عدة من العبيد السود التجارية الفرسان ملازمين
له مع كل واحد حرمدان مقلدية ملآن بالدنانير الذهب وكان لا يبيت في داره ويأتي في الغالب
بعد الثلث الاخير فيدخل الى حريمه جصة ثم يخرج بعد الفجر فيعمل ديوانا ويحضر بين
يديه عدة من الكتبة ويتقدم اليه ارباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد واجناد وملتزمين
وعرب وفلاحين وغير ذلك والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الاوراق والمراسلات
الى النواحي وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده ولهم
فيها الشركاء والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم والمميزة عن غيرها بالعظم
والضخامة ولا يقدر ملتزم ولا قائمقام على تنفيذ امر مع فلاحيه الا باشارته أو
باشارة من البلد في حمايته من اقاربه وكذلك مشايخ البلاد مع استاذيهم وكان لهم
طرائق واوضاع في الملابس والمطاعم فيقول الناس سرج حبايبي وشال حبايبي ومركوب حبايبي
الى غير ذلك وكان مع شدة مراسه وقوة بأسه يكرم الضيفان ويحب العلماء وارباب
الفضائل ويأنس بهم ويتكلم معهم في المسائل ويؤاسيهم ويهاديهم وخصوصا ارباب المظاهر
وكان انسانا حسنا وجيها محتشما مقتصرا على حاله وشأنه ملازما على قراءة الاوراد
والمذاكرة ويحب اهل الفضل والصلاح ويتبرك بهم وبدعائهم وترددنا عليه وتردد الينا
بمصر كثيرا وبلونا منه خيرا وحسن عشرة وكان معه أخوه شيخ العرب محمد علي مثل حاله
ويزيد عنه الانجماع عن الناس لغير ما يعنيه ويعانيه في خاصة نفسه وكان ابوهما على
نزل بقليوب بدار فيحاء وكان حسن الخلق والخلق وله حشم واتباع
كثيرة وله هيبة عندهم وكان طيب السيرة فصيحا مفوها في
حفظه أشعار ونوادر ولديه معرفة وكان يفهم المعنى ويحقق الالفاظ ويطالع الكتب
ومقامات الحريري ونحو ذلك
ومات الامير المبجل علي كتخدا مستحفظان الخربطلي وهو من
مماليك احمد كتخدا الخربطلي الذي جدد جامع الفاكهاني الذي بخط العقادين وصرف عليه
من ماله مائة كيس وذلك في سنة 1148 واصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان
اتمامه في حادي عشر شوال من السنة المذكورة وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي
شيخ طائفة العقادين الرومي وفي تلك السنة ألبس مملوكه المترجم على أودة باشه
الضلمة وجعله ناظرا ووصيا ومات سيده في واقعة محمد بك الدفتردار في جملة الاحد عشر
اميرا المتقدم بيانهم وعمل جاويش في الباب ثم عمل كتخدا واشتهر ذكره بعد انقضاء
دولة عثمان بك الغفاري واستقلال ابراهيم كتخدا ورضوان كتخدا الجلفي بامارة مصر
وزوج ابنته لعلي بك الغزاوي وعمل لها فرحا عظيما ببركة الرطلي عدة ايام كانت من
مقترحات مصر وبعد انقضاء ايام الفرح زفت العروس في زفة عظيمة اجتمع العالم من
الرجال والنساء والصبيان للفرجة عليها ودخل بها علي بك المذكور وولد له منها حسن
جلبي المشهور وانشأ علي كتخدا المترجم داره العظيمة برأس عطفة خشقدم جهة الباطنية
وداره المطلة على بركة الرطلي والقصر على الخليج الناصري والقباب المعروفة به وغير
ذلك ونفاه علي بك الى جهة قبلي كما تقدم فلما ذهب علي بك الى قبلي صالحه وانضوى
اليه وكان هو السفير بينه وبين صالح بك في الصلح وبذل جهده في ذلك هو وخليل بك
الاسيوطي حتى أتموه على الوجه المتقدم وحضر صحبته علي بك الى مصر وسكن بداره
وأقبلت عليه الناس وقصدوه في الدعاوى والشكاوى وامن جانب علي بك واعتقد صداقته
وظن انه قلده منته فلم يلبث الا أياما واخرجه منفيا الى
رشيد ثم ارسل من خنقه هناك وكان اميرا جليلا وجيها جميل الصورة واسع العينين أبيض
اللحية ضخما مهاب الشكل بهي الطلعة ودفن هناك
ومات الامير محمد بك ابو شنب وهو من مماليك علي بك وقتل
في معركة اسيوط كما تقدم ودفن هناك وكان من الشجعان المعروفين
سنة اربع وثمانين ومائة والف فيها ورد على علي بك الشريف
عبد الله من اشراف مكة وكان من أمره انه وقع بينه وبين ابن عمه الشريف احمد اخي
الشريف مساعد منازعة في امارة مكة بعد وفاة الشريف مساعد فتغلب عليه الشريف احمد
واستقل بالامارة وخرج الشريف عبد الله هاربا وذهب الى ملك الروم واستنجد به فكتب له
مكاتبات لعلي بك بالمعونة والوصية والقيام معه وحضر الى مصر بتلك المكاتبات في
السنة الماضية وكان علي بك مشتغلا بتمهيد القطر المصري ووافق ذلك غرضه الباطني وهو
طمعه في الاستيلاء على الممالك فانزله في مكان وأكرمه ورتب له كفايته واقام بمصر
حتى تمم اغراضه بالقطر وخلص له قبلي وبحري وقتل من قتله وأخرج من أخرجه فالتفت عند
ذلك الى مقاصده البعيده وامر بتجهيز الذخائر والاقامات وعمل البقسماط الكثير حتى
ملأوا منه المخازن ببولاق ومصر القديمة والقصور البرانية وبيوت الامراء المنافي
الخالية ثم عبوا ذلك وارسل مع باقي الاحتياجات واللوازم من الدقيق والسمن والزيت
والعسل والسكر والاجبان في البر والبحر واستكتب اصناف العساكر اتراكا ومغاربة
وشواما ومتاولة ودروزا وحضارمة ويمانية وسودانا وحبوشا ودلاة وغير ذلك وارسل منهم طوائف
في المقدمات
والمشاة أنزلوهم من القلزم وصحبتهم الجبخانات والمدافع
وآلات الحرب وخرجت التجريدة في شهر صفر بعد دخول الحجاج في تجمل زائد ومهيأ عظيم
وساري عسكرها محمد بك ابو الذهب وصحبته حسن بك ومصطفى بك وخلافهم
وفي ثاني عشرين ربيع الاول وردت الاخبار من الاقطار
الحجازية بوقوع حرابة عظيمة بين المصريين وعرب الينبع وخلافهم من قبائل العربان والاشراف
ووقعت الهزيمة على المذكورين وقتل وزير الينبع المتولي من طرف شريف مكة وقتل معه
خلائق كثيرة
وفي تاسع شهر ربيع الاخر وصل نجاب الى مصر من الديار
الحجازية وأخبر بدخول محمد بك ومن معه الى مكة وانهزام الشريف احمد وخروجه هاربا
ونهب المصريين دار الشريف ومن يلوذ به واخذوا منها أشياء كثيرة من امتعة وجواهر
واموال لها قدر وجلس الشريف عبد الله في امارة مكة ونزل حسن بك الى بندر جدة وتولى
امارتها عوضا عن الباشا الذي تولاها من طرف ملك الروم ولذلك عرف بالجداوي واقام
محمد بك اياما بمكة ثم عزل على المسير والرجوع الى مصر ووصلت الاخبار والبشائر
بذلك وأرسلت اليه الملاقاة بالعقبة وخلافها فلما ورد الخبر بوصوله الى العقبة
وخرجت الامراء الى بركة الحاج والدار الحمراء لانتظار قدومه فوصل في اوائل شهر رجب
ودخل الى مصر في ثامنه في موكب عظيم وأتت اليه العلماء والاعيان للسلام وقصدته الشعراء
بالقصائد والتهاني
وفي منصف رجب المذكور عزل علي بك عبد الرحمن اغا
مستحفظان وقلد عوضه سليم اغا الوالي وقلد عوض الوالي موسى أغا من اتباعه وأمر عبد
الرحمن اغا بالسفر الى ناحية غزة وهي اول حركاته الى جهة
الشام وأمره بقتل سليط شيخ عربان غزة فلم يتحيل عليه حتى
قتله هو واخوته وأولاده وكان سليط هذا من العصاة العتاة له سير وأخبار
وفيه زاد اهتمام علي بك بالتحرك على جهة الشام واستكثر
من جمع طوائف العساكر وعمل البقسماط والبارود والذخائر والمؤن وآلات الحرب وامر
بسفر تجريدة وأميرها اسمعيل بك وصحبته علي بك الطنطاوي وعلي بك الحبشي فبرزوا الى
جهة العادلية وخرجوا بما معهم من طوائف العسكر والمماليك والاحمال والخيام
والجبخانات والعربات والضوبة وقرب الماء الكثيرة على الجمال والكرارات والمطابخ
والطبول والرمور والنقاقير وغير ذلك فلما تكامل خروجهم اقاموا بالادلية اياما حتى
قضوا لوازمهم وارتحلوا وسافروا الى جهة الشام
وفي حادي عشرينة برزت تجريدة اخرى وعليها سليمان بك وعمر
كاشف وحملة كثيرة من العساكر فنزلوا من طريق البحر على دمياط
وفي عاشر شهر القعدة وردت اخبار من جهة الشام واشيع وقوع
حرابات بينهم وبين حكام الشام وأولاد العظم
وفي منصفه خرجت تجريدة اخرى وسافرت على طريق البر على
النسق
وفي سابع عشره طلب علي بك حسن اغا تابع الوكيل
والروزنامجي وباش قلفة واسمعيل اغا الزعيم وآخرون وصادروهم في نحو اربعمائة كيس
بعد ما عوفهم اياما
وفي اواخره عمل علي بك دراهم على القرى وقرر على كل بلد
مائة ريال وثلاثمائة ريال حق طريق فضجت الناس من ذلك وطلب من النصارى القبط مائة الف
ريال ومن اليهود اربعين الفا وقبضت جميعها في اسرع وقت
من مات في هذه السنة مات الشيخ العمدة الفاضل الكامل
الاديب الماهر الناظم الناثر الشيخ عبد الله بن عبد الله بن سلامة الادكاوي المصري
الشافعي الشهير بالمؤذن ولد بادكو وهي قرية قرب رشيد سنة 1104 كما اخبر من لفظه
وبها حفظ القران وورد الى مصر فحضر دروس علماء عصره وادرك الطبقة الاولى واشتهر
بفن الادب وانضوى الى فخر الادباء في عصره السيد على افندي برهان زاده نقيب الساده
الاشراف فأنزله عنده في اكرام واحتفل به وكفاه المؤنة من كل وجه وصار يعاطيه كؤوس
الآداب ويصافيه بمطارحة أشهى من ارتشاف الرضاب وحج بصحبته بيت الله الحرام وزار
قبر نبيه عليه الصلاة و السلام وذلك سنة 1147 وعاد الى مصر واقبل على تحصيل الفنون
الادبية فنظم ونثر ومهر وبهر ورحل الى رشيد وفوة والاسكندرية مرارا واجتمع على
اعيان كل منها وطارحهم ومدحهم وفي سنة تسع وثمانين من نظمه بيتين بخطه في جدار
جامع بن نصر الله بقوة تاريخ كتابتهما سنة خمس واربعين وبعد وفاة السيد النقيب
تزوج وصار صاحب عيال وتنقلت به الاحوال وصار يتأسف على ما سلف من عيشه الماضي في
ظل ذلك السيد قدس سره فلجأ الى أستاذ عصره الشيخ الشبراوي ولازمه واعتنى به وصار
لا ينفك عنه ومدحه بغرر قصائده وكان يعترف بفضله ويحترمه ولما توفي انتقل الى شيخ وقته
الشمس الحفني فلازمه سفرا وحضرا ومدحه بغرر قصائده فحصلت له العناية والاعانة
وواساه بما به حصلت الكفاية والصيانة وله تصانيف كلها غرر ونظم نظامه عقود الدرر
فمنها الدرة الفريدة والمنح الربانية في تفسير آيات الحكم العرفانية والقصيدة للزدية
في مدح خير البرية ألفها لعلي باشا الجكيم ومختصر شرح بانت سعاد للسيوطي والفوائح
الجنانية في المدائح الرضوانية جمع فيها اشعار
المادحين للمذكور ثم أورد خاتمتها ماله من الامداح فيه نظما
ونثرا وهداية المتهومين في كذب المنجمين والنزهة الزهية بتضمين الرحبية نقلها من
الفرائض الى الغزل وعقود الدرر في أوزان الابحر الستة عشر التزم في كل بيت منها
الاقتباسات الشريفة والدر الثمين في محاسن التضمين وبضاعة الاريب في شعر الغريب
وذيلها بذيل يحكي دمية القصر وله المقامة التصحيفية والمقامة القمذية في المجون
وله تخميس بانت سعاد صدرها بخطبة بديعة وجعلها تأليفا مستقلا وديوانه المشهور على
حروف التهجي وغير ذلك وقد كتب بخطه الفائق كثيرا من الكتب الكبار ودواوين الاشعار
وكل عدة اشياء من غرائب الاسفار رأيت من ذلك كثيرا وقاعدة خطه بين اهل مصر مشهورة
لا تخفى ورأيت مما كتب كثيرا فمن الدواوين ديوان حسان رضي الله عنه رأيته بخطه وقد
أبدع في تنميقه وكتب على حواشيه شرح الالفاظ الغريبة ونزهة الالباب الجامع لفنون
الآداب وله مطارحات لطيفة مع شعراء عصره والواردين على مصر ولم يزل على حاله حتى
صار أوحد زمانه وفريد عصره وأوانه ولما توفي الاستاذ الحفني اضمحل حاله ولعب
بلباله واعترته الامراض ونصب روض عزه وغاض وتعلل مدة ايام حتى وافاه الحمام في
نهار الخميس خامس جمادى الاولى من السنة واخرج بصباحه وصلى عليه بالازهر ودفن
بالمجاورين فسرب تربة الشيخ الحفني وفي سنة ثلاث وسبعين ومائة والف لما اختلفت
خدام المشهد النفيسي وكبيرهم اذ ذاك الشيخ عبد اللطيف في امر العنز وذلك انهم
أظهروا عنزا صغيرة مدرة زعموا ان جماعة من الاسرى ببلاد الافرنج توسلوا بالسيدة
نفيسة واحضروا تلك العنز وعزموا على ذبحها في ليلة يجتمعون فيها يذكرون ويدعون
ويتوسلون في خلاصهم ونجاتهم من الاسر فاطلع عليم الكافر فزجوهم وسبهم ومنعهم من
ذبح العنز وبات تلك الليلة فرأى رؤيا هالته
فلما اصبح اعتقهم واطلقهم واعطاهم دراهم وصرفهم مكرمين
ونزلوا في مركب وحضروا الى مصر وصحبتهم تلك العنز وذهبوا الى المشهد النفيسي بتلك
العنز وذكروا في تلك العنز غير ذلك من اختلاقهم وخورهم كقولهم انهم يوم كذا اصبحوا
فوجدوها عند المقام او فوق المنارة وسمعوها تتكلم أو ان السيدة تكلمت واوصت عليها
وسمع الشيخ المذكور كلامها من داخل القبر وابرزها للناس واجلسها بجانبه ويقول
للناس ما يقوله من الكذب والخرافات التي يستجلب بها الدنيا وتسامع الناس بذلك
فأقبل الرجال والنساء من كل فج لزيارة تلك العنزة وأتوا اليها بالندور والهدايا
وعرفهم انها لا تأكل الا قلب اللوز والفستق وتشرب ماء الورد والسكر المكرر ونحو
ذلك فأتوه باصناف ذلك بالقناطير وعمل النساء للعنز القلائد الذهب والاطواق والحلي ونحو
ذلك وافتتنوا بها وشاع خبرها في بيوت الامراء وأكابر النساء وارسلن على قدر مقامهن
من النذور والهدايا وذهبن لزيارتها ومشاهدتها وازدحمن عليها فارسل عبد الرحمن
كتخدا الى الشيخ عبد اللطيف المذكور والتمس منه حضوره اليه بتلك العنز ليتبرك بها
هو وحريمه فركب المذكور بغلته وتلك العنز في حجره ومعه طبول وزمور وبيارق ومشايخ
وحوله الجسم الغفير من الناس ودخل بها بيت الامير المذكور على تلك الصورة وصعد بها
الى مجلسه وعنده الكثير من الامراء والاعيان فزارها وتملس بها ثم أمر بادخالها الى
الحريم ليتبركن بها وقد كان أوصى الكلارجي قبل حضوره بذبحها وطبخها فلما أخذوها
ليذهبوا بها الى جهة الحريم ادخلوها الى المطبخ وذبحوها وطبخها قيمة وحضر الغداء
وتلك العنز في ضمنه فوضعوها بين ايديهم واكلوا منها والشيخ عبد اللطيف كذلك صار يأكل
منها والكتخدا يقول كل يا شيخ عبد اللطيف من هذا للرميس السيمن فيأكل منها ويقول
والله انه طيب ومستو ونفيس وهو لا يعلم
انه عنزه وهم يتغامزون ويضحكون فلما فرغوا من الاكل
وشربوا القهوة وطلب الشيخ العنز فعرفه الامير انها هي التي كانت بين يديه في الصحن
وأكلها فبهت فبكته الامير ووبخه وامره بالانصراف وان يوضع جلد العنز على عمامته
ويذهب به كما جاء بجمعيته وبين يديه الطبول والاشاير ووكل به من اوصله محله على
تلك الصورة ولم يزل المترجم حتى تلعل بالامراض والاسقام واضمحل منه الجسم والقوى
بالآلام حتى وافاه الحمام في يوم الخميس خامس جمادى الاولى من السنة رحمه الله
وابنه العلامة السيد احمد المعروف بكتيكت مفتي الشافعية بثغر سكندرية والسيد هلال
الكتبي توفيا بعده بسنين والشيخ صالح الصحاف موجود مع الاحياء أعانه الله على وقته
ومات الامام الفصيح البارع الفقيه الشيخ جعفر بن حسن بن
عبد الكريم ابن محمد بن رسول الحسيني البرزنجي المدني مفتي الشافعية بها ولد
بالمدينة وأخذ عن والده والشيخ محمد حيوة السندي وأجازه السيد مصطفى البكري وكان
يقرأ دروس الفقه داخل باب السلام وكان عجيبا في حسن الالقاء والتقرير ومعرفة فروع
المذهب تولى الافتاء والخطابة مدة تزيد على عشرين سنة كان قوالا بالحق امارا
بالمعروف واجتمع به الشيخ سليمان بن يحيى شيخ المشايخ وذكره في رحلته وأثنى عليه
وله مؤلفات منها البر العاجل باجابة الشيخ محمد غافل والقبض اللطيف باجابة نائب
الشرع الشريف وفتح الرحمن على أجوبة السيد رمضان توفي في شهور هذه السنة قيل مسموما
والله اعلم
ومات الولي العارف احد المجاذيب الصادقين الاستاذ الشيخ
احمد ابن حسن النشرتي الشهير بالعريان كان من ارباب الاحوال والكرامات ولد في اول القرن
وكان اول امره الصحو ثم غلب عليه السكر فأدركه المحو وكانت له في بدايته امور
غريبة وكان كل من دخل عليه زائرا
يضربه بالجريد وكان ملازما للحج في كل سنة ويذهب الى
موالد سيدي احمد البدوي المعتادة وكان اميا لا يقرأ ولا يكتب واذا قرأ قارىء بين
يديه وغلط يقول له قف فانك غلطت وكان رجلا جلاليا يلبس الثياب الخشنة وهي جبة صوف
وعمامة صوف حمراء يعتم بها على لبدة من صوف ويركب بغلة سريعة العدو وملبسه دائما
على هذه الصفة شتاء وصيفا وكان شهير الذكر يعتقده الخاصة والعامة وتأتي الامراء
والاعيان لزيارته والتبرك به ويأخذ منهم دراهم كثيرة ينفقها على الفقراء المجتمعين
عليه وانشأ مسجده تجاه الزاهد جوار داره وبنى بجواره صهريجا وعمل لنفسه مدفنا
وكذلك لاهله وأقاربه واتباعه واتحد به شيخنا السيد أحمد العروسي واختص به اختصاصا
زائدا فكان لا يفارقه سفرا ولا حضرا وزوجه احدى بناته وهي ام أولاده وبشره بمشيخة
الجامع الازهر والرئاسة فعادت عليه بركته وتحققت بشارته وكان مشهورا بالاستشراف
على الخواطر توفي رحمه الله في منتصف ربيع الاول وصلى عليه بالازهر ودفن بقبره
الذي اعده لنفسه في مسجده نفعنا الله به وبعباده الصالحين
ومات الفقيه الصالح الشيخ علي بن احمد بن عبد اللطيف
البشبيشي الشافعي روى عن ابيه عن البابلي توفي في غاية ربيع الثاني من السنة
ومات الشيخ المبجل الصالح المفضل الدرويش الشيخ احمد
المولوي شيخ المولوية بتكية المظفر وكان انسانا حسنا لا باس به مقبلا على شأنه
منجمعا عن خلطة كثير من الناس الا بحسب الدواعي توفي في سابع عشرين ربيع الآخر من
السنة ولم يخلف بعده مثله
ومات المقدام الخير الكريم صاحب الهمة العالية والمروءة
التامة شمس الدين حمودة شيخ ناحية برمة بالمنوفية اخذ عن الشيخ الحفني وكان كثير
الاعتقاد فيه والاكرام له ولاتباعه وله حب في اهل الخير واعتقاد
في اهل الصلاح ويكرم الوافدين والضيفان
وكان جميل الصورة طويلا مهيبا حسن الملبس والمركب
توفي يوم الخميس حادي عشر رجب من السنة وخلف اولادا منهم
محمد الحفني الذي سماه على اسم الشيخ لمحبته فيه واحمد وشمس الدين
ومات بقية السلف ونتيجة الخلف الشيخ احمد سبط الاستاذ
الشيخ عبد الوهاب الشعراني وشيخ السجادة كان انسانا حسنا وقورا مالكا منهج
الاحتشام والكمال منجما عن خلطة الناس الا بقدر الحاجة
توفي يوم السبت ثامن صفر من السنة وخلف ولده سيدي عبد
الرحمن مراهقا تولى بعده على السجادة مع مشاركة قريبة الشيخ احمد الذي تزوج
بوالدته
ومات الامام العلامة الفقيه الصالح الناسك صائم الدهر
الشيخ محمد الشوبري الحنفي تفقه على الشيخ الاسقاطي والشيخ سعودي وبعد وفاة
المذكورين لازم الشيخ الوالد وتلقى عنه كثيرا وكان انسانا حسنا وجيها لا يتداخل
فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه صائم الدهر وملازما لداره بعد حضور درسه وكان بيته
بقنطرة الامير حسين مطلا على الخليج
سنة خمس وثمانين ومائة والف اخرج علي بك تجريدة عظيمة
وسر عسكرها واميرها محمد بك ابو الذهب وايوب بك ورضوان بك وغيرهم كشاف وارباب مناصب
ومماليكهم وطوائفهم واتباعهم وعساكر كثيرة من المغاربة والترك والهنود واليمانية
والمتاولة وخرجوا في تجمل زائد واستعداد عظيم ومهيأ كبير ومعهم الطبول والزمور
والذخائر والاحمال والخيام والمطابخ والكرارات والمدافع والجيخانات ومدافع الزنبلك
على الجمال وأجناس العالم الوفا مؤلفة وكذلك أنزلوا الاحتياجات والاثقال وشحنوا
بها السفن
وسافرت من طريق دمياط في البحر
فلما وصلوا الى الديار الشامية فحاصروا يافا وضيقوا
عليها حتى ملكوها بعد أيام كثيرة ثم توجهوا الى باقي المدن والقرى وحاربهم النواب
والولاة وهزموهم وقتلوهم وفروا من وجوههم واستولوا على المماليك الشامية الى حد
حلب ووردت البشائر بذلك فنودي بالزينة فزينت مصر وبولاق ومصر العتيقة زينة عظيمة
ثلاثة أيام بلياليها وتفاخروا في ذلك الى الغاية وعملت وقدات واحمال قناديل وشموع
بالاسواق وسائر الجهات وعملوا ولائم ومغاني وآلات وطبولا وشنكا وحراقات وغير ذلك
وذلك في شهر ربيع اول من السنة
وتعاظم علي بك في نفسه ولم يكتف فارسل الى محمد بك يأمره
بتقليد الامراء والمناصب والولايات على البلاد التي افتتحوها وملكوها وان يستمر في
سيره ويتعدى الحدود ويستولي على المماليك الى حيث شاء وهو يتابع اليه ارسال
الامدادات واللوازم والاحتياجات
ولا يثنون عنانهم عما يامرهم به
فعند ذلك جمع محمد بك امراءه وخشداشينه الكبار في خلوة
وعرض عليهم الاوامر فضاقت نفوسهم وسئموا الحرب والقتال والغربة وذلك ما في نفس
محمد بك أيضا
ثم قال لهم ما تقولون قالوا وما الذي تقوله والرأي لك
فانت كبيرنا ونحن تحت أمرك واشارتك ولا نخالفك فيما تأمر به
فقال ربما يكون رأيي مخالفا لامر استاذنا
قالوا ولو مخالفا لامره فنحن جميعا لا نخرج عن امرك
واشارتك فقال لا أقول لكم شيئا حتى نتحالف جميعا ونتعاهد على الرأي الذي يكون
بيننا
ففعلوا ذلك وتعاهدوا وحلفوا على السيف والكتاب
ثم انه قال لهم ان أستاذكم يريد ان تقطعوا اعماركم في
الغربة والحرب والاسفار والبعد عن الاوطان وكلما فرغنا من شيء فتح علينا غيره
فرأيي ان نكون على قلب رجل واحد ونرجع الى مصر ولا نذهب الى جهة من الجهات وقد
فرغنا من خدمتنا وان كان يريد غير ذلك من المماليك يولي
امراء غيرنا ويرسلهم الى ما يريد ونحن يكفينا هذا القدر
ونرتاح في بيوتنا وعند عيالنا
فقالوا جميعا ونحن على رايك
واصبحوا راحلين وطالبين الى مصر فحضروا في أواخر شهر رجب
على خلاف مراد مخدومهم وبقي الامر على السكوت
ثم ان علي بك قلد ايوب بك امارة جرجا وقضى اشغاله وسافر
الى الصعيد بطائفته واتباعه
وانقضى شهر شعبان ورمضان وعلي بك مصمم على رجوع محمد بك
الى جهة الشام وذلك مصمم على خلاف ذلك
وبدت بينهما الوحشة الباطنية
فلما كان ليلة رابع شهر شوال بيت علي بك مع علي بك
الطنطاوي وخلافه واتفق معهم على غدر محمد بك فركبوا عليه ليلا واحاطوا بداره ووقفت
له العساكر بالاسلحة في الطرق فركب في خاصته وخرج من بينهم وذهب الى ناحية
البساتين وارتحل الى الصعيد
فحضر اليه بعض الامراء أصحاب المناصب وعلي كاشف تابع
سليمان افندي كاشف شرق أولاد يحيى وقدموا له ما معهم من الخيام والمال والاحتياجات
ولم يزل في سيره حتى وصل الى جرجا واجتمع عليه أيوب بك خشداشه
وأظهر به المصافاة والمؤاخاة وقدم له هدايا وخيولا وخياما فلم يلبث الا وقد أحضر
عيون محمد بك الذين أرصدهم بالطريق رجلا ومعه مكاتبة من علي بك خطابا لايوب بك
يأمره ويستحثه على عمل الحيلة وقتل محمد بك باي وجه أمكنه ويعده امارته وبلاده
وغير ذلك
فلما قرأ المراسلة وفهم مضمونها أكرم الرجل وقال له تذهب
اليه بالكتاب وأثنى بجوابه ولك مزيد الاكرام فذهب ذلك الساعي واوصل الكتاب الى
أيوب بك وطلب منه رد الجواب وأعطاه الجواب وذكر فيه أنه مجتهد في تتميم الغرض
ومترقب حصول الفرصة
فحضر به الى محمد بك
فعند ذلك استعد محمد بك وتحقق خيانته ونفاقه فاتفق مع
خاصته وامرائه بالاستعداد والوثوب وانه اذا حضر اليه أيوب بك أخذ أرباب المناصب
نظراءهم وتحفظوا عليهم
فلما حضر في
صبحها أيوب بك جلس معه في خلوة وأخذ كل من الخازندار
والكتخدا والجوخدار والسلحدار نظراءهم من جماعة محمد بك ثم قال محمد بك يخاطب أيوب
بك يا هل ترى نحن مستمرون على الاخوة والمصافاة والصداقة والعهد واليمين الذي
تعاقدنا عليه بالشام قال نعم وزيادة
قال ومن نكث ذلك وخان اليمين ونقض العهد قال يقطع لسانه
الذي حلف به ويده التي وضعها على المصحف
فعند ذلك قال له بلغني أنه أتاك كتاب من أستاذنا علي بك
فجمد ذلك فقال لعل ذلك صحيح وكتبت له الجواب أيضا
قال لم يكن ذلك ابدا ولو اتاني منه جواب لأطلعتك عليه
ولا يصح اني أكتمه عنك أو أرد له جوابا
فعند ذلك أخرج له الجواب من جيبه وأحضر اليه ذلك الرسول
فسقط في يده وأخذ ينتنصل ببادر العذر
فعند ذلك قال له حينئذ لا تصح مرافقتك معي وقم فأذهب الى
سيدك وأمر بالقبض عليه وأنزلوه الى المركب وأحاط بوطاقه وأسبابه وتفرقت عنه جموعه
فلما صار وحيدا في قبضته أحضر عبد الرحمن أغا وكان إذ
ذاك بناحية قبلي وانضم الى محمد بك فقال له اذهب الى أيوب بك واقطع يده ولسانه كما
حكم على نفسه بذلك
فأخذ معه المشاعلي وحضر اليه في السفينة وقطعوا يمينه ثم
شبكوا في لسانه سنارة وجذبوه ليقطعوه فتخلص منهم والقى بنفسه الى البحر فغرق ومات
وكان قصد محمد بك أن يفعل به ذلك ويرسله على هذه الصورة
الى سيده بمصر
ثم انهم أخرجوه وغسلوه وكفنوه ودفنوه
فعندما وقع ذلك أقبلت الامراء والاجناد المتفرقون
بالاقاليم على محمد بك وتحققوا عند ذلك الخلاف بينه وبين سيده وقد كانوا متجمعين
عن الحضور اليه ويظنون خلاف ذلك
وحضر اليه جميع المنافي وأتباع القاسمية والهوارة الذين
شردهم علي بك وسلب نعمتهم فانعم عليهم واكرمهم وتلقاهم بالبشاشة والمحبة واعتذر
لهم وواساهم وقلدهم الخدم
والمناصب وهم أيضا تقيدوا بخدمته وبذلوا جهدهم في طاعته
ووصلت الاخبار بذلك الى مصر وحضر اليه كثير من مماليك أيوب
بك واتباعه سوى من انضم منهم والتجأ الى محمد بك واتباعه فعند ذلك نزل بعلي بك من
القهر والغيظ المكظوم ما لا يوصف وشرع في تشهيل تجريدة عظيمة وأميرها وسر عسكرها اسمعيل
بك واحتفل بها احتفالا كثيرا وامر بجمع أصناف العساكر واجتهد في تنجيز أمرها في
أسرع وقت وسافروا برا وبحرا في اواخر ذي القعدة
فلما التقى الجمعان خامر اسمعيل بك وانضم بمن معه من
الجموع الى محمد بك وصاروا حزبا واحدا ورجع الذين لم يميلوا وهم القليل الى مصر
فعند ذلك اشتد الامر بعلي بك ولاحت على دولته لوائح
الزوال وكاد يموت من الغيظ والقهر وقلد سبع صناجق والكل مزلقون وسماهم أهل مصر
السبع بنات وهم مصطفى بك وحسن بك ومراد بك وحمزة بك ويحيى بك وخليل بك كوسه ومصطفى
بك اود باشه وعمل لهم برقا وداقما ولوازم وطبلخانات في يومين وضم اليهم عساكر
وطوائف ومماليك وأتباعا وبرز بنفسه الى جهة البساتين وشرع في تشهيل تجريدة أخرى
وأميرها علي بك الطنطاوي وأخرج الجبخانات والمدافع الكثيرة وأمر بعمل متاريش من البحر
الى جهة الجبل وانقضت السنة
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الامام الفقيه
الصالح الخير الشيخ علي بن صالح ابن موسى بن احمد بن عمارة الشاوري المالكي مفتي
فرشوط قرأ بالازهر العلوم ولازم العلامة الشيخ علي العدوي وتفقه عليه وسمع الحديث
من الشيخ أحمد ابن مصطفى السكندري وغيره ورجع الى فرشوط فولي افتاء المالكية بها
فسار فيها سيرا مقتصدا ولما ورد عليه الشيخ ابن الطيب راجعا من الروم تلقى عنه
شيئا من الكتب وأجازه وكان لشيخ العرب همام بن يوسف في حقه عناية شديدة وصحبة
أكيدة وكانت شفاعات العلماء مقبولة
عنده بعناية ولذلك راج امره واشتهر ذكره وطار صيته
وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشما في نفسه مجملا في
ملابسه وجيها معتبرا في الاعين
والف شيخنا السيد محمد مرتضى باسمه نشق الغوالي من
المرويات العوالي وذلك ايام رحلته الى فرشوط ونزوله عنده ورفع من شأنه عند شيخ
العرب واكرمه اكراما كثيرا ولما تغيرت احوال الصعيد قدم الى مصر مع ابن مخدومه وما
زال بها حتى توجه الى طندتا وكان يعتريه حصر البول فيجلس اياما وهو ملازم للفراش
فزار وعاد
توفي يوم دخوله الى بولاق نهار الثلاثاء ثالث عشر شعبان
من السنة وكان يوما مطير اذا رعد وبرق فوصل خبره الى الجامع الازهر فخرج اليه
الشيخ علي الصعيدي وكثير من العلماء وتخلف من تخلف لذلك العذر فجهزوه هناك وكفنوه
وأتوا به الى الازهر وأراد الشيخ الصعيدي دفنه في مدفن عبد الرحمن كتخدا لصعوبة
الذهاب به الى القرافة ثم دفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدي التي دفن
فيها
ومات الفقية الفاضل العلامة الشيخ علي بن عبد الرحمن بن
سليمان ابن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الازهري الشهير
بالخرائطي ولد في اول القرن الجامع الازهر فحضر دروس جامعة من فضلاء العصر ولازم
بلدية الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية ودرس بالازهر ونفع الطلبة وكان انسانا حسنا
منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشساشة ومروءة كاملة له ميل تام في علم الحديث
ويتأسف على فوات اشتغاله به ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد
وكثرة الاخلاص
توفي عشية يوم الاربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة 1185
ومات الامام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ
محمد ابن اسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن خضر النقراوي المالكي وكان والده من اهل
العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم وعمر كثيرا حتى جاوز المائة
وانحنى ظهره وتوفي سنة 1178
تربى المترجم في حجر ابيه وحفظ القران والمتون وحضر دروس
الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء
ومهر وانجب درس وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق
العلوم مستحضرا للمسائل الفقهية والعقلية ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة
تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية فاحضره والده للشيخ الوالد سنة 1171 والتمس
منه مطالعته عليه فأجابه الى ذلك ورحب به وكان عمره اذ ذاك نيفا وعشرين سنة
ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الاستعدادية
والجد في الطلب اغتبط به كثيرا وصرف اليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح
خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه واشترى له حمارا ورتب له مصروفا وكسوة ولازمه
ليلا ونهارا ذهابا وايابا حتى اشتهر بنسبته اليه فكان يرسله في مهماته واسراره الى
اكابر مصر واعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما فيحسن الخطاب والجواب مع
الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه وكانوا يكرمونه
ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للاهمال وطول العهد
فكان لا يذهب الى داره الا في النادر بعد حصة من الليل ويرجع في الفجر وينزل إلى
الجامع بعد طلوع النهار فيقرأ درسين ثم يعود في الصخوة الكبرى فيقيم الى العصر
فيذهب الى الجامع فيقرأ درسا في المعقول ثم يعود
وهكذا كان دأبه الى أن مات
تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة
وشرحها القاضي زاده والجغميني والمبادي والغابات والمقاصد في أقل زمن مع التحقيق
والتدقيق وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالازهر وغير
ذلك كل ذلك بقراءته وعانى علم الاوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره
وأقبلت عليه روحانيته
وأجازه الملوي والجوهري
والحنفي والعفيفي وغيرهم ولما نفي علي بك الى النوسات
أرسل الى الشيخ فطلب منه أشياء يرسلها اليه مع المترجم فأرسله اليه وأقام عنده
أياما ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه وكان يكتب الخط الجيد وجوده على
الشيخ أحمد حجاج المعروف بابي العز
وكتب بخطه كثيرا وألف حاشيه على شرح العصام على
السمرقندية وأجوبة عن الاسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء
العصر وأعطاها الى علي بك وقال له أعطها للعلماء الذين يترددون عليك يجيبوني عنها
ان كانوا يزعمون انهم علماء فاعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقابلة الشيخ الدمنهوري
فقال له هذه وان كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد النقراوي
والخسة الاسئلة المذكورة الاول في ابطال الجزء الذي لا
يتجزأ
ا الثاني في قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق ما
معناه
الثالث في قول أبي منصور الماتريدي معرفة الله واجبة
بالعقل مع ان المجهول من كل وجه يستحيل طلبه
الرابع في قول البرجلي ان من مات من المسلمين لسنا نتحقق
موته على الاسلام
الخامس في الإستثناء في الكلمة المشرقة هل هو متصل أو
منفصل
فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطارح الانظار دلت على
رسوخه وسعة اطلاعه وغوصه ومعرفته بدقائق كلام أذكياء الحكماء والمتكلمين وفضلاء
الاشعرية والماتريدية
وعانى الرسم فرسم عدة بسائط ومنحرفات وحسب كثيرا من الاصول
والدساتير وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغريبة
وكتب شرحا على متن نور الايضاح في الفقه الحنفي باسم الامير عبد الرحمن كتخدا وله
رسالة سماها الطراز المذهب في بيان معنى المذهب وهي عبارة عن جواب على سؤال ورد من
ثغر سكندرية نظما وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم ولما ورد الى مصر محمد أفندي
سعيد قاضيا في سنة 1181 امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر
عليها وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سببا لموته وهو
انه حصل بينه وبين الشيخ البجرمي منافسة فشكاه الى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك
الشيخ الجامع فارسل اليه فلما حضر عنده في مجلسه بالازهر فتحامل عليه فقام من عنده
وقد أثر فيه القهر ومرض أياما وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة
واغتم عليه الشيخ المرحومي غما شديدا وتأثر لفراقه وحزن
لموته وتوعك أياما بسبب ذلك
ومات الامام الفقيه العلامة المفتي الشيخ ابراهيم بن
الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره وحضر دروس الاشياخ المتقدمين
كالملوي والحفني والبراوي والشيخ أحمد رزة والشيخ عطية الاجهوري وأنجب في الاصول والفروع
الفقهية وتصدر ودرس وانقطع والافتاء والقضاء بين المتخاصمين من اهل القرى للافادة
واكثرهم من أهل بلاده وكان لا يفارق محل درسه بالازهر من الشروق الى الغروب
وانفرد بالافتاء مدة طويلة على مذهبه وقلما يرى فتوى
وليس عليها جوابه
ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أياما وتوفي ثالث ربيع الثاني
من السنة
ومات أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر من جمع متفرقات
الفضائل وحاز أنواع الفواضل الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف
بابن الترجمان ولد بالجزائر سنة 1100 وكان ينتمي الى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه
في تحصيل انواع العلوم واجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله ودخل
الروم مرارا وحظي بارباب الدولة واتى الى مصر وابتنى بها دارا حسنة قرب الازهر
وكان يخبر عن نفسه انه لا يستغنى عن الجماع في كل يوم فلذلك ما كان يخلو عن امرأة
او اثنتين حتى في أسفاره
ولما ورد الامير احمد اغا امينا على دار الضرب بمصر
المحروسة الذي صار فيما بعد
باشا كان مختصا بصحبته لا يفارقه ليلا ولا نهارا وله
عليه اغداقات جميلة وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلا وتوجه الى دار السلطنة
وكانت اذ ذاك حركة السفر الى الجهاد كتب هذا عرضحالا الى السلطان مصطفى صورته ان
من قرأ استغاثة ابي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة
وقدمه الى السلطان فاستحسن ان يكون صاحب هذا العرض هو
الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الاستغاثة تبركا ففاجاءه الامر من حيث لا يحتسب واخذ
في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغما عن انفه ووصل الى معسكر المسلمين وصار يقرأ
فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير امراء العسكر فاسر مع من اسر وذهب به
الى بلاد موسقو وبقي اسيرا مده ولم يغثه احد بخلاصه منهم لاشتغال الناس بما هو اهم
حتى توفي هناك شهيدا غريبا في هذه السنة رحمه الله
ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق
أهل بلاده حضر دروس الشيخ ابراهيم الفيومي وشيخنا الشيخ علي الصعيدي ودرس برواقهم
وكان سريع الادراك متين الفهم له في على الكلام باع طويل
وتزوج ابنة الشيخ احمد الحماقي الحنفي وتوفي ثاني شهر
رمضان من السنة ودفن بالمجاورين
ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشيبني الشافعي نزيل جرجا
قرأ على جماعة من مشايخ عصره وتكمل في العربية والفقه وتوجه الى الصعيد فخالط
أولاد تمام من الهوارة في بيج القرمون فأحبوه وسكن عندهم مدة ثم سكن جرجا
وكان يتردد أحيانا الى مصر وكان كثير الاجتماع بصهرنا
علي أفندي درويش المكتب وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم
وحسن المعاشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات
فلما تغيرت أحوال الصعيد اتى المترجم الى مصر وكان
حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن
غالبا
توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض احبابه بعلة البطن وصلى
عليه الشيخ احمد بن محمد الراشدي ودفن بالمجاورين
ومات العمدة الفاضل اللغوي الماهر المنشىء الاديب الشيخ
عبد الله ابن منصور التلباني الشافعي المعروف بكاتب المقاطعة وهو بن أخت الشيخ
المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي ولد سنة 1098 تقريبا وأدرك الطبقة الاولى من الشيوخ العزيزي
والعشماوي والنفراوى
وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة واقتنى كتبا
نفيسة في سائر الفنون وكان سموحا باعارتها لاهلها وكان يعرف مظنات المسائل في
الكتب
وكان الاشياخ يجلونه ويعرفونه مقامه ولما دخل الشيخ ابن
الطيب أحبه واغتبط به وبصحبته وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتابا
وقرظ على شرح البديعية لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له
ولم يزل حتى فأجاته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة
وصلي عليه بالجامع الازهر ودفن شرقي مقام سيدي عبد الله المتوفي بالمجاورين رحمه
الله
ومات الامير الجليل ابراهيم افندي الهياتم جمليان مطعونا
في نهار الاربع ثالث عشرين المحرم من السنة
سنة ست وثمانين ومائة وألف فيها في المحرم خرج علي بك
الى جهة البساتين كما تقدم في أواخر العام الماضي وعمل متاريس ونصب عليها المدافع
من البحر الى الجبل واجتهد في تشهيل تجريدة وأميرها علي بك الطنطاوي وصحبته باقي
الامراء الذين قلدهم والعسكر فعدوا في منتصفه لمحاربة محمد بك أبي الذهب واسمعيل بك
ومن معهما
وكانوا سائرين يريدون مصر فتلاقوا
معهم عند بياضة ووقعت بينهم معركة قوية ظهر فيها فضل
القاسمية وخصوصا أباع صالح بك وعلي أغا المعمار ووقعت الهزيمة على عسكر علي بك
وساق خلفهم القبالي مسافة فمانعوا عن أنفسهم وعدوا على دير الطين وكان علي بك
مقيما به فلما حصل ما حصل اشتد القهر بالمذكور وتحير في أمره وأظهر التجلد وأمر
بالاستعداد وترتيب المدافع وأقام الى آخر النهار وتفرق عنه غالب عساكره من
المغاربة وغيرهم
وحضر محمد بك الى البر المقابل لعلي بك ونصب صيوانه
وخيامه تجاهه فتفكر علي بك في أمره وركب عند الغروب وسار الى جهة مصر ودخل من باب القرافة
وطلع الى باب العزب فأقام به حصة من الليل
وأشيع بالمدينة ان مراده المحاصرة بالقلعة
ثم انه ركب الى داره وحمل حموله وأمواله وخرج من مصر
وذهب الى جهة الشام وذلك ليلة الخامس والعشرين من شهر المحرم وصحبته علي بك
الطنطاوي وباقي صناجقه ومماليكه وأتباعه وطوائفه
فلما أصبح يوم الخميس سادس عشرينه عدى محمد بك الى بر
مصر وأوقدوا النار في ذلك اليوم في الدير بعد ما نهبوه ودخل محمد بك الى مصر وصار
أميرها ونادى أصحاب الشرطة على اتباعه بان لا أحد ياؤيهم ولا يتاويهم فكاننت مدة
غيبته سبعين يوما
وأرسل عبد الرحمن اغا مستحفظان الى عبد الله كتخدا
الباشا فذهب اليه بداره وقبض عليه وقطع رأسه ونادى بابطال المعاملة التي ضربها
المذكور بيد رزق النصراني وهي قروش مفرد ومجوز وقطع صغار تصرف بعشرة أنصاف وخمسة
انصاف ونصف قرش
وكان أكثرها نحاسا وعليها علامة علي بك
وأما من مات في هذه السنة من العظماء
فمات السيد الامام العلامة الفقيه المحدث الفهامة الحسيب
النسيب السيد علي بن موسى بن مصطفى بن محمد بن شمس الدين بن
محب الدين بن كريم الدين بن بهاء الدين داود بن سليمان
بن شمس الدين ابن بهاء الدين داود الكبير بن عبد الحفيظ بن أبي الوفاء محمد البدري
ابن أبي الحسن علي بن شهاب الدين أحمد بن بهاء الدين داود بن عبد الحافظ ابن محمد بن
بدر ساكن وادي النسور بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن زكي الدين سالم بن محمد
بن محمد بن زيد بن حسن بن السيد عريض المرتضى الاكبر ابن الامام زيد الشهيد ابن
الامام علي زين العابدين ابن السيد الشهيد الامام الحسين ابن الامام علي بن أبي
طالب الحسيني المقدسي الأزهري المصري ويعرف بابن النقيب لأن جدوده تولوا النقابة
ببيت المقدس ولد تقريبا سنة 1125 بيت المقدس وبها نشأ وقرأ القرآن على الشيخ مصطفى
الاعرج المصري والشيخ موسى كبيبة علي عود ومحمد بن نسبة الفضلي المكي وأخذ العلم
عن عم أمه صاحب الكرامات حسين العلمي نزيل لد وأبي بكر بن أحمد العلمي مفتي القدس
والشيخ عبد المعطي الخليلي ووصل الى الشام فحضر دروس الشيخ أحمد المتيتي والشيخ اسمعيل
العجلوني والشيخ عبد الغني النابلسي واجتمع على الشيخ صالح البشيري الآخذ عن الخضر
عليه السلام وعامر ابن نعير وأحمد القطناني ومصطفى بن عمر والدمشقي
وكان من الابدال وأحمد النحلاوي وكان من أرباب الكشف
ومحمد بن عميرة الدمشقي وعمران الدمشقي وزيد اليعبداوي وخليفة بن علي اليعبداوي ورضوان
الزاوى وأحمد الصفدي المجذوب والشيخ مصطفى بن سوار ودخل حماة فأخذ عن القطب السيد
يس القادري وحلب فأخذ بها عن أحمد البني وعبد الرحمن السمان كلاهما من تلاميذ
الشيخ أحمد الكتبي وعن الشيخ محمد بن هلال الرامهداني والشيخ عبد الكريم الشرباتي
وعاد الى بيت المقدس فاجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي أيضا وبالسيد مصطفى البكري
بحلب حين كان راجعا من بغداد فأخذ عنه الطريقة ورغبة
في مصر فوردها وحضر على الشمس السجيني ومصطفى العزيزي والسيد
علي الضرير الحفني وأحمد بن مصطفى الصباغ والشهابين الملوي والجوهري والشمس الحنفي
وأحمد العماوي وشيخ المذهب سليمان المنصوري وأجازه سيدي يوسف بن ناصر الدرعي وأحمد
العربي وأحمد بن عبد اللطيف زروق وسيدي محمد العياشي الاطروش والشيخ ابن الطيب في
آخرين ورأس في المذهب وتمهر في الفنون ودرس بالمشهد الحسيني في التفسير والفقه
والحديث واشتهر أمره وطار صيته
وكان فقيها في المذهب بارعا في معرفة فنونه عارفا بأصوله
وفروعه ويستنبط الاحكام بجودة ذهنه وحسن حافظته ويكتب على الفتاوى برائق لفظه
وكانت له في النثر طريقة غريبة لا يتكلف في الاسجاع واذا
سئل عن مسألة كتب عليها الجواب أحسن من الروض جاد به الغمام وأغزر من الوبل ساعده
نوء النعام
ويكتب في الترسل على سجية بادرة وفكرة على السرعة صاددة
وكان ذا جود وسخاء وكرم ومرؤة ووفاء لا يدخل في يده شىء من متاع الدنيا الا وبذله
لسائليه وأغدق به على معتفيه وكان منزله الذي قرب المشهد الحسيني مورد الآملين ومحطا
لرجال الوافدين مع رغبته في الخيل المنسوبة وحسن معرفته لانسابها وعزوه لاربابها
وكان اصطبله دائما لا يخلو من اثنين أو ثلاثة يركب عليها في شرائها لمعرفته بالفروسية
في رمي السهام واستعمال السلاح واللعب بالرماح وغير ذلك
ولما ضاق عليه منزله لكثرة الوفاد عليه ولكثرة ميله الى
ربط الخيول انتقل الى منزل واسع بالحسينية في طرف البلد بناء على ان الاطراف مساكن
الاشراف فسكنه وعمر فيه وفي الزاوية التي قرب بيته وصرف عليها مالا كثيرا
وفي سنة 1177 استخار الله تعالى في التوجه الى دار
السلطنة لامور اوجبت رحلته اليها منها انه ركبت عليه الديون وكثر مطالبوها وضاق
صدره من عدم مساعدة الوقت له وكان اذ ذاك محل تدريسه
بالمشهد الحسيني وعزم عبد الرحمن كتخدا على هدمة وانشائه على هذه الصورة ورأي أن
هذه البطالة تستمر أشهرا فوجد فرصة وتوجه اليها وقرأ دروسا في الحديث في عدة جوامع
واشتهر هناك بالمحدث وأقبلت عليه الناس أفواجا للتلقي واحبته الامراء وأرباب
الدولة وصارت له هناك وجاهة
الا انه كان في درسه ينتقل تارة الى الرد العنيف على
أرباب الاموال والاكابر وملوك الزمان وينسبهم الى الجور والعدوان وانحرافهم عن
الحق فوشي به الحاسدون فبرز الامر بخروجه من البلد وكان قد تزوج هناك فعاد الى مصر
فلما وصل الى بولاق ذهب اليه جماعة من الفضلاء واستقبلوه
واستقر في منزله وعاد الى دروسه في المشهد وذلك سنة 1183
ولم يترك عادته المألوفة من اكرام الضيوف وبذل المعروف وكان لا يصبر على الجماع
وعنده ثلاث نسوة شامية ومصرية ورومية واذا خرج الى الخلاء أو بعض المنتزهات أخذ
صحبته من يريدها منهن ونصب لها خيمة وألف الاغتسال مدة اقامته يوما أو يومين أو اكثر
واتفق له في آخر أمره انه ذهب عند محمد بك أبي الذهب
وكان في ضائقة فحادثه الامير على سبيل المباسطة وقال له كيف رأيت أهل اسلامبول
فقال لم يبق باسلامبول ولا بمصر خير ولا يكرمون الاشرار الخلق وأما أهل العلم والاشراف
فانهم يموتون جوعا
ففهم الامير تعريضه وامر له بمائة الف نصف فضة من
الضربخانة فقضى منها بعض ديونه وأنفق باقيها على الفقراء وعاش بعدها أربعين يوما
وتعلل بخراج أياما واحضروا له رجلا يهوديا فقصده بمشتر قيل انه مسموم فكان سببا
لموته
وتوفي عصر يوم الاحد سادس شهر شعبان من السنة وجهز في
صبح يوم الاثنين وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بمقبرة باب النصر على أكمة
هناك
ولما أحضر له الناس من الاعيان
عدة أكفان وكل منهم يريد أن لا يوضع الا في كفنه فاخذوا
من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلك جبرا لخواطرهم
وأعطى الامير محمد بك لاخيه مولانا السيد بدر الدين
عندما أخبره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه
وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره
مكانه لاملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني وأقبلت عليه الناس والاعيان
ومشى على قدم أخيه وسار سيرا حسنا وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الاخلاق واطعام الطعام
واكرام الضيفان والتردد الى الاعيان والامراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لاهل
حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم
ولو من الامراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم حتى صار مرجعا وملجأ لهم في
أمورهم ومقاصدهم وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم ويخشون جانبه وصولته عليهم
ثم انه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجدا نفيسا
لطيفا وعمل به منبرا وخطبة ورتب به اماما وخطيبا وخادما وجعل بجانبه ميضاه ومصلى
لطيفة يسلك اليهما من باب مستقل وبها كراسي راحة وأنشأ بجانب المسجد دارا نفيسة
وانتقل اليها بعياله وترك الدار التي كانت سكنه مع اخيه لانها كانت بالاجرة وبنى
لاخيه ضريحا بداخل ذلك المسجد ونقله اليه وذلك سنة 1205
فلما كانت الحوداث في سنة 1213 واستيلاء الفرنسيس على
الديار المصرية وقيام سكان الجهة الشرقية من أهلى البلد وهي القومة الاولى التي
قتل فيها دبوي قائمقام تحركت في السيد بدر الدين المذكور الحمية وجمع جموعه من اهل
الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الافرنج ومقاتلتهم وبذل جهده في ذلك
فلما ظهر الافرنج على المسلمين لم يسع المذكور الاقامة
وخرج فارا الى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس وفحص عنه الافرنج وبثوا خلفه
الجواسيس
فلم يدركوه فعند ذلك نهبوا داره ودهموا منها طرفا وكل
تخريبها أوباش الناحية وخربوا المسجد وصارت في ضمن الاماكن التي خربها الفرنسيس
بهدم ما حول السور من الابنية ثم في الواقعة الكبيرة الثانية عندما حضر الوزير
والعساكر الرومية ورجعوا بعد نقض الصلح بدون طائل كما يأتي تفصيل ذلك
فلما حضروا ثانيا بمعونة الانكليز وتم الامر وسافر
الفرنسيس الى بلادهم ورجع المذكور الى مصر وشاهد ما حصل لداره ومسجده من التخريب
أخذ في اسباب تعميرهما وتجديدهما حتى أعادهما أحسن مما كانا عليه قبل ذلك وسكن بها
وهو الآن بتاريخ كتابة هذا المجموع سنة 1220 قاطن بها ومحله مجمع شمل المحبين ومحط
رحال القاصدين بارك الله فيه
ومات الفقيه المفنن العلامة الشيخ علي ين شمس الدين بن
محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري ولد بالثغر سنة أربع وعشرين
وأمه آمنة بنت الحاج عامر بن أحمد العراقي وأمها صالحة بنت الشريف الشريف الحاج
علي زعيتر أحد أعيان التجار برشيد حفظ المترجم الزبد والخلاصة وسبيل السعادة
والمنهج الى الديات والجزرية والجوهرة وسمع على الشيخ يوسف القشاشي الجزرية وابن
عقيل والقطر وعلى الشيخ عبد الله بن مرعي الشافعي في شوال سنة احدى واربعين جمع
الجوامع والمنهج وألقى منه دروسا بحضرته ومختصر السعد واللقاني على جوهرته وشرح
ابنه عبد السلام والمناوي على الشمائل والبخاري وابن حجر على الاربعين والمواهب
وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيرى معظم البخارى دراية والمواهب وابن عقيل والاشموني
على الخلاصة وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين ونصف النفراوي على الرسالة
والبيضاوي الى قوله تعالى واذا وقع القول فكلمه بعد موته
وفي سنة ثمان وثلاثين وفد على الثغر الشيخ عطية الاجهوري
فقرأ
عليه العصام في الاستعارات مع الحفيد وعلى الشيخ محمد
الادكاوي شرح السيوطي على الخلاصة والشنشوري على الرحبية والتحرير لشيخ الاسلام ثم
قدم الجامع الازهر سنة ثلاث وأربعين فجاور ثلاث سنوات فسمع على الشيخ مصطفى العزيزي
شرح المنهج مرتين والخطيب والشمائل واجازه بالافتاء والتدريس في رجب سنة ست وأربعين
وكان به بارا رحيما شفوقا بمنزلة الوالد حتى بعد الوفاة وجرت له معه وقائع كثيرة
تدل على حسن توجهه له دون غيره من الطلبة
وسمع على السيد علي الحنفي الضرير الاشموني وجمع الجوامع
والمغني وبعض المنفرجة والقسطلاني على البخاري وتصريف العزى على الشمس محمد الدلجي
المغني كله قراءة بحث والخطيب وجمع الجوامع وعلى الشيخ علي قايتباي الخطيب فقط
وعلى الشيخ الحفني الخطيب والمنهج وجمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وألفية
المصطلح ومعراج الغيطي وعلى أخيه الشيخ يوسف الاشموني والمختصر ورسالة الوضع وعلى
الشيخ عطية الاجهوري المنهج والمختصر والسلم وعلى أحمد الشبراملسي الشافعي المختصر
والتجرير وبعض العصام ومنظومة في أقسام الحديث الضعيف وعلى الشيخ محمد السجيني
الشمائل وموضع من المنهج وأجازه الشيخ الشبراوي بالكتب الستة بعد أن سمع عليه بعضا
منها ورجع عن فتواه مرتين في وقفين وعلى الشيخ أحمد بن سابق الزعبلي المنهج كله
مرتين وعلى الشيخ أحمد المكودى كبرى السنوسي وبعض مختصره دراية وعلى الشيخ محمد
المنور التلمساني شيخ المكودى المذكور أم البراهين دراية وعلى الشيخ أحمد العماوي
المالكي بعض سنن أبي داود وجمع الجوامع والمغني والازهرية
ولما رجع الى الثغر لازم الشيخ شمس الدين الغوى خطيب
جامع المحلي فسرد عليه معظم متن الزبد والمنهج وشرحه والشنشورى ومتن العباب وهو
الذي عرفه به وبطريق تركيب الفتاوى أسئلة وأجوبة
وكان يقول لا بد للمبتلي بالافتاء من العباب لوضوحه
واستيعابه
وأجازه الشيخ شلبي البرلسي والشيخ عبد الدائم بن أحمد
المالكي وأحمد بن أحمد بن قاسم الوني
وله مؤلفات جليلة منها شرح لقطة العجلان وحاشية على شرح
الاربعين النووية للشبشيرى أجاد فيها كل الاجادة وقد رأيت كلا منهما بالثغر عند
ولده السيد أحمد توفي في خامس عشرين شعبان من السنة
ومات الشاب الصالح والنجيب الاريب الفالح العلامة
المستعد النبيه الذكي الشيخ محمد بن عبد الواحد بن عبد الخالق البناني أبوه وجده
وعمه من أعيان التجار والثروة بمصر نشأ في عفة وصلاح وحفظ القرآن والمتون وحبب اليه
طلب العلم فتقشف لذلك وتجرد ولازم الحضور والطلب ودأب واجتهد في التحصيل وسهر
الليل وكان له حافظة جيدة وفهم حاد وقوة استعدادية وقابلية فأدرك في الزمن اليسير
ما لم يدركه غيره في الزمن الكثير ولازم شيخنا الشيخ محمد الجناحي المعروف
بالشافعي ملازمة كلية وتلقى عنه غالب تحصيله في الفقه والمعقول والمنطق
والاستعارات والمعاني والبيان والفرائض والحساب وشباك ابن الهاثم وغير ذلك وحضر
دروس الشيخ الصعيدي والدردير وغيرهم حتى مهر وأنجب ودرس واشتهر بالفضل وعمل الختوم
وحضره أشياخ العصر وشهدوا بفضله وغزارة علمه وانتظم في عداد أكابر المحصلين والمفيدين
والمستفيدين ولم يزل هذا حاله حتى وافاه الحمام وانمحق بدره عند التمام ومات
مطعونا في هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة لم يجاوز الثلاثين عوضه الله الجنة وهو ابن
عم الامام العلامة الشيخ مصطفى بن محمد بن عبد الخالق من أعيان العلماء المشاهير
بمصر الآن بارك الله فيه
ومات الفقيه الفاضل المحقق الشيخ أحمد بن أحمد الحمامي
الشافعي
الازهري ولد بمصر واشتغل بالعلم من صغره ومال بكليته
اليه وحبب اليه مجالسة أهله فلازم الشيخ عيسى البراوى حتى مهر وتفقه عليه وحضر
دروس الشمس الحفني والشيخ علي الصعيدي وغيرهما واجازوه وحج في سنة خمس وثمانين
مرافقا لشيخنا الشيخ مصطفى الطائي ورجعا الى مصر وتصدر للتدريس والافتاء في حياة شيوخه
ودرس وأفاد
وكان أكثر ملازمته لزاوية الشيخ الخضرى ويقرأ درسا بالصرغتمشية
وانتفع به جماعة وله حاشية على الشيخ عبد السلام مفيدة وأخرى على الجامع الصغير
للسيوطي لم تتم وكان ذا صلاح وورع وخشية من الله وسكون ووقار
توفي يوم الاربعاء تاسع ربيع الاول من السنة ودفن ثاني
يوم بمشهد عظيم بالقرب من السادة المالكية
ومات الامام الصوفي العارف المعمر الشيخ علي بن محمد بن
محمد بن أحمد بن عبد القدوس ابن القطب شمس الدين محمد الشناوي الروحي الاحمدي
المعروف ببندق ولد قبل القرن وأخذ عن عميه محمد العالم وعلي المصرى وهما عن عمهما
الشمس محمد بن عبد القدوس الشهير بالدناطي عن ابن عمه الشهاب الخامي ومسكنهم بمحلة
روح وهو شيخ مشايخ الاحمدية في عصره
وانتهت اليه الرياسة في زمنه وعاش كثيرا حتى جاوز المائة
ممتعا بالحواس وكان له خلوة في سطح منزله ولها كوة مستقبلة طندتا بين يديها فضاء
واسع يرى منها آثار طندتا وهو مستقبل القبلة في حال جلوسه ونومه ونظره الى تلك
الكوة
وأخبرني أولاده انه هكذا هو مستمر على هذه الطريقة من
مدة طويلة
توفي في أوائل جمادى الاولى من السنة واجتمع بمشهده غالب
أهل البلاد من المشايخ والاعيان والصلحاء من الآفاق والسيد محمد مجاهد الاحمدي
والشيخ محمد الموجه والسيد أحمد تقي الدين وغيرهم ودفن عند أسلافه بمحلة روح
ومات الامير خليل بك ابن ابراهيم بك بلفيا تقلد الامارة
والصنجقية بعد موت والده وفتح بيتهم وأحيا ما آثرهم وكان أهلا للامارة ومحلا
للرئاسة وتقلد امارة الحج في سنة احدى وثمانين ورجع في أمن وسخاء وطلع أيضا في
السنة الثانية ومات بالحجاز ورجع بالحج أخوه عبد الرحمن أغا بلفيا
ومات الاجل المكرم الرئيس محمد تابع المرحوم محمد أوده
باشه طبال مستحفظان ميسو الجداوى وهو زوج الجدة أم المرحوم الولد تزوج بها بعد موت
الجد في سنة 1114 وقطن بها ببندر جدة وأولدها حسينا ومحمدا وتوفي سنة أربع وخمسين
عن ولديه المذكورين وأخيهما محمود من أبيهما وعتقائه ومنهم المترجم قرباه ابن سيدة
وهو العم حسين فأنجب وعانى التجارة ورئاسة المراكب الكبار ببحر القلزم حتى صار من
أعيان النواخيد الكبار واشتهر صيته وذكره وكثر ماله وبنى دارا بمصر بجوار المدارس
الصالحية واشترى المماليك والعبيد والجوارى وصار له داربمصر وبجدة ولم يزل حتى توفي
بالشام وهو راجع الى مصر ووصل نعيه في سابع عشرين ربيع الثاني رحمه الله
ومات الخواجا الصالح المعمر الحاج محمد بن عبد العزيز
البندارى وكان انسانا حسنا وهو الذي عمر العمارة والمساكن بطندتا واشتهرت به
توفي في غرة ربيع أول بعد تعلل رحمه الله تعالى
سنة سبع وثمانين ومائة وألف فيها تواترت الاخبار
والارجافات بمجيء علي بك من البلاد الشامية بجنود الشام وأولاد الظاهر عمر فتهيأ
محمد بك للقائه وبرز خيامه الى جهة العادلية ونصب الصيوان الكبير هناك وهو صيوان
صالح بك وهو في غاية العظم والاتساع والعلو والارتفاع وجميعه بدوائره من جوخ
صاية وبطانته بالاطلس الاحمر وطلائعه وعساكره من نحاس
أصفر مموه بالذهب
فأقام يومين حتى تكامل خروج العسكر ووصل الخبر بوصول علي
بك بجنوده الى الصالحية فارتحل محمد بك في خامس شهر صفر فالتقيا بالصالحية وتحاربا
فكانت الهزيمة على علي بك واصابته جراحة في وجهه فسقط عن جواده فاحتاطوا به وحملوه
الى مخيم محمد بك وخرج اليه وتلقاه وقبل يده وحمله من تحت ابطه حتى أجلسه بصيوانه
وقتل علي بك الطنطاوي وسليمان كتخدا وعمر جاويش وغيرهم وذلك
يوم الجمعة ثامن شهر ضفر ووصل خبر ذلك الى مصر في صبح يوم السبت وحضروا الى مصر
وأنزل محمد بك أستاذه في منزله الكائن بالازبكية بدرب عبد الحق وأجرى عليه الاطباء
لمداواة جراحاته
وفي خامس عشر صفر وصل الحجاج ودخلوا الى مصر وأمير الحج
ابراهيم بك محمد
وفي تلك الليلة توفي الامير علي بك بعد وصوله بسبعة أيام
قيل انه سم في جراحاته فغسل وكفن ودفنوه عند اسلافه بالقرافة
وفي سابع عشر ربيع الاول وصل الوزير خليل باشا والي مصر
واطلع الى القلعة في موكب عظيم وذلك يوم الخميس تاسع عشرة وضربوا له مدافع وشنكا
من الابراج
وكان وصوله من طريق دمياط فعمل الديوان وخلع الخلع
ومات في هذه السنة الشيخ الامام الصالح العلامة المفيد
الشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسن الجوهرى الخادلى الشافعي ولد بمصر
سنة 1132 وبها نشأ وسمع الكثير من والده ومن شيخ الكل الشهاب الملوى وآخرين
وتصدر في حياة أبيه للتدريس وحج معه وجاور سنة وكان
انسنا حسنا ذا مودة وبر وشهامة ومروءة تامة واخلاق لطيفة
توفي بعد ان تعلل أياما في حادي عشري ربيع الاول وصلي
عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن مع والده بالزاوية
القادرية بدرب شمس الدولة
ومات المبجل المفضل الامام العارف صاحب المعارف علي بن
محمد بن القطب الكامل السيد محمد مراد الحسيني البخاري الاصل الدمشقي الحنفي ويعرف
بالمرادى نسبة لجده المذكور ولد بدمشق وأخذ عن أبيه وغيره من العلماء كعلي بن صادق
الداغستاني وغيره وكان انسانا عظيم الشأن ساطع البرهان طيب الاعراق كريم الاخلاق
منزله مأوى القاصدين ومحط رجال الواردين وهو والد خليل أفندي المفتي بدمشق نزل
عنده السيد العيدروس فأكرمه وبره ولم يزل حتى توفي في هذه السنة
وتوفي بعده بشهرين أيضا أخوه حسين أفندي المرادى رحمهما
الله
ومات الماهر الاديب الشاعر الكاتب المنشىء الشيخ ابراهيم
بن محمد سعيد بن جعفر الحسني الادريسي المنوفي المكي الشافعي ولد في آخر القرن
الحادى عشر بمكة وأخذ عن كبار العلماء كالبصرى والنخلي وتاج الدين القلعي والعجمي
ثم من الطبقة التي تليه مثل علي السخاوى وابن عقيلة في آخرين من الواردين على الحرمين
من آفاق البلاد واعلى ما عنده اجازة الشيخ ابراهيم الكوراني له وله شعر نفيس وقد
جمع في ديوان وبينه وبين السيد جعفر البيثي والسيد العيدروس مخاطبات ومحاورات ودخل
الهند بسفارة صاحب مكة فأكرم وعاد الى مكة وولي كتابة السر لملكها وكان يكاتب رجال
الدولة على لسانه على إختلاف طبقاتهم وكان قلمه كلسانه سيالا وربما شرع في كتابة
سورة من القرآن وهو يتلو سورة أخرى بقدرها فلا يغلط في كتابته ولا في قراءته حتى
تتما معا وهذا من أعجب ما سمعت
وكان له مهارة ومعرفة في علم الطب واما انشاآته فاليها
المنتهي في العذوبة وتناسب القوافي
وأما في نظمه فهو فريد عصره لا يجاريه فيه مجار ولا
يطاوله مطاول
ومات البارع المقرىء المجود المحدث الشيخ عبد القادر بن
خليل بن عبد الله الرومي المدني المعروف بكدك زاده ولد بالمدينة سنة 1140 وبها نشأ
وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شمس الدين محمد السجاعي نزيل المدينة تلميذ البقرى
الكبير وحفظ الشاطبية واشتغل بالعلم على علماء بلده والواردين عليه سمع اكثر كتب
الحديث على الشيخين ابن الطيب ومحمد حياة بقراءته عليهما في الاكثر ولازم الشيخ
ابن الطيب ملازمة كلية حتى صار معيدا لدروسه وكان حسن النغمة طيب الاداء ولي الخطابة
والامامة بالروضة المطهرة وكان اذا تقدم الى المحراب في الصلوات الجهرية تزدحم
عليه الخلق لسماع القرآن منه ثم ورد الى مصر فأدرك الشيخ المعمر داود بن سلمان
الخربتاى فتلقى منه أشياء واجازه وذلك في سنة 1168 وحضر الشيخ الملوى والجوهرى
والحفني والبليدى وحمل عنهم الكثير وتزوج ثم توجه الى الروم ثم عاد الى المدينة
فلم يقر له بها قرار ثم أتى الى مصر ودار على الشيوخ البقية ثانيا وأخذ عنهم وأحبه
السيد اسمعل بن مصطفى الكماخي وصار يجلس عنده أياما في منزله الملاصق لجامع قوصون
فشرع في أخذ خطابته له فاشترى له الوظيفة فخطب به على طريقة المدينة وازدحمت عليه الناس
وراج أمره وتزوج ثم توجه الى الروم وباع الوظيفة وانخلع عما كان عليه وجلس هناك
مدة وسمع السلطان قراءته في بعض المواضع في حالة التبديل فأحب أن يكون اماما لديه
وكاد أن يتم فاحس امام السلطان بذلك فدعاه الى منزله وسقاه شيئا مما يفسد الصوت
حسدا عليه فلما أحس بذلك خرج فارا فعاد الى مصر واشتغل بالحديث وشرع في عمل المعجم
لشيوخه الذين أدركهم في بلده وفي رحلاته الى البلاد
ودخل حلب فاجتمع بالشيخ أبي المواهب القادرى وقرأ عليه شيئا
من الصحيح وأجازه واخذ عن السيد المعمر ابراهيم بن محمد الطرابلسي النقيب ومن
درويش مصطفى الملقي ودخل طرابلس الشام وأخذ الاجازة من الشيخ
عبد القادر الشكعاوي ودخل خادم ( احدى قرى الروم ) فاجتمع بالشيخ المعروف بمفتي
خادم ورام ان يسمع منه الآولية فلم يجد عنده اسنادا وانما هو من أهل المعقول فقط
ورجع الى مصر فاجتمع بشيخنا السيد مرتضى وتلقى عنه الحديث واهتم في جمع رجاله
وتمهر في الاسناد وجمع من ذلك شيئا كثيرا في مسودات بخطه ثم عاد الى الحريمن
ومنهما الى ارض اليمن فاجتمع بمن بقي من الشيوخ وأخذ عنهم ودخل صنعاء ومدح كلا من
الوزير والامام بقصيدة فأكرم بها واجتمع على علمائها وتلقى عنهم وصار بينه وبين
الشيخ أحمد قاطن أحد علمائها محاورات ثم دخل كوكيان فاجتمع على فريد عصره السيد
عبد القادر بن أحمد الحسني من بيت الائمة ودخل شبام فأجتمع على السيد ابراهيم بن
عيسى الحسني واللحية فأجتمع بها على الشيخ عيسى زريق وذلك في سنة 1185 وعاد الى
مصر بالفوائد الغزار وبما حمل في طول غيبته من النوادر والاسرار وفي هذه الخطرات
التي ذكرت دخل الصعيد من طريق القصير واجتمع على مشايخ عربان الهوارة ومدحهم
بقصائد طنانة وأكرموه وله ديوان جمع فيه شعره وما مدح به الآكابر والاولياء وكان
عنده مسودة بخطه وهذا قبل أن يسافر الى الشام والروم واليمن والصعيد فقد تحصل له
في هذه السفرات كلام كثير مفرق لم يلحقه بالديوان وكان كلما نزل في موضع ينشيء فيه
قصيدة غريبة في بابها وكان يغوص على المعاني بفكرة الثاقب فيستخرجها ويكسوها حلة
الالفاظ ويبرزها أعجوبة تلعب بالعقول وتعمل عمل الشمول فلله دره من بليغ لم يبلغ
معاصروه شأوه ولو اقام في موضع كغيره لاطلع ضياه ولكنه الف الغربة وهانت عنده
الكربة فلم ينال بخشن ولا لين ولم يكترث بصعب ولا هين وأجازه الشيخ محمد السفاريني
أجازه طويلة في خمسة
كراريس فيها فوائد جمة
ولم يزل تتنقل به الاحوال حتى سافر الى القدس الشريف
فمكث هناك قليلا وزار المشاهد الكرام ومراقد الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم
ارتحل الى نابلس فنزل في دار السيد موسى التميمي وهو اذ ذاك قاضي البلد فأكرمه
وآواه واحترمه
ومرض اياما وانتقل الى رحمة الله تعالى في سلخ جمادى
الثانية منها ووصل نعيه الى مصر وكانت معه كتبه وما جمعه في سفره من شعره والعجم
الذي جمعه في الشيوخ والاجراء والاماني التي حصلها وضاع ذلك جميعه ولله في خلقه ما
أراد
ومات العمدة الشاب الصالح الشيخ محمد بن حسن الجزايرلي
ثم المدني الحنفي الازهري ولد بمكة اذ كان والده يتجر بالحرمين في حدود الستين
وقدم به الى مصر فلازم الشيخ حسن المقدسي مفتي الحنفية ملازمة كلية وانضوى اليه
فقرأ عليه المتون الفقهية ودرجه في أدنى زمن الى معرفة طرق الفتوى حتى كان معيدا لدروسه
وكاتبا لسؤالاته وربما كتب على الفتوى بأذن شيخه
وفي أثناء حضر في المعقول على الشيخ الصعيدي والشيخ
البيلي والشيخ محمد الامير وغيرهما من مشايخ الوقت وحصل طرفا من العلوم وصارت له
الشهرة في الجملة وأعطاه شيخه تدريس الحديث بالصرغتمشية فكان في كل جمعة يقرأ فيه
البخاري وزوجه امرأة موسرة لها بيت بالازبكية
وبعد وفاة شيخه تصدر لللاقراء في محله وصار ممن يشار
اليه ولم يزل حتى مات في عنفوان شبابه في هذه السنة ويقال ان زوجته سمته
ومات الامير الكبير علي بك الشهير صاحب الوقائع المذكورة
والحوادث المشهورة وهو مملوك ابراهيم كتخدا تابع سليمان جاويش تابع مصطفى كتخدا القازدغلي
تقلد الامارة والصنجقية بعد موت استاذه في سنة 1168 وكان قوي المراس شديد الشكيمة
عظيم الهمة لا يرضى لنفسه
بدون السلطنة العظمى والرياسة الكبرى لا يميل لسوى الجد
ولا يحب اللهو ولا المزح ولا الهزل ويحب معالي الامور من صغره
واتفق ان بعض ولاة الامور تشاوروا في تقليده الامارة
فنقل اليه مجلسهم وذكر له مساعدة فلان وممانعة فلان فقال انا لا اتقلد الامارة الا
بسيفي لا بمعونة أحد
ولم يزل يرقى في مدارج الصعود حتى عظم شأنه وانتشر صيته ونما
ذكره وكان يلقب بجن علي ولقب أيضا ببلوط قبان وانضم الى عبد الرحمن كتخدا واظهر له
خلوص المحبة واغثر هو ايضا به وظن صحة خلوصه فركن اليه وعضده وساعده ونوه بشأنه
ليقوى به على نظرائه من الاختيارية والمتكلمين
واتفق انه وقع بين أحمد جاويش المجنون تابعه وبين أهل
وجاقة حادثة نقموا عليه فيها وأوجبوا عليه النفي بحسب قوانينهم واصطلاحهم واعرضوا
الامر على عبد الرحمن كتخدا استاذه فعارض في ذلك ولم يسلم لهم في نفي أحمد جاويش
ورأى ذلك نقصا في حقه فتلطف به بعضهم وترجوا في اخراجه ولو الى ناحية ترسا بالجيزة
أياما قليلة مراعاة وحرمة للوجاق فلم يرض وحنق واحتد
فلما كان في اليوم الثاني واجتمع عليه الامراء والاعيان
على عادتهم قال لهم أيها الامراء من انا اجابه الجميع بقولهم أنت استاذنا وابن
استاذنا وصاحب ولائنا
قال اذا أمرت فيكم بامر تنفذوه وتطيعوه قالوا نعم
قال علي بك هذا يكون أميرنا وشيخ بلدنا ومن بعد هذا
اليوم يكون الديوان والجمعية بداره وانا أول من اطاعه وآخر من عصى عليه
فلم يسعهم الا قبول ذلك بالسمع والطاعة وأصبح راكبا الى
بيت علي بك وتحول الديوان والجمعية اليه من ذلك اليوم واستفحل أمره ولم يمض على
ذلك الا مدة يسيرة حتى أخرج أحمد جاويش المذكور وحسن كتخدا الشعرواي وسليمان بك الشابوري
كما تقدم ثم غدر به أيضا واخرجه الى الحجاز من طريق السويس وأرسل معه صالح بك
ليوصله الى ساحل
القلزم فلما شيعه هناك أرسل بنفي صالح بك الى غزة ثم رد
الى رشيد ومنها ذهب الى منية ابن خصيب وتحصن بها وجرد عليه المترجم التجاريد ولم
يزل ممتنعا بها حتى تعصب على المترجم خشداشينه واخرجوه منفيا الى النوسات ثم وجهوه
الى السويس بعد قتل حسن بك الأزبكاوى ثم منها الى الجهة القبلية بعد قتل عثمان بك
الجرجاوى وانضم الى صالح بك وتعاقد معه وحضر معه الى مصر وقتل الرؤساء من أقرانه
ثم غدر بصالح بك أيضا كما تقدم مجمل ذلك ثم نفى باقي الأعيان وفرق جمعهم في القرى
والبلدان وتتبعهم خنقا وقتلا وأبادهم فرعا وأصلا وافنى باقيهم بالتشريد وجلوا عن أوطانهم
الى كل مكان بعيد واستأصل كبار خشداشينة وقبيلته واقصى صغارهم عن ساحته وسدته
واخرب البيوت القديمة واخرم القوانين الجسيمة والعوائد المرتبة
والرواتب التي من سالف الدهر كانت منظمة وقتل الرجال واستصفى الأموال وحارب كبار
العربان والبوادي وعرب الجزيرة والهنادي واعاظم الشجعان ومقادم البلدان وشتت شملهم
وفرق جمعهم واستكثر من شراء المماليك وجمع العسكر من سائر الأجناس واستخلص بلاد
الصعيد وقهر رجالها الصناديد ولم يزل يمهد لنفسه حتى خلص له ولأتباعه الأقليم من
الأسكندرية الى أسوان ثم جرد عساكره الى البلاد الحجازية ونفذ اغراضه بها ثم التفت
الى البلاد الشامية وتابع إرسال البعوث والسرايا والتجاريد اليها وقتل عظماءها
وكبراءها وولاتها واستولت اتباعه على البلاد الشامية حتى أنهم أقاموا في حصار يافا
أربعة اشهر حتى ملكوها وعمر قلاع الاسكندرية ودمياط وحصنها بعساكره ومنع ورود
الولاة العثمانيين وكان يطلع كتب الاخبار والتواريخ وسير الملوك المصرية ويقول
لبعض خاصته ان ملوك مصر كانوا مثلنا مماليك الاكراد مثل السلطان بيبرس والسلطان
قلاوون وأولادهم وكذلك ملوك الجراكسة وهم مماليك بني
قلاون الى آخرهم كانوا كذلك وهؤلاء العثمانية أخذوها
بالتغلب ونفاق أهلها
وينوه ويشير بمثل هذا القول بما في ضميره وسريرته ولو لم
يخنه مملوكه محمد بك لرد الامور الى أصولها وكان لا يجالس الا أهل الوقار والحشمة
والمسنين مثل محمد افندي كاتب كبير الينكجرية ومصطفى افندي توكلي وعبد الله كتخدا محمد
باشا الراقم ومرتضى أغا وأحمد افندي يجالسونه بالنوبة في اوقات مخصوصة مع غاية
التحرز في الخطاب والمسامرة بوجيز القول وكاتب انشائه العربي الشيخ محمد الهلباوي
الدمنهوري وكاتبه الرومى مصطفى افندي الاشقر ونعمان افندي وهو منجمه أيضا ويجل من
العلماء المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ على العدوى والشيخ أحمد
الحماقي وكاتبه القبطي المعلم رزق بلغ في ايامه من العظمة ما لم يبلغه قبطي فيما
رأينا ومن مسقاته كرع المعلم ابراهيم الجوهرى وأدرك ما أدركه بعده في ايام محمد بك
واتباعه من بعده وتتبع المفسدين والذين يتداخلون في القضايا والدعاوى ويتحيلون على
ابطال الحقوق بأخذ الرشوات والجعالات وعاقبهم بالضرب الشديد والاهانة والقتل
والنفي الى البلاد البعيدة
ولم يراع في ذلك أحدا سواء كان متعمما أو فقيها أو قاضيا
أو كاتبا أو غير ذلك بمصر أو غيرها من البناذر والقرى وكذلك المفسدون وقطاع الطريق
من العرب وأهل الحوف والزم أرباب الادراك والمقادم بحفظ نواحيهم وما في حوزهم
وحدودهم وعاقب الكبار بجناية الصغار فأمنت السبل وانكفت أولاد الحرام وانكمشوا عن
قبائحهم وايذائهم بحيث ان الشخص كان يسافر بمفرده ليلا راكبا أو ماشيا ومعه حمل
الدراهم والدنانير الى أي جهة ويبيت في الغيط أو البرية آمنا مطمئنا لا يرى مكروها
أبدا
وكان عظيم الهيبة اتفق لاناس ماتوا فرقا من هيبته وكثيرا
من كان تأخذه الرعدة بمجرد المثول بين يديه فيقول له هون
عليك ويلاطفه حتى ترجع له نفسه ثم يخاطبه فيما طلبه
بصدده وكان صحيح الفراسة شديد الحذق يفهم ملخص الدعوى الطويلة بين المتخاصمين ولا
يحتاج في التفهيم الى ترجمان أو من يقرأ له الصكوك والوثائق بل يقرأها ويفهم
مضمونها ثم يمضيها أو يمزقها
وألبس سراجينه قواويق فتلى بالفاء من جوخ أصفر تمييزا
لهم عن غيرهم من سراجين امرائه ولم يزل منفردا في سلطنة مصر لا يشاركه مشارك في
رأيه ولا في احكامه وامرؤها وحكامها مماليكه وأتباعه فلم يقنع بما أعطاه مولاه
وخوله من ملك بحريها وقبليها الذي افتخرت به الملوك والفراعنة على غيرها من الملوك
وشرهت نفسه وغرته أمانيه وتطلبت نفسه الزيادة وسعة المملكة وكلف امراءه الاسفار
وفتح البلاد حتى ضاقت أنفسهم وشموا الحروب والغربة والبعد عن الوطن فخالف عليه
كبير امرائه محمد بك ورجع بعد فتح البلاد الشامية بدون استئذان منه واستوحش كل من
الآخر فوثب عليه وفر منه الى الصعيد وكان ما كان من رجوعه بمن انضم اليه وخامر معه
وكانت وكانت الغلبة له على مخدومه وفر منه الى الشام وجند الجنود وقصد العود لمملكته
ومحل سيادته فوصل الى الصالحية
وخرج اليه محمد بك وتلاقيا واصيب المترجم بجراحة في وجهه
واخذ أسيرا وقتل من قتل من امرائه ورجع محمد بك وصحبته مخدومه المذكور محمولا في
تخت فأنزلوه في داره بدرب عبد الحق فأقام سبعة أيام ومات والله أعلم بكيفية موته
وكان ذلك في منتصف شهر صفر من السنة
فغسل وكفن وخرجوا بجنازته وصلى عليه بمصلى المؤمنين في
مشهد حافل ودفن بتربة استاذه ابراهيم كتخدا بالقرافة الصغرى بجوار الامام الشافعي
ومدفنهم مشهور هناك وبواجهته سبيل يعلوه قصر مفتح الجوانب
ومن مآثره العمارة العظيمة بطندتا وهي المسجد الجامع
والقبة على مقام سيدي أحمد
البدوي رضى الله عنه والمكاتب والميضأة الكبيرة
والحنفيات وكراسي الراحة المتسعة والمنارتان العظيمتان والسبيل المواجه للقبة
والقيسارية العظيمة النافذة من الجهتين وما بها من الحوانيت للتجار وسميت هناك
بالغورية لنزول تجار أهل الغورية بمصر في حاونيتها أيام مواسم الموالد المعتادة
لبيع الاقمشة والطرابيش والعصائب وكان المشد على تلك العمارة المعلم حسن عبد المعطي
وكان من الرجال أصحاب الهمم وولاه سدانة الضريح عوضا عن أولاد سعد الخادم لسوء
سيرتهم وظلمهم فنكبهم المترجم واخذ ما امكنه أخذه من مالهم وهو شيء كثير وأنفقه في
هذه العمارة ووقف عليها أوقافا ورتب بالمسجد عدة من الفقهاء والمدرسين والطلبة
والمجاورين وجعل لهم خبزا وجرايات وشوربة في كل يوم وجدد أيضا قبة الامام الشافعي
رضي الله عنه وكشف ما عليها من الرصاص القديم من أيام الملك الكامل الايوبي في
القرن الخامس وقد تشعت وصدىء لطول الزمان فجدد ما تحته من خشب القبة البالي بغيره
من الخشب النقي الحديث ثم جعلوا عليه صفائح الرصاص المسبوك الجديد المثبت
بالمسامير العظيمة وهو عمل كثير
وجدد نقوش القبة من داخل بالذهب واللازورد والاصباغ وكتب
بافريزها تاريخا منظوما صالح افندى
وهدم أيضا الميضاة التي كانت من عمارة عبد الرحمن كتخدا
وكانت صغيرة مثمنة الاركان ووسعها وعمل عوضها هذه الميضأة الكبيرة وهي مربعة
مستطيلة متسعة وبجانبها حنفية وبزابيز يصب منها الماء وحول الميضاة كراسي راحة
بحيضان متسعة تجري مياهها الى بعضها وماؤها شديد الملوحة
ومن انشائه أيضا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطىء
النيل ببولاق حيث دكك الحطب تحت ربع الخرنوب وهي عبارة عن قيسارية عظمية بباين بين
يسلك منها من يجري الى قبلي وبالعكس وخانا عظيما يعلوه مساكن من الجهتين وبخارجه
حوانيت وشونه غلال حيث مجرى النيل ومسجد متوسط
فحفروا اساس جميع هذه العمارة حتى بلغوا الماء ثم بنوا
لها خنازير مثل المنارات من الاحجار والدبش والمؤن وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى
استقرت على الارض الصحيحة ثم ردموا ذلك الخندق المحتوي على تلك الخنازير بالمؤن
ولاحجار واستعلوا عليه بعد ذلك بالبناء المحكم بالحجر النحيت وعقدوا العقود
والقواصر والاعمدة والاخشاب المتينة
وكان العمل في ذلك سنة خمس وثمانين
ومات المترجم قبل اتمامها وبناء أعاليها
وكانت هذه العمارة من أشام العمائر لان النيل انحسر
بسببها عن ساحل بولاق وبطل تياره واندفع الى ناحية انبابة ولم تزل الارض تعلو
والاتربة تزيد فيما بين زاوية تلك العمارة الى شون الغلال ويزيد نموها في كل سنة
حتى صار لا يركبها الماء الا في سنين الغرق
ثم فحش الامر وبنى الناس دورا وقهاري في بحري العمارة
وسبحوا الى جهة قرب الماء مغربين والقوا أتربة العمائر وما يحفرونه حول ذلك واقتدى
بهم الترابة وغيرهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وكلما فعلوا ذلك هرب الماء وضعف
جريانه وربت الارض وعلت وزادت حتى صارت كيمانا تنقبض النفوس من رؤيتها
وتمتلىء المنافس من عجاجها وخصوصا في وقت الهجير
بعد ان كانت نزهة للناظرين
ولقد ادركنا فيمل قبل ذلك تيارا لنيل يندفع من ناحية
بولاق التكرور الى تلك الجهة ويمر بقوته تحت جدران الدور والوكائل القبلية وساحل
الشون ووكالة الابزار وخضرة البصل وجامع السنانية وربع الخرنوب الى الجيعانية
وينعطف الى قصر الحلي والشيخ فرج صيفا وشتاء ولا يعوقه عائق ولا يقدر أحد أن يرمي بساحل
النيل شيئاا من التراب فان اطلع الحاكم على ذلك نكل به أو بخفير تلك الناحية وهذا
شيء قد تودع منه ومن امثاله وأخر من أدركنا فيه هذا الالتفات والتفقد للامور
الجزئية التي يترتب بزيادتها الضرر العام عبد الرحمن أغا مستحفظان فانه كان يحذو
طريق الحكام السالفين الى
ان ضعفت شوكته بتآمر الاصاغر وقيد حكمه بعد الاطلاق وترك
هذا الامر ونسي بموته وتقليد الاغاشم وتضاعف الحال حتى ان بعض الطرق الموصلة الى
بولاق سدت بتراكم الاتربة التي يلقيها أهل الاطارف خارج الدروب ولا يجدون من
يمنعهم أو يردعهم وقدرت علو الارض بسبب هذه العمارة زيادة عن أربع قامات فاننا كنا
نعد درج وكالة الابزاريين من ناحية البحر عندما كنا ساكنين بها قبل هذه العمارة
نيفا وعشرين درجة وكذلك سلم قيطون بيت الشيخ عبد الله القمري وقد غابت جميعها تحت
الارض وغطتها الاتربة ولله عاقبة الامور
ومن إنشاء المترجم داره المطلة على بركة الازبكية بدرب
عبد الحق التي بها والحوض والساقية والطاحون بجوارها وهي الان مسكن الست نفيسة
وبالجملة فأخبار المترجم ووقائعه وسيرته لو جمعت من مبدأ
أمره الى اخره لكان مجلدات وقد ذكرنا فيما تقدم لمعا من ذلك بحسب الاقتضاء مما
استحضره الذهن القاصر والفكر المشوش الفاتر بتراكم الهموم وكثرة الغموم وتزايد
المحن واخطلاط الفتن واختلال الدول وارتفاع السفل ولعل العود يخضر بعد الذبول
ويقطع النجم بعد الافول او يبسم الدهر بعد كشارة أنيابه أو يلحظنا من نظره
المتغابي في أيابه ... زمن كاحلام تقضى بعده ... زمن نعلل فيه بالأحلام ...
ولله في خلقه من قديم الزمان عادة وانتظار الفرج عبادة
نسأله انقشاع المصائب وحسن العواقب
ومات سلطان الزمان السلطان مصطفى بن احمد خان تولى
السلطنة في سنة 1171 فكانت مدة سلطنته ست عشرة سنة وكانت له عناية ومعرفة بالعلوم
الرياضية والنجومية ويكرم أرباب المعارف
وكان يراسل المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري
ويهاديهما ويرسل اليهما الصلات والكتب وأرسل مرة الى الشيخ الوالد ثلاثة كتب مكلفة
من
خزانته وهي كتاب القهستاني الكبير وفتاوى انقروي ونور
العين في اصلاح جامع الفصولين كلاهما في الفقه الحنفي وله مؤلف في الفن دقيق ينسب
اليه
وتولى بعده السطان عبد الحميد خان جعل الله ايامه سعيدة
ومات الامير علي بك الشهير بالطنطاوي وهو من مماليك عي
بك المذكور وكان من الشجعان المعروفين والفرسان المشهورين ولم ينافق على سيده مع
المنافقين ولم يمرق مع المارقين ولم يزل مع مخدومه فيما وجهه اليه حتى قتل
بالصالحية بين يديه
ومات الرئيس المبجل الامير اسماعيل افندي الروزنامجي
رئيس الكتبة بمصر وكان انسانا حسنا منور الوجه والشيبة ضابطا محررا خيرا أصيب بوجع
عينيه فوعده الحاج سليمان الحكاك بشيء من الكحل وأودعه في ورقه وضعها في طي عمامته
وكان بها ورقة أخرى فيها شيء من السليماني لم يتذكرها وهو أبيض والكحل أيضا ابيض
فلما حضر عندما خرج الورقة التي بها السليماني من عمامته وأعطاها له وأمره أن
يكتحل منها وقت النوم يظنها إنها ورقة الكحل ثم انصرف الى داره
فلما نزع عمامته وقتا النوم رأى ورقة الكحل وتذكر عند ذلك
الاخرى فلم يمكنه الذهاب والتدارك ليلا لبعد المكان وفوات الوقت والمسكين صلى
العشاء واكتحل من الورقة فزال بصره في الحال واستمر مكفوفا الى ان مات سحر ليلة
الاحد سادس عشر ذي الحجة من آخر السنة وصلي عليه من الغد بسبيل المؤمنين ودفن
بقبره الذي أعده لنفسه بالقرب من بن أبي جمرة عوضه الله الجنة
ومات الرجل الصالح الامير مراد أغا تابع قيطاس بك القطامشي
وكان منجمعا عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ملازما على حضور الجماعة والصلوات
في المسجد
توفي يوم الاربعاء سابع عشرين شوال وصلي عليه بمصلى أيوب
بك ودفن بالقرافة عند الطحاوي
ومات الامير حسن كتخدا مستحفظان القازدغلي الملقب بقرا
وكان من الامراء الكبار أصحاب الحل والعقد بمصر في الزمن السابق وانقطع في بيته عن
المقارشة والتداخل في الامور وكان مريضا بمرض الاكلة في فمه ولذلك تركه علي بك واهمله
حتى مات يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة من السنة عن ذلك المرض وورم في رجليه
أيضا ودفن في يومه ذلك بالقرافة
ومات أيضا مصطفى أفندي الاشقر كاتب ديوان علي بك خنقه
خليل باشا بالقلعة في سابع عشرين جمادى الاولى بموجب مرسوم من الدولة حضر بطلب
رأسه ورأس عبدالله كتخذا ونعمان أفندي ومرتضي أغا فوجد محمد بك امضى الامر في عبد
الله كتخدا وقطع رأسه في منزله بيد عبد الرحمن أغا ونعمان افندي ذهب الى الحجاز
اثر موت علي بك وكذلك مرتضى أغا اختفى وتغيب وذهب من مصر ولم يعلم له مكان واستمر
المترجم فطلبه الباشا فلما حضر اليه أمر بخنقه فخنقوه وسلخوا رأسه ودفنوه بالقرافة
وأخذ موجوداته الباشا الى الميرى
ومات الاجل المبجل المجيد الضابط الماهر اسمعيل بن عبد
الرحمن الرومي الاصل ثم المصري المكتب الملقب بالوهبي شيخ الخطاطين بمصر كتب الخط
وجوده على شيخ عصره السيد محمد النورى وبرع واجتهد واشتغل قليلا بالعلم وكتب بيده
المصاحف مرارا
واما نسخ الدلائل والاحزاب والاوراد السبعة فمما لا يحصى
كثرة وكان انسانا حسنا بشوشا محبا للناس فيه مكارم الاخلاق وطيب النفس كتب عليه
غالب من بمصر من أهل الكتابة وكان صاحب نقش وهمة عالية
وكان يلي منصب سيده في الخدمة العسكرية وكتب عدة ألواح
كبار وتوجه بها باشارة بعض امراء مصر الى المدينة المنورة
فعلقها في المواجهة الشريفة بيده ونال بهذه الزيارة
الشريفة والخدمة المنيفة سرورا وشرفا
ولما كانت سنة
أتى الامر من صاحب الدولة بتوجيه بعض عساكر مصرية تقوية
للمجهادين فكان هو من جملة المعينين فيهم رئيسا في طائفتهم فتوجه الى الاسكندرية
وركب منها الى الروم وابلى في تلك السفرة بلاء حسنا
وبعد مدة اذن لهم بالانصراف فعاد الى مصر وقد وهنت قواه
واعترته الامراض وزاد شكواه وهو مع ذلك يكتب ويفيد ويجيز ويعيد ويحضر مجالس أهل
الخط على عادته
وجلس ملازما لفراشه مدة حتى وافاه الحمام ليلة الاحد
سادس عشر ذي الحجة فجهز وصلى عليه بمشهد حافل في مصلى المؤمنين ودفن عند ابن أبي
جمرة قرب العياشي في قبر كان أعده لنفسه منذ مدة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
سنة ثمان وثمانين ومائة وألف استهلت ووالي مصر خليل باشا
محجور عليه ليس له في الولاية الا الاسم والعلامة على الاوراق والتصرف الكلي
للامير الكبير محمد بك أبي الذهب والامراء واعيان الدولة مماليكه واشرافاته والوقت
في هدوء وسكون وامن والاحكام في الجملة مرضية والاسعار رخية وفي الناس بقية وستائر
الحياء عليهم مرخية شعر ... ماالدهر في حال السكون بساكن ... ولكنه مستجمع لو ثوب ...
ومات في هذه السنة الامام العلامة والتحرير الفهامة حامل
لواء العلوم على كاهل فضله ومحرر دقائق المنطوق والمفهوم بتحريره ونقله من تكلحت بحبره
عيون الفتوى وتشنفت المسامع بما عنه يروى وارتفع من حضيض التقليد الى ذرا الفضائل
وسابق في حلبة العلوم فحاز قصب الفواضل الروض النضير الذي ليس له في سائر العلوم
نظير وهو في فقه النعمان الجامع الكبير عمدة الانام وفيلسوف الاسلام سيدى ووالدي
بدر الملة أبي التدائي حسن بن برهان الدين ابراهيم ابن
الشيخ العلامة حسن ابن الشيخ نور الدين علي بن الوالي الصالح
شمس الدين محمد بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الزيلعي الجبرتي العقيلي الحنفي
وبلاد الجبرت هي بلاد الزيلع باراضي الحبشة تحت حكم الخطي ملك الحبشة وهم عدة بلاد
معروفة تسكنها هذه الطائفة وهم المسلمون بذلك الاقليم ويتمذهبون بمذهب الحنفي
والشافعي لا غير وينسبون الى سيدنا اسلم بن عقيل بن أبي طالب وكان اميرهم في عهد
النبي صلى الله عليه و سلم النجاشي المشهور الذي آمن به ولم يره وصلى عليه النبي
صلى الله عليه و سلم صلاة الغيبة كما هو مشهور في كتب الاحاديث وهم قوم يغلب عليهم
التقشف والصلاح ويأتون من بلادهم بقصد الحج والمجاورة في طلب العلم ويحجون مشاة
ولهم رواق بالمدينة المنورة ورواق بمكة المشرفة ورواق بالجامع الازهر بمصر وللحافظ
المقريزي مؤلف في أخبار بلادهم وتفصيل احوالهم ونسبهم
ومنهم القطب الكبير والمعتقد الشهير الشيخ اسمعيل بن
سودكين الجبرتي تلميذ الشيخ ابن العربي ويسمى قطب اليمن والشيخ عبد الله الذي
ترجمه الحافظ السيوطي في حسن المحاضرة وهو الذي كان يعتقده الملك الظاهر برقوق
واوصى عند موته بأن يدفن تحت قدمه بالصحراء ومنهم الولي العارف الشيخ علي الجبرتي
الذي كان يعتقده السلطان الاشرف قايتباي وارتحل الى بحيرة ادكو فيما بين رشيد
والاسكندرية وبنى هناك مسجدا عظيما ووقف عليه عدة أماكن وقيعان وأنوال حياكة
وبساتين ونخيل كثيرة وهو موجود الى الآن عامر بذكر الله والصلاة وهو تحت نظر
الفقير الا أن غالب اماكنه زحفت عليها الرمال وطمستها وغابت تحتها وفيه الى الآن بقية
صالحة
وبنى ايضا مسجدا شرقي عمارة السلطان قايتباي ودفن به وقد
خرب وانطمست معالمه ولم يبق الا مدفنه وحوله حائط منهدم من غير باب ولا سقف وقبره
ظاهر مكشوف يزار وللناس فيه اعتقاد عظيم
ومن كراماته التي أكرمه الله بها انه يرى على قبره في
بعض الليالي المظلمة نور مثل القنديل المستنير يري ذلك سكان العمارة وغيرهم وهو
أمر مشهور ومنها أن السفار وقوافل الاعراب ينزلون بأحمالهم حول قبره في الحوطة
ويتركونها من غير حارس ليالي وأياما آمنين فلا يتعدى عليها سارق البتة ويعتقدون
العطب للجاني في بدنه أو ماله وهو أمر مشهور ايضا مقرر في اذهانهم الى الآن
ومنهم الامام الحجة المجتهد الفقيه الاصولي الجدلي صاحب
التصحيح والترجيح فخر الدين أبي عمر وعثمان الحنفي الزيلعي شارح الكنز المسمى
بتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق المدفون بحوطة سيدي عقبة بن عامر الجهني والشيخ
الزيلعي الشافعي المدفون بالقرافة الكبرى وغير هؤلاء كثير ببلادهم وبأرض الحجاز ومصر
والقصد بذلك التعريف بالنسبة قال تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن اكرمكم
عند الله اتقاكم
والنجاشي أول من آمن بالنبي صلى الله عليه و سلم من
الملوك ولم يره وأسلم على يد ابن عمه جعفر بن أبي طالب وزوجه أم حبيبة رضي الله
عنها وجهزها من عنده وأرسلها للنبي صلى الله عليه و سلم من الحبشة الى المدينة ومن
أراد الاطلاع على أخبار النجاشي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه و سلم
وهداياه الى النبي صلى الله عليه و سلم وهدايا النبي اليه وبعض أخبار الحبشة وما
رد فيهم من الآيات الاحاديث والاثار فلينظر في كتاب الطراز المنقوش في محاسن
الحبوش للامام العلامة علاء الدين محمد بن عبد الله البخاري خطيب المدينة المنورة
ورفع شأن الحبشان للعلامة جلال الدين السيوطي وتنوير الغبش في فضائلي السودان
والحبش لابن الجوزي وفي تفسير البغوى اخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت لما
مات النجاشي كنا نحدث انه لا يزال يرى على قبره نور وفي أزهار العروش في من عرف
اسمه من الصحابة الحبوش ومن عبيدة صلى الله عليه و سلم
ومنهم أحد كبار المجاهدين والمهاجرين بلال بن رباح مؤذن
رسول الله صلى الله عليه و سلم ومولى أبي بكر الصديق وهو أول من اذن في الاسلام
وأول من ثوب في الفجر كما في الاوائل للسيوطي وكان خازن رسول الله صلى الله عليه و
سلم على بيت المال كما في تهذيب الاسماء واللغات وكان يبدل الشين بالسين فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم في شأنه شين بلال سين عندي وعند الله
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول كان أبو بكر سيدنا
واعتق سيدنا يعنى بلالا
وروى عنه كثير من كبار الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر وعلي
وابن مسعود وابن عمر واسامة بن زيد وجابر وأبو سعيد الخدري وكعب بن عرفجة والبراء
ابن عازب وغيرهم وجماعة من التابعين رضي الله عنهم اجمعين
ومنهم شقران بضم الشين المعجمة مولى رسول الله صلى الله
عليه و سلم واما خدامه من الحبشة الاحرار فكثيرون وكذلك الصحابيات من امائه واهل
بيته
ومنهم ام ايمن ذات الهجرتين وهي مرضعته وحاضنته وحليمة
السعدية وثويبة وبركة جارية ام حبيبة وبريرة مولاة عائشة رصى الله عنها وتبعة
جارية ام هانىء بنت ابي طالب وغفرة وسعيرة كذلك عبيد الصحابة
ومنهم مهجع بكسر الميم وفتح الجيم مولى عمر بن الخطاب
وهو اول من استشهد ببدر وكان من المهاجرين الاولين وعده النبي صلى الله عليه و سلم
من سادات اهل الجنة وقال في شأنه يوم قتل سيد الشهداء مهجع وهو اول من يدعى الى
باب الجنة من هذه الامة
ومنهم اسلم مولى عمر بن الخطاب وايمن الحبشي المكي والد
عبد الواحد ابن ايمن وبسار مولى المغيرة بن شعبة اخرج الحسن بن محمد الخلال في
كرامات الاولياء عن أبي هريرة رضى الله عنه قال دخلت على النبي صلى الله عليه و
سلم فقال لي يا أبا هريرة يدخل علي الساعة
من هذا الباب رجل من اجل السبعة الذين يدفع الله عز و جل
عن أهل الارض بهم الاذى
فاذا حبشى قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع على رأسه جرة
فيها ماء
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا ابا هريرة هو هذا
ثم قال مرحبا بيسار ثلاث مرات وكان يرش المسجد ويكنسه
ومات في عهده صلى الله عليه و سلم
واما الصحابة الاحرار من الجيوش الاخيار الذين كانوا
يخدمون الرسول واصحابه واهل بيته فكثيرون جدا لا يمكن استيعابهم في هذا الاستطراد
ضبطا وعددا وكذلك ابناء الحبشات من قريش من الصحابة والتابعين وأهل البيت الطاهرين
والخلفاء العباسيين ومن ولد بأرض الحبشة من الصحابة من الحبشان مثل صفوان ابن امية
بن خلف الجمحي وعمرو ابن العاص وغيرهما مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو أول
مولود في الاسلام بأرض الحبشة بالاتفاق وكان يسمى بحر الجود وأخباره في السخاء
والكرم مشهورة والحرث بن حاطب الصحابي ومحمد بن حاطب وعمرو بن أبي سلمة وفي الجيوش
أخلاق لطيفة وشمائل ظريفة وفيهم الحذق والفطانة ولطافة الطباع وصفاء القلوب لكونهم
من جنس لقمان الحكيم وهم أجناس منهم السحرتي والامحرى وهم أحسن أجناس الحبوش
الموصوفين بالصباحة والملاحة والفصاحة والسماحة والنعومة في الخد والرشاقة في القد
ولله در الشيخ العلامة القاضي عبد البر ابن الشحنة الحنفي حيث يقول ... حبشية سألتها
عن جنسها ... فتبسمت عن در ثغر جوهري ... فطفقت أسأل عن نعومة ما خفى ... قالت فما
تبغيه جنسى أمحرى ...
والامحرية تفوق على السحرتية باللطف والظرف والسحرتية
تفوق على الامحرية بالشدة والعنف فبينهما عموم وخصوص مطلق وقيل ان النجاشي منهم
رضى الله عنه ويقال ان بني أرفدة الذين لعبوا بحرابهم
بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وفازوا بخطابه
أعني قوله لهم دونكم يا بني ارفدة منهم ويقرب من هذين النوعين نوعان آخران نوع
الدموات وبلين ونوعان آخران وهما قمو وقتر ونوع آخر يسمى ازاره
عود وانعطاف ان الشيخ عبد الرحمن وهو الجد السابع لجامعه
واليه ينتهي علمنا بالاجداد هو الذي ارتحل من بلاده ووصل الينا خبره سلفا عن خلف
فقدم من طريق البحر الى جدة وانتقل الى مكة فجاور بها
وحج مرارا وذهب أيضا الى المدينة المنورة فجاور بها
سنتين ولقي من لقي بالحرمين من الاشياخ وتلقى عنهم ثم رجع الى جدة وحضر الى مصر من
طريق القلزم فدخل الى الجامع الازهر في أوائل العاشر وجاور بالرواق ولازم حضور
الاشياخ واجتهد في التحصيل وتولى شيخا على الرواق والتكلم على طائفته وتزوج وولد
له
فلما مات خلف ولده الشيخ شمس الدين محمد ونشأ على قدم
الصلاح والاشتغال بطلب العلم وتولى مشيخة الرواق كوالده وانجب وقرأ دروسا في الفقه
والمعقول بالرواق وكان على غاية من الصلاح وملازمة الجماعة والسنن ولا يبيت عند
عياله ليلة أو ليلتين في الجمعة وغالب لياليه يبيتها بالرواق لاجل الاشتغال
بالمطالعة اول الليل على السهارة والتهجد آخره
ومما اتفق له وعد من كراماته أن السراج انطفأ في بعض
الليالي الشتوية فايقظ النقيب ليسرج له سراجا فقام من نومه متكرها وأخذ قنديلا
وذهب ليسرجه فلما عاد به وقرب من الرواق رأى نورا فستر ذلك القنديل ونظر اليه من
بعد لينظر من أين أتاه الاسراج فوجده يطالع في الكراس وهو في يده اليسار وسبابة
يده اليمنى رافعها وهي تضىء مثل الشمعة المستنيرة ويطالع في نورها
ثم دخل النقيب بالقنديل فاختفى ذلك الضوء وعلم الشيخ ذلك
من النقيب فعاتبه على التجسس وأشار اليه بكتمان سره ولم يعش الشيخ بعد ذلك الا
قليلا
وتوفي الى رحمة الله تعالى
وخلف ابنه الشيخ علي فنشأ أيضا على قدم اسلافه في ملازمة
العلم والعمل وصار له شهرة وتزوج بزينب بنت الامام العلامة القاضي عبد الرحمن
الجويني ولم يزل مواظبا على شأنه وطريقة اسلافه حتى توفي وخلف ولديه الامام
العلامة الشيخ حسن الذي تقدم ذكر تجرمته المتوفي سنة 1097 وأخاه الشبخ عبد الرحمن
ومات في حياة أخيه سنة 1086 وكان لزينب الجوينية اماكن جارية في ملكها وقفتها على
ولدي زوجها المذكورين
ولما توفي الشيخ حسن أعقب الجد ابراهيم وضيعا فكفلته والدته
الحاجة مريم بنت الشيخ العمدة الضابط محمد بن عمر المنزلي الانصاري فنشأ أيضا
نشوءا صالحا حتى بلغ الحلم فزوجوه بستيتة بنت عبد الوهاب أفندي الدلجي في سنة 1108
وبنى بها في تلك السنة وحملت بالمترجم وولدته في سنة عشر ومائة وألف ومات والده
وعمره شهر واحد وسن والده اذ ذاك ست عشرة سنة فربته والدته بكفالة جدته أم أبيه
المذكورة وصاية الامام العلامة الشيخ محمد النشرتي وقرروه في مشيخة الرواق كأسلافه
والمتكلم عند الوصي المذكور فتربى في حجورهم حتى ترعرع وحفظ القرآن وعمره عشر سنين
واشتغل بحفظ المتون فحفظ الالفية والجوهرة ومتن كنز الدقائق في الفقه ومتن السلم
والرحبية ومنظومة ابن الشحنة في الفرائض وغير ذلك
واتفق له في أثناء ذلك وهو ابن ثلاث عشرة سنة أنه مر مع
خادمه بطريق الازهر فنظر شيخ مقبل منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار طاعن في
السن والناس يزدحمون على تقبيل يده ويتبركون به فسأل عنه وعرف أنه ابن الشيخ
الشرنبلالي فتقدم اليه ليقبل يده كغيره فنظر اليه الشيخ وتوسمه وقبض على يده وقال
من يكون هذا الغلام ومن أبوه فعرفوه عنه فتبسم وقال عرفته بالشبه
ثم وقف وقال اسمع يا ولدي أنا قرأت على جدك وهو قرأ على
والدي وأحب أن تقرأ علي شيئا وأجيزك وتتصل بيننا سلسلة
الاسناد وتلحق الاحفاد بالاجداد
فامتثل اشارته ولازم الحضور عنده في كل يوم وقرأ عليه
متن نور الايضاح تأليف والده في العبادات وكتب له الاجازة ونصها الحمد لله الذي
أنعم على عبده بتوفيقه وأرشده الى سواء طريقه وأذاقه حلاوة التفقه في دينه وتمام تحقيقه
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا سريك له المنعم بلطائف الانعام وعظيمه ودقيقه
وأشهد أن سيدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم عبده ورسوله الهادي الى الخير
الكامل والجبر الشامل فأصبح كل أحد مغمورا في بحر فضله وجوده محفوظا من كيد
الشيطان وجنوده وتعويقه وعلى آله الاطهار وصحابته الاخيار
وبعد فقد حضر لدى الولد النجيب الموفق اللبيب الفطن
الماهر الذكي الباهر سليل العلماء الاعلام نتيجة الفضلاء العظام نور الدين حسن بن برهان
الدين ابراهيم بن العلامة مفتي المسلمين وامام المحققين الشيخ حسن الجبرتي الحنفي
رحم الله اسلافه وبارك فيه وقرأ على متن نور الايضاح من أوله الى آخره تأليف والدي
المندرج الى رحمة الله تعالى سيدي وسندى الامام العلامة الشيخ حسن ابن عمار الشرنبلالي
وأجزته أن يروى ذلك عني وجميع ما يجوز لي روايته اجازة عامة كما أجازني به وتفقه
ابي حنيفة النعمان رضى الله عنه كما تلقى ذلك هو عن الشيخ علي المقدسي شارح نظم
الكنز عن العلامة الشلبي شارح الكنز عن القاضي عبد البر بن الشحنة عن المحقق
الكمال بن الهمام عن سراج الدين قارىء الهداية عن علاء الدين السيرامي عن السيد
جلال الدين شارح الهداية عن علاء الدين بن عبد العزيز البخاري عن حافظ الدين صاحب
الكنز عن شمس الأئمة الكردري عن برهان الدين صاحب الهداية عن فخر الإسلام البزدوى
عن شمس الائمة السرخسي عن شمس الائمة الحلواني عن القاضي ابن علي النسفي عن الامام
محمد بن الفضل البخاري عن عبد الله السند موني عن الامير عبد الله بن أبي حفص
البخاري عن أبيه المذكور عن الامام محمد بن الحسن
الشيباني عن الامام أبي يوسف عن الامام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضى الله
عنه عن الامام حماد بن سليمان عن ابراهيم النخعي عن الامام علقمة عن عبد الله بن
مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم عن أمين الوحي جبريل عليه السلام عن الله عز و
جل
واوصى الولد الاعز بالتقوى ومراقبة الله في السر والنجوى
والله تعالى يوقفه وينفع به وبعلومه ويهدينا واياه لما كان عليه السلف الصالح في
اسساس الدين ورسومه
قال ذلك الفقير الى الله تعالى حسن بن حسن الشرنبلالي
الحنفي في ثالث ربيع الاول من سنة 1123 وتوفي الشيخ في آخر تلك السنة وقد جاوز
التسعين
واشتغل المترجم واجتهد في طلب العلوم وحضر اشياخ العصر
وتفقه على الامام العلامة السيد علي السيواسي الضرير وحضر عليه شرح الكنز للعيني
والدر المختار وكتاب الاشباه والنظائر لابن نجيم وشرح المنار لابن نجيم وشرح
المنار لابن فرشتة وشرح التحرير للكمال بن الهمام وشرح جمع الجوامع ومختصر السعد
وعلى العلامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي شرح الكنز للعلامة الزيلعي
والدرر لملاخسرو والسيد علي السراجية في الفرائض وشرح منظومة بن الشحنة في الفرائض
والشنشورى على الرحبية والتلخيص ومتن الحكم وشرح التحفة وعلى الشيخ علي العقدي
الحنفي ملا مسكين على الكنز ومتن الهداية والسراجية والمنار والنزهة في علم الغبار
والقلصادى ومنظومة ابن الهائم وعلى الفقيه محمد بن عبد العزيز الزيادى الحنفي
ملتقى الابحر وفتح القدير والحكم لابن عطاء والقدورى وعقود الجمان في المعاني
والبيان وايساغوجي وعلى الشيخ الفقيد المحدث الشهاب احمد بن مصطفى الاسكندري
الشهير بالصياغ شرح الكبرى وام البراهين وشرح العقائد والمواقف وشرح المقاصد للسعد
والكشاف والبيضاوى والشمائل والصحيحين رواية ودراية والاربعين
النووية والمشارق والقطب على الشمسية والمواهب اللدنية
وشرح النخبة وعلى الشيخ منصور المنوفي شرح ابن عقيل على الالفية والشيخ خالد على
الآجرومية والازهرية والتوضيح وشرح تصريف العزى وشرح التلمسانية والخبيصي على
التهذيب وشيخ الاسلام على الخزرجية وعلى الشيخ عيد النمرسي شرح الورقات
والسمرقندية وآداب البحث والعضدية والعصام على السمرقندية وعلم الجبر والمقابلة
والعروض واعمال المناسخات والكسورات والاعداد الصم والغربال والمساحة والحساب وعلى
الشيخ شلبي البرانسي تلخيص المفتاح والمطول والتجريد وعلى الشيخ محمد السجيني الضرير
المكودى على الالفية والفاكهي وشرح الشذور وملاجامي وشرح مختصر ابن الحاجب والمطول
وعلى الشيخ احمد العمادى شرح الجوهرة لعبد السلام والسكتاني على الصغرى وشرح مختصر
السنوسي والكافي ونوادر الاصول والجامع الصغير وشرح المقاصد وعلى الشيخ حسن
المدابغي الاشموني على الالفية وشرح المراح وقواعد الاعراب والمغنى وعلى الشيخ
الملوى شرحه على السلم وشرح معراج الغيظي وأوضح المسالك وأوائل الكتب الستة
والمسلسلات والمسندات وحضر ايضا دروس الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وأبو العز العجمي
وغيرهما وجد في التحصيل حتى فاق أهل عصره وباحث وناضل ودرس بالرواق في الفقه
والمعقول وبالسنانية ببولاق
وكان لجدته أم أبيه مكان مشرف على النيل بربع الخرنوب
عندما كان النيل ملاصقا لسدته فساكنها مدة فكان يغدو الى الجامع ثم يعود الى بولاق
وله حاصل بربع الخرنوب يجلس فيه حصة ثم يعود الى السنانية فيملي هناك درسا ثم
احترق ذلك المنزل بما فيه وتلف فيه اشياء كثيرة من المتاع والصيني القديم فانتقلت
الى مصر وكانوا يذهبون الى مكان لها بمصر العتيقة في ايام النيل بقصد النزهة وهي
التي أعانته على تحصيل العلوم اشتغاله بالعلم كان يعاني التجارة
والبيع والشراء والمشاركة والمضاربة والمقايضة وكانت
جدته ذات غنية وثروة ولها أملاك وعقارات ووقفت عليه أماكن ومنها الوكالة
بالصنادقية والحوانيت بجوارها وبالغورية ومرجوش ومنزل بجوار المدرسة الاقبغاوية
ورتبت في وقفها عدة خيرات ومكتب لاقراء أيتام المسلمين بالحانوت المواجه للوكالة المذكورة
وربعة تقرأ في كل يوم وختمات في ليالي المواسم وقصعتي تريد في كل ليلة من ليالي رمضان
وثلاث جواميس تفرق على الفقهاء والايتام والفقراء في عيد الاضحية
وتزوج بجدته المذكورة بعد موت جده الامير علي أغا باش اخيتار
متفرقة المعروف بالطورى وتزوج المترجم بابنته وله حكم قلاع الطور والسويس والمويلح
وكانت اذ ذاك عامرة وبها المرابطون ويصرف عليهم العلوفات والاحتياجات
ولما مات علي أغا المذكور سنة سبع وثلاثين تقلد ذلك بعده
المترجم مدة مع كونه في عداد العلماء وربي معتوقية عثمان وعليا ولم يزالا في كنفه
حتى مات بعد مدة طويلة وأرسل خادما له يسعى سليمان الحصافي جربجيا على قلعة
المويلح فقتلوه هناك فتكدر لذلك وترك هذا الامر وأعرض عنه وأقبل على شأنه من
الاشتغال وماتت زوجته بنت الامير علي أغا المذكور في حياة ابيها فتزوج ببنت رمضان
جلبي بن يوسف المعروف بالخشاب تابع كور محمد وهم بيت مجد وثروة ببولاق ولهم املاك
وعقارات وأوقاف ومن ذلك وكالة الكتان وربع وحوانيت تجاه جامع الزردكاش وبيت كبير
بساحل النيل وآخره تجاه جامع مزره جربجي وهو سكن رمضان جلبي المذكور وكان انسانا
حسنا رقيق الحاشية وفيه فضيلة وسليفة جيدة
ومات رمضان جلبي المذكور سنة 1139 واستمرت ابنته في عصمة
المترجم حتى ماتت في المحرم سنة 1182 وعمرها ستون سنة
وكانت من الصالحات الخيرات المصونات وحجت صحبته في سنة
احدى وخمسين وكانت به بارة وله مطيعة
ومن جملة برهالة وطاعتها أنها كانت تشتري له من
السراري الحسان من مالها وتنظمهن بالحلي والملابس
وتقدمهن اليه وتعتقد حصول الاجر والثواب لها بذلك وكان يتزوج عليها كثيرا من
الحرائر ويشتري الجوارى فلا تتأثر من ذلك ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من
الغيرة
ومن الوقائع الغريبة انه لما حج المترجم في سنة ست
وخمسين واجتمع به الشيخ عمر الحلبي بمكة الوصي بان يشترى جارية بيضاء تكون بكرا
دون البلوغ وصفتها كذا وكذا فلما عاد من الحج طلب من اليسرجية الجوارى لينقى منهن
المطلوب فلم يزل حتى وقع على الغرض فاشتراها وأدخلها عند زوجته المذكورة حتى
يرسلها مع من أوصاه بارسالها صحبته
فلما حضر وقت السفر أخبرها بذلك لتعمل لهم ما يجب من
الزوادة ونحو ذلك فقالت له اني أحببت هذه الوصية حبا شديدا ولا أقدر على فراقها
وليس لي أولاد وقد جعلتها مثل ابنتي والجارية بكت ايضا وقالت لا أفارق سيدتي ولا
اذهب من عندها أبدا
فقال وكيف يكون العمل قالت ادفع ثمنها من عندى واشتر أنت
غيرها ففعل
ثم انها اعتقتها وعقدت له عليها وجهزتها وفرشت لها مكانا
على حدتها وبنى بها في سنة خمس وستين وكانت لا تقدر على فراقها ساعة مع كونها صارت
ضرتها وولدت له أولادا
فلما كان في سنة اثنين وثمانين المذكورة مرضت الجارية فمرضت
فقامت الجارية في ضحوة النهار فنظرت الى مولاتها وكانت في حالة غطوسها فبكت وزاد
بها الحال وماتت تلك الليلة فأضجعوها بجانبها فاستيقظت مولاتها آخر الليل وحبستها
بيدها وصارت تقول ان قلبي يحدثني انها ماتت ورأيت في منامي ماا يدل على ذلك فلما
تحققت ذلك قامت وجلست وهي تقول لا حياة لي بعدها وصارت تبكي وتنتحب حتى طلع النهار
وشرعوا في تشهيلها وتجهيزها وغسلوها بين يديها وشالوا جنازتها ورجعت الى فراشها
ودخلت في سكرات الموت وماتت آخر النهار وخرجوا بجنازتها أيضا في اليوم الثاني
وهذا من أعجب ما شاهدته
ورأيته ووعيته وكان سني اذ ذاك أربع عشرة سنة
واشتغل المترجم في أيام اشتغاله بتجويد الخط فكتب على عبد
الله أفندي الانيس وحسن أفندي الضيائي طريقة الثلث والنسخ حتى أحكم ذلك وأجازه
الكتبة وأذنوه ان يكتب الاذن على اصطلاحهم ثم جود في التعليق على أحمد أفندي الهندى
النقاش لفصوص الخواتم حتى أحكم ذلك وغلب على خطه طريقته ومشى عليها وكتب الديواني
والقرمة وحفظ الشاهدى واللسان الفارسى والتركي حتى ان كثيرا من الاعاجم والاتراك
يعتقدون ان أصله من بلادهم لفصاحته في التكلم بلسانهم ولغتهم
وفي سنة اربع واربعين اشتغل بالرياضيات فقرأ على الشيخ
محمد النجاحي رقائق الحقائق للسبط المارديني والمجيب والمقنطر ونتيجة اللادقي والرضوانية
والدرلابن المجدى ومنحرفات السبط والى هنا انتهت معرفة الشيخ النجاحي
وعند ذلك انفتح له الباب وانكشف عنه الحجاب وعرف السمت والأرتفاع
والتقاسم والأرباع والميل الثاني والأول والأصل الحقيقي والمعدل وخالط أرباب
المعارف وكل من كان من بحر الفن غارف وحل الرموز وفتح الكنوز واستخرج نتائج الدر
اليتيم والتعديل والتقويم وحقق اشكال الوسايط في المنحرفات والبسائط والزيج
والمحلولات وحركات التداوير والنطاقات والتسهيل والتقريب والحل والتركيب والسهام
والظلال ودقائق الأعمال وانتهت اليه الرياسة في الصناعة واذعنت له أهل المعرفة
بالطاعة وسلم له عطارد وجمشيد الراصد وناظره المشترى وشهد له الطوسي والأبهري
وتبوأ من ذلك العلم مكانا عليا وزاحم بمنكبه العيوق والثريا وقدم القدوة العلامة
والحكيم الفهامة الشيخ حسام الدين الهندي وكان متضلعا من العلوم الرياضية والمعارف
الحكمية والفلسفية فنزل بمسجد في مصر القديمة واجتمع عليه بعض الطلبة مثل الشيخ الوسمي
والشيخ أحمد الدمنهوري وتلقوا عنه أشياء في الهيئة فبلغ خبره المترجم
فذهب اليه للاخذ عنه فاغتبط به الشيخ وأحبه وأقبل بكليته
عليه فلم يزل به حتى نقله الى داره وافرد له مكانا وأكرم نزله وقام باوده وطالع عليه
الجغميني وقاضي زاده عليه والتبصرة والتذكرة وهداية الحكمة لأثير الدين الأبهري
وما عليها من المواد والشروح مثل السيد والمبيدي قراءة بحث وتحقيق وأشكال التأسيس
في الهندسة وتحرير اقليدس والمتوسطات والمبادي والغايات والأكر وعلم الأرتماطيقي
وجغرافيا وعلم المساحة وغير ذلك
ثم أراد أن يلقنه على الصنعة الألهية وكان من الواصلين
فيها فغالطه عن ذلك وأبت نفسه الأشتغال بسوى العلوم المهذبة للنفس وكان يحكي عنه
امورا وعبارات واشارات تشعر بأنه كان من الكمل الواصلي في كل شيء ولم يزل عنده حتى
عزم على الرحلة وسافر الى بلاده
وقدم الى مصر الأمام العلامة الشيخ محمد الغلاني
الكشناوى وسكن بدرب الأتراك فأجتمع عليه المترجم وتلقى عنه علم الأوفاق وقرأ عليه
شرح منظومة الجزنائية للقوصاني والدر والترياق والمرجانية في خصوص المخمس الخالي
الوسط والأصول والضوابط والوفق المئيني وعلم التكسير للحروف وغير ذلك وسافر الشيخ
الى الحج وجاور هناك فلما رجع أنزله عنده وصحبته زوجته وجواره وعبيده وكمل عنده
غالب مؤلفاته ولم يزل حتى مات كما تقدم ذكر ذلك في ترجمته ولقي المترجم في حجاته
الشيخ النخلي وعبدالله بن سالم البصري وعمر بن أحمد ابن عقيل المكي والشيخ محمد
حياة السندي الكوراني وأبو الحسن السندى والسيد محمد السقاف وغيرهم وتلقى عنهم واجازوه
وتلقوا هم أيضا عنه ولقنه الشيخ أبو الحسن السندى طريق السادة النقشبندية والأسماء
الأدريسية
وهذه صورة اجازة الشيخ عمر ابن أحمد بن عقيل ومن خطه
نقلت بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين
اصطفى خصوصا أفضل أنبيائه وعترته الطاهرين وصحابته
أجمعين وبعد فان مما تطابقت عليه النصوص وتوافقت عليه ألسنة العموم والخصوص أن
الباحث عن ألسنة الغراء لأتباع هدى سيد الأنبياء الموجب لمحبة ذي الآلاء والنعماء
هو الفائز بالقدح المعلى والمرفوع الى المقام الأعلى ومن المعلوم أنه لم يبق في زماننا
ما يتداول منها الا التعلل برسوم الأسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد فذو الهمة
هو الذي يثابر على تحصيل أعلاه وينافس في فهم متنه ويفحص عن معناه ويناقش في رجاله
الذين عليهم مغناه الا وهو الشيخ الأجل الراقي بعزمه المتين من العلم والعمل الى
أعلى محل سيدنا واستاذنا الشيخ حسن المرحوم ابراهيم بن الشيخ حسن الجبرتي أمده
الله بالمدد الألهي فطلب من هذا الفقير أن أجيزه فلما لم أجد بدا من الأمتثال قلت
سائلا التوفيق في الاول والفعال أجزت مولانا الشيخ حسن المذكور المنوه بذكره أعلى
السطور أجزل الله تعالى له الاجور ما يجوز لي وعني روايته من مقروء ومسموع وأصول
وفروع بشرطه المعتبر من تقوى الله والصيانة وضبط الالفاظ وسير الرجال والديانة حسبما
أجازني بذلك شيوخ أكابر عدة هم في الشدائد عدة ومنهم بل من أجلهم سيدي وجدى لامي
بعد أن قرأت عليه جانبا كبيرا من كتب الحديث وغيره قراءة تحقيق وتدقيق وغيره من
الشيوخ أهل التوفيق وقد سمع مولانا الشيخ حسن منى أوائل البخارى ومسلم وأبي داود
والنسائي والترمذى وابن ماجه والموطأ فليروعني المجاز المذكور متى شاء مما اتصلت
بي روايته متى أراد رفع سند أو كتاب لمن هو من أهل الدراية وهو دام أنسه وزكا قدسه
في غنية عن ذلك ولكن جرت العادة بأخذ الاكابر عن الاصاغر تكثيرا لسوادنا فهي سنة
الاوائل والاواخر
وكذلك اجرت له بالصلاة المشهورة النفع بهذه الصيغة اللهم
صل على سيدنا محمد وآله كما لا نهاية لكمالك وعد كماله حسبما أجازني بها ملانا الشيخ
طاهر
ابن الملا ابراهيم الكوراني عن شيخه الشيخ حسن المنوفي مفتي
الحنفية بالمدينة سابقا عن شيخه مولانا الشيخ علي الشبراملسي عن بعض اجلاء شيوخه
وأمره أن يصلي بها بين المغرب والعشاء بلا عدد معين وبالمواظبة عليها يظهر نتائج
فتحها خصوصا لمبتغى هذا العلم المجد في طلبه من ذويه نفعه الله تعالى بالعلم وجعله
من أهليه وقد أجزت الشيخ المذكور ضاعف الله تعالى له الاجور بالاسماء الاربعينية
الادريسية السهروردية بقراءتها واقرائها لخل صادق ان وجد كما أجازني بذلك جملة من
الشيوخ وقد اتصل سندي بها أيضا عن مولانا وسيدنا الامجد مولانا الشيخ احمد بن محمد
النخلي أنزل عليه شآبيب الرحمة والغفران الواحد العلي وهو يرويها عن الشيخ حجازي الديربي
عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الخامي الشناوي وأجازه شيخه أيضا بشرحها للشيخ
عثمان النحراوى قال الشيخ عثمان أجازني بالاسماء الادريسية العظام الشيخ كمال
الدين السوداني وهو يرويها عن شيخه أبي المواهب أحمد الشناوى عن السيد صبغة الله
أحمد عن السيد وجيه الدين العلوى عن الحاج حميد الشهير بالشيخ محمد الغوث عن الحاج
حصور عن أبي الفتح هدية الله سيرمست عن الشيخ قاضن الستارى عن الشيخ ركن الدين
صينوورى عن الشيخ يابوتاج الدين عن السيد جلال الدين البخارى عن الشيخ ركن الدين
أبي الفتح عن الشيخ صدر الدين أبي الفضل عن الشيخ أبي البركات بهاء الدين زكريا عن
شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردى عن سيدي وجيه الدين المعروف بعمويه عن الشيخ أحمد
اسود الدينوري عن الشيخ ممشاد الدينوري عن الشيخ أبي القاسم الجنيد البغدادى عن خاله
سرى السقطى عن الشيخ معروف الكرخي عن الشيخ داود الطائي عن الشيخ حبيب العجمي عن
سيد التابعين حسن البصري عن امام المشارق والمغارب سيدنا علي بن ابي طالب عن
سيدنا ومولانا سيد الخلق حبيب الحق عبده ورسوله وحبيبه وصفيه
وخليله النبي الرسول الحاوى لجميع الكمالات الاصلية والفرعية الجامع لكل الصفات
السنية والمراتب العلية المبعوث لكل الخلق المتخصص بالقرب من العالم الحق سيد
الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم محمد صلى الله عليه و سلم قال ذلك بفمه
وكتبه بقلمه أسير ذنبه عمر بن أحمد بن عقيل السقاف باعلوى حفيد مولانا الشيخ عبد
الله ابن سالم البصري عفا الله تعالى عنهم أجمعين سائلا من الشيخ المذكور ان لا
ينساني وأصولي ومشايخي في الدين وجميع أقاربي من صالح الدعوات في خلواته وجلواته
وحركاته وسكناته وأوصيه بما أوصي به نفسي وسائر المسلمين من ملازمة التقوى وكمال
الاستعداد واتباع سبيل الهدى والرشاد واسأل الله تعالى الكريم المنان أن يوفقني
واياه والمسلمين لصالح القول والعمل ويجنبنا الخطأ والزلل ويجعلنا من العلماء
العاملين والهداة الراشدين وان يميتنا على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم وعلى
آله وصحابته أجمعين في كل وقت وحين
وللمترجم أشياخ غير هؤلاء كثيرون اجتمع بهم وتلقى عنهم
وشاركهم وشاركوه مثل علي أفندي الداغستاني والشيخ عبد ربه سليمان بن أحمد الفشتالي
الفاسي والشيخ عبد اللطيف الشامي والجمال يوسف الكلارجي والشيخ رمضان الخوانكي
والشيخ محمد النشيلي والشيخ عمر الحلبي والشيخ حسين عبد الشكور المكي والشيخ
ابراهيم الزمزمي وحسن أفندي قطعة مسكين واحمد افندي الكرتلي والاستاذ عبد الخالق
بن وفي وكان خصيصا به واجازه بالاحزاب وهو الذي كناه بأبي التداني وألبسه التاج
الوفائي والسيد مصطفى العيدروس وولده السيد عبد الرحمن والسيد عبد الله العيدروسي والشيخ
علي بندق الشناوى الاحمدى وكثير من المشايخ الازهرية مثل السيد محمد البنوفرى
والشيخ عمر الاسقاطي والشيخ احمد الجوهرى والشيخ أحمد
الدلجي بن خال المترجم والشيخ أحمد الراشدى والشيخ
ابراهيم الحلبي صاحب حاشية الدر والسيد سعودى محشي ملا مسكين وغيرهم من الآكابر
والاخيار وأهل الاسرار والانوار حتى كمل في المعارف والفنون ورمقته بالاجلال
العيون وعلا شأنه على علماء الزمان وتميز بين الاقران واذعنت له أهل الاذواق وشاع
ذكره في الآفاق ووفدت عليه الطلاب البلدانية والواردون من النواحي الآفاقية وأتوا
اليه من كل فج يسعون لميقاته ولزموا الطواف بكعبة فضله والوقوف بعرفاته فمنهم من
ينفر بعد اتمام نسكه وبلوغ امنيته ومنهم من يواظب على الاعتكاف بساحته وكان رحمه
الله عذب المورد للطالبين طلق المحيا للورادين يكرم كل من أم حماه ويبلغ الراجي
مناه والمقتفى جدواه والراغب أقصى مرماه مع البشاشة والطلاقة وسعة الصدر والرياقة
وعدم رؤية المنة على المحتدى ومسامحة الجاهل والمعتدى مع حسن الاخلاق والصفات التي
سجدت لها الخناصر كأنها آيات سجدات وكانت ذاته جامعة للفضائل والفواضل منزهة عن
النقائص والرذائل وقورا محتشما مهيبا في الاعين معظما في النفوس محبوبا للقلوب لا يعادى
أحدا ولا يخاصم على الدنيا فلذلك لا تجد من يكرهه ولا من ينقم عليه في شيء من
الاشياء وأما مكارم الاخلاق والحلم والصفح والتواضع والقناعة وشرف النفس وكظم
الغيظ والانبساط الى الجليل والحقير كل ذلك سجيته وطبعه من غير تكلف لذلك ولا يرى
لنفسه مقاما أصلا ولا يعرف التصنع في الامور ولا دعوى علم ولا معرفة ولا مشيخة على
التلاميذ والطلبة ولا يرضى التعاظم ولا تقبيل اليد وله منزلة عظيمة في قلوب
الآكابر والامراء والوزراء والاعيان ويسعون اليه ويذهب اليهم لبعض المقتضيات
والشفاعات ويرسل اليهم فلا يردون شفاعته ولا يتوانون في حاجة يتكلم فيها وله عندهم
محبة ومنزلة في قلوبهم زيادة عن نظرائه من الاشياخ لمعرفته
بلسانهم ولغتهم واصطلاحهم ورغبتهم فيما يعلمونه فيه من
المزايا والاسرار والمعارف المختص بها دون غيره وخصوصا أكابر العثمانيين والوزراء
وأهل العلوم والفضلاء منهم مثل علي باشا ابن الحكيم وراغب باشا وأحمد باشا الكور
وغيرهم ويأتون اليه أحيانا في التبديل
وأكرموه وهادوه كل ذلك مع العفة والعزة وعدم التطلع لشيء
من أسباب الدنيا بوظيفة أو مرتب أو فائظ أو نحو ذلك
وكان بينه وبين الامير عثمان بك ذي الفقار صحبة ومحبة
وحج في أيام امارته على الحج مرافقا له ثلاث مرات من ماله وصلب حاله ولم يصله منه
سوى ما كان يرسله اليه على سبيل الهدية وكان منزل سكنه الذي بالصنادقية ضيقا من
أسفل وكثير الدرج فعالجه ابراهيم كتخدا على أن يشترى له أو يبني له دارا واسعة فلم
يقبل وكذلك عبد الرحمن كتخدا وكان له ثلاثة مساكن أحدها هذا المنزل بالقرب من
الازهر وآخر بالابزارية بشاطىء النيل ومنزل زوجته القديمة تجاه جامع مرزه
وفي كل منزل زوجة وسرار وخدم فكان ينتقل فيها مع أصحابه وتلامذته
وكان يقتني المماليك والعبيد والجوارى البيض والحبوش والسود ومات له من الاولاد
نيف وأربعون ولدا ذكورا واناثا كلهم دون البلوغ ولم يعش له من الاولاد سوى الحقير
وكان يرى الاشتغال بغير العلم من العبثيات واذا أتاه طالب فرح به وأقبل عليه ورغبه
وأكرمه وخصوصا اذا كان غريبا وربما دعاه للمحاورة عنده وصار من جملة عياله ومنهم
من أقام عشرين عاما قياما ونياما لا يتكلف الى شىء من أمر معاشه حتى غسل ثيابه من
غير ملل ولا ضجر
وانجب عليه كثير من علماء وقته المحققين طبقة بعد طبقة
مثل الشيخ احمد الراشدى والشيخ ابراهيم الحلبي والشيخ مصطفى أبي الاتقان الخياط
والسيد قاسم التونسي والشيخ العلامة احمد العروسي والشيخ ابراهيم الصيحاني المغربي
والطبقة الاخيرة التي ادركناها مثل الشيخ ابي الحسن
القلعي والشيخ عبد الرحمن البناني
وأما الملازمون له فهم الشيخ محمد ابن اسمعيل النفراوي
والشيخ محمد الصبان والشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ محمد الامير والشيخ محمد
الشافعي الجناجي المالكي والشيخ مصطفى الريس البولاقي والشيخ محمد الشوبري والشيخ
عبد الرحمن العريشي والشيخ محمد الفرماوى وهؤلاء كانوا المختصين به الملازمين عنده
ليلا ونهارا وخصوصا الشيخ محمد النفراوى والصبان ومحمود أفندي النيشي والفرماوى
والشيخ محمد الامير والشيخ محمد عرفة فانهم كانوا بمنزلة أولاده خصوصا الاولين
فانهما كانا لا يقارفانه الا وقت اقراء دروسهما وكان يباسط اخصاءه منهم ويمازحهم
ويروحهم بالمناسبات والادبيات والنوادر والابيات الشعرية والمواليات والمجونيات
والحكايات اللطيفة والنكات الظريفة وينتقلون صحبته في منازل بولاق ومواطن النزهة
فيقطعون الاوقات ويشغلونها حصة في مدارسة العلم وأخرى في مطارحات المسائل وأخرى
للمفاكهة والمباسطة والنوادر الادبية
ومن الملازمين على الترداد عليه والاخذ عنه الشيخ محمد الجوهرى
والشيخ سالم القيرواني ومحمد أفندي مفتي الجزائر والسيد محمد الدمرداش وولداه
السيد عثمان والسيد محمد
وممن تلقى عنه شيخ الشيوخ الشيخ علي العدوى تلقى شرح
الزيلعي على الكنز في الفقه الحنفي وكثيرا من المسائل الحكمية
ولما قرأ كتاب المواقف فكان يناقشه في بعض المسائل محققو
الطلبة فيتوقف في تصويرها لهم فيقوم من حلقته ويقول لهم اصبروا مكانكم حتى اذهب
الى من هو أعرف مني بذلك وأعود اليكم
ويأتي الى المترجم فيصورها له بأسهل عبارة ويقوم في
الحال فيرجع الى درسه ويحققها لهم وهذا من أعظم الديانة والانصاف
وقد تكرر منه ذلك غير مرة وكان يقول عنه لم نر ولم نسمع
من توغل في علم الحكمة والفلسفة وزاد ايمانه الا هو رحم الله الجميع
وممن تلقى عنه من أشياخ
العصر العلامة الشيخ محمد المصليحي والعلامة الشيخ حسن
الجداوي والشيخ محمد المسودى والشيخ أحمد بن يونس والشيخ محمد الهلباوى والشيخ
أحمد السجاعي لازمه كثيرا وأخذ عنه في الهيئة والفلكيات والهداية وألف في ذلك متونا
وشروحا وحواشي
وأما من تلقى عنه من الآفاقيين وأهالي بلاد الروم والشام
وداغستان والمغاربة والحجازيين فلا يحصون واجل الحجازيين الشيخ ابراهيم الزمزمي
وأما ما اجتمع عنده وما اقتناه من الكتب في سائر العلوم
فكثير جدا قلما اجتمع ما يقاربها في الكثرة عند غيره من العلماء أو غيرهم
وكان سموحا باعارتها وتغييرها للطلبة وذلك كان السبب في
اتلاف اكثرها وتخريمها وضياعها حتى انه كان أعد محلا في المنزل ووضع فيه نسخا من
الكتب المستعملة التي يتداول علماء الازهر قراءتها للطلبة مثل الاشموني وابن عقيل والشيخ
خالد وشروحه والازهرية وشروحها والشذور وكذلك من كتب التوحيد مثل شروح الجوهرة
والهدهدى وشرح السنوسية والكبرى والصغرى وكتب المنطق والاستعارات والمعاني وكذلك
كتب الحديث والتفسير والفقه في المذاهب وغير ذلك فكانوا يأتون الى ذلك المكان
ويأخذون ويغيرون وينقلون من غير استئذان فمنهم من يأخذ الكتاب ولا يرده ومنهم من
يهمل التغيير فتضيع الكراريس ومنهم من يسافر ويتركها عند غيره ومنهم من يهمل آخر
الكتاب ويتفق ان الاثنين والثلاثة يشتركون في الكتاب الواحد والنسخة الواحدة ولا
بد من حصول التلف من أحدهم ولا بد من حصول الضياع والتلف في كل سنة وخصوصا في
اواخر الكتب عندما تفتر هممهم
وأكثر الناس منحرفو الطباع معوجو الاوضاع
واقتنى أيضا كتبا نفيسة خلاف المتداولة وأرسل اليه
السلطان مصطفى نسخا من خزائنه وكذلك اكابر الدولة بالروم ومصر وباشة تونس والجزائر
واجتمع لديه من كتب الاعاجم مثل الكلستان وديوان حافظ
وشاه نامه وتواريخ العجم وكليله ودمنه ويوسف زليخا وغير
ذلك وبها من التشاويه والتصاوير البديعة الصنعة الغريبة الشكل وكذلك الآلات
الفلكية من الكرات النحاس التي كان اعتنى بوضعها حسن افندي الروزنامجي بيد رضوان
افندى الفلكي كما تقدم في ترجمتها
ولما مات حسن أفندي المذكور اشترى جميعها من تركته وكذلك
غيرها من الآلات الارتفاعية والميالات وحبق الارصاد والاسطرلابات والارباع والعدد
الهندسية وأدوات غالب الصنائع مثل التجارين والخراطين والحدادين والسمكرية
والمجلدين والنقاشين والصواغ وآلات الرسم والتقاسيم ويجتمع به كل متقن وعارف في
صناعته مثل حسن أفندي الساعاتي وكان ساكنا عنده وعابدين أفندي الساعاتي وعلي افندي
رضوان وكان من ارباب المعارف في كل شيء ومحمد افندى الاسكندراني والشيخ محمد
الاقفالي وابراهيم السكاكيني والشيخ محمد الزبداني وكان فريدا في صناعة التراكيب
والتقاطير واستخراج المياه والادهان وغير هؤلاء ممن رأيت ومن لم أر وحضر اليه طلاب
من الافرنج وقراوا عليه علم الهندسة وذلك سنة تسع وخمسين وأهدوا له من صنائعهم
وآلاتهم اشياء نفيسة وذهبوا الى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت وأخرجوه
من القوة الى الفعل واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء وجر الاثقال واستنباط
المياه وغير ذلك
وفي أيام اشتغاله بالرسم رسم ما لا يحصى من المنحرفات
والمزاول على الرخامات والبلاط الكذان ونصبها في اماكن كثيرة ومساجد شهيرة مثل
الازهر والاشرفية وقوصون ومشهد الامام الشافعي والسادات
وفي الآثار منها ثلاثة واحدة باعلى القصر وأخرى على
البوابة وأخرى عظيمة بسطح الجامع بقى منها قطعة وكسر باقيها فراشو الامراء الذين
كانوا ينزلون هناك للنزاهة ليمسحوا بها صواني الاطعمة الصفر وكذلك بورد ان بالتماس
مصطفى أغا الورداني
وكذلك بحوش مدفن الرزازين بالتماس رضوان جرجبي الرزاز رحمه
الله ولما تمهر الآخذون عنه والملازمون عنده ترك الاشتغال بذلك واحال الطلاب عليهم
فاذا كان الطالب من أبناء العرب تقيد بتلميذه الشيخ محمد ابن اسمعيل النفراوى وان
كان من الاعاجم والاتراك تقيد بمحمود افندي النيشي
واشتغل هو بمدارسة الفقه واقرائه ومراجعة الفتاوى
والتحرى في الفروع الفقهية والمسائل الخلاقية وانكب عليه الناس يستفتونه في
وقائعهم ودعاويهم
وتقرر في اذهانهم تحرية الحق والنصوص حتى ان القضاة لا
يثقون الا بفتواه دون غيره وتقيد للمراجعة عنده الشيخ عبد الرحمن العريشي فانفتحت
قريحته وراج أمره وترشح بعده للافتاء
وكان المترجم لا يعتني بالتأليف الا في بعض التحقيقات
المهمة منها نزهة العينين في زاكاة المعدنين ورفع الاشكال بظهور العشر في العشر في
غالب الاشكال والاقوال المعربة عن أحوال الاشربة وكشف اللثام عن وجوه مخدرات النصف
الاول من ذوى الارحام والوشي المجمل في النسب المحمل والقول الصائب في الحكم على
الغائب وبلوغ الآمال في كيفية الاستقبال والجداول البهية برياض الخزرجية في علم
العروض واصلاح الاسفار عن وجوه بعض مخدرات الدر المختار ومآخذ الضبط في اعتراض
الشرط على الشرط والنسمات الفيحية على الرسالة الفتحية والعجالة على أعدل آلة
وحقائق الدقائق على دقائق الحقائق واخصر المختصرات على ربع المقنطرات والثمرات المجنية
من أبواب الفتحية والمفصحة فيما يتعلق بالاسطحة والدر الثمين في علم الموازين
وحاشية على شرح فاضي زادة على الجغميني لم تكمل وحاشية على الدر المختار لم تكمل
ومناسك الحج وغير ذلك جواش وتقييدات على العصام والحفيد والمطول والمواقف والهداية
في الحكمة والبرزنجي على قاضي زاده وأمثلة وبراهين هندسية شتى
وماله من الرسومات المخترعة
والآلات النافعة المبتدعة ومنها الآلة المربعة لمعرفة
الجهات والسمت والانحرافات باسهل ماخذو أقرب طريق والدائرة التاريخية وبركار
الدرجة
واتفق انه في سنة اثنتين وسبعين وقع الخلل في الموازين
والقبابين وجهل أمر وضعها ورسمها وبعد تحديدها وريحها ومشيلها واستخراج رمامينها
وظهر فيها الخطأ واختلفت مقادير الموزونات وترتب على ذلك ضياع الحقوق وتلاف
الاموال وفسد على الصناع تقليدهم الذى درجوا عليه فعند ذلك تحركت همة المترجم
لتصحيح ذلك وأحضر الصناع لذلك من الحدادين والسباكين وحرر المثاقيل والصنج الكبار
والصغار والقرسطونات ورسمها بطريق الاستخراج على أصل العلم العملي والوضع الهندسي وصرف
على ذلك أموالا من عنده ابتغاء لوجه الله ثم أحضر كبار القبانية والوزانين مثل
الشيخ علي خليل والسيد منصور والشيخ علي حسن والشيخ حسن ربيع وغيرهم وبين لهم ما
هم عليه من الخطأ وعرفهم طريق الصواب في ذلك وأطلعهم على سر الوضع والصنعة
ومكنونها واحضروا العدد وأصلحوا منها ما يمكن اصلاحه وابطلوا ما تقدم وضعه وفسدت
لقمه ومراكزه وقيدوا بصناعة ذلك الاسطى مراد الحداد ومحمد ابن عثمان حتى تحررت
الموازين وانضبط امرها وانصلح شأنها
وسرت في الناس العدالة الشرعية المأمورين باقامتها
واستمر العمل في ذلك أشهرا وهذا هو السبب الحامل له على تصنيف الكتاب المذكور وهذا
هو ثمرة العلم ونتيجة المعرفة والحكمة المشار اليها بقوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء
ولما وصل الى مصر الشيخ ابراهيم بن أبي البركات العباسي
البغدادي الشهير بابن السويدى في سنة 1175 وكان اماما فاضلا فصيحا مفوها ينظم
الشعر بالاملاء ارتجالا في أي قافية من أى بحر من غير تكلف فأنزله المترجم واكرمه
واغتبط به وصار يتنقل صحبته مع الجماعة بمنازل بولاق والمنتزهات
واتفق انه تمرض أياما فأقام بمنزل بولاق
المشرف على النيل فقيد به من يعوله ويخدمه ويعلل مزاجه
فكان كلما اختلى بنفسه وهبت عليه النسمات الشمالية والنفحات البحرية أخذ القلم
ببنانه ونقش على أخشابه وحيطانه فكتب نحو العشرين قصيدة على مواقف عديدة كلها
مدائح في المذكور والرياض والزهور والكوثر والسلسبيل وجريان النيل وتركت بحالها وذهبت
كغيرها
وفي سنة تسع وسبعين توفي ولده أخي لابي أبو الفلاح علي
وقد بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة
فحزن عليه وانقبض خاطره وانحرف مزاجه وتوالت عليه
النوازل وأوجاع المفاصل وترك الذهاب الى بولاق وغيرها ونقل العيال من هناك ولازم
البيت الذي بالصنادقية واقتصر عليه وفتر عن الحركة الا في النادر
وصار يملي الدروس بالمنزل ويكتب على الفتاوى ويراجع
المسائل الشرعية والقضايا الحكمية مع الديانة والتحرى والمراجعة والإستنباط
والقياس الصحيح ومراعاة الأصول والقواعد ومطارحات التحقيقات والفوائد وتلقي
الوافدين وإكرام الواردين وإطعام الطعام وتبليغ القاصد المرام ومراعاة الأقارب
والأجانب مع البشاشة ولين الجانب وسعة الصدر وحسن الاخلاق مع الخلان والاصحاب
والرفاق ويخدم بنفسه جلاسه ولا يمل معهم ايناسه ولا يبخل بالموجود ولا يتكلف
المفقود ولا يتصنع في أحواله ولا يتمشدق في أقواله ويلاحظ السنة في أفعاله
ومن أخلاقه انه كان يجلس بآخر المجلس على اى هيئة كان
بعمامة وبدونها ويلبس أى شيء كان ويتحزم ولو بكنار الجوخ أو قطعة خرقة او شال
كشميرى أو محزم ولا ينام على فراش ممهد بل ينام كيفما اتفق وكان أكثر نومه وهو
جالس وله مع الله جانب كبير كثير الذكر دائم المراقبة والفكر ينام أول الليل ويقوم
آخره فيصلي ما تيسر من النوافل والوتر ثم يشتغل بالذكر حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح
ويجلس كذلك الى طلوع الشمس فيضطجع قليلا أو ينام وهو جالس مستندا وهذا دأبه
على الدوام
ويحاذر الرياء ما أمكن وكان يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا
يقول اني صائم وربما ذهب الى بعض الاعيان أو دعي الى وليمة فيأتون اليه بالقهوة
والشربات فلا يرد ذلك بل يأخذها ويوهم الشرب وكذلك الاكل ويضايع ذلك بالمؤانسة
والمباسطة مع صاحب المكان والجالسين
وكان مع مسايرته للناس وبشاشته ومخاطبته لهم على قدر
عقولهم عظيم الهيبة في نفوسهم وقورا محتشما ذا جلال وجمال
وسمعت مرة شيخنا سيدي الشيخ محمودا الكردى يقول أنا
عندما كنت أراه داخلا في دهليز الجامع يداخلني منه هيبة عظيمة وأدخل الى رواقنا
وانظر اليه من داخل واسأل المجاورين عنه فيقولون لي هذا الشيخ الجبرتي فأتعجب لما
يداخلني من هيبته دون غيره من الاشياخ فلما تكرر على ذلك أخبرت الاستاذ الحفني فتبسم
وقال لي نعم انه صاحب اسرار
وكان مربوع القامة ضخم الكراديس ابيض اللون عظيم اللحية
منور الشيبة واسع العينين غزير شعر الحاجبين وجيه الطلعة يهابه كل من يراه ويود
أنه لا يصرف نظره عن جميل محياه
ولم يزل على طريقته المفيدة وأفعاله الحميدة الى أن آذنت
شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وتعلل اثني عشر يوما بالهيضة
الصفراوية فكان كلما تناول شيئا قذفته معدته عندما يريد الاضطجاع الى ان اقتصر على
المشروبات فقط وهو مع ذلك لا يصلي الا من قيام
ولم يغب عن حواسه وكان ذكره في هذه المدة يقرأ الصمدية
مرة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم بالصيغة السنوسية كذلك ثم الاسم
العشرين من الاسماء الادريسية وهو يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه هكذا كان
دأبه ليلا ونهارا حتى توفى يوم الثلاثاء قبيل الزوال غرة شهر صفر من السنة وجهز في
صبحة يوم الاربعاء وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل جدا ودفن عند اسلافه بتربة
الصحراء بجوار الشمس البابلي والخطيب
الشربيني ومات وله من العمر سبع وسبعون سنة
ومات الامام العلامة الفقيه المعمر الشيخ احمد بن محمد
الحماقي الحنفي كان أبوه من كبار علماء الشافعية فتحنف هذا بأذن الامام الشافعي
والشيخ احمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم وتصدر رضي الله عنه لرؤيا
رآها وكان يخبر بها من لفظه وتلقى عن أئمة عصره كالشيخ أحمد الدقدوسي والشيخ علي
العقدي ومحمد عبد العزيز الزيادى والشيخ احمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم
وتصدر للاقراء والتدريس بالجامع الازهر مدة سنين ثم تولى مشيخة افتاء الحنفية بعد
موت الشيخ حسن المقدسي
وكان انسانا حسنا دمث الاخلاق حسن العشرة صافي الطوية
عارفا بفروع المذهب لين الجانب لا يتحاشى الجلوس في الاسواق والقهاوى وكان اخوانه
من أهل العلم ينقمون عليه في ذلك فلا يبالي باعتراضهم ولم يزل حتى توفي في سحر
ليلة الجمعة خامس عشرى صفر من السنة رحمه الله
ومات الامام الفقيه العلامة المحدث الفرضي الاصولي الورع
الزاهد الصالح الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن شاهين الراشدى الشافعي الازهري ولد
بالراشدية قرية بالغربية سنة 1118 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده وقدم الازهر فتفقه
على الشيخ مصطفى العزيزى والشيخ مصطفى العشماوى وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ
محمد الغمرى وسمع الكتب الستة على الشيخ عيد النمرسي بطرفيها وبعضها على الشيخ عبد
الوهاب الطندتاوى وسيدى محمد الصغير وله شيوخ كثيرون
ورافق الشيخ الوالد وعاشره مدة طويلة وتلقى عنه وهو احد
اصحابه من الطبقة الاولى ولم يزل محافظا على وده وتردده ومؤانسته ويتذكر الازمان
السالفة والايام الماضية وله شيوخ كثيرون
وكان من جملة محفوظاته البهجة الوردية وقد انفرد في عصره
بذلك واعتنى بالكتب الستة كتابة ومقابلة وتصحيحا وكان حسن التلاوة للقرآن حلو
الاداء مع معرفته
باصول الموسيقي ولذلك ناطت به رغبة الامراء فصلى اماما
بالامير محمد بك ابن اسمعيل بك مع كمال العفة والوقار والانجماع عن الناس حتى ان
كثير منهم يود أن يسمع منه حزبا من القرآن فلا يمكنه ذلك ثم اقلع عن ذلك واقبل على
افادة الناس فقرأ المنهج مرارا وابن حجر على المنهاج مرارا وكان يتقنه ويحل مشكلاته
بكمال التؤدة والسكينة فاستمر مدة يقرأ دروسه بمدرسة السنانية قرب الازهر ثم انتقل
الى زاوية قرب المشهد الحسيني وكان تقرير مثل سلاسل الذهب في حسن السبك وقد انتفع
به كثير من الاعلام ولما بنى المرحوم محمد بك ابو الذهب المدرسة تجاه الجامع
الازهر في هذه السنة راوده ان يكون خطيبا بها فامتنع فالح عليه وارسل له صرة فيها
دنانير لها صورة فأبى ان يقبل ذلك ورده فالح عليه فلما اكثر عليه خطب بها أول جمعة
وألبسه فروة سمور وأعطاه صرة فيها دنانير فقبلها كرها ورجع الى منزله محموما يقال
فيما بلغني انه طلب من الله ان لا يخطب بعد ذلك فانقطع في منزله مريضا الى أن توفي
ليلة الثلاثاء ثاني شوال من السنة وجهز ثاني يوم وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل
ودفن بالقرافة الصغرى تجاه قبة أبي جعفر الطمحاوى ولم يخلف بعده في جمع الفضائل مثله
وكان صفته نحيف البدن منور الوجه والشيبة ناتىء الجبهة
ولا يلبس زى الفقهاء ولا العمامة الكبيرة بل يلبس قاووقا لطيفا فتلي ويركب بغلة وعليها
سلخ شاة أزرق
وأخذ كتبه الامير محمد بك ووقفها في كتبخانته التي جعلها
بمدرسته وكان لها جرم وكلها صحيحة مخدومة وسرق غالبها
ومات الشيخ الصالح سعد بن محمد بن عبد الله الشنواني حصل
في مباديه شيئا كثيرا من العلوم ومال الى فن الادب فمهر فيه وتنزل قاضيا في محكمة
باب الشعرية بمصر وكان انسانا حسنا بينه وبين الفضلاء مخاطبات ومحاورات وشعره حسن
مقبول وله قصائد ومدائح في الاولياء وغيرهم
أحسن فيها ولم أعثر على شيء منها وجدد له شيخنا السيد
مرتضى نسبة الى الشيخ شهاب الدين العراقي دفين شنوان
توفي يوم السبت خامس جمادى الثانية من السنة وقد جاوز
السبعين رحمه الله
ومات العلامة الفقيه الصالح الدين الشيخ علي بن حسن
المالكي الازهري قرأ على الشيخ على العدوى وبه تخرج وحضر غيره من الاشياخ ومهر في
الفقه والمعقول وألقى دروسا بالازهر ونفع الطلبة وكان ملازما على قراءة الكتب النافعة
للمبتدئين مثل أبي الحسن وابن تركي والعشماوية في الفقه وفي النحو الشيخ خالد
والازهرية والشذور وحلقة درسه عظيمة جدا وكان لسانه أبدا متحركا بذكرى الله
توفي ليلة الخميس منتصف ربيع الاول من السنة ودفن
بالمجاورين
ومات الشيخ الامام المحدث البارع الزاهد الصوفي محمد بن
أحمد ابن سالم ابو عبد الله السفاريتي النابلسي الحنبلي ولد كما وجد بخطه سنة 1114
تقريبا بسفارين وقرأ القرآن في سنة احدى وثلاثين في نابلس واشتغل بالعلم قليلا وارتحل
الى دمشق سنة ثلاث وثلاثين ومكث بها قدر خمس سنوات فقرأ بها على الشيخ عبد القادر
التغلبي دليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي من أوله الى آخره قراءة تحقيق والاقناع
للشيخ موسى الحجازي وحضره في الجامع الصغير للسيوطي بين العشائين وغيره مما كان
يقرأ عليه في سائر أنواع العلوم وذاكره في عدة مباحث من شرحه على الدليل فمنها ما
رجع عنها ومنها ما لم يرجع لوجود الاصول التي نقل منها وكان يكرمه ويقدمه على غيره
وأجازه بما في ضمن ثبته الذي خرجه له الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى في سنة خمس
وثلاثين وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي الاربعين النووية وثلاثيات البخارى والامام
أحمد وحضر دروسه في تفسير القاضي وتفسيره الذي صنفه في علم التصوف وأجازه عموما
بسائر ما يجوز له وبمصنفاته كلها
وكتب له اجازة مطولة وذكر فيها مصنفاته وعلى الشيخ عبد
الرحمن المجلد ثلاثيات البخارى وحضر دروسه العامة وأجازه وعلى الشيخ عبد السلام
ابن محمد الكاملي بعض كتب الحديث وشيئا من رسائل اخوان الصفا وعلى ملا الياس
الكوراتي كتب المعقول وعلى الشيخ اسمعيل بن محمد العجلوني الصحيح بطرفيه مع مراجعة
شروحه الموجودة في كل رجب وشعبان ورمضان من كل سنة مدة أقامته بدمشق وثلاثيات
البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وشيئا من الجامع الصغير شرحه للمناوى والعلقمي وشيئا من
الجامع الكبير وبعضا من كتاب الاحياء مع مراجعة تخريج أحاديثه للزين العراقي
والاندلسية في العروض مع مطالعة بعض شروحها وبعضا من شرح شذور الذهب وشرح رسالة
الوضع مع حاشيته التي ألفها وحاشية ملا الياس وأجازه بكل ذلك وبما يجوز له روايته وعلى
الشيخ أحمد بن علي المنيني شرح جمع الجوامع للمحلى وشرح الكافية لملا جامي وشرح
القطر للفاكهي وحضر دروسه للصحيح وشرحه على منظومة الخصائص الصغرى للسيوطي وقد
أجازه بكل ذلك أجازة مطولة كتبها بخطه وعلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى بعضا
من شرح ألفية العراقي لزكريا وأول سنن أبي داود وعلى قريبه الشيخ احمد الغزى غالب
الصحيح بالجامع الاموى بحضرة جملة من كبار شيوخ المذاهب الاربعة وعلى الشيخ مصطفى
بن سوار أول صحيح مسلم وعلى حامد أفندي مفتي الشام المسلسل بالاولية وثلاثيات
البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وحج سنة ثمان وأربعين فسمع بالمدينة على الشيخ محمد
حياة المسلسل بالاولية وأوائل الكتب الستة وتفقه على شيخ المذهب مصطفى بن عبد الحق
اللبدى وطه بن أحمد اللبدى ومصطفى بن يوسف الكرمي وعبد الرحيم الكرمي والشيخ
المعمر السيد هاشم الحنبلي والشيخ محمد السلقيني وغيرهم ومن شيوخه الشيخ
محمد الخليلي سمع عليه اشياء والشيخ عبد الله البصروى
سمع عليه ثلاثيات أحمد مع المقابلة بالاصل المصحح والشيخ محمد الدقاق أدركه
بالمدينة وقرأ عليه أشياء واجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلازمه وقرأ عليه مصنفاته وأجازه
بما له وكتب له بذلك وله شيوخ اخر غير من ذكرت وله مؤلفات منها شرح عمدة الاحكام
للحافظ عبد الغني في مجلدين وشرح ثلاثيات أحمد في مجلد ضخم وشرح نونية الصرصرى
الحنبلي سماه معارج الانوار في سيرة النبي المختار وبحر الوفا في سيرة النبي
المصطفى وغذاء الالباب في شرح منظومة الآداب والبحور الزاخرة في علوم الآخرة وشرح
الدرة المضية في اعتقاد الفرقة الاثرية ولوائح الانوار السنية في شرح منظومة أبي
بكر بن أبي داود الحائية وكان المترجم شيخا ذا شيبة منورة مهيبا جميل الشكل ناصرا
للسنة قامعا للبدعة قوالا بالحق مقبلا على شأنه مداوما على قيام الليل في المسجد
ملازما على نشر علوم الحديث محبا في أهله ولا زال يملي ويفيد ويجيز من سنة ثمان
وأربعين الى أن توفي يوم الاثنين ثامن شوال من هذه السنة بنابلس وجهز وصلي عليه
بالجامع الكبير ودفن بالمقبرة الزاركنية وكثر الاسف عليه ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
رحمة واسعة
ومات العمدة المبجل الفاضل الشيخ احمد بن محمد بن عبد السلام
الشرفي المغربي الاصل المصرى المولد وكان والده شيخا على رواق المغاربة بالجامع
الازهر ومن شيوخ الشيخ احمد الدمنهوري وولده هذا كان له معرفة بعلم الميقات
ومشاركة حسنة وفيه صداقة ود وحسن عشرة مع الاخوان ومكارم اخلاق ويدعو الناس
والعلماء في المولد النبوي الى بيته بالازبكية ويقدم لهم الموائد والحلوى وشراب
السكر وكان لديه فوائد ومآثر حسنة توفي سابع ربيع الاول من السنة وقد جاوز السبعين
رحمه الله
ومات العمدة الفاضل الشيخ زين الدين قاسم العبادي الحنفي
تفقه على الشيخ سليمان المنصورى والشيخ أحمد بن عمر الاسقاطي الى أن صار يقرأ درسا
في المذهب ولم يزل ملازما شأنه حتى توفي ثالث عشر الحجة من السنة وقد ناهز
الثمانين رحمه الله
ومات العمدة المعمر الشيخ عبد الله الموقت بجامع قوصون
وكان يعرف بالطويل وكان انسانا صالحا ناسكا ورعا توفي فجأة في الحمام ثاني عشر
الحجة عن سبع وثمانين سنة
ومات العمدة الفاضل الاديب الماهر الشيخ علي بن احمد بن
عبد الرحمن ابن محمد بن عامر العطشي الفيومي الشافعي وهو أخو الشيخ احمد العطشي
وكان له مذاكرة حسنة وحضر على الشيخ الحفني وغيره وكان نعم الرجل توفي في جمادى
الآخرة
ومات السيد الشريف المعمر محمد بن حسن بن محمد الحسني
الوفائي باش جاويش السادة الاشراف أخذ عن الشيخ المعمر يوسف الطولوني وكان يحكي
عنه حكايات مستحسنة وغرائب وكان متقيدا بالسيد محمد أبي هادى الوفائي في أيام
نقابته على الاشراف ولديه فضيلة وفوائد توفي في هذه السنة عن نحو ثمانين سنة
ومات الشيخ الصالح سليمان بن داود بن سليمان بن أحمد
الخربتاوي وكان من أهل المروءة والدين توفي ثامن عشرى المحرم من السنة في عشر
الثمانين
ومات الجناب المكرم الامير أحمد أغا البارودي وهو من
مماليك ابراهيم كتخدا القازدغلي وتزوج بأبنته التي من بنت البارودي وسكن معها في
بيتهم المشهور خارج باب سعادة والخرق وولد له منها أولاد ذكور واناث ومنهم صاحبنا
ابراهيم جلبي وعلي ومصطفى وهو أستاذ محمد أغا الآتي ذكره ذكره
تقلد المترجم في أيام علي بك مناصب جليلة مثل 4.
كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
أغاوية المتفرقة وكتخدا الجاويشية وكان انسانا حسنا صافي
الباطن لا يميل طبعه لسوى عمل الخير ويحب أهل العلم وممارستهم وكان له ميل عظيم
واعتقاد حسن في المرحوم الشيخ الوالد ويزوره في كل جمعة مع غاية الادب والامتثال ومما
شاهدته من كمال أدبه وشدة اعتقاده وحبه أنه صادفه مرة بالطريق وهو إذ ذاك كتخدا
الجاويشية وهو راكب في أبهته وأتباعه والشيخ راكب على بغلته فعندما رآه ترجل ونزل
عن جواده وقبل يده فأنكر عليه فعله واستعظمه واستحى منه والتمس منه أن يقيد به بعض
الطلبة ليقرئه شيئا من الفقه والدين فقيد به الشيخ عبد الرحمن العريشي فكان يذهب
اليه ويطالع له القدورى وغيره وكان يكرمه ويواسيه ولم يزل على حسن حالته حتى توفي
في سابع جمادى الاولى من السنة وكان له في منزله خلوة ينفرد فيها بنفسه ويخلع ثياب
الابهة ويلبس كساء صوف أحمر على بدنه ويأخذ سبحة كبيرة يذكر ربه عليها
ومات الامير الصالح خليل أغا مملوك الامير عثمان بك
الكبير تابع ذي الفقار وهو استاذ الامير علي خليل توفي ببلد له بالفيوم وجيء به
ميتا في عشية نهار السبت حادى عشرين جمادى الثانية من السنة فغسل وكفن ودفن
بالقرافة وكان انسانا دينا خيرا محبا للعلماء والصلحاء
ومات الامير اسمعيل أفندي تابع المرحوم الشريف محمد أغا
كاتب البيورلدى وكان انسانا خيرا صالحا توفي يوم الاحد ثاني عشرين جمادى الثانية
ومات السيد المعمر الشريف عبد اللطيف أفندي نقيب الاشراف
بالقدس وابن نقبائها عن تسعين سنة تقريبا وولى بعده أكبر أولاده السيد عبد الله
أفندي رحمه الله
ومات الامير المبجل محمد أفندي جاوجان ميسو وكان حافظ
لكتاب الله موفقا وفيه فضيلة وفصاحة ويحب العلماء والاشراف ويحسن اليهم
توفي ليلة الاثنين عشرين ربيع الاول وصلى عليه بالازهر
ودفن بالمجاورين
ومات الامير مصطفى بك الصيداوى تابع الامير علي بك
القازدغلي
وكان سبب موته انه خرج الى الخلاء جهة قصر العيني وركض
جواده فسقط عنه ومات لوقته وحمل الى منزله بدرب الحجر وجهز وكفن ودفن بالقرافة
وذلك في منتصف ربيع الاول من السنة
ومات الامير علي أغا ابو قوره من جماعة الوكيل سادس عشر
ربيع الاول سنة تاريخه
ومات الامير محمد أفندي الزاملي كاتب قلم الغربية وكان
صاحب بشاشة وتودد وحسن اخلاق
توفي في رابع عشرين صفر من السنة وخلف ولده حسن أفندي
قلفة الغربية الآتي ذكره في سنة 1202
ومات الخواجا المكرم الحاج محمد عرفات الغزاوي التاجر
وهو والد عبد الله ومصطفى
توفي يوم الثلاثاء ثامن صفر من السنة والله تعالى أعلم
سنة تسع وثممانين ومائة وألف فيها عزم محمد بك أبو الذهب
على السفر والتوجه الى البلاد الشامية بقصد محابة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من
البلاد فبرز خيامه الى العادلية وفرق الاموال والتراحيل على الامراء والعساكر والمماليك
واستعد لذلك استعدادا عظيما في البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجبخانة
والمدافع والقنابل والمدفع الكبير المسمى بأبو مايلة الذى كان سبكه في العام
الماضي
وسافر بجموعه وعساكره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد
بك وابراهيم بك طنان واسمعيل بك تابع اسمعيل بك الكبير لا غير وترك بمصر ابراهيم
بك وجعله عوضا عنه في امارة مصر واسمعيل بك وباقي الامراء والباشا الذي بالقلعة
وهو مصطفى باشا
النابلسي وارباب العكاكيز والخدم والوجاقلية
ولم يزل في سيره حتى وصل الى جهة غزة وارتجت البلاد
لوروده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما
وصل الى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم ايضا عليه وحاربوه من داخل
وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليالي فكانوا
يصعدون الى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحا
فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها
من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير
وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة
ثم جمعوا الاسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم
عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني واليهودي والعالم والجاهل والعامي
والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤوس القتلى عدة
صوامع ووجوهها بارزة تنسف عليها الاتربة والرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالبا عكا
فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هاربا وتركها وحصونها
فوصل اليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته
وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالا مزيد عليه وما آل به الى الموت
والهلاك
وأرسل بالبشائر الى مصر والامراء بالزينة فنودى بذلك
وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات وحراقات
وأفراح ثلاثة أيام بلياليها وذلك في أوائل ربيع الثاني
فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل
يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في
الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة
فاذا هم مبلسون
وذلك انه لما تم له الامر وملك البلاد المصرية والشامية
واذعن الجميع لطاعته وقد ارسل اسمعيل أغا اخا علي بيك الغزاوى الى اسلامبول يطلب
امرية مصر والشام وأرسل صحبته أموالا وهدايا فأجيب الى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع
والبرق والداقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الامر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا
فامتلأ فرحا وحم بدنه في الحال فأقام محموما ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن
ربيع الثاني
ووافى خبر موته اسمعيل آغا عندما تهيأ ونزل في المراكب
يريد المسير الى مخدومه فانتقض الامر وردت التقاليد وباقي الاشياء
ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح
الامراء والاجناد الذين بصحبته برجوعهم الى مصر وصاروا متشوقين للرحيل والرجوع الى
الاوطان
فاجتمعوا اليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته
فتبين لهم من كلامه عدم العود وانه يريد تقليدهم المناصب والاحكام بالديار الشامية
وبلاد السواحل وأمرهم بارسال المكاتبات الى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله
عليهم وما سيفتح لهم ويطمنوهم ويطلبوا احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين اليها من مصر
فعند ذلك اغتموا وعلموا انهم لا براح لهم وان أمله غير هذا
وذهب كل الى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل وأقمنا على ذلك الثلاثة ايام التي تمرض
فيها وأكثرنا لا يعلم بمرضه ولا يدخل اليه الا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك الا
بقولهم في اليوم الثالث انه منحرف المزاج
فلما كان في صبح الليلة التي مات بها نظرنا الى صيوانه
وقد انهدم ركنه وأولاد الخزنة في حركة ثم زاد الحال وجردوا على بعضهم السلاح بسبب
المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي وحضر مراد بيك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع
كبراءهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفا من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد
الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم فيهم
واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم
ولما تحقق عندهم انهم ان دفنوه هناك في بعض المواضع
أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة
وارتحلوا به طالبين الديار المصرية
فوصلوا في ستة عشر يوما ليلة الرابع والعشرين من شهر
ربيع الثاني أواخر النهار فأرداوا دفنه بالقرافة
وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الازهر
فحفروا له قبرا في الليوان الصغير الشرقي وبنوه ليلا ولما أصبح النهار عملوا له
مشهدا وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى امامه المشايخ والعلماء والامراء
وجميع الاحزاب والاوراد وأطفال المكاتب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود سترا على رائحته
ونتنه حتى وصلوا به الى مدفنه وعملوا عنده ختمات وقراءات وصدقات عدة ليال وأيام
نحو أربعين يوما
واستقرأ تباعه امراء ورئيسهم ابراهيم بيك ومراد بيك
وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بيك واحمد بيك الكلارجي ومصطفى بيك
الكبير وأيوب بيك الكبير وذو الفقار بيك ومحمد بيك طبال ورضوان بيك والذين تأمروا
بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بيك الاغا وابراهيم بيك الوالي وأيوب بيك الصغير
وقاسم بيك الموسقو وعثمان بيك الشرقاوى ومراد بيك الصغير وسليم بيك أبو دياب
ولاجين بيك وسيأتي ذكر أخبارهم
من مات في هذه السنة من الاعيان مات الامام الهمام شيخ
مشايخ الاسلام عالم العلماء الاعلام امام المحققين وعمدة المدققين الشيخ علي بن أحمد
بن مكرم الله الصعيدى العدوى المالكي ولد ببني عدى كما أخبر عن نفسه سنة 1112
ويقال له أيضا المنفيسي لان أصوله منها وقدم الى مصر وحضر دروس المشايخ كالشيخ عبد
الوهاب الملوى والشيخ شلبي البرلسي والشيخ سالم النفراوى
والشيخ عبد الله المغربي والسيد محمد السلموني ثلاثتهم
عن الخرشي وأقرانه وكسيدي محمد الصغير والشيخ ابراهيم الفيومي ومحمد بن زكريا والشيخ
محمد السجبيني والشيخ ابراهيم شعيب المالكي والشيخ أحمد الملوى والشيخ احمد
الديربي والشيخ عيد النمرسي والشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد العشماوى والشيخ
محمد ابن يوسف والشيخ أحمد الاسقاطي والبقرى والعماوى والسيد علي السيواسي
والمدابغي والدفرى والبليدى والحفني وآخرين وبآخرة تلقن الطريقة الاحمدية عن الشيخ
على بن محمد الشناوى ودرس بالازهر وغيره
وقد بارك الله في أصحابه طبقة بعد طبقة كما هو مشاهد
وكان يحكي عن نفسه أنه طالما كان يبيت بالجوع في مبدأ اشتغاله بالعلم وكان لا يقدر
على ثمن الورق ومع ذلك ان وجد شيئا تصدق به
وقد تكررت له بشارات حسنة مناما ويقظة وله مؤلفات دالة
على فضله منها حاشية على ابن تركي وأخرى على الزرقاني على العزية وأخرى على شرح
أبي الحسن على الرسالة في مجلدين ضخمين وأخرى على الخرشي وأخرى على شرح الزرقاني
على المختصر وأخرى على الهدهدى على الصغرى وحاشيتان على عبد السلام على الجوهرة
كبرى وصغرى وأخرى على الاخضرى على السلم وأخرى على بن عبد الحق على بسملة شيخ
الاسلام وأخرى على شرح شيخ الاسلام على الفية المصطلح للعراقي وغير ذلك
وكان قبل ظهوره لم تكن المالكية تعرف الحواشي على شروح
كتبهم الفقهية فهو أول من خدم تلك الكتب بها وله شرح على خطبة كتاب امداد الفتاح
على نور الايضاح في مذهب الحنفية للشيخ الشرنبلالي وكان رحمه الله شديد الشكمية في
الدين يصدع بالحق ويأمر بالمعروف واقامة الشريعة ويحب الاجتهاد في طلب العلم ويكره
سفاسف الامور وينهى عن شرب الدخان ويمنع من شربه بحضرته وبحضرة اهل العلم
تعظيما لهم
واذا دخل منزل من منازل الامراء ورأى من يشرب الدخان شنع
عليه وكسر آلته ولو كانت في يد كبير الامراء
وشاع عنه ذلك وعرف في جميع الخاص والعام وتركوه بحضرته
فكانوا عندما يرونه مقبلا منن بعيد نبه بعضهم بعضا ورفعوا شبكاتهم وأقصابهم
واخفوها عنه وان رأى شيئا منها أنكر عليهم ووبخهم وعنفهم وزجرهم حتى ان علي بك في
أيام امارته كان اذا دخل عليه في حاجة أو شفاعة أخبروه قبل وصوله الى مجلسه فيرفع
الشبك من يده ويخفوه من وجهه وذلك مع عتوه وتجبره وتكبره
واتفق انه دخل عليه في بعض الاوقات فتلقاه على عادته
وقبل يده وجلس فسكت الامير مفكرا في أمر من الامور فظن الشيخ اعراضه عنه فأخذته
الحدة وقال مخاطبا له باللغة الصعيدية يامين يامين هو غضبك ورضاك على حد سواء بل
غضبك خير من رضاك
وكرر ذلك وقام قائما وهو يأخذ بخاطره ويقول انا لم أغضب
من شيء ويستعطفه
فلم يجبه ولم يجلس ثانيا وخرج ذاهبا
ثم سأل علي بك عن القضية التي أتى بسببها فأخبروه فأمر
بقضائها
واستمر الشيخ منقطعا عن الدخول اليه مدة حتى ركب في ليلة
من ليالي رمضان مع الشيخ الوالد في حاجة عند بعض الامراء ومرا ببيت علي بك فقال له
ادخل بنا نسلم عليه فقال يا شيخنا أنا لا ادخل فقال لا بد من دخولك معي
فلم تسعه مخالفته وانسر بذلك علي بك تلك الليلة سرورا
كثيرا
ولما مات علي بك واستقل محمد بك أبو الذهب بامارة مصر
كان يجل من شأنه ويحبه ولا يرد شفاعته في شيء أبدا وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب
الى الشيخ وأنهى اليه قصته فيكتبها مع غيرها في قائمة حتى تمتلىء الورقة ثم يذهب
الى الامير بعد يومين أو ثلاثة فعندما يستقر في الجلوس يخرج القائمة من جيبه ويقص
ما فيها من القصص والدعاوى واحدة بعد واحدة ويأمره بقضاء كل منها والامير لا
يخالفه ولا ينقبض
خاطره في شيء من ذلك
ولما بنى الامير المذكور مدرسته كان المترجم هو المتعين
في التدريس بها داخل القبة على الكرسي وابتدأ بها البخارى وحضره كبار المدرسين
فيها وغيرهم ولم يترك درسه بالازهر ولا بالبرديكية
وكان يقرأ قبل ذلك بمسجد الغريب عند باب البرقية في
وظيفة جعلها له الامير عبد الرحمن كتخدا وكذلك وظيفة بعد الجمعة بجامع مرزه ببولاق
وكان على قدم السلف في الاشتغال والقناعة وشرف النفس
وعدم التصنع والتقوى ولا يركب الا الحمار ويؤاسي أهله واقاربه ويرسل الى فقرائهم
ببلده الصلات والاكسية والبز والطرح للنساء والعصائب والمداسات وغير ذلك
ولم يزل مواظبا على الاقراء والافادة حتى تمرض بخراج في ظهره
اياما قليلة وتوفي في عاشر رجب من السنة وصلي عليه بالازهر بمشهد عظيم ودفن
بالبستان بالقرافة الكبرى رحمه الله ولم يخلف بعده مثله ولم أعثر على شيء من
مراثيه
ومات الامام العلامة الفقيه الصالح الشيخ احمد بن عيسى بن
احمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى البراوى الشافعي ولد بمصر وبها نشأ وحفظ القرآن
والمتون وتفقه على والده وغيره وحضر المعقول وتمهر وأنجب ودرس في حياة والده وبعد
وفاته تصدر للتدريس في محله وحضره طلبة أبيه واتسعت حلقة درسه مثل أبيه واشتهر
ذكره وانتظم في عداد العلماء
وكان نعم الرجل شهامة وصرامة وفيه صداقة وحب للاخوان
توفي بطندتا ليلة الاربعاء ثالث شهر ربيع الاول فجأة اذ
كان ذهب للزيارة المعتادة وجيء به الى مصر فغسل في بيته وكفن وصلي عليه بالجامع
الازهر ودفن بتربة والده بالمجاورين
ومات الامام الفاضل المسن الشيخ أحمد بن رجب بن محمد
البقرى الشافعي المقرى حضر دروس كل من الشيخ المدابغي والحفني ولازم الاول كثيرا
فسمع منه البخاري بطرفيه والسيرة الشامية كلها وكتب
بخطه الكثير من الكتب الكبار وكان سريع الفهم وافر العلم
كثير التلاوة للقرآن مواظبا على قيام الليل سفرا وحضرا ويحفظ أورادا كثيرة واحزابا
ويجيز بها وكان يحفظ غالب السيرة ويسردها من حفظه ونعم الرجل كان متانة ومهابة
توفي وهو متوجه الى الحج في منزله النخل آخر يوم من شوال
من السنة ودفن هناك
ومات عالم المدينة ورئيسها الشيخ محمد بن عبد الكريم
السمان ولد بالمدينة ونشأ في حجر والده واشتغل يسيرا بالعلم وأرسله والده الى مصر
في سنة 1174 فتلقته تلامذة أبيه بالاكرام وعقد حلقة الذكر بالمشهد الجسيني وأقبلت
عليه الناس ثم توجه الى المدينة
ولما توفي والده أقيم شيخا في محله ولم يزل على طريقته
حتى مات في رابع الحجة من السنة عن ثمانين سنة
ومات العلامة المعمر الصالح الشيخ احمد الخليلي الشامي
أحد المدرسين بالازهر تلقى عن أشياخ عصره ودرس وأفاد وكان به انتفاع للطلبة تام
عام وألف اعراب الآجرومية وغيره
توفي في عاشر صفر من السنة
ومات الامير الكبير محمد بك أبو الذهب تابع علي بك
الشهير اشتراه استاذه في سنة خمس وسبعين فأقام مع أولاد الخزنة أياما قليلة وكان
اذ ذاك اسمعيل بك خازندار فلما أمر اسمعيل بك قلده الخازندارية مكانه وطلع مع
مخدومه الى الحج ورجع أوائل سنة ثمان وسبعين وتامر في تلك السنة وتقلد الصنجقية
وعرف بأبي الذهب
وسبب تلقبه بذلك انه لما لبس الخلعة بالقلعة صار يفرق
البقاشيش ذهبا وفي حال ركوبه ومروره جعل ينثر الذهب على الفقراء والجعيدية حتى دخل
الى منزله فعرف بذلك لانه لم يتقدم نظيره لغيره ممن تقلد الامريات واشتهر عنه هذا اللقب
وشاع وسمع عن نفسه شهرته بذلك فكان لا يضع في جيبه الا الذهب ولا يعطي الا الذهب
ويقول أناا أبو الذهب فلا أمسك
الا الذهب
وعظم شأنه في زمن قليل ونوه مخدومه بذكره وعينه في
المهمات الكبيرة والوقائع الشهيرة وكان سعيد الحركات مؤيد العزمات لم يعهد عليه
الخذلان في مصاف قط وقد تقدمت أخباره ووقائعه في أيام استاذه علي بك وبعده واستكثر
من شراء المماليك والعبيد حتى اجتمع عنده في الزمن القليل مالا يتفق لغيره في
الزمن الكثير وتقلدوا المناصب والامريات
فلما تمهدت البلاد بسعده المقرون ببأس استاذ خالف عليه
وضم المشردين وغمرهم بالاحسان واستمال بواقي أركان الدولة واستلين الجميع جانبه
وجنحوا اليه وأحبوه وأعانوه وتعصبوا له وقاتلوا بين يديه حتى أراحوا علي بك وخرج
هاربا من مصر الى الشام واستقر المترجم بمصر وساس الامور وقلد المناصب وجبى
الاموال والغلال وراسل الدولة العثمانية واظهر لهم الطاعة وقلد مملوكه ابراهيم بك
امارة الحج تلك السنة وصرف العلائف وعوائد العربان وأرسل الغلال للحرمين والصرر
وتحرك علي بك للرجوع الى مصر وجيش الجيوش فلم يهتم المترجم لذلك وكاد له كيدا بان
جمع القرانصة والذين يظن فيهم النفاق وأسر اليهم ان يراسلوا علي بك ويستعجلوه في
الحضور ويثقوا مساوىء للمترجم ومنفرات ويعدوه بالمخامرة معه والقيام بنصرته متى
حضر وأرسلوها اليه بالشريطة السرية
فراج عليه ذلك واعتقد صحته وأرسل إليهم بالجوابات
وأعادوا له الرسالة كذلك باطلاع مخدومهم واشارته فعند ذلك قوى عزم علي بك على
الحضور وأقبل بجنوده الى جهة الديار المصرية فخرج اليه المترجم ولاقاه بالصالحية
وأحضره أسيرا كما تقدم
ومات بعد أيام قليلة وانقضى أمره وارتاح المترجم من قبله
وجمع باقي الامراء المطرودين والمشردين وأكرمهم واستخدمهم وواساهم واستوزرهم
وقلدهم المناصب ورد اليهم بلادهم وعوائدهم واستعبدهم بالاحسان والعطايا واستبدلهم
العز بعد الذل والهوان وراحة الاوطان بعد الغربة والتشريد والهجاج
في البلدان
فثبتت دولته وارتاحت النواحي من الشرور والتجاريد وهابته
العربان وقطاع الطريق وأولاد الحرام وأمنت السبل وسلكت الطرق بالقوافل والبضائع
ووصلت المجلوبات من الجهات القبلية والبحرية بالتجارات والمبيعات
وحضر والي مصر خليل باشا وطلع الى القلعة على العادة
القديمة وحضر للمترجم من الدولة المرسومات والخطابات ووصل اليه سيف وخلعة فلبس ذلك
في الديوان في أبهة عظيمة وعظم شأنه وانفرد بامارة مصر
واستقام أمره وأهمل أمر اتباع استاذه علي بك وأقام
أكثرهم بمصر بطالا
وحضر الى مصر مصطفى باشا النابلسي من أولاد العضم والتجأ
اليه فأكرم نزله ورتب له الرواتب وكاتب الدولة وصالح عليه وطلب له ولاية مصر فأجيب
الى ذلك ووصلت اليه التقاليد والداقم في ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين
ووجه خليل باشا الى ولاية جدة وسافر من القلزم في جمادى
الثانية وتوفي هناك وفي اواخر سنة سبع وثمانين
شرع في بناء مدرسته التي تجاه الجامع الازهر وكان محلها
رباع متخربة فاشتراها من اربابها وهدمها وأمر ببنائها على هذه الصفة وهي على أرنيك
جامع السنانية الكائن بشاطىء النيل ببولاق
فرتب لنقل الاتربة وحمل الجير والرماد والطين عدة كبيرة
من قطارات البغال وكذلك الجمال لشيل الاحجار العظيمة كل حجر واحد على جمل وطحنوا
لها الجبس الحلواني المصيص ورموا أساسها في أوائل شهر الحجة ختام السنة المذكورة
ولما تم عقد قبتها العظيمة وما حولها من القباب المعقودة على اللواوين وبيضوها
ونقشوا داخل القبة بالالوان والاصباغ وعمل لها شبابيك عظيمة كلها من النحاس الاصفر
المصنوع وعمل بظاهرها فسحة مفروشة بالرخام المرمر وبوسطها حنفية وحولها مساكن لمتصوفة
الاتراك وبداخلها عدة كراسي راحة وكذلك بدورها العلوى وباسفل من ذلك ميضاة عظيمة
تمتلىء بالماء من نوفرة بوسطها تصب في صحن
كبير من الرخام المصنوع نقلوه اليها من بعض الاماكن
القديمة ويفيض منه فيملأ الميضاة وحول الميضاة عدة كراسي راحة وأنشأ ساقية لذلك
فحفروها وخرج ماؤها حلوا فعد ذلك ايضا من سعده مع ان جميع الآبار والسواقي التي
بتلك الخطة ماؤها في غاية الملوحة وأنشأ سفل ذلك صهريجا عظيما يملأ في كل سنة من
ماء النيل وحوضا عظيما لسقي الدواب وعمل بأعلى الميضاة ثلاثة أماكن برسم جلوس المفتين
الثلاثة يجلسون بها حصة من النهار لافادة الناس بعد املاء الدروس وقرر فيها الشيخ
أحمد الدردير مفتي المالكية والشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والشيخ حسن
الكفراوي مفتي الشافعية
ولما تم البناء فرشت جميعها بالحصر ومن فوقها الابسطة
الرومي من داخل وخارج حتى فرجات الشبابيك ومساكن الطباق
ولما استقر جلوس المفتين المذكورين بالثلاثة اماكن التي
اعدت لهم أضربهم الرائحة الصاعدة اليهم من المراحيض التي من أسفل واعلموا الامير
بذلك فأمر بابطالها وبنوا خلافها بعيدا عنها وتقرر في خطابتها الشيخ أحمد الراشدى وغالب
المدرسين بالازهر مثل الشيخ علي الصعيدي مدرس البخارى والشيخ أحمد الدردير والشيخ
محمد الامير والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ حسن الكفراوى والشيخ أحمد يونس
والشيخ أحمد السمنودى والشيخ علي الشنويهي والشيخ عبد الله اللبان والشيخ محمد
الحفناوى والشيخ محمد الطحلاوى والشيخ حسن الجداوى والشيخ أبي الحسن القلعي والشيخ
البيلي والشيخ محمد الحريرى والشيخ منصور المنصورى والشيخ أحمد جاد الله والشيخ
محمد المصيلحي ودرسا ليحيى أفندي شيخ الاتراك
وتقرر السيد عباس اماما راتبا بها وفي وظيفة التوقيت
الشيخ محمد الصبان وجعل بهاى خزانة كتب محمد أفندى حافظ وينوب عنه الشيخ محمد الشافعي
الجناحي ورتب للمدرسين الكبار في كل يوم مائة وخمسين
نصفا فضة ولمن دونهم خمسون وكذلك للطلبة منهم من له عشرة
انصاف في كل يوم ومنهم من له أكثر وأقل ويقدر عدد الدراهم أرداب من البر في كل سنة
ولما انتهى أمرها وصلى بها الجمعة في شهر شعبان سنة ثمان
وثمانين حضر الامير المذكور واجتمع المشايخ والطلبة وأرباب الوظائف وصلوا بها
الجمعة وبعد انقضاء الصلاة جلس الشيخ الصعيدي على الكرسي وأملى حديث من بني لله
مسجدا ولو كفحص قطاة بنى الله له بيت في الجنة
فلما انقضى ذلك أحضرت الخلع والفراوى فالبس الشيخ
الصعيدى والشيخ الراشدى الخطيب والمفتين الثلاثة فراوى سمور وباقي المدرسين فراوى
نافا بيضاء وانعم في ذلك اليوم على الخدمة والمؤذنين وفرق عليهم الذهب والبقاشيش
وتنافس الفقهاء والاشياخ والطلبة وتحاسدوا وتفاتنوا ووقف على ذلك امانة قويسنا
وغيرها والحوانيت التي أسفل المدرسة ولم يصرف ذلك الا سنة واحدة فان المترجم سافر
في أوائل سنة تسع وثمانين الى البلاد الشامية كما تقدم ومات هناك ورجعوا برمته
وتآمر اتباعه وتقاسموا البلاد فيما بينهم ومن جملتها امانة قويسنا الموقوفة فبرد
أمر المدرسة وعوضوا عن ذلك الوكالة التي أنشأها علي بك ببولاق لمصرف أجرة الخدمة
وعليق الاثوار بعد ما أضعفوا المعاليم ونقصوها ووزعوا عليهم ذلك الايراد القليل ولم
يزل الحال يتناقص ويضعف حتى بطل منها غالب الوظائف والخدم الى ان بطل التوقيت
والاذان بل والصلاة في أكثر الاوقات وأخلق فرشها وبسطها وعتقت وبليت وسرق بعضها
وأغلق أحد أبوابها المواجه للقبوة الموصل للمشهد الحسيني بل أغلقت جميعها شهورا مع
كون الامراء أصحاب الحل والعقد اتباع الواقف ومماليكه لكن لما فقدت منهم القابلية
واستولى عليهم الطمع والتفاخر والتنافس والتغاضي خوف الفشل وتفرق الكلمة من
الانحراف عن الاوضاع ظهر الخلل في كل شيء حتى في الامور
الموجبة لنظام دولتهم واقامة ناموسهم كما يتضح ذلك فيما
بعد
وبالجملة فان المترجم كان آخر من أدركنا من الامراء
المصريين شهامة وصرامة وسعدا وخرما وعزما وحكما وسماحة وحلما وكان قريبا للخير يحب
العلماء والصلحاء ويميل بطبعه اليهم ويعتقد فيهم ويعظمهم وينصت لكلامهم ويعطيهم العطايا
الجزيلة ويكره المخالفين للدين ولم يشتهر عنه شيء من الموبقات والمحرمات ولا ما
يشينه في دينه أو يخل بمروءته بهي الطلعة جميل الصورة أبيض اللون معتدل القامة
والبدن مسترسل اللحية مهاب الشكل وقورا محتشما قليل الكلام والالتفات ليس بمهدا
ولا خوار ولا عجول مبجلا في ركوبه وجلوسه يباشر الاحكام بنفسه ولولا ما فعله آخرا
من الاسراف في قتل أهل يافا باشارة وزرائه لكانت حسناته أكثر من سيآته
ولم يتفق لامير مثله في كثرة المماليك وظهور شأنهم في
المدة اليسيرة وعظم أمرهم بعده وانحرفت طباعهم عن قبول العدالة ومالوا الى طرق
الجهالة واشتروا المماليك فنشؤا على طرائقهم وزادوا عن سوابقهم وألفوا المظالم وظنوها
مغانم وتمادوا على الجور وتلاحقوا في البغي على الفور الى ان حصل ما حصل ونزل بهم
وبالناس ما نزل
وسيتلى عليك من ذلك أنباء وأخبار وما حل بالاقليم بسببهم
من الخراب والدمار والله تعالى أعلم
سنة تسعين ومائة وألف كان سلطان العصر فيها السلطان عبد
الحميد بن أحمد خان العثماني ووالي مصر الوزير محمد باشا عزت الكبير وأمراؤها
ابراهيم بيك ومراد بيك مملوكا محمد بيك أبي الذهب وخشداشينهما أيوب بيك الكبير
ويوسف بيك أمير الحاج ومصطفى بيك الكبير وأحمد بيك الكلارجي وأيوب بيك الصغير ومحمد
بيك طبل وحسن بيك سوق السلاح وذو الفقار
بيك ولاجين بيك ومصطفى بيك الصغير وعثمان بيك الشرقاوى
وخليل بيك الابراهيمي ومن البيوت القديمة حسن بيك قصبة رضوان ورضوان بيك بلفيا
وابراهيم بيك طبان وعبد الرحمن بيك عثمان الجرجاوى وسليمان بيك الشابورى وبقايا
اختيارية الوجاقات مثل أحمد باشجاويش اآرنؤد واحمد جاويش المجنون واسمعيل أفندى
الخلوتي وسليمان البرديسي وحسن أفندى درب الشمسي وعبد الرحمن أغا مجرم ومحمد أغا
محرم وأحمد كتخدا المعروف بوزير وأحمد كتخدا الفلاح وباقي جماعة الفلاح وابراهيم كتخدا
مناو وغيرهم والامرا والنهي للامراء المحمدية المتقدم ذكرهم وكبيرهم وشيخ البلد
ابراهيم بيك ولا ينفذ أمر بدون اطلاع قسيمة مراد بيك واسمعيل بيك الكبير متنزه
ومنعكف في بيته وقانع بايراده وبلاده ومنزو عن التداخل فيهم من موت سيدهم وعمر
داره التي بالازبكية وأقام بها
وفيها في يوم الخميس سابع شهر صفر وصل الحج الى مصر ودخل
الركب وأمير الحاج يوسف بيك
وفي ليلة الجمعة تاسع صفر وقع حريق بالازبكية وذلك في
نصف الليل بخطة الساكت احترق فيها عدة بيوت عظام وكان شيئا مهولا ثم انها عمرت في
أقرب وقت والذي لم يقدر على العمارة باع أرضه فاشتراها القادر وعمرها فعمر رضوان بيك
بلفيا دارا عظيمة وكذلك الخواجا السيد عمر غراب والسيد أحمد عبد السلام والحاج
محمود محرم بحيث انه لم يأت النيل القابل الا وهي أحسن وأبهج مما كانت عليه
وفيها سقط ربع بسوق الغورية ومات فيه عدة كثيرة من الناس
تحت الردم ثم ان عبد الرحمن أغا مستحفظان اخذ تلك الاماكن من أربابها شراء وأنشأ
الحوانيت والربع علوها والوكالة المعروفة الآن بوكالة الزيت
والبوابة التي يسلك منها من السوق
وفيها حضر جماعة من الهنود ومعهم فيل صغير ذهبوا به الى
قصر العيني وادخلوه بالاسطبل الكبير وهرع الناس للفرجة عليه ووقف الخدم على ابواب القصر
يأخذون من المتفرجين دراهم وكذلك سواسة الهنود جمعوا بسببه دراهم كثيرة وصار الناس
يأتون اليه بالكعك وقصب السكر ويتفرجون على مصه في القصب وتناوله بخرطومه وكان
الهنود بخاطبونه بلسانهم ويفهم كلامهم واذا احضروه بين يدي كبير كلموه فيبرك على
يديه ويشير بالسلام بخرطومه
وفيها في شهر رمضان تعصب مراد بيك وتغير خاطره على
ابراهيم بيك طنان ونفاه الى المحلة الكبيرة وفرق بلاده على من أحب ولم يبق له الا
القليل
وفيها شرع الامير اسمعيل بك في عمل مهم لزواج ابنه وهي
من زوجته هانم بنت سيدهم ابراهيم كتخدا الذي كان تزوجها في سنة أربع وسبعين بالمهم
المذكور في حوادث تلك السنة وكان ذلك المهم في اوائل شهر ذي الحجة وكان قبل هذا
المهم حصل بينه وبين مراد بك منازعة ومخاصمة وسببها ان مراد بك اراد ان يأخذ من اسمعيل
بك السرور وراس الخليج فوقع بينهما مشاحنة ومخاصمة كاد يتولد منها فتنة فسعى في
الصلح بينهما ابراهيم بك فاصطلحا على غل وشرع في اثر ذلك اسمعيل بك في عمل الفرح
فاجتمعوا يوم العقد في وليمة عظيمة ووقف مراد بك وفرق المحارم والمناديل على
الحاضرين وهو يطوف بنفسه على اقدامه وعمل المهم اياما كثيرة ونزل محمد باشا عزت
باستدعاء الى بيت اسمعيل بك وعندما وصل الى حارة قوصول نزل الامراء باسرهم مشاة
على اقدامهم لملاقاته فمشوا جميعا امامه على اقدامهم وبأيديهم المباخر والقماقم
ولم
يزالوا كذلك حتى طلع الى المجلس ووقفوا في خدمته مثل
المماليك حتى انقضى الطعام والشربات وقدموا له الهدايا والتقادم والخيول الكثيرة
المسمومة ولما انقضت ايام الولائم زفوا العروس الى زوجها ابراهيم أغا الذي صنجقه
إسمعيل بك وهو خازنداره ومملوكه ويسمونه قشطة وكانت هذه الزفة من المواكب الجليلة
ومشى فيها الفيل وعليه خلعة جوخ احمر فكان ذلك من النوادر
ومات في هذه السنة الفقية المتفنن العلامة الشيخ احمد بن
محمد ابن محمد السجاعي الشافعي لازهرى ولد بالسجاعية قرب المحلة وقدم الازهر صغيرا
فحضر دروس الشيخ العزيزي والشيخ محمد السجيني والشيخ عبده الديوى والسيد علي
الضرير فقهر ودرس وأفتى وألف وكان ملازما على زيارة قبور الاولياء ويحيي الليالي
بقراءة القرآن مع صلاح وديانة وولاية وجذب وله مع الله حال غريب وهو والد الشيخ الاوحد
احمد الآتي ذكره في تاريخ موته
توفي المترجم رحمه الله تعالى في عصر يوم الاربعاء ثامن
عشرين ذي القعدة
ومات الشيخ الامام الفقية العلامة الشيخ عطية بن عطية
الاجهورى الشافعي البرهاني الضرير ولد بأجهور الورد احدى قرى مصر وقدم مصر فحضر
دروس الشيخ العشماوى والشيخ مصطفى العزيزى وتفقه عليها وعلى غيرهما واتقن في
الاصول وسمع الحديث ومهر في الآلات وأنجب ودرس المنهج والتحرير مرارا وكذا جمع الجوامع
بمسجد الشيخ مطهر وله في أسباب النزول مؤلف حسن في بابه جامع لما تشتت من أبوابه
وحاشية على الجلالين مفيدة وكذلك حاشية على شرح الزرفاني على البيقونية في مصطلح
الحديث وغير ذلك وقد حضر عليه غالب علماء مصر الموجودين واعترفوا بفضله وأنجبوا
ببركته وكان يتأنى في تقريره ويكرر الالقاء مرارا مراعاة للمستملين الذين يكتبون
ما يقوله ولما بنى
المرحوم عبد الرحمن كتخدا هذا الجامع المعروف الآن
بالشيخ مطهر الذي كان أصله مدرسة للحنفية وكانت تعرف بالسيوفيين بنى للمترجم بيتا
بدهليزها وسكن فيه بعياله وأولاده
توفي في أواخر رمضان
ومات الشيخ الفاضل النجيب أحمد بن محمد بن العجمي
الشافعي كان شابا فهيما دراكا ذا حفظ جيد حضر على علماء العصر وحصل المعقول
والمنقول وأدرك جانبا من العلوم والمعارف ودرس وأملي ولو عاش لانتظم في سلك أعاظم
العلماء ولكن اخترمته المنية في يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الآخرة
ومات الشيخ الصالح الورع الناسك أحمد بن نور الدين
المقدسي الحنفي امام جامع قجماس وخطيبه بالدرب الاحمر وهو أخو الشيخ حسن المقدسي
مفتي السادة الحنفية شارك أخاه الشيخ حسنا المذكور في شيوخه واشتغل بالعلم وكان
شيخا وقورا بهى الشكل مقبلا على شأنه منجمعا عن الناس
توفي ليلة الاثنين سادس عشر ربيع الاول
ومات الفقيه الفاضل الشيخ ابراهيم بن خليل الصيحاني
الغزى الحنفي ولد بغزة وبها نشأ وقرأ بعض المتون على فضلاء بلده وورد الجامع
الازهر فحضر الدروس ولازم المرحوم الوالد حسنا الجبرتي وتلقى عنه الفقه وبعض
العلوم الغريبة ثم عاد الى غزة وتولى الافتاء بالمذهب وكان يرسل الى الوالد في كل
سنة جانبا من الموز المر في غلق مقدار عشرين رطلا فنخرج دهنه ونرفعه في الزجاج
لنفع الناس في الدهن ومعالجات بعض الامراض والجروحات ولم يزل على ذلك حتى ارتحل الى
دمشق وتولى أمانة الفتوى بعد الشيخ عبد الشافعي فسار أحسن سير
وتوفي بها في هذه السنة في عشر التسعين رحمه الله
ومات الفقيه الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد بن نصر بن
هيكل
ابن جامع الشنويهي تفقه على جماعة من فضلاء العصر وكان
يحضر درس الحديث في كل جمعة على السيد البليدى ودرس بالازهر وانتفع به الطلبة وكان
مشهورا بمعرفة الفروع الفقهية وكان درسه حافلا جدا وله حظ في كثرة الطلبة وكان الاشياخ
يتضايقون من حلقة درسه فيطردونه من المقصورة فيخرج الى الصحن فتملأ حلقة درسه صحن
الجامع وفي بعض الاحيان ينتقل الى مدرسة السنانية بجماعته وكان يخطب بجامع
الاشرفية بالوراقين وخطبته لطيفة مختصرة وقرأ المنهج مرارا وكان شديد الشكيمة على
نهج السلف الاول لا يعرف التصنع وكان يخبر عن نفسه انه كان كثير الرؤيا للنبي صلى
الله عليه و سلم انه لما تنزل مدرسا في المحمدية من جملة الجماعة انقطع عنه ذلك
وكان يبكي ويتأسف لذلك
توفي في ثامن عشر شعبان وأملى نسبه على الدكة الى سيدنا
علي رضي الله عنه
ومات الامير الكبير الشهير عثمان بك الفقارى باسلامبول
في هذه السنة وكان مدة غربته ببرصا واسلامبول نيفا وأربعا وثلاثين سنة وقد تقدم
ذكره وذكر مبدأ أمره وظهوره وسبب خروجه من مصر ما يغنى عن اعادة بعضه وهو أمر
مشهور والى الآن بين الناس مذكور حتى انهم جعلوا سنة خروجه تاريخا يؤرخون به وفياتهم
ومواليدهم فيقولون ولد فلان سنة خروج عثمان بك ومات فلان بعد خروج عثمان بك بسنة
أو شهر مثلا
ومات الامير عبد الرحمن كتخدا وهو بن حسن جاويش
القازدغلي أستاذ سليمان جاويش أستاذ ابراهيم كتخدا مولى جميع الامراء المصريين
الموجودين الآن
وخبره ومبدأ اقبال الدنيا عليه انه لما مات عثمان كتخدا
القازدغلي واستولى سليمان جاويش الجوخدار على موجوده ولم يعط المترجم الذي هو ابن
سيد أستاذه شيئا ولم يجد من ينصفه في ايصال حقه من طائفة باب الينكجرية حسدا منهم
وميلا لاهوائهم واغراضهم فحنق منهم وخرج من بابهم وانتقل الى وجاق العزب وحلف انه
لا يرجع الى
وجاق الينكجرية ما دام سليمان جاويش الجوخدار حيا وبر في
قسمه فانه لما مات سليمان جاويش ببركة الحاج سنة 1152 كما تقدم بادر سليمان كتخدا الجاويشية
زوج أم عبد الرحمن كتخدا واستأذن عثمان بك في تقليد عبد الرحمن جاويش السردارية
عوضا عن سليمان جاويش لانه وارثه ومولاه وأحضروه ليلا وقلدوه ذلك وأحضر الكاتب والدفاتر
وتسلم مفاتيح الخشخانات والتركة بأجمعها وكان شيئا يجل عن الوصف وكذلك تقاسيط
البلاد ولم تطمع نفس عثمان بك لشيء من ذلك وأخذ المترجم غرضه من باب العزب ورجع
الى باب الينكجرية ونما امره من حينئذ وحج صحبة عثمان بك في سنة خمس وخمسين وأقام
هناك الى سنة احدى وستين فحضر مع الحجاج وتولى كتخدا الوقت سنتين وشرع في بناء
المساجد وعمل الخيرات وابطال المنكرات فأبطل خمامير حارة اليهود فأول عماراته بعد
رجوعه السبيل والكتاب الذي يعلوه بين القصرين وجاء في غاية الظرف وأحسن المباني
وأنشأ جامع المغاربة وعمل عند بابه سبيلا وكتابا وميضاة تفتح بطول النهار وأنشأ
تجاه باب الفتوح مسجدا ظريفا بمنارة وصهريج وكتاب ومدفن السيدة السطوحية وأنشأ
بالقرب من تربة لازبكية سقاية وحوضا لسقي الدواب ويعلوه كتاب وفي الحطابة كذلك
وعند جامع الدشطوطي كذلك وأنشأ وزاد في مقصورة الجامع الازهر مقدار النصف طولا وعرضا
يشتمل على خمسين عامودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتسعة
من الحجر المنحوت وسقف اعلاها بالخشب النفي وبنى به محرابا جديدا ومنبرا وأنشأ له
بابا عظيما جهة حارة كتامة وبنى باعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة أعمدة من
الرخام لتعليم الايتام من أطفال المسلمين القرآن وبداخله رحبة متسعة وصهريج عظيم
وسقاية لشرب العطاش المارين وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وعليه قبة معقودة
وتركيبة من رخام بديعة الصنعة وبها أيضا
رواق مخصوص بمجاورى الصعائدة لطلب العلم يسلك اليه من
تلك الرحبة بدرج يصعد منه الى الرواق وبه مرافق ومنافع ومطبخ ومخادع وخزائن كتب
وبنى بجانب ذلك الباب منارة وأنشأ بابا آخر جهة مطبخ الجامع وعليه منارة ايضا
وبنى المدرسة الطيبرسية وأنشأها نشوأ جديدا وجعلها مع
مدرسة الآقبغاوية المقابلة لها من داخل الباب الكبير الذى أنشأه خارجهما جهة القبو
الموصل للمشهد الحسيني وخان الجراكسة وهو عبارة عن بابين عظيمين كل باب بمصراعين
وعلى يمينهما منارة وفوقه مكتب ايضا وبداخله على يمين السالك بظاهر الطيبرسية
ميضاة وأنشأ لها ساقية لخصوص اجراء الماء اليها وبداخل باب الميضاة درج يصعد منه
للمنارة ورواق البغداديين والهنود فجاء هذا الباب وما بداخله من الطيبرسية
والآقبغاوية والاورقة من أحسن المباني في العظم والوجاهة والفخامة وعمل عند باب
القبة الصهريج والمقصورة الكبيرة التي بها ضريح شيخ الاسلام زكريا الانصاري فيما
بين المسجد ودهليز القبة وفرش طريق القبة بالرخام الملون يسلك اليه الدهليز طويل
متسع وعليه بوابة كبيرة من داخل الدهليز البراني وعلى لدهليز البرااني من كلتا
الجهتين بوابتان
وعمر أيضا المشهد النفيسي ومسجده وبنى الصهريج على هذه
الهيئة الموجودة وجعل لزيارة النساء طريقا بخلاف طريق الرجال
وبنى أيضا مشهد السيدة زينب بقناطر السباع ومشهد السيدة
سكينة بخط الخليفة والمشهد المعروف بالسيدة عائشة بالقرب من باب القرافة والسيدة
فاطمة والسيدة رقية والجامع والرباط بحارة عابدين وكذلك مشهد أبي السعود الجارحي على
الصفة التي هو عليها الآن ومسجد شرف الدين الكردى بالحسينية
ومسجدا بخط الموسكى وبنى للشيخ الحفني دارا بجوار ذلك
المسجد وينفذ اليه من داخل
وعمر المدرسة السيوفية المعروفة بالشيخ مطهر بخطبات
الزهومة وبنى
لوالدته بها مدفنا
وأنشأ خارج باب القرافة حوضا وسقاية وصهريجا وجدد
المارستان المنصورى وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التي كانت بأعلى
الفسحة من خارج ولم يعد عمارتهما بل سقف قبة المدفن فقط وترك الاخرى مكشوفة ورتب
له خيرات وأخبازا زيادة على البقايا القديمة ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد ان يحتاط
بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا دفترا وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل خزانة
المكتب فاحترقت بما فيها من كتب العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر ووقفه
يشتمل على وقف الملك المنصور قلاون الكبير الاصلي ووقف ولده الملك الناصر محمد
ووقف بن الناصر أبي الفدا اسمعيل بل وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم أنه
وجد دفترا من دفاتر الشطب المستجدة عند بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش
فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة
وللمترجم عمائر كثيرة وقناطر وجسور في بلاد الارياف
وبلاد الحجاز حين كان مجاورا هناك
وبنى القناطر بطندتا في الطريق الموصلة الى محلة مرحوم
والقنطرة الجديدة الموصلة الى حارة عابدين من ناحية الخلوتي على الخليج وقنطرة
بناحية الموسكى ورتب للعميان الفقراء الاكسية الصوف المسماة بالزعابيط فيفرق عليهم
جملة كثيرة من ذلك عند دخول الشتاء في كل سنة فيأتون الى داره أفواجا في أيام
معلومة ويعودون مسرورين بتلك الكساوى وكذلك المؤذنون يفرق عليهم جملة من الاجرامات
الطولونية يرتدون بها وقت التسبيح في ليالي الشتاء وكذلك يفرق جملة من الحبر
المحلاوى والبر الصعيدى والملايات والاخفاف والبوابيج القيصرلي على النساء
الفقيرات والارامل ويخرج عند بيته في ليالي رمضان وقت الافطار عدة من القصاع
الكبار المملوءة بالثريد المسقي بمرق اللحم والسمن للفقراء المجتمعين ويفرق عليهم
النقيب هبر اللحم النضيج فيعطى لكل فقير جعله وحصته في يده
وعندما يفرغون من الاكل يعطى لكل واحد منهم رغيفين ونصفي
فضة برسم سحوره الى غير ذلك
ومن عمائره القصر الكبير المعروف به بشاطىء النيل فيما
بين بولاق ومصر القديمة وكان قصرا عظيما من الابنية الملوكية وقد هدم في سنة 1205
بيد الشيخ علي بن حسن مباشرا لوقف وبيعت أنقاضه وأخشابه ومات المباشر المذكور بعد
ذلك بنحو ثلاثة أشهر
ومن عمائره أيضا دار سكنه بحارة عابدين وكانت من الدور
العظيمة المحكمة الوضع والاتقان لا يماثلها دار بمصر في حسنها وزخرفة مجالسها وما
بها من النقوش والرخام والقيشاني والذهب المموه واللازورد وأنواع الاصباغ وبديع
الصنعة والتأنق والبهجة وغرس بها بستانا بديعا بداخله قاعة متسعة مربعة الاركان
بوسطها فسقية مفروشة بالرخام البديع الصنعة وأركانها مركبة على أعمدة من الرخام الابيض
وغير ذلك من العمارات حتى اشتهر ذكره بذلك وسمى بصاحب الخيرات والعمائر في مصر
والشام والروم وعدة المساجد التي أنشأها وجددها وأقيمت فيها الخطبة والجمعة
والجماعة ثمانية عشر مسجدا وذلك خلاف الزوايا والاسبلة والسقايات والمكاتب
والاحواض والقناطر والمربوط للنساء الفقيرات والمنقطعات
وكان له في هندسة الابنية وحسن وضع العمائر ملكة يقتدر
بها على ما يروعه من الوضع من غير مباشرة ولا مشاهدة
ولو لم يكن له من المآثر الا ما أنشأ بالجامع الازهر من
الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك وأيضا المشهد الحسيني
ومسجده والزيني والنفيسي وضم لوقفه ثلاث قرى من بلاد الارز بناحية رشيد وهي تفينة
وديبي وحصة كتامة وجعل ايرادها وما يتحصل من غلة أرزها لمصارف الخيرات وطعام الفقراء
والمنقطعين وزاد في طعام المجاورين بالازهر ومطبخهم الهريسة في يومي الاثنين
والخميس وقد تعطل غالب ذلك في هذا التاريخ الذى نحن فيه لغاية سنة 1220 بسبب
استيلاء الخراب وتوالي المحن وتعطل الاسباب
ولم يزل
هذا شأنه الى ان استفحل أمر علي بك وأخرجه منفيا الى
الحجاز وذلك في أوائل شهر القعدة 1178 فأقام بالحجاز اثنتي عشرة سنة فلما سافر
يوسف بك أميرا بالحاج في السنة الماضية صمم على احضاره صحبته الى مصر فأحضره في
تختروان وذلك في سابع شهر صفر سنة 1190 وقد استولى عليه العي والهرم وكرب الغربة فدخل
الى بيته مريضا فأقام احد عشر يوما ومات فغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته في مشهد
حافل حضره العلماء والامراء والتجار ومؤذنو المساجد وأولاد المكاتب التي أنشأها
ورتب لهم فيها الكساوى والمعاليم في كل سنة وصلوا عليه بالازهر ودفن بمدفنه الذى
أعده لنفسه بالازهر عند الباب القبلي
ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومن مساويه قبول الرشا والتحيل على مصادرة بعض الاغنياء
في اموالهم واقتدى به في ذلك غيره حتى صارت سنة مقررة وطريقة مسلوكة ليست منكرة
وكذلك المصالحة على تركات الاغنياء التي لها وارث ومن سيآته العظيمة التي طار شررها
وتضاعف ضررها وعم الاقليم خرابها وتعدى إلى جميع الدنيا هبابها معاضدته لعلي بك
ليقوى به على أرباب الرئاسة فلم يزل يلقي بينهم الفتن ويغرى بعضهم على بعض ويسلط
عليهم علي بك المذكور حتى أضعف شوكات الاقوياء وأكد العداوة بين الاصفياء واشتد
ساعد علي بك فعند ذلك التفت اليه وكلب بنابه عليه واخرجه من مصر وأبعده عن وطنه
فلم يجد عند ذلك من يدافع عنه وأقام هذه المدة في مكة غريبا وحيدا وأخرج أيضا في
اليوم الذي أخرجه فيه نيفا وعشرين اميرا من الاختيارية كما تقدم
فعند ذلك خلا لعلي بك وخشداشينه الجو فماضوا وأفرخوا
وامتد شرهم الى الآن الذي نحن فيه كما سيتلى عليك بعضه فهو الذي كان السبب بتقدير
الله تعالى في ظهور أمرهم فلو لم يكن له من المساوىء الا هذه لكفاه ولما رجع من
الحجاز متمرضا ذهب اليه ابراهيم بك ومراد بك وباقي خشداشينهم
ليعودوه ولم يكن رآهم قبل ذلك فكان من وصيته لهم كونوا
مع بعضكم واضبطوا أمركم ولا تداخلوا الاعادى بينكم
وهذا بدل عن قوله أوصيكم بتقوى الله تعالى وتجنبوا الظلم
وافعلوا الخير فان الدنيا زائلة وانظروا حالي ومالي أو نحو ذلك هكذا أخبرني من كان
حاضرا في ذلك الوقت وكان سليط اللسان ويتصنع الحماقة فغفر الله لنا وله رأيته مرة وانا
اذ ذاك في سن التمييز قبل ان ينفي الى الحجاز وهو ماش في جنازة مربوع القامة أبيض
اللون مسترسل اللحية ويغلب عليها البياض مترفها في ملبسه معجبا بنفسه يشار اليه
بالبنان
(
سنة احدى وتسعين ومائة وألف )
فيها في أوائل شهر ربيع الاول ورد أغا من الديار الرومية
بطلب عساكر لسفر العجم فأجتمع الامراء وتشاوروا في ذلك فاتفق رأيهم على احضار
ابراهيم بك طنان فأحضروه من المحلة وقلدوه امارة ذلك
وفيها في أوائل شهر جمادى الاولى وقعت حادثة في طائفة
المغاربة المجاورين بالجامع الازهر وذلك انه آل اليهم مكان موقوف وحجد واضع اليد
ذلك والتجأ الى بعض الامراء وكتبوا فتوى في شأن ذلك واختلفوا في ثبوت الوقف
بالاشاعة ثم أقاموا الدعاوى في المحكمة وثبت الحق للمغاربة ووقع بينهم منازعات
وعزلوا شيخهم وولوا آخر وكان المندفع في الخصومة واللسانة شيخا منهم يسمى الشيخ
عباس والامير الملتجىء اليه الخصم يوسف بك فلما ترافعوا وظهر الحق على خلاف غرض
الامير حنق لذلك ونسبهم الى ارتكاب الباطل فأرسل من طرفه من يقبض على الشيخ عباس
المذكور من بين المجاورين فطردوا المعينين وشتموهم وأخبروا الشيخ أحمد الدردير
فكتب مراسلة الى يوسف بك تتضمن عدم تعرضه لاهل العلم ومعاندة الحكم الشرعي
وأرسلها صحبة الشيخ عبد الرحمن الفرنوى وآخرين فعندما
وصلوا اليه وأعطوه التذكرة نهرهم وأمر بالقبض عليهم وسجنهم بالحبس
ووصل الخبر الى الشيخ الدردير وأهل الجامع فأجتمعوا في
صبحها وأبطلوا الدروس والاذان والصلوات وقفلوا أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة
القديمة وطلع الصغار على المنارات يكثرون الصياح والدعاء على الامراء
وأغلق أهل الاسواق القريبة الحوانيت وبلغ الامراء ذلك
فأرسلوا الى يوسف بك فأطلق المسجونين وأرسل ابراهيم بك من طرفه ابراهيم أغابيت
المال فلم يأخذ جوابا وحضر الاغا الى الغورية ونزل هناك ونادى بالامان وأمر بفتح
الحوانيت فبلغ مجاورى المغاربة ذلك فذهب اليه طائفة منهم وتبعهم بعض العوام
وبأيديهم العصي والمسلوق وضربوا اتباع الآغا ورجموه بالاحجار فركب عليهم وأشهر
فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل من مجاورى المغاربة ثلاثة انفار وانجرح منهم كذلك ومن
العامة
وذهب الأنما ورجع الفريق الآخر وبقي المهرج الى ثاني يوم
فحضر اسمعيل بك والشيخ السادات وعلي أغا كتخدا الجاويشية وحسن أغا اغات المتفرقة
والترجمان وحسن أفندي كاتب حوالة وغيرهم فنزلوا الاشرفية وأرسلوا الى أهل الجامع
تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب
وكان ذلك عند الغروب فلم يرضوا بمجرد الوعد وطلبوا
الجامكية والجراية فركبوا ورجعوا وأصبح يوم الأربعاء والحال على ما هو عليه
وإسمعيل بك مظهر الإهتمام لنصرة أهل الازهر فحضر مع الشيخ السادات وجلسوا بالجامع
المؤيدى وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ ابراهيم السندوبي ملخصها ان اسمعيل بك
تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقضاء حوايجهم وقبول فتواهم وصرف جماكيهم وجراياتهم وذلك
بضمان الشيخ السادات له فلما حضر الشيخ ابراهيم بالتذكرة وقرأها الشيخ عبد الرحمن العريشي
جهارا وهو
قائم على أقدامه
فلما سمعوها أكثروا من الهرج واللغط وترددت الارساليات
والذهاب والمجيء بطول النهار ثم اصطلحوا وفتحوا الجامع في آخر النهار وأرسلوا لهم
في يوم الخميس جانبا من دراهم الجامكية
ومن جملة ما اشترطوه في الصلح عدم مرور الاغا والوالي
والمحتسب من حارة الازهر وغير ذلك شروط لم ينفذ منها شيء
وعمل ابراهيم بك ناظرا على الجامع عوضا عن الاغا وأرسل
من طرفه جنديا للمطبخ وسكن الاضطراب
وبعد مضي أربعة من هذه الحادثة مر الاغا وبعده الوالي
كذلك فارسل المشايخ الى ابراهيم بك يخبروه فقال ان الطريق يمر بها البر والفاجر
ولا يستغني الحكام عن المرور
وفي أوائله أيضا أحضر مراد بك شخصا يقال له سليمان كاشف
من أتباع يوسف بك وضربه علقة بالنبابيت لسبب من الاسباب فحقدها عليه يوسف بك
واستوحش من طرفه
وفي ثاني عشر جمادى الثانية قبض الاغا على انسان شريف من
أولاد البلد يسمى حسن المدابغي وضربه حتى مات وسبب ذلك أنه كان في جملة من خرج على
الاغا بالغورية يوم فتنة الجامع وكان انسانا لا بأس به
وفي ليلة الجمعة رابع عشر جامدى الثانية خرج اسمعيل بك
جهة العادلية مغضبا وسبب ذلك ان مراد بك زاد في العسف والتعدى خصوصا في طرف اسمعيل
بك وابراهيم بك يسعى بينهما في الصلح واجتمعوا في آخر مجلس عند ابراهيم بك فتكلم اسمعيل
بك كلاما مفحما وقال انا تارك لكم مصر وامارتها وجاعلكم مثل أولادى ولا أريد الا
المعيشة وراحة السر وأنتم لا تراعون لي حقا وأمثال ذلك من الكلام
فحضر في هذه الايام الى اسمعيل بك مركب غلال فأرسل مراد
بك وأخذ ما فيها وعلم ان اسمعيل بك يغتاظ لذلك ثم اتفق مع بعض اغراضه انهم يركبون
من الغد الى اسمعيل بك ويدخلون عليه في بيته ويقتلونه فعلم اسمعيل
بك بذلك فركب في الصباح وخرج الى العادلية بعد أن عزل بيته
وحريمه ليلا وجلس بالاشبكية وركب مراد بك ذاهبا الى اسمعيل بك فوجده قد خرج الى
الاشبكية وكان ابراهيم بك طلع الى قصر العيني فذهب الى مراد بك ولما أشيع خروج
اسمعيل بك ركب يوسف بك وخرج اليه وتبعه محمد بك طبل وحسن بك وابراهيم بك طنان وذو
الفقار بك وغيرهم
ووصل الخبر الى ابراهيم بك ومراد بك ومن انضم اليهم
فركبوا وحضروا الى القلعة وملكوا الابواب وامتلأت الرميلة والميدان بعساكرهم
وصحبتهم أحمد بك الكلارجي ولاجين بك وأيوب بك ورضوان بك وخليل بك ومصطفى بك
واضطربت المدينة وأغلق الناس الدكاكين واستمروا على ذلك يوم السبت ويوم الاحد ويوم
الاثنين ويوم الثلاثاء وتسحب من أهل القلعة جماعة خرجوا الى اسمعيل بك ويوسف بك
ومن معهما وهم اسمعيل اغا أخو علي بك الغزاوى وأخوه سليم أغا وعبد الرحمن اغا اغات
الينكجرية سابقا فأرسل اهل القلعة ابراهيم اغا الوالي فجلس بباب النصر واغلق الباب
ونزل الباشا الى باب العزب
فحضر قاسم كتخدا عزبان أمين البحرين وعبد الرحمن أغا
وصحبتهم جماعة الى باب النصر وفتحوا الباب وطردوا الوالي وذلك في يوم الاثنين
وملكوا باب النصر فأرسلوا اليهم طائفة من عسكر المغاربة فضربوا عليهم بالرصاص وحمل
عليهم الآخرون فشتتوهم ورجعوا الى خلف وقتل من المغاربة انفارا وانجرح منهم كذلك
وانتشر البرانيون حوالي جهات مصر وذهب منهم طائفة الى جهة بولاق وفيهم محمد بك طبل
فوجدوا طائفة من الكشاف والاجناد حضروا الى بولاق لاجل العليق والتبن فوقعت بينهم
وقعة فأنهزموا الى قصر عبد الرحمن كتخدا وأخذ اولئك العليق والتبن وطلع منهم طائفة
الى الجبل واشتد الحال وعظمت الفتنة فأراد الباشا اجراء الصلح فأرسل أيوب أغا ورجع
بجواب عدم رضاهم بالصلح ثم ارسل اليهم أحمد
جاويش المجنون فذهب ولم يرجع والتف عليهم فأرسل الباشا
ولده وكتخداه سعيد بك مرارا
ثم دخل في يوم الاربعاء عبد الرحمن أغا من باب النصر وشق
من وسط المدينة وامامه المنادى ينادى على الناس برفع بضائعهم من الحوانيت فرفع
الناس بواقي بضائعهم من الدكاكين ولم يزل سائرا حتى وصل الى باب زويلة ونزل بجامع المؤيد
وجلس به مقدار ساعتين ورتب عسكرا هناك على السقائف والاسبلة ثم ركب راجعا وعاد
وصحبته ابراهيم بك الطناني ومعهم عدة اجناد وعساكر وخرجوا من باب زويلة الى الدرب
الاحمر الى جامع المرداني فجلسوا عنده الى بعد الظهر ثم زحفوا الى التبانة الى قرب
المحجر وعملوا هناك متاريس ورتبوا بها جماعة وكذلك ناحية سويقة العزى فنزل اليهم
جماعة من القلعة وتراموا بالرصاص وقطعوا الطرق على من بالقلعة إلى بعد العصر فنزل
اليهم خيالة مدرعين فحمل عليهم عسكر المغاربة فوقع منهم أربعة خيالة وانجرح لاجين
بك فحملوه الى بيته في شنف وقتل أنفار من عسكر المغاربة وولى القلعاوية الى جهة
القلعة وبعد الغروب انفصل عنهم عسكر المغاربة ونكسوا أعلامهم وحضروا عند أجناسهم والتفوا
عليهم ولاحت لوائح الخذلان على من بالقلعة ودخل عليهم الليل وانكف الفريقان
وأصبح يوم الخميس فدخل الكثير من البرانيين الى المدينة
شيئا فشيئا وربطوا في جميع الجهات حتى انحصروا بالقلعة وأخذوا ينقبون عليهم فلما
شاهدوا الغلب فيهم نزلوا من باب الميدان وذهبوا جهة البساتين الى الصعيد فتخلف
عنهم أحمد بك الكلارجي وأيوب بك وابراهيم بك أوده باشه ولاجين بك مجروح وخرج
المتخلفون الى اسمعيل بك ويوسف بك وطلبوا منهما الامان وانضموا اليهم
وعندما أشيع نزول ابراهيم بك ومراد بك من القلعة هجم المرابطون
بالمحجر وسوق السلاح على الرميلة ونهبوا خيامهم وعازقهم الذى بها وبالميدان حتى
جمال الباشا وخيول الدلاة
وذلك يوم الخميس قبل العصر بنصف ساعة فدخل اسمعيل بك
ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر وتوجهوا الى بيوتهم وأصبح يوم
الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالامان والبيع والشراء وراق الحال
ولما كان يوم الاحد ثاني عشرين جمادى الثانية طلعوا الى
الديوان فخلع الباشا على اسمعيل بك ويوسف بك خلعتي سمور واستقر اسمعيل بك شيخ
البلد ومدبر الدولة وقلدوا حسن بك الجداوى صنجقا كما كان وكانت الصنجقية مرفوعة
عنه من موت سيده علي بك وكذلك رضوان بك قرابة علي بك قلدوه صنجقية وقلدوا اسمعيل
أغا أخا علي بك الغزاوى صنجقية أيضا وسكن ببيت إبراهيم بك الكبير وقلدوا سليمان
كاشف من اتباع يوسف بك وهو الذى كان ضربه علقة مراد بك بالنبوت كما تقدم صنجقية
ولقبه الناس أبا نبوت وقلدوا أيضا سليم كاشف من اتباع اسمعيل بك صنجقية وقلدوا عبد
الرحمن أغا أغاوية مستحفظان كما كان ومحمد كاشف والى الشرطة
وفي عشية ذلك اليوم انزلوا سليمان أغا مستحفظان الى
بولاق وانزلوه في مكرب منفيا الى دمياط بعدما صودر في نحو اربعين ألف ريال
وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه انزلوا ايضا سليمان كتخدا
مستحفظان وعثمان كتخدا باش اختيار مستحفظان المعروف يأبي مساوق والامير عبد الله
أغا وانزلوهم الى المراكب ثم حصل عنهم العفو فردوهم الى بيوتهم
وفي ذلك اليوم طلعوا الى الديوان فقلدوا ذا الفقار بك
دفتردار عوضا عن رضوان بك بلفيا وذلك باشارة يوسف بك لكونه كان مع مراد بك
وابراهيم بك حتى انه اراد أن يسلب نعمته فمنعه عنه اسمعيل بك
وفي يوم الاربعاء ثاني شهر رجب حضر عند يوسف بك حسن بك
الجداوى وصحبته اسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى
وسليم بك الاسماعيلي وعبد الرحمن بك العلوى فجلسوا معه ساعة لطيفة بالمقعد المطل
على البركة فجلس حسن بك امامه وكان جالسا على الدكة المرتفعة عن المرتبة وجلس تحت
شماله على المرتبة اسمعيل بك الصغير وسليم بك وعبد الرحمن بك استمر واقفا وحادثوه
في شىء وتناجوا مع بعضهم وتأخر عنهم الواقفون من المماليك والاجناد فسحب عبد
الرحمن بك النمشاة وضرب بها يوسف بك فأراد ان يهم قائما فداس على ملوطة اسمعيل بك
فوقع على ظهره فنزلوا عليه بالسيوف وضربوا في وجوه الواقفين طلق بارود فهربوا الى
خلف الضاربون من القيطون وركبوا وذهبوا الى اسمعيل بك فركب في تلك الساعة وطلع الى
القلعة وأرسل اسمعيل كتخدا عزبان الى الباشا وكان بقصر العيني بقصد التنزه فركب من
هناك وطلع الى القلعة وجلس بباب العزب صحبة اسمعيل بك فلما بلغ الامراء الذين هم
خشداشين يوسف بك ركبوا وخرجوا من المدينة وذهبوا الى قبلي وهم احمد بك الكلارجي
وذو الفقار بك ورضوان بك الجرجاوى فركب خلفهم طائفة فلم يدركوهم وارسلوا الى محمد
بك طبل فكرنك في بيته ونصب له مدافع وابى من الخروج لانه صار من المذبذبين
فلما وقع منه ذلك ذهب اليه حسن بك سوق السلاح وأخذه
بالامان الى اسمعيل بك بعدما نزل الى بيته فأمره ان يأخذه عنده في بيته فلما اصبح استأذنه
في زيارة الامام الشافعي فأذن له فركب الى جهة القرافة وذهب الى جهة الصعيد
وانقضت الفتنة ودفن يوسف بك
وفي يوم الخميس طلعوا الى الديوان فخلع الباشا على
اسمعيل بك الكبير فروة سمور وأقره على مشيخة البلد وقلدوا حسن بك قصبة رضوان امارة
الحج عوضا عن يوسف بك وقلدوا عبد الرحمن بك العلوى صنجقا كما كان وقلدوا ابراهيم
أغا خازندار واسمعيل بك الذى زوجه ابنته
صنجقية وتلقب بابراهيم بك قشطة وسكن ببيت محمد بك وقلدوا
حسين أغا خازندار اسمعيل بك سابقا صنجقية أيضا وسكن ببيت أحمد بك الكلارجي وقلدوا
كاشفين أيضا لاسمعيل بك يسمى كل واحد منهما بعثمان صنجقين وسكن أحدهما ببيت مصطفى
بك الذى كان سكن محمد بك طبل وهو على بركة الفيل حيث جامع أزبك اليوسفي وهو الذى
يسمى بعثمان بك طبل وعثمان الثاني وهو الذي لقب بقفا الثور وسكن ببيت ذى الفقار
المقابل لبيت بلفيا وقلدوا علي أغا جوخدار اسمعيل بك صنجقية أيضا وسكن ببيت مراد
بك عند الكبش وهو ببيت صالح بك الكبير وكان يسكنه سليمان بك أبو نبوت اليوسفي
وأما بيت يوسف بك فسكن به سليم بك وقلدوا يوسف آغا من
اتباع إسمعيل بك واليا ونفوا أيوب بك وسليمان بك الى المنصورة
وفي صبحها يوم الجمعة رابع شهر رجب الفرد الموافق لرابع
مسرى القبطي نودى بوفاء النيل ونزل الباشا صبح يوم السبت وكسر السد على العادة
وجرى الماء في الخليج وعاد الباشا الى القلعة
وفي سابعة اتفقوا على ارسال تجريدة الى الصعيد وسر
عسكرها إسمعيل بك الصغير وعينوا للتوجه صحبته حسن بك الجداوي وابراهيم بك الطناني
وسليم بك الطناني وسليم بك الاسمعيلي وابراهيم بك أوده باشا وحسن بك الشرقاوى
المعروف بسوق السلاح وقاسم كتخدا عزبان وعلي أغا المعمار وكان غائبا بالمنية فلما
قبل الجماعة تخلص وترك أحواله وغلامه وحضر الى مصر وصحبته طائفة من الهوارة والعربان
فلما حضر أرادوا أن يقلدوه صنجقية فأمتنع من ذلك وشرعوا في تشهيل التجريدة وطلبوا
طلبا عظيما وصرف الباشا ألف كيس من الخزينة لنفقة العسكر وخلعوا على الهوارة
ومشايخ العربان ووعدوهم بالخير
وفيه جاءت الاخبار بان علي بك السروجي ساق خلف محمد بك
طبل فلحقه عند مكان تجاه
البدرشين واحتاط به العربان وقتلوا مماليكه وشرد من نجا
منهم وتفرق ونهبوا ما معه وعروه وسلموه لكاشف هناك من اتباع اسمعيل بك فوقع في
عرضه وعرض مشايخ البلد فألبسوه حوائج وهربوه وصحبته اثنان من الاجناد فلما حضر علي
بك السروجي أخبره العرب بما حصل فأخذ ذلك الكاشف وحضر صحبته الى اسمعيل بك فضرب
الكاشف عقلة ونفاه
وفيه ورد الخبر أيضا عن ذي الفقار بك بان العرب عروه
أيضا فهرب فلحقوه وأرادوا قتله فألقى نفسه في البحر بفرسه وغرق ومات
وفي يوم الاثنين رابع عشر رجب برزت عساكر التجريدة الى
جهة البساتين
وفي يوم الخميس خرج أيضا غالب الامراء وبرزوا خيامهم
وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب سافرت التجريدة برا وبحرا
وفي يوم السبت سادس عشرين رجب وصلت الاخبار بان التجريدة
تلاقت مع الامراء القبالي ووقع بينهم معركة قوية فكانت الهزيمة على التجرية
فلما وصلت هذه الاخبار اضطرب إسمعيل بك وتخبل غزله وكذلك
أمراؤه ودخل في يومها الاجناد مشتتين مهزومين وكانت الوقعة يوم الجمعة في بياضة من
أعمال الشرق فكبسوهم على حين غفلة وقت الفجر فركب علي أغا المعمار وقاسم كتخدا
عزبان وابراهيم بك طنان فحاربوا جهدهم فأصيب علي اغا وقاسم كتخدا ووقعت خيولهما وذلك
بعد أن ساق علي أغا وصحبته رضوان اغا طنان وقصد مراد بك وضربه رضوان في وجهه
بالسيف فلمحه خليل بك كوسه الابراهيمي وضرب علي أغا بالقرابينة فأصابته في عنقه
ووقع فرسه وسقط ميتا
فلما قتل هذان الاميران ولي ابراهيم بك طنان فأنهزم بقية
الامراء لانه لم يكن فيهم أشجع من هؤلاء الثلاثة وباقيهم ليس له دربة في الحرب وسر
عسكر مقصوب
ومريض واحتاط الامراء القبليون بخيامهم وحملاتهم
ومراكبهم بما فيها وكانت نيفا وخمسمائة مركب وكان كبير العسكر في قنجة صغيرة فلما
عاين الكسرة أسرع في الانحدار وكذلك بعض الامراء انحدروا معه وباقيهم وصلوا في
البر على هيئة شنيعة وكان اسمعيل بك بمصر القديمة ينتظر امراء التجريدة
فلما حصل ذلك نزل الباشا في يوم الاحد وخرج الى الآثار
وجلس مع الصنجق ونادوا بالنفير العام فخرج القاضي والمشايخ والتجار وأرباب الصنائع
والمغاربة وأهل الحارات والعصب وغلقت الاسواق
وخرج الناس في يوم الاثنين حتى ملأوا الفضاء فلما عاين ذلك
اسمعيل بك وعلم انهم يحتاجون الى مصروف ومأكل وأكثرهم فقراء وذلك غاية لا تدرك
أشار على تجار المغاربة والالضاشات بالمكث ورجع بقية العامة وأرباب الحرف ومشايخ
الاشاير والفقراء من اهل الزوايا والبيوت ووصل القبليون الى حلوان وطمعوا في أخذ
مصر بعد الكسرة قبل الاستعداد ثانيا
وفي يوم الاثنين أرسل اسمعيل بك عدة من الاجناد وأصحبهم
عسكر المغاربة ومعهم الجبخانة والمدافع فنصبوا المتاريس ما بين التبين وحلوان تجاه
الاخصام وركب في ليلتها اسمعيل بك وامراؤه وأجناده وأحضر الباشا قليون رومي من
دمياط ورئيسه يسمى حسن الغاوى مشهور بمعرفة الحرب في البحر يشتمل ذلك القليون على خمسة
وعشرين مدفعا فأقلع به ليلا تجاه العسكر وارتفع حتى تجاوز مراكبهم وضرب بالمدافع
على وطاقهم في البر وعلى مراكبهم في البحر وساق جميع المراكب بما فيها ووقع المصاف
واشتد الجلاد بين الفريقين فكان بينهم وقعة قوية وقتل فيها من أولئك رضوان بك
الجرجاوى وخليل بك كوسه الابراهيمي وخازنداره وكشاف وأجناد ووقعت على القبالي
الهزيمة ولم يظهر مراد بك في هذه المعركة بسبب جراحته
ثم هجموا على وطاقهم وخيامهم ونهبوها ونزل محمد بك طبل
بفرسه الى البحر وغرق ومات
ورجع ابراهيم بك ومراد
بك وهو مجروح ومصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وأتباعهم
وذهبوا الى قبلى وساقوا خلفهم فلم يدركوهم
ودخل اسمعيل بك والامراء والاجناد والعسكر الى مصر
منصورين مؤيدين وكانت هذه النصرة بخلاف المظنون وكان رجوعهم يوم الاربعاء غرة شهر
شعبان
وفي ليلة السبت رابع شعبان حضر كاشف وصحبته جملة من
المماليك وكان هذا الكاشف مأسورا عند القبالي فلما انهزموا أذنوا له بالرجوع الى
بيته وانضم اليه عدة مماليك ماتت أسيادهم فلما حضروا عند اسمعيل بك فرقهم على
الامراء
وفي سابعه أحضروا رمة علي أغا المعمار الى بيته فغسلوه
وكفنوه وصلوا عليه في مشهد حافل ودفنوه بالقرافة
وفيه تقلد حسن بك الجداوى ولاية جرجا وجاءت الاخبار بان
القبليين استقروا بشرق أولاد يحيى
وفي آخر شعبان سافر حسن بك الجداوى الى جرجا وصحبته كشاف
الولايات وحكام الاقاليم فضج لنزولهم ساحل البحر بسبب أخذهم المراكب
وفي منتصف شهر رمضان ولدت امرأة مولودا يشبه خلقة الفيل
مثل وجهه وآذانه وله نابان خارجان من فمه وأبوه رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل
وكانت في أشهر وحامها نقلت شبهه في ولدها وأخذه الناس يتفرجون عليه في البيوت والازقة
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان ركب أمراء اسمعيل
بك وصناجقه وعساكره في آخر الليل واحتاطوا ببيت اسمعيل بك الصغير أخي علي بك الغزاوى
فركب في مماليكه وخاصته وخرج من البيت فوجدوا الطرق كلها مسدودة بالعسكر والاجناد
فدخل من عطفة الفرن يريد الفرار وخرج على جهة قنطرة عمر شاه فوجد العسكر والاجناد
أمامه وخلفه
فصار يقاتلهم ويتخلص منهم من عطفة الى عطفة حتى وصل الى
عطفة البيدق وأصيب بسيف على عاتقه وسقطت عمامته وصار مكشوف الرأس الى أن وصل الى
تجاه درب عبد الحق بالازبكية فلاقاه عثمان بك أحد صناجق اسمعيل بك فرده وسقط
واحتاطوا به فنزل على دكان في أسوأ حال مكشوف الرأس والدم خارج من كركه فعصبوا
رأسه بعمامة رجل جمال وأخذه عثمان بك الى بيته وتركه وذهب الى سيدة فأخبره فخلع
عليه فروة وفرسا مرختا وأرسلوا اليه الوالي فخنقه ووضعوه في تابوت وأرسلوه الى
بيته الصغير فبات به ميتا وأخرجوه في صبحها في مشهد ودفنوه
وكان اسمعيل بك قد استوحش منه وظهر عليه في أحكامه
وأوامره وكلما أبرم شيئا عارضه فيه
وازدحم الناس على بيته وأقبلت اليه أرباب الخصومات
والدعاوى وصار له عزوة كبيرة وانضم اليه كشاف واختيارية وحدثته نفسه بالانفراد
وتخيل منه اسمعيل بك فتركه وما يفعله واظهر انه مرمود في عينيه وانقطع بالحريم من
اول شهر رمضان ثم سافر في اواخره في النيل لزيارة سيدى احمد البدوى ثم رجع وبيت مع
اتباعه ومن يثق به وقاموا عليه وقتلوه كما ذكر
ولما انقضى امره شرع اسمعيل بك في ابعاد ونفي من كان
يلوذ به وينتمي اليه فأنزلوا ابراهيم بك بلفيا ومحمد اغا الترجمان وعلي كتخدا
الفلاح وبعض كشاف الى بولاق وأراد قتل اخيه سليم آغا المعروف بتمرلنك فأقتدى نفسه
بثلاثين ألف ريال ثم نفوه ثالث شوال ونفى ابراهيم بك بلفيا الى المحلة
وفي تلك الايام قرر اسمعيل بك على كل بلد من القرى
ثلثمائة ريال وهي أول سيآته
وفي يوم الاحد ثاني عشرين شوال عملوا موكب المحمل وأمير
الحاج حسن بك رضوان
وفي يوم الخميس رابع ذي القعدة تقلد عبد الرحمن بك عثمان
صنجقية وكانت مرفوعة عنه وكذلك علي بك
وفي يوم الاثنين ثامنه سافرت تجريدة لجهة الصعيد للامراء
القبالي لانهم تقووا واستولوا على البلاد وقبضوا الخراج وملكوا من جرجا الى فوق
وحسن بك أمير الصعيد مقيم وليس فيه قدرة على مقاومتهم ومنعوا ورود الغلال حتى غلا سعرها
فعينوا لهم التجريدة وسر عسكرها رضوان بك وعلي الجوخدار وسليم بك وابراهيم بك طنان
وحسن بك سوق السلاح
وفي يوم الاحد حادى عشرين القعدة خرج اسمعيل بك الى
ناحية دير الطين وعزم على التوجه الى قبلي بنفسه وأرسل الباشا فرماتات لسائر
الامراء والوجاقلية وأمرهم جميعا فخرجوا جمعيا ونصبوا وطاقاتهم عند المعادى ونزل
الباشا وجلس بقصر العيني وطلبوا طلبا عظيما
وفي يوم الجمعة عدى اسمعيل بك الى البر الثاني وترك بمصر
عبد الرحمن اغا مستحفظان كتخدا ورضوان بك بلفيا وعثمان بك طبل وابراهيم بك قشطة
صهره وحسين بك ومقادم الابواب لحفظ البلد فكان المقادم يدورون بالطوف في الجهات
ليلا ونهارا مع هدوء سر الناس وسكون الحال في مدة غياب الجميع
وفي سادس شهر الحجة وصلت مكاتبات من اسمعيل بك ومن
الامراء الذين بصحبته بانهم وصلوا الى المنية فلم يجدوا بها أحدا من القبليين
وانهم في أسيوط ومعهم اسمعيل أبو علي من كبار الهوارة
وفي سابع عشرة حضر الوجاقلية الذين بالتجريدة وحضر ايضا
أيوب اغا وكان عند القبالي فحضر عند اسمعيل بك بامان واستأذنه في التوجه الى بيته
ليرى عياله فأذن له وأرسله صحبة الوجاقلية وسبب رجوع الوجاقلية لما رأى اسمعيل بك
بعد الامراء وأراد ان يذهب خلفهم فأمرهم بالرجوع للتخفيف وانقضت هذه السنة
من مات في هذه السنة من الاعيان مات الشريف الصالح
المرشد الواصل السيد محمد هاشم الاسيوطي ولد بأسيوط وبيتهم يعرف ببيت فاضل نشأ
ببلده على قدم الخير والصلاح وحضر دروس الشيخ حسن الجديرى ثم ورد الى مصر فحضر
دروس كل من الشيخ محمد البليدى والشيخ محمد الشماوى والشيخ عطية الاجهورى وأخذ
الطريق على الشيخ عبد الوهاب العفيفي وكان منقطعا للعبادة متقشفا متواضعا وكان
غالب جلوسه بالاشرفية ومسجد الشيخ مطهر
وكان لا يزاحم الناس ولا يداخلهم في احوال دنياهم ولهم
فيه اعتقاد عظيم ويذهبون لزيارته ويقتبسون من اشارته واستخارته ويتبركون بأجازته
في الاوراد والاسماء
ويسافر لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم يعود الى خلوته وربما
مكث عند بعض اصدقائه اياما بقصد البعد عن الناس عندما يعلمون استقراره بالخلوة
ويزدحمون على زيارته وكان نعم الرجل سمتا وورعا
توفي في سابع شعبان في بيته بالازبكية وصلوا عليه
بالازهر ودفن بالمجاورين رحمه الله
ومات الشيخ الامام الاديب الفاضل الفقيه أحد العلماء
الاعلام الشيخ محمد بن ابراهيم العوفي المالكي لازم الشمس الحفني وأخاه الشيخ يوسف
وحضر دروس الشيخ علي العدوى والشيخ عيسى البراوى وأفتى ودرس
وكان شافعي المذهب فسعى فيه جماعة عند الشيخ الحفني
فأحضره وأثبت عليه بخطه ما نقل عنه فتوعده فلحق بالشيخ علي العدوى وانتقل لمذهب
مالك وكان رحمه الله عالما محصلا بحاثا متفننا غير عسر البديهة شاعرا ماجنا خليعا
ومع ذلك كانت حلقة درسه تزيد على الثلثمائة في الازهر
مات رحمه الله مفلوجا وحين أصابه المرض رجع الى مذهب
الشافعي وقرأ ابن قاسم بمسجد قريب من منزله ويحمله الطلبة الى المسجد فيقرأ وهو
يتلعثم لتعقد لسانه بالفالج مع ما كان فيه من الفصاحة
أولا ثم برىء يسيرا ولم يلبث أن عاوده المرض وتوفي الى رحمة الله تعالى
ومات الاديب الماهر الشيخ رمضان بن محمد المنصورى
الاحمدى الشهير بالحمامي سبط آل الباز ولد بالمنصورة وقرأ المتون على مشايخ بلده
وانزوى الى شيخ الادب محمد المنصورى الشاعر فرقاه في الشعر وهذبه وبه تخرج وورد
الى مصر مرارا وسمعنا من قصائده وكلامه الكثير وله قصائد سنية في المدائح الاحمدية
تنشد في الجموع
وبينه وبين الاديب قاسم وعبد القادر المدني محاورات ومداعبات
واخبر انه ورد الحرمين من مدة ومدح كلا من الشريف والوزير وأكابر الاعيان بقصائد
طنانة كان ينشد منها جملة مستكثرة مما يدل على سعة باعه في الفصاحة
ولم يزل فقيرا مملقا يشكو الزمان واهليه ويذم جني بنيه
وبآخرة تزوج امرأة موسرة بمصر وتوجه بها الى مكة فأتاه الحمام وهو في ثغر جدة في سنة
تاريخه
ومات الامير يوسف بك الكبير وهو من امراء محمد بك الذهب أقره
في سنة ست وثمانين وزوجه باخته وشرع في بناء ولده على بركة الفيل داخل درب الحمام
تجاه جامع الماس وكان يسلك اليها من هذا الدرب ومن طرق الشيخ الظلام وكان هذا
الدرب كثير العطف ضيق المسالك فأخذ بيوته بعضها شراء وبعضها غصبا وجعلها طريقا
واسعة وعليها بوابة عظيمة
واراد ان يجعل امام باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير
بك حديد فعزم على هدمه ونقله الى آخر الرحبة واستمر يعمر في تلك الدار نحو خمس
سنوات
واخذ بيت الداودية الذى بجواره وهدمه جميعه وادخله فيها
وصرف في تلك الدار اموالا عظيمة فكان يبني الجهة منها حتى يتمها بعد تبليطها
وترخيمها بالرخام الدقي الخردة المحكم الصنعة والسقوف والاخشاب والرواشن له شيطانه
فيهدمها الى آخرها ويبنيها ثانيا على وضع آخر
وهكذا كان دأبه واتفق انه ورد اليه من بلاده القبلية
ثمانون الف اردب غلال فوزعها بأسرها على الموانة في ثمن الجبس والجير والاحجار
والاخشاب والحديد وغير ذلك
وكان فيه حدة زائدة وتخليط في الامور والحركات ولا يستقر
بالمجلس بل يقوم ويقعد ويصرخ ويروق حاله في بعض الاوقات فيظهر فيه بعض انسانية ثم
يتغير ويتعكر من ادنى شيء
ولما مات سيده محمد بك وتولى امارة الحج ازداد عتوا
وعسفا وانحرافا خصوصا مع طائفة الفقهاء والمتعممين لامور نقمها عليهم منها ان شيخا
يسمى الشيخ احمد صادومة وكان رجلا مسنا ذا شيبة وهيبة واصله من سمنود وله شهرة
عظيمة وباع طويل في الروحانيات وتحريك الجمادات والسميات ويكلم الجن ويخاطبهم مشافهة
ويظهرهم للعيان كما اخبرني عنه من شاهده وللناس اختلاف في شأنه وكان للشيخ
الكفراوى به التئام وعشرة ومحبة اكيدة واعتقاد عظيم ويخبر عنه انه من الاولياء
وارباب الاحوال والمكاشفات بل يقول انه هو الفرد الجامع ونوه بشأنه عند الامراء
وخصوصا محمد بك أبا الذهب فراج حال كل منهما بالآخر
فاتفق ان الامير المذكور اختلى بمحظيته فرأى على سوأتها
كتابة فسألها عن ذلك وتهددها بالقتل فأخبرته ان المرأة الفلانية ذهبت بها الى هذا
الشيخ وهو الذى كتب لها ذلك ليحببها الى سيدها فنزل في الحال وأرسل فقبض على الشيخ
صادومة المذكور وأمر بقتله والقائه في البحر ففعلوا به ذلك وأرسل الى داره فاحتاط
بما فيها فأخرجوا منها أشياء كثيرة وتماثيل ومنها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر
فأحضروا له تلك الاشياء فصار يريها للجالسين عنده والمترددين عليه من الامراء
وغيرهم ووضع ذلك التمثال بجانبه على الوسادة فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه
ويتعجبون ويضحكون وعزل الشيخ حسن الكفراوى من افتاء الشافعية ورفع عنه وظيفة
المحمدية وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفي وخلع عليه وألبسه فروة وقرره في ذلك
عوضا
عن الشيخ الكفراوى
واتفق أيضا ان الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد الوهاب
العفيفي طلق على زوج بنت أخيه في غيابه على يد الشيخ حسن الجداوى المالكي على
قاعدة مذهبه وزوجها من آخر وحضر زوجها من الفيوم وذهب الى ذلك الامير وشكا له
الشيخ عبد الباقي في فطلبه فوجده غائبا في منية عفيف فأرسل اليه اعوانا أهانوه وقبضوا
عليه ووضعوا الحديد في رقبته ورجليه وأحضروه في صورة منكرة وحبسه في حاصل أرباب
الجرائم من الفلاحين
فركب الشيخ علي الصعيدي العدوى والشيخ الجداوى وجماعة
كثيرة من المتعممين وذهبوا اليه وخاطبه الشيخ الصعيدي فقال له هذا قول في مذهب
المالكية معمول به فقال من يقول ان المرأة تطلق زوجها اذا غاب عنها وعندها ما
تنفقه وما تصرفه ووكيله يعطيها ما تطلبه ثم يأتي من غيبته فيجدها مع غيره
فقالوا له نحن أعلم بالاحكام الشرعية
فقال لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح
فقال الشيخ الجداوى أنا الذي فسخت النكاح على قاعدة
مذهبي
فقام على أقدامه وصرخ وقال والله أكسر رأسك
فصرخ عليه الشيخ علي الصعيدي وسبه وقال له لعنك الله
ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك اميرا
فتوسط بينهم الحاضرون من الامراء يسكنون حدته وحدتهم
وأحضروا الشيخ عبد الباقي من الحبس فأخذوه وخرجوا وهم يسبونه وهو يسمعهم
واتفق أيضا ان الشيخ عبد الرحمن العريشي لما توفي صهره
الشيخ أحمد المعروف بالسقط وجعله القاضي وصيا على اولاده وتركته وكان عليه ديون
كثيرة اثبتها اربابها بالمحكمة واستوفوها واخذ عليهم صكوكا بذلك ذهبت زوجة المتوفي
الى يوسف بك بعد ذلك بنحو ست سنوات وذكرت له ان الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث زوجها
وتواطا مع ارباب الديون وقاسمهم فيما اخذوه فأحضر الشيخ عبد الرحمن وكان اذ ذاك
مفتي الحنفية وطالبه بأحضار المخلفات او قيمتها فعرفه انه وزعها
على ارباب الديون وقسم الباقي بين الورثة وانقضى امرها
وابرز له الصكوك والحجج ودفتر القسام فلم يقبل وفاتحه في عدة مجالس وهو مصر على قوله
وطلبه للتركة
ثم احضره يوما وجبسه عند الخازندار فركب شيخ السادات
اليه وكلمه في امره وطلبه من محبسه
فلما علم الشيخ عبد الرحمن حضور شيخ السادات هناك رمى
عمامته وفراجته وتطور وصرخ وخرج يعدو مسرعا ونزل الى الحوش صارخا بأعلى صوته وهو
مكشوف الرأس فلما عاينه يوسف بك وهو يفعل ذلك احتد الآخر وكان جالسا مع شيخ السادات
في المقعد المطل على الحوش فقام على اقدامه وصار يصرخ على خدمه ويقول امسكوه
اقتلوه ونحو ذلك وشيخ السادات يقول له اى شيء هذا الفعل اجلس يا مبارك وارسل اليه
تابعه الشيخ ابراهيم السندوبي فنزل اليه والبسه عمامته وفراجته ونزل الشيخ فركب
وأخذه صحبته الى داره وتلافوا القضية وسكتوها ثم حصل منه ما حصل في الدعوى
المتقدمة وما ترتب عليها من الفتنة وقفل الجامع وقتل الانفس وثقل أمره على مراد بك
واضمر له السوء فلما سافر أميرا بالحج في السنة الماضية قصد مراد بك اغتياله أو
نفيه عند رجوعه بالحج واتفق مع أمرائه وضايع القضية وسافر الى جهة الغريبة
والمنوفية وعسف في البلاد ويريد أن يجعل عوده على نصف الشهر في أوان رجوع الحج
ووصل الخبر الى يوسف بك فأستعجل الحضور فصار يجعل كل
مرحلتين في مرحلة حتى وصل محترسا في سابع صفر حضور مراد بك من سرحته وعندما قرب
وصول مراد بك الى دخول مصر ركب يوسف بك في مماليكه وطوائفه وعدده وخرج الى خارج
البلد فسعى ابراهيم بك بينهما وصالحهما واستمرت بينهما المنافرة القلبية من حينئذ
الى أن حصل ما حصل وانضم الى اسمعيل بك ثم قتله اسمعيل بك بيد حسن بك واسمعيل بك
الصغير كما تقدم
ومات الامير أغا المعمار وهو من مماليك مصطفى بك المعروف
بالقرد وخشداش صالح بك الكبير وكان من الابطال المعروفين والشجعان المعدودين فلما قتل
كبيرهم صالح بك استمر في بلاد قبلي على ما يتعلق به من الالتزام ويدفع ما عليه من
المال والغلال الى أن استوحش محمد بك أبو الذهب من سيده علي بك وخرج الى الصعيد
وقتل خشداشه أيوب بك وتحقق الاجانب بذلك صحة العداوة فأقبلوا على محمد بك من كل
جانب برجالهم وأموالهم ومنهم علي أغا المذكور وكان ضخما عظيم الخلقة جهورى الصوت
شهما يصدع بالكلام فأنس به محمد بك واكرمه واجتهد هو في نصرته ومناصحته وجمع اليه
الامراء والاجناد المنفيين والمطرودين الذين شتتهم علي بك وقتل أسيادهم وكبار
الهوارة الذين قهرهم علي بك أيضا واستولى على بلادهم مثل أولادهم وأولاد نصير
واولاد وافي واسمعيل أبي علي وابي عبد الله وغيرهم وحضر معه الجميع الى جهة مصر
كما تقدم
ولما وصلوا الى تجاه التبين وأبرج لهم علي بك التجريدة
وأميرها علي بك الطنطاوى خرج علي اغا هذا الى الحرب هو ومن معه وبأيديهم مساوق
غلاظ قصيرة ولها جلب حديد وفي طرفها أزيد من قبضة بها مسامير متينة محددة الرؤوس
الى خارج يضربون بها خوذة الفارس ضربة واحدة فتنخسف في دماغه وكانت هذه من مبتكرات
المترجم حتى أنه سمى بأبي الجلب
ولما خلصت امارة مصر الى محمد بك جعل كتخداه اسمعيل أغا
أخا علي بك الغزاوى المذكور فنقم عليه امورا فأهمله وأحضر علي أغا هذا وخلع عليه
وجعله كتخداه فسار في الناس سيرا حسنا ويقضي حوائج الناس من غير تطلع الى شيء
ويقول الحق ولو على مخدومه وكان مخدومه أيضا يحبه ويرجع الى رأيه في الامور لما
تحققه فيه من المناصحة وعدم الميل الى هوى النفس وعرض الدنيا وكان يجب أهل العلم
والفضل والقرآن ويميل بكليته اليهم مع لين الجانب والتواضع وعدم الانفة
ولما
أنشأ محمد بك مدرسته المحمدية تجاه الازهر وقرر فيها
الدروس كان يحضر معنا المترجم على شيخنا الشيخ علي العدوى في صحيح البخارى مع
الملازمة واتخذ لنفسه خلوة بالمدرسة المذكورة يستريح فيها وتأتيه أرباب الحوايج
فيقضي لهم أشغالهم وكان يلم بحضرة الشيخ محمد حفيد الاستاذ الحفني ويحبه وأخذ عنه طريق
السادة الخلوتية وحضر دروسه مع المودة وحسن العشرة ويحضر ختوم دروس المشايخ ويقرأ
عشرا من القرآن بأعلى صوته عند تمام المجلس ومملوكه حسن أغا الذى زوجه ابنته
واشتهر بعده وحج المترجم في السنة الماضية في هيئة جليلة وآثار جميلة
وتوفي في وقعة بياضة قتيلا كما تقدم
ومات الامير اسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى
وهم خمسة أخوة علي بك واسمعيل بك هذا وسليم أنما المعروف بتمرلنك وعثمان وأحمد
ولما تأمر علي بك كان اخوته الاربعة باسلامبول مماليك عند بشير أغا القزلار
واعتقهم وتسامعوا بامارة أخيهم بمصر فحضر اليه اسمعيل وأحمد وسليم واستمر عثمان باسلامبول
وأقام اسمعيل وسليم وأحمد بمصر وعمل اسمعيل كتخدا عند أخيه علي بك وعمل سليم خازندار
عند ابراهيم كتخدا أياما ثم قامت عليه مماليكه وعزلوه لكونه أجنبيا منهم وصار لهم
امرة وبيوت والتزام
وتزوج اسمعيل بهانم ابنة رضوان كتخدا الجلفي وهي المسماة
بفاطمة هانم وذلك أن رضوان كتخدا كان عقد لها على مملوكه علي أغا الذي قلده
الصنجقية ولم يدخل بها ولما خرج رضوان كتخدا وخرج معه علي المذكور فيمن خرج كما
تقدم وذهب الى بغداد أرسل يطلبها اليه من مصر وارسل لها مع وكيله عشرة آلاف دينار
واشياء فلم يسلموا في ارسالها وكتبوا فتوى بفسخ النكاح على قاعدة مذهب مالك
وتزوجها اسمعيل أغا هذا وظهر ذكره بها وسكن بها في دار أبيها العظيمة بالازبكية
وصار من أرباب الوجاهة
فلما استقل محمد بك أبو الذهب بملك مصر
بعد سيده استوزره وجعله كتخداه مدة واراد أن يتزوج بالست
سلن محظية رضوان كتخدا وكان تزوج بها أخوه علي بك ومات عنها فصرفه مخدومه محمد بك
ابو الذهب وعرفه انها ربما امتنعت عليه مراعاة لها ثم ابنة سيدها فركب محمد بك
واتى عند علي أغا كتخدا الجاويشية المجاور لسكنها بدرب السادات وارسل اليها علي أغا
فلم يمكنها الامتناع فعقد عليها وماتت هانم بعد ذلك وباع بيت الازبكية لمخدومه
محمد بك وبنى داره المجاورة لبيت الصابونجي وصرف عليها اموالا كثيرة واضاف اليها
البيت الذى عند باب الهواء المعروف ببيت المرحوم من الشرايبية
وسكنها مدة وزوجه محمد بك سرية من سراريه أيضا ثم باع
تلك الدار لايوب بك الكبير وسكنها
ولما سافر محمد بك الى الشام ومحاربة الظاهر عمر ارسل
المترجم من هناك الى اسلامبول بهدايا واموال للدولة ومكاتبات بطلب ولاية مصر
والشام وأجيب الى ذلك
وكتب له التقليد واعطوه رقم الوزارة وتم الامر وأراد
المسير بذلك الى محمد بك فورد الخبر بموته فبطل ذلك ورجع المترجم الى مصر وأقام
بها في ثروة الى أن حصلت الوحشة بين اسمعيل بك ويوسف بك والجماعة المحمدية وكانت الغلبة
عليهم فقلده اسمعيل بك الصنجقية وقدمه في الامور ونوه بشأنه وأوهمه انه يريد تفويض
الامور اليه لما يعلمه فيه من العقل والرئاسة فاغتر بذلك وباشر قتل يوسف بك هو
وحسن بك الجداوى كما تقدم وظن ان الوقت صفا له
فأندفع في الرئاسة وازدحمت الرؤوس عليه واخذ في النقض
والابرام فعاجله اسمعيل بك وأحاطوا به وقتلوه كما ذكر وكان ذا دهاء ومعرفة وفيه
صلابة وقوة جنان وخرم مع التواضع وتهذيب الاخلاق وكان يحب أهل العلم ويكره النصارى
كراهة شديدة وتصدى لاذيتهم ايام كتخدائية لمحمد بك وكتب في حقهم فتاوى بنقضهم
العهد وخروجهم عن طرائفهم التي أخذ عليهم بها من ايام سيدنا عمر رضي الله عنه
ونادى عليهم ومنعهم
من ركوب الحمير ولبسهم الملابس الفاخرة وشرائهم الجوارى
والعبيد واستخدامهم المسلمين وتقنع نسائهم بالبراقع البيض ونحو ذلك
وكذلك فعل معهم مثل ذلك عندما تلبس بالصنجقية وكان له
اعتقاد عظيم في الشيخ محمد الجوهرى ويسعى بكليته في قضاء اشغاله وحوايجه وكان لا
بأس به
ومات الامير قاسم كتخدا عزبان وكان من مماليك محمد بك
أبي الذهب وتقلد كتخدائية العزب وأمين البحرين وكان بطلا شجاعا موصوفا ومال عن
خشداشيته كراهة منه لافعالهم حتى خرج الى محاربتهم وقتل غفر الله له
سنة اثنتين وتسعين ومائة والف في يوم الخميس سابع المحرم
حضر اسمعيل كتخدا عزبان وبعض صناجق اسمعيل بك وفي يوم السبت تاسعه وصل اسمعيل بك
وعدى من معادى الخبيرى ودخل الى مصر وذهب الى بيته وكثر الهرج في الناس بسبب حضوره
ومن وصل قبله على هذه الصورة
ثم تبين الامر بأن حسن بك الجداوى وخشداشينه وهم رضوان بك
وعبد الرحمن بك وسليمان كتخدا وتبعهم حسن بك سوق السلاح واحمد بك شنن وجماعة
الفلاح بأسرهم وكشاف ومماليك واجناد ومغاربة خامر الجميع على اسمعيل بك والتفوا
على ابراهيم بك ومراد بك ومن معهم فعند ذلك ركب اسمعيل بك بمن معه وطلب مصر حتى
وصلها في أسرع وقت وهو في اشد ما يكون من القهر والغيظ
وأصبح يوم الاربعاء فأرسل اسمعيل بك ومنع المعادى من
التعدية
وفي يوم الاثنين طلعوا الى القلعة وعملوا ديوانا عند
الباشا وحضر الموجودون من الامراء والوجاقلية والمشايخ وتشاوروا في هذا الشأن فلم
يستقر الرأى على شيء ونزلوا الى بيوتهم وشرعوا في توزيع امتعتهم
وتعزيل بيوتهم واضطربت احوالهم وطلب اسمعيل بك تجار
اليها والمباشرين وطلب منهم دراهم سلفة فدخل عليه الخبيرى واخبره بان الجماعة
القبليين وصلت اوائلهم الى البساتين وبعضهم وصل الى بر الجيزة بالبر الآخر
فلما تحقق ذلك أمر بالتحميل وخرجوا من مصر شيئا فشيئا من
بعد العصر الى رابع ساعة من الليل ونزلوا بالعادلية وذلك ليلة الثلاثاء رابع عشر المحرم
وهم اسمعيل بك وصناجقه ابراهيم بك قشطة وحسين بك وعثمان بك طبل وعثمان بك قفا
الثور وعلي بك الجوخدار وسليم بك وابراهيم بك طنان وابراهيم أوده باشه وعبد الرحمن
اغا مستحفظان واسمعيل كتخدا عزبان ويوسف اغا الوالي وغيرهم وباتت الناس في وجل
واصبح يوم الثلاثاء واشيع خروجهم ووقع النهب في بيوتهم
وركبوا في صبح ذلك اليوم وذهبوا الى جهة الشام فكانت مدة امارة اسمعيل بك واتباعه
على مصر في هذه المرة ستة اشهر واياما بما فيها من ايام سفره الى قبلي وجوعه
وعدى مراد بك ومصطفى بك وآخرون في ذلك اليوم وكذلك
ابراهيم اغا الوالي الذى كان في ايامهم وشق المدينة ونادى بالامان وارسل ابراهيم
بك يطلب من الباشا فرمانا بالاذن بالدخول فكتب لهم الباشا فرمانا وأرسله صحبة ولده
وكتخدائه وهو سعيد بك
فدخل بقية الامراء يوم الاربعاء ما عدا ابراهيم بك فانه
بات بقصر العيني ودخل يوم الخميس الى داره وصحبته اسمعيل ابو علي كبير من كبار
الهوارة
وفي يوم الاحد ثامن عشرة طلعوا الى الديوان وقابلوا
الباشا وخلع عليهم القدوم ونزلوا الى بيوتهم
وفي يوم الخميس حادى عشرينه طلعوا ايضا الى الديوان فخلع
الباشا على ابراهيم بك واستقر في مشيخة البلد كما كان واستقر احمد بك شنن صنجقا
كما كان وتقلد عثمان اغا خازندار ابراهيم بك صنجقية وهو الذى عرف بالاشقر وقلدوا
مصطفى كاشف المنوفية صنجقية ايضا وعلي كاشف
أغات مستحفظان وموسى اغا من جماعة علي بك واليا كما كان
ايام سيده
وفي أواخره وردت اخبار بان اسمعيل بك ومن معه وصلوا الى
غزة واستقر المذكورون بمصر علوية ومحمدية والعلوية شامخة على المحمدية ويرون المنة
لانفسهم عليهم والفضيلة لهم بمخامرتهم معهم ولولا ذلك ما دخلوا الى مصر ولا يمكن
المحمدية التصرف في شيء الا بأذنهم ورأيهم بحيث صاروا كالمحجوز عليهم لا يأكلون
الا ما فضل عنهم
وفي يوم الخميس ثامن من جمادى الاولى حضر الى مصر
ابراهيم بك أوده باشه من غزة مفارقا لاسمعيل بك وقد كان أرسل قبل وصوله يستأذن في
الحضور فأذنوا له وحضر وجلس في بيته وتخيل منه رضوان بك وقصد نفيه فالتجأ الى مراد
بك وانضم اليه
فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى ركب مراد بك
وخرج الى مرمى النشاب منتفخا من القهر مفكرا في أمره مع العلوية فحضر اليه عبد
الرحمن بك وعلي بك الحبشي من العلوية فعندما أراد عبد الرحمن بك القيام عاجله مراد
بك ومن معه وقتلوه وفر علي بك الحبشي وغطى رأسه بفوقانيته وانزوى في شجر الجميز
فلم يروه
فلما ذهبوا ركب وسار مسرعا حتى دخل على حسن بك الجداوى
في بيته وركب مراد بك وذهب الى بيته
واجتمع على حسن بك اغراضه وعشيرته وأحمد بك شنن وسليمان
كتخدا وموسى اغا الوالي وحسن بك رضوان امير الحاج وحسن بك سوق السلاح وابراهيم بك
بلفيا وكرنكوا في بيت حسن بك الجداوى بالداودية وعملوا متاريس في ناحية باب زويلة وناحية
باب الخرق والسروجية والقنطرة الجديدة
واجتمع على مراد بك خشداشينه وعشيرته وهم مصطفى بك
الكبير ومصطفى بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وركب ابراهيم بك من قبة العزب وطلع الى
القلعة وملك الابواب وضرب المدافع على بيت حسن بك الجداوى ووقع الحرب بينهم بطول
نهار يوم السبت وغلقت الاسواق والحوانيت
وباتوا على ذلك ليلة الاحد ويوم الاحد والضرب من الفريقين
في الازقة والحارات رصاص ومدافع وقرابين ويزحفون على بعضهم تارة ويتأخرون اخرى
وينقبون البيوت على بعضهم
فحصل الضرر للبيوت الواقعة في حيزهم من النهب والحرق
والقتل
ثم ان المحمدية تسلق منهم طائفة من الخليج وطلعوا من عند
جامع الحين من بين المتاريس وفتحوا بيت عبد الرحمن أغا من ظاهرة وملكوه وركبوا
عليه المدافع وضربوا على بيت الجداوى فعند ذلك عاين العلوية الغلب فركبوا وخرجوا من
باب زويلة الى باب النصر والمحمدية خلفهم شاهرين السيوف يخجون بالخيل فلما خرجوا
الى الخلاء التقوا معهم فقتل حسن بك رضوان أمير الحاج وأحمد بك شنن وابراهيم بك
بلفيا المعروف بشلاق وغيرهم اجناد وكشاف ومماليك وفر حسن بك الجداوى ورضوان بك
وكان ذلك وقت القائلة من يوم الاحد وكان يوما شديد الحر
ولم يقتل أحد من المحمديين سوى مصطفى بك الكبير اصابته
رصاصة في كتفه انقطع بسببها أياما ثم شفى
وأما حسن بك ورضوان بك فهربا في طائفة قليلة وخرج عليهما
العربان فقاتلوهما قتالا شديدا وتفرقا من بعضهما وتخلص رضوان بك وذهب في خاصته الى
شيبين الكوم
وأما حسن بك الجداوى فلم تزل العرب تحاوره حتى أضعفوه وتفرق
من حوله وشيخ العرب سعد صحصاح يتبعه ثم حلق عليه رتعة شيخ عرب بلي فتقنطر به
الحصان في مبلة كتان فقبضوا عليه وأخذوا سلاحه وعروه وكتفوه وصفعه رتيمة على قفاه
ووجهه ثم سحبوه بينهم ماشيا على اقدامه وهو حاف وأرسلوا الى الامراء بمصر يخبرونهم
بالقبض عليه وكان السيد ابراهيم شيخ بلقس لما بلغه ذلك ركب اليه وخلصه من تلك
الحالة وفك كتافه وألبسه ثيابا وأعطاه دراهم ودنانير
فلما بلغ الخبر ابراهيم بك ومراد بك أرسلوا له كاشفا
فلما حضر اليه وواجهه لاطفه ثم دخل الى مصر وسار الى بولاق ودخل الى بيت الشيخ
أحمد الدمنهوري فركب جماعة كثيرة من المحمدية وذهبوا الى
بولاق وطلبوه فامتنع من اجابتهم فلم يجسروا على أخذه قهرا من بيت الشيخ فداخله
الوهم وطلع الى السطح ونط الى سطح آخر ولم يزل حتى نزل بالقرب من وكالة الكتان فصادف
بعض المماليك فضربه وأخذ حصانه وركبه وذهب رامحا بمفرده واشيع هروبه فركبت الاجناد
وحلقوا عليه الطرق فصار يقاتل من يدركه ولم يجد طريقا مسلوكا الى الخلاء فدخل
المدينة وذهب الى بيت ابراهيم بك فوجده جالسا مع مراد بك فاستجار بابراهيم بك
فأجاره وأمنه ومكث في بيته خمسة أيام وهو كالمختل في عقله مما قاساه من معاينة
الموت مرارا
ثم رسموا له أن يذهب الى جدة وأرسلوه الى السويس في يوم
الاربعاء ثامن عشرين جمادى الاولى في محفة
فلما انزل بالمركب أمر الريس أن يذهب به الى القصير
فامتنع فأراد قتله فذهب بالمركب الى القصير فطلع الى الصعيد وأما حسن بك سوق
السلاح فانه التجأ الى حريم ابراهيم بك وعلي بك الحبشي وسليمان كتخدا دخلا الى
مقام سيدي عبد الوهاب الشعراني وحمزة بك ذهب الى بيته لكونه كان بطالا فلم يداخله
الرعب كغيره وهرب موسى أغا الوالي الى شبرا
ثم أنهم رسموا بنفي علي بك الحبشي وحسن بك وسليمان كتخدا
الى رشيد وأحضروا موسى أغا الوالي الى بيته بشفاعة علي أغا مستحفظان وأرسلوا
لرضوان بك الاذن بالاقامة في شيبين وبنى له بها قصرا على البحر وجلس فيه وانقضت
هذه الحادثة الشنيعة
وفي يوم الخميس غاية جمادى الاولى عملوا ديوانا بالقلعة
وقلدوا ايوب بك الكبير صنجقية وكان اسمعيل بك رفعها عنه ونفاه الى دمياط ثم نقله
الى طندتا فلما رجع خداشينه مع العلوية طلبوه الى مصر وأرادوا رد صنجقيته فلم يرض حسن
بك الجداوى فأقام بمصر معزولا حتى
وقعت هذه الحادثة فرجع كما كان
وقلدوا أيوب بك كاشف خازندار محمد بك أبي الذهب كما كان
صنجقية أيضا وعرف بك الصعيد وقلدوا سليمان بك أبا نبوت صنجقية أيضا كما كان وقلدوا
ابراهيم أغا الوالي سابقا صنجقية وركبوا في مواكبهم الى بيوتهم وضربت لهم الطبلخانات
وفي يوم الخميس سابع جمادى الثانية طلعوا الى الديوان وقلدوا
سليمان أغا مستحفظان سابقا صنجقية وقلدوا يحيى أغا خازندار مراد بك صنجقية أيضا
وقلدوا على أغا خازندار ابراهيم بك صنجقية أيضا وهو الذى عرف بعلي بك أباظة
وفيه حضر الى مصر سليمان كتخدا الشرايبي كتخدا اسمعيل بك
وعلى يده مكاتبة من اسمعيل بك مضمونها يريد الاذن يالتوجه الى أخميم أو الى السرور
رأس الخليج يقيم هناك ويبقى ابراهيم بك قشطة بمصر رهينة ويكون وكيله في تعلقاته
وقبض فائظه والصلح أحسن وأولى فعملوا ديوانا واحضروا المشايخ والقاضي وعرضوا عليهم
تلك المكاتبة وتشاوروا في ذلك فانحط الرأى بان يرسلوا له جوابا بالسفر الى جدة من
السويس ويطلقوا له في كل سنة اربعين كيسا وستة آلاف اردب غلال وحبوب وان يرسل
ابراهيم بك صهره كما قال الى مصر ويكون وكيلا عنه ومن بصحبته من الامراء يحضرون
الى مصر بالامان ويقيمون برشيد ودمياط والمنصورة ونحو ذلك وارسلوا المكاتبة صحبة
سليم كاشف تمرلنك اخي اسمعيل بك المقتول وآخرين
وفيه رسموا بنفي ابراهيم بك أوده باشه وسليمان كتخدا
الشرايبي وكان اشيع تقليد ابراهيم بك الصنجقية في ذلك اليوم وتهيأ لذلك وحضر في
الصباح عند ابراهيم بك فلما دخل رأى عنده مراد بك فاختليا معه فأخرج ابراهيم بك من
جيبه مكتوبا مسكوه عليه من اسمعيل
بك خطابا له مضمونه انه بلغنا ما صنعت في ايقاع الفتنة
بين الجماعة وهلاك الطائفة الخائنة وفيه ان يأخذ من الرجل المعهود كذا من النقود
يوزعها على جهات كناها له وربنا يجمعنا في خير
فلما تناوله من ابراهيم بك وقرأه قال في الجواب كل منكم
لا يجهل مكايد اسمعيل بك وانكر ذلك بالكلية
فلم يقبلوا عذره ولم يصدقوه وقام وذهب الى بيته
فأرسلوا خلفه محمد كتخدا اباظة فأخذه وصحبته مملوكين فقط
ونزل به الى بولاق ونفوه الى رشيد وكذلك نفوا سليمان كتخدا الشرايبي واحتاطوا
بموجود ابراهيم بك
وفي يوم الاثنين حادى عشر جمادى الثانية وصل ابراهيم
باشا والي جدة وذهب الى العادلية وجلس هناك بالقصر حتى شهلوه وسفروه الى السويس بعد
ما ذهبوا اليه وودعوه وكان سفره يوم الاحد سابع عشر جمادى الثانية
وفي ذلك اليوم حضر جماعة من الاجناد من ناحية غزة من
الذين كانوا بصحبة اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرة ركب الامراء وطلعوا الى باب
الينكجرية والعزب وارسلوا الى الباشا كتخدا الجاويشية واغات المتفرقة والترجمان
وكاتب حوالة وبعض الاختيارية يأمرونه بالنزول الى بيت حسن بك الجداوى وهو بيت
الداودية
فلما قالوا له ذلك طلعوا الى حوش الديوان واجتمعوا به
حتى امتلأ منهم فارتعب الباشا منهم فركب من ساعته ونزل من القلعة الى بيت الداودية
واحضروا الجمال وعزلوا متاعه في ذلك اليوم فكانت مدة ولايته سنتين وثلاثة أشهر
وفي يوم الجمعة حادى عشرين شهر رجب الموافق لعاشر مسري
القبطي كان وفاء النيل المبارك
وفي يوم الاثنين ثاني عشرين شهر شعبان حضر من اخبر ان
جماعة من الاجناد حضروا من ناحية غزة وصحبتهم عبد الرحمن اغا مستحفظان
على الهجن ومروا من خلف الجرة وذهبوا الى قبلي وتخلف
عنهم عبد الرحمن أغا في حلوان لغرض من الاغراض ينتظره من مصر فركب من ساعته مراد
بك في عدة وذهبوا الى حلوان ليلا على حين غفلة واحتاطوا بها وبدار الاوسية وقبضوا
على عبد الرحمن اغا وقطعوا رأسه ورجع مراد بك وشق المدينة والرأس أمامه على رمح ثم
أحضروا جثته الى بيته الصغير بالكعكيين وغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته وصلوا عليه
بالمارداني
ثم الحقوا به الرأس في الرميلة ودفنوه بالقرافة
ومضى أمره وزاد النيل في هذه السنة زيادة مفرطة حتى
انقطعت الطرقات من كل ناحية واستمر الى آخر توت
وفي اواخر رمضان هرب رضوان بك على من شيبين الكوم وذهب
الى قبلي فلما فعل ذلك عينوا ابراهيم بك الوالي فنزل الى رشيد وقبض على علي بك
الحبشي وسليمان كتخدا وقتلهما وأما ابراهيم بك أوده باشه فهرب الى القبطان واستجار
به
وفي تاسع عشر شوال خرج المحمل والحجاج صحبة أمير الحاج
رضوان بك بلفيا وسافر من البركة في يوم الثلاثاء سابع عشرين شوال
وفيه جاءت الاخبار بورود اسمعيل باشا والي مصر الى
سكندرية
وفي يوم الخميس تاسع عشرين شوال ركب محمد باشا عزت من
الداودية وذهب الى قصر العيني ليسافر
وفي يوم الاثنين ثالث ذى القعدة نزل الباشا في المراكب
وسافر الى بحرى
وفي منتصف شهر القعدة المذكور نزل أرباب العكاكيز وهم
علي أغا كتخدا جاوجان واغات المتفرقة والترجمان وكاتب حوالة وأرباب الخدم وسافروا
لملاقاة الباشا الجديد
من مات في هذه السنة من أعيان العلماء والمشاهير مات الشيخ
الامام العلامة المتفنن اوحد الزمان وفريد الاوان أحمد ابن عبد المنعم بن يوسف بن
صيام الدمنهورى المذاهبي الازهرى ولد بدمنهور الغريبة سنة 1101 وقدم الازهر وهو
صغير يتيم لم يكلفه أحد فاشتغل بالعلم وجال في تحصيله واجتهد في تكميله وأجازه
علماء المذاهب الاربعة وكانت له حافظة ومعرفة في فنون غريبة وتآليف وأفتى على
المذاهب الاربعة ولكن لم ينتفع بعلمه ولا بتصانيفه لبخله في بذله لاهله ولغير أهله
وربما يبيح في بعض الاحيان لبعض الغرباء فوائد نافعة وكان له دروس في المشهد
الحسيني في رمضان يخلطها بالحكايات وبما وقع له حتى يذهب الوقت
وولي مشيخة الجامع الازهر بعد وفاة الشيخ الحفني وهابته
الامراء لكونه كان قوالا للحق إمارا بالمعروف سمحا بما عنده من الدنيا
وقصدته الملوك من الاطراف وهادته بهدايا فاخرة وسائر
ولاة مصر من طرف الدولة كانوا يحترمونه وكان شهير الصيت عظيم الهيبة منجمعا عن
المجالس والجمعيات
وحج سنة 1177 مع الركب المصرى واتى رئيس مكة وعلماؤها
لزيارته وعاد الى مصر
وتوفي يوم الاحد عاشر شهر رجب من السنة المذكورة وكان
مسكنه ببولاق وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل جدا وقرىء نسبه الى أبي محمد البطل
الغازى ودفن بالبستان وكان آخر من أدركنا من المتقدمين
ومات الامام العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخنا الشيخ
مصطفى ابن محمد بن يونس الطائي الحنفي ولد بمصر سنة 1138 وتفقه على والده وبه تخرج
وبعد وفاة والده تصدر في مواضعه ودرس وافتى وكان اماما ثبتا متقنا مستحضرا مشاركا
في العلوم والرياضيات فرضيا حيسوبا وله مؤلفات كثيرة في فنون شتى تدل على رسوخه
وكتب شرحا على الشمائل
وحاشية على الاشموني اجاد فيها وكان رأسا في العلوم
والمعارف توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات سيدي ابو مفلح احمد بن ابي الفوز بن الشهاب أحمد بن
أبي العز محمد بن العجمي ويعرف بالشيشيني وكان كاتب الكني بمنزل السادات الوقائية
وكان انسانا حسنا بهيا ذا تودد ومرؤة وعنده كتب جيدة يعير منها لمن يثق به للمطالعة
والمراجعة
توفي يوم السبت آخر المحرم
ومات شيخنا الامام القطب وجيه الدين أبو المراحم عبد
الرحمن الحسيني العلوى العيدروسي التريمي نزيل مصر ولد بعد الغروب ليلة الثلاثاء
تاسع صفر سنة 1135 ووالده مصطفى بن شيخ بن علي زين العابدين ابن عبد الله بن شيخ
بن عبد الله بن شيخ بن القطب الاكبر عبد الله العيدروس بن أبي بكر السكران بن
القطب عبد الرحمن السقاف ابن محمد مولى الدويلة بن علي بن علوى بن محمد مقدم
التربة بتريم ابن علي بن محمد بن علي بن علوى بن محمد بن علوى بن عبد الله بن أحمد
العراقي بن عيسى النقيب بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد ابن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة ابنة عبد الله الباهر ابن مصطفى بن زين العابدين
العيدروس نشأ على عفة وصلاح في حجر والده وجده وأجازه والده وجده وألبساه الخرقة
وصافحاه وتفقه على السيد وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه وأجازه
بمروياته
وفي سنة 1153 توجه صحبة والده الى الهند فنزلا بندر
الشحر واجتمع بالسيد عبد الله بن عمر المحضار العيدروس فتلقن منه الذكر وصافحه
وشابكه وألبسه الخرقة وأجازه اجازة مطلقة مع والده ووصلا بندر سورت واجتمع بأخيه
السيد عبد الله الباصر وزارا من بها من القرابة والاولياء ودخلا مدينة بروج فزارا
محضار الهند السيد أحمد بن الشيخ العيدروس
وذلك ليلة النصف من شعبان سنة واحد وستين
ثم رجعا الى سورت وتوجه والده الى تريم وترك المترجم عند
أخيه وخاله زين العابدين ابن العيدروس
وفي أثنناء ذلك رجع الى بلاد جادة وظهرت له في هذه
السفرة كرامات عدة ثم رجع الى سورت وأخذ اذ ذاك من السيد مصطفى ابن عمر العيدروس
والحسين بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس والسيد محمد فضل الله العيدروس اجازة
السلاسل والطرق وألبسه الخرقة ومحمد فاخر العباسي والسيد غلام علي الحسيني والسيد غلام
حيدر الحسيني والبارع المحدث حافظ يوسف السورتي والعلامة عزيز الله الهندى
والعلامة غياث الدين الكوكبي وغيرهم وركب من سورت الى اليمن فدخل تريم وجدد العهد
بذوى رحمه وتوجه منها الى مكة للحج وكانت الوقفة نهار الجمعة
ثم زار جده صلى الله عليه و سلم وأخذ هناك عن الشيخ محمد
حياة السندى وأبي الحسن السندى وابراهيم بن قيض الله السندى والسيد جعفر بن محمد البيتي
ومحمد الداغستاني ورجع الى مكة فأخذ عن الشيخ السند السيد عمر بن أحمد وابن الطيب
وعبد الله ابن سهل وعبد الله بن سليمان ما جرمي وعبد الله بن جعفر مدهور ومحمد
باقشير ثم ذهب الى الطائف وزار الحبر بن عباس ومدحه بقصائد واجتمع اذ ذاك بالشيخ
السيد عبد الله ميرغني وصار بينهما الود الذى لا يوصف
وفي سنة ثمان وخمسين أذن له بالتوجه الى مصر فنزل الى
جدة وركب منها الى السويس ومصر هرعت اليه اكابر مصر من العلماء والصلحاء وأرباب السجاجيد
والامراء وصارت له معهم المطارحات والمذاكرات ما هو مذكور في رحلته وجمع حواسه
لنشر الفضائل واخلاها عن السوى وهرعت اليه الفضلاء للاخذ والتلقي وتلقي هو عن كل
من الشيخ الملوى والجوهرى والحفني واخيه يوسف وهم تلقوا عنه تبركا وصار أوحد وقته
حالا وقالا مع تنويه الفضلاء به وخضعت له أكابر الامراء على اختلاف طبقاتهم
وصار مقبول الشفاعة عندهم لا ترد رسائله ولا يرد سائله
وطار صيته في المشرق والمغرب
وفي اثناء هذه المدة تعددت له رحلات الى الصعيد الاعلى
والى طندتا والى دمياط والى رشيد واسكندرية وفوة وديروط واجتمع بالسيد علي الشاذلي
وكل منهما أخذ عن صاحبه
وزار سيدى ابراهيم الدسوقي وله في كل هؤلاء قصائد طنانة
ثم سافر الى الشام فتوجه الى غزة ونابلس ونزل بدمشق ببيت
الجناب حسين افندى المرادى وهرعت اليه علماء الشام وأدباؤها وخاطبوه بمدائح واجتمع
بالوزير عثمان باشا في ليلة مولد النبي صلى الله عليه و سلم في بيت السيد علي
افندى المرادى ثم رجع الى بيت المقدس وزار وعاد الى مصر وتوجه الى الصعيد ثم عاد
الى مصر وزار السيد البدوى ثم ذهب الى دمياط
كعادته في كل مرة ثم رجع الى مصر ثم توجه الى رشيد ثم
الاسكندرية ومنها الى اسلامبول فحصل له بها غاية الحظ والقبول ومدح بقصائد وهرعت
اليه الناس أفواجا ورتب له في جوالي مصر كل يوم قرشان ولم يمكث بها الا نحو أربعين
يوما وركب منها الى بيروت ثم الى صيدا ثم الى قبرص ثم الى دمياط وذلك غاية شعبان
سنة تسعين
ثم دخل المنصورة وبات بها ليلة ثم دخل مصر في سابع عشر
رمضان
وكان مدة مكثه في الهند عشرة أعوام وحج سبع عشرة مرة
منها ثلاث بالجمعة وسفره من الحجاز الى مصر ثلاث مرات وللصعيد ست مرات ولدمياط
ثمان مرات
ولم يزل يعلو ويرقى الى ان توفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر
محرم من هذه السنة وخرجوا بجنازته من بيته الذى تحت قلعة الكبش بمشهد حافل وصلي
عليه بالجامع الازهر وقرىء نسبه على الدكة وصلي عليه اماما الشيخ أحمد الدردير
ودفن بمقام ولي الله العتريس تجاه مشهد السيدة زينب ورثي بمرات كثيرة ربما يأتي ذكرها
في تراجم العصريين ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومات الوجيه المبجل عبد السلام أفندى بن أحمد الازرجاني
مدرس
المحمودية كان اماما فاضلا محققا له معرفة بالاصول قرأ
العلوم ببلاده وأتقن في المعقول والمنقول وقدم مصر ومكث بها مدة ولما كمل بناء
المدرسة المحمودية بالحبانية تقرر مدرسا فيها وكان يقرأ فيها الدرر لمنلاخسرو وتفسير
البيضاوي ويورد ابحاثا نفيسة
وكان في لسانه جبسة وفي تقريره عسر وبأخرة تولى امامتها
وتكلف في حفظ بعض القرآن وجوده على الشيخ عبد الرحمن الاجهوري المقرىء وابتنى
منزلا نفيسا بالقرب من الخلوتي وكان له تعلق بالرياضيات وقرأ على المرحوم الوالد
أشياء من ذلك واقتنى آلات فلكية نفيسة بيعت في تركته
مات بعد أن تعلل بالحصبة اياما في يوم الثلاثاء سادس
جمادى الاولى من السنة ولم يخلف بعده في المحمودية مثله وجاهة وصرامة واحتشاما
وفضيلة رحمه الله
ومات الامام العلامة والحبر الفهامة الشيخ أحمد بن عيسى
بن أحمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى الشافعي البراوى ولد بمصر وبها نشأ وقرأ الكثيرى
على والده وبه تفقه وحضر دروس مشايخ الوقت في المعقول والمنقول وتمهروا نجب وعد من
ارباب الفضائل
ولما توفي والده أجلس مكانه بالجامع الازهر واجتمع عليه
طلبة أبيه وغيرهم واستمرت حلقة درس والده على ما هي عليها من العظم والجلالة
والرونق وافادة الطلبة وكان نعم الرجل صلاحا وصرامة
توفي بطندتا في ليلة الاربعاء ثالث شهر ربيع الاول فجأة
وجيء به الى مصر فغسل في بيته وصلي عليه بالازهر ودفن عند والده بتربة المجاورين
رحمه الله
ومات الوجيه المبجل بقية السلف سيدى عامر بن الشيخ عبد
الله الشبراوى تربى في عز ودلال وسيادة ورفاهية وكان نبيلا الا انه لم يلتفت الى
تحصيل المعارف والعلوم ومع ذلك كان يقتني الكتب النفيسة ويبذل فيها الرغائب
واستكتب عدة كتب بخط المرحوم الشيخ حسن الشغراوى المكتب وهو في غاية الحسن
والنورانية
ومن ذلك مقامات الحريرى
وشروحها للزمزمي وغيره وجلدها وذهبها ونقشوا اسمه في
البصمات المطبوعة في نقش الجلود بالذهب وعندى بعض على هذه الصورة ورسم باسمه الشيخ
محمد النشيلي عدة آلات فلكية وارباع وبسائط وغير ذلك واعتنى بتحريرها واتقانها
وأعطاه في نظير ذلك فوق مأموله وحوى من كل شيء أظرفه وأحسنه من ان الذى يرى ذاته يظنه
غليظ الطبع
توفي رحمه الله يوم الجمعة تاسع عشرين المحرم من السنة
ومات العلامة الفقيه الفاضل الشيخ محمد سعيد بن محمد صفر
ابن محمد بن أمين المدني الحنفي نزيل مكة والمدرس بحرمها تفقه على جماعة من فضلاء
مكة وسمع الحديث على الشيخ محمد بن عقيلة والشيخ تاج الدين القلعي وطبقتهما وبالمدينة
على الشيخ أبي الحسن السندى الكبير وغيره وكان حسن التقرير لما يمليه في دروسه
حضره السيد العيدروس في بعض دروسه وأثنى عليه
وفي آخر عمره كف بصره حزنا على فقد ولده
وكان من نجباء عصره أرسله الى الروم وكان زوجا لابنة
الشيخ ابن الطيب فغرق في البحر
وفي أثناء سنة 1174 ورد مصر ثم توجه الى الروم على طريق
حلب فقرأ هناك شيئا من الحديث وحضره علماؤها ومنهم الشيخ السيد أحمد بن محمد
الحلوى وذكره في جملة شيوخه واثنى عليه ورجع الى الحرمين وقطن بالمدينة المنورة
ومن مؤلفاته الاربعة أنهار في مدح النبي المختار صلى
الله عليه و سلم وله قصيدة مدح بها الشيخ العيدروس
ولما حج الشيخ أحمد الحلوى في سنة تسعين اجتمع به
بالمدينة المنورة وذاكره بالعهد القديم فهش له وبش واستجاز منه ثانيا فأجازه ولم
يزل على حاله المرضية من عبادة وافادة حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامير عبد الرحمن أغا أغات مستحفظان وهو من مماليك
ابراهيم كتخدا وتقلد الاغاوية في سنة سبعين كما تقدم واستمر فيها الى
سنة تسع وسبعين
فلما نفي علي بك النفية الاخيرة عزله خليل بك وحسين بك
وقلدوا عوضه قاسم أغا فلما رجع علي بك ولاه ثانيا وتقلد قاسم أغا صنجقا فاستمر
فيها الى سنة ثلاث وثمانين فعزله وقلد عوضه سليم أغا الوالي وقلد موسى أغا واليا
عوضا عن سليم المذكور وكلاهما من مماليكه
وأرسل المترجم الى غزة حاكما وأمره أن يتحيل على سليط
ويقتله
وكان رجلا ذا سطوة عظيمة وفجور فلم يزل يعمل الحيلة عليه
حتى قتله في داره وأرسل برأسه الى علي بك بمصر وهي أول نكتة تمت لعلي بك بالشام
وبها طمع في استخلاص الشام فلما حصلت الوحشة بين محمد بك وسيده علي بك انضوى الى
محمد بك
فلما استبد بالامر قلده أيضا الاغاوية فاستمر فيها مدته
ولما مات محمد بك انحرف عليه مراد بك وعزله وولى عوضه
سليمان أغا وذلك في سنة تسعين ولما وقعت المنافرة بين اسمعيل بك والمحمدية انضم
الى اسمعيل بك ويوسف بك واجتهد في نصرتهما وصار يكر ويفر ويجمع الناس ويعمل
المتاريس ويعضد المتاريس ويعمل الحيل والمخادعات ويذهب ويجيء الليل والنهار حتى تم
الامر وهرب ابراهيم بك ومراد بك واستقر اسمعيل بك ويوسف بك فقلداه الاغاوية أيضا
فاستمر فيها مدته فلما خرج اسمعيل بك الى الصعيد محاربا للمحمديين تركه فاستقل
بأحكامها وكذلك مدة غياب محمد بك بالشام
فلما خان العلوية اسمعيل بك وانضموا الى المحمدية ورجع
اسمعيل بك على تلك الصورة كما ذكر خرج معه الى الشام الى ان تفرق أمرهم فأراد
التحول الى جهة قبلي فأنضم معه كثير من الاجناد والمماليك وساروا الى أن وصلوا
قريبا من العادلية فأرسل مملوكا له أسود ليأتيه بلوازم من داره ويأتيه بحلوان فانه
ينتظره هناك وحلوان كانت في التزامه وعدى مع الجماعة من خلف الجبل ونزلوا بحلوان
وركبوا وساروا وتخلف هو عنهم للقضاء المقدر ينتظر خادمه فبات
هناك
وحضر بعض العرب وأخبر مراد بك فأرسل الرصد لذلك العبد
وركب هو في الحال وأتاه الرصد بالعبد في طريق ذهابه فأستخبره فأعلمه بالحقيقة بعد
التنكر فسار مستعجلا الى ان أتى حلوان واحتاط بها وهجمت طوائفه على دوار الاوسية
وأخذوه قبضا باليد وعروه ثيابه حتى السراويل وسحبوه بينهم عريانا مكشوف الرأس والسوأتين
وأحضروه بين يدي مراد بك فلما وقعت عينيه عليه أمر بقطع يديه وسلموه لسواس الخيل
يصفعونه ويضربونه على وجهه ثم قطعوا رقبته حزا بسكين ويقولون له انظر قرص البرغوث
يذكرونه قوله لمن كان يقتله لا تخف يا ولدى انما هي كقرصة البرغوث ليسكن روع
المقتول على سبيل الملاطفة
فكانوا يقولون ذلك على سبيل التبكيت
ودخل مراد بك في صبحها برأسه امامه على رمح ودفن كما ذكر
ولم يأت بعده في منصبه من يدانيه في سياسة الاحكام والقضايا والتحيلات على
المتهومين حتى يقروا بذنوبهم وكان نقمة الله على المعاكيس وخصوصا الخدم الأتراك
المعروفين بالمسراجين
واتفق له في مبادى ولايته انه تكرر منه اذيتهم فشكوا منه
الى حسين بك المقتول فخاطبه في شأنهم فقال له هؤلاء أقبح خلق الله وأضرهم على
المسلمين وأكثرهم نصارى ويعملون أنفسهم مسلمين ويخدمونكم ليتوصلوا بذلك الى ايذاء
المسلمين وان شككت في قولي أعطني اذنا بالكشف عليهم لا ميز المختون من غيره
فقال له الصنجق
افعل ما بدا لك
فلما كان في ثاني يوم هرب معظم سراجين الصنجق ولم يتخلف
منهم الا من كان مسلما ومختونا وهو القليل فتعجب حسين بك من فطانته ومن ذلك الوقت
لم يعارضه في شيء يفعله وكذلك علي بك ومحمد بك
ولما خالف محمد بك على سيده وانفصل عنه وذهب الى قبلي
وانضم اليه خشداشة أيوب بك وتعاقدا وتحالفا على المصحف والسيف ونكث ايوب بك
العهدوقضى محمد بك عليه بقطع يده ولسانه ارسل اليه عبد الرحمن
أغا هذا ففعل به ذلك ولما حضر اليه ليمثل به ودخل اليه
وصحبته الجلاد وصار يقول للجلاد ارفق بسيدي ولا نؤلمه ونحو ذلك
ولما ملك محمد بك ودخل مصر أرسله الى عبد الله بك كتخدا
الباشا الذى خامر على سيده وانضم الى علي بك فذهب اليه وقيض عليه ورمى عنقه في وسط
بيته ورجع برأسه الى مخدومه وباشر الحسبة مدة مع الاغاوية
وكان السوقة يحبونه وتولى ناظرا على الجامع الازهر مدة
وكان يحب العلماء ويتأدب مع أهل العلم ويقبل شفاعاتهم وله دهقنة وتبصر في الامور
وعنده قوة فراسة وشدة حزم حتى غلب القضاء على حزمة عفا الله عنه
ومات الامير عبد الرحمن بك وهو من مماليك علي بك وصناجقة
الذين أمرهم ورقاهم فهو خشداش محمد بك ابي الذهب وحسن بك الجداوي وأيوب بك ورضوان
بك وغيرهم
وكان موصوفا بالشجاعة والاقدام فلما انقضت أيام علي بك
وظهر أمر محمد بك خمل ذكره مع خشدشينه الى أن حصلت الحادثة بين المحمديين واسمعيل
بك فرد لهم امرياتهم الا عبد الرحمن هذا فبقى على حاله مع كونه ظاهر الذكر
فلما كان يوم قتل يوسف بك وكان هو أول ضارب فيه
وهرب في ذلك اليوم من بقى من المحمدية وأخرج باقيهم
منفيين ردوا له صنجقيته كما كان ثم طلع مع خشداشينه لمحاربتهم بقبلي ثم والسوا على
اسمعيل بك وانضموا اليهم ودخلوا معهم الى مصر كما ذكر
ثم وقع بينهم التحاقد والتزاحم على انفاذ الامر والنهي
وكان اعظم المتحاقدين عليهم مراد بك وهم له كذلك وتخيل الفريقان من بعضهم البعض
ودخل المحمدية الخوف الشديد من الطلوية الى أن صاروا لا يستقرون في بيوتهم فلازموا
الخروج الى خارج المدينة والمبيت بالقصور
وخرج ابراهيم بك واتباعه الى جهة العادلية ومراد بك
واتباعه الى جهة مصر القديمة
فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى اصبح مراد بك
منتفخ الاوداج من القهر فاختلى مع من
يركن اليهم من خاصته وقال لهم اني عازم في هذا اليوم على
طلب الشر مع الجماعة
وقالوا وكيف نفعل
قال نذهب الى مرمى النشاب ولا بد أن يأتينا منهم من يأتي
فكل من حضر عندنا منهم قتلناه ويكون ما يكون بعد ذلك
ثم ركب ونزل بمصاطب النشاب وجلس ساعة فحضر اليه عبد
الرحمن بك المذكور وعلي بك الحبشي فجلسا معه حصة ومراد بك يكرر لاتباعه الاشارة
بضربهما وهم يهابون ذلك ففطن له سلحدار عبد الرحمن بك فغمز سيده برجله فهم بالقيام
فابتدره مراد بك وسحب بالته وضربه في رأسه فسحب الآخر بالته واراد ان يضربه فألقى
بنفسه من فوق المصطبة الى اسفل وعاجل أتباع عبد الرحمن بك وقتلوه
وفي وقت الكبكبة غطى علي بك الحبشي رأسه بجوخته واختفى
في شجر الجميز وركب في الحال مراد بك وجمع عشيرته وأرسل الى ابراهيم بك فحضر من
القبة الى القلعة وكان ما ذكر واستمر عبد الرحمن بك مرميا بالمصطبة حتى حضر اليه اتباعه
وشالوه ودفنوه بالقرافة
ومات الامير أحمد بك شنن واصله مملوك الشيخ محمد شنن
المالكي شيخ الازهر فحصل بينه وبين ابن سيده وحشة ففارقه ودخل في سلك الجندية وخدم
علي بك واحبه ورقاه وأمره الى أن قلده كتخدا الجاويشية فلم يزل منسوبا اليه ومنضما
الى اتباعه
وتقلد الصنجقية وصاهره حسن بك الجداوى وتزوج بأبنته وبنى
لها البيت بدرب سعادة ولم يزل حتى قتل في هذه الواقعة وكان فيه لين جانب ظاهري
ويعظم اهل العلم ويظهر لهم المحبة والتواضع
ومات الامير ابراهيم بك طنان وهو من مماليك حسن افندي مملوك
ابراهيم أفندي المسلماني وكانوا عدة وعزوة معروفين ومشهورين في البيوت القديمة
ومنهم مصطفى جربجي وأحمد جربجي
ثم لما ظهر أمر علي بك انتسبوا اليه وخرجوا مع محمد بك
عندما ذهب لمحاربة خليل بك
وحسين بك كشكش ومن معهم بناحية المنصورة فوقع في المقتلة
احمد جربجي المذكور وأعجب بهم محمد بك في تلك الواقعة فأحبهم وضمهم اليه ولازموه
في الأسفار والحروبات
ولما خالف علي سيده علي بك وهرب الى الصعيد خرجوا معه
كذلك ومات مصطفى جربجي على فراشه بمصر أيام علي بك وصار كبيرهم والمشار اليه فيهم
ابراهيم جربجي
فلما محمد بك وتعين في رياسة مصر قلده صنجقا ونوه بشأنه
وانعم عليه واعطاه بلادا مضافة الى بلاده منها سندبيس ومنية حلفة وباقي الامانة
وكان عسوفا ظالما الفلاحين لا يرحمهم وله مقدم من أقبح
خليقة الله من منية حلفة فيغرى بالفلاحين ويسجنهم ويعذبهم ويستخلص لمخدومه منهم
الاموال ظلما وعداونا
فلما حصلت تلك الحادثة وهرب ابراهيم بك المذكور مع
اسمعيل بك اجتمع الفلاحون على ذلك المقدم وقتلوه وحرقوه بالنار
وكان ابراهيم بك هذا ملازما على زيارة ضرائح الاولياء في
كل جمعة يركب بعد صلاة الصبح الى القرافة ويزور قبور البستان وقبور اسلافه ثم يذهب
الى زيارة الشافعي ويخرج منه ماشيا فيزور الليث وما جاوزهما من المشاهد المعروفة
كيحيى الشييه والسادات الثعالبة والعز وابن حجر وابن جماعة وابن ابي جمرة وغير ذلك
وكان هذا دأبه في كل جمعة
ولما وقعت الحوادث خرج مع اسمعيل بك الى غزة فلما سافر
اسمعيل بك ونزل البحر تخلف عنه ومات ببعض ضياع الشام وظهر له بمصر ودائع اموال لها
صورة
ومات الامير ابراهيم بك بلفيا المعروف بشلاق وهو مملوك
عبد الرحمن أغا بلفيا بن ابراهيم بك وعبد الرحمن أغا هذا هو أخو خليل بك
وكان علي بك ضمه اليه وأعجبه شجاعته فقلده صنجقا وصار من
جملة صناجقه وامرائه ومحسوبا منهم
فلما حصلت هذه الحادثة كان فيهم وقتل معهم
ومات الامير الكبير حسن بك رضوان أمير الحاج وهو مملوك
عمر بك بن حسين رضوان تقلد الصنجقية بعد موت سيده وجلس في بيته
وطلع اميرا بالحج سنة ثمان وسبعين وتسع وسبعين وعمل
دفتردار مصر ثم عزل عنها وطلع بالحج في سنة احدى وثمانين وسنة اثنتين وثمانين وقلد
رضوان بك مملوكه صنجقا
فلما تملك علي بك نفى رضوان بك هذا فيمن نفاهم في سنة واحد
وثمانين ثم رده ثم نفاه مع سيده بعد رجوعه من الحج في سنة ثلاث وثمانين الى مسجد وصيف
ثم نقل الى المحلة الكبرى فأقام بها الى سنة احدى وتسعين فكانت مدة اقامته بالمحلة
نحو ثمان سنين
فلما تملك اسمعيل بك احضره الى مصر وقلده امارة الحج سنة
واحد وتسعين كما ذكر فلما انضم العلوية الى المحمدية ورجعوا الى مصر وهرب اسمعيل
بك بمن معه الى الشام لم يخرج معه وبقي بمصر لكونه ليس من قبيلتهم وانضوى الى
العلوية كغيره لظنهم نجاحهم فوقع لهم ما وقع وقتل مع احمد بك شنن بشير او أوتوا
بهما الى بيوتهما وكل منهما ملفوف في قطعة خيمة ودفن حسن بك المذكور عليه رحمة
الله وكان أميرا جليلا مهذبا كريم الاخلاق لين الجانب يحب اهل الصلاح والعلم وعاشر
بالمحلة صاحبنا الفاضل اللبيب الاديب الشيخ شمس الدين السمربائي الفرغلي واحبه واغتبط
به كثيرا واكرمه وحجزه عنده مدة اقامته بالمحلة ومنعه عن الذهاب الى بلده الا
لزيارة عياله فقط في بعض الاحيان ثم يعود اليه سريعا ويستوحش لغيابه عنه فكان لا
يأتنس الا به
وللشيخ شمس الدين فيه مدائح ومقامات وقصائد
سنة ثلاث وتسعين والف في يوم السبت خامس المحرم وصل الى
مصر اسمعيل باشا والي مصر وبات ببر انبابة ليلة السبت المذكور وركب الامراء في
صبحها وقابلوه
ورجعوا وعدى الآخر وركب الى العادلية وجلس بالقصر وتولى
أمر السماط مصطفى بك الصغير
وفي يوم الثلاثاء من المحرم ركب الباشا بالموكب ودخل من
باب النصر وشق القاهرة وطلع الى القلعة وعملوا له شنكا ومدافع ووصل الخبر بنزول
اسمعيل بك الى البحر وسفره من الشام الى الروم وغاب أمره
وفي أواخر شهر ربيع الاول وقعت حادثة بالجامع الازهر بين
طائفة الشوام وطائفة الاتراك بين المغرب والعشاء فهجم الشوام على الاتراك وضربوهم
فقتلوا منهم شخصا وجرحوا منهم جماعة فلما أصبحوا ذهب الاتراك الى ابراهيم بك
وأخبروه بذلك فطلب الشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والمتكلم على طائفة
الشوام وسأله عن ذلك فأخبره عن أسماء جماعة وكتبهم في ورقة وعرفه ان القاتلين
تغيبوا وهربوا ومتى ظهروا أحضرهم اليه ولما توجه من عنده تفحص ابراهيم بك عن مسميات
الاسماء فلم يجد لهم حقيقة فأرسل الى الشيخ احمد العروسي شيخ الازهر وأحضر بقية
المشايخ وطلب الشيخ عبد الرحمن فتغيب ولم يجدوه فاغتاظ ابراهيم بك ومراد بك وعزلوه
عن الافتاء وأحضروا الشيخ محمد الحريرى وألبسوه خلعة ليكون مفتي الحنفية عوضا عن
الشيخ عبد الرحمن وحثوا خلفه بالطلب ليخرجوه من البلدة منفيا فشفع فيه شيخ السادات
وهرب طائفة الشوام بأجمعهم وسمر الاغا رواقهم ونادوا عليهم
واستمر الامر على ذلك اياما ثم منعوا المجادلة والطبرية
من دخول الرواق ويقطع من خبزهم مائة رغيف تعطى للاتراك دية المقتول وكتب بذلك محضر
باتفاق المشايخ والامراء وفتحوا الرواق ومرض الشيخ العريشي من قهره وتوفي رابع
جمادى الاولى
وفي أواخر شهر جمادى الثانية توفي الشيخ محمد عبادة
المالكي
وفيهه جاءت الاخبار بان حسن بك ورضوان بك قوى أمرهم
وجمعوا جموعا وحضروا الى دجرجا والتف عليهم أولاد همام والجعافرة واسمعيل ابو علي
فتجهز مراد بك وسافر قبله أيوب بك الصغير ثم سافر هو أيضا فلما قربوا من دجرجا ولى
القبالي وصعدوا الى فوق فأقام مراد بك في دجرجا الى أوائل رجب وقبض على اسمعيل أبي
علي وقتله ونهب ماله وعبيده وفرق بلاده على كشافه وجماعته
وفي منتصف شهر رجب ظهر بمصر وضواحيها مرض سموه بأبي
الركب وفشا في الناس قاطبة حتى الاطفال وهو عبارة عن حمى ومقدار شدته ثلاثة أيام
وقد يزيد على ذلك وينقص بحسب اختلاف الامزجة ويحدث وجعا في المفاصل والركب
والاطراف ويوقف حركة الاصابع وبعض ورم ويبقى أثره اكثر من شهر ويأتي الشخص على
غفلة فيسخن البدن ويضرب على الانسان دماغه وركبه ويذهب بالعرق والحمام وهو من الحوادث
الغريبة
وفي عشرين رجب وصل مراد بك من ناحية قبلي وصحبته منهوبات
وأبقار وأغنام كثيرة
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه الموافق لثاني شهر مسرى
القبطي وفا النيل المبارك ثم زاد في ليلتها زيادة كثيرة حتى علا على السد وجرى
الماء في الخليج بنفسه وأصبح الناس فوجدوا الخليج جاريا وفيه المراكب فلم تحصل الجمعية
ولم ينزل الباشا على العادة
وفي أواخر شهر شعبان وصل الى مصر قابجي باشا وبيده أوامر
بعزل اسمعيل باشا عن مصر ويتوجه الى جدة وان ابراهيم باشا والي جدة يأتي الى مصر
وفرمان آخر بطلب الخزينة
وفي شهر شوال وصلت الاخبار بموت علي بك السروجي وحسن بك
سوق السلاح بغزة
وفي يوم الخميس ثامن عشر شوال عمل موكب المحمل وخرج
الحجاج وأمير الحاج مراد بك وخرج في موكب عظيم وطلب كثير وتفاخر وماجت مصر وهاجت
في أيام خروج الحج بسبب الاطلاب وجمع الاموال وطلب الجمال والبغال والحمير وغصبوا
بغال الناس ومن وجدوه راكبا على بغلة أنزلوه عنها وأخذوها منه قهرا فان كان من الناس
المعتبرين أعطوه ثمنها والا فلا وغلت أسعارها جدا ولم يعهد حج مثل هذه السنة في كل
شيء
وسافر فيه خلائق كثيرة من سائر الاجناس وسافر صحبة مراد
بك اربع صناجق وهم عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وعلي بك المالطي وذو
الفقار بك وأمراء واغوات وغير ذلك أكابر كثيرة وأعيان وتجار
وفيه حضر واحد أغا وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على مصر
كما كان وكان لما أتاه العزل نزل من القلعة في غرة رمضان وصام رمضان في مصر العتيقة
ولما انقضى رمضان تحول الى العادلية ليتوجه الى السويس
ويذهب الى جدة حسب الاوامر السابقة فقدر الله بموت ابراهيم باشا وحضر التقرير له بالولاية
ثانيا فركب في يوم الاثنين سادس القعدة وطلع الى القلعة من باب الجبل
من مات في هذه السنة من الاعيان مات الشيخ الفقيه الامام
الفاضل شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن عمر العريشي الحنفي الازهرى ولد بقلعة العريش من
اعمال غزة وبها نشأ وحفظ بعض المتون ولما مر عليه الشيخ العرف السيد منصور السرميني
في بلده وجده متيقظا نبيها وفيه قوة استعدادية وحافظة جيدة فأخذه صحبته في صورة
معين في الخدمة وورد معه مصر فكان ملازما له لا يفارقه وأذن له بالحضور في الازهر
فكان يحضر دروس الشيخ أحمد البيلي وغيره في النحو والمعقول
ولما توجه السيد المشار اليه الى البلاد تركه
ليشتغل بالعلم فلازم الشيخ أحمد السليماني ملازمة جيدة
وحضر عليه غالب الكتب المستعملة في المذهب وحضر دروس الشيخ الصعيدى والشيخ الحفني
ولقنه الذكر وأجازه والبسه التاج الخلوتي
ثم اجتمع بالمرحوم الوالد حسن الجبرتي ولازمه كلية ودرجة
في الفتوى ومراجعة الاصول والفروع وأعانه على ذلك وجد ان الكتب الغريبة عند
المرحوم فترونق ونوه بشأنه وعرفه الناس وتولى مشيخة رواق الشوام وبه تخرج الحقير
في الفقه
فأول ما حضرت عليه متن نور الايضاح للعلامة الشرنبلالي
ثم متن الكنز وشرحه لملا مسكين والدر المختار شرح تنوير الابصار ومقدار النصف من
الدرر وشرح السيد علي السراجية في الفرائض
وكان له قوة حافظة وجودة فهم وحسن ناطقة فيقرر ما يطالعه
من المواد عن ظهر قلبه من حفظه بفصاحة من غير تلعثم ولا تركيز
وحج في سنة تسع وسبعين من القلزم منفردا متقشفا وأدرك
بالحرمين الاخيار وعاد إلى مصر وحصلت له جذبة في سنة ست وثمانين وترك عياله وانسلخ
عن حاله وصار يأوى الى الزوايا والمساجد ويلقي دروسا من الشفاء وطرق القوم وكلام سيدي
محي الدين والغزالي
ثم تراجع قليلا وعاد الى حالته الاولى ولما توفي مفتي
الحنفية الشيخ أحمد الحماقي تعين المترجم في الافتاء وعظم صيته وتميز على أقرانه
واشترى دارا حسنة بالقرب من الجامع الازهر وهي التي كانت سكن الشيخ الحفني في
السابق وتعرف بدار القطرسي
وتردد الاكابر والاعيان اليه وانكبت عليه اصحاب الدعاوى
والمستفتون وصار له خدم واتباع وفراشون وغير ذلك
وسافر الى اسلامبول بعد موت الامير محمد بك لقضاء بعض
الاغراض وقرأ هناك كتاب الشفاء ورجع الى مصر وكان كريم النفس سمحا بما في يده يحب
اطعام الطعام ويعمل عزائم للامراء ويخلع عليهم الخلع ولما زاد انحطاط الشيخ أحمد الدمنهورى
وتبين قرب وفاته وفراغ اجله تاقت نفس المترجم
لمشيخة الازهر اذ هي أعظم مناصب العلماء فاحب الاستيلاء
عليها والتوصل اليها بكيفية وطريقة فحضر مع شيخ البلد ابراهيم بك الى الجامع
الازهر وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم ان الشيخ أحمد الدمنهورى اقامه وكيلا عنه
وبعد ايام توفي الشيخ الدمنهورى فتعين هو للمشيخة بتلك الطريقة وساعده استمالة
الامراء وكبار الاشياخ والشيخ أبو الانوار السادات وما مهده معهم في تلك الايام وكاد
يتم الامر فأنتدب لنقض ذلك بعض الشافعية الخاملين وذهبوا الى الشيخ محمد الجوهرى
وساعدهم وركب معهم الى بيت الشيخ البكرى وجمعوا عليهم جملة من أكابر الشافعية مثل
الشيخ أحمد العروسي والشيخ احمد السمنودى والشيخ حسن الكفراوى وغيرهم وكتبوا
عرضحال الى الامراء مضمونه ان مشيخة الازهر من مناصب الشافعية وليس للحنفية فيها
قديم عهد أبدا وخصوصا اذا كان آفاقيا وليس من أهل البلدة
فان الشيخ عبد الرحمن كذلك وموجود في العلماء الشافعية
من هو أهل لذلك في العلم والسن وانهم اتفقوا على ان يكون المتعين لذلك الشيخ أحمد
العروسي وختم الحاضرون على ذلك العرضحال وأرسلوه الى ابراهيم بك ومراد بك فتوقفوا
وأبوا وثارت فيهم العصبية وشددوا في عدم النقض ورجع الجواب للمشايخ بذلك فقاموا
على ساق وشدد الشيخ محمد الجوهري في ذلك وركبوا بأجمعهم وخرجوا الى القرافة وجلسوا
بجامع الامام الشافعي وباتوا به
وكان ذلك ليلة الجمعة واجتماع الناس للزيارة فهرعت الناس
واجتمع الكثير من العامة ينظرون فيما يؤول اليه هذا الامر وكان للامراء اعتقاد
وميل للشيخ محمد بن الجوهرى وكذلك نساؤهم وأغواتهم بسبب تعففه عنهم وعدم دخول
بيوتهم ورد صلاتهم وتميزه بذلك عن جميع المتعممين
فسعى أكثرهم في انفاذ غرضه وراجعوا مراد بك وأوهموه حصول
العطب له ولهم أو ثوران فتنة في البلد وحضر اليهم علي
أغا كتخدا الجاويشة وحاججهم وحاججوه ثم قام وتوجه وحضر
مراد بك أيضا للزيارة فكلمه الشيخ محمد وقال لا بد من فروة تلبسها للشيخ العروسي
وهو يكون شيخا على الشافعية وذاك شيخا على الحنفية كما ان الشيخ أحمد الدردير شيخ
المالكية والبلد بلد الامام الشافعي وقد جئنا اليه وهو يأمرك بذلك وان خالفت يخشى
عليك
فما وسعه الا أنه أحضر فروة وألبسها للشيخ العروسي عند
باب المقصورة وركب مراد بك متوجها وركب المشايخ وبينهم الشيخ العروسي وذهبوا الى
ابراهيم بك ولم يكن الامراء رأوا الشيخ العروسي ولا عرفوه قبل ذلك فجلسوا مقدار
مسافة شرب القهوة وقاموا متوجهين ولم يتكلم ابراهيم بك بكلمة
فذهب الشيخ العروسي الى بيته وهو بيت نسيبه الشيخ أحمد
العريان واجتمع عليه الناس وأخذ شأنه في الظهور
واحتد العريشي وذهب الى الشيخ السادات والامراء فألبسوه
فروة أيضا فتفاقم الامر وصاروا حزبين وتعصب للمترجم طائفة الشوام للجنسية وطائفة
المغاربة لانضمام شيخهم الشيخ أبي الحسن القلعي معه من أول الامر وتوعدوا من كان
مع الفرقة الاخرى وحذروهم ووقفوا لمنعهم من دخول الجامع وابن الجوهرى يسوس القضية
ويستميل الامراء وكبار المشايخ الذين كانوا مع العريشي مثل الشيخ الدردير والشيخ
أحمد يونس وغيرهم واستمر الأمر على ذلك نحو سبعة أشهر الى ان اسعفت العروسي
العناية ووقعت الحادثة المذكورة بين الشوام والاتراك واحتد الامراء الاتراك
للجنسية وأكدوا في طلب المحاققة وتصدى العريشي للشوام المذب عنهم وحصل منه ما حصل
لاجل خلاصهم
فعند ذلك انطلقت عليه الالسن وأصبح الصديق عدوا وانحرف
عنه الامراء وطلبوه فاختفى وعين لطلبه الوالي واتباع الشرطة وعزلوه من الافتاء
أيضا
وحضر الاغا وصحبته الشيخ العروسي الى الجامع للقبض على
الشوام فأختفوا وفروا وغابوا عن الاعين فأغلقوا
رواقهم وسمروه أياما ثم اصطلحوا على الكيفية المذكورة
آنفا وظهر العروسي من ذلك اليوم وثبتت مشيخته ورياسته وخمل العريشي وأمروه بلزوم
بيته ولا يقارش في شيء ولا يتداخل في أمر فعند ذلك اختلى بنفسه وأقبل على العبادة والذكر
وقراءة القرآن ونزلت له نزلة في أنثييه من القهر فأشاروا عليه بالفصد وفصدوه
فازداد تألمه وتوفي ليلة الخميس سابع جمادى الاولى من السنة وجهز بصباحه وصلي عليه
بالازهر في مشهد حافل وحضره مراد بك وكثير من الامراء وعلي أغا كتخدا الجاويشية
ودفن برحاب السادة الوقائية وذلك بعد الحادثة بتسعة وثلاثين يوما رحمه الله تعالى
ومن آثاره رسالة ألفها في سر الكنى باسم السيد أبي
الانوار بن وفي أجاد فيها ووصلت الى زبيد وكتب عليها الشيخ عبد الخالق بن الزين
حاشية وقرظ عليها الشيخ العروسي والشيخ الصبان وله غير ذلك
ومات الشريف السيد قاسم بن محمد التونسي كان اماما في
الفنون وله يد طولى في العلوم الخارجة مثل الطب والحرف وكان معه وظيفة تدريس الطب
بالبيمارستان المنصورى وتولى مشيخة رواق المغاربة مرتين والاولى استمر فيها مدة
وفي تلك المدة حصلت الفتن ثم عزل عنها وأعاد الدروس في مدرسة السيوفيين المعروفة
الآن بالشيخ مطهر وله تقريظ على المدائح الرضوانية جمع الشيخ الاكاوى أحسن فيها
وكان ذا شهامة وصرامة في الدين صعبا في خلقه وربما أهان بعض طائفة النصارى عند
معارضتهم له في الطريق وأهين بسبب ذلك من طرف بعض الامراء وتحزبت له العلماء وكادت
ان تكون فتنة عظيمة ولكن الله سلم
توفي بعد ان تعلل كثيرا وهو متولي مشيخة رواقهم وهي المرة
الثانية وكان له باع في النظم والنثر فممنها مدائحه في الامير رضوان كتخدا الجلفي
له فيه عدة قصائد فرائد مذكورة في الفوائح الجنانية
ومات الامام الفهامة الالمعي الاديب واللوذعي النجيب
الشيخ محمد لهباوى الشهير بالدمنهورى اشتغل بالعلم حتى صار اماما يقتدى به ثم
اشتغل بالطريق وتلقن الاسماء وأخذت عليه العهود وصار خليفة مجازا بالتلقين
والتسليك وحصل به النفع
وكان فقيها دراكا فصيحا مفوها أديبا شاعرا له باع طويل
في النظم والنثر والانشاء ولما تملك علي بك بعد موت شيخه الحفني طلبه اليه وجعله كاتب
انشائه ومراسلاته وأكرمه اكراما كثيرا ومدحة بقصائد ولم يزل منضويا اليه مدة دولته
ومات السيد قاسم بن محمد بن محمد علي بن أحمد بن عامر بن
عبد الله ابن جبريل بن كامل بن حسن بن عبد الرحمن بن عثمان بن رمضان بن شعبان ابن
أحمد بن رمضان بن محمد بن القطب أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي تراب علي بن أبي
عبد الله الحسين بن ابراهيم بن محمد بن أحمد ابن محمد بن محمد بن أبي جعفر محمد بن
الحسن بن الحسن بن اسمعيل الديباج بن ابراهيم بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن
علي بن أبي طالب أحد الاشراف الصحيحي النسب بمصر فجده أبو جعفر يعرف بالثج لثجثجة
في لسانه وحفيده الحسين بن ابراهيم يعرف بأبن بنت الروبدى وحفيده علي بن محمد
مدفون بالصعيد في بلد يقال له دمشاو باشم والمترجم هو والد السيدين الجليلين
اسمعيل وابراهيم المتقدم ذكرهما صحح هذا النسب شيخنا السيد محمد مرتضى كما ترى
وكان حمام البابا في ملكه مما خلفه له سلقه فكان يجلس فيه وكان شيخا مهيبا معمرا
منور الشيبة كريم الاخلاق متعففا مقبلا على شأنه رحمه الله تعالى
ومات الامام العارف الصوفي الزاهد أحمد بن عبد الله بن
محمد بن علي ابن سعيد بن حم الكتاني السوسي ثم التونسي ولد بتونس ونشأ في حجر
والده في عفة وصلاح وعفاف وديانة وقرأ عليه وعلى شيخ الجماعة سيدى محمد الغرباوى
وعلى آخرين وتكمل في العلوم والمعارف مع صفاء
ذهنه وسرعة ادراكه وتوقد خاطره وكمال حافظته وكان والده
يحبه ويعتمد على ما يقوله في تحرير نقله ويصرح بذلك في اثناء درسه
وقد بلغ المترجم من الصلاح والتقوى الى الغاية واشتهر
أمره في بلاد افريقية اشتهارا كليا حتى أحبه الصغير والكبير وكان منفردا عن الناس
منقبضا عن مجالسهم فلا يخرج عن محله الا لزيارة ولي أو في العيدين لزيارة والده وكان
المرحوم علي باشا والي تونس فيه اعتقاد عظيم وعرض عليه الدنيا مرارا فلم يقبلها
وعرضت عليه تولية المدارس التي كانت بيد والده فأعرض عنها وتركها لمن يتولاها وعكف
نفسه على مذاكرة العلوم مع خواص أصحابه ومطالعة الكتب الغريبة واجتمع عنده منها
شيء كثير وكان يرسل في كل سنة قائمة الى شيخنا السيد مرتضى فيشتري له مطلوبه وكان
يكاتبه ويراسله كثيرا
ومات الفقيه الاديب الماهر أحمد بن عبد الله بن سلامة
الادكاوى نزيل الاسكندرية وأمه شريفة من ذرية السيد عيسى بن نجم خفير بحر البرلس
كان حسن المحاورة ولديه فضل ويحفظ كثيرا من الاشياء منها المقامات الحريرية وغيرها
من دواوين الشعر
وناب عن القضاء في الثغر مدة وكان يتردد الى مصر احيانا
وجمع عدة دواوين شعرية من المتقدمين والمتأخرين نحو المائتين وطالع كثيرا منها مما
لم يملكه
ولم يزل على حالة مرضية حتى توفي بالثغر سنة تاريخه
ومات الشيخ الصالح المعمر خالد أفندى بن يوسف الديار
بكرلي الواعظ كان يعظ الاتراك بمكة على الكرسي ثم ورد مصر ولازم حضور الاشياخ بمصر
والوعظ للاتراك وحضر معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى في دروس الصحيح بجامع شيجون
في سنة 1190 وفي الامالي والشمائل في جامع أبي محمود الحنفي وأخبر انه دخل دمشق
وحضر دروس الشيخ اسمعيل العجلوني وأجازه وأدرك جلة الاشياخ بديار
بكر والرها وازروم
وكان رجلا صالحا منكسرا وله مرأى حسنة ولا زال على
طريقته في الحب والملازمة حتى مرض أياما وانقطع في بيته ومات في رابع جمادى الاولى
ومات الشيخ الفقيه الكامل والنجيب الفاضل أحد العلماء
الاعلام واوحد فضلاء الانام الشيخ محمد بن عبادة بن برى العدوى ينتهي نسبه الى علي
علي أبي صالح المدفون بالعلوة في بني عدي قدم الى مصر سنة 1164 وجاور بالازهر وحفظ
المتون ثم حضر شيوخ الوقت ولازم دروس علماء العصر ومهر في الفنون وتفقه على علماء
مذهبه من المالكية مثل الشيخ علي العدوى والشيخ عمر الطحلاوى والشيخ خليل والشيخ
الدردير والبيلي وأخذ المعقولات عن شيخه الشيخ علي العدوى الصعيدى وغيره ولازمه
ملازمة كلية وانتسب اليه حسا ومعنى وصار من نجباء تلامذته ودرس الكتب الكبار في
الفقه والمعقول ونوه الشيخ بفضله وأمر الطلبة بالاخذ عنه وصار له باع طويل وذهن وقاد
وقلم سيال وفصاحة في اللسان والتقرير وصواب في التحرير وقوة استعداد واستحضار
وسليفة
ومن تآليفه حاشية على شذور الذهب لابن هشام متداولة بأيدى
الطلبة نافعة وحاشية على مولد النبي صلى الله عليه و سلم للغيطي وابن حجر والهدهدى
وحاشية على شرح بن جماعة في مصطلح الحديث وحاشية عجيبة على جمع الجوامع وعلى السعد
والقطب وعلى ابي الحسن وحاشية على شرح الخرشي وعلى فضائل رمضان وكتابة محررة على
الورقات والرسالة العضدية وعلى آداب البحث والاستعارات
ولم يزل يملي ويقرىء ويفيد ويحرر ويجيد حتى وافاه الحمام
وتوفي في أواخر ششهر جمادى الثانية من السنة بعد ان تعلل بعلة الاستسقاء سنين وكان
يقرأ ليالي المواسم مثل نصف شعبان والمعراج وفضائل رمضان وغير ذلك نيابة عن شيخه
الشيخ
علي الصعيدى العدوى ويجتمع بدرسه الجم الكثير من طلبة
العلم والعامة رحمه الله
ومات الامير علي بك السروجي وهو من مماليك ابراهيم كتخدا
واشرافات علي بك أمره وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم ولقب بالسروجي لكونه كان ساكنا
بخط السروجية
ولما أمره علي بك هو وأيوب بك مملوكه ركب معهما الى بيت
خليل بك بلفيا وخطب لعلي بك هذا اخت خليل بك وهي ابنة ابراهيم بلفيا الكبير وعقد
عقده عليها ثم خطب لايوب بك ابنة خليل بك وعقد للاخرى على أيوب بك في ذلك المجلس
وشربوا الشربات وفرقوا المحارم والهدايا وانصرفوا وعملوا العرس بعد أن جهزهما بما
يليق بأمثالهما وزفوا واحدة بعد أخرى الى الزوج
ولما حصلت الوحشة بين المحمدية واسمعيل بك انضم الى
اسمعيل بك لكونه خشداشه وخرج الى الشام صحبته فلما سافر اسمعيل بك الى الديار
الرومية تخلف المترجم مع من تخلف ومات ببعض ضياع الشام كما ذكر
ومات أيضا الامير حسن بك المعروف بسوق السلاح لسكنه في
تلك الخطة ببيت الست البدوية وأصله مملوك صفية جارية الشيخ أبي المواهب البكرى
وكان بن أخيها فأشترته واستمر في خدمة الشيخ أبي المواهب الى أن مات فسلك في طريق
الاجناد وخدم علي بك الى أن جعله كاشفا في جهة من الجهات القبلية فأقام بها الى أن
خالف محمد بك على سيده علي بك وذهب الى قبلي واجتمعت عليه الكشاف والاجناد وكان
حسن هذا من جملة من حضر اليه بماله ونواله وخيامه وحضر محمد بك الى مصر وملكها من سيده
علي بك
ولم يزل حسن هذا في خدمة محمد بك أبي الذهب فرقاه في الخدم
والمناصب وصنجقه ولم يزل في الامارة مدة محمد بك وأتباعه الى أن خرج مع من خرج
صحبة اسمعيل بك ومات ببعض ضياع الشام والله الموفق
سنة أربع وتسعين ومائة وألف فيها في يوم الخميس حادى عشر
صفر دخل الحجاج الى مصر وامير الحاج مراد بك ووقف لهم االعريان في الصفرة والجديدة
وحصروا الحجاج بين الجبال وحاربوهم نحو عشر ساعات ومات كثير من الناس والغزو
الاجناد ونهبت بضائع وأحمال كثيرة وكذلك من الجمال والدواب والعرب بأعلى الجبال والحج
أسفل كل ذلك والحج سائر
وفي يوم الخميس ثالث شهر رجب اجتمع الأمراء وارسلوا الى
الباشا أرباب العكاكيز وأمروه بالنزول من القلعة معزولا فركب في الحال ونزل الى
مصر العتيقة ونقلوا عزاله ومتاعه في ذلك اليوم واستلموا منه الضربخانة وعمل
ابراهيم بك قائمقام مصر
فكانت مدة ولاية اسمعيل باشا في هذه المرة ثمانية أشهر
تنقص ثلاثة أيام وكان أصله رئيس الكتاب باسلامبول من أرباب الأقلام
وكان مراد بك هذا أصله من مماليكه فباعه لبعض التجار في
معارضة وحضر الى مصر ولم يزل حتى صار أميرها
وحضر سيده هذا في أيام امارته وهو الذي عزله من ولايته
ولكن كان يتأدب معه ويهابه كثيرا ويذكر سيادة عليه وكان هذا الباشا أعوج العنق
للغاية وكان قد خرج له خراج فعالجه بالقطع فعجزت العروق وقصرت فاعوج عنقه وصارت
لحيته عند صدره ولا يقدر على الألتفات الا بكليته الا أنه كان رئيسا عاقلا صاحب طبيعة
ويحب المؤانسة والمسامرة
ولما حضر الى مصر وسمع باوصاف شيخنا الشيخ محمود الكردى
أحبه واعتقده وأرسل له هدية وأخذ عليه العهد بواسطة صديقنا نعمان افندى وكان به
آنسا وقلده أمين الضربخانة
ولما أخذ العهد على الشيخ اقلع عن استعمال البرش والقاه
بظروفه وقلل من استعمال الدخان
وكان عنده
أصناف الطيور المليحة الأصوات وعمل بستانا لطيفا في
الفسحة التي كانت بداخل السراية زرع بها أصناف الزهور والغراس والورود والياسمين
والفل وبوسطه قبة على أعمدة لطيفة من الرخام وحولها حاجز من السلك النحاس الرفيع الاصفر
وبداخلها كثير من عصافير القنارية وعمل لهم أوكارا يأوون اليها ويطيرون صاعدين
هابطين بداخل القبة ويطرب لاصواتهم اللطيفة وانغامهم العذبة وذلك خلاف ما في
الاقفاص المعلقة في المجالس وتلك الاقفاص كلها بديعة الشكل والصنعة
ولما أنزلوه على هذه الصورة انتهب الخدم تلك الطيور
والاقفاص وصاروا يبيعونها في أسواق المدينة على الناس
وفي يوم الجمعة عاشر شعبان الموافق لسابع مسرى القبطي
أوفى النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم السبت بحضرة ابراهيم بك قائمقام مصر
والامراء
وفي أواخر شعبان شرع الامراء في تجهيز تجريدة وسفرها الى
جهة قبلي لاستفحال امر حسن بك ورضوان بك فانه انضم اليهم كثير من الاجناد وغيرهم
وذب اليهم جماعة اسمعيل بك وهم ابراهيم بك قشطة وعلي بك الجوخدار وحسين بك وسليم
بك من خلف الجبل فعندما تحققوا ذلك أخذوا في تجهيز تجريدة وأميرها مراد بك وصحبته
سليمان بك ابو نبوت وعثمان بك الاشقر ولاجين بك ويحيى بك وطلبوا الاحتياجات
واللوازم وحصل منهم الضرر وطلب مراد بك الاموال من التجار وغيرهم مصادرة وجمعوا
المراكب وعطلوا الاسباب وبرزوا بخيامهم الى جهة البساتين
وفيه حضر من الديار الرومية أمير اخور وعلى يده تقرير
لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فوجده معزولا وأنزلوه في بيت بسويقه العزى
وفي يوم الخميس عشرين شوال وكان خروج المحمل والحجاج
صحبة أمير الحج مصطفى بك الصغير
من مات في هذه السنة مات السيد الاجل الوجيه الفاضل
السيد محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم بن مصطفى بن
القطب الكبير سيدى محمد دمرداش الخلوتي ولد بزاوية جدة ونشأ بها ولما توفي والده
السيد عثمان جلس مكانه في خلافتهم وسار سيرا حسنا مع الابهة والوقار وتردد الافاضل
اليه على عادة اسلافه
وكان يعاني طلب العلم مع الرفاهية وبعض الخلاعة ولازم
المرحوم الوالد هو وأولاده السيد عثمان والسيد محمد المتولي الا آن في مطالعة
الفقه الحنفي وغيره في كل يوم بالمنزل ويحضرون أيضا بالازهر وعلى الاشياخ
المترددين عليهم بالزاوية مثل الشيخ محمد الامير والشيخ محمد العروسي والشيخ محمد
بن اسمعيل النفراوى والشيخ محمد عرفة الدسوقي وغيرهم وكان انسانا حسن العشرة
والمودة
توفي في رابع عشر رمضان من السنة ودفن بزاويتهم عند
اسلافهم
ومات الفقيه النبيه المتقن المتفنن الاصولي النحوى
المعقولي الجدلي الشيخ مصطفى المعروف بالريس البولاقي الحنفي كان في الاصل شافعي
المذهب ثم تحنف وتفقه على الشيخ الاسقاطي والسيد سعودى والدلجي وحضر المعقولات على
الشيخ علي الصعيدي والشيخ علي قايتباى والاسكندراني وكان ملازما للسيد سعودى فلما توفي
لازم ولده السيد ابراهيم ولم تطل أيامه فلما مات لازم الشيخ الوالد حسن الجبرتي
ملازمة كلية في المدينة وبولاق وكان يحبه لنجابته واستحضاره ونوه بشأنه ولاحظه
بأنظاره واخذ له تدريس الحنفية بجامع السنانية وجامع الواسطي وعاونه في امور من
الاحكام العامة ببولاق حتى اشتهر ذكره بها وعظم شأنه عند أهلها وصار بيته مثل
المحكمة في القضايا والدعاوى
والمناكحات والخصومات وكان فيه شهامة وقوة جنان وصلابة
رحمه الله تعالى وعفا عنه
ومات الوالي الصالح الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد بن
حسين السندى نزيل المدينة المنورة المشهور بجمعة حضر دروس الشيخ محمد حياة السندى
وغيره من الواردين وجاور بالمدينة نحوا من أربعين سنة وانتفع به طلبة المدينة واشتهرت
بركنه
فكل من قرأ عليه شيئا فتح الله عليه وصار من العلماء
وكان ذا كرم ومروءة وحياء وشفقة توفي في هذه السنة
ومات الشيخ الصالح الوجيه احمد بن عبد الله الرومي الاصل
المصري المكتب الخطاط الملقب بالشكرى جود الخط على جماعة من المشاهير ومهر فيه حتى
برع وأجيز وأجاز على طريقتهم ونسخ بيده عدة مصاحف ودلائل الخيرات وغير ذلك وانتفع
به الناس انتفاعا عاما واشتهر خطه في الآفاق واجاز لجماعة وكان وجيها منور الشيبة
يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى نظيف الثياب حسن الاخلاق مهذبا متواضعا
توفي عشية يوم الاربعاء ثالث جمادى الاولى من السنة وصلي
عليه بالازهر ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى
سنة خمس وتسعين ومائة والف في منتصف المحرم قبض ابراهيم
بك على ابراهيم أغا ببيت المال المعروف بالمسلماني وضربه بالنبابيت حتى مات وأمر
بالقائه في بحر النيل فالقوه وأخرجه عياله بعد أيام من عند شبر افاتوا به الى بيته
وغسلوه وكفنوه ودفنوه ولم يعلم لذلك سبب
وفي يوم السبت سادس عشر صفر نزل الحجاج ودخلوا الى مصر
صحبة المحمل وامير الحاج مصطفى بك في يوم الثلاثاء تاسع عشرة
وفيه جاءت الاخباريات اسمعيل بك وصل من الديار الرومية
الى ادرنه
وطلع من هناك ولم يزل يتحيل حتى خلص الى الصعيد وانضم
الى حسن بك ورضوان بك وباقي الجماعة
وفي اواخر شهر صفر وصلت الاخبار من ناحية قبلي بان مراد
بك خنق ابراهيم بك أوده باشا قيل انه اتهمه بمكاتبات الى اسمعيل بك وحبس جماعة
آخرين خلافه
وفيه وصلت الاخبار بورود باشا الى ثغر سكندرية واليا على
مصر وهو محمد باشا ملك
وفي سادس جمادى الاولى وصل مراد بك ومن معه الى مصر
وصحبته ابراهيم بك قشطة صهر اسمعيل بك وسليم بك أحد صناجق اسمعيل بك بعد ما عقد
الصلح بينه وبينهم وأحضر هؤلاء صحبته رهائن واعطى لاسمعيل بك اخميم واعمالها وحسن
بك قنا وقوص واعمالها ورضوان بك اسنا ولما تم الصلح بينه وبينهم على ذلك أرسل لهم
هدايا وتقادم وأحضر صحبته من ذكر فكانت مدة غيابه ثمانية أشهر وأياما ولم يقع
بينهم مناوشات ولا حرب بل كانوا يتقدمون بتقدمه ويتأخرون بتأخره حتى تم ما تم
وفي منتصف شهر جمادى الاولى سافر علي أغا كتخدا
الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وباقي أرباب الخدم لملاقاة الباشا
وفي غرة شهر رجب وصل الباشا الى بر انبابه وبات هناك
وعدت الامراء في صبحها للسلام عليه ثم ركب الى العادلية
وفي يوم الاثنين ركب الباشا بالموكب من العادلية ودخل
باب النصر وشق من وسط المدينة وطلع الى القلعة وضربوا له المدافع من باب الينكجرية
وكان وجيها جليلا منور الوجه والشيبة
وفي يوم الخميس عملوا الديوان وحضر الامراء والمشايخ
وقرىء التقليد بحضرتهم وخلع على الجميع الخلع المعتادة
وفي يوم الاحد المبارك ليلة النصف من شعبان الموافق لاول
مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا وكسروا السد بحضرته على العادة
صبح يوم الاثنين
من مات في هذه السنة من الائمة والاعيان توفي شيخنا
الامام العارف كعبة كل ناسك عمدة الواصلين وقدوة السالكين صاحب الكرامات الظاهرة والاشارات
الباهرة شيخنا وأستاذننا الشيخ محمود الكردي الخلوتي حضر الى مصر متجردا مجاهدا
مجتهدا في الوصول الى مولاه زاهدا كل ما سوأه فأخذ العهد وتلقن الذكر من الاستاذ
شمس الدين الحفني وقطع الاسماء وتنزلت عليه الاسرار وسطعت على غرته الانوار وأفيض
على نفسه القدسية انواع العلوم المدنية
وله رسالة في الحكم ذكر ان سبب تأليفه لها انه رأى الشيخ
محي الدين العربي رضي الله عنه في المنام أعطاه مفتاحا وقال له افتح الخزانة
فاستيقظ وهي تدور على لسانه ويرد على قلبه انه يكتبها
قال فكنت كلما صرفت الوارد عني عاد الي فعلمت أنه أمر
الهي فكتبتها في لمحة يسيرة من غير تكلف كأنما هي تملي على لساني من قلبي وقد
شرحها خليفته شيخ الاسلام والمسلمين سيدي الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع
الازهر شرحا لطيفا جامعا مانعا استخرج به من كنوز معانيها ما اخفاها فلم يغادر صغيرة
ولا كبيرة الا أحصاها وشرحها أيضا أحد خلفائه الاستاذ العلامة السيد عبد القادر بن
عبد اللطيف الرافعي البيارى العمرى الحنفي الطرابلسي شكر الله صنيعهما ذكر في
اولها ترجمة الاستاذ كما سمعه من لفظه ان مولده ببلدة صاقص من بلاد كوران ونشأ في
المجاهدة وهو ابن خمسة عشرة سنة صائم الدهر محيي الليل كله في مسجد ببلدته معروف
حتى اشتهر أمره وقصده الناس بالزيارة فهجر ذلك المكان وصار
يأوى الخراب خارج بلدته بحيث لا يشعر به أحد
وأخبرني غير مرة انه كان لا يغمه بالليل الا سماع صوت
الديكة لانذارها بطلوع النهار لما يجده في ليله من المواهب والاسرار
وكان جل نومه في النهار وكثيرا ما كان يجتمع بالخضر عليه
السلام فيراه بمجرد ما ينام فيذكر الله معه حتى يستيقظ
وكان لا يفتر عن ذكر الله لا نوما ولا يقظة
وقال مرة جميع ما في كتب احياء العلوم للغزالي عملت به
قبل ان أطالعه فلما طالعته حمدت الله تعالى على توفيقه اياى وتوليته تعليمي من غير
معلم
وكان كثير التقشف من الدنيا يأكل خبز الشعير وفي بيته
يصنع خاص دقيق البر وكثيرا ما كان يلومه أخوه على ذلك وكان أخوه الكبير كثير اللوم
له على ما يفعله من مجاهداته وتقشفاته
ولما مات والده ترك ما يخصه من ارثه لهم وكان والده كثير
المال والخير وعليق دوابه في كل ليلة اكثر من نصف غرارة من الشعير
ولما صار عمره ثمان عشرة سنة رأى في منامه الشيخ محمد
الحفناوى فقيل له هذا شيخك فتعلق قلبه به وقصده بالرحلة حتى قدم مصر واجتمع به
وأخذ عنه الطريق الخلوتية وسلك على يديه بعد ان كان على طريقة القصيرى رضي الله
عنه
وقال له في مبدأ أمره يا سيدي اني أسلك على يديك ولكن لا
أقدر على ترك أوراد الشيخ علي القصيرى فأقرأ اوراده واسلك طريقتك
فأجابه الشيخ الى ذلك ولم يشدد عليه في ترك أوراد الشيخ
القصيرى لما عرفه من صدقه من المذكور فلازمه مدة طويلة ولقنه اسماء الطريقة السبعة
في قطع مقاماتها وكتب له اجازة عظيمة شهد له فيها بالكمال والترقي في مقامات الرجال
وأذن له بالارشاد وتربية المريدين
فكان الشيخ في آخر أمره اذا أراد أحد ان يأخذ عنه الطريق
يرسله الى الشيخ محمود ويقول لغالب جماعته عليكم بالشيخ محمود فاني لولا اعلم من
نفوسكم ما أعلم لامرتكم كلكم بالاخذ عنه والانقياد اليه
ولما قدم شيخ شيخه السيد مصطفى البكرى لازمه وأخذ
عنه كثيرا من علم الحقائق وكان كثير الحب فيه فلما رآه
لا يقرأ أوراد الطريقة الخلوتية ويقتصر على أوراد القصيرى عاتبه في ذلك وقال له
أيليق بك ان تسلك على ايدينا وتقرأ أوراد غيرنا اما ان تقرأ أورادنا واما ان
تتركنا
فقال يا سيدي أنتم جعلكم الله رحمة للعالمين وأنا اخاف
من الشيخ القصيرى ان تركت أوراده وشيء لازمته في صغرى لا أحب ان اتركه في كبرى
فقال له السيد البكرى استخر الله وانظر ماذا ترى لعل
الله يشرح صدرك
قال فاستخرت الله العظيم ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه
و سلم والقصيرى عن يمينه والسيد البكرى عن يساره وانا تجاههم فقال القصيرى للرسول
صلى الله عليه و سلم يا رسول الله أليست طريقتي على طريقتك اليست اورادي مقتبسة من
أنوارك فلم يأمر السيد البكرى هذا بترك أورادى فقال السيد البكرى يا رسول الله رجل
سلك على أيدينا وتولينا تربيته أيحسن منه ان يقرأ أوراد غيرنا ويهجر أورادنا فقال
الرسول عليه السلام لهما اعملا فيه القرعة واستيقظ الشيخ من منامه فأخبر السيد
البكرى فقال له السيد معنى القرعة انشراح صدرك انظره واعمل به قال الشيخ رضي الله
عنه ثم بعد ليلة وأكثر رأيت سيدى أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام وهو يقول
لي يا محمود خليك مع ولدى السيد مصطفى ورأى ورد سحر الذى ألفه المذكور مكتوبا بين
السماء والارض بالنور المجسم كل حرف منه مثل الجبل فشرح الله بعد ذلك صدره ولازم
أوراد السيد البكرى وأخذ من أوراد القصيرى ما استطاع
وأخبر رضي الله عنه انه رأى حضرة الرسول صلى الله عليه و
سلم في بعض المرائي وكان جمع الفقراء في ليلة مباركة وذكر الله تعالى بهم الى
الفجر وكان معه شىء قليل من الدنيا فورد على قلبه وارد زهد ففرق ما كان معه على
المذكورين وفي أثناء ذلك صرخ من بين الجاعة صارخ يقول الله بحال قوى فلما فرغوا
قال للشيخ يا سيدى سمعت هاتفا
يقول يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى قال ثم اني
بعدما صليت الفجر نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لي يا شيخ محمود ليلتك
قبلت عند الله تعالى وهات يدك حتى أجازيك فأخذ صلى الله عليه و سلم بيد الشيخ
والسيد البكرى حاضر بالمجلس فأخذ يده ووضع يده الشريفة بين يديهما وقال أريد ان
أخاوى بينك وبين السيد البكرى وأتخاوى معكما الناجي منا يأخذ بيد أخيه فأستيقظ
فرحا بذلك فلم يلبث الا يسيرا ورسول السيد البكرى يطلبه فتوضأ وذهب الى زيارته
وكان من عادته انه يزوره كل يوم ولا يدخل عليه الا على طهارة فلما رآه قال له ما
أبطاك اليوم عن زيارتنا فقال له يا سيدي سهرنا البارحة الليل كله فنمت فتأخرت عنكم
فقال له السيد هل من بشارة أو اشارة فقلت يا سيدى البشارة عندكم فقال قل ما رأيت
قال متعجبت من ذلك وقلت يا سيدي رأيت كذا وكذا فقال يا ملا محمود منامك حق وهذه
مبشرة لنا ولك فانه صلى الله عليه و سلم ناج قطعا ونحن ببركته ناجون ومناقبه رضي الله
عنه كثيرة لا تحصر
وكان كثير المرأى لرسول الله صلى الله عليه و سلم قل ما
تمر به ليلة الا ويراه فيها وكثيرا ما يرى رب العزة في المنام ورآه مرة يقول له يا
محمود اني احبك وأحب من يحبك فكان رضي الله عنه يقول من أحبني دخل الجنة
وقد أذن لي أن اتكلم بذلك واما مجاهداته فالديمة المدرار
كما قالت عائشة رضي الله عنها في جنابه صلى الله عليه و سلم كان عمله ديمة وأيكم
يستطيع عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم
وبلغ من مجاهداته رضي الله عنه انه لما ضعف عن القيام في
الصلاة لعدم تماسكه بنفسه صنع له خشبة قائمة يستند عليها ولم يدع صلاة النقل قائما
فضلا عن الفرض ولم يدع صلاة الليل والوظائف التي عليه مرتبة في حال من الاحوال
وكان لا ينام من الليل الا قليلا وكان ربما يمضي عليه الليل وهو يبكي وربما تمر
عليه الليلة كلها وهو يردد
آية من كتاب الله تعالى
وكثيرا ما كان يقتصر على الخبز والزيت ويؤكل في بيته
خواص الاطعمة وكان غالب أكله الرز بالزيت وتارة بالسمن البقرى وقل ما تراه في
خلوته أو مع اصحابه الا وهو مشغول في وظائف اوراد
وقال لي مرة ربما أكون مع أولادى ألاعبهم وأضاحكهم وقلبي
في العالم العلوى في السماء الدنيا أو الثانية او الثالثة او العرش وكثيرا ما كان
تفيض على قلبه معرفة الحق سبحانه وتعالى فيجعل يبكي ولا يشعر به جليسه
وقلت يوما للعارف بالله تعالى خليفته سيدى محمد بدير
القدسي من كرامات الاستاذ انه لا يسمع شيئا من العلم الا حفظه ولا يزول من ذهنه
ولو بعد حين فقال لي رضي الله عنه بل الذي يعد من كرامات الشيخ انه لا يسمع شيئا
من العلم النافع الا ويعمل به في نفسه ويداوم عليه
فقلت صدقت هذا والله حاله وكنت مرة أسمعته رياض الرياحين
لليافعي فلما أكملته قال لي بمحضر من أصحابه هل يوجد الآن مثل هؤلاء الرجال
المذكورين في هذا الكتاب تكون لهم الكرامات فقال له بعض الحاضرين الخير موجود يا
سيدى في أمة الرسول عليه الصلاة و السلام فقال الشيخ قد وقع لي في الطريق أبلغ من
ذلك واحكي لكم عما وقع لي في ليلتي هذه كنت قاعدا أقرأ في أورادي فعطشت وكان الزمن
مصيفا والوقت حارا وأم الاولاد نائمة فكرهت ان اوقظها شفقة عليها فما استتم هذا
الخاطر حتى رأيت الهواء قد تجسم لي ماء حتى صرت كأني في غدير من الماء وما زال
يعلو حتى وصل الى فمي فشربت ماء لم أشرب مثله ثم انه هبط حتى لم يبق قطرة ماء ولم
يبتل مني شيء
وبردت ليلة في ليالي الشتاء بردا شديدا وأنا قاعد أقرأ
في وردى وقد سقط عني حرامي الذي أتغطى به وكان اذا سقط عنه غطاؤه لا يستطيع أن
يرفعه بيده لضعف يده قال فأردت ان أوقظ أم الاولاد فأخذتني الشفقة عليها فما تم
هذا الخاطر حتى رأيت كانونا عظيما ملآنا من الجمر وضع بين يدى وبقى
عندي حتى دفىء بدني وغلب وهج النار علي فقلت في سرى هذه
النار حسية أم هي خيال فقربت أصبعي منها فلذعتني فعلمت أنها كرامة من الله تعالى
ثم رفعت
والحاصل ان مناقبه رضي الله عنه لا تكاد تنحصر وكان
لكلامه وقع في النفوس عظيم اذا تكلم كأنما كلماته خرزات نظمن في جيد حسناء لا ينطق
الا بحكمة أو موعظة أو مسائل دينية او حكاية تتضمن جوابا عن سؤال يسأله بعض
الحاضرين بقلبه ولا تكاد تسمع في مجلسه ذكر أحد بسوء وكان كثير الشفقة والرحمة على
خلق الله لا سيما أرباب الذنوب والمعاصي كثير التواضع كثير الاحسان للفقراء
والمساكين لا يمسك من الدنيا شيئا جميع ما يأيتة ينفقة في طاعة الله
ما امسك بيده درهما ولا دينار قط آخذا بالورع في جميع
أموره ليس له هم الا أمور الآخرة لا يهتم لشأن الدنيا أقبلت أو أدبرت كفاه الله
مؤنة الدنيا عنده خادم يقبض ما يأتي له من الدنيا ويصرف عليه فلا يزيد ذلك على
حاجته ولا ينقص شيئا قال السيد شارح الرسالة خدمته نحو عشر سنوات ما رأيته ارتكب
صغيرة قط وللاستاذ رضي الله عنه رسالة سماها السلوك لابناء الملوك وهي صورة مكتوب
من املائه أرسله الى رجل من أعيان المغرب يقال له ابن الظريف وكان الشيخ رضي الله
عنه ارسل له جوابا عن مكاتبة أرسلها فأرسل مراسلة أخرى والتمس الجواب ويكون متضمنا
بعض النصائح فأملى تلك المراسلة فبلغت نحو ستة كراريس وصارت كتابا عظيم النفع سارت
به الركبان وانتفع به القاصي والداني وكتب عليه كثير من العلماء وكانت وفاة
الاستاذ رضي الله عنه ثالث المحرم من هذه السنة وتولى غسله الشيخ سليمان الجمل
وصلي عليه بالازهر ودفن بالصحراء بجوار شيخه السيد مصطفى البكرى رضي الله عنهما
ومات الاديب الماهر واللبيب الشاعر الشيخ علي بن عنتر
الرشيدى كان
متضلعا فصيحا مفوها له موشحات ومقاطيع كثيرة ونظم البحور
الستة عشر كلها بالاقتباس منها قوله في الطويل ... أطلت الجفا فأسمح بوصلك يا رشا
... ولا تبدلن وعد الكئيب بضده ... فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ... ولا تحسبن الله
مخلف وعده ...
وقال في المديد ومنه الاكتفاء ... في مديد الهجر قال اللواحي
... دع هواه فالغرام جنون ... فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ... واصطبر عن حبه قلت كونوا ...
وقال في الرجز ... كملت محاسن منيتي فهديت في ... روض غدا في
وجنتيه نضيرا ... متفاعلن متفاعلن متفاعلن ... وكفى بربك هاديا ونصيرا ...
وقال في الرجر ... ارجزفاني في هوى حلو اللما ... مسى الورى
أضحيت صبا هائما ... مستفعلن مستفعلن مستفعلن ... ان قل صبرى قال صبرى وما ...
وقال في الوافر ... بوافر لوعتي صل يا غزالي ... فكل
متيم فان وبالي ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن ... ويبقى وجه ربك ذو الجلال ...
وقال في البسيط ... بسطت في شادن حلو اللما غزلى ...
وقلت جدلي بوصل منك يا أملي ... مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ... فقال لي خلق
الانسان من عجل ...
وقال في الرمل ... قد رملت الوصف فيه قائلا ... مذبدا
الهندى من أهدا به ... فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ... قل هو الرحمن آمنا به
وقال في الخفيف ... خفف الهجر عن فؤاد كليم ... وامل كاس
الوصال لي يانديمي ... فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ... وتوكل على العزيز الرحيم ...
وله ديوان شعر مشهور ولم يزل حتى مات بالثغر في ربيع
الاول من السنة
ومات الشيخ الصالح الدين بقية السلف ونتيجة الحلف الشيخ
أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد المنعم بن أبي السرور والبكرى الشافعي شيخ سجادة
البكرية بمصر كان صاحب همة ومروءة وديانة وعفاف ومحبة وانصاف وتولى بعد موته أبيه
فسار سيرا وسطا مع صفاء الباطن وكان الغالب عليه الجذب والصلاح والسلوك على طريق أهل
الفلاح مع أوراد وأذكار يشتغل بها توفي يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني من السنة
وصلي عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن اسلافه قرب مقام الامام الشافعي رضي
الله عنه
ومات الامام الفصيح المعتقد الشهير الذكر الشيخ ابراهيم
بن محمد ابن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي مؤقت حرم الله الامين ولد بمكة
سنة 1110 وسمع من ابن عقيلة وعمر بن احمد بن عقيل والشيخ سالم البصري والشيخ عطاء
الله المصري وابن الطيب وحضر على الشيخ أحمد الاشبولي الجامع الصغير وغيره واخذ عن
السيد عبد الله ميرغني ومن الواردين من أطراف البلاد كالشيخ عبد الله الشبراوى
والشيخ عمر الدعوجي والشيخ أحمد الجوهرى واجازه شيخنا السيد عبد الرحمن العيدروس
بالذكر على طريقة السادة النقشبندية وألف بأسمه رسالة سماها البيان والتعليم لمتبع
ملة ابراهيم ذكر فيها سنده وأجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية وجعله خليفته في
فتح مجالس الذكر وفي
ورد سحر ولازم المرحوم الوالد حسن الجبرتي سنة مجاورته
بممكة وهي سنة خمس وخمسين ملازمة كلية وأخذ عنه علم الفلك والاوفاق والاستخراجات
والرسم وغير ذلك ومهر في ذلك واقتنى كتبا نفيسة في سائر العلوم بددها أولاده من
بعده وباعوها بأبخس الاثمان
وكان عنده من جملة كتبه زيج الراصد الغيبك السمرقندى
نسخة شريفة بخط العجم في غاية الجودة والصحة والاتقان وعليها تقييدات وتحريرات
وفوائد شريفة لا يسمح الدهر بمثل تلك النسخة وكنت كثيرا ما أسمع من المرحوم الوالد
ذكرها ومدحتها ونسخة الوالد مكتوب عليها بخط رستم شاه ما نصه قد اشترينا هذا الكتاب
في دار سلطنة هراة بأثنى عشر ألف دينار
وتحت ذلك اسمه وختمه
فلما كان في سنة ست وتسعين ورد علينا بعض الحجاج
الجزائرية وسألني عن كتب يشتريها من جملتها الزيج المذكور وأرغبني في زيادة الثمن
فلم تسمح نفسي بشيء من ذلك ثم سافر الى الحج ورجع وأتاني ومع خادمه رزمة كبيرة
فوضعها بين أيدينا وفتحها وأخرج منها نسخة الزيج المذكورة وفرجني عليها وقال أيهما
أحسن نسختك التي ضننت بها أو هذه
وكنت لم أرها قبل ذلك فرأيتها شقيقتها وتزيد عنها في
الحسن بصغر حجمها وكثرة التقييدات بهامشها وطيارات كثيرة بداخلها في المسائل
المعضلة مثل التسييرات والانتهاءات والنمودارات وغير ذلك وجميعها بحسن الخط والوضع
فرأيتها المخدرة التي كشف عنها القناع وانما هي المعشوقة بالسماع فقلت له كيف وصلت
الى هذه اليتيمة وما مقدار ما دفعته فيها من المهر والقيمة
فأخبرني انه اشتراها من ابن الشيخ بعشرين ريالا وكتاب
المجسطي وكتاب التبصرة وشرح التذكرة ونسخة البارع في غاية الجودة وزيج ابن الشاطر
وغير ذلك من الكتب التي لا توجد في خزائن الملوك وكلها بمثل ذلك الثمن البخس
فقضيت أسفا واخذ الجميع مع ما أخذ وذهب الى بلاده
وهكذا حال
الدنيا ولم يزل المترجم على حالة حميدة واشتهر أمره في
الآفاق وعرف بالصلاح والفضل وأتته الهدايا والمراسلات من جميع الاطراف والجهات حتى
لحق بربه عز و جل سابع عشر ربيع الاول من السنة
ومات الشيخ الفاضل الصالح أحمد بن محمد الباقاني الشافعي
النابلسي سمع الاولية من محمد بن محمد الخليلي ورافق الشيخ السفاريني في بعض شيوخه
من اهل البلد وأجازه السيد مصطفى البكرى في الورد والطريقة ورد مصر أيام تولية
المرحوم مصطفى باشا طوقان وكان له مذاكرة حسنة وورع وصلاح وعبادة وانتفع به الطلبة
في بلاده ثم عاد الى بلاده فتوفي في ثالث جمادى الثانية
ومات الاجل المفوه الشريف الفاضل السيد حسين بن شرف
الدين ابن زين العابدين بن علاء الدين بن شرف الدين بن موسى بن يعقوب ابن شرف
الدين بن يوسف بن شرف الدين بن عبد الله بن أحمد ابي ثور ابن عبد الله بن محمد بن
عبد الجبار الثورى المقدسي الحنفي جده الاعلى أحمد بن عبد الله دخل حين فتح بيت
المقدس راكبا على ثور فعرف بأبي ثور وأقطعه الملك العزيز عثمان بن يوسف بن ايوب
ديرمار يقوص وبه دفن وذلك في سنة خمسمائة وأربعة وتسعين وجده الادنى زين العابدين
أمه الشريفة راضية بنت السيد محب الدين محمد بن كريم الدين عبد الكريم ابن داود بن
سليمان بن محمد بن داود بن عبد الحافظ بن أبي الوفاء محمد بن يوسف بن بدران بن
يعقوب بن مطر بن السيد زكي الدين سالم الحسيني الوفائي البدرى المقدسي ومن هنا جاء
لحفيده المترجم الشرف وهي أخت الجد الرابع للسيد علي المقدسي ويعرف المترجم أيضا
بالعسيلي وكأنه من طرف الامهات ولد ببيت المقدس وبها نشأ وقرأ شيئا من المبادىء ثم
ارتحل الى دمشق فحضر دروس الشيخ اسمعيل العجلوني
ولازمه وأجازه بمروياته وجود الخط على مستعد زاده فمهر
فيه وكتب بخطه اشياء ودخل مصر ونزل في رواق الشوام بالازهر واقبل على تحصيل العلم
والمعارف فحضر دروس مشايخ الوقت كالشبراوى والحفني والجوهرى ولازم السيد البليدى
واستكتب حاشية على البيضاوى وسافر الى الحرمين وجاور بهما وأخذ عن الشيخ محمد حياة
والشيخ ابن الطيب ثم قدم مصر وتوجه منها لدار ملك الروم وأدرك بها بعض ما يروم
وعاشر الاكابر وعرف اللسان وصار منظورا اليه عند الاعيان ثم قدم مصر مع بعض أمراء
الدولة في أثناء سنة 1172 وانضوى الى الشيخ السيد محمد أبي هادى بن وفا وكان صغير
السن فألفه وأحبه وادبه وصار يذاكره بالعلم واتحد معه حتى صار مشارا اليه في
الامور معولا عليه في المهمات
ولما تولى نقابة السادة الاشراف مضافة الى خلافة
الوفائية كان هو كالكتخدا له في أحواله معتمدا عليه في أفعاله وأقواله وداوم على
ذلك برهة من الزمان وهو نافذ الكلمة مسموع المقال حسن الحركات والاحوال الى أن توفي
الشيخ المشار اليه فضاقت مصر عليه فتوجه الى دار السلطة وقطنها واتخذها دارا
وسكنها وأقبل على الافادة ونشر العلوم بالاعادة
وبلغني انه كتب في تلك الايام شرحا على بعض متون الفقه
في مذهب الامام وصار مرجع الخواص والعوام مقبولا بالشفاعة عند أرباب الدولة حتى
وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله وكان اودع جملة من كتبه بمصر فأرسل بوقفها
برواق الشوام فوضعوها في خزانة لنفع الطلبة
ومات الفقيه العلامة الصالح المعمر الشيخ عبد الله بن
خزام أبو الطوع الفيومي وغيره وقدم الجامع الازهر فأخذ عن فضلاء عصره وهو احد من
يشار اليه في بلده بالفضل وتولى الافتاء فسار بغاية التحرى وبلغني من تواضعه انه
كان يأتي اليه احد العوام فيقول له حاجتي في بلد
كذا فقم معي تقضيها
فيطيعه ويذهب معه الميلين والثلاثة ويقضيها وقد تكرر ذلك
منه وكان له في كل يوم صدقات الخبز على الفقراء والمساكين يفرقها عليهم بيده ولا
يشمئز وكانت له معرفة تامة في علم المذهب وغيره من الفنون الغريبة كالفلك والهيئة
والميقات وعند آلات لذلك
وكان انسانا حسنا جامعا لادوات الفضائل
توفي يوم الجمعة حادى عشر ربيع الثاني من السنة ولم يخلف
بعده مثله
ومات الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد الحباك الشافعي
الشاذلي تفقه على الشيخ عيسى البراوى وبه تخرج وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ
محمد كشك واليه انتسب ولما توفي جعل شيخا على المريدين وسار فيهم سيرا مليحا
وكان يصلي اماما بزاوية بقلعة الجبل وكان شيخا حسن
العشرة لطيف المجاورة طارحا للنكات متواضعا وقد صارت له مريديون وأتباع خاصة غير
أتباع شيخه توفي في يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان من السنة
ومات من الامراء الامير ابراهيم بك أوده باشه خنقه مراد
بك عفا الله عنه والمسلمين
سنة ست وتسعين ومائة والف فيها في صفر نزل مراد بك وسرح
بالاقاليم البحرية وطاف البلاد بالشرقية وطلب منهم اموالا وفرض عليهم مقادير من
المال عظيمة وكلفا وحق طرق معينين وغير ذلك مالا يوصف ثم نزل الى الغربية وفعل بها
كذلك ثم الى المنوفية
وفي منتصف شعبان ورد اغا بطلب محمد باشا ملك الى الباب
ليتولى الصدارة فنزل من القلعة الى قصر العيني واقام بقية شهر شعبان ونزل في غرة
رمضان وسافر الى سكندرية
فكانت مدة ولايته ثلاثة عشر
شهرا ونصفا
وهاداه الامراء ولم يحاسبوه على شيء ونزل في غاية
الاعزاز والاكرام وكان من افاضل العلماء متضلعا من سائر الفنون ويحب المذاكرة
والمباحثة والمسامرة واخبار التورايخ وحكايات الصالحين وكلام القوم وكان طاعنا في
السن منور الشيبة متواضعا وحضر الباشا الجديد في اواسط رمضان ونزل اليه الملاقاة
وحضر الى مصر في عاشر شوال وطلعوه قصر العيني فبات به وركب بالموكب في صبحها ومر
من جهة الصليبة وطلع الى القلعة وذلك على خلاف العادة
وفيه جاءت الاخبار على أيدى السفار الواصلين من اسلامبول
بانه وقع بها حريق عظيم لم يسمع بمثله واحترق منها نحو الثلاثة ارباع واحترق خلق
كثير في ضمن الحريق وكان أمرا مهولا وبعد ذلك حصل بها فتنة أيضا ونفوا الوزير عزت
محمد باشا وبعض رجال الدولة
وفي ليلة السبت ثامن عشر القعدة هرب سليم بيك وابراهيم
بيك قشطة وتبعهم جماعة كثيرة نحو الثمانين فخرجوا ليلا على الهجن وجرائد الخيل
وذهبوا الى الصعيد وأصبح الخبر شائعا بذلك فأرتبك ابراهيم بيك ومراد بيك ونادى
الاغا والوالي بترك الناس المشي من بعد العشاء
من توفي في هذه السنة من الاعيان توفي الاستاذ الوجيه
العظيم السيد محمد افندى البكرى الصديقي نقيب السادة الاشراف بالديار المصرية كان
وجيها مبجلا محتشما سار في نقابة الاشراف سيرا حسنا مع الامارة وسلوك الانصاف وعدم
الاعتساف ولما توفي ابن عمه الشيخ احمد شيخ السجادة البكرية تولاها بعده بأجماع
الخاص والعام مضافة لنقابة الاشراف فحاز المنصبين وكمل له الشرفان
ولم يقم في ذلك الا نحو سنة ونصف
وتوفي يوم السبت عاشر شعبان فحضر مراد بيك الى منزله
وخلع على ولده السيد محمد
افندى ما كان على والده من مشيخة السجادة البكرية ونقابة
الاشراف وجهز وكفن وخرجوا بجنازته من بيتهم بالازبكية وصلوا عليه بالجامع الازهر
في مشهد حافل ودفن بمشهد اجداده بالقرافة
ومات الشريف العفيف الوفي الصديق محمد بن زين بأحسن جمل
الليل الحسيني باعلوى التريمي الاصل نزيل الحرمين سكن بهما مدة واتصل بخدمة الشيخ
القطيب السمد الشيخ باعبود فلوحظ بأنظاره وكان يحترمه ويعترف بمقامه ويحكي عن بعض
مكاشفاته ووارداته وصحب كلا من القطب السيد عبد الله مدهر وعارفة وقتها الشريفة
فاطمة العلوية والشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان والشيخ عبد الله ميرغني وجماعة
كثيرين من السادة والواردين على الحرمين من الافاضل وله محاورة لطيفة ولديه محفوظة
ومعرفة بدقائق علم الطب وسليقة في التصوف
ورد الى مصر سنة 1181 هو عائد من الروم واجتمع بافاضلها
وعاشر شيخنا السيد محمد مرتضى وأفاده وأرشده الى امور مهمة وسافر صحبته لزيارة
الشهداء بدمياط ولاقاه أهلها بالاحترام
ثم توجه الى الحرمين الشريفين واقام هناك واجتمع به
الشيخ محمد الجوهرى وآخاه في الصحبة وكان مع ما أعطى من الفضائل يتجر بالبضائع
الهندية ويتعلل بما يتحصل منها وبآخرة سافر الى الديار الهندية وبها توفي في هذه
السنة
ومات العمدة الفاضل واللوذعي الكامل الرحلة الدراكة بقية
السلف الورع الصالح الزاهد الشيخ موسى بن داود الشيخوني الحنفي امام جامع شيبون
وخطيبه وخازن كتبه وكان انسانا حسنا عظيم النفس منور الشيبة ضخم البدن فقيها مستحضرا
المناسبات مهذب النفس لين الجانب تقيا معتقدا ولما توقف الامير أحمد باشجاويش كتبه
التي جمعها وضعها بخزانة كتب الوقف تحت يد المترجم لاعتقاده فيه الديانة والصيانة
رحمهما الله تعالى
سنة سبع وتسعين ومائة والف فيها تسحب ايضا جماعة من
الكشاف والمماليك وذهبوا الى قبلي فشرعوا في تجهيز تجريدة وعزم مراد بك على السفر
وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب الاموال فقبضوا على كثير من مساتير الناس والتجار
والمتسببين وحبسوهم وصادروهم في اموالهم وسلبوا ما بأيديهم
فجمعوا من المال ما جاوز الحد ولا يدخل تحت العد
وفي منتصف ربيع الآخر برز مراد بك للسفر وأخرج خيامه الى
جهة البساتين وخرج صحبته الامير لاجين بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر
وسليمان بك أبو نبوت وكشافهم ومماليكهم وطوائفهم وسافروا بعد ايام
وفي أواخر جمادى الثانية وردت الاخبار بان رضوان بيك
قرابة علي بك حضر الى مراد بك وانضم اليه فلما فعل ذلك انكسرت قلوب الآخرين
وانخذلوا ورجعوا القهقرى ورجع مراد بك أيضا الى مصر في منتصف شهر رجب وترك هناك
مصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر
وفي يوم الخميس سادس عشرين رجب اتفق مراد بك وابراهيم بك
على نفي جماعة من خشداشينهم وهم ابراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وسليمان بك
الاغا ورسموا لايوب بك أن يذهب الى المنصورة فأبى وامتنع من الخروج فذهب اليه حسن
كتخدا الجربان كتخدا مراد بك واحتال عليه فركب وخرج الى غيظ مهمشة ثم سافر الى
المنصورة
واما ابراهيم بك الوالي فركب بطوائفه ومماليكه وعدى الى
بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظة ولاجين بك وحجزوا هجنه وجماله عند المعادى وعدوا
خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه الى قصر العيني ثم سفروه الى ناحية
السرو
ورأس الخليج
واما سليمان بك فانه كان غائبا بأقليم الغربية والمنوفية
يجمع من الفلاحين فردا وأموالا ومظالم فلما بلغه الخبر رجع الى منوف فحضر اليه
المعينون لنفيه وأمروه بالذهاب الى المحلة الكبرى فركب بجماعته واتباعه فوصل الى مسجد
الخضر فاجتمع بأخيه ابراهيم بك الوالي هناك فأخذه صحبته وذهبا الى جهة البحيرة
وفي يوم الاحد غاية شهر رجب طلع الامراء الى الديوان
وقلدوا خمسة من اغوات الكشاف صناجق وهم عبد الرحمن خازندار ابراهيم بك سابقا وقاسم
أغا كاشف المنوفية سابقا وعرف بالموسقو وهو من مماليك محمد بك واشراق ابراهيم بك
وحسين كاشف وعرف بالشفت بمعنى اليهودى وعثمان كاشف ومصطفى كاشف السلحدار وهؤلاء
الثلاثة من طرف مراد بك
وفي شهر شعبان وردت الاخبار من ثغر سكندرية بوصول باشا
الى الثغر واسمه محمد باشا السلحدار واليا على مصر فنزل الباشا القديم من القلعة
الى القصر بشاطىء النيل
وفي أواخر شعبان وصل سلحدار الباشا الجديد بخلعة
قائمقامية لابراهيم بك
وفيه وصلت الاخبار بأن سليمان بك وابراهيم بك رجعوا من
ناحية البحيرة الى طندتا وجلسوا هناك وأرسلوا جوابات الى الامراء بمصر بذلك وانهم
يطلبون أن يعينوا لهم ما يتعيشون به
وفيه أرسلوا خلعة الى عثمان بك الشرقاوى بان يستقر حاكما
بجرجا زطلبوا مصطفى بك وسليمان بك أبا نبوت وعثمان بك الاشقر للحضور الى مصر
فحضروا واستقر عثمان بك الشرقاوى بجرجا
وفي غرة رمضان هرب سليمان بك الاغا وابراهيم بك الوالي
من طندتا وعدوا الى شرقية بلبيس ومروا من خلف الجبل وذهبوا الى جهة الصعيد
رجع علي كتخدا ويحيى كتخدا وسليمان بك الى مصر بالحملة
والجمال وبعض مماليك وأجناد
وفي أواخر رمضان هرب أيضا أيوب بك من المنصورة وذهب الى
الصعيد أيضا وتواترت الأخبار بأنهم اجتمعوا مع بعضهم واتفقوا على العصيان فأرسلوا
لهم محمد كتخدا أباظة واحمد اغا جمليان وطلبوهم الى الصلح ويعينون لهم أماكن يقيمون
بها ويرسلون لهم احتياجاتهم فأتوا ذلك فطلبوا عثمان بك الشرقاوى ومصطفى بك للحضور
فامتنعا أيضا وقالا لا نحضر ولا نصلح الا ان رجع اخواننا رجعنا معهم ويردون لهم
امرياتهم وبلادهم وبيوتهم ويعطلوا من صنجوقه وامروه عوضهم
فلما حضر الجواب بذلك شرعوا في تجهيز تجريدة وأخذوا
يفتشون أماكن الامراء المذكورين فأخذوا ما وجدوه بمنزل مصطفى بك واتهموا أناسا بأمانات
وودائع لمصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى منهم الدالي ابراهيم وغيره فجمعوا بهذه
النكتة أموالا كثيرة حقا وباطلا
وفي يوم الخميس عشرين شهر شوال كان خروج المحمل والحجاج
وأمير الحاج مصطفى بك الكبير ولما انقضى أمر الحج برزوا للتجريدة وأميرها ابراهيم
بك الكبير وجمعوا المراكب وحجزوها من أربابها وعطلوا أسباب التجار والمسافرين
وجمعوا الاموال كما تقدم من المصادرات والملتزمين والفلاحين وغير ذلك وكان أمرا
مهولا أيضا وبعد أيام وصل الخبر بان ابراهيم بك ضمنهم للصلح واصطلح معهم وانه واصل
صحبتهم جميعا
وفي سادس عشر ذى القعدة حضر ابراهيم بك ووصل بعده
الجماعة ودخلوا الى مصر وسكنوا في بيوت صغار ما عدا عثمان بك ومصطفى بك فانهم
نزلوا في بيوتهم وحضر صحبتهم أيضا علي بك وحسين بك الاسماعيلية فلم يعجب مراد بك
ما فعله ابراهيم بك ولكن اسره في نفسه ولم يظهره
وركب للسلام على ابراهيم بك فقط في الخلاء ولم يذهب الى
أحد من القادمين وسكن الحال على ذلك أياما وشرع ابراهيم بك في اجراء الصلح وصفاء
الخاطر بينهم وبين مراد بك وأمرهم بالذهاب اليه فذهبوا اليه وسلموا عليه ثم ركب هو
الآخر اليهم ما عدا الثلاثة المعزولين وكل ذلك وهو ينقل في متاع بيته وتعزيل ما
فيه ثم إنه ركب في يوم الجمعة وعدى الى جزيرة الذهب وتبعه كشافه وطوائفه وأرسل الى
بولاق واخذ منها الارز والغلة والشعير والبقسماط وغير ذلك فأرسل له ابراهيم بك لاجين
بك وسليمان بك أبا نبوت ليردوه عن ذلك فنهرهم وطردهم فرجعوا ثم انه عدى الى ناحية
الشرق وذهب الى قبلي وتبعه اغراضه وأتباعه وحملته من البر والبحر
وفي هذه السنة قصر مد النيل وانهبط قبل الصليبة بسرعة
فشرقت الاراضي القبلية والبحرية وعزت الغلال بسبب ذلك وبسبب نهب الامراء وانقطاع الوارد
من الجهة القبلية وشطح سعر القمح الى عشرة ريالات الاردب واشتد جوع الفقراء
ووصل مراد بك الى بني سويف وأقام هناك وقطع الطريق على
المسافرين ونهبوا كل ما مر بهم في المراكب الصاعدة والهابطة
من مات في هذه السنة من الاعيان توفي الفقيه النبيه
العمدة الفاضل حاوى أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن
محمد السجاعي الشافعي الازهري ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من
مشايخ الوقت وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته في مواضعه وصار من اعيان العلماء
وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغربية ولازم الوالد وأخذ عنه علم الحكمة والهداية
وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق
والجغميني ولقط الجواهر والمجيب والمقنطر وشرح اشكال
التأسيس وغير ذلك وله في تلك الفنون تعاليق ورسائل مفيدة وله براعة في التأليف
ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه
ومن تأليفه شرح على دلائل الخيرات كالحاشية مفيد وشرح
على اسماء الله الحسنى قرظ عليه الشيخ عبد الله الادكاوى رحمه الله تعالى هذا وكان
ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من معانيها ما خفي ومنح طلابها كنزا يتنافس
في مثله انبل الفضلاء وافضل النبلاء احمد الاسم محمود الصفات على الفعل حسن القول
والذات نجل العلم العلامة العمدة الفهامة كعبة الافضال وقبلة الاجلال من تقصر عن
تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ احمد السجاعي حفظ الله عليه نجله الرشيد
واراه منه ما يسر القريب والبعيد وحين لمحت عيني ما كتب مما حقه ان يرقم بدل الحبر
بالذهب عوذته بالله من عين كل حسود وعملت انه ان شاء الله تعالى سيسود وتطأ اخمصه
اعناق الاسود
وسمع المترجم معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى من
الامالي وعدة مجالس من البخارى وجزء بن شاهد الجيش والعوالي المروية عن احمد عن
الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر المسماة بسلسلة الذهب وغير ذلك
ومن فوائد المترجم انه رأى في المنام قائلا يقول له من
قال كل يوم يا الله يا جبار يا قهار يا شديد البطش ثلثمائة وستين مرة أمن من
الطاعون
توفي ليلة الاثنين سادس عشر صفر من السنة بعد ان تعلل
بالاستسقاء وصلي عليه بالغد بالجامع الازهر ودفن عند أبيه بالبستان رحمه الله
تعالى
ومات الشيخ الصالح الناسك الصوفي الزاهد سيدي احمد بن
علي ابن جميل الجعفرى الجزولي السوسي من ولد جعفر الطيار ولد بالسوس واشتغل بالعلم
قليلا على علماء بلاده ثم ورد الى مصر في 1182 فحج ورجع وقرأ معنا على الشيخ
الوالد كثيرا من الرياضيات مع مشاركة
سيدى محمد وسيدى أبي بكر ولدى الشيخ التاودى بن سودة حين
وردا مع ابيهما في تلك السنة للحج والشيخ سالم القيرواني ثم غلب عليه الجذب فساح وذهب
الى الروم مجاهدا وأصيب بجراحات في بدنه وعولج حتى برأ وتعلم اللغة التركية وعرضت
عليه الدنيا فلم يقبلها والغالب عليه اخفاء الحال
وورد الى مصر في سنة احدى وتسعين وتزوج بمصر وأقام بها
مع كمال العفة والديانة وسلامة الباطن والانجماع عن الناس مع صفاء الخاطر والذوق
المتين والميل الى كتب الشيخ الاكبر والشعراني وزيارة القرافتين في كل جمعة على
قدميه
أحببت لقاء الله تعالى توفي في ثالث ربيع الاول من السنة
ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى
ومات العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين
ونخبة المفهمين النبيه المتفنن الشيخ محمد بن ابراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني
الشافعي الازهري الشهير بأبي الارشاد ولد سنة 1154 وحفظ القرآن وتفقه على الشيخ
المدابغي والبراوى والشيخ عبدالله السجيني وحضر دروس الشيخ الصعيدي وغيره وأجاز أشياخ
العصر وافتى ودرس وتولى مشيخة رواق الشراقوة بالازهر بعد وفاة خاله الشيخ
عبدالرؤوف واشتهر ذكره وانتظم في عداد المشايخ المشار اليهم بالازهر وفي الجمعيات
والمجالس عند الامراء ونظار الازهر وفي الاخبار وله مؤلفات في الفنون وكتب حاشية
على الخطيب على أبي شجاع الا أنها لم تكمل ورسائل في مستصعبات المسائل بالمنهج
وصنف رسالة تتعلق بنداء المؤمنين بعضهم بعضا في الجنة
توفي في أواخر القعدة
ومات الامام الهمام العلامة المقدام المتقن المتفنن
المفيد الشيخ يوسف الشهير برزة الشافعي الازهرى أحد العلماء المحصلين والاجلاء
المفيدين تفقه على الشيخ العلامة الشيخ أحمد رزة واليه انتسب وبه اشتهر وحضر على
كل من الشيخ الحفناوى والشيخ أحمد البجرمي والشيخ عيسى
البراوى ودرس الفقه والمعقول بالازهر وأفاد وأفتى وصار
في عداد المتصدرين المشار اليهم مع الانجماع والحشمة والكمال والرئاسة وحسن الحال ولم
يتداخل كغيره في الامور المخلة
ولم يزل مقبلا على شأنه حتى توفي في عاشر جمادى الاولى
من السنة
ومات الشيخ الصالح الورع علي بن عبد الله مولى الامير
بشير جلبه مولاه من بلاد الروم وحبب اليه السلوك فلازم الشيخ الحفني ملازمة كلية
وأخذ عنه الطريق وحضر دروسه وسمع الصحيح على السيد مرتضى بتمامة في منزله بدرب الميضاة
بالصليبة وكذلك مسلم وأبو داود وغير ذلك من الاجزاء الحديثة ومسلسلات بن عقيلة
بشروطها وغالبها بقراءة السيد حسين الشيخوني
وكان انسانا حلو المعاشرة كثير التودد لطيف الصحبة مكرما
محسنا خيرا له بر وصدقات خفية توفي في يوم الاحد تاسع عشرين رجب بعد ان تعلل
بالفتق عن كبر وصلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن بالقرب من شيخنا محمود الكردى
بالصحراء
وكان منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار وهيبة يلوح
عليه سيما الصلاح والتقوى رحمه الله تعالى
ومات الشيخ الصالح عيسى بن أحمد القهاوى الوقاد بالمشهد
الحسيني وخادم النعال بالموضع المذكور كان رجلا مسنا سخيا بما يملك مطعاما
للواردين من الغرباء المنقطعين وأدرك جماعة من الصالحين وكان يحكي لنا عليهم امورا
غريبة وله مع الله حال وفي فهم كلام القوم وذوق حسن وللناس فيه اعتقاد عظيم
وفي أخرة أعجزة الهرم والقعود فتوجه الى طندتا في آخر
ربيع الثاني ومكث هناك برحاب سيدي احمد البدوى الى أن توفي يوم الاربعاء ثاني عشر
جمادى الثانية ودفن عند مقام الولي الصالح سيدي عز الدين خارج البلد في موضع كان أعده
السيد محمد مجاهد لنفسه فلم يتفق دفنه فيه
ومات العلامة الفاضل المحدث الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد
بن احمد ابن جمعة البجيرمي الشافعي قرأ على أبيه وحضر درس العشماوى والعزيزى
والجوهرى والشيخ أحمد سابق والحفني وآخرون ودرس واكب على اقراء الحديث وألف في
الفن وانتفع به الناس وكان يسكن في خانقاه سعيد السعداء مع سكون الاخلاق والانجماع
عن الناس وملازمة محله ولا زال يفيد ويسمع حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة ثاني
رمضان وكانت جنازته خفيفة لاشتغال الناس بالصيام وكان يخبر عن والده ان جنازته
كانت خفيفة رحمه الله
ومات الفاضل المبجل سيدى عيسى جلبي بن محمود بن عثمان ابن
مرتضى القفطانجي الحنفي المصرى ولد بمصر ونشأ صالحا في عفاف وصلاح وديانة وملازمة
لحضور دروس الاشياخ وتفقه على فضلاء وقته مثل الشيخ الوالد والشيخ حسن المقدسي
وأخذ العربية والكلام عن الشيخ محمد الامير والشيخ أحمد البيلي وغيرهما واقتنى
كتبا نفيسة وكان منزله موردا للفضلاء وكان يعزم عليهم ويعمل لهم الضيافات في كل
عام ببستان خارج مصر يعرف ببستان القفطانجي ورثه عن آبائه وكان نعم الرجل مودة
وصيانة رحمه الله تعالى وسامحه
سنة ثمان وتسعين ومائة والف فيها في المحرم سافر مراد بك
الى منية بن خصيب مغضبا وجلس هناك
وفيه حضر الى مصر محمد باشا والي مصر فأنزلوه بقصر عبد
الرحمن كتخدا بشاطىء النيل فأقام به يومين ثم عملوا له موكبا وطلع الى القلعة من
تحت الربع على الدرب الأحمر
وفي منتصفه اتفق رأى ابراهيم بك والامراء الذين معه على
ارسال محمد افندى البكرى والشيخ أبي الانوار شيخ السادات والشيخ أحمد
العروسي شيخ الازهر الى مراد بك ليأخذوا خاطره ويطلبوه
للصلح مع خشداشينه ويرجع اليهم ويقبلوا شروطه ما عدا اخراج احد من خشداشينهم
فلما سافروا اليه وواجهوه وكلموه في الصلح تعلل باعذار
واخبر انه لم يخرج من مصر الا هروبا خوفا على نفسه فانه تحقق عنده توافقهم على
غدره فان ضمنتهم وحلفتم لي بالايمان انه لا يحصل لي منهم ضرر وافقتكم على الصلح
والا فدعوني بعيدا عنهم
فقالوا له لسنا نطلع على القلوب حتى نحلف ونضمن ولكن
الذى نظنه ونعتقده عدم وقوع ذلك بينكم لانكم اخوة ومقصودنا الراحة فيكم وبراحتكم
ترتاح الناس وتأمن السبل فأظهر الامتثال ووعد بالحضور بعد ايام وقال لهم اذا وصلتم
الى بني سويف ترسلون لي عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك الدفتردار لاشترط عليهم شروطي
فان قبلوها توجهت معهم والا عرفت خلاصي معهم
وانفصلوا عنه على ذلك وودعوه وسافروا وحضروا الى مصر في
ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر صفر
وفي ذلك اليوم وصل الحجاج الى مصر ودخل أمير الحج مصطفى
بك بالمحمل في يوم الاحد
وفي يوم السبت مستهل ربيع الاول خرج الامراء الى ناحية
معادي الخبير وحضر مراد بك الى بر الجيزة وصحبته جمع كبير من الغز والاجناد
والعربان والغوغاء من أهل الصعيد والهوارة ونصبوا خيامهم ووطاقهم قبالتهم في البر
الآخر فأرسل اليه ابراهيم بك عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وآخرين في مركب
فلما عدوا اليه لم يأذن لهم في مقابلته وطردهم ونزل ايضا كتخدا الباشا وصحبته
اسمعيل افندى الخلوتي في مراكب أخرى ليتوجهوا اليه ايضا لجريان الصلح فلما توسطوا
البحر ووافق رجوع الاولين ضربوا عليهم بالمدافع فكادت تغرق بهم السفن ورجعوا وهم
لا يصدقون بالنجاة
فلما رأى ذلك ابراهيم بك ونظر امتناعه
عن الصلح وضربه بالمدافع امر هو الآخر بضرب المدافع
عليهم نظير فعالهم
وكثر الرمي بينهم من الجهتين على بعضهم البعض وامتنع كل
من الفريقين عن التعدية الى الجهة الاخرى وحجزوا المعادى من الطرفين
واستمر الحال بينهم على ذلك من أول الشهر الى عشرين منه
واشتد الكرب والضنك على الناس وأهل البلاد وانقطعت الطرق القبلية والبحرية برا
وبحرا وكثر تعدى المفسدين وغلت الاسعار وشح وجود الغلال وزادت أسعارها
وفي تلك المدة كثر عبث المفسدين وأفحش جماعة مراد بك في
النهب والسلب في بر الجيزة وأكلوا الزروعات ولم يتركوا على وجه الارض عودا اخضر
وعين لقبض الاموال من الجهات وغرامات الفلاحبن وظن الناس حصول الظفر لمراد بك
واشتد خوف الامراء بمصر منه
وتحدث الناس بعزم ابراهيم بك على الهروب فلما كان ليلة
الخميس المذكور أرسل ابراهيم بك المذكور خمسة من الصناجق وهم سليمان بك الاغا
وسليمان ابو نبوت وعثمان بك الاشقر وابراهيم بك الوالى وايوب بك فعدوا الى البر
الآخر بالقرب من أنبابه ليلا وساروا مشاة فصادفوا طابورا فضربوا عليهم بالبندق
فانهزموا منهم وملكوا مكانهم وذلك بالقرب من بولاق التكرور كل ذلك والرمى بالمدافع
متصل من عرضى ابراهيم بك ثم عدى خلفهم جماعة اخرى ومعهم مدفعان وتقدموا قليلا من
عرضى مراد بك وضربوا على العرضى بالمدفعين فلم يجبهم احدا فباتوا على ذلك وهم على
غاية من الحذر والخوف
وتتابع بهم طوائفهم وخيولهم فلما ظهر نور النهار نظروا
فوجدوا العرضى خاليا وليس بة احد وارتحل مراد بك ليلا وترك بعض اثقالة ومدافعة فذهبوا
الى العرضى وأخذوا ما وجدوه وجلسوا مكانة ونهب اوباشة المراكب التى كانت محجوزة
للناس
وعدى ابراهيم بك وتتابعوا فى التعدية وركبوا خلفهم الى
الشيمى فلم يجدوا احدا فأقاموا هناك السبت والاثنين والثلاثاء ورجع ابراهيم بك
وبقية الامراء الى مصر ودخلوا بيوتهم
وانقضت هذة الفتنة الكذابة على غير طائل ولم يقع بينهم
مصاف ولا مقاتلة وهرب مراد بك وذهب بمن معة يهلكون الزرع حصادا ويسعون فى الارض
فسادا
وفي أواخر شهر جمادى الاولى اتفق رأى ابراهيم بك على طلب
الصلح مع مراد بك فسافر لذلك لاجين بك وعلي أغا كتخدا جاووجان وسبب ذلك ان عثمان
بك الشرقاوى وأيوب بك ومصطفى بك وسليمان بك وابراهيم بك الوالي تحزبوا مع بعضهم
واخذوا ينقضون على ابراهيم بك الكبير واستخفوا بشأنه وقعدوا له كل مرصد وتخيل منهم
وتحزر وجرت مشاجرة بين أيوب بك أغا كتخدا جاوجان بحضرة ابراهيم بك وسبه وشتمه وأمسك
عمامته وحل قولانه وقال له ليس هذا المنصب مخلدا عليك فاغتاظ ابراهيم بك لذلك
وكتمه في نفسه وعز عليه علي أغا لانه كان بينه وبينه محبة أكيدة ولا يقدر على
فراقه فشرع في اجراء الصلح بينه وبين مراد بك فاجتمع اليه الامراء وتكلموا معه
فقال نصطلح مع أخينا أولى من التشاحن ونزيل الغل بيننا لاجل راحتنا وراحة الناس
ويكون كواحد منا وان حصل منه خلل أكون انا وأنتم عليه
وتحالفوا على ذلك وسافر لاجين بك وعلي أغا وبعد أيام حضر
حسن كتخدا الجريان كتخدا مراد بك الى مصر واجتمع بابراهيم بك ورجع ثانيا وارسل ابراهيم
بك صحبته ولده مرزوق بك طفلا ومعه الدادة والمرضعة فلما وصلوا الى مراد بك أجاب
بالصلح وقدم لمرزوق بك هدية وتقادم ومن جملتها بقرة ولابنتها رأسان
وفي عاشر رجب حضر مرزوق بك وصحبته حسن كتخدا الجريان
فأوصله الى أبيه ورجع ثانيا الى مراد بك وشاع الخبر بقدوم مراد بك وعمل مصطفى بك وليمة
وعزم من بصحبته واحضر لهم آلات الطرب واستمروا على ذلك الى آخر النهار
وفي ثاني يوم اجتمعوا عند ابراهيم بك وقالوا له كيف يكون
قدوم مراد بك ولعله لا يستقيم حاله معنا فقال لهم حتى يأتي فان استقام معنا فيها والا
اكون انا وأنتم عليه
فتحالفوا وتعاهدوا واكدوا المواثيق
فلما كان يوم الجمعة وصل مراد بك الى غمازة فركب ابراهيم
بك على حين غفلة وقت القائلة في جماعته وطائفته وخرج الى ناحية البساتين ورجع من
الليل وطلع الى القلعة وملك الابواب ومدرسة السلطان حسن والرميلة والصليبة
والتبانة وأرسل الى الأمراء الخمسة يأمرهم بالخروج من مصر وعين لهم اماكن يذهبون اليها
فمنهم من يذهب الى دمياط ومنهم من يذهب الى المنصورة وفارسكور فامتنعوا من الخروج
واتفقوا على الكرنكة والخلاف ثم لم يجدوا لهم خلاصا بسبب ان ابراهيم بك ملك القلعة
وجهاتها ومراد بك واصل يوم تاريخه وصحبته السواد الاعظم من العساكر والعربان ثم
انهم ركبوا وخرجوا بجمعيتهم الى ناحية القليوبية ووصل مراد بك لزيارة الامام
الشافعي فعندما بلغه خبر خروجهم ذهب من فوره من خلف القلعة ونزل على الصحراء واسرع
في السير حتى وصل الى قناطر ابي المنجا ونزل هناك وارسل خلفهم جماعة فلحقوهم عند
شبرا شهاب وادركهم مراد بك والتطموا معهم فتقنطر مراد بك بفرسه فلحقوه واركبوه
غيره فعند ذلك ولى راجعا وانجرح بينهم جماعة قلائل واصيب سليمان بك برصاصة نفذت من
كتفه ولم يمت ورجع مراد بك ومن معه الى مصر على غير طائل وذهب الامراء الخمسة
المذكورون وعدوا على وردان وكان بصحبتهم رجل من كبار العرب يقال له طرهونة يدلهم
على الطريق الموصلة الى جهة قبلي فسار بهم في طريق مقفرة ليس بها ماء ولا حشيش
يوما وليلة حتى كادوا يهلكون من العطش وتأخر عنهم اناس من طوائفهم وانقطعوا عنهم
شيئا فشيئا الى ان وصلوا الى ناحية سقارة فرأوا أنفسهم بالقرب من الاهرام فضاق
خناقهم وظنوا الوقوع
فأحضروا الهجن وارادوا الركوب عليها والهروب ويتركوا
اثقالهم فقامت عليهم طوائفهم وقالوا لهم كيف تذهبون وتتركونا مشتتين
وصار كل من قدر على خطف شيء أخذه وهرب فسكنوا عن الركوب
وانتقلوا من مكانهم الى مكان آخر
وفي وقت الكبكبة ركب مملوك من مماليكهم وحضر الى مراد بك
وكان بالروضة فاعلمه الخبر فأرسل جماعة الى الموضع الذى ذكره له فلم يجدوا أحدا
فرجعوا واغتم اهل مصر لذهابهم الى جهة قبلي لما يترتب على ذلك من التعب وقطع الجالب
مع وجود القحط والغلاء
وبات الناس في غم شديد
فلما طلع نهار يوم الاربعاء حادى عشرين رجب شاع الخبر
بالقبض عليهم وكان من أمرهم انهم لما وصلوا الى ناحية الاهرام ووجدوا أنفسهم
مقابلين البلد أحضروا الدليل وقالوا له انظر لنا طريقا تسلك منه فركب لينظر في
الطريق وذهب الى مراد بك وأخبره بمكانهم فأرسل لهم جماعة فلما نظروهم مقبلين عليهم
ركبوا الهجن وتركوا اثقالهم وولوا هاربين وكانوا كمنوا لهم كمينا فخرج عليهم ذلك الكمين
ومسكوا بزمامهم من غير رفع سلاح ولا قتال وحضروا بهم الى مراد بك بجزيرة الذهب
فباتوا عنده ولما أصبح النهار أحضر لهم مراد بك مراكب وأنزل كل امير في مركب
وصحبته خمسة مماليك وبعض خدام وسافروا الى جهة بحرى فذهبوا بعثمان بك وأيوب بك الى
المنصورة ومصطفى بك الى فارسكور وابراهيم بك الوالي الى طندتا واما سليمان بك
فاستمر ببولاق التكرور حتى برأ جرحه
وفي منتصف شهر رمضان اتفق الامراء المنفيون على الرهوب
الى قبلي فأرسلوا الى ابراهيم بك الوالي ليأتي اليهم من طندتا وكذلك الى مصطفى بك
من فارسكور وتواعدوا على يوم معلوم بينهم فحضر ابراهيم بك الى عثمان بك وايوب بك
خفية في المنصورة وأما مصطفى بك فإنه نزل في المراكب وعدى الى البر الشرقي بعد الغروب
وركب
وسافر فركب خلفه رجل يسمى طه شيخ فارسكور وكان بينه وبين
مصطفى بك خرازة وأخذ صحبته رجلا يسمى الاشقر في نحو ثلثمائة فارس وعدوا خلفه
فلحقوه آخر الليل والطريق ضيقة بين البحر والارز المزروع فلم يمكنهم الهروب ولا
القتال
فأراد الصنجق ان يذهب بمفرده فدخل في الارز بفرسه فانغرز
في الطين فقبضوا عليه هو وجماعته فعروهم وأخذوا ما كان معهم وساقوهم مشاة الى
البحر وانزلوهم المراكب وردوهم الى مكانهم محتفظين عليهم
وارسلوا الخبر الى مصر بذلك
واما الجماعة الذين في المنصورة فانهم انتظروا مصطفى بك
في الميعاد فلم يأتهم ووصلهم الخبر بما وقع له فركب عثمان بك وابراهيم بك وساروا
وتخلف ايوب بك المنصورة فلما قربوا من مصر سبقتهم الرسل الى سليمان بك فركب من الجيزة
وذهب اليهما وذهبوا الى قبلي وارسل مراد بك محمد كاشف الالفي وايوب كاشف فأخذا
مصطفى بك من فارسكور وتوجها به الى ثغر سكندرية وسجنوه بالبرج الكبير
وعرف من اجل ذلك بالاسكندراني
واحضروا ايوب بك الى مصر واسكنوه في بيت صغير وبعد ايام
ردوه الى بيته الكبير وردوا له الصنجقية ايضا في منتصف شوال
وفي يوم الاثنين سادس شهر شوال الموافق التاسع عشر مسرى
القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا يوم الثلاثاء في عربة وكسر السد على
العادة
وفي يوم الاثنين حادى عشرين شوال كان خروج المحمل صحبة
امير الحاج مصطفى بك الكبير في موكب حقير جدا بالنسبة للمواكب المتقدمة ثم ذهب الى
البركة في يوم الخميس وقد كان تأخر له مبلغ من مال الصرة وخلافها فطلب ذلك من ابراهيم
بك فأحاله على مراد بك من الميرى الذى طرفه وطرف اتباعه واحال عليه امير الحاج
وركب من البركة راجعا الى مصر وتركه واياه فلم يسع مراد بك الا الدفع وتشهيل الحج
وعاد الى مصر
وخرج الى قصره بالروضة وارسل الى الجماعة الذين بالوجه
القبلي فلما علم ابراهيم بك بذلك ارسل اليه يستعطفه وترددت بينهما الرسل من العصر
الى بعد العشاء ونظر ابراهيم بك فلم يجد عنده احدا من خشداشينه
واجتمه واكلهم على مراد بك فضاق صدره وركب الى الرميلة
فوقف بها ساعة حتى أرسل الحملة صحبة عثمان بك الأشقر وعلي بك أباظة وصبر حتى ساروا
وتقدموا عليه مسافة ثم سار نحو الجبل وذهب الى قبلي وصحبته علي اغا كتخدا
الجاويشية وعلي أغا مستحفظان والمحتسب وصناجقه الاربعة فلما بلغ مراد بك ركوبه
وذهابه ركب خلفهم حصة من الليل ثم رجع الى مصر واصبح منفردا بها وقلد قائد اغا
اغات مستحفظان وصالح اغا الوالي القديم وجعله كتخدا الجاويشية وحسن اغا كتخدا
ومصطفى بك محتسب وأرسل الى محمد كاشف الالفي ليحضر مصطفى بك من محبسه بثغر
اسكندرية ونادى بالامان في البلد وزيادة وزن الخبز وأمر باخراج الغلال المخزونة
لتباع على الناس
وفي ليلة الثلاثاء خامس القعدة حضر مصطفى بك ونزل في
بيته اميرا وصنجقا على عادته كما كان
وفيه قلد مراد بك مملوكه محمد كاشف الألفي صنجقا مصطفى
كاشف وصنجقا الاخميمي صنجقا أيضا
وفي يوم الاحد سابع عشر القعدة حضر عثمان بك الشرقاوى
وسليمان بك الاغا وابراهيم بك الوالي وسليمان بك أبو نبوت وكان مراد بك أرسل
يستدعيهم كما تقدم
فلما حضروا الى مصر سكنوا بيوتهم كما كانوا على امارتهم
وفي اواخره وصل واحد أغا من الدولة وبيده مقرر للباشا
على السنة الجديدة فطلب الباشا الامراء لقراءاته عليهم فلم يطلع منهم أحد واهمل
ذلك مراد بك ولم يلتفت اليه
وفي يوم الجمعة رابع عشر الحجة رسم مراد بك بنفي رضوان
بك قرابة علي بك الكبير الذى كان خامر على اسمعيل بك وحسن بك الجداوى وحضر مصر صحبة
مراد بك كما تقدم وانضم اليه وصار من خاصته فلما خرج ابراهيم بك من مصر اشيع انه
يريد صلحه مع اسمعيل بك وحسن بك بك فصار رضوان بك كالجملة المعترضة فرسم مراد بك
بنفيه فسافر من ليلته الى الاسكندرية
وفي يوم السبت خامس عشرة أرسل مراد بك الى الباشا وأمره
بالنزول فأنزلوه الى قصر العيني معزولا وتولى مراد بك قائم مقام وعلق الستور على
بابه فكانت ولاية هذا الباشا احد عشر شهرا سوى الخمسة أشهر التي أقامها بثغر
سكندرية وكانت أيامه كلها شدائد ومحنا وغلاء
وفي أواخر شهر الحجة شرع مراد بك في اجراء الصلح بينه
وبين ابراهيم بك فأرسل له سليمان بك الاغا والشيخ أحمد الدردير ومرزوق بك ولده
فتهيأوا وسافروا في يوم السبت ثامن عشرينه
وانقضت هذه السنة كالتي قبلها في الشدة والغلاء وقصور
النيل والفتن المستمرة وتواتر المصادرات والمظالم من الامراء وانتشار أتباعهم في
النواحي لجبي الاموال من القرى والبلدان واحداث أنواع المظالم ويسمونها مال الجهات
ودفع المظالم والفردة حتى أهلكوا الفلاحين وضاق ذرعهم واشتد كربهم وطفشوا من
بلادهم فحولوا الطلب على الملتزمين وبعثوا لهم المعينين في بيوتهم فاحتاج مساتير
الناس لبيع أمتعتهم ودورهم ومواشيهم بسبب ذلك مع ما هم فيه من المصادرات الخارجة
عن ذلك وتتبع من يشم فيه رائحة الغنى فيؤخذ ويحبس ويكلف بطلب اضعاف ما يقدر عليه
وتوالى طلب السلف من تجار البن والبهار عن المكوسات المستقيلة
ولما تحقق التجار عدم الرد استعوضوا خساراتهم من زيادة
الاسعار ثم مدوا أيديهم الى المواريث فاذا مات الميت أحاطوا بموجوده
سواء كان له وارث أولا
وصار بيت المال من جملة المناصب التي يتولاها شرار الناس
بجملة من المال يقوم بدفعه في كل شهر ولا يعارض فيما يفعل في الجزئيات وأما
الكليات فيختص بها الامير
فحل بالناس مالا يوصف من أنواع البلاء الا من تداركه
الله برحمته او اختلس شيئا من حقه فان اشتهروا عليه عوقب على استخراجه
وفسدت النيات وتغيرت القلوب ونفرت الطباع وكثر الحسد
والحقد في الناس لبعضهم البعض فيتتبع الشخص عورات اخيه ويدلي به الى الظلم حتى خرب
الاقليم وانقطعت الطرق وعربدت أولاد الحرام وفقد الامن ومنعت السبل الا بالخفارة وركوب
الغرر وجلت الفلاحون من بلادهم من الشراقي والظلم وانتشروا في المدينة بنسائهم
وأولادهم يصيحون من الجوع ويأكلون ما يتساقط في الطرقات من قشور البطيخ وغيره فلا
يجد الزبال شيئا يكنسه من ذلك واشتد بهم الحال حتى أكلوا الميتات من الخيل والحمير
والجمال فاذا خرج حمار ميت تزاحموا عليه وقطعوه وأخذوه ومنهم من يأكله نيئا من شدة
الجوع ومات الكثير من الفقراء بالجوع
هذا والغلاء مستمر والاسعار في الشدة وعز الدرهم
والدينار من أيدى الناس وقل التعامل الا فيما يؤكل وصار سمر الناس وحديثهم في
المجالس ذكر المآكل والقمح والسمن ونحو ذلك لاغير ولولا لطف الله تعالى ومجيء الغلال
من نواحي الشام والروم لهلكت أهل مصر من الجوع
وبلغ الاردب من القمح ألفا وثلثمائة نصف فضة والفول
والشعير قريبا من ذلك وأما بقية الحبوب والابزار فقل ان توجد
واستمر ساحل الغلة خاليا من الغلال بطول السنة والشون
كذلك مقفولة وارزاق الناس وعلائفهم مقطوعة وضاع الناس بين صلحهم وغبنهم وخروج
طائفة ورجوع الاخرى ومن خرج الى جهة قبض أموالها وغلالها
وإذا سئل المستقر في شيء تعلل بما ذكر
ومحصل هذه الافاعيل بحسب الظن الغالب انها حيل على سلب
الاموال والبلاد
وفخاخ ينصبونها ليصيدوا بها اسمعيل بك
وفي أواخره وصلت مكاتبة من الديار الحجازية عن الشريف
سرور ووكلاء التجار خطابا للامراء والعلماء بسبب منع غلال الحرمين وغلال المتجر
وحضور المراكب مصبرة بالاتربة والشكوى من زيادة المكوسات عن الحد فلما حضرت قرىء
بعضها وتغوفل عنها وبقي الامر على ذلك
رجع لخبر العجلة التي لها رأسان وهو انه لما أرسل
ابراهيم بك ولده مرزوق بك غلاما صغيرا لمصالحة الامير مراد بك واعطاه هدية ومن
جملتها بقرة وخلفها عجلة برأسين وحضر بهما الى مصر وشاع خبرها فذهبت بصحبة أخينا
وصديقنا مولانا السيد اسمعيل الوهبي الشهير بالخشاب فوصلنا الى بيت ام مرزوق بك
الذى بحارة عابدين ودخلنا الى اسطبل مع بعض السواس فرأينا بقرة مصفرة اللون مبياض
وابنتها خلفها سوداء ولها رأسان كاملتا الاعضاء وهي تأكل بفم احدى الرأسين وتشتر
بفم الرأس الثانية فتعجبنا من عجيب صنع الله وبديع خلقته فكانت من العجائب الغريبة
المؤرخة
من مات في هذه السنة من أعيان الناس مات الشيخ الفقيه
الصالح المشارك الشيخ درويش بن محمد بن محمد ابن عبد السلام البوتيجي الحنفي نزيل
مصر حضر دروس كل من الشيخ محمد ابي السعود والشيخ سليمان المنصورى والشيخ محمد
الدلجي وغيرهم وتميز في معرفة فروع الفقه وافتى ودرس وكان انسانا حسنا لا بأس به توفي
في هذه السنة
ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة المفوه المتكلم
المتفقه النحوى الاصولي الشيخ عبد الله بن أحمد المعروف باللبان الشافعي الازهرى
احد
المتصدرين في العلماء الازهرية حضر أشياخ الوقت كالملوى
والجوهري والحفني والصعيدي والعشماوي والدفرى وتمهر في الفقه والمعقول وقرأ الدروس
وختم الختوم وتنزل اياما عند الامير ابراهيم كتخذا القازدغلي واشتهر ذكره في الناس
وعند الامراء بسبب ذلك وتحمل حاله وكان فصيحا ملسانا مفوها يخشى من سلاطة لسانه في
المجالس العلمية والعرفية
وسافر مرة الى اسلامبول في بعض الارساليات وذلك سنة ست
وثمانين عندما خرج علي بك من مصر ودخل محمد بك وكان بصحبة أحمد باشجاويش أرنؤد
ومات الامام العلامة الشيخ عبد الرحمن جاد الله البناني
المغربي وبنانه قرية من قرى منستير بافريقية ورد الى مصر وجاور بالجامع الازهر
وحضر دروس الشيخ الصعيدي والشيخ يوسف الحفني والسيد محمد البليدى وغيرهم من أشياخ
العصر ومهر في المعقول وألف حاشية على جمع الجوامع اختصر فيها سياق بن قاسم وانتفع
بها الطلبة ودرس برواق المغاربة وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد الاسكندرى وغيره وتولى
مشيخة رواقهم مرارا بعد عزل السيد قاسم التونسي وبعد عزل الشيخ أبي الحسن القلعي
فسار فيها سيرا حسنا
ولم يتزوج حتى مات
ومن آثاره ما كتبه على المقامة التصحيفية للشيخ عبد الله
الادكاوى
ولم يزل مواظبا على التدريس ونفع الطلبة حتى تعلل أياما
وتوفي ليلة الثلاثاء ختام شهر صفر
ومات الشيخ الفاضل العلامة عبد الرحمن بن حسن بن عمر
الاجهورى المالكي المقرى سبط القطب الخضيرى أخذ علم الاداء عن كل من الشيخ محمد بن
علي السراجي اجازة في سنة 1156 وعن الشيخ عبد ربه ابن محمد السجاعي اجازة في سنة
أربع وخمسين وعن شمس الدين السجاعي فس سنة ثلاث وخمسين وعن عبد الله بن محمد بن
يوسف القسطنطيني جود عليه الى قوله المفلحون بطريقة الشاطبية والتيسير بقلعة الجبل
حين
ورد مصر حاجا في سنة ثلاث وخمسين وعلى الشيخ أحمد بن
السماح البقرى والشهاب الاسقاطي وآخرين وأخذ العلوم عن الشبراوى والعماوى والسجيني
والشهاب النفراوى وعبد الوهاب الطندتاوى والشمس الحفني وأخيه الشيخ يوسف والشيخ
الملوى وسمع الحديث من الشيخ محمد الدفرى والشيخ أحمد الاسكندراني ومحمد بن محمد
الدقاق واجازه الجوهرى في الاحزاب الشاذلية وكذا يوسف بن ناصر واجازه السيد مصطفى
البكرى في الخلوتية والاوراد السرية ودخل الشام فسمع الاولية على الشيخ اسمعيل
العجلوني وسمع عليه الحديث وأخذ فن القراءات على الشيخ مصطفى الخليجي ومكث هناك
مدة ودخل حلب فسمع من جماعة وعاد الى مصر فحضر على السيد البليدى في تفسير
البيضاوى بالازهر وبالاشرفية وكان السيد يعتني به ويعرف مقامه
وله سليقة تامة في الشعر وله مؤلفات منها الملتاذ في
الاربعة الشواذ ورسالة في وصف أعضاء المحجوب نظما ونثرا وشرح تشنيف السمع ببعض
لطائف الوضع للشيخ العيدروس شرحين كاملين قرظ عليهما علماء عصره
ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويجيد ودرس بالازهر مدة في
أنواع الفنون واتقن العربية والاصول والقراءات وشارك في غيرها وعين للتدريس في
السنانية ببولاق فكان يقرأ فيها الجامع الصغير ويكتب على أطراف النسخة من تقاريره
المبتكرة ما لو جمع لكان شرحا حسنا
وتوفي المترجم رحمه الله تعالى في سابع عشرين رجب
ومات الاجل المبجل والعمدة المفضل الحسيب النسيب السيد
محمد ابن احمد بن عبد اللطيف بن محمد بن تاج العارفين بن أحمد بن عمر ابن أبي بكر
بن محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن محمد بن شرشيق بن محمد ابن عبد العزيز بن عبد القادر
الحسيني الجيلي المصرى ويعرف بأبن بنت الجيزى من بيت العز والسيادة والكرامة
والمجادة جدهم تاج العارفين
تولى الكتابة بباب النقابة ولا زالت في ولده مضافة
لمشيخة السادة القادرية ومنزلهم بالسبع قاعات ظاهر الموسكي مشهور بالثروة والعز
وكان المترجم اشتغل بالعلم حتى أدرك منه حظا وافرا وصار له ملكة يقتدر بها على
استحضار النكات والمسائل والفروع وكان ذا وجاهة وهيبة واحتشام وانجماع عن الناس
ولهم منزل ببركة جناق يذهبون اليه في ايام النيل وبعض الاحيان للنزاهة توفي رحمه
الله تعالى في هذه السنة وتولى منصبه أخوه السيد عبد الخالق
ومات السيد الفاضل السالك على بن عمر بن محمد بن علي بن
احمد ابن عبد الله بن حسن بن احمد بن يوسف بن ابراهيم بن احمد ابن ابي بكر بن
سليمان بن يعقوب بن محمد بن القطب سيدى عبد الرحيم القناوى الشريف الحسيني ولد
بقنا وقدم مصر وتلقن الطريقة عن الاستاذ الحفني ثم حبب اليه السياحة فورد الحرمين
وركب من جدة الى سورت ومنها الى البصرة وبغداد وزار من بهما من المشاهد الكرام ثم
دخل المشهد فزار امير المؤنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه ثم دخل جراسان ومنها
الى غزنين وكابل وقندهار واجتمع بالسلطان احمد شاه فأكرمه واجزل له العطاء ثم عاد
الى الحرمين وركب من هناك الى بحر سيلان فوصل الى بنارس واجتمع بسلطانها وذهب الى
بلاد جاوة ثم رجع الى الحرمين ثم سار الى اليمن ودخل صنعاء واجتمع بأمامها ودخل
زبيد واجتمع بمشايخها واخذ عنهم واستأنسوا به وصار يعقد لهم حلق الذكر على طريقته
وأكرموه ثم عاد الى الحرمين ثم الى مصر وذلك سنة اثنتين وثمانين وكانت مدة غيبته
نحو عشرين سنة
ثم توجه في آخر هذه السنة الى الصعيد واجتمع بشيخ العرب
همام رحمه الله تعالى فأكرمه اكراما زائدا ودخل قنا فزار جده ووصل رحمة ومكث هناك
شهورا ثم رجع الى مصر وتوجه الى الحرمين من
القلزم وسافر الى اليمن وطلع الى صنعاء ثم عاد الى
كوكبان وكان امامها اذ ذاك العلامة السيد ابراهيم بن احمد الحسيني وانتظم حاله
وراج أمره وشاع ذكره وتلقن منه الطريقة جماعة من أهل زبيد واستمال بحسن مذاكرته
ومداراته طائغة من الزيدية ببلدة تسمى زمرمر
وهي بلدة باليمن بالجبال وهم لا يعرفون الذكر ولا يقولون
بطرق الصوفية فلم يزل بهم حتى أحبوه واقام حلقة الذكر عندهم وأكرموه ثم رجع من
هناك الى جدة وركب من القلزم الى السويس
ووصل مصر سنة اربع وتسعين فنزل بالجمالية فذهبت اليه
بصحبته شيخنا السيد مرتضى وسلمنا عليه وكنت أسمع به ولم أره قبل ذلك اليوم فرأيت
منه كمال المودة وحسن المعاشرة وتمام المروءة وطيب المفاكهة وسمعت منه أخبار رحلته
الاخيرة وترددنا عليه وتردد علينا كثيرا وكان ينزل في بعض الاحيان الى بولاق ويقيم
أياما بزاوية علي بك يصحبة العلامة الشيخ مصطفى الصاوى والشيخ بدوى الهيتمي وحضر
الى منزلي ببولاق مرارا باستدعاء وبدون استدعاء ثم تزوج بمصر واتى اليه ولده السيد
مصطفى من البلاد زائرا وما زال على حاله في عبادة وحسن توجه الى الله مع طيب
معاشرة وملازمة الاذكار صحبة العلماء الاخيار حتى تمرض بعلة الاستسقاء مدة حتى توفي
ليلة الثلاثاء غرة جمادى الاولى من السنة وصلي عليه بالازهر ودفن بالقرافة بين يدى
شيخه الحفني
وكان ابنه غائبا فحضر بعد مدة من موته فلم يحصل من
ميراثه الا شيئا نزرا وذهب ما جمعه في سفر الله حيث ذهب
ومات الوجيه النبيل والجيلي الاصيل السيد حسين باشيجاويش
الاشراف بن ابراهيم كتخدا تفكجيان بن مصطفى افندى الخطاط كان انسانا حسنا جامعا للفضائل
واللطف والمزايا واقتنى كتبا كثيرة في الفنون وخصوصا في التاريخ وكان مألوف الطباع
ودودا شريف النفس
مهذب الاخلاق فلم يخلف بعده مثله رحمه الله تعالى
ومات الامير محمد كتخدا أباظة وأصله من مماليك محمد
جربجي الصابونجي ولما مات سيده كما تقدم تركه صغيرا فخدم ببيتهم ثم عند حسين بك
المقتول ولم يزل ينمو ويترقى في الخدم حتى تقلد كتخدائية محمد بك أبي الذهب فسار
فيها بشهامة وصرامة ولم يزل مبجلا بعده في أيام مماليكه معدودا من الامراء وله عزوة
مماليك واتباع حتى تعلل ومات في هذه السنة
ومات التاجر الخير الصدوق الصالح الحاج عمر بن عبد
الوهاب الطرابلسي الاصل الدمياطي سكن دمياط مدة وهو يتجر واختص بالشيخ الحفني فكان
يأتي اليه في كل عام يزوره ويراسله بالهدايا ويكرم من يأتي من طرفه وكان منزله
مأوى الوافدين من كل جهة ويقوم بواجب اكرامهم وكان من عادته انه لا يأكل مع الضيوف
قط انما يخدم عليهم ما داموا يأكلون ثم يأكل مع الخدم وهذا من كمال التواضع
والمروءة
واذا قرب شهر رمضان وفد عليه كثير من مجاورى رواق الشوام
بالازهر وغيره فيقيمون عنده حتى ينقضي شهر الصوم في الاكرام ثم يصلهم بعد ذلك
بنفقة وكساوى ويعودون من عنده مجبورين
وفي سنة ثلاث وثمانين حصلت له قضية مع بعض اهل الذمة
التجار بالثغر فتطاول عليه الذمي وسبه فحضر الى مصر وأخبر الشيخ الحفني فكتبوا له
سؤالا في فتوى وكتب عليه الشيخ جوابا وأرسله الى الشيخ الوالد فكتب عليه جوابا
وأطنب فيه ونقل من الفتاوى الخيرية جوابا عن سؤال رفع للشيخ خير الدين الرملي في
مثل هذه الحادثة بحرق الذمي ونحو ذلك وحضر ذلك النصراني في اثر حضور الحاج عمر
خوفا على نفسه وكان اذ ذاك شوكة الاسلام قوية فأشتغل مع جماعة الشيخ بمعونة كبار
النصارى بمصر بعد ان تحققوا حصول الانتقام وفتنوهم بالمال فأدخلوا على
الشيخ شكوكا وسبكوا الدعوى في قالب آخر وذلك انه لم يسبه
بالالفاظ التي ادعاها الحاج عمر وانه بعد التسابب صالحه وسامحه وغيروا صورة السؤال
الاول بذلك واحضروه الى الوالد فامتنع من الكتابة عليه فعاد به الشيخ حسن الكفراوى
فحلف لا يكتب عليه ثانيا ابدا وتغير خاطر الحاج عمر من طرف الشيخ واختل اعتقاده
فيه وسافر الى دمياط ولم يبلغ قصده من النصراني ومات الشيخ بعد هذه الحادثة بقليل
وانتهت رياسة مصر الى علي بك وارتفع شأن النصارى في
ايامه بكاتبه المعلم رزق والمعلم ابراهيم الجوهرى فعملوا على نفي المترجم من دمياط
فأرسلوا له من قبض عليه في شهر رمضان ونهبوا امواله من حواصله وداره ووضعوا في
رقبته ورجليه القيد وانزلوه مهانا عريانا مع نسائه واولاده في مركب وارسلوه الى
طرابلس الشام فاستمر بها الى ان زالت دولة علي بك واستقل بامارة مصر محمد بك وأظهر
الميل الى نصرة الاسلام فكلم السيد نجم الدين الغزى محمد بك في شأن رجوعه الى
دمياط فكان ان يجيب لذلك وكنت حاضرا في ذلك المجلس والمعلم مخاييل الجمل والمعلم
يوسف بيطار وقوف أسفل السدلة يغمزان الامير بالاشارة في عدم الاجابة لانه من
المفسدين بالثغر ويكون السبب في تعطيل الجمارك فسوف السيد نجم الدين بعد أن كان
قرب من الاجابة
فلما تغيرت الدولة وتنوسيت القضية وصار الحاج عمر كأنه
لم يكن شيئا مذكورا رجع الى الثغر وورد علينا مصر وقد تقهقر حاله وذهبت نضارته
وصار شيخا هرما ثم رجع الى الثغر واستمر به حتى توفي في السنة وكان له مع الله حال
يداوم على الاذكار ويكثر من صلاة التطوع ولا يشتغل الا بما يهمه رحمه الله تعالى
ومات الامير الجليل ابراهيم كتخدا البركاوى وأصله مملوك
يوسف كتخدا عزبان البركاوى نشأ في سيادة سيده وتولى في مناصب وجاقهم
وقرأ القرآن في صغره وجود الخط وحبب اليه العلم وأهله
ولما مات سيده كان هو المتعين في رئاسة بيتهم دون
خشداشينه لرئاسته وشهامته ففتح بيت سيده وانضم اليه خشداشينه واتباعه واشترى
المماليك ودربهم في الآداب والقراءة وتجويد الخط وأدرك محاسن الزمن الماضي
وكان بيته مأوى الفضلاء وأهل المعارف والمزايا والخطاطين
واقتنى كتبا كثيرة جدا في كل فن وعلم حتى ان الكتاب المعدوم اذا احتيج اليه لا
يوجد الا عنده ويعير للناس ما يرومونه من الكتب للانتفاع في المطالعة والنقل
وبآخره اعتكف في بيته ولازم حاله وقطع أوقاته في تلاوة القرآن والمطالعة وصلاة
النوافل الى ان توفي في هذه السنة وتبردت كتبه وذخائره رحمه الله تعالى
سنة تسع وتسعين ومائة وألف استهل العام بيوم الاثنين
فكان الفال بالمنطق واخذت الاشياء في الانحلال قليلا
وفي سابعه جاءت الاخبار بان الجماعة المتوجهين لابراهيم
بك في شأن الصلح وهم الشيخ الدردير وسليمان بك الآغا ومرزوق جلبي اجتمعوا بابراهيم
فتكلموا معه في شأن ذلك فأجاب بشروط منها ان يكون هو على عادته امير البلد وعلى
أغا كتخدا الجاويشية على منصبه
فلما وصل الرسول بالمكاتبة جمع مراد بك الامراء وعرفهم
ذلك فأجابوا بالسمع والطاعة وكتبوا جواب الرسالة وارسلوها صحبه الذى حضر بها
وسافر ايضا احمد بك الكلارجي وسليم اغا امين البحرين في
حادى عشرة
وفي عشرينه وصلت الاخبار بان ابراهيم بك نقض الصلح الذى
حصل وقيل أن صلحه كان مداهنة لاغراض لا تتم له بدون ذلك فلما تمت احتج باشياء اخر
ونقض ذلك
وفي سادس صفر حضر الشيخ الدردير واخبر بما ذكر وان
سليمان بك وسليم اغا استمروا معه
وفي منتصفه وصل الحجاج مع امير الحاج مصطفى بك وحصل
للحجاج في هذه السنة مشقة عظيمة من الغلاء وقيام العربان بسبب عوائدهم القديمة
والجديدة ولم يزوروا المدينة المنورة على صاحبها افضل الصلاة وازكى السلام لمنع
السبل وهلك عالم كثير من الناس والبهائم من الجوع وانقطع منهم جانب عظيم
ومنهم من نزل في المراكب الى القلزم وحضر من السويس الى
القصير ولم يبق الا امير الحج واتباعه ووقفت العربان لحجاج المغاربة في سطح العقبة
وحصروهم هناك ونهبوهم وقتلوهم عن آخرهم ولم ينج منهم الا نحو عشرة انفار
وفي اثناء نزول الحج وخروج الامراء لملاقاة امير الحج
هرب ابراهيم بك الوالي وهو اخو سليمان بك الاغا وذهب الى اخيه بالمنية وذهب صحبته
من كان بمصر من اتباع اخيه وسكن الحال اياما
وفي اواخر شهر صفر سافر ايوب بك الكبير وايوب بك الصغير
بسبب تجديد الصلح فلما وصلوا الى بني سويف حضر اليهم سليمان بك الاغا وعثمان بك
الاشقر باستدعاء منهم ثم اجاب ابراهيم بك الى الصلح ورجعوا جميعا الى المنية
وفي اوائل ربيع الاول حضر حسن اغا بيت المال بمكاتبات
بذلك وفي اثر ذلك حضر ايوب بك الصغير وعثمان بك الاشقر فقابلا مراد بك وقدم مراد
بك لعثمان بك تقادم ثم رجع ايوب بك الى المنية ثانيا
وفي يوم الاثنين رابع ربيع الثاني وصل ابراهيم بك الكبير
ومن معه من الامراء الى معادى الخبيرى بالبر الغربي فعدى اليه مراد بك وباقي الامراء
والوجاقلية والمشايخ وسلموا عليه ورجعوا الى مصر وعدى في أثرهم ابراهيم بك ثم حضر
ابراهيم بك في يوم الثلاثاء الى مصر
ودخل الى بيته وحضر اليه في عصريتها مراد بك في بيته
وجلس معه حصة طويلة
وفي يوم الاحد عاشره عمل الديوان وحضرت لابراهيم بك
الخلع من الباشا فلبسها بحضرة مراد بك والامراء والمشايخ وعند ذلك قام مراد بك
وقبل يده وكذلك بقية الامراء وتقلد علي أغا كتخدا الجاويشية كما كان وتقلد علي أغا
اغات مستحفظان كما كان فاغتاظ لذلك قائد أغا الذي كان ولاه مراد بك وحصل له قلق
عظيم وصار يترامى على الامراء ويقع عليهم في رجوع منصبه وصار يقول ان لم يردوا الى
منصبي والا قتلت علي أغا
وصمم ابراهيم بك على عدم عزل علي أغا واستوحش علي أغا
وخاف على نفسه من قائد أغا ثم ان ابراهيم بك قال ان عزل علي أغا لا يتولاها قائد
أغا أبدا
ثم انهم لبسوا سليما أغا امين البحرين وقطع منها امل
قائد أغا وما وسعه الا السكوت
وفي منتصف جمادى الآخرة خرج عثمان بك المذكور بمماليكه
وأجناده مسافرا الى الصعيد بنفسه ولم يسمع لقولهم ولم يلبس تقليدا لذلك على العادة
فأرسلوا له جماعة ليردوه فأبى من الرجوع
وفيه كثر الموت بالطاعون وكذلك الحميات ونسي الناس أمر
الغلاء
وفي يوم الخميس مات علي بك أباظة الابراهيمي فأنزعج عليه
ابراهيم بك وكان الامراء خرجوا بأجمعهم الى ناحية قصر العيني ومصر القديمة خوفا من
ذلك
فلما مات علي بك وكثير من مماليكهم داخلهم الرعب ورجعوا
الى بيوتهم
وفي يوم الاحد طلعوا الى القلعة وخلعوا علي لاجين وجعلوه
حاكم جرجا ورجع ابراهيم بك الى بيته أيضا وكان ابراهيم بك اذ ذاك قائمقام
وفيه مات أيضا سليمان بك ابو نبوت بالطاعون
وفي منتصف رجب خف أمر الطاعون
وفي منتصف شعبان ورد الخبر بوصول باش مصر الجديد الى ثغر
سكندرية وكذلك باش جدة ووقع قبل ورودهما بأيام فتنة بالاسكندرية بين أهل البلد
وأغات القلعة والسردار بسبب قتيل من أهل البلد قتله بعض أتباع السردار فثار العامة
وقبضوا على السردار وأهانوه وجرسوه على حمار وحلقوا نصف لحيته وطافوا به البلد وهو
مشكوف الرأس وهم يضربونه ويصعفونه بالنعالات
وفيه أيضا وقعت فتنة بين عربان البحيرة وحضر منهم جماعة
الى ابراهيم بك وطلبوا منه الاعانة على أخصامهم فكلم مراد بك في ذلك فركب مراد بك
وأخذهم صحبته ونزل الى البحيرة فتواطأ معه الاخصام ورشوه سرا فركب ليلا وهجم على المستعينين
به وهم في غفلة مطمئنين فقتل منهم جماعة كثيرة ونهب مواشيهم وابلهم واغنامهم ثم
رجع الى مصر بالغنائم
وفي غاية شعبان حضر باشة جدة الى ساحل بولاق فركب علي
أغا كتخدا الجاويشية وارباب العكاكيز وقابلوه وركبوا صحبته الى العادلية ليسافر
الى السويس
وفي غرة رمضان ثارت فقراء المجاورين والقاطنين بالازهر
وقفلوا أبواب الجامع ومنعوا منه الصلوات
وكان ذلك يوم الجمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم وكذلك أغلقوا
مدرسة محمد بك المجاورة له ومسجد المشهد الحسيني وخرج العميان والمجاورون يرمحون
بالاسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره وتبعهم في ذلك الجعيدية وأراذل السوقة
وسبب ذلك قطع رواتبهم واخبازهم المعتادة واستمروا على
ذلك الى بعد العشاء فحضر سليم أغا أغات مستحفظان الى مدرسة الاشرفية وأرسل الى
مشايخ الاروقة والمشار اليهم في السفاهة وتكلم معهم ووعددهم والتزم لهم باجراء
رواتبهم فقبلوا منه ذلك وفتحوا المساجد
وفي يوم الاحد ثامن شهر شوال الموافق لتاسع مسرى القبطي
كان وفاء النيل المبارك وكانت زيادته كلها في هذه التسعة ايام فقط ولم يزد قبل ذلك
واستمر بطول شهر أبيب وماؤه أخضر فلما كان أول شهر مسرى زاد في ليلة واحدة أكثر من
ثلاثة أذرع واستمرت دفعات الزيادة حتى اوفى أذرع الوفاء يوم التاسع وفيه وقع جسر
بحر أبي المنجا بالقلوبية فعينوا له أميرا فأخذ معه جملة أخشاب ونزل وصحبته ابن
ابي الشوارب شيخ قليوب وجمعوا الفلاحين ودقوا له أوتاد عظيمة وغرقوا به نحو خمسة
مراكب واستمروا في معالجة سده مدة أيام فلم ينجع من ذلك شيء وكذلك وقع ببحر مويس
وفي يوم الخميس خرج أمين الحاج مصطفى بك بالمحمل والحجاج
وذلك ثاني عشر شوال
وفي يوم الاثنين ثامن عشر القعدة سافر كتخدا الجاويشية
وصحبته أرباب الخدم الى الاسكندرية لملاقاة الباشا والله تعالى اعلم
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الشيخ الامام العارف
المتفنن المقرىء المجود الضابط الماهر المعمر الشيخ محمد بن حسن بن محمد بن أحمد
جمال الدين بن بدر الدين الشافعي الاحمدى ثم الخلوتي السمنودى الازهرى المعروف بالمنير
ولد بسمنود سنة 1099 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم الجامع الازهر وعمره عشرون سنة
فجود القرآن على الامام المقرىء علي بن محسن الرملي وتفقه على جماعة منهم الشيخ
شمس الدين محمد السجيمي والشيخ علي أبي الصفا الشنواني وسمع الحديث على أبي حامد
البديرى وابي عبد الله محمد بن محمد الخليلي وأجازه في سنة 1132 وأجازه كذلك الشيخ
محمد عقيلة في آخرين وأخذ الطريقة ببلده على سيدى
علي زنفل الاحمدى ولما ورد مصر اجتمع بالسيد مصطفى
البكرى فلقنه طريقة الخلوتية وانضوى الى الشيخ شمس الدين محمد الحفني فقصر نظره
عليه واستقام به عهده فأحياه ونور قلبه واستفاض منه فلم يكن ينتسب في التصوف الا
اليه
وحصل جملة من الفنون الغريبة كالزايرجة والاوفاق على عدة
من الرجال وكان ينزل وفق المائة في المائة وهو المعروف بالمئيني ويتنافس الامراء
والملوك لاخذه منه وأحدث فيه طرقا غريبة غير ما ذكره أهل الفن وقد قرأ القرآن مدة
وانتفع به الطلبة وقرأ الحديث
وكان سنده عاليا فتنبه بعض الطلبة في الاواخر فأكثروا
الاخذ عنه
وكان صعبا في الاجازة لا يجيز أحدا الا اذا قرأ عليه
الكتاب الذى يطلب الاجازة فيه بثمامه ولا يرى الاجازة المطلقة ولا المراسلة حتى ان
جماعة من اهالي البلاد البعيدة أرسلوا يطلبون منه الاجازة فلم يرض بذلك وهذه
الطريقة في مثل هذه الازمان عسرة جدا
وفي أواخره انتهى اليه الشأن وأشير اليه بالبنان وذهبت شهرته
في الآفاق وأتته الهدايا من الروم والشام والعراق وكف بصره وانقطع الى الذكر
والتدريس في منزله بالقرب من قننطرة لموسكى داخل العطفة بسويقة الصاحب ولازم الصوم
نحو ستين عاما ووفدت عليه الناس من كل جهة وعمر حتى الحق الاحفاد بالاجداد واجاز
وخلف وربما كتب الاجازات نظما على هيئة اجازات الصوفية لتلامذتهم في الطريق ولم
يزل يبدى ويعيد ويعقد حلق الذكر ويفيد الى ان وافاه الاجل المحتوم في هذه السنة
وجهز وكفن وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل وأعيد الى الزاوية الملاصقة لمنزله وكثر
عليه الاسف
ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح علي بن علي بن علي بن
علي ابن مطاوع العزيزى الشافعي الازهرى أدرك الطبقة الاولى من المشايخ كالشيخ
مصطفى العزيزى والشيخ محمد السحيمي والدفرى والملوى
واضرابهم وتفقه ودرس بالجامع الازهر وانتفع به الطلبة
وقرأ دروسا بمشهد شمس الدين الحنفي وكان يسكن في بولاق ويأتي كل يوم الى مصر
لالقاء الدروس
وكان انسانا حسنا صبورا محتسبا فصيحا مفوها له اعتقاد في
اهل الله
توفي تاسع ربيع الثاني سنة تسع وتسعين هذه
ومات الامام الصالح الناسك المجود السيد علي بن محمد
الغوصي البدرى الرفاعي المعروف بالقراء وهو والد صاحبنا العلامة السيد حسن البدرى
ولد بمصر وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شهاب الدين أحمد بن عمر الاسقاطي وبه
تخرج واقرأ القرآن بالسبعة كثيرا بالجامع الازهر وبرواق الاروام وانتفع به الطلبة
طبقة بعد طبقة
وكان لع معرفة ببعض الاسرار والروحانيات وغير ذلك
ومات الاختيار المفضل المبجل علي بن عبد الله الرومي
الاصل مولى درويش أغا المعروف الآن بمحرم افندى باش اختيار وجاق الجاويشية كان
لكونه خدم عنده وهو صغير اشتغل بالخط وجوده على المرحوم حسن الضيائي وعبد الله
الانبس وادرك الطبقة منهم ومهر فيه وانجب ولم يكونا اجازاه فعمل له مجلسا في منزل المرحوم
علي أغا وكيل دار السعادة واجتمع فيه ارباب الفن من الخطاطين واجازه حسن افندى
الرشدى مولى علي أغا المشار اليه وكان يوما مشهودا
ولقب بدرويش وكتب بخطه كثيرا وحج سنة 1171 واجتمع
بالحرمين على الافاضل وتلقى منهم اشياء وعاد الى مصر واجتمع بأديب عصره محمد بن
عمر الخوانكي أحد تلامذة الشهاب الخفاجي فتعلق بعناية بالادب وصار في محفوظيته
جملة من أشعاره وقصائده وجملة من قصائد الارجاني وجملة من المقامات الحريرية وعني بحفظ
القرآن فحفظه على كبره وتعب فيه وحفظ أسماء أهل بدر وكان دائما يتلوها
ولاجله ألف شيخنا السيد محمد مرتضى شرح الصدر في شرح
أسماء اهل بدر في عشرين كراسا والتفتيش في
معنى لفظ درويش كراسا
ولازم المذكور منذ قدم مصر وسمع عليه مجالس من الصحيح
والمسلسل بالاسودين وبالعيد والشمائل والامالي وجود عليه شيخنا المذكور في الخط
وقد صاهرت المترجم وتزوجت بربيبته في أواخر سنة خمس وتسعين برغبة منه وهي أم الولد
خليل فتح الله عليه ولما حصلت النسابة والمصاهرة حولته بعياله الى منزلي لتعب
الوقت وتعطيل أسباب المعايش
ولما عاشرته بلوت منه خيرا ودينا وصلاحا وكان لا ينام من
الليل الا قليلا ويتبتل الى مولاه تبتيلا فيصلي ما تيسر من النوافل ثم يكمل بتلاوة
القرآن المرتلة مع التدبر لمعاني الآيات المنزلة وكان حسن السمت نظيف الثياب عظيم
الشيبة منور الوجه وجيه الطلعة مهيب الشكل سليم الطوية مقبول الروحانية ملازما على
حضور الجماعة حريصا على ادراك الفضائل
توفي في جمادى الاولى عن نيف وتسعين سنة ولم تهن قواه ولم
يسقط له سن ويكسر اللوز باسنانه ودفناه بجوار الامام ابي جعفر الطحاوى لانه كان
ناظرا عليه رحمه الله
ومات الاستاذ الفاضل والمستعد الكامل ذو النفحات
والاشارات السيد علي بن عبد الله بن أحمد العلوى الحنفي سبط آل عمر صاحبنا ومرشدنا
ووالده أصله من توقاد وولد
هو في مصر سنة 1173 وعانى الفنون ومهر وانجب في كل شيء
عاناه في أقل زمن بحيث انه اذا توجهت همته لعلم من العلوم الصعبة وطالع فيه أدركه
وأظهر مخبئاته وثمراته وألف فيه وأظهر عجائب أسراره ومعانيه في زمن قليل وكان حاد
الذهن جدا دراكا قوى الحافظة يحفظ كل شيء سمعه أومر عليه ببصره ولازم في مبتدأ
أمره شيخنا السيد محمد مرتضى كثيرا وقرأ عليه الفصيح لثعلب وفقه اللغة للثعالبي
وأدب الكاتب لابن قتيبة في مجالس دراية وسمع منه كثيرا من شرحه على القاموس وكتب
عنه بيده اجزاء كثيرة وقرأ عليه الصحيح في اثنى عشر مجلسا في رمضان سنة ثمان وثمانين
وسمع عليه
أيضا الصحيح مرة ثانية مشاركا مع الجماعة مناوبة في القراءة
في أربع مجالس ومدة القراءة من طلوع الشمس الى بعد كل عصر وصحيح مسلم في ستة مجالس
مناوبة بمنزل الشيخ بخان الصاغة وكتب الامالي والطباق وضبط الاسماء وقلد خط الصلاح
الصفدى في وضعه فأدركه وقرأ عليه أيضا المقامات الحريرية ورسائل في التصريف وغير
ذلك مما لا يدخل تحت الضبط لكثرته
وسمع المسلسل بالعيد وبالاسودين التمر والماء
وسمع عليه أوائل الكتب الستة والمعاجم والمسانيد في سنة
تسعين بمنهل شيخه مع الجماعة وجزء نبيط بن شريط الاشجعي وبلدانيات السلفي
وبلدانيات بن عساكر واحاديث عاشوراء تخريج المنذرى واحاديث يوم عرفة تخريج بن فهد
وعوالي بن مالك وثلاثيات البخارى والدارمي وجزأ فيه أخبار الصبيان والخلعيات
بتمامها وهي عشرون جزءا وعرف المترجم العالي من النازل واجتمع بشيخنا السيد
العيدروس وقربه وادناه ولازمه وقرأ عليه أشياء من كتب الصوفية ومال اليه وصار ينطق
بالشعر وأقبل على الادب والتصوف ولا زال كذلك حتى صار يتكلم بكلام عال
والف كتابا في علم الاوفاق في كراريس لطيفة على نسق عجيب
مفيد وامتزج بالروحانية حتى اني رأيته ينزل الوفق في الكاغد ويضعه على راحة كفه
فيرتعش ويلتف ببعضه ثم ينبسط بنفسه كما كان واذا أخذه غيره ووضعه على مثل وضعه لا يتحرك
ابدا
ومارس في علم الرمل اياما فأدرك منتهاه واستخرج منه مالا
يستخرج الممارس فيه سنين من الضمير والمدة وغير ذلك في أسرع وقت وألف فيه كتابا
لخص فيه قواعده من غير مشقة
ومارس في الفلكيات مع سليمان أفندى كنباذ وصنف فيه وفي
غيره
وبآخرة انجمع عن خلطة الناس واقبل على ربه وكان قد تزوج
بامرأة وكانت تؤذيه وتشتمه وربما كانت تضربه وهو صابر عليها مقبل على شأنه وألف
أورادا واحزابا واسماء على طريقة الاسماء
السهروردية عجيبة المشرب بنفس عال غريب وصار يتكلم بكلام
لا يطرق الاسماع نظيره ولم يزل على ذلك حتى تعلل ولحق بربه وتوفي في سادس ربيع
الاول من السنة وأعقب ولدا من تلك المرأة التي كان تزوج بها وبالجملة والانصاف انه
كان من آيات الله الباهرة
ودفن بالقرافة بتربة علي أغا صالح رضي الله عنا وعنه
ورحمنا أجمعين
ومات الشيخ الفقيه الدراكة العلامة السيد سليمان بن طه
بن ابي العباس الحريثي الشافعي المقرى الشهير بالاكراشي وهي قرية شرقي مصر وحفظ
القرآن وقدم الجامع الازهر وطلب العلم وحضر الاشياخ وجود القرآن على الشيخ مصطفى العزيزى
خادم النعال بمشهد الشيدة سكينة واعاده بالعشر على الشيخ عبد الرحمن الاجهوزى
المقرى واجازه في محفل عظيم في جامع ألماس وسمع وحضر دروس فضلاء وقته ومهر في فقه
المذهب ودرس في جامع الماس وغيره وسمع من شيخنا السيد مرتضى المسلسل وبالاولية
بشرطه والمسلسل بالعيد وبالمحبة وبالقسم وبقراءة الفاتحة في نفس واحد وبالالباس
والتحكيم وسمع الصيحين بطرفيهما في جماعة بجامع شيخون بالصليبة وسمع اجزاء
البلدانيات للحافظ أبي طاهر السلفي وجزء النيل وجزء يوم عرفة ويوم عاشوراء وغير
ذلك
وله تآليف وجمعيات ورسائل في علوم شتى
ولما اجتمع بشيخنا المذكور ورأى ملازمة السيد علي
المترجم آنفا به في أكثر أوقاته ونظر نجابته وما فيه من قوة الفهم والاستعداد لامه
على ملازمته للسيد وانقطاعه عن بقية العلوم وقال له هذا شيء سهل يمكن تحصيله في
زمن قليل وقد قرأت وحصلت ما فيه الكفاية والاولى ان تشغل بعض الزمن بتحصيل المعقولات
وغيرها فان مثلك لا يقتصر على فن من الفنون والاقتصار ضياع
فقبل منه واشتغل عليه وعلى غيره وانقطع بسبب الاشتغال عن
كثرة الترداد على الشيخ كعادته وعلم ذلك فأنحرف على كل منهما
وبالخصوص على السيد علي وصعب عليه جدا وأدى ذلك الى
الانقطاع الكلي
ولما مات الشيخ العزيزى تنزل المترجم في مشيخة القراء
بمقام السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان انسانا حسنا جامعا للفضائل وحضر معنا
الهداية في فقه الحنفية على شيخنا المرحوم العلامة الشيخ مصطفى الطائي الحنفي وكان
يناقش في بعض المسائل المخالفة لمذهبه الى ان وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله
ومات أوحد الفضلاء وأعظم النبلاء العلامة المحقق
والفهامة المدقق الفقيه النبيه الاصولي المعقولي المنطقي الشيخ أبو الحسن بن عمر
القلعي ابن علي المغربي المالكي قدم الى مصر في سنة 1154 وكان لديه استعداد وقابلية
وحضر اشياخ الوقت مثل البليدى والملوى والجوهرى والحفني والشيخ الصعيدى واتحد
بالشيخ الوالد وزوجه زوجة مملوكه مصطفى بعد وفاته وهي خديجة معتوقة المرحوم
الخواجا المعروف بمدينة واقامت معه نحو الاربعين سنة حتى كبر سنها وهرمت وتسرى
عليها مرتين ولما حضر المرحوم محمد باشا راغب واليا على مصر اجتمع به ومارسه وأحبه
وشرح رسالته التي ألفها في علم العروض والقوافي ولما عزل راغب وذهب الى دار
السلطنة وتولى الصدارة سافر اليه المترجم فأجله وأكرمه ورتب له جامكية بالضربخانة
بمصر ورجع الى مصر وتولى مشيخة رواق المغاربة ثلاث مرات بشهامة وصرامة زائدة
وسبب عزله في المرة الوسطى ان بعض المغاربة تشاجر مع
الشيخ علي الشنويهي وانتصر هو للمغاربة لحمية الجنسية ونهر الشيخ علي فذهب الشيخ
علي واشتكاه الى علي بك في ايام امارته فأحضره علي بك فتطاول على الشيخ علي بحضرة
الامير وادعى الشيخ علي بانه لطمه على وجهه في الجامع فكذبه المترجم فحلف الشيخ
علي بالله على ذلك فقال له المترجم احلف بالطلاق فاغتاظ منه الامير علي بك وصرفهما
وارسل في الحال واحضر الشيخ عبد الرحمن
البناني وولاه مشيخة الرواق وعزل الشيخ أبا الحسن وانكسف
باله لذلك ثم اعيد بعد مدة الى المشيخة وكان وافر الحرمة نافذ الكلمة معدودا من
المشايخ الكبار مهاب الشكل منور الشيبة مترفها في ملبسه ومأكله يعلوه حشمة وجلالة
ووقار اذا مر راكبا او ماشيا قام الناس اليه وبادروا الى تقبيل يده حتى صار ذلك
لهم عادة وطبيعة لازمة يرون وجوبها عليهم
وللمترجم تأليفات وتقييدات وحواش نافعة منها حاشية على
الاخضرى على سلمه وحاشية على رسالة العلامة محمد أفندى الكرماني في علم الكلام في
غاية الدقة تدل على رسوخه في علم المنطق والجدل والمعاني والبيان والمعقولات وشرح
على ديباجه شرح العقيدة المسماة بأم البراهين للامام السنوسي وله كتاب ذيل الفوائد
وفرائد الزوائد على كتاب الفوائد والصلاة والعوائد وخواص الآيات والمجريات التي
تلقاها من أفواه الاشياخ وكتاب في خواص سورة يس وغير ذلك
وأخذ عن المرحوم الوالد كثيرا من الحكميات والمواقف
والهداية للابهرى والهيئة والهندسة
ولم يزل مواظبا على تردده عليه وزيارته في الجمعة مرتين
أو ثلاثة ويراعي له حق المشيخة والصحبة في حياته وبعدها وكان سليم الباطن مع ما
فيه من الحدة الى أن توفي في ربيع الاول من هذه السنة رحمه الله
ومات الشيخ المعتقد عبد الله بن ابراهيم بن أخي الشيخ
الكبير المعروف بالموافي الشافعي السندوبي الرفاعي نزيل المنصورة ولد ببلدة منية
سندوب سنة 1140 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم المنصورة فمكث تحت حيازة عمه في عفة
وصلاح وحضر دروس الشيخ أحمد الجالي وأخيه محمد الجالي وانتفع بهما في فقه المذهب
فلما توفي عمه في سنة احدى وستين اجلس مكانه في زاويته التي أنشأها عمه في مؤخر الجامع
الكبير بالمنصورة وسلك على نهجه في أحياء الليالي بالذكر وتلاوة القرآن وكان يختم
في كل يوم وليلة مرة وربى التلاميذ وصارت
له شهرة زائدة مع الانجماع عن الناس لا يقوم لاحد ولا
يدخل دار احد وفيه الاستئناس وعنده فوائد يذاكر بها ويشتغل دائما بالمطالعة
والمذاكرة واعتقده الخاص والعام
ولما سافرنا الى دمياط سنة تسع وثمانين وجزنا بالمنصورة وطلعناها
ذهبنا الى جامعها الكبير ودخلنا اليه في حجرته فوجدته جالسا على فراش عال بمفرده
بجانب ضريح عمه وهو رجل نير بشوش فرحب بنا وفرح بقدومنا وأحضر لنا طبقا فيه قراقيش
وكعك وشريك وخبز يابس ولبن وبوسطة دقة وجبن فأكلنا ما تيسر وسقانا قهوة في فنجان
كبير وتحدث معنا ساعة ودعا لنا بخير وودعناه وسافرنا في الوقت
ولم أره غير هذه المرة
وهو انسان حسن جامع للفضائل توفي في السنة ولم يخلف بعده
مثله
ومات السيد الامام العلامة الفقيه النبيه السيد مصطفى بن
أحمد ابن محمد البنوفرى الحنفي أخذ الفقه عن والده وعن السيد محمد ابي السعود
والشيخ محمد الدلجي والشيخ الزيادى وغيرهم وحضر المعقول على علماء العصر كالشيخ
عيسى البراوى وغيره ودرس في محل والده بالقرب من رواق الشوام الا انه لم يكن له حظ
في الطلبة فكان يأتي كل يوم الجامع ويجلس وحده ساعة ثم يقوم ويذهب الى بيته بسويقة
العزى وكان لا يعرف التصنع وفيه جذب ويعود المرضى كثير الاغنياء والفقراء توفي في
السنة رحمه الله
ومات العلامة المتقن والفهامة المتفنن احد الاعلام
الرواسخ وشيخ المشايخ الفقيه النحوى الاصولي المعقولي المنطقي ذو المعاني والبيان
وحلال المشكلات باتقان الصالح لقانع الورع الزاهد الشيخ محمد ابن محمد بن محمد بن
محمد بن مصطفى بن خاطر الفرماوى الازهرى الشافعي البهوتي نسبة الى قبيلة البهتة
جهة الشرق ولد بمصر رباه والده وحفظ القرآن والمتون وحضر على أشياخ العصر الملوى
والجوهرى والطحلاوى
والبراوى والبليدى والصعيدى والشيخ علي قايتباى
والمدابغي والاجهورى وأنجب في الفقه والمعقول ودرس وأفاد الطلبة واشتهر بالفتوح
على كل من أخذ عنه حتى صار له المشيخة على غالب أهل العلم من الطبقة الثانية
وكان مهذب النفس جدا لين الجانب متواضعا منكسر النفس لا
يرى لنفسه مقاما يجلس حيث ينتهي به المجلس ولا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على
شأنه ملازما على الاشتغال والافادة والمطالعة
ومما اتفق له انه قرأ البخارى والمنهج صبيحة النهار
والقطب على الشمسية في الضحوة والاشموني وقت الظهر وابن عقيل بعد العصر والشنشورى
بعد المغرب كل ذلك في آن واحد ويحضره في ذلك جل الافاضل وهذا لم يتفق لغيره من
أقرانه ولم يزل على حالته حتى توفي في آخر يوم من رجب من السنة وخلف ولده العمدة
الفاضل الصالح الشيخ مصطفى على قدم والده واسلافه من الافادة وملازمة الاقراء
أعانه الله على وقته ونفع به
ومات الشيخ الامام العلامة والنحرير الفهامة محمد بن عبد
ربه ابن علي العزيزى الشهير بأبن الست ولد سنة 1118 بمصر وسبب تسميته بأبن الست أن
والدته كانت سرية رومية اشتراها أبوه وأولدها اياه وكان قد تزوج بحرائر كثيرة فلم
يلدن الا الاناث حتى قيل انه ولد له نحو ثمانين بنتا فأشترى أم ولده هذا فولدته
ذكرا ولم تلد غيره ففرح به كثيرا ورباه في عز ورفاهية وقرأ القرآن مع الشيخ علي
العدوى في مكتب واحد فلذلك اعتشر بالمالكية وصار مالكي المذهب
ولما ترعرع أراد الانتقال الى مذهب الامام الشافعي رضي الله
عنه فرأى الشافعي في المنام وأشار عليه بعدم الانتقال فاستمر مالكي المذهب وتفقه
على الشيخ سالم النفراوى واللقاني والشبراملسي وسمع على الشيخ عبد ابن علي النمرسي
المسلسل بالاولية وأوائل الكتب الستة وسنن النسائي الصغرى المسماة بالمجتبي
والمسلسل بالمصافحة والمشابكة والسبحة وغير
ذلك وأخذ عليه أيضا ملا عصام على السمرقندية وشرح رسالة
الوضع وشرح الجزرية لشيخ الاسلام وأوائل تفسير القاضي البيضاوى مع البحث والتدقيق
وأجازه بما يجوز له وعنه روايته بشرطه وأخذ المعقول عن الشيخ أحمد الملوى والشيخ
عبده الديوى والشيخ الاطفيحي والخليفي وأخذ طريق الشاذلية عن الشيخ أحمد الجوهرى والشيخ
الملوى وهما اخذاها عن سيدى عبد الله بن محمد المغربي القصرى الكنكسي
وكان المترجم على قدم السلف لا يتداخل في أمور الدنيا
ولا يتفاخر في ملبس ولا يركب دابة ولا يدخل بيت أمير ولا يشتغل بغير العلم ومدارسته
ويشهد له معاصروه بالفضل واتقان العلوم والديانة
وسمعت منه المسلسل بالاولية وأجازني بمسموعاته ومروياته
وتلقيت عنه دائرة الشاذلي وأجازني بوضعها ورسمها ونقطة مركزها كل ذلك في مجلس واحد
بمنزلي ببولاق بشاطىء النيل سنة 1190
وكان يجيئني ويودني ويقول لي أنت ابن خالتي لكون والدتي
ووالدته من السرارى
وصنف حاشية على الزرقاني على العزية وهي مستعملة بأيدى
الطلبة وديباجة وخاتمه على أبي الحسن على الرسالة وخاتمة على شرح الخرشي وديباجة
على أيساغوجي في المنطق وحاشية علي الحفيد على العصام وتكملة على العشماوية وشرحا
على آية الكرسي وشرحا على الحوضية في التوحيد ولم يزل مقبلا على شأنه وحاله حتى
توفي في هذه السنة عن أربع وثمانين سنة رحمه الله تعالى
ومات السيد الاجل المبجل السيد أحمد بن عبد الفتاح بن طه
ابن عبد الرزاق الحسيني الحموى القادرى ولد أبوه السيد عبد الفتاح بحماه وارتحل
بكريميه رقية وفاطمة ابنة السيد طه فزوج الاولى باحد أعيان مصر بن حسين الشمسي وهي
أم أولاده حسن وحسين وعثمان ومحمود ورضوان وتزوجت السيدة فاطمة بعلي أفندى البكرى
أخي سيدى
بكرى الصديقي فأولدها محمد أفندى نقيب السادة الاشراف وهو
والد محمد أفندى الاخير وأقام والده السيد عبد الفتاح بمصر مدة وتنزل في بعض
المناصب ثم توجه الى ملك الروم فأكرمه ووجه له بعناية بعض الاعيان نقابة الاشارف
بمصر وحضر الى مصر وقرىء المرسوم الوارد بذلك وكاد أن يتم له الامر فلم يمكن من
ذلك بتقوية بعض الامراء وحنقوا عليه حيث توجه من مصر الى الروم خفية ولم يأخذ منهم
عرضا وجعل له شيء معلوم من بيت النقابة وبقي ممنوعا عنها
وكان سيدا محتشما فصيح اللسان بهي الشكل وتزوج ببنت سيدى
مكي الوارثي وولد له منها السيد أحمد المترجم وتربى في العز والرفاهية ببيتهم
المعروف بهم بالازبكية بخط الساكت وكان انسانا حسنا مترفها في مأكله وملبسه منجمعا
عن الناس الا لمقتضيات لا بد له منها
توفي رحمه الله في هذه السنة ولم يعقب
ومات الشيخ الصالح الماهر الموفق علي بن خليل شيخ القبان
بمصر وكان ماهرا في علم الحساب وممعرفة الموازين والقرسطون المعروف بالقبان
ودقائقه وصناعته ولما عني المرحوم الوالد أمر الموازين وتصحيحها وتحريرها في سنة
اثنتين وسبعين وصنف في ذلك العقد الثمين فيما يتعلق بالموازين طالعه عليه وتلقاه عنه
مع مشاركة الشيخ حسن بن ربيع البولاقي واتقنا ذلك وتميزا به دون أهل فنهما
وكان المترجم انسانا بشوشا منور الشيبة ولديه آداب
ونوادر ومناسبات وحج مرارا او أثرى وتمول ثم تقهقر حاله ولزم بيته الى ان توفي في هذا
العام ولم يخلف بعده مثله
ومات الشريف الحسيب النسيب السيد مصطفى بن السيد عبد
الرحمن العيدروس وهو مقتبل الشيبية وصلي عليه بالازهر ودفن عند والده بمقام
العتريس تجاه مشهد السيدة زينب وكانت وفاته رابع عشرين ربيع
الاول من السنة رحمه الله
سنة مائتين وألف كان اول المحرم يوم الجمعة وفي ذلك
اليوم وصل الباشا الجديد الى برانبابة واسمه محمد باشا يكن فبات ليلة الجمعة هناك
وفي الصباح ذهب اليه الامراء وسلموا عليه على العادة وعدوا به الى قصر العيني فجلس
هناك الى يوم الاثنين رابعه وركب بالموكب وشق من الصليبة وطلع الى القلعة واستبشر
الناس بقدومه
وفي يوم الخميس ثاني عشر صفر حضر مبشر الحاج بمكاتيب
العقبة وأخبر أن الحجاج لم يزوروا المدينة أيضا في هذه السنة مثل العام الماضي
بسبب طمع أمير الحاج في عدم دفع العوائد للعربان وصرة المدينة وأن أحمد باشا أمير
الحاج الشامي اكد عليه في الذهاب وأنعم عليه بجملة من المال والعليق والذخيرة
فاعتل بان الامراء بمصر لم يوفوا له العوائد ولا الصرة في العام الماضي وهذا العام
واستمر على امتناعه
وحضر الشريف سرور شريف مكة وكلمه بحضرة أحمد باشا وقال
اذا كان كذلك فنكتب عرض محضر ونخبر السلطان بتقصير الامراء وتضع عليه خطك وختمك
وللسلطان النظر بعد ذلك
فأجاب الى ذلك ووضع خطه وختمه وحضر اليهم الجاويش في
صبحها فخلعوا عليه كالعادة ورجع بالملاقاة وخرج الامراء في ثاني يوم الى خارج
باجمعهم ونصبوا خيامهم
وفي يوم الاثنين وصل الحجاج ودخلوا الى مصر ونزل أمير
الحج بالجنبلاطية بباب النصر ولم ينزل بالحصوة اولا على العادة وركب في يوم
الثلاثاء ودخل بالمحمل بموكب دون المعتاد وسلم المحمل الى الباشا
وفي يوم الاربعاء اجتمع الامراء ببيت ابراهيم بك وأحضروا
مصطفى بك أمير الحج وتشاجر معه ابراهيم بك ومراد بك بسبب هذه الفعلة
وكتابة العرضحال وادعوا انه تسلم جميع الحمائل وطلبوا
منه حساب ذلك واستمروا على ذلك الى قرب المساء
ثم ان مراد بك أخذ أمير الحاج الى بيته فبات عنده وفي
صبحها حضر ابراهيم بك عند مراد بك وأخذ أمير الحاج الى بيته ووضعه في مكان محجورا
عليه وأمر الكتاب بحسابه فحاسبوه فاستقر في طرفه مائة الف ريال وثلاثة آلاف وذلك
خلاف ما على طرفه من الميرى
وفي يوم الجمعة طلع ابراهيم بك الى القلعة واخبر الباشا
بما حصل وانه حبسه حتى توفي ما استقر بذمته فاستمر أياما وصالح وذهب الى بيته
مكرما
وفي ذلك اليوم بعد صلاة الجمعة ضج مجاورو الازهر بسبب
أخبازهم وقفلوا ابواب الجامع فحضر اليهم سليم أغا والتزم لهم باجراء رواتبهم بكرة
تاريخه فسكنوا وفتحوا الجامع وانتظروا ثاني يوم فلم يأتهم شيء فأغلقوه ثانيا
وصعدوا على المنارات يصيحون فحضر سليم أغا بعد العصر ونجز لهم بعض المطلوبات وأجرى
لهم الجراية أناما ثم انقطع ذلك وتكرر الغلق والفتح مرارا
وفي ليلة خروج الامراء الى ملاقاة الحجاج ركب مصطفى بك
الاسكندرى وأحمد بك الكلارجي وذهبا الى جهة الصعيد والتفا على عثمان بك الشرقاوى
ولاجين بك وتقاسموا الجهات والبلاد وافحشوا في ظلم العباد
وفي منتصف ربيع الاول شرع مراد بك في السفر الى جهة بحرى
بقصد القبض على رسلان والنجار قطاع الطريق فسافر وسمع بحضوره المذكوران فهربا فأحضر
بن حبيب وابن حمد وابن فودة وألزمهم باحضارهما فأعتذروا اليه فحبسهم ثم أطلقهم على
مال وذلك بيت القصيد وأخذ منهم رهائن ثم سار الى طملوها وطالب أهلها برسلان
ثم نهب القرية وسلب أموال أهلها وسبى نساءهم وأولادهم ثم
أمر بهدمها وحرقها عن آخرها ولم يزل ناصبا وطاقه عليها حتى أتى على آخرها هدما
وحرقا وجرفها بالجراريف حتى محوا أثرها وسووها بالارض وفرق كشافه في مدة اقامته
عليها في البلاد والجهات لجبي الاموال وقرر على القرى ما سولته له نفسه ومنع من
الشفاعة وبث المعينين لطلب الكلف الخارجة عن المعقول فاذا استوفوها طلبوا حق طرقهم
فاذا استوفوها طلبوا المقرر وكل ذلك طلبا حثيثا والا أحرقوا البلدة ونهبوها عن
آخرها ولم يزل في سيره على هذا النسق حتى وصل الى رشيد فقرر على أهلها جملة كبيرة
من المال وعلى التجار وبياعي الارز فهرب غالب أهلها وعين على اسكندرية صالح أغا
كتخدا الجاويشية سابقا وقرر له حق طريقه حمسة آلاف ريال وطلب من أهل البلد مائة
ألف ريال وأمر بهدم الكنائس فلما وصل الى اسكندرية هربت تجارها الى المراكب وكذلك غالب
النصارى فلم يجد الا قنصل الموسقو فقال أنا أدفع لكم المطلوب بشرط ان يكون بموجب
فرمان من الباشا أحاسب به سلطانكم فانكف عن ذلك وصالحوه على كراء طريقه ورجع
وارتحل مراد بك من رشيد
ولما وصل الى جميجون هدمها عن آخرها وهدم أيضا كفرد سوق
واستمر هو ومن معه يعبثون بالاقاليم والبلاد حتى أخربوها واتلفوا الزروعات الى غرة
جمادى الاولى
فوصلت الاخبار بقدومه الى زنكلون ثم ثنى عنانه وعرج على
جهة الشرق يفعل بها فعله بالمنوفية والغربية واما صناجقه الذين تركهم بمصر فانهم
تسلطوا على مصادرات الناس في أموالهم وخصوصا حسين بك المعروف بشفت بمعنى يهودى
فانه تسلط على هجم البيوت ونهبها بأدنى شبهة
وفي عصرية يوم الخميس المذكور ركب حسين بك المذكور
بجنوده وذهب الى الحسينية وهجم على دار شخص يسمى احمد سالم الجزار
متولي رياسة دراويش الشيخ البيومي ونهبه حتى مصاغ النساء
والفراش ورجع والناس تنظر اليه
وفي عصريتها أرسل جماعة من سراجينه بطلب الخواجا محمود
ابن حسن محرم فلاطفهم وارضاهم بدراهم وركب الى ابراهيم بك فأرسل له كتخداه وكتخدا الجاويشية
فتلطفوا به وأخذوا خاطره وصرفوه عنه وعبى له الخواجا هدية بعد ذلك وقدمها اليه
وفي صبحها يوم الجمعة ثارت جماعة من اهالي الحسينية بسبب
ما حصل في أمسه من حسين بك وحضروا الى الجامع الازهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة
كثيرة من اوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق وذهبوا الى الشيخ الدردير
فوافقهم وساعدهم بالكلام وقال لهم انا معكم فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه
وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول وانتشروا بالاسواق في
حالة منكرة واغلقوا الحوانيت
وقال لهم الشيخ الدردير في غد نجمع أهالي الاطراف
والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت
شهداء أو ينصرنا الله عليهم فلما كان بعد المغرب حضر سليم أغا مستحفظان ومحمد
كتخدا ارنؤد الجلفي كتخدا ابراهيم بك وجلسوا في الغورية ثم ذهبوا الى الشيخ
الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا للشيخ اكتب لنا قائمة
بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون
واتفقوا على ذلك وقرأوا الفاتحة وانصرفوا وركب الشيخ في
صبحها الى ابراهيم بك وأرسل الى حسين بك فأحضره بالمجلس وكلمه في ذلك فقال في
الجواب كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بك ينهب وأنا أنهب كذلك
وانفض المجلس وبردت القضية
وفي عقبها بأيام قليلة حضر من ناحية قبلي سفينة وبها تمر
وسمن
وخلافه فأرسل سليمان بك الاغا وأخذ ما فيها جميعه وادعى
إن له عند أولاد وافي مالا منكسرا ولم يكن ذلك لاولاد وافي وانما هو لجماعة
يتسببون فيه من مجاورى الصعايدة وغيرهم فتعصب مجاورو الصعايدة وأبطلوا دروس
المدرسين وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ محمد المصيلحي وآخرون وذهبوا
الى بيت ابراهيم بك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلاما كثيرا مفحما
فاحتج سليمان بك بأن ذلك متاع أولاد وافي وأنا أخذته
بقيمته من أصل مالي عندهم فقالوا هذا لم يكن لهم وانما هؤلاء ربابه ناس فقراء فان
كان لك عند أولاد وافي شيء فخذه منهم فرد بعضه وذهب بعضه
وفي يوم الجمعة عاشر جمادى الاولى قدم مراد بك من ناحية
الشرق ودخل في ليلتها من المنهوبات من الجمال والاغنام والابقار والجواميس وغير
ذلك كثير يجل عن الحصر
وفيه سافر أيوب بك الى ناحية قبلي لمصالحة الامراء
الغضاب وهم مصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وعثمان بك الشرقاوى ولاجين بك لانهم بلغوا
قصدهم من البلاد وظلم العباد
وفي منتصف جمادى الثانية حضر عثمان بك الشرقاوى من ناحية
قبلي
وفيه أنعم مراد بك على بعض كشافه بفردة دراهم على بلاد
المنوفية كل بلد مائة وخمسون ريالا
وفيه اجتمع الناس بطندتا لعمل مولد سيدى أحمد البدوى
المعتاد المعروف بمولد الشرنبابلية وحضر كاشف الغربية والمنوفية على جارى العادة
وكاشف الغربية من طرف ابراهيم بك الوالي المولى امير الحاج فحصل منه عسف وجعل على كل
جمل يباع في سوق المولد نصف ريال فرانسة فاغار اعوان الكاشف على بعض الاشراف
وأخذوا جمالهم
وكان ذلك في آخر أيام المولد فذهبوا الى الشيخ الدردير
وكان هناك بقصد الزيارة وشكوا اليه ما حل بهم فأمر الشيخ بعض اتباعه بالذهاب اليه
فامتنع الجماعة من مخاطبة ذلك الكاشف فركب الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من
العامة
فلما وصل الى خيمة كتخدا الكاشف دعاه فحضر اليه والشيخ
راكب على بغلته فكلمه ووبخه وقال له أنتم ما تخافون من الله
ففي أثناء كلام الشيخ لكتخدا الكاشف هجم على الكتخدا رجل
من عامة الناس وضربه بنبوت فلما عاين خدامه ضرب سيدهم هجموا على العامة بنبابيتهم
وعصيهم وقبضوا على السيد أحمد الصافي تابع الشيخ وضربوه عدة نبابيت
وهاجت الناس على بعضهم ووقع النهب في الخيم وفي البلد
ونهبت عدة دكاكين وأسرع الشيخ في الرجوع إلى محله وراق الحال بعد ذلك وركب كاشف
المنوفية وهو من جماعة ابراهيم بك الكبير وحضر الى كاشف الغربية وأخذه وحضر به الى
الشيخ وأخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالامان
وانفض المولد ورجع الناس الى اوطانهم وكذلك الشيخ
الدردير فلما استقر بمنزله حضر اليه ابراهيم بك الوالي وأخذ بخاطره أيضا وكذلك
براهيم بك الكبير وكتخدا الجاويشية
وفي سابع عشرة ركب حسين بك الشفت وقت القائلة وحضر الى
بيت صغير بسوق الماطيين وصحبته امرأة فصعد اليه ونقب في حائط وأخرج منه برمة
مملوءة ذهبا فأخذها وذهب وخبر ذلك ان هذا البيت كان لرجل زيات في السنين الخالية
فاجتمع لديه هذه الدنانير فوضعها في برمة من الفخار وافرج لها نقبا في كتف الحائط ووضعها
فيه وبنى عليها وسواها بالجبس
وكانت هذه المرأة ابنة صغيرة تنظر اليه ومات ذلك الرجل
وبيعت الدار بعد مدة ووقفها الذى اشتراها وتداولت الاعوام وآل البيت الى وقف
المشهد الحسيني وسكنه الناس بالاجرة ومضى
على ذلك نحو الاربعين عاما وتلك المرأة تتخيل ذلك في
ذهنها وتكتمه ولا يمكنها الوصول الى ذلك المكان بنفسها وقلت ذات يدها واحتاجت
فذهبت الى حريم حسين بك المذكور وعرفتهن القضية واخبر الامير بذلك فقال لعل بعض
الساكنين أخذها فقالت لا يعرفها أحد غيرى
فأرسل الى ساكن الدار واحضره وقال له أخل دارك في غد
وانتظرني ولا تفزع من شيء ففعل الرجل وحضر الصنجق وصحبته المرأة فارته الموضع
فنقبوه وأخرجوا منه تلك البرمة وأعطي صاحب المكان احسانا وركب وصاحب المكان يتعجب
وركب أيضا قبل ذلك وذهب الى بيت رجل يقال له الشيخ عبد الباقي أبو قليطة ليلا وأخذ
منه صندوقا مودعا عنده امانة لنصر ابن شديد البدوى شيخ عرب الحويطات يقال ان فيه
شيئا كثيرا من الذهب العين وغيره وهجم ايضا على بيت بالقرب من المشهد الحسيني في
وقت القائلة وكان ذلك البيت مقفولا وصاحبه غائب فخلع الباب وطلع اليه وأخذه منه
عشرة اكياس مملوءة ذهبا وخرج وأغلق الباب كما كان وركب هو ومماليكه والاكياس في أحضانهم
على قرابيس سروج الخيل وهو بجملتهم يحمل كيسا امامه والناس تنظرهم
وفي هذا الشهر ثقب الشطار حاصلا في وكالة المسايرة التي
بباب الشعرية وكان بظاهر الحاصل المذكور قهوة متخربة فتسلق اليها بعض الحرامية
ونقبوا الحاصل وأخذوا منه صندوقا في داخله اثنا عشر ألف بندقي عنها ثلاثون ألف
ريال في ذلك الوقت وفيه من غير جنس البندقي ايضا ذهب ودراهم وثياب حرير وطرح
النساء المحلاوى التي يقال لها الحبر
وبعد أيام قبضوا على رجلين أحدهما فطاطرى والآخر مخللاتي
بتعريف الخفراء بعد حبسهم ومعاقبتهم فأخذوا منهما شيئا واستمرا محبوسين
وفي عشرينه حضر أيوب بك ولاجين بك وأحمد بك من ناحية
قبلي
ودخلوا بيوتهم بالمنهوبات والمواشي وتأخر مصطفى بك
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية
نسفت رمالا واتربة مع غيم مطبق وأظلم منها الجو واستمرت من الظهر الى الغروب
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه حضر مصطفى بك أيضا
وفي غرة شهر رجب عزم مراد بك على التوجه الى سد خليج
منوف المعروف بالفرعونية وكان منذ سنين لم يحبس واندفع اليه الشرقي حتى تهور وشرق
بسببه بحر دمياط وتعطلت مزارع الارز
وفيه وصلت الاخبار من ثغر الاسكندرية بانه ورد اليها
مركب البيليك وذلك على خلاف العادة وذلك ان مراكب البيليكات لا تخرج الا بعد روز
خضر ثم حضره عقيبة أيضا قليون آخر وفيه احمد باشا والي جدة ثم تعقبهما آخر وفيه
غلال كثيرة نقلوها الى الثغر وشرعوا في عملها بقسهاطا فكثر اللغط بمصر بسبب ذلك
وفي عاشره ورد ططرى من البر وقابجي من البحر ومعهما
مكاتبات قرئت بالديوان يوم الخميس ثاني عشرة مضمونها طلب الخزائن المنكسرة وتشهيل
مرتبات الحرمين من الغلال والصرر في السنين الماضية واللوم على عدم زيارة المدينة
وفيه الحث والوعد والوعيد والامر بصرف العلوفات وغلال
الانبار
وفيه المهلة ثلاثون يوما
فكثر لغط الناس والقال والقيل واشيع ورود مراكب أخر الى
ثغر سكندرية وأن حسن باشا القبطان واصل أيضا في أثر ذلك وصحبته عساكر محاربون
وفيه حضر معلم ديوان الاسكندرية قيل انه هرب ليلا ثم ان
ابراهيم بك أرسل يستحث مراد بك في الحضور من سد الفرعونية ثم بعث اليه علي أغا
كتخدا جاووجان والمعلم ابراهيم الجوهرى وسليمان اغا الحنفي وحسن كتخدا الجربان
وحسن افندي شقبون كاتب الحوالة سابقا وأفندى الديوان حالا فأحضروه الى مصر في يوم
الثلاثاء ولم يتم سد الترعة
بعد ان غرق فيها عدة مراكب ومراسي حديد وأخشاب أخذوها من
أربابها من غير ثمن وفرد على البلاد الاموال وقبض أكثرها وذهب ذلك جميعه من غير
فائدة
ثم ان الامراء عملوا جمعيات وديوانا ببيت ابراهيم بك
وتشاوروا في تنجيز الاوامر
وفي أثناء ذلك تشحطت الغلال وارتفع القمح من السواحل
والعرصات وغلا سعره وقل وجوده حتى امتنع بيع الخبز من الاسواق واغلقت الطواجين
فنزل سليم اغا وهجم المخازن واخرج الغلال وضرب القماحين
والمتسببين ومنعهم من زيادة الاسعار فظهر القمح والخبز بالاسواق وراق الحال وسكنت
الاقاويل
وفي هذا الشهر أعني شهر رجب حصلت عدة حريقات منها
حريقتان في ليلة واحدة
احداهما بالازبكية واخرى بخطتنا بالصنادقية
وظهرت النار من دكان رجل صناديقي وهي مشحونة بالاخشاب
والصناديق المدهونة عند خان الجلاية فرعت النار في الاخشاب ووجت في ساعة واحدة
وتعلقت بشبابيك الدور وذلك بعد حصة من الليل وهاج الناس والسكان وأسرعوا بالهدم
وصب المياه وأحضر الوالي القصارين حتى طفئت
وفيه أيضا من الحوادث المستهجنة أن امرأة تعلقت برجل من
المجاذيب يقال له الشيخ علي البكرى مشهور ومعتقد عند العوام وهو رجل طويل حليق
اللحية يمشي عريانا واحيانا يلبس قميصا وطاقية
ويمشي حافيا فصارت هذه المرأة تمشي خلفه أينما توجه وهي
بازارها وتخلط في ألفاظها وتدخل معه الى البيوت وتطلع الحريمات واعتقدها النساء
وهادوها بالدراهم والملابس وأشاعوا ان الشيخ لحظها وجذبها وصارت من الاولياء ثم ارتقت
في درجات الجذب وثقلت عليها الشربة فكشفت وجهها ولبست ملابس كالرجال ولازمته أينما
توجه ويتبعهما الاطفال والصغار وهوام العوام ومنهم من اقتدى بهما ايضا ونزع ثيابه
وتخجل في مشيه وقالوا انه اعترض على الشيخ والمرأة فجذبه الشيخ ايضا
وأن الشيخ لمسه فصار من الاولياء
وزاد الحال وكثر خلفهم أوباش الناس والصغار وصاروا
يخطفون اشياء من الاسواق ويصير لهم في مرورهم ضجة عظيمة واذا جلس الشيخ في مكان
وقف الجميع وازدحم الناس للفرجة عليه وتصعد المرأة على دكان أو علوة وتتكلم بفاحش
القول ساعة بالعربي ومرة بالتركي والناس تنصت لها ويقبلون يدها ويتبركون بها
وبعضهم يضحك ومنهم من يقول الله الله وبعضهم يقول دستور يا أسيادى وبعضهم يقول لا تعترض
بشيء
فمر الشيخ في بعض الاوقات على مثل هذه الصورة والضجة ودخلوا
من باب بيت القاضي الذى من ناحية بين القصرين وبتلك العكفة سكن بعض الاجناد يقال
له جعفر كاشف فقبض على الشيخ وادخله الى داره ومعه المرأة وباقي المجاذيب فأجلسه
وأحضر له شيئا يأكله وطرد الناس عنه وأدخل المرأة والمجاذيب الى الحبس وأطلق الشيخ
لحال سبيله وأخرج المرأة والمجاذيب فضربهم وعزرهم ثم أرسل المرأة الى المارستان
وربطها عند المجانين وأطلق باقي المجاذيب بعد ان استغاثوا وتابوا ولبسوا ثيابهم
وطارت الشربة من رؤوسهم وأصبح الناس يتحدثون بقصتهم
واستمرت المرأة محبوسة بالمارستان حتى حدثت الحوادث
فخرجت وصارت شيخة على انفرادها ويعتقدها الناس والنساء وجمعت عليها الجمعيات
وموالد واشباه ذلك
وفيه ورد الخبر من الديار الشامية بحصول طاعون عظيم في
بلادهم حصل عندهم ايضا قحط وغلاء في الاسعار
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر شعبان ركب سليم أغا في عصريته
الى جامع السلطان حسن بن قلاون الذى بسوق السلاح وأحضر معه فعلة وفتح باب المسجد
المسدود وهو الباب الكبير الذى من ناحية سوق السلاح فهدموا الدكاكين التي حدثت أسفله
والبناء الذى بصدر الباب وكان
مدة سده في هذه المرة احدى وخمسين سنة وكان سببها
المقتلة التي قتل فيها الاحد عشر اميرا ببيت محمد بك الدفتردار في سنة تسع وأربعين
وتقدم ذكرها في أول التاريخ
وسبب فتحه ان بعض اهل الخطة تذاكر مع الاغا في شأنه
واعلمه بحصول المشقة على الناس المصلين في الدخول اليه من باب الرميلة وربما فاتهم
حضور الجماعة في مسافة الذهاب وان الاسباب التي سد الباب من أجلها قد زالت وانقضت
ونسيت فاستأذن سليم أغا ابراهيم بك ومراد بك في فتحه فأذنا له ففتحه وصنع له بابا
جديدا عظيما وبنى له سلالم ومصاطب واحضر نظاره وأمرهم بالصرف عليه ويأتي هو في كل يوم
يباشر العمل بنفسه وعمروا ما تشعث منه ونظفوا حيطانه ورخامه وظهر بعد الخفاء
وازدحم الناس للصلاة فيه وأتوا اليه من الاماكن البعيدة
وفي يوم الجمعة خامسة توفي مصطفى بك المرادى المجنون
وفي عشرين شعبان كثر الارجاف بمجيء مراكب الاسكندرية
وعساكر وغير ذلك
وفي يوم السبت خامس رمضان حضر واحد أغا من الديار
الرومية وعلى يده مكاتبة بالحث على المطلوبات المتقدم ذكرها فطلع الامراء الى
القلعة ليلا واجتمعوا بالباشا وتكلموا مع بعضهم كلاما كثيرا وقال مراد بك للباشا
ليس لكم عندنا الا حساب أمهلونا الى بعد رمضان وحاسبنا على جميع ما هو في طرفنا
نورده وأرسل الى من وصل الاسكندرية يرجعون الى حيث كانوا والا فلا نشهل حجا ولا صرة
ولا ندفع شيئا
وهذا آخر الكلام كل ذلك وابراهيم بك يلاطف كلا منهما ثم
اتفقوا على كتابة عرضحال من الوجاقلية والمشايخ ويذكر فيه انهم أقلعوا وتابوا
ورجعوا عن المخالفة والظلم والطريق التي ارتكبوها وعليهم القيام باللوازم وقرروا
على أنفسهم مصلحة يقومون بدفعها لقبطان باشا والوزير
وباشة جدة وقدرها ثلثمائة وخمسون كيسا وقاموا على ذلك
ونزلوا الى بيوتهم
وفي ليلة الاثنين جمع ابراهيم بك المشايخ وأخبرهم بذلك
الاتفاق وشرعوا في كتابة العرضحالات أحدها للدولة وآخر لقبطان باشا بالمهلة حتى
يأتي الجواب وآخر لباشة جدة الذى في الاسكندرية
وفي صبحها وردت مكاتبة من أحمد باشا الجزار يخبر فيها
بالحركة والتحذير واخبار بورود مراكب أخرى باسكندرية ومراكب وصلت الى دمياط فزار
اللغط والقال والقيل
وفيه ركب سليم أغا مستحفظان ونادى في الاسواق على
الاروام والقليونجية والاتراك بانهم يسافرون الى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة
أيام قتل
وفيه اتفق رأى ابراهيم بك ومراد بك انهم يرسلون لاجين بك
ومصطفى بك السلحدار الى رشيد لاجل المحافظة والاتفاق مع عرب الهنادى ويطلبون أحمد
باشا والي جدة ليأتي الى مصر ويذهب الى منصبه
فسافر وافي ليلة الخميس عاشر رمضان
وفي تلك الليلة ركب ابراهيم بك بعد الافطار وذهب الى
مراد بك وجلس معه ساعة ثم ركبا جميعا وطلعا الى القلعة وطلع أيضا المشايخ باستدعاء
من الامراء وهم الشيخ البكرى والشيخ السادات والشيخ العروسي والشيخ الدردير والشيخ
الحريرى وقابلوا الباشا وعرضوا عليه العرضحالات
وكان المنشي لبعضها الشيخ مصطفى الصاوى وغيره فأعجبهم
انشاء الشيخ مصطفى وامروا بتغيير ما كان من انشاء غيره
وانخضع مراد بك في تلك الليلة للباشا جدا وقبل أتكه
وركبتيه ويقول له يا سلطانم نحن في عرضك في تسكين هذا الامر ودفعه عنا ونقوم بما
علينا ونرتب الامور وننظم الاحوال على القوانين القديمة
فقال الباشا ومن يضمنكم ويتكفل
بكم قال أنا الضامن لذلك ثم ضماني على المشايخ
والاختيارية
وفي ليلة الاحد ثالث عشرة وصلت الاخبار بوصول حسن باشا
القبطان الى ثغر الاسكندرية وكان وصوله يوم الخميس عاشره قبل العصر وصحبته عدة
مراكب فزاد الاضطراب وكثر اللغط
فتمموا أمر العرضحالات وأرسلوها صحبة سلحدار الباشا
والططرى وواحد أغا ودفعوا لكل فرد منهم ألف ريال وسافروا من يومهم
وفيه وردت الاخبار بان مشايخ عرب الهنادى والبحيرة ذهبوا
الى الاسكندرية وقابلوا أحمد باشا الجداوى فألبسهم خلعا وأعطاهم دراهم وكذلك أهل
دمنهور
وفيه حضر صدقات من مولاى محمد صاحب المغرب ففرقت على
فقراء الازهر وخدمة الاضرحة والمشايخ المفتين والشيخ البكرى والشيخ السادات
والعمريين على يد الباشا بموجب قائمة ومكاتبة
وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى جربجي باش سراجين مراد بك
سابقا وسردار ثغر رشيد حالا وكان السبب في حضوره انه حضرت الى رشيد أحد القباطين
وصحبته عدة وافرة من العسكر فطلع الى بيت السردار المذكور وأعطاه مكاتبة من حسن
باشا خطابا للامراء بمصر وامره بالتوجه بها فحضر بتلك المكاتبة مضمونها التطمين
ببعض ألفاظ
وفيه اتفق رأى الامراء على ارسال جماعة من العلماء والوجاقلية
الى حسن باشا فتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي والشيخ محمد الامير والشيخ محمد
الحريري ومن الوجاقلية اسمعيل افندى الخلوتي وابراهيم أغا الورداني وذهب صحبتهم
أيضا سليمان بك الشابورى وارسلوا صحبتهم مائة فرد بن ومائة قنطار سكر وعشر بقج
ثياب هندية وتفاصيل وعودا وعنبرا وغير ذلك فسافروا في يوم الجمعة ثامن عشر رمضان
على انهم يجتمعون به ويكلمونه ويسألونه عن مراده ومقصده ويذكرون
له امتثالهم وطاعتهم وعدم مخالفتهم ورجوعهم عما سلف من
افاعيلهم ويذكرونه حال الرعية وما توجبه الفتن من الضرر والتلف
وفي يوم السبت حضر تفكجي باشا من طرف حسن باشا وذهب الى
ابراهيم بك وأفطر معه وخلع عليه خلعة سمور وأعطاه مكاتبات وكان صحبته محمد أفندى
حافظ من طرف ابراهيم بك ارسله الامراء قبل بأيام عندما بلغهم خبر القادمين ليستوعب
الاحوال ثم ان ذلك التفكجي جلس مع ابراهيم بك حصة من الليل وذهب الى محله وحضر علي
أغا كتخدا الجاويشية فركب مع ابراهيم بك وطلعا الى الباشا في سادس ساعة من الليل
ثم نزلا وسافر التفكجي في صبحها وصحبته الحافظ
وكان فيما جاء به ذلك التفكجي طلب ابراهيم بك أمير الحاج
فلم يرض بالذهاب وكان لاجين بك ومصطفى بك لما سافرا للمحافظة بعد التوبة بيومين
فعلوا أفاعيلهم بالبلاد وطلبوا الكلف وحرقوا وردان فضجت أهالي البلاد وذهبوا الى
عرضي حسن باشا وشكوا ما نزل بهم فأخذ بخواطرهم وكتب لهم فرمانا برفع الخراج عنهم سنتين
وأرسل مع ذلك التفكجي العتاب واللوم في شأن ذلك
وفي تلك الليلة ذهب سليم أغا الى ناحية باب الشعرية وقبض
على الحافظ اسحق وأخذه على صورة أرباب الجرائم من أسافل الناس وذهب به الى بولاق
فلحقه مصطفى بك الاسكندراني ورده
وفي يوم الاثنين وصلت الاخبار بورود حسن باشا الى ثغر
رشيد يوم الاربعاء سادس عشرة وانه كتب عدة فرمانات بالعربي وارسلها الى مشايخ
البلاد وأكابر العربان والمقادم وحق طريق المعينين بالفرمانات ثلاثون نصفا فضة لا
غير وذلك من نوع الخداع والتحيل وجذب القلوب ومثل قولهم انهم يقرروا مال الفدان
سبعة أنصاف ونصف نصف حتى كادت الناس تطير من الفرح وخصوصا الفلاحين لما سمعوا ذلك
وانه
يرفع الظلم ويمشي على قانون دفتر السلطان سليمان وغير
ذلك
وكان الناس يجهلون أحكامهم فمالت جميع القلوب اليهم
وانحرفت عن الامراء المصرية وتمنوا سرعة زوالهم
وصورة ذلك الفرمان وهو الذي أرسل الى أولاد حبيب من جملة
ما أرسل صدر هذا الفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف من ديوان حضرة الوزير
المعظم والدستور المكرم عالي الهمم وناصر المظلوم على من ظلم مولانا العزيز غازى حسن
باشا ساري عسكر السفر البحري المنصور حالا ودونانمة همايون أيدت سيادته السنية
وزادت رتبته العلية الى مشايخ العرب أولاد حبيب بناحية دجوة وفقهم الله تعالى
نعرفكم انه بلغ حضرة مولانا السلطان نصره الله ما هو واقع بالقطر المصرى من الجور
والظلم للفقراء وكافة الناس وان سبب هذا خائنون الدين ابراهيم بك ومراد بك
واتباعها فتعينا بخط شريف من حضرة مولانا السلطان أيده الله بعساكر منصورة بحرا
لدفع الظلم ولايقاع الانتقام من المذكورين وتعين عليهم عساكر منصورة برا يسارى
عسكر عليهم من حضرة مولانا السلطان نصره الله وقد وصلنا الى ثغر اسكندرية ثم الى
رشيد في سادس عشر رمضان فحررنا لكم هذا الفرمان لتحضروا تقابلونا وترجعوا الى
أوطانكم مجبورين مسرورين ان شاء الله تعالى فحين وصوله اليكم تعملوا به وتعتمدوه والحذر
ثم الحذر من المخالفة وقد عرفناكم
ثم ان الامراء زاد قلقهم واجتمعوا في ليلتها ببيت
ابراهيم بك وعملوا بينهم مشورة في هذا الامر الذى دهمهم وتحققوا اتساع الخرق
والنيل آخذ في الزيادة فعند ذلك تجاهروا بالمخالفة وعزموا على المحاربة واتفق
الرأى على تشهيل تجريدة وأميرها مراد بك فيذهبون الى جهة فوة ويمنعون الطريق
ويرسلون الى حسن باشا مكاتبات بتحرير الحساب والقيام بغلاق المطلوب ويرجع من حيث
أتى
فان امتثل والا حاربناه وهذا آخر الكلام
ثم جمعوا المراكب وعبوا
الذخيرة والبقسماط وذلك كله في يوم الثلاثاء والاربعاء
ونقلوا عزالهم ومتاعهم من البيوت الكبار الى اماكن لهم صغار جهة المشهد الحسيني
والشنواني والازهر وعطلوا القناديل والتعاليق المعدة لمهرجان رمضان وزاد الارجاف وكثر
اللغط ولاحت عليهم لوائح الخذلان ورخص أسعار الغلال بسبب بيعهم الغلال المخزونة
عندهم
وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج مراد بك والامراء المسافرون
معه الى ناحية بولاق وبرزوا خيامهم وعدوا في ليلتها الى برانبابة ونصبوا وطاقهم
هناك
وتعين للسفر صحبة مراد بك مصطفى بك الداوودية الذى عرف
بالاسكندراني ومحمد بك الالفي وحسين بك الشفت ويحيى بك وسليمان بك الاغا وعثمان بك
الشرقاوى وعثمان بك الاشقر وركب ابراهيم بك بعد المغرب وذهب اليهم وأخذ بخاطرهم
ورجع فأقاموا في برانبابة يوم الجمعة حتى تكامل خروج العسكر وأخذ مراد بك ما
احتاجه من ملائل الحج جمالا وبقسماطا وغيره حتى الذى قبض من مال الصرة وأرسلوا في
ليلتها على أغا كتخدا الجاويشية وسليمان أغا الحنفي الى الباشا وطلبوا منه الدراهم
التي كانوا استخلصوها من مصطفى بك أمير الحاج وأودهوها عند الباشا فدفعها لهم
بتمامها
وفي يوم السبت سادس عشرينه سافر مراد بك من برانبابة وأصحب
ليكون سفيرا بينه وبين قبطان باشا وفي ليلة الإثنين ثامن عشرينه مسافر مصطفى بك
الكبير أيضا ولحق بمراد بك
وفي ليلة الثلاثاء حضر المشايخ ومن معهم من ثغر رشيد
فوصلوا الى بولاق بعد العشاء وباتوا هناك وذهبوا الى بيوتهم في الصباح
فأخبروا انهم اجتمعوا على حسن باشا ثلاث مرات الاولى
للسلام فقابلهم بالاجلال والتعظيم وأمر لهم بمكان نزلوا فيه ورتب لهم ما يكفيهم من
الطعام المهيأ في الافطار والسحور ودعاهم في ثاني يوم
وكلمهم كلمات قليلة وقال له الشيخ العروسي يا مولانا رعية مصر قوم ضعاف وبيوت
الامراء مختلطة ببيوت الناس
فقال لا تخشوا من شيء فان أول ما أوصاني مولانا السلطان أوصاني
بالرعية وقال ان الرعية وداعة الله عندى وانا استودعتك ما أودعنيه الله تعالى
فدعوا له بخير ثم قال كيف ترضون أن يملككم مملوكان
كافران وترضونهم حكاما عليكم يسومونكم العذاب والظلم لماذا لم تجتمعوا عليهم وتخرجوهم
من بينكم
فأجابه اسمعيل أفندى الخلوتي بقوله يا سلطانم هؤلاء عصبة
شديد والباس ويد واحدة
فغضب من قوله ونهره وقال تخوفني ببأسهم فاستدرك وقال
انما أعني بذلك انفسنا لانهم بظلم أضعفوا الناس
ثم أمرهم بالانصراف
واجتمعوا عليه مرة ثالثة بعد صلاة الجمعة فأستأذنوه في
السفر ثم تركهم يومين وكتب لهم مكاتبات وسلمها ليد سليمان بك الشابورى وأمرهم
بالانصراف فودعوه وساروا وأخفيت تلك المكاتبات
وفي غاية رمضان أرسل الباشا عدة أوراق الى افراد المشايخ
وذكر انها وردت من صدر الدولة وأما العرضحالات التي أرسلوها صحبة السلحدار والططرى
فانهما لما وصلا الى اسكندرية واطلع عليها حسن باشا حجزها ومنع المراسلة الى
اسلامبول وقال أنا دستور مكرم والامر مفوض الي في أمر مصر
وسأل السلحدار عن الاوراق التي من صدر الدولة هل أرسلها
الباشا الى أربابها فأخبره انه خاف من اظارها فاشتد غضبه على الباشا وسبه بقوله
خائن منافق
فلما رجع السلحدار في تاريخه واخبر الباشا فعند ذلك
ارسلها كما تقدم
وفي ثاني شوال اشيع مراد بك ملك مدينة فوة وهرب من بها
من العسكر ووقع بينهم مقتلة عظيمة وانه اخذ المراكب التي وجدها على ساحلها ثم ظهر
صحة ذلك
وفي يوم السبت نزلت الكسوة من القلعة على العادة الى
المشهد الحسيني وركب ابراهيم بك الكبير وابراهيم بك امير الحاج الى قراميدان ونزل
الباشا كذلك واكد على امير الحاج في التشهيل فأعتذر اليه بتعطيل الاسباب فوعده بالمساعدة
وفي يوم الاحد اشاعوا اشاعة مثل الاولى مصطنعة واظهروا البشر
والسرور وركب ابراهيم بك في ذلك اليوم وذهب الى الشيخ البكرى وعيد عليه ثم الى
الشيخ العروسي والشيخ الدردير وصار يحكي لهم
وتصاغر في نفسه جدا واوصاهم على المحافظة وكف الرعية عن
امر يحدثوه او قومة او حركة في مثل هذا الوقت فانه كأنه يخاف ذلك جدا وخصوصا لما
اشيع امر الفرمانات التي ارسلها الباشا للمشايخ وتسامع بها الناس وفي وقت ركوب
ابراهيم بك من بيت الشيخ البكرى حصلت زعجة عظيمة ببركة الأزبكية وسببها أن مملوكا
أسود ضرب رجلا من زراع الملقاتى فجرحه فوقع الصياح من رفقائه واجتمع عليهم خلق كثير
من الاوباش وزاد الحال حتى امتلأت البركة من المخلوقات وكل منهم يسأل عن الخبر من
الآخر ويختلقون انواعا من الاكاذيب
فلما رجع ابراهيم بك الى داره ارسل من طرد الناس وفحصوا
عن اصل القضية وفتشوا على الضارب فلم يجدوه فأخذوا المضروب فطيبوا خاطره واعطوه
دراهم
وفيه ارسل مراد بك بطلب ذخيرة وبقسماط وركب ايوب بك
الصغير وذهب الى مصر العتيقة وعثمان بك الطنيرجي الى بولاق ونزلوا جملة مدافع
ومنها الغضبان وابو مايلة وكان ايوب هذا متمرضا مدة شهور ومنقطعا في الحريم فغرق
وشفي في ساعة واحدة
وفي يوم الاثنين كان مولد السيد احمد البدوى ببولاق
وكراء مشايخ الاشاير المراكب ليسافروا فيها فأخذوها بأجمعها لاجل الذخيرة والمدافع
ووسقوها وارسلوا منها جملة
وفي ليلة الثلاثاء حضرت مراكب من مراكب الغائبين وفيها
مماليك ومجاريح واجناد واخبروا بكسرة مراد بك ومن معه واصبح الخبر شائعا في
المدينة وثبت ذلك ورجعت المراكب بما فيها واخبروا عما وقع وهو انه لما وصل مراد بك
الى الرحمانية عدى سليمان بك الاغا وعثمان بك الشرقاوى والالفي الى البر الشرقي فحصل
بينهم اختلاف وغضب بعضهم ورجع القهقرى فكان ذلك اول الفشل
ثم تقدموا الى محلة العلويين فأخلوا منها الاورام فدخلوا
اليها وملكوها وارسلوا الى مراد بك يطلبون منه الامداد فأمر بعض الامراء بالتعدية
اليهم فامتنعوا وقالوا نحن لا نفارقك ونموت تحت اقدامك فحنق منهم وارسل عوضهم جماعة
من العرب ثم ركبوا وقصدوا ان يتقدموا الى فوة فوجدوا امامهم طائفة من العسكر
ناصبين متاريس فلم يمكنهم التقدم لوعر الطريق وضيق الجسر وكثرة القنى ومزارع الارز
فتراموا بالبنادق فرمح سليمان بك فعثر بقناة وسقط فحصلت فيهم ضجة وظنوها كسرة
فرجعوا القهقرى ودخل الرعب في قلوبهم ورجعت عليهم العرب ينهبونهم
فعدوا الى البر الآخر وكان مراد بك مستقرا في مكان توصل
اليه من طريق ضيقة لاتسع الا الفارس بمفرده فاشاروا عليه بالانتقال من ذلك المكان
وداخلهم الخوف وتخيلوا تخيلات
وما زالوا في نقض وابرام الى الليل ثم أمر بالاتحال
فحملوا حملاتهم ورجعوا القهقرى وما زالوا في سيرهم وأشيع فيهم الانهزام وتطايرت
الاخبار بالكسرة وتيقن الناس ان هذا أمر الهي ليس بفعل فاعل
وفي ذلك اليوم حصلت كرشة من ناحية الصاغة وسببها عبد
مملوك أراد الركوب على حمار بعض المكارية فازدحموا عليه الحمارة ورمحوا خلفه فصارت
كرشة ورمحت الصغار فاغلقوا الدكاكين بالاشرفية
والغورية والعقادين وغير ذلك ثم تبين ان لا شيء ففتح
الناس الدكاكين
وفي ذلك اليوم حضر أناس من المماليك مجاريح وزاد الارجاف
فنزل الباشا وقت الغروب الى باب العزب واراد ابراهيم بك ان يملك أبواب القلعة فلم
يتمكن من ذلك
وأرسل الباشا فطلب القاضي والمشايخ فطلع البعض وتأخر
البعض إلى الصباح وبات السيد عند الباشا ذكرها بعد ذلك الباشا لحسن باشا وشكره
عليها واحبه وذهب للسلام عليه عند قدومه دون غيره من بقية المشايخ فلما أصبح نهار الاربعاء
طلعوا بأجمعهم وكذلك جماعة الوجاقلية ونصب الباشا البيرق على باب العزب ونزل جاويش
مستحفظان وجاويش العزب وامامهم القابجية والمناداة على الالضاشات وغيرهم وكل من
كان طائعا لله وللسلطان يأتي تحت البيرق فطلع عليه جميع الالضاشات والتجار واهل
خان الخليلي وعامة الناس وظهرت الناس المخفيون والمستضعفون والذين أنحلهم الدهر
والذى لم يجد ثياب زيه استعار ثيابا وسلاحا حتى امتلأت الرميلة وقراميدان من
الخلائق وأرسل محمد باشا يستحث حسن باشا في سرعة القدوم ويخبره بما حصل وكان قصد
حسن باشا التأخر حتى يسافر الحاج وتأتي العساكر البرية فاقتضى الحال ولزم الامر في
عدم التأخر
وأما ابراهيم بك فانه اشتغل في نقل عزاله ومتاعه بطول
الليل في بيوته الصغار فلم يترك الا فرش مجلسه الذى هو جالس فيه ثم انه جلس ساعة وركب
الى قصر العيني وجلس به
وأما ابراهيم بك أمير الحج فانه طلع الى باب العزب وطلب
الامان فأرسل له الباشا فرمانا بالامان واذن له في الدخول وكذلك حضر أيوب بك
الكبير وأيوب بك الصغير وكتخدا الجاويشية وسليمان بك الشابورى وعبد الرحمن بك
وعثمان وأحمد جاويش المجنون ومحمد كتخدا أزنور ومحمد كتخدا اباظة وجماعة كثيرة من
الغز والاجناد وكذلك رضوان بك بلغيا فكان كل من حضر لطلب الامان فان كان من
الامراء الكبار فانه يقف عند الباب ويطرقه ويطلب الامان ويستمر
واقفا حتى يأتيه فرمان الامان ويؤذن له في الدخول من غير
سلاح وان كان من الاصاغر فانه يستمر بالرميلة أو قراميدان أو يجلس على المساطب
فلما تكامل حضور الجميع أبرز الباشا خطا شريفا وقرأه
عليهم وفيه المأمورات المتقدم ذكرها وطلب ابراهيم بك ومراد بك فقط وتأمين كل من
يطلب الامان
واستمر امير الحج على منصبه ثم انه خلع على حسن كاشف
تابع حسن بك قصبة رضوان وقلده أغاة مستحفظان وخلع على محمد كتخدا أزثور وقلده
الزعامة وقلد محمد كتخدا اباظة أمين احتساب ونزلوا الى المدينة ونادوا بالامان
والبيع والشراء وكذلك نزل الأمراء إلى دورهم ما عدا إبراهيم بك أمير الحاج فإن
الباشا عوقه عنده ذلك اليوم
وكذلك اذنوا للناس بالتوجه الى اماكنهم بشرط الاستعداد
والاجابة وقت الطلب ولم يتأخر الا المحافظون على الابواب
واما مراد بك فانه حضر الى برانبابة واستمر هناك ذلك
اليوم ثم ذهب في الليل الى جزيرة الذهب وركب ابراهيم بك ليلا وذهب الى الآثار
وفي عصر ذلك اليوم نزل الآغا ونبه على الناس بالطلوع الى
الابواب
وفيه حضر سليمان بك الاغا وطلب الامان فأعطوه فرمان
الامان وذهب الى بيته وأصبح يوم الخميس فنزلت القابجية ونبهت على الناس بالطلوع
فطلعوا واجتمعت الخلائق زيادة على اليوم الاول وحضر أهالي بولاق ونزل الاغا فنادى
بالامن والامان
وفي ذلك اليوم قبل العصر ركب عثمان خازندار مراد بك
سابقا وذهب الى سيده وكان من جملة من أخذ فرمانا بالامان فلما نزل الى داره أخذ ما
يحتاجه وذهب فلما بلغ الباشا هروبه اغتاظ من فعله
ثم ان الباشا تخيل من ابراهيم بك امير الحاج فأمره
بالنزول الى بيته فنزل الى جامع السلطان حسن وجلس به فأرسل له الباشا بالذهاب الى
منزله
فذهب
وفي صباح ثاني يوم ركب سليمان بك وأيوب بك الكبير
والصغير وخرجوا الى مضرب النشاب وركب ابراهيم بك أمير الحاج وذهب الى بولاق واحب
ان يأخذ الجمال من المناخ فمنعه عسكر المغاربة ثم ذهب عند رفقائه بمضرب النشاب
فلما بلغ الباشا ذلك أرسل لهم فرمانا بالعودة فطردوا الرسول ومزقوا الفرمان
وأقاموا بالمصاطب حتى اجتمعت عليهم طوائفهم وركبوا ولحقوا بأخوانهم فلما حصل ذلك اضطربت
البلد وتوهموا صعودهم على الجبل بالمدافع ويضربوا على القلعة وغير ذلك من التوهمات
وركب قائد أغا بعد صلاة الجمعة وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا وصحبتهم جملة من
المماليك والعسكر وهم بالطرابيش وبيدهم مكاحل البندق والقرابينات وفتائلها موقودة
فوصلوا الى الرميلة فضربوا عليهم مدفعين فرجعوا الى ناحية الصليبة ونزلوا الى باب
زويلة ومروا على الغورية والاشرفية وبين القصرين وطلعوا من باب النصر وامامهم
المناداة أمان واطمئنان حكم ما رسم ابراهيم بك ومراد بك وحكم الباشا بطال فلما سمع
الناس ذلك ورأوه على تلك الصورة انزعجوا واغلقوا الدكاكين المفتوحة وهاجت الناس وحاصوا
حيصة عظيمة وكثر فيهم للغط
ولما بلغ الباشا هروب المذكورين حصن القلعة والمحمودية
والسلطان حسن وأرسل الاغا فنادى على الالضاشات بالطلوع الى القلعة
وفي تلك الليلة ضرب المنسر كفر الطماعين ونهبوا منه عدة
أماكن وقتل بينهم اشخاص وانقطعت الطرق حتى الى بولاق ومصر القديمة وصارت التعرية
من عند رصيف الخشاب
وفي يوم السبت ركب ابراهيم بك وحسين بك وأتوا الى المناخ
أيضا وأرادوا أخذ الجمال فمنعهم المغاربة وقيل أخذوا منهم جملة وعربدوا في ذلك اليوم
عربدة عظيمة من كل ناحية وارسل الباشا قبل المغرب فطلب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق