الجبرتي 1 و2.
مجلد 1. و2. كتاب : تاريخ عجائب الآثار في
التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
بعاصي الشرع ولا أترافع معهم
الا في بيت القاضي ولا اطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار
فعند ذلك بيتوا امرهم واتفقوا على محاربته
واجتمع عند عبد الرحمن بك اغراضه واحمد أوده باشا البغدادلي
ووصله الخبر بركوبهم عليه فضاق صدره وخرج من منزله ماشيا واراد ان يذهب الى الجامع
الازهر يقع على العلماء فلما وصل الى باب زويلة لحقه احمد البغدادلي وحسن
الحازندار فرده وقالا له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد
وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر
من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر الى الجامع المواجه
للبيت وصعدوا الى المنارة ورموا بالرصاص فاصيب احمد البغدادلي وحسن الخازندار
وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالاسطبل فاخبروه بموت حسن الخازندار وكان
يحبه فطلع الى المقعد فاصيب ايضا ومات
فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من
البيت مشاة بما عليهم من الثياب ظنوهم من طوائف الصناجق
ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي دخلوا وطلعوا الى
المقعد فوجدوا الصنجق ميتا فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت
العساكر الى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم
من بنت الصنجق يظنوها جارية فخرجت امها تصرخ من خلفها فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي
وطلع بها الى الباشا فانعم عليها بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها
مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربيع
الاول سنة ثلاث عشرة ومائة والف وأما يوسف بك فانه توفي بالسفر ببلاد الروم
ومات الامير علي أغا مستحفظان المشهور تولى أغاوية
مستحفظان في
سنة ثمان ومائة والف وفي سنة
اثنتي عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة فشا امر الفضة المقاصيص والزيوف وقل وجود
الديواني وان وجد اشتراه اليهود بسعر زائد وقصوه فتلف بسبب ذلك أموال الناس
فاجتمع اهل الاسواق ودخلوا الجامع الازهر وشكوا أمرهم
للعلماء وألزموهم بالركوب الى الديوان في شأن ذلك فكتبوا عرضحال وقدموه الى محمد
باشا فقرأه كاتب الديوان على رؤوس الاشهاد فأمر الباشا بعمل جمعية في بيت حسن أغا
بابطال الفضة المقصوصة وظهور الجدد وادارة دار الضرب وعمل تسعيرة وضرب فضة وجدد
نحاس ويكون ذلك بحضور كتخدائه وكامل الامراء الصناجق والقاضي والاغوات ونقيب
الاشراف وكبار العلماء
وطلب جوابا كافيا وأعطاه ليد كتخدا الجاويشية فأرسل
التنابيه مع الجاويشية تلك الليلة
واجتمع الجميع في صبحها بمنزل حسن أغا بلغيه واتفقوا على
ابطال المقاصيص وضرب فضة جديدة توزع على الصيارف ويستبدلون المقاصيص بالوزن من
الصيارف وان صرف الكلب بثلاثة واربعين نصفا والريال بخمسين والاشرفي بتسعين
والطرلي بمائة وقيدوا بتنفيذ ذلك على اغا المذكور وكذلك الاسعار
وشرط عليهم ابطال
الحمايات وعدم معارضته في شيء
وكل من مسك ميزانا فهو تحت حكمي وكذلك الخصاصة وتجار
البن والصابون ويركب بالملازمين ويكون معه من كل وجاق جاويش بسبب انفار الابواب
واخبروا الباشا بما حصل وكتب القاضي حجة بذلك وكتب
المشايخ عليها وكذلك الباشا واعطوهما لعلي آغا فطلع الى الباب واحضر شيخ الخبازين
وباقي مشايخ الحرف واحضر اردب قمح وطحنه وعمل معدله على الفضة الديواني خمسة اوراق
بجديدين والبن بأثني عشر فضة الرطل والصابون بثلاثة والسكر النبات بأثني عشر الرطل
والخام بخمسة والمنعاد بستة واربعة جدد والمكرر الشفاف بثمانية فضة واربعة جدد
والشمع االسكندري باربعة عشر فضة
والعسل الشهد بستة انصاف والسقر
بثلاثة واربعة جدد والسائل بنصفين والمرسل الحر بنصف فضة والقطر المنعاد بنصفين
والقطر القناني بثلاثة والسمن البقري بثلاثة فضة واربعة والمزهر بنصفين وستة جدد
والجاموسي بنصفين وجديدين والزبد البقري بنصفين واربعة جدد والزبد الجاموسي بنصفين
وجديدين واللحم الضاني بنصفين والماعز بنصف واربعة جدد والجاموسي بنصف وجديدين
والزيت الطيب بنصفين وستة جدد والشيرج بنصفين والزيت الحار بنصف وستة جدد والجبن
الكشكبان بثلاثة انصاف فضة والوادي بنصفين واربعة جدد والجاموسي الطري بنصف وأربعة
جدد والجبن المنصوري المغسول بنصف وستة جدد والحالوم الطري بنصف وجديدين الرطل
والجبن المصلوق بنصف واربعة جدد والشلفوطي والقربش بستة جدد الرطل والعيش العلامة خمسة
اواق بجديدين والكشكار ستة اواق بجديدين
وحصل ذلك بحضرة مشايخ الحرف والمغارية وأرسل الاغا بقفل
الصاغة ومسبك النحاس وامر باحضار الذهب والفضة المبتاعة والنحاس لدار الضرب واحضر
شيخ الصيارفة وامرهم باحضار الذهب والريالات وقروش الكلاب يضرفونها بفضة وجدد نحاس
وأعلمهم انه يركب ثالث يوم العيد ويشق بالمدينة وكل من وجد حانوته خاليا من الفضة
والجدد قتل صاحبه أو سمره
وكتب القائمة بالاسعار وطلع بها للباشا علم عليها
وركب ثالث يوم من شهر شوال سنة اربع عشرة ومائة والف
وعلى رأسه العمامة الديوانية المعروفة بالبيرشانة وامامه القابجية والملازمون
والوالي وامين الاحتساب وأوده البوابة بطائفته والسبعة جاويشية خلفه ونائب القاضي
في مقدمته وكيس جوخ مملوء عكاكيزشوم على كتف قواس والمشاعلي بيده القائمة وهو ينادي
على رأس كل حارة يقف مقدار نصف ساعة
وضرب في ذلك اليوم اثنين قبانية وثلاثة زياتين وجرار لحم
خشن ومات الستة من الضرب ورسم على شيخ
القبانية بان لا احد يزن في
بيت زيات سمنا ولا جبنا وصار يتفقد الدراهم ويحرر الارطال والصنج ويسأل عن اسعار
المبيعات ولا يقبل رشوة وكل من وجده على خلاف الشرط سواء كان فلاحا أو تاجرا او
قبانيا بطحه وضربه بالمساوق الشوم حتى يتلف او يموت وغالبهم لم يعش بذلك وصار له
هيبة عظيمة ووقار زائد
ولم يقف احد في طريقه سواء كان خيالا أو حمارا أو قرابا
الا ويخشاه حتى النساء في البيوت وهو فائت لم تستطع امرأة ان تطل من طاقة واتفق ان
اسمعيل بك الدفتردار صادفه بالصليبة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر
الاغا فقيل له أنت صنجق ودفتردار وكيف انك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا
حتى يعتبر خلافنا
وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا
كتخدا الجاويشية سابقا وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في جمادى الاولى
سنة تسع عشرة ومائة والف وتولى احمد اغا ابن باكير أفندي ثم تولى في ايام الواقعة
الكبيرة في اواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة والف ولم يزل حتى مات في يوم
الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة وذلك انه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني
ركعة فلم يرفع رأسه من السجود فلما أبطأ حركوه فاذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه
بتربة باب الوزير وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة والف
وتولى بعده في اغاوية مستحفظان محمد افندي كاتب جمليان
سابقا الشهير بابن طسلق وركب بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو
خمسة اشهر
ولما مات علي اغا وتولى هذا الاغا عملوا تسعيرة ايضا
وجعلوا صرف الذهب البندقي بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين
والكلب بخمسة واربعين ونودى بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال
والاكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وان لاتباع الابرار الضرب وقفل دكاكين
الصواغين
ومات الامير الكبير ابراهيم
بك المعروف بأبي شنب واصله مملوك مراد بك القاسمي وخشداش ايواظ بك تقلد الامارة
والصنجقية مع ايواظ بك وكان من الامراء الكبار المعدودين تولى امارة الحج سنة تسع
وتسعين والف وطلع بالحج مرتين ثم عزل عنها باستعفائه لامور وقعت له مع العرب
باغراء بعض أمراء مصر
وسافر أميرا على العسكر المعين في فتح كريد في غرة
المحرم سنة اربع والف
ولما ركب بالموكب خرج امامه شيخ الشحاتين وجملة من
طوائفه لانه كان محسنا لهم ويعرفهم بالواحد
وكان اذا أعطى بعضهم نصفا في جهة ولاقاه في طريقه من جهة
اخرى يقول له أخذت نصيبك في المحل الفلاني
ثم رجع الى مصر في شهر ذي الحجة وطلع الى الاسكندرية
ووصل خبر قدومه الى مصر فجمع الشحاتون من بعضهم دراهم واشتروا حصانا أزرق عملوا له
سرجا مغرقا ورختاور كابا مطليا وعباء زركش ورشمة كلفة ذلك اثنان وعشرون الف فضة
ولما وصل الى الحلي قدموه له فقبله منهم وركبه الى داره وذهبت اليه الامراء والاعيان
وسلموا عليه وهنوه بالسلامة وخلع على شيخ الشحاتين ونقيبهم كل واحد جوخة ولكل فقير
جبة وطاقية وشملة ولكل امرأة قميص وملاية فيومي وأغدق عليهم اغداقا زائدا وعمل لهم
سماطا وكان المتعين بالرياسة في ذلك الوقت ابراهيم بك ذو الفقار وفي عزمه قطع بيت
القاسمية فأخرج ايواظ بك الى اقليم البحيرة وقانصوه بك الى بني سويف واحمد بك الى
المنوفية
ولما حضر ابراهيم بك أبو شنب واستقر بمصر فأتفق ابراهيم
بك ذو الفقار مع علي باشا المتولي اذ ذاك على قتله بحجة المال والغلال المنكسرة
عليه في غيبته وقدرها اثنا عشر الف اردب واربعون كيسا صيفي وشتوي فأرسل اليه
الباشا معين بفرمان يطلبه وكان أتاه شخص من اتباع الباشا انذره من الطلوع فقال
للمعلمين تسلم على الباشا وبعد الديوان اطلع اقابله
ففات العصر ولم يطلع فارسل الباشا الى درويش بك وكان
خفيرا بمصر القديمة وامره
بالجلوس عند باب السر الذي
يطلع على زين العابدين والى الوالي والعسس واوده باشا البوابة يجلس عند بيت
ابراهيم ابي شنب
واشبع ذلك وضاق خناق ابراهيم بك ابي شنب واغتنم جيرانه
واهل حارته لاحسانه في حقهم وحضر اليه بعض اصحابه يؤانسه مثل ابراهيم جربجي
الداودية وشعبان افندي كاتب مستحفظان سابقا واحمد افندي روزنامجي سابقا
فهم على ذلك واذا بسليمان الساعي داخل على الصنجق بعد
العشاء فأخبره ان مسلم اسمعيل باشا امير الحاج الشامي ورد الى العادلية وارسل
جماعة جوخدارية بقائمقامية الى ابراهيم بك فأمر بدخولهم عليه فدخلوا واعطوه التذكرة
فقرأها وعرف ما فيها فسري عنه الغم
وفي التذكرة ان كان غدا أول توت ندخل والا بعد غد وكانت
سنة تداخل سنة ست في سنة سبع وكان الباشا أتى له مقرر من السلطان احمد وتوفي وتولى
السلطان مصطفى فعزل علي باشا عن مصر وولى اسمعيل باشا حاكم الشام وارسل مسلمه بقائمقامية
الى ابراهيم بك فسأل الصنجق احمد افندي عن اول توت فأخبره ان غدا أول توت
فقال لاحمد كاشف الاعسر خذ الحصان الفلاني وعشرة طائفة
والجوخدارية ومشعلين واذهبوا الى العادلية وأحضروا بالاغا قبل الفجر
ففعلوا وحضروا به قبل الفجر بساعتين فخلع عليه فروة سمور
وقال للمهنار دقوا النوبة قاصد مفرح فلما ضربت النوبة سمعت الجيران قالوا لا حول
ولا قوة الا بالله ان الصنجق اختل عقله عارف انه ميت ويدق النوبة
ولما طلع النهار وأكلوا الفطور وشربوا القهوة ركب الصنجق
بكامل طوائفه وصحبته الاغا وطلع الى القلعة وجلس معه بديوان الغوري وحضر اليهم
كتخدا الباشا فأطلعوه على المرسوم فدخل على الكتخدا فأخبر مخدومه بذلك فقال لا اله
الا الله
وتعجب في صنع الله ثم قال هذا الرجل يأكل رؤوس الجميع
ودخلوا اليه فخلع عليه وعلى المسلم ونزل الى داره ووصل
الخبر الى اسمعيل بك الدفتردار فركب
اسمعيل بك الى ابراهيم ذي
الفقار أمير الحاج فركب معه بباقي الامراء وذهبوا الى ابراهيم بك يهنوه وكذلك بقية
الاعيان وخلع على محمد بك اباظة وجعله امين السماط
وتولى المترجم الدفتردارية سنة 1119 واستمر بها الى 1121 ثم عزل وتقلد
امارة الحج ثم أعيد الى الدفتردارية في سنة 1127 ولم يزل الى ان مات بالطاعون سنة
1130 وعمره اثنان وتسعون سنة وخلف ولده محمد بك أميرا يأتي ذكره
ومات افرنج احمد اوده باشا مستحفظان الذي تسببت عنه
الفتنة الكبيرة والحروب العظيمة التي استمرت المدة الطويلة والليالي العديدة
وحاصلها على سبيل الاختصار هو ان افرنج احمد أوده باشا
المذكور لما ظهر امره بعد موت مصطفى كتخدا القازدغلي مع مشاركة مراد كتخدا وحسن
كتخدا فلما مات مراد كتخدا في سنة 1117 زاد ظهور امر المترجم ونفذت كلمته على
أقرانه وكان جبارا عنيدا فتعصب عليه طائفة وقبضوا عليه على حين غفلة وسجنوه بالقلعة
وكان ممن تعصب عليه حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا ابن اخت القازدغلي وكور عبد
الله ثم أخرجوه من مصر منفيا
فغاب أياما ورجع بنفسه ودخل الى مصر والتجأ الى وجاق
الجملية وطلب غرضه من باب مستحفظان فلم يرضوا بذلك وقالوا لا بد من خروجه الى محل
ما كان
ووقع بينهم التشاجر واتفقوا بعد جهد على عدم نفيه وان
يجعلوه صنجقا فقلدوه ذلك على كره منه واستمر مدة فلم يهنأ له عيش
وخمل ذكره وانفق ما جمعه قبل ذلك فاتفق مع أيوب بك
الفقاري وعصب الوجاقات ونفوا حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله باش
أوده باشا وقرا اسمعيل كتخدا ومصطفى كتخدا الشريف واحمد جربجي تابع باكير أفندي
وابراهيم أوده باشا الاكنجي وحسين اوده بلضا العنترلي الجميع من باب مستحفظان فأخرجوهم
الى قرى الارياف ورمى المترجم الصنجقية ورجع الى بابه وركب الحمار
ثانيا وصار اوده باشا كما كان
وهذا لم يتفق نظيره ابدا وكان يقول عندما استقر صنجقا
الذي جمعه الحمار اكله الحصان
ولما فعل ذلك زادت كلمته وعظمت شوكته ثم ان المنفيين
المتقدم ذكرهم حضروا الى مصر باتفاق الوجاقات الستة ولم يتمكنوا من الرجوع الى
بابهم وذلك ان الوجاقات الستة وبعض الامراء الصناجق ارادوا رجوع المذكورين الى باب
مستحفظان وان افرنج احمد يلبس حكم قانونهم او يعمل جربجي وان كور عبد الله اوده
باشا يرجع الى بابه ويلبس باش كما كان فعاند افرنج احمد وعضده ايوب بك وانضم اليهم
من انضم من الاختيارية والصناجق والاغوات ووقع التفاقم والعناد وافترقت عساكر مصر
وامراؤها فرقتين وجرى مالم يقع مثله في الحروب والكروب وخراب الدور
وطالت مدة ذلك قريبا من ثلاثة اشهر وانجلت عن ظهور العزب
على الينكجرية
وقتل في اثنائها الامير ايواظ بك ثم كان ما ذكر بعضه
آنفا في ترجمة المرحوم ايواظ بك وغيره وهرب ايوب بك ومحمد بك الصعيدي ومن تبعهم
ونهبت دور الجميع واحزابهم وانتصر القاسمية ثم انزلوا الباشا بامان وهجمت العساكر على
باب مستحفظان وملكوه وقبضوا على المترجم وقطعوا رأسه ورؤوس من معه وفيهم حسن كتخدا
واسمعيل افندي وعمر أغات الجراكسية وذهبوا برؤوسهم الى بيت قانصوه بك قائمقام ثم
طافوا بها على بيوت الامراء ثم وضعوها على اجسادهم بالرميلة ثم ارسلوهم عند الغروب
الى منازلهم وذلك في اوائل جمادى الاولى سنة 1123 وهو صاحب القصر والغيظ المعروف
به الذي كان بطريق بولاق ونهبه في ايام الفتنة يوسف بك الجزار وكان به شيء من
الغلال والابقار والاغنام والارز والخيل والجاموس والدجاج والاوز والحمام حتى قلع
أشجاره وهدم حيطانه
ولما بلغ محمد بك الكبير ما فعله يوسف بك الجزار في
غيظ افرنج احمد عمد هو ايضا
الى غيظ حسن كتخدا النجدلي وفعل به مثل ما فعل يوسف بك بغيظ افرنج احمد ووقع غير
ذلك امور يطول شرحها
ومات محمد بك المعروف بالدالي وقد كان سافر بالخزينة سنة
1122 ومات ببلاد الروم ووصل خبر موته الى مصر فقلدوا ابنه اسمعيل بك في الامارة
عوضا عنه بعد انقضاء الفتنة سنة 1124 وكان جركسي الجنس وعمل أغات متفرقة ثم اغات جمليان
سنة 1113 ثم تقلد الصنجقية وسافر بالخزينة ومات بالديار الرومية كما ذكر
ومات الامير حسن كتخدا عزبان الجلفي وكان انسانا خيرا له
بر ومعروف وصدقات واحسان للفقراء ومن مآثره انه وسع المشهد الحسيني واشترى عدة اماكن
بماله وأضافها اليه ووسعه وصنع له تابوتا من أبنوس مطعما بالصدف مضببا بالفضة وجعل
عليه سترا من الحرير المزركش بالمخيش
ولما تمموا صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربع رجال
وعلى جوانبه أربع عساكر من الفضة مطليات بالذهب ومشت امامه طائفة الرفاعية بطبولهم
واعلامهم وبين ايديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون
منها على الناس وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد ووضعوا ذلك الستر على المقام
توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة 1124 وخرجوا بجنازته من
بيته بمشهد عظيم حافل
وصلى عليه بسبيل المؤمن بالرميلة واجتمع بمشهده زيادة عن
عشرة آلاف انسان وكان حسن الاعتقاد محسنا للفقراء والمساكين رحمه الله
ومات الامير ابراهيم جربجي الصابونجي عزبان وكان أسدا
ضرغاما وبطلا مقداما كان ظهوره في سنة اثنتين وعشرين ومائة والف وشارك في الكلمة
احمد كتخدا عزبان امين البحرين وحسن جربجي عزبان الجلفي وعمل اكنجي أوده باشه فلما
لبس حسن جربجي الجلفي كتخدائية عزبان
ألبس المترجم باش أوده باشه
وذلك في 1123 فزادت حرمته ونفذت بمصر كلمته ولما قتل قيطاس بك الفقاري في سنة 1127 خمدت
بموته كلمة احمد كتخدا امين البحرين فأنفرد بالكلمة في بابه ابراهيم جربجي
الصابونجي المذكور وصار ركنا من اركان مصر العظيمة ومن ارباب الحل والعقد والمشورة
وخصوصا في دولة اسمعيل بك ابن ايواظ
وادرك من العز والجاه ونفاذ الكلمة وبعد الصيت والهيبة
عند الاكابر والاصاغر الغاية وكان يخشاه امراء مصر وصناجقها ووجاقاتها ولم يتقلد
الكتخدائية مع جلالة قدره
وسبب تسميته بالصابونجي انه كان متزوجا بابنة الحاج عبد
الله الشامي الصابونجي لكونه كان ملتزما بوكالة الصابون وكان له عزوة عظيمة ومماليك
وابتاع ومنهم عثمان كتخدا الذي اشتهر ذكره بعده ولم يزل في سيادته الى ان مات على
فراشه خامس شهر شوال سنة 1131 وخلف ولدا يسمى محمدا قلدوه بعده جربجيا سيأتي ذكره
وسعى له عثمان كاشف مملوك والده وخلص له البلاد من غير
حلوان وكان عثمان اذ ذاك جربجيا بباب عزبان
ومات الامير الجليل يوسف بك المعروف بالجزار تابع الامير
الكبير ايواظ بك تقلد الامارة والصنجقية في سنة 1123 ايام الواقعة الكبيرة بعد موت
أستاذه من قانصوه بك قائمقام اذ ذاك
وكانت له اليد البيضاء في الهمة والاجتهاد والسعي لاخذ
ثار سيده والقيام الكلي في خذلان المعاندين
وجمع الناس ورتب الامور وركب في اليوم الثاني من قتل
سيده وصحبته اسمعيل بن استاذه واتباعهم وطلع الى باب العزب وفرق فيهم عشرة آلاف
دينار وارسل الى البلكات الخمسة مثل ذلك وجر المدافع وخرج بمن انضم اليه الى ميدان
محمد بك الصعيدي وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى هزمهم واجلاهم عن الميدان الى
السواقي
واستمر يخرج الى الميدان في كل يوم ويكر ويفر ويدبر
الامور وينفق
الاموال وينقب النقوب ويدبر
الحروب حتى تم لهم الامر بعد وقائع وأمور ذكرنا بعضها في ولاية خليل باشا وفي بعض
التراجم
وتقلد المترجم امارة الحج وطلع به في تلك السنة وتقلد
قائمقامية في 1126 عن عابدي باشا
ولما حقدوا على اسمعيل بك بن سيده ودبروا على ازالته في
ايام رجب باشا وظهر جركس من اختفائه بعد ان اخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف
العرب وقتلوا من كان منهم بمصر وأخرجوا لهم تجريدة قام المترجم في تدبير الامر واختفى
اسمعيل بك ودخل منهم من دخل الى مصر سرا ووزع المماليك والامتعة على ارباب المناصب
والسدادرة وأشاع ذهابهم الى الشام مع الشريف يحيى وتصدر هو للامر وكتم أموره ولم
يزل يدبر على اظهار ابن سيده واستمال ارباب الحل والعقد وانفق الأموال سرا وضم
اليه من الاخصام أعاظمهم وعقلاءهم مثل احمد بك الاعسر وقاسم بك الكبير واتفق معهم
على اظهار اسمعيل بك واخيه اسمعيل بك جرجا وعمل وليمة في بيته جمع فيها محمد بك
جركس وباقي ارباب الحل والعقد وأبرز لهم اسمعيل بك ومن معه بعد المذاكرة والحديث
والتوطئة وتمموا أغراضهم وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة وتأمر اسمعيل بك وظهر
أمره كما كان وتولى الدفتردارية في سنة 1127 بعد انفصاله من امارة الحج ثم عزل
عنها واستمر امير مسموع الكلمة وافر الحرمة الى ان مات في سنة 1134 ووقع له مع
العرب عدة وقائع وقتل منهم الوفا فلذلك يسمى بالجزار
ولما مات قلدوا مملوكه ابراهيم أغا الصنجقية عوضا عنه
ومات الامير الجليل فانصوه بك القاسمي تابع قيطاس بك
الكبير الدفتردار الذي كان بقناطر السباع رباه سيده وأرخى لحيته وجعله كتخداه
وسافر معه الى سفر الجهاد في سنة 1126 فمات سيده بالسفر فقلدوه الامارة والصنجقية
بالديار الرومية عوضا عن سيده وحضر الى
مصر وتقلد كشوفية بني سويف
خمس مرات وكشوفية البحيرة ثلاث مرات
ولما حصلت الفتنة في ايام خليل باشا كعب الشوم الكوسة
1123 كما تقدم غير مرة كان هو أحد الأعيان الرؤساء المشار اليهم من فرقة القاسمية
فاجتمعوا وقلدوا المترجم قائمقام وعملوا ديوانهم وجمعيتم في بيته حتى انقضت الفتنة
ونزل الباشا واستمر هو يتعاطى الاحكام احدا وتسعين يوما حتى حضر والي باشا الى مصر
فعزل وكف بصره ومكث بمنزله حتى توفي على فراشه سنة 1127 وقلدوا امرته وصنجقيته
لتابعه الامير ذي الفقار أغا وتزوج بابنته وفتح بيت سيده واحيا مآثره من بعده
ومات الامير اسمعيل بك المنفصل من كتخدائية الجاويشية
واصله جلبي بن كتخدا ابري بك وهو من اشراقات اسمعيل بك بن ايواظ قلده الصنجقية سنة
1128 وتولى الدفتردارية سنة 1131 واستمر فيها سنتين وخمسة أشهر وقتله رجب باشا هو
واسمعيل أغا كتخدا الجاويشية في وقت واحد عندما دبروا على قتل اسمعيل بك بن ايواظ
وهو راجع من الحج فأحتجوا بالعرب وأرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك بن ايواظ
واسمعيل بك ولجه لمحاربة العرب فلما بعدوا عن مصر طلع المترجم وصحبته اسمعيل أغا
كتخدا الجاويشية وكان اصله كتخدا ايواظ بك الكبير فقتلوهما في سلالم ديوان الغوري
غدرا باغراء محمد بك جركس
وفي ذلك الوقت ظهر جركس وركب حصان اسمعيل بك المذكور
ونزل الى بيته وكان قتلهما في أوائل سنة 1133 وقتلا ظلما وعدوانا رحمهما الله
ومات الامير حسين بك المعروف بأبي يدك وأصله جرجي الجنس
تقلد الامارة والصنجقية سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف وكان مصاهر لسليمان بك بارم
ذيله وكان متزوجا بأبنته وكان معدودا من الفرسان والشجعان
الا انه كان قليل المال ولما
قتل قيطاس بك الفقاري وهرب محمد بك تابعه المعروف بقطامش الى الديار الرومية اختفى
المترجم بمصر وذلك في سنة 1127 بعد ما أقام في الامارة اربعا وعشرين سنة
ثم ظهر مع من ظهر في الفتنة التي حصلت بين محمد بك جركس
وبين اسمعيل بك بن ايواظ وكان المترجم من اغراض جركس
فلما هرب جركس هو ايضا فلحقه عبد الله بك صهر بن ايواظ
وقتله بالريف وقطع رأسه فكان ظهوره سببا لقتله وذلك في سنة 1131
ومات الامير حسين بك أرنؤد المعروف بأبي يدك وكان أصله
أغات جراكسة ثم تقلد الصنجقية وكشوفيات الاقاليم مرارا عديدة وسافر الى الروم
أميرا على السفر في سنة 1124 فلما رجع في سنة 1129 استعفى من الصنجقية وسافر الى الحجاز
وجاور بالمدينة المنورة
فكانت مدة امارته ثلاثا وعشرين سنة
واستمر مجاورا بالمدينة اربع سنوات ومات هناك سنة 1134
دفن بالبقيع
ومات الامير يوسف بك المسلماني وكان اصله اسرائيليا
وأسلم وحسن اسلامه ولبس أغات جراكسة ثم تقلد كتخدا الجاويشية وانفصل عنها وتقلد
الصنجقية سنة 1107 وتلبس كشوفية المنوفية ثم امارة جدة ومشيخة الحرم وجاور
بالحجاز عامين
ثم رجع وسافر بالعسكر الى الروم ورجع سالما وأخذ جمرك
دمياط وذهب اليها وأقام بها الى ان مات 1120 وأقام في الصنجقية اثنتي عشرة سنة
وتسعة أشهر وترك ولدا يسمى محمد كتخدا عزبان
ومات الامير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تقلد
الامارة عوضا عن سيده سنة 1110 ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة 1116
ومات الامير محمد بك الكبير الفقاري تقلد الامارة بعد
سيده سنة 1117 وتولى امارة جرجا وحكم الصعيد مرتين
وكان من أخصاء أيوب
بك المتقدم ذكرهما في الواقعة
الكبيرة وأرسل اليه ايوب بك يستنصر به فأجاب دعوته وحضر الى مصر ومعه الجم الغفير
من العزبان والهوارة والمغاربة وأجناس البوادي وحارب وقاتل داخل المدينة وخارجها
كما تقدم ذكر ذلك غير مرة وكان بطلا هماما وأسدا ضرغاما ولم يزل حتى هرب مع ايواظ
بك الى بلاد الروم فقلدوه الباشوية وعين في سفر الجهاد ومات سنة 1133
ومات الامير مصطفى بك المعروف بالشريف وهو بن الامير
ايواظ بك الجرجي مملوك حسين أغا وكان والده ايواظ بك المذكور تولى أغاوية العزب
سنة 1070 وتزوج ببنت النقيب برهان الدين افندي فولد له منها المترجم فلذلك عرف
بالشريف وتقلد والده كتخدا الجاويشية 1079 وعزل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1081 وتولى
كشوفية الغربية وتقلد قائمقام مصر وعزل ولم يزل اميرا حتى مات على فراشه وترك ولده
هذا المترجم وكان سنه حين مات والده اثنتي عشرة سنة فرباه ريحان اغا تابع والده ثم
مات ريحان اغا فعند ذلك اسرف مصطفى جلبي واتلف اموال ابيه وكانت كثيرة جدا وكان
المترجم في وجاق المتفرقة وصار فيهم اختيارا الى ان لبس سردارية المتفرقة في سفر
الخزينة سنة 1109 فمات صنجق الخزينة درويش بك الفلاح في السفر بالروم فلبس صنجقية
المذكور حكم القانون ورجع الى مصر اميرا واستمر في امارته حتى مات سنة 1133 وكان
قليل المال
ومات الامير احمد بك الدالي تابع الامير ايواظ بك الكبير
القاسمي تقلد الصنجقية يوم الخميس سابع جمادى الاولى سنة 1127 ولبس في يومها قفطان
الامارة على العسكر المسافر الى بلاد مورة بالروم عوضا عن خشداشة يوسف بك الجزار
وسافر بعد ستين يوما ومات هناك وتقلد عوضه مملوكه علي بك ورجع الى مصر صنجقا وهو
علي بك المعروف بالهندي
ومات كل من الامير حسين كتخدا
الينكجرية المعروف بحسين الشريف وابراهيم باش أوده باشا المعروف بكدك وذلك انه لما
قتل قيطاس بك الفقاري بقراميدان على يد عابدي باشا في شهر رجب سنة 1127 وثارت بعد
ذلك الفتنة بين باب الينكجرية والعزب وذلك ان حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور
عبد الله كانوا من عصبة قيطاس بك فلما قتل خافوا على انفسهم فملكوا باب مستحفظان
على حين غفلة وقتلوا المذكورين وكانوا يتهمونهما بانهما تسببا في قتل قيطاس بك
ومات ايضا كل من الامير حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي
وكور عبد الله وذلك انه لما ملك المذكورون الباب وقتلوا حسين كتخدا الشريف
وابراهيم الباش كما تقدم وذلك في اواخر رجب وسكن الحال انتدب محمد كتخدا كدك لأخذ
ثار اخيه وملك الباب على حين غفلة وذلك ليلة الثلاثاء ثالث عشري رمضان وتعصب معه
طائفة من اهل بابه وطائفة من باب العزب وقتل في تلك الليلة حسن كتخدا النجدلي
وناصف كتخدا وانزلوهما الى بيوتهما في صبح تلك الليلة في توابيت
وهرب كور عبد الله فقبض عليه محمد بك جركس بعد ستة ايام
وحضر به وهو راكب على الحصان وفي عنقه الحديد ومغطى الرأس وطلع به الى عابدي باشا
فلما مثل بين يديه سبه ووبخه وأمره بأخذه الى بابه فأمر
محمد كتخدا كدك بحبسه بالقلعة
وقتل في ذلك اليوم وأنزلوه الى بيته بسوق السلاح
ومات ايضا محمد كتخدا كدك المذكور فانه اشتهر صيته بعد
هذه الحوادث ونفذت كلمته ببابه ولم يزل حتى مات على فراشه في شهر القعدة 1132
ومات الامير احمد بك المسلماني ويعرف ايضا باسكي نازي
وكان اصله كاتب جراكسة وكان يسمى باحمد افندي ثم عمل باش اختيار جراكسة
وحصل له عز عظيم وثروة وكثرة
مال وكان أغنى الناس في زمانه وكان بينه وبين اسمعيل بك بن ايواظ وحشة وكان بن
ايواظ يكرهه ويريد قتله فالتجأ الى محمد بك جركس
فلما هرب جركس في المرة الاولى اختفى احمد افندي المترجم
وبيعت بلاده ومتاعه فلما ظهر جركس ثانيا ظهر احمد افندي وعمل صنجقيا سنة 1133 وصار صنجقيا
فقيرا ثم ورد مرسوم بان يتوجه المترجم الى مكة لاجراء الصلح بين الاشراف فتوجه
ومكث هناك سنة ثم رجع الى مصر ومكث بها مدة الى 1136 فأرسلوه الى ولاية جرجا ليشهل غلال
المبري وكان ذلك حيلة عليه
فلما توجه الى جرجا أرسل محمد باشا فرمانا الى سليمان
كاشف خفية بقتله فذهب سليمان كاشف ليسلم عليه فغمز عليه بعض أتباعه فضربوه وقتلوه
عند العرمة وقطعوا رأسه في حادي عشرى شهر القعدة سنة 1136
ومات الامير علي كتخدا المعروف بالداودية مستحفظان وكان
من اعيان باب الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى كتخدا الشريف وكان من
الاعيان المعدودين بمصر ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة الى أن مات على فراشه في
جمادى الاخرة سنة 1133
ومات الامير ابراهيم افندي كاتب كبير الشهير بشهر اوغلان
مستحفظان وكان ايضا من الاعيان المشهورين ببابهم مع مشاركة عثمان كتخدا الجرجي
تابع شاهين جربجي وانفرد معه بالكلمة بعد مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا بشناق لما
خرجهما اسمعيل بك بن ايواظ الى الكشيدة كما تقدم الاشارة الى ذلك
فلما قتل اسمعيل بك رجع مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا
ثانيا الى الباب وانحطت كلمة المترجم وعثمان كتخدا ثم عزل ابراهيم افندي المذكور
الى دمياط وأهين ومكث هناك اشهر ثم حضروه وجعلوه سردار جداوي وتوجه مع الحج ومات
هناك في سنة 1137
ومات النبيه الفطن الذكي حسن
افندي الروزنامجي الدمرداشي وكان باش قلفه الروزنامجه فلما حضر اسمعيل باشا واليا
على مصر في سنة ست ومائة والف وكانت سنة تداخل فتكلم الباشا مع ابراهيم بك أبي شنب
في كسر الخزينة وعرض عليه المرسوم السلطاني بتعويض كسر الخزينة من اشغال العشرين الف
عثماني التي كانت عليهم وكان له ميل للعلوم والمعارف وخصوصا الرياضيات والفلكليات
ويوسف الكلارجي الفلكي الماهر هو تابع المذكور ومملوكه
وقرأ على رضوان افندي صاحب الازياج والمعارف وكان كثير
العناية برضوان افندي المذكور ورسم باسمه عدة آلات وكرات من نحاس مطلية بالذهب
واحضر المتفنين من ارباب الصنائع صنعوا له ما اراد بمباشرة وارشاد رضوان افندي وصرف
على ذلك اموالا عظيمة وباقي اثر ذلك الى اليوم بمصر وغيرها ونقش عليها اسمه واسم
رضوان افندي وذلك سنة 1113 وقبل ذلك وبعدها ولم يزل في سيادته حتى توفي
ومات الامير مصطفى بك القزلار المعروف بالخطاط تابع يوسف
أغا القزلاردار السعادة تولى الامارة الصنجقية في سنة 1094 وتقلد قائمقامية بعد
عزل اسمعيل باشا وذلك سنة 1109 قهرا عنه وتقلد مناصب عديدة مثل كشوفية جرجا وغيرها
ثم تقلد الدفتردارية سنة ثلاث وثلاثين فكان بين لبسه الدفتردارية والقائمقامية
اربع وعشرون سنة وبعد عزله من الدفتردارية مكث في منزله صنجقيا بطالا الى ان توفي
سنة 1142
ومات الامير المعظم والملاذ المفخم الامير اسمعيل بك بن
الامير الكبير ايواظ بك القاسمي من بيت العز والسيادة والامارة نشأ في حجر والده
في صيانة ورفاهية وكان جميل الذات والصفات وتقلد الامارة الصنجقية بعد موت والده
الشهيد في الفتنة الكبيرة كما تقدم وكان لها اهلا ومحلا وكان عمره اذ ذاك ست عشرة
سنة وقد دب عذاره وسمته النساء قشطة
بك
فانه لما اصيب والده في المعركة بالرملة تجاه الروضة
وقتل في ذلك اليوم من الغز والاجناد خاصة نحو السبعمائة ودفن والده فلما اصبحوا
ركب يوسف الجزار تابع ايواظ بك واحمد كاشف واخذوا معهم المترجم وذهبوا الى بيت
قانصوه بك قائمقام فوجدوا عنده ابراهيم بك ابا شنب واحمد بك تابعه وقيطاس بك
الفقاري وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش وهم جلوس وعليهم الكآبة والحزن وصاروا
مثل الغنم بلا راع متحيرين في امرهم وما يؤول اليه حالهم فلما استقر بهم الجلوس
نظر يوسف الجزار الى قيطاس بك فرآه يبكي فقال له لاي شيء تبكي هذه القضية ليس لنا
فيها ذنب ولا علاقة واصل الدعوى فيكم معشر الفقارية والآن انحرجنا وقتل منا واحد
وخلف مالا ورجالا قلدوني الصنجقية وامير الحاج وسر عسكر وكذلك قلدوا ابن سيدي هذا
صنجقية والده فيكون عوضا عنه ويفتح بيته واعطونا فرمانا وحجة من الذي جعلتموه نائب
شرع بالمعافاة من الحلوان ونحن نصرف الحلوان على المقاتلين والله يعطي النصر لمن
يشاء
ففعلوا ذلك ورجع يوسف بك وصحبته اسمعيل بك ومن معهم الى
بيت المرحوم ايواظ بك وقضوا اشغالهم ورتبوا امورهم وركبوا في صبحها الى باب العزب
واخذوا معهم الاموال فانفقوا في الست بلكات وغيرهم من المقاتلين ونظموا احوالهم في
الثلاثة ايام الهدنة التي كانوا اتفقوا على رفع الحرب فيها بعد موت ايواظ بك
وكان الفاعل لذلك ايوب بك وقصده حتى يرتب اموره في
الثلاثة ايام ثم يركب على بيت قانصوه بك ويهجم على من فيه ولو فعل ذلك في اليوم
الذي قتل فيه ايواظ بك لتم لهم الامر ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا
ولم يرد الله لهم بذلك وأخذوا في الجد والاجتهاد وبرزوا
للحرب في داخل المدينة وخارجها وعملوا المكايد ونصبوا شباك المصايد وأنفقوا الاموال
ونقبوا النقوب حتى نصرهم الله على الفرقة الاخرى وهم أيوب
بك ومحمد بك الصعيدي وافرنج
احمد وباب الينكجرية ومن تبعهم وقتل من قتل وفر من فر ونهبت دورهم وشردوا في
البلاد وتشتتوا في البلاد البعيدة كما ذكر غير مرة واستقر الحال وسافر أميرا بالحج
في تلك السنة يوسف بك الجزار واستقر المترجم بمصر وافر الحرمة محتشم المكانة
مشاركا لابراهيم بك ابي شنب وقيطاس بك في الامر والرأي وفي نفس قيطاس بك ما فيها
من حقد العصبية فصار يناكدهما سرا وسلط حبيب وابنه سالم على خيول اسمعيل بك فجم
اذنابها ومعارفها كما ذكر ثم نصب لهما ولمن والاهما شباكا ومكايد ولم يظفره الله بهما
ولم يزل على ذلك وهما يتغافلان ويغضيان عن مساويه الخفية الى ان حضر عابدي باشا
وارسل قلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع يوسف بك على ابن سيده اسمعيل بك وجعله امين
السماط
ولما وصل الباشا الى العادلية وقدمت له الامراء التقادم
وقدم له اسمعيل بك المترجم تقدمة عظيمة وتقيد بخدمة السماط أحبه عابدي باشا ومال
بكليته اليه ثم انه اختلى معه ومع يوسف بك وسألهما عن سبب موت والده فأخبراه ان
مصر من قديم الزمان فرقتان وعرفاه الحال وان قيطامس بك وايوب بك بيت واحد ووقعت
بينهما خصومة وأيوب بك أكثر عزوة وجندا فوقع قيطامس بك على ايواظ بك والتجأ اليه
فقام بنصرته وفاداه وأنفق بسببه اموالا وتجندلت من رجاله أبطال الى أن مات وقتل
وبلغ قيطاس بك بنا ما بلغ فلم يراع معنا جميلا وفي كل وقت ينصب لنا الحبائل ويحفر
فينا الغوائل ونحن بالله نستعين فقال الباشا يكون خيرا
وأضمر لقيطاس بك السوء ولم يزل حتى قتله كما ذكر
بقراميدان وورد أمر بتقليد المترجم على الحج اميرا وتقليد ابراهيم بك الدفتردارية
وألبسهما عابدي باشا الخلع وتسلم أدوات الحج والجمال وأرسل غلال الحرمين وبعث
القومانية والغلال الى البنادر وأرسل أناسا وعينهم لحفر الآبار المردومة وتنقية
الاحجار من طريق الحجاج
وضم اليه جماعة من الفقارية
مثل حسين بك ابي يدك وذي الفقار معتوق عمر أغا بلغيه واصلان وقبلان وأمثالهم
واخذوا يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته ووقف له طائفة
منهم بطريق الرميلة وهو طالع الى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم يصب منهم سوى رجل
قواس ورمح اسمعيل بك وأمراؤه الى باب القلعة ونزل بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله
الى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار مضمونه الشكوى من محمد بك جركس وانه جامع عنده المفاسيد
ويريدون اثارة الفتن في البلد
فكتب الباشا فرمانات الى الوجاقات باحضار محمد بك جركس
وان أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين اليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد ابائه
وعصيانه فصادف المتوجهين اليه فحاربهم بالرميلة وآل الامر الى انهزامه وتفرق من
حوله ولم يتكمن من الوصول الى داره وخرج هاربا من مصر وقبض عليه العربان وأحضروه
الى اسمعيل بك أسيرا عريانا في أسوأ حال فكساه واكرمه والبسه فروة سمور واشار عليه
احمد كتخدا امين البحرين وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك
وقال انه دخل الى بيتي وحل في ذمامي فلا يصح ان اقتله ثم
نفاه الى قبرص
ولما سافر محمد بك بن ابي شنب الى اسلامبول بالخزينة في
تلك السنة وصى قاسم بك بالارسال الى جركس واحضاره الى مصر ففعل وحضر الى مصر سرا
واختفى عنده ولما وصل محمد بك بالخزينة واجتمع بالوزير الاعظم دس اليه كلاما في حق
المترجم وقال له ان أهملتم أمره استولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع
الخزينة فان الامراء والدفتردارية وكبار الامراء والوجاقات صاروا كلهم أتباعه
ومساليكه ومماليك ابيه والذي ليس كذلك فهم صنائعه وعلي باشا المتولى لا يخرج عن
مراده في كل ما يأمر به
وأخرج من مصر وأقصى كل ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك
جركس ومن يلوذ به وعمل للوزير
أربعة آلاف كيس على ازالة
اسمعيل بك والباشا وتولية خلافة ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة السلطان
احمد فأجابوه الى ذلك وعينوا رجب باشا امير الحاج الشامي ورسموا له رسوما باملاء
محمد بك أبي شنب ملخصها قتل الباشا واسمعيل بك وعشيرته ما عدا علي بك الهندي
ولما حضر رجب باشا الى مصر وقد كان قاسم بك احضر محمد
جركس واخفاه وكان اسمعيل بك بن ايواظ طالعا بالحج سنة 1131 فاليوم الذي وصل فيه
رجب باشا الى العريش ووصل المسلم الى مصر كان خروج اسمعيل بك بالحج من مصر وارسل
رجب باشا مرسوما الى احمد بك الاعسر وجعله قائمقام وامره بانزال علي باشا الى قصر
يوسف والاحتفاظ به ففعلوا ذلك ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب
خزينته والروزنامجي وامرهم بعمل حسابه ثم امر بقتله فقتلوه ظلما وسلخوا رأسه وأرسلها
الى الروم وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن ايواظ
وأما ما كان من امر الباشا وجركس ومن بمصرفانه فانه لما
سافر يوسف بك الجزار ومن معه على الرسم المتقدم عملوا شغلهم وقتلوا اسمعيل بك
الدفتردار واسمعيل اغا كتخدا الجاويشية وظهر محمد بك جركس ونزل من القلعة الى بيته
وهو راكب ركوبة الدفتردار واستقر الباشا أحمد بك الاعسر دفتردار
ولما وصل المتوجهون الى سطح العقبة نزل يوسف بك الجزار
وترك محمد بك بن ايواظ واسمعيل بك جرجا في السطح فلما دخل على الصنجق وسلم عليه
اشتغل خاطره وقال له لاي شيء جئت فقال أنا لست وحدي بل صحبتي اخوك محمد بك واسمعيل
بك جرجا وعبد الرحمن أغا ولجه
فقال لا اله الا الله كيف انكم تتركون البلد وتأتون اما
تعلموا ان لنا أعداء والعثمانية ليس لهم امان ولا صاحب ويصيدون الارنب بالعجلة فأعدوا
العدة وسافروا الى مصر وبعد ايام وصل مرسوم بالامان والرضا
لاسمعيل بك وجماعته وولوا على
مصر محمد باشا من حيث أتى بعدما دفع المائة وعشرين كيسا التي اخذها من دار الضرب
وصرفها على تجريدة اجرود ولم يزل محمد بك جركس ومحمد بك بن سيده ومن يلوذ بهم
مصرين على حقدهم وعداوتهم للمترجم وهو يتغافل عنهم ويغضي عن مساويهم ويسامح زلاتهم
حتى غدروا به وقتلوه بالقلعة على حين غفلة وذلك انه لم يزل ذو الفقار تابع عمر اغا
يطالب بفائظ حصته في قمن العروس ويكلم جركس يشفع له عند اسمعيل بك فيقول له اطرد
الصيفي من عندك وأرسل الي بعد ذلك ذا الفقار ويأخذ الذي يطلع له عندي الى ان ضاق خناق
ذي الفقار من الفشل والاعدام فطلع الى كتخدا الباشا وشكا اليه حاله فقال له وما
الذي تريد نفعله قال اريد ان اقتل ابن ايواظ عندما يأتي الى هنا واعطوني صنجقية
وعشرين كيسا فائظ من بلاده وكشوفية المنوفية فدخل الكتخدا واخبر مخدومه بذلك
فأجابه الى مطلوبه على شرط ان لا يدخلنا في دمه
فنزل ذو الفقار واخبر جركس بما حصل وطلب ان يكون ذلك
بحضوره هو وابراهيم بك فارسكور فأجابه الى ذلك ولما اجتمعوا في ثاني يوم عند كتخدا
الباشا دخل ذو الفقار وقدم له عرضحال الى اسمعيل بك فاخذه وشرع يقرأ فيه واذا بذي الفقار
سحب الخنجر وضرب الصنجق به في مدوده وكان معه قاسم بك الصغير واصلان وقبلان
وخلافهم مستعدين لذلك فعندما رأوه ضرب اسمعيل بك سحبوا سيوفهم وضربوا ايضا اسمعيل
بك جرجا فقتلوه فهرب صاري علي وكتخدا الجاويشية مشاة الى باب الينكجرية وقطعوا راس
الاميرين وشالوا جثثهما الى بيوتهما فغسلوهما وكفنوهما ودفنوهما بمدفن ابي الشوارب
الذي بطريق الازبكية عند غيظ الطواشي وذلك في سنة 1136
ثم ارسلوا رأسيهما مسلوخين فدفنوهما ايضا وانقضت دولة
اسمعيل بك ابن ايواظ
وكانت
ايامه سعيدة وافعاله حميدة
والاقليم في امن وامان من قطاع الطريق واولاد الحرام وله وقائع مع حبيب واولاده
يطول شرحها وسيأتي استطراد بعضها في ترجمة سويلم وكان صاحب عقل وتدبير وسياسة في
الاحكام وفطانة ورياسة وفراسة في الامور وله عدة عمائر ومآثر منها انه جدد سقف
الجامع الازهر وكان قد آل الى السقوط وانشأ مسجد سيدي ابراهيم الدسوقي بدسوق وكذلك
انشأ مسجد سيدي علي المليجي على الصفة التي هما عليها الآن
ولما تمم بناء المسجد المليجي سافر اليه ليراه وذلك في
منتصف شهر شعبان سنة 1135
ومن افاعيله الجميلة كان يرسل غلال الحرمين في اوانها
ويرسل القومانية الى البنادر ويجعل في بندر السويس والمويلح والينبع غلال سنة
قابلة في الشون تشحن السفائن وتسافر في اوانها ويرسل خلافها على هذا النسق
ولما بلغ خبر موته لاهل الحرمين حزنوا عليه وصلوا عليه
صلاة الغيبة عند الكعبة وكذلك اهل المدينة صلوا عليه بين المنبر والمقام ومات وله
من العمر ثمان وعشرون سنة وطلع امير بالحج ست مرات آخرها سنة ثلاث وثلاثين
وكان منزله هو بيت يوسف بك بدرب الجماميز المجاور لجامع
بشناك المطل على بركة الفيل وقد عمره وزخرفه بانواع الرخام الملون وصرف عليه
اموالا عظيمة وقد خرب وصار حيشانا ومساكن للفقراء وطريقا يسلك منها المارة الى
البركة ويسمونها الخرابة ولما مات لم يخلف سوى ابنة صغيرة ماتت بعده بمدة يسيرة
وحملين في سريتين ولدت احداهن ولدا وسموه ايواظ عاش نحو سبعة اشهر ومات وولدت
الاخرى بنتا ماتت في فصل كو دون البلوغ فسبحان الحي الذي لا يموت
ومات الامير اسمعيل بك جرجا وكان اصله خازندار ايواظ بك
الكبير وامره اسمعيل بك وقلده صنجقا ومنصب جرجا فلذلك لقب بذلك ولم يزل حتى قتل مع
ابن سيده في ساعة واحدة ودفن معه في مدفن رضوان
بك ابي الشوارب
ومات كل من الامير عبد الله بك والامير محمد بك بن ايواظ
والامير ابراهيم بك تابع الجزار قتل الثلاثة المذكورون في ليلة واحدة وذلك انه لما
قتل الامير اسمعيل بك بن ايواظ بالقلعة بيد ذي الفقار بممالأة محمد بك جركس في
الباطن وعبد الله بك لم يكن حاضرا انضمت طوائف الامراء المقتولين ومماليكهم الى عبد
الله بك لكونه زوج اخت المرحوم اسمعيل بك ومن خاصة مماليك ايواظ بك الكبير
وكان كتخداه في حياته وقلده اسمعيل بك الامارة والصنجقية
وطلع اميرا بالحج في السنة الماضية التي هي سنة خمس وثلاثين ورجع سنة ست وثلاثين
فلما وقع ذلك انضموا اليه لكونه أرأس الموجودين واعقلهم
واقبلت عليه الناس يعزونه في ابن سيده اسمعيل بك وازدحم بيته بالناس وتحقق
المبغضون انه ان استمر موجودا ظهر شأنه وانتقم منهم فاعملوا الحيلة في قتله وقتل امرائهم
وطلع في ثاني يوم ذو الفقار قاتل المرحوم اسمعيل بك الى
القلعة فخلع عليه الباشا وقلده الامرية والصنجقية وكاشف اقليم المنوفية
ونزل الى بيت جركس ومعه تذكرة من كتخدا الباشا مضمونها
انه يجمع عنده عبد الله بك ومحمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار ويعمل الحيلة في
قتلهم
فكتب جركس تذكرة الى عبد الله بك وارسلها صحبة كتخداه
بطلبه للحضور عنده ليعمل معه تدبيرا في قتل قاتل المرحومين فلما حضر كتخدا جركس
الى بيت عبد الله بك بالتذكرة وجد البيت مملؤا بالناس والعساكر والاختيارية
والجربجية وواجب رعاياه وعنده علي كتخدا الجلفي عزبان وحسن كتخدا حبانية تابع يوسف
كتخدا تابع محمد كتخدا البيوقلي وغيرهم نفر وطوائف كثيرة فأعطاه التذكرة فقرأها ثم
قال لعلي بك الهندي خذ محمد بك وابراهيم بك واذهبوا الى بيت محمد بك جركس وانظروا
كلامه وارجعوا فاخبروني بما يقول
فركبوا وذهبوا عند جركس
فدخلوا عليه فوجدوا عنده ذا الفقار بك وهو يتناجى معه سرا فادخلهم الى تنهة المجلس
وارسل في الحال الى كتخدا الباشا يخبره بحضور المذكورين عنده ويقول له أرسل إلى
عبدالله بك واطلبه فان طلع اليكم وعوقتموه ملكنا غرضنا في باقي الجماعة
فارسل الكتخدا يقول لجركس ان لا يتعرض لعلي بك الهندي
لان السلطان اوصى عليه وكذلك صاري علي اوصى عليه الباشا لانه امين العنبر وناصح في
الخدمة
وارسل في الحال تذكرة الى عبد الله بك ياخذ خاطره ويعزيه
في العزيز ابن سيده ويطلبه للحضور عنده ليدبر معه امر هذه القضية وقتل قاتل
المرحوم
فراج عليه ذلك الكلام والتمويه
وركب في الحال لاجل نفاذ المقدور وقال لعلي كتخدا اجلس
هنا ولا تفارق حتى ارجع وطلع الى القلعة ومعه عشرة من الطائفة ومملوكان والسعادة
فقط ودخل على كتخدا الباشا فتلقاه بالبشاشة ورحب به وشاغله بالكلام الى العصر
وعندما بلغ محمد بك جركس ركوب عبد الله بك وطلوعه الى القلعة صرف علي بك الهندي
ووضع القبض على محمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار وربط خيولهما بالاسطبل وطردوا
جماعتهم وطوائفهم وسراجينهم ولم يزل كتخدا الباشا يشاغل عبد الله بك ويحادثه ويلاهيه
الى قبيل الغروب حتى قلق عبد الله بك واراد الانصراف فقال له كتخدا الباشا لا بد
من ملاقاتك الباشا ومحادثتك معه
وقام يستأذن له ودخل ورجع اليه وقال له ان الباشا لا
يخرج من الحريم الا بعد الغروب وانت ضيفي في هذه الليلة لاجل ما نتحادث مع الباشا
في الليل
وحسن له ذلك وتركه الى الصباح فطلع محمد بك جركس وابن
سيده محمد بك ابن ابي شنب وذو الفقار بك وقاسم بك وابراهيم بك فرسكور واحمد بك
الاعسر الدفتردار فخلع الباشا على محمد بك اسمعيل وقلده امير الحاج وقلد عمر اغا
كتخدا
جاويشية عوضا عن عبد الله اغا
وقلد محمد اغا لهلوبة والي ونزلوا الى بيوتهم
وطلعت طوائف عبد الله بك واتباعه وانتظروه حتى انقضى امر
الديوان ولم ينزل
فاستمروا في انتظاره الى بعد العصر ثم سألوا عنه فقالوا
لهم انه جالس مع الباشا في التنهة فنزلوا وارسل محمد بك جركس لهلوبة الوالي الى
بيت كتخدا الباشا فقعد به الى بعد العشاء فدخلت الجو خدارية الى عبد الله بك
فاخذوا ثيابه وما في جيوبه وانزلوه وسلموه الى الوالي فاركبه على ظهر كديش ونزل به
من باب الميدان وساروا به الى بيت جركس فاوقفوه عند الحوض المرصود ونزلوا بمحمد بك
ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار فاركبوهما حمارين وسار بهم ابراهيم بك فارسكور
والوالي على جزيرة الخيوعية وانزلوهم في المركب وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا
رؤوسهم ورموهم الى البحر ورجعوا وانقضى امرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم اياما
وكانت قتلتهم في شهر ربيع الاول سنة 1136
ومات عبد الله بك وهو متقلد امارة الحج وعمره ست وثلاثون
سنة وكان حليما سموح النفس صافي الباطن
ومات محمد بك ابن ايواظ بك وسنه ست وعشرون سنة وكان اصغر
من اخيه المرحوم
ومات الامير قاسم بك الكبير وهو مملوك ابراهيم بك ابي
شنب وخشداش محمد بك جركس تقلد الامارة والصنجقية بعد قتل قيطاس بك في سنة 1126 في
ايام عابدي باشا ولما هرب جركس وقبض عليه العربان واحضروه الى اسمعيل بك ونفاه الى
قبرص اتفق محمد بك ابن ابي شنب مع قاسم بك سرا على احضاره الى مصر وسافر محمد بك
الى الروم بالخزينة واشتغل شغله هناك على قتل اسمعيل بك وارسل في الخفية واحضره الى
مصر واخفاه حتى حضر رجب باشا وفعلوا ما تقدم
ذكره
ولم يزل اميرا ومتكلما بمصر حتى وقعت حادثة ظهور ذي
الفقار بك والمحاربة الكبيرة التي خرج فيها جركس من مصر فقتل قاسم بك المذكور في
بيته اصيب برصاصة من منارة الجامع كما تقدم وعندما علم جركس بموته حضر اليه والحرب
قائم وكشف وجهه فرآه ميتا وذلك سنة 1138
ومات الامير قاسم بك الصغير وهو ايضا من اتباع ابراهيم
بك ابي شنب وكان فرعون هذه الطائفة في دولة محمد بك جركس وهو من جملة المتعصبين مع
ذي الفقار على قتل اسمعيل بك ابن ايواظ والضارب فيه ايضا وفي اسمعيل بك جرجا ولم يزل
حتى مات في رمضان بولاية البهنسا سنة 1137
ومات محمد اغا متفرقة سنبلاوين وكان اغات وجاق المتفرقة
وصاحب وجاهة ومات مقتولا باغراء من محمد بك جركس
ومات الامير ابراهيم افندي كتخدا العزب المذكور قتله
سليمان اغا ابو دفية وسليمان كاشف وخازندار ابن ايواظ بالرميلة في حادثة ظهور ذي
الفقار كما تقدم ذكر ذلك في ايام علي باشا وملكوا في ذلك الوقت باب العزب وحضر
محمد باشا وعلي باشا ووقعت الحروب مع محمد بك جركس حتى خرج من مصر وذلك سنة ثمان وثلاثين
وسيأتي تتمة ذلك في ترجمة جركس
ومات الامير عبد الرحمن بك ملتزم الولجة وهو من اتباع
ايواظ بك الكبير القاسمي وامره ابنه اسمعيل بك ابن ايواظ وقلده الصنجقية وسافر
بالخزينة 1135 وقتل اسمعيل بك في غيابه فلما حضر الى مصر خلع عليه محمد بك ابن ابي
شنب الدفتردار قائمقام قفطان ولاية جرجا واستعجله في الذهاب والسفر الى قبلي فقضى
اشغاله وبرز خيامه الى ناحية الآثار وخرجت الامراء والاغوات والاختيارية والوجاقات
ومشوا في
موكبه على العادة ونزلوا
بصيوانه وشربوا القهوة والشربات وودعوه ورجعوا الى منازلهم
ثم أنه قال للطوائف والأتباع اذهبوا الى منازلكم واحضروا
بعد غد بمتاعكم وانزلوا بالمراكب ونسير على بركة الله تعالى
ثم أنه تعشى هو ومماليكه وخواصه وعلق على الخيول والجمال
وركب وسار راجعا من خلف القلعة الى جهة سبيل علام الى الشرقية ولم يزل سائرا الى
ان وصل الى بلاد الشام ومنها الى بلاد الروم هذا ما كان من امره
واما جركس فانه احضر علي بك وقاسم بك وعمر بك امير الحاج
وامرهم بالركوب بعد العشاء بالطوائف ويأخذوا لهم راحة عند السواقي ثم يركبوا بعد
نصف الليل ويهاجموا وطاق عبد الرحمن بك ولجة على حين غفلة ويقتلوه ويأخذوا جميع ما
معه ففعلوا ذلك وساروا قرابة فلم يجدوا غير الخيام فاخذوها ورجعوا ولم يزل المترجم
حتى وصل الى اسلامبول واجتمع برجال الدولة فاسكنوه في مكان واخذ مكتوبا من أغات
دار السعادة خطابا الى وكيله بمصر يتصرف له في حصصه بموجب دفتر المستوفي ويرسل له
الفائظ كل سنة واستمر هناك الى ان مات
ومات الامير الشهير محمد بك جركس واصله من مماليك يوسف
بك القرد وكان معروفا بالفروسية بين مماليك المذكور فلما مات يوسف بك في سنة 1107
اخذه ابراهيم بك ابو شنب وارخى لحيته وعمله قائمقام الطرانة وتولى كشوفية البحيرة
عدة مرار ثم امارة جرجا وسافر الى الروم سر عسكر على السفر في سنة 1128 فضم اليه
المبغضين له من الفقارية وغيرهم وتوافقوا على اغتياله ورصد له طائفة منهم ووقفوا
له بالرميلة وضربوا عليه بالرصاص فنجاه الله من شرهم وطلع اسمعيل بك وصناجقة الى
باب العزب وطلب جركس الى الديوان ليتداعى معه فعصي وامتنع وتهيأ للحرب والقتال
فقوتل وهزم وخرج هاربا من مصر فقبض عليه العربان واحضروه اسيرا الى اسمعيل بك
فاشاروا عليه بقتله
فأبى وقال انه دخل حيا الى
بيتي فلا سبيل الى قتله
وانزله بمكان واحضر له الطبيب فداوى جراحته واكرمه
واعطاه ملابس وخلع عليه فروة سمور والف دينار ونفاه الى قبرص حسما للشر
واستمر الحقد في قلوب خشداشينه ومحمد بك ابن ابي شنب ابن
استاذهم واتفقوا على احضار جركس سرا الى مصر
وسافر ابن ابي شنب بالخزينة الى دار السلطنة فاغرى رجال
الدولة ورشاهم وجعل لهم اربعة آلاف كيس على ازالة اسمعيل بك وعشيرته
ووقع ما تقدم ذكره في ولاية رجب باشا
وحضر جركس الى مصر في صورة درويش عجمي واختفى عند قاسم
بك ودبروا بعد ذلك ما دبروه من قتل الباشا وما تقدم ذكره في ترجمة اسمعيل بك
ونجا اسمعيل بك ايضا من مكرهم وظهر عليهم وسامحهم في كل
ما صدر منهم مع قدرته على ازالتهم
ولم يزالوا مضمرين له السوء حتى توافقوا على قتله غدرا
وخانوه وقتلوه بالديوان وازالوا دولته
وصفا
وصفا عند ذلك الوقت لمحمد بك جركس وعشيرته فلم يحسن
السير وطغى وتجبر وسار في الناس بالعسف والجور واتخذ له سراجا من اقبح خلق الله
واظلمهم وهو الذي يقال له الصيفي ورخص له فيما يفعله ولا يقبل فيه قول احد واتخذ
له اعوانا من جنسه وخدما وكلهم على طبقته في الظلم والتعدي فكانوا يأخذون الاشياء
من الباعة ولا يدفعون لها ثمنا ومن امتنع عليهم ضربوه بل وقتلوه وصاروا يخطفون النساء
والاولاد
وصاروا يدخلون بيوت التجار في رمضان بالليل فلا ينصرفون
حتى ضاق صدر الباشا وابرز مرسوما من الدولة برفع صنجقية محمد بك جركس وكتب فرامانات
وارسلها الى الوجاقات ومشايخ العلم والبكري وشيخ السادات ونقيب الاشراف بالاخبار
بذلك وبالمنع من الاجتماع عليه او دخول منزله
ووصل الخبر الى محمد بك جركس فكتب في الحال تذاكر
وارسلها الى اختيارية الوجاقات والمشايخ بالحضور
ساعة تاريخه لسؤال وجواب فذهب
اليه الاختيارية فاكرمهم واجلهم واجلسهم ثم حضر المشايخ فلما تكامل المجلس اوقف
طوائفه ومماليكه بالاسلحة ثم قال لهم تكونوا معي او اقتلكم جميعا
فلم يسعهم الا انهم قالوا له جميعا نحن معك على ما تريد
فقال اريد عزل الباشا ونزوله فقالوا نحن معك على ما
تختار
ثم انهم كتبوا فتوى مضمونها ما قولكم في نائب السلطان
اراد الافساد في المملكة وتسليط البعض على البعض وتحريك الفتن لاجل قتلهم واخذ
اموالهم فماذا يلزم في ذلك فكتب المشايخ بوجوب ازالته وعزله قمعا للفساد وحقنا للدماء
فاخذ الفتوى منهم وقام واخذ معه رجب كتخدا ومصطفى كتخدا وابراهيم
كتخدا عزبان ودخل الى داخل وترك الجماعة في المقعد والحوش وعليهم الحرس وباتوا على
ذلك من غير عشاء ولا دثار فلما اصبح صباح يوم الجمعة عاشر القعدة ارسل احمد بك
الاعسر الى الباشا يقول له انت تنزل او تحارب وكان ارسل قاسم بك الكبير الى ناحية
الجبل بنحو الخمسمائة خيال فقال بل انزل وانظروا الى مكانا انزل فيه
ونزل في ذلك اليوم قبل الصلاة الى بيت محمد اغا الدالي
بقوصون ولم يخرج جركس من بيته ولا احد من المعوقين سوى قاسم بك واحمد بك
ثم انه كتب عرضا على موجب الفتوى وختم عليه المشايخ
والوجاقات وكتبوا فيه انه باع غلال الحرمين وغلال الانبار وباع من غلال الدشائش
والخواسك ثمانية وعشرين الف اردب وختم عليه القاضي ايضا وارسله صحبة ستة انفار من
الوجاقلية في غرة الحجة سنة 1137
ولما فعل ذلك اقام محمد بك الدفتردار ابن استاذه قائمقام
فصار يعمل الدواوين في منزله ولم يطلع الى القلعة الا في يوم نزول الجامكية
ولما فعل جركس ذلك صفا له الوقت وعزل مملوكه محمد اغا
الوالي وقلده الصنجقية وسماه جركس الصغير والبس على اغا مملوكه ابن اخي قاسم بك
الصغير
صنجقية عمه واعطاه بلاده
وماله وجواره وقلد على المحرمجي مملوكه الصنجقية ايضا وكذلك احمد الخازندار مملوك
احمد بك الاعسر وسليمان اغا جميزة تابع احمد اغا الوكيل صناجق البسهم الجميع
قائمقام في بيته
ولم يتفق نظير ذلك وحضر جن علي باشا وطلع الى القلعة فلم
يقابله جركس الا في قصر الحلي وكمل له من الامراء ثلاثة عشر صنجقا واستولوا على جميع
المناصب والكشوفيات
ولما تأمر ذو الفقار بعد قتل اسمعيل بك انضم اليه كثير
من الفقارية وسافر الى المنوفية فاراد ان يجرد عليه وطلب من الباشا فرمانا بذاك
فامتنع فتغير خاطره من الباشا واستوحش كل من الآخر وحصل ما تقدم ذكره من عزل
الباشا ثم جرد علي ذي الفقار فاختفى ذو الفقار وتغيب بمصر الى ان حضر علي باشا
والي جريد واستقر بالقلعة ودبروا في ظهور ذي الفقار كما تقدم في خبر محمد باشا
وخرج محمد بك جركس هاربا من مصر فنهبوا بيته وبيوت
اتباعه وعشيرته فاخرجوا من بيته شيئا لا يحد ولا يوصف حتى انه وجد به من صنف
الحديد اكثر من الف قنطار ومن الغنم ازيد من الالف خروف
وبعدما احاطوا بما فيه من المواشي والامتعة ونهبوها
هدموه واخذوا اخشابه وشبابيكه وابوابه
ولم يمض ذلك النهار حتى خرب عن آخره
ولم يبق به مكان قائم الاركان وقد اقام يعمر فيه نحو
اربع سنوات فخرب جميعه من الظهر الى قبيل المغرب
وقتلوا كل من وجدوه من اتباعه واختفى منهم من اختفى ومن
ظهر بعد ذلك قتلوه ايضا ونهبوا دياره
واخرج خلفه ذو الفقار تجريدة فلم يدركوه وذهب من خلف
الجبل الاخضر الى درنه فصادف مركبا من مراكب الافرنج فنزل فيها مع بعض مماليكه
وتفرق من كان معه من الامراء بالبلاد القبلية وسافر المترجم الى بلاد الافرنج
فاكرموه وتشفعوا فيه عند العثماني بواسطة الالجي فقبلوا شفاعتهم فيه واخذوا له
مرسوما بالعودة الى مصر
واخذها ان قدر على ذلك بعد ان عرضوا عليه الولاية والباشوية ببعض الممالك فلم يقبل
ولم يرض الا بالعودة الى مصر فوصل الى مالطة وانشأ له
سفينة وشحنها بالجبخانة والآلات والمدافع ورجع الى درنة فطلع من هناك وامر الرؤساء
بالذهاب بالسفينة الى ثغر اسكندرية
وحضر اليه بعض امرائه واتباعه المتفرقين فركب معهم وذهب
الى ناحية البحيرة فصادف حسين بك الخشاب فهرب من وجهه فنهب حملته وخيامه وذهب الى
الاسكندرية وكانت سفينته قد وصلت فاخذ ما فيها من المتاع والجبخانة والآلات ورجع
الى قبلي على حوش ابن عيسى واجتمع عليه الكثير من العربان وسار الى الفيوم فهجم
على دار السعادة وهربت الصيارف فاخذ ما وجده من المال ونزل على بني سويف وكان هناك
علي بك المعروف بالوزير فنزل اليه وقابله ثم سار الى القطيعة بالقرب من جرجا ثم
عرجا جهة الغرب قبلي جرجا وارسل الى سليمان بك وطلبه للحضور اليه بمن عنده من القاسمية
فعدى اليه سليمان بك ومن معه وقابله واطلعه على ما بيده من المرسوم والامان والعفو
وحضر اليه احمد بك الاعسر وجركس الصغير فركب بصحبة
الجميع وانحدر الى جهة بحري فتعرض لهم حسن بك والسدادرة وعسكر جرجا وحاربوهم فقتل
حسن بك وطائفته ولم ينج منهم الا من دخل تحت بيارق العسكر
ونزل جركس بصيوان حسن بك وانزلوا مطابخهم وعازقهم في
المراكب وسار بمن معه طالبين مصر ووصلت اخبارهم الى ذي الفقار بك فعمل جمعية واخذ
فرمانا بسفر تجريدة وأميرها عثمان بك تابع ذي الفقار وعلي بك قطامش وعساكر اسباهية
وغيرهم فقضوا اشغالهم وعدوا الى ام خنان وصحبتهم الخبيري
وساروا الى وادي البهنسا فتلاقوا مع محمد بك جركس
فتحاربوا معه يوما وليلة وكان مع جركس طائفة من الزيدية والهوارة وعرب نصف
حرام فكانت الهزيمة على
التجريدة واستولى محمد جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وقتل منهم نحو مائة وسبعين
جنديا وحال بينهم الليل ورجع المهزومون لمصر وقالوا لذي الفقار بك ان لم تتداركوا
امركم والا دخلوا عليكم البيوت
فجمع ذو الفقار بك الامراء واتفقوا على تشهيل تجريدة
اخرى واحتاجوا الى مصروف فطلبوا من الباشا فرمانا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري او
من مال البهار على السنة القابلة فامتنع الباشا فركبوا عليه وعزلوه وانزلوه ولبسوا
محمد بك قطامش قائمقام واخذوا منه فرمانا وجهزوا امر التجريدة فاخرجوا فيها مدافع
كبار واحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش القازدغلي بجماعة جهة
البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب ورتبوا امورهم واشغالهم ووصل جركس ومن
معه ناحية دهشور والمنشية ووقعت بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس وقتل سليمان بك
ونزلت القرابة المراكب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين
وسار عثمان جاويش القازدغلي خلف قرا مصطفى جاويش ليلا
ونهارا حتى ادركه عند ابي جرج فقبض عليه ومعه ثلاثة واخذ ما وجده معه وانزلهم في
المركب واتى بهم الى مصر وقطعوا رؤوسهم وارسلوا فرمانا برجوع التجريدة ولحوق
الصنجقيين وأغات البلك والاسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه
فسافروا خلفه اياما ثم عدى الى جهة الشرق ومعه عرب خويلد
واقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر وكانوا عدوا معه سرا على قتل ذي الفقار بك
فعدى اليه علي بك قطامش والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة
انجلت عن انهزام جركس ومن معه حتى القوا بأنفسهم في البحر
وأما جركس فانه خلع لجام الحصان واراد ان يعدي به بمفرده
الى البر الاخر فانغرز الحصان في روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه
فزلقت رجله وغرق
بجانبه وكان بالقرب منه شادوف
وعليه رجلان من الفلاحين ينقلان الماء الى المزرعة فنزلا اليه فوجدا الحصان ميتا
وهو غاطس بجانبه ولم يعلما من هو فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه وثيابه وما في
جيوبه ودفناه بالجزيرة
ومر بهما قارب صياد فطلباه ووضعاه فيه وكان علي بك جالسا
بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب فنظر سالم الى القارب وهو مقبل فقال ما هذا الا سمكة
عظيمة واصلة الينا فأوقفوا القارب في ناحية من البر وتقدم أحد الشدافين الى الصنجق
وباس يده فقال له ما خبرك قال وجدنا جنديا من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من
المطلوبين والا رميناه البحر فلما رآه عرفه ورجع الى الصنجق فأمر باخراجه من
القارب ووضع احد الرجلين في الحديد وقال للثاني اذهب فآت بكامل ما أخذتماه وانا
أطلق لك رفيقك وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه ودفنوه ناحية شرونة وارتحلوا وساروا
الى مصر
وكان القاسمية الذين بمصر فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار
بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة
مقفلة وعلى كل باب أمير من الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الاسلحة
فلما وصل علي بك قطامش الى الآثار النبوية وأرسل عرفهم
بما حصل خرج اليه عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس امامهم محمولة في صينية فكان
ذلك اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية
فطلعوا بالرأس الى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع
السمور ونزلوا الى منازلهم وأتتهم التقادم والهدايا فكان بين موت جركس وذي الفقار
خمسة ايام ولم يشعر أحدهما بموت الآخر
ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم الوفا
وبهذه الحوادث انقطعت دولة القاسمية والسبب في دمارهم
محمد بك جركس المترجم وابن استاذه محمد بك بن أبي شنب وسوء أفعالهما وخبث
نياتهما فان جركس هذا كان من
أظلم خلق الله واتباعه كذلك وخصوصا سراجه المعروف بالصيفي وطائفته وكانت ايامه شر
الايام وحصل منهم من انواع الفساد والافساد مالا يمكن ضبطه وكان موته في اواخر
رمضان سنة 1142
ومات الامير علي بك المعروف بالهندي وهو مملوك احمد بك
تابع أيواظ بك الكبير جرجي الجنس تقلد الامارة والصنجقية بالديار الرومية وذلك انه
لما قلد اسمعيل بك بن ايواظ استاذ احمد بك الصنجقية والامارة على السفر الى بلاد مورة
في سنة 1127 عوضا عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه فلما توجهوا الى هناك
وتلاقوا في مصاف الحرب هجم المصريون على طابور العدو بعد انهزام الروميين فكسروا
الطابور وانهزم العدو واستشهد احمد بك امير العسكر المصري
فلما رجعوا الى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال الدولة
فانعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية استاذه احمد بك واعطوه مرسوما بنظر الخاصكية
قيد حياته زيادة على ذلك ورجع الى مصر ولم يزل معدودا في الامراء الكبار مدة دولة
اسمعيل بك ابن سيد استاذه حتى قتل اسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك
الارمني المعروف بأبي العدبات فدافع عنهما محمد باشا وقال إن الهندي منظور مولانا
السلطان والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا فاستمروا في
إمارتهما فلما استوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية المنوفية هرب
وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فاخفاه عنده خمسة وستين يوما ثم
انتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس واتباعه يتجسسون ويفحصون عليه
ليلا ونهارا وعزل جركس محمد باشا وحضر علي باشا ودبروا أمر وظهور ذي الفقار مع
عثمان كتخدا القاذرغلي
واحضروا اليهم المترجم وصدروه
لذلك وأعانوه بالمال وفتح بيته وجمع اليه الايواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا
امرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم
وظهر امر ذي الفقار وتلقد علي بك الهندي الدفتردارية
بموجب الشرط المتقدم وحضر محمد بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين
بتقليد الدفتردارية من الدولة فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه
الى ذي الفقار بك والح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني الى ان حضر
المملوك الواشي واخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن ايواظ وأبي العدب ومن معهم وذكر
له ما قالوه في حال نشوتهم فلم يتغافل عن ذلك وقال لذلك المملوك اذهب الى ذي
الفقار بك فأخبره
فذهب اليه فعرفه صورة الحال فأوقع بهم ما تقدم ذكره من
قتلهم بيد الباشا وكان يظن مصافاة ذي الفقار له ويعتقد مراعاة حقه له وبهذه النكتة
صار علي بك وحيدا فطمع فيه العدو واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه
امر الدفتردارية وعدم نزول علي بك عنها وقال لا بد من قتلي اياه فقال له ذو الفقار
لا ادخل معك في دمه فان له في عنقي جميلا فان كنت ولا بد فاعلا فاذهب الى يوسف
كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد ولكن ان
قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه
فقال محمد قطامش ان ابن الجزار له في عنقي جميل فانه صان
بيتي وحريمي في غيابي كوالده من قبل فقال ذو الفقار بك وانا كذلك اقمت في الاختفاء
بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه
وانحط الامر بينهم على الخيانة والغدر وذهب محمد بك
فاجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك
فاحضر يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل
الهندي ووعده بالاكرام فأخذ معه في صحبها خمسة انفار ووقف
بهم عند باب االعزب
فلما اقبل علي بك في طائفته ابتكر ذلك السراج مشاجرة مع
بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم اما تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبنجة
وضربها في صدر الصنجق علي بك جواده الى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب الى
داره بحارة عابدين وحضر اليه طوائفه واغراضه واصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا
تلك الليلة وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب معه الى جامع
السلطان حسن وحضر عندهم رضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي
وباقي الأغوات فارسلوا من طرفهم جاسوسا الى بيت الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده فقال
رضوان اغا انا أذهب اليه واحضره بحيلة الى بيت ذي الفقار بك ويأتي اغات مستحفظان
فيأخذه اليكم
فركب رضوان اغا وارسلوا الى ذي الفقار بك وقانصوه أتى
عندهم ايضا
فلما دخل رضوان اغا على علي بك الهندي وده شعلة نار فجلس
معه وحادثه وخادعه وقال له بلغني ان ذو الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوما وبينك
وبينه عهد وميثاق فقم بنا الى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم
منه ودع الجماعة ينتظرونا الى ان نعود اليهم
فطلب الحصان فاشار عليه علي كتخدا الجلفي بعدم الذهاب
فلم يسمع وركب في قلة من اتباعه وصحبته مملوكان فقط وذهب مع رضوان اغا فدخل معه
بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي اليه بذي الفقار بك ذهب اليهم وعرفهم حصوله في
بيت ذي الفقار
فارسلوا اليه اغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت
ذي الفقار بك واخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له اكديشا عريانا فقام عثمان
تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز واخذ كليما قديما فوق الاكديش وميل عليه وقال له هذا
جزاء من يقص جناحه بيده
واركبوه عليه وذهبوا به الى السلطان حسن
فلما رآه ذو الفقار بك قال
خذوا هذا ايضا واشار الى ذي الفقار قانصوه وكان رجلا وجيها ولحيته بيضاء عظيمة
وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على اقدامهما الى سبيل المؤمن وقطعوا رؤوسهما
ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما الى بيوتهما فما شعر الجماعة الجالسون في بيت
الهندي الا وهم داخلون عليهم برمته فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا الى
منازلهم وانفض الجميع
وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا الى القلعة وتمموا
اغراضهم
وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة
النفس وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بامر سلطاني قيد
حياته
فلما ترأس محمد بك جركس وابن استاذه محمد بك ابن ابي شنب
الدفتردارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية
والبسه محمد باشا قفطانا بذلك فلم يمتثل محمد بك ابن ابي شنب ولم يمكنه منها فورد بعد
ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطانا وبعث الى محمد بك يطلب منه
المفاتيح فوعده بذلك
ثم احضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية
فاعطاها الى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي ومن كل بلك واحد وفتحوا
الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فاخذ حجة بذلك
وكان موت المترجم في اوائل سنة 1140
ومات الامير ذو الفقار بك قانصوه وهو تابع قانصوه بك
الكبير الايواظي القاسمي تقلد الامارة والصنجقية في سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة
مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف والبحيرة
ولما حصلت الحوادث وقتل اسمعيل بك ابن ايواظ اعتكف في
بيته ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الامور فلما تعصب ذو الفقار بك ومحمد
بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي واخماد فرقة القاسمية عزم على قتل ذي
الفقار قانصوه ايضا وارسل اليه واحضره الى جامع السلطان حسن
وهو لم يخطر بباله انهم
يغدرونه لأنجماعه عنهم
فلما احضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه
الى القتل فقال ذو الفقار بك خذوا هذا ايضا واشار الى المترجم لحزازة قديمة بينهما
او لعلمه بانه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم
فقال لهم وما ذنبي خذوا عني الامرية والبلاد ولا تقتلوني
ظلما
فلم يمهلوه ولم يسمعوا لقوله فسحبوه ماشيا مع الهندي
وقتلوهما تحت سبيل المؤمن بالرميلة وكان انسانا عظيما وجيها منور الشبيبة عظيم
اللحية رحمه الله تعالى
ومات الامير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الامارة
والصنجقية في شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر
ولما قتل علي بك الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في
كشوفية المنوفية فعينوا له تجريدة وعليها اسمعيل بك قيطاس واخذ صحبته عربان نصف
سعد وكان قد وصل اليه الخبر فاخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل الى جسر سديمة
فلحقوه هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم
اجناد وعرب وحمى نفسه الى الليل
ثم احضر مركبا فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش
واخراج وذهب الى رشيد وترك اربعة وعشرين مملوكا خلاف المقتولين
فاخذوا الهجن وساروا ليلا متحيرين حتى جاوزوا وطاق
اسمعيل بك
وتخلف منهم شخص فحضر الى وطاق اسمعيل بك قيطاس فاخبره
فارتحل كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فخدموه الى ان مات
ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة فنمي خبره
الى حسين جربجي الخشاب السردار فحضر اليه وقبض عليه وسجنه مع احد المملوكين وكان
الثاني غائبا بالسوق فتغيب ولم يظهر الا بعد مدة وارخى لجنة وفتح له دكانا يبيع ويشتري
ولم يعرفه احد
وارسل حسين جربجي الخبر الى مصر مع الساعي الى ذي الفقار
بك ويستأذن في امره بشرط ان يجعلوه صنجقا
ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة
1140
فأجيب الى ذلك وارسلوا له فرمانا بقتل محمد بك الجزار
وقتل مملوكه وان يأتي هو الى مصر ويعطوه مراده ومطلوبه
ومع الفرمان اغا معين من طرف الباشا فقتلوا محمد بك ومعه
مملوكه وسلخوا رؤوسهما
ورجع بهما الاغا المعين الى مصر
ومات الامير محمد بك ابن ابراهيم بك ابي شنب القاسمي
وتقلد الامارة والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده انتقل الى
بيته الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع وتولى عدة كشوفيات
بالاقاليم في ايام المرحوم اسمعيل بك ابن ايواظ
وكان يحقده ويحسده ويكرهه باطنا هو ومماليك ابيه وخصوصا
محمد بك جركس
وارادوا اغتياله واوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه
الله منهم فظفر بهم واخرج جركس منفيا الى قبرص كما تقدم وسافر محمد بك المترجم
بالخزينة فاغرى به رجال الدولة واوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره وايده الله عليهم
ايضا في تلك المرة
ولما قتل اسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم
دفتردار وصار اميرا كبيرا يشار اليه ويرجع اليه في جميع الامور ولما عزلوا محمد باشا
النشنجي تقلد المترجم ايضا قائمقام وعمل الدواوين في بيته ولم يطلع الى القلعة
كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والامريات في منزله وصار كأنه سلطان
وكان على نسق مملوك ابيه محمد جركس في العسف وسوء
التدبير ولا يخرج احدهما عن مراد الآخر
ولم يزل على ذلك حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار وخرج
محمد بك جركس ومن معه هاربين واختفى المترجم
ثم ان جماعة من العامة وجدوه ميتا بالجامع الازهر
ومات ايضا عمر بك امير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا
المتقدم ذكره انطوى الى محمد بك جركس وامره وجعله امير الحاج في ايامه
وكان غنيا وصاحب فائظ كثير
ومات في واقعة جركس
ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له
رضوان الخازندار قلده الصنجقية واخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها له
وتنافس بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة
طويلة
ولما وقع لجركس ما وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف
بك زوج هانم فاخبر عنه واخذه سليمان اغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن
ومات الامير علي بك المعروف بالارمني ويعرف ايضا بالشامي
وهو من اتباع ابن ايواظ وكان امين العنبر ويعرف ايضا بابي العدب تقلد الصنجقية في
عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما اراد اسمعيل بك تأميره لم يجدوا له امرية في
المحلول
فانعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن ايواظ
ومات ايضا مصطفى بك ابن ايواظ وهو اخو اسمعيل بك تقلد
الامارة والصنجقية ايام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الامراء القاسمية المعدودين
فلما احضر الباشا علي بك الارمني وقتله وامر بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى
بك المذكور واحضروه على حمار وصحبته المقدم تابعه فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد
قتل علي بك بيومين
ومات الامير صاري علي بك ويقال له علي بك الاصغر لان
صاري بمعنى الاصغر وهو من اتباع ايواظ بك تقلد الامارة والصنجقية غاية شعبان سنة
1135 ولبس كشوفية الغربية ولما قتل ابن استاذه اسمعيل بك استعفى من الصنجقية وعمل
جربجيا بباب العزب واعتكف ببيته ولم يتداخل في امر من الامور ثم اعيد وسافر اميرا
بالعسكر الى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 1141
ومات الامير احمد كتخدا عزبان المعروف بامين البحرين
وكان من
الاعيان المشهورين نافذ
الكلمة وافر الحرمة
وكان بينه وبين الامير اسمعيل بك ابن ايواظ وحشة وكان
يكرههه فلما ظهر اسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم انضم الى اسمعيل
بك وتحابب له وصار من اكبر اصدقائه
وعمل باش اوده باشه ثم تولى الكتخدائية وعمل امين
البحرين ثالث مرة
وسمعت كلمته ونمي صيته فلما قتل اسمعيل بك رجع الى خموله
ثم نفي الى ابي قير بمعرفة اختيارية الباب وتعصب ابراهيم
كتخدا افندي عليه وكان اذ ذاك ضعيف المزاج فارسلوا له الفرمان صحبة كمشك جاويش
ومعه نحو المائتين نفر فدخلوا عليه منزله بدرب السادات مطل على بركة الفيل على حين
غفلة واركبوه من ساعته وهم حوله الى بولاق وارسلوه الى ابي قير
ثم ارسلوا له فرمانا بالسفر الى سفر العجم مع صاري علي
وجعلوه سردار العزب ومع الفرمان القفطان وفيه الامر له بان يجهز نفسه ويسافر من
ابي قير الى الاسكندرية
توفي في سنة 1141
ومات الامير علي قاسم وهو ابن اخي قاسم بك الصغير ويلقب
بالملفق ولما مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية
عوضا عن قاسم بك ونزل في منصبه واعطاه فائظه
ولم يزل اميرا حتى خرج محمد بك جركس من مصر هاربا وخرج
معه من خرج واختفى المترجم فمين اختفى ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات
به
ومات الامير رجب كتخدا سليمان الاقواسي وذلك انه لما
انقضى امر جركس قلدوا رجب كتخدا سردار جداوي وجعلوا الاقواسي يمق وجهزوا امورهما
واحمالهما وخرجا الى البركة ليذهبا الى السويس فخرج اليهما صنجق من الامراء وصحبته
جاويش من الباب فاتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما
وسلماه لبيت المال بالباب
ومات الامير احمد افندي كاتب الروزنامة
ابن محمد افندي التذكرجي خنقة محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي الفقار بك
ولما خرج جركس من مصر هاربا خرج معه الى وردان وكان جسيما فانقطع مع بعض المنقطعين
واخذت ثيابهم العرب وقبضوا على من قبضوا عليه وفيهم احمد افندي الروزنامجي واتوا
بهم الى مصطفى تابع رضوان اغا وكان في الطرانة قائمقام
فاخذهم وقتل منهم اناسا وارسل رؤوسهم وارسل احمد افندي
بالحياة فحضرواا به الى بيت الدفتردار وهو راكب على ظهر حمار سوقي فارسله علي بك
الهندي الدفتردار الي ذي الفقار لم يلتفت اليه ولم يخاطبه وارسله الى الباشا فمثل
بين يديه وكان يوم ديوان وذلك بعد الواقعة بخمسة ايام فارسله الباشا الى كتخداه
فبات عنده تلك الليلة ثم ارسله الى كتخدا مستحفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك
الليلة وانزلوه الى بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه
ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض وضبط موجودة
الفي كيس ولم يعقب اولادا الا اولاد سيده وزوجته بنت استاذه واوصى لشخص يقال له عمر
اغا بثلاثين كيسا ولآخر بالفي دينار ولآخر بالف ولكل مملوك من مماليكه الف دينار
ولمجاوري الازهر خمسمائة دينار
توفي في عشرين رمضان سنة 1138
ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشنجي بعد
خروج محمد بك جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه وهو الذي ينسب اليه الجدد
الداودية
وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية امين
ضربخانة وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وان يكون
عياره ثلاثة وعشرين قيراطا وصرف الفندقلي مائة واربعة وثلاثون نصفا والنصف سبعة
وستون فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة الجنزرلي واعطاه سكة الفندقلي وختم
على سكة الجنزرلي في كيس
واودعها في خزانة الديوان
وعندما سمع داود بهذه الاخبار قبل حضورهم الى مصر تدارك
امره وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين الف دينار
فلما قرىء المرسوم بالديوان قالوا سمعنا واطعنا في امر
السكة واما صاحب عيار فان لا يتغير فقال الباشا كذلك لكن يكون الاغا ناظرا على
الضربخانة لاجل اجراء المرسوم وتم الامر على ذلك
فلما عزل الباشا اجتمع الموردون للذههب عند المعلم داود
وكلموه في اخراج سكة الجنزرلي لانهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب
وتعطل الشغل فرشا قائمقام واخرج له سكة الجنزرلي وسلمها
لداود فاخذها الى داره بالجيزة وعمل له فرمانا للذهب واحضر الصناع والذهب من
التجار وضرب في ستين يوما وليلة تسعمائة وثمانين الف جنزرلي ونقص من عياره قيراطا
ودفع المصلحة وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب
فصارت الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة
انصاف فضة فنقمها محمد باشا على داود فلما عاد الى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار
قبض عليه وقتله وذلك في اواخر جمادي الاخرة سنة 1138
ومات الامير احمد بك الاعسر وهو من مماليك ابراهيم بك
ابي شنب القاسمي تقلد الامارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل
جرجا والبحيرة والدفتردارية وعزل عنها وهو خشداش جركس وعضده وخرج معه من مصر ولما
ذهب جركس الى بلاد الافرنج تخلف عنه واقام عند العرب ونزل عند ابن غازي بناحية
درنه
فلما وصل الحاج المغربي ارسل معهم ثلاثة من مماليكه
وارسل معهم مكاتيب ومفاتيح الى ولده وذكر له انه يتوجه الى رجل سماه له
فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها اعلم القبطان سردار
مستحفظان فقبض عليهم
وارسل بخبرهم الى باب
مستحفظان فاخبروا الباشا فاحضروا الى الشرطة وامره باحضار ابن احمد بك الاعسر
فاحضره فامر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه فاقر بان المال عند ابن درويش المزين
وهو كان مزين ابراهيم بك ابي شنب فارسلوا اليه وهجموا عليه ليلا وأخذوا كل ما في
داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للاعسر ثم نفوا بعد ذلك ابن احمد بك الى دمياط ولم
يزل احمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة
جركس وخشداشينه حتى رجع اليهم جركس وخرجت اليهم التجاريد وقتل في الحرب سنة 1142
ومات الامير مصطفى بك الدمياطي قلده الصنجقية ذو الفقار
بك بعد هروب محمد بك جركس وولاه جرجا وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل الى جرجا
وكان بها سليمان بك القاسمي عدى سليمان بك الى البر الشرقي تجاهه وصار كل يوم بعمل
نشانا ويضرب الجرة فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان غالب اتباع مصطفى بك
وطوائفه قاسمية من اتباع المقتولين فراسلهم سليمان بك وراسلوه سرا ثم اتفقوا على
قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلا واخذوا خزانته وما امكنهم من متاعه وعدوا الى
سليمان بك وانضموا اليه
فلما اصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولا فغسلوه
وكفنوه ودفنوه
وكتب كتخداه بذلك الى ذي الفقار بك فلما وصل اليه الجواب
ارسل اليه بالحضور بمخلفاته ومماليكه المشتروات ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من اتباعه
الصنجقية وولاية جرجا فارسل قائمقامه ثم جهز اموره ونزل الى منصبه
ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفا وذلك انه لما رجع
محمد بك جركس وسار الى ناحية القطيعة ثم انتقل الى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل الى
المتجرم يطلب للحضور اليه بمن معه من القاسمية فعدى اليه
بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى
اوده باشا فقابلوه وارتحل معهم الى بحري فبرز اليهم حسن بك وقتل كما ذكر واستولى
جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه وارتحل جركس ومن معه الى بحري وخرجت اليهم
التجاريد واميرها عثمان بك وعلي بك قطامش فتلاقوا معهم بوادي البهنسا ووقعت بينهم
الحروب
وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم وانجلت الحرب عن
هزيمة المصريين واستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل جركس في وطاق عثمان بك
وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع المنهزمون الى مصر وزحف جركس ومن معة
الىناحية دهشور وخرجت لهم التجريدة ونصبوا تجاههم فاصبح سليمان بك وتهيأ للركوب
والمحاربة فمنعه جركس وقال له هدا اليوم ليس لنا فيه حظ
فقال له كيف اصبر على القعاد والراية البيضاء امامي ثم
ركب وهجم على التجريدة وقتل اناسا كثيرا وشتتهم وانحازوا خلف المتاريس وردوه
بالمدافع وبرزوا اليهه مرتين وهزمهم وفي الثالثة اصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط
الى الارض فتحلقت به طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي اليه بمركوب آخر وتابع
الاخصام الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف فأصيب هو
والطائفة فوقعا
فهجم عليه سالم بن حبيب واخذوهما الى الصيوان وقطعوا
دماغهما ودفنوهما عند الشيمي فلما وقع لسليمان بك ما وقع ارتحل جركس وسار نحو
الجبل
ومات قرا مصطفى جاويش وكان اوده باشا فلبسه جركس الضلمة
في ايام رجب كتخدا مستحفظان سابقا ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عمائد الباب من
الوجه القبلي فوقع بمصر ما وقع ممن حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسي فالتجأ الى
سليمان بك المذكور وعدى صحبة الشرق فلما وقعت الحروب وقتل سليمان بك اجتمع اليه
الطوائف
العرابة ونزل بهم المراكب
وساروا الى قبلي فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلا ونهارا حتى لحقه وهو راسي تحت
ابي جرج وكانت الاجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم القومانية
فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان جاويش ما وجده في
المراكب وحضر الى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور ومن معه
ومات الامير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر اغا من
اتباع بلغية قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة
لما طلع الامير اسمعيل بك اثر ذلك باب العزب وقتل حسن
كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر اغا المذكور فقتلوه عند باب القلعة وامر بقتل المترجم
ايضا وكان اذ ذاك خازنداره فالتجا الى علي خازندار حسن كتخدا الجلفي وكان من بدله فحماه
وخاصم استاذه من اجله وخلص له نصف قمن العروس وكانت لاستاذه فاخرج له تقسيطها واخذ
النصف الثاني اسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن كتخدا الجلفي
فانطوى المترجم الى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظة من اسمعيل بك وكلمة
بسببه مرارا فلم ينجع
وكلما خاطبه في امره قطب وجهه وقال له اما يكفيك اني
تاركه حياء لاجل خاطرك فان اردت قبول شفاعتك فيه اطرد الصيفي من بيتك وارسل الي
بعد ذلك المذكور يحاسبني واعطيه الذي له فيسكت جركس وضاق الحال بالمترجم من الفشل
والاعدام فاستأذن جركس في غدر ابن ايواظ فقال افعل ما تريد فوقف له مع نظرائه
بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس واخرج من مصر
ونفي الى قبرص كما تقدم وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع جركس وظهر امره ثانيا وعاد
الى طلب فائظة والالحاح على جركس بذلك وهو يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له
الى ان ضاق خناقه وعاد الى
حالة الغدر الاولى وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن ايواظ بمجلس كتخدا
الباشا وكان اذ ذاك من آحاد الاجناد ولم يتقدم له امارة ولا منصب فعندها قلده
الصنجقية وكشوفية المنوفية واخذ من فائظ اسمعيل بك عشرين كيسا وانضم اليه الكثير
من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية وحضر رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند
جركس وتذاكروا امر ذي الفقار وانهم نظروه وهو خارج بالموكب الى كشوفية المنوفية
ومعة عصبة الفقارية وامراؤهم راكبين فىموكبه مثل مصطفى بك بليغة ومحمد بك امير
الحاج واسمعيل بك الدالى وقيطاس بك الاعور واسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وغيرهم
وقالا له ان غفلنا عن هدا الحال قتلتنا الفقاريه فحركا فيه حمية الجاهلية وقتلا
اصلان وقيلان بيد الصيفى وطلب من محمد باشا فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع
الباشا من ذلك وقال رجل خاطر بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف اعطيكم فرمانا
بقتله
فتحامل جركس على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن استاذه
قائمقام واخذ منه فرمانا وجهز التجريدة الى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه
الى ذي الفقار يخبره بما حصل ويأمره بالاختفاء ففعل ذلك وحضر الى مصر واختفى احمد
أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين وحصل له ما تقدم
ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الايواظية والفقارية وظهور ذي الفقار ووقوع
الحرب بينهم وبين محمد بك جركس وخروجه من مصر وذهابه الى بلاد الافرنج ورجوعه
وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد اليه وهزمها وزحفه على مصر
وقد كان اوقع بالايواظية في غيبة جركس ما أوقعه من القتل
والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من ارض مصر راسل القاسمية سرا ومنهم سليمان اغا
ابو دفية وهم اذ ذاك خاملون ومتغيبون
ومختفون وذو الفقار بك يخص
عنهم ويأمر الوالي والاغا والاوده باشة البوابة بالتجسس والتفتيش على كل من كان من
القاسمية وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور
وقرب ركاب جركس من مصر بعد ما كسر التجاريد وعدى الى جهة
الشرق واشتد الكرب بذي الفقار واجتهد في تحصين المدينة واجلس امراءه وصناجقه على
الابواب وفي النواحي والجهات ولازم ارباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصا
بالليل وفتائل البندق مشعلة بالنار في الازقة والشوارع والقاسمية منتظرون الفرصة
والوثوب من داخل البلدة
فلما تراسل جركس سليمان أغا أباد فيه الوثوب واعمال
الحيلة على قتل ذي الفقار بك باي وجه أمكن توافقوا فيما بينهم على وقت معين واجتمع
ابو دفية وخليل اغا تابع محمد بك قطامش وجمعوا اليم ثلاثين أود باشا من القاسمية
وأعطاهم الفا ومائتي جنزرلي وان يضم كل واحد منهم اليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين
جة باب الخرق وجامع الحين وقت آذان العشاء وجمع الي خليل أغا نحو سبعين نفرا من القاسمية
ولبسوا كملابس أتباع أود باشة البوابة ومن داخل ثيابم الاسلحة وبايديم النبابيت
ولبس خليل اغا هيئة الاودة باشا وزيه وكان شبيا به في
الصورة وأخذوا معم سليمان اغا ابادفية وو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا الى
بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهم يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالسا
بالمقعد ومع الحاج قاسم الشرايبي وآخرون وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء
فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال اين هو فقال خليل أغا ها هو وكشفوا رأسه
فاراد ان يكلمه ويوبخه فاطلق ابو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة
ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد
الى الحوش ونزلوا على
الفور فوجدوا سراجه المسمى
بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه ايضا وهو داخل
يظنوه مصطفى بك بلغيه واذا بعلي الخازندار يقول باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا
السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية الى
آخر الدهر
ولم يقم لهم بعدها قائم ابدا فانهم لما سمعوا قول
الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم
فذهب ابو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل اغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت
ايواظ الذي هو مختفي فيه وأربعة من اعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الازهر واما
الجماعة المجتمعون بباب الخرق في انتظار اذان العشاء فما يشعرون الا بالكرشة في الناس
فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله انه اجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم
محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية ولكن لم يرد الله بذلك
ثم ان علي الخازندار ارسل الى مصطفى بك بلغيه فحضر اليه بجمعه
واذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر اليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك
وجاهة عندهم فحبسوه الى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا
البركاوي وعلي كتخدا الجلفي ومحمد بك قطامش وخليل افندي جراكسة فغروا على
الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش دم الصنجق عندك فان القاتل لاستاذنا
مملوكك خليل اغا فقال انا طارده من يوم عزل من اغاوية العزب ووقت ما تجدوه اقتلوه
ثم احضروا ذلك السراج بين ايديهم وسأله عثمان جاويش فعرفه انه ينكجري فارسلوه الى
الباب ليقرروه على اسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى
المؤمنين ودفنوه بالقرافة وطلعوا الى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا ايضا صالح
كاشف تابع محمد بك قطامش
وعزلوا محمد بك من امارة الحج باستعفائه لعدم قدرته
وارسلوا الى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت
استاذه وسكن علي بك في بيت محمد اغا تابع اسمعيل باشا في الشيخ الظلام وتزوج بزوجة
سيده بعد ذلك وقطعوا فرمانا في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية
ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد
موت ذي الفقار بك بخمسة ايام
وانقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى
افنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في اواخر شهر رمضان سنة 1142 وكان الامير ذو
الفقار بك اميرا جليلا شجاعا بطلا مهيبا كريم الاخلاق مع قلة ايراده وعدم ظلمه
وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الامراء والاعيان والوجاقات ويرسل
لاهل العلم بالازهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالازهر ومن
انشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها
ومات الامير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك وتزوج بها
بعد موت عبد الله بك واصل يوسف بك من مماليك ايواظ بك وقلده الامارة والصنجقية
اسمعيل بك وعرف بالخائن لانه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس اخبر عنه وخفر
ذمة نفسه وسلمه اليهم فقتلوه فسماه اهل مصر الخائن
ولما حصل ما تقدم ذكره من قصة اجتماعهم وحديثهم في حال
نشوتهم بمنزل علي بك الارمني ونقل عنهم المملوك مجلسهم الى علي بك الهندي وارسله
علي بك الى الامير ذي الفقار والباشا فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الارمني
ومصطفى بك ابن ايواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة ولم يزل في اختفائه الى ان حضر
رجل عطار الى اغات مستحفظان واخبره عن رجل من الفقهاء يأتي الى الجزار
بجواره ويأخذ منه كل يوم
زيادة عن عشرة أرطال من اللحم الضاني وكان من عادته ان لا يأخذ سوى رطلين ونصف في
يومين ولا بد لذلك من سبب بان يكون عنده اناس من المطلوبين فركب الاغا والوالي الى
ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع ومعالق وليس بالبيت فراش
ولا متاع فطلعوا الى أعلى المكان ونزلوا أسفله فلم يجدوا شيئا فنزل الاغا وهو يشتم
العطار واراد ضربه واذا بشخص من الاجناد اراد ان يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس
انسان في مكان متسفل مظلم فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى الى داخل فاخبر
الاغا فأوقدوا الطلق واذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق
فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق الى اسفل فوجدوا يوسف بك المترجم ومعه شخصان
فقبضوا عليهم وانعم الاغا علي العطار وأخذهم الى الباشا فارسلهم الى عثمان بك ذي
الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد
ومات كل من الامير محمد بك جركس الصغير واخ محمد بك
الكبير وذلك انه لما انقضى امرمحمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا الى مصر متنكرين
واختفيا في بيت رجل من اتباعهما بخطة القبر الطويل ومعهما مملوكان
فاخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد واتى الى اغات
الينكجرية فاخبره فارسل الاغا والوالي والاوده باشا وحضروا اليهم فرموا عليهم
بالرصاص من الجانبين وكامنوهم الى الليل وحضر علي بك ومصطفى بك بلغيه فنقب عليهم مصطفى
بك من بيت الى بيت حتى وصل اليهم واوقد نارا من اسفل المكان الذي هم فيه فاحسوا
بذلك فقرأ احد المملوكين وهرب وقتل الثاني برصاصة وقبضوا على الاثنين وقتلوهما
ودفنوهما
ومات الامير خليل اغا تابع محمد بك قطامش اغات العزب
سابقا وهو
الذي انتدب العمل المتصف
المتقدم ذكره وتزيا بزي اوده باشا البوابة ودخل الى بيت الامير ذي الفقار وقت اذان
العشاء ومعه سليمان ابو دفية وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم
ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا بخازنداره بالخليج
فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه فأقر على سيده وغيره فقبضوا على خليل اغا من المكان
الذي كان مختفيا فيه وكان بصحبته يوسف بك الشرايبي وسليمان اغا ابو دفية
ففي ذلك الوقت قال ابو دفية قوموا من هذا المكان فان
قلبي يختلج
فقال يوسف الشرايبي وانا كذلك
فتقنعا وخرجا واستمر خليل اغا في محله حتى وصلوا اليه في
ذلك اليوم وقتل كما ذكر واخذه الاغا الى بيت علي بك ذي الفقار فارسله الى الباشا
وارسله الباشا الى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد وكذلك عثمان اغا الرزاز وغيره
واما ابو دفية فانه لما تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا
وتفرقا فذهب ابو دفية الى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة وركب فرسه ووضع له اوراقا
في عمامته وخرج في وقت الفجر الى جهة الشرقية وذهب مع القافلة الى غزة ثم الى الشام
وسافر منها الى اسلامبول
وخرج في السفر وذهب الى عند التترخان فاعطاه منصبا وعمله
مرزة وتزوج بقونية ولم يزل هناك حتى مات
واما يوسف بك الشرايبي فذهب الى دار بالازبكية وخفى امره
ومات بعد مدة ولم يعلم له خبر
ومات عبد الغفار اغا بن حسن افندي وقد تقدم انه تقلد في
ايام ابن ايواظ اغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك وسببه ان حسن
افندي والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة وكان من يأتي منهم الى مصر يترددون
إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم فاتفق انه اهدى الى السلطنة عبدا طواشيا فترقى هناك
وارسل الى ابن سيده مرسوما باغاوية المتفرقة وذلك في سنة 1135 بعد موت والده
والبسه الباشا قفطانا بذلك
وعند ذلك من النوادر التي لم يسبق نظيرها ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الالماع
يذكر بعضها والتجأ المترجم الى ابن ايواظ وهرب من الباب
ولحديث قتلة نبأ غريب وذلك انه في اثناء تتبع القاسمية
وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا الوزير الى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد
الغفار اغا فقال الباشا لكتخدا الجاويشية عندكم انسان يسمى عبد الغفار اغا قال له
نعم كان اغات متفرقة ثم عمل اغات عزب وعزل
فقال ارسل اليه بالحضور
فخرج كتخدا الجاويشية واخبر محمد بك قطامش الدفتردار
فقال ارسل اليه واطلبه للحضور
وطلب الوالي فقال له اذا انقضى امر الديوان فأنزل الى
باب العزب واجلس هناك وانتظر عبد الغفار اغا وهو نازل من عند الباشا فاركب وسر
خلفه حتى يدخل الى بيته فاعبر عليه واقطع رأسه
فلما احضر المترجم صحبة الجاويش ودخل الى الباشا وصحبته
كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء فاشار الى
عبد الغفار اغا فجلس واكل صحبته وحادثه الباشا فقال له انت لك صاحب في الدولة قال
نعم كان لابي صديق من أغوات عابدي باشا وكان شهر حوالة وبلغني انه الان كتخدا
الوزير وكان اشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا ولما عزل
عابدي باشا اخذها وسافر فهو الى الان يودنا ويراسلنا بالسلام
فقال له الباشا انه ارسل يوصينا عليك فانظر ما تريد من
الحوايج او المناصب
فقال لا اريد شيئا ويكفيني نظركم ودعاؤكم
واخذ خاطر الباشا ونزل الى داره فلما مر بباب العزب ركب
الوالي ومشى في اثره ولم يزل سائرا خلفه حتى دخل الى البيت ونزل من على الحصان
بسلم الركوبة وكان بيته بالناصرية فعند ذلك قبضوا عليه واخذوا عمامته وفروته وثيابه
وسحبوه الى باب الاسطبل فقطعوا رأسه واخذها الوالي
مع الحصان واتى بهما الى بيت
محمد بك قطامش فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن الى القلعة صارخات فقال
الباشا ما خبر هذا الحريم فقالت والدته حيث ان الباشا اراد قتله كان يفعل به ذلك
بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج الى ديوان قايتباي واستخبرهن فاخبرته
بما حصل فاغتم غما شديدا وطلب الوالي وامر برجوع الحوايج والرأس واعطاهن كفنا
ودراهم واعطى والدته فرمانا بكامل ما كان تحت تصرفه من غير حلوان ونزلت الاغوات
والنساء فأخذوا الرأس والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه
ولما طلع محمد بك قطامش الى الديوان قال له الباشا
تقتلون الاغوات في بيوتها من غير فرمان
فقال لم نقتله الا بفرمان فانه كان من جملة الثلثمائة
المتعصبين على قتل اخينا ذي الفقار بك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة
وكان المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله وكان عند المترجم سبعة
مماليك من مماليك محمد بك بن ابي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش فارسل من اخذهم من عنده
قبل كائنته بنحو ثمانية ايام
الفصل الثاني
في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم اعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة
ووجهه ان بهذا التاريخ كان
انقراض فرقة القاسمية وظهور امر الفقارية وخلع السلطان احمد من السلطنة وولاية
السلطان محمود خان ووالي مصر اذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية
نسبة الى كبور بلدة بالروم وحضر الى مصر في السنة الخالية وكان من ارباب الفضائل
وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله وميله الى الادب وكان
انسانا خيرا صالحا منقادا الى الشريعة ابطل المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء
والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضا عن ذلك
في كل شهر كيسا من كشوفيات الباشوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في
رجوع ذلك
ووصل الامر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود وكان
الوقت غير قابل لذلك فعملوا شنكا ومدافع بالقلعة
عزل عبدالله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي
وعزل عبدالله باشا المذكور اواخر سنة اربع واربعين ومائة والف وامراء مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبدالله كتخدا القازدغلي وسليمان كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا
الداودية وعلي بك ذو الفقار
وعثمان بك ذو الفقار خشداشة
ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا
السلحدار وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبدالله باشا الى بيت شكريره واستمر محمد
باشا واليا على مصر الى سنة ست واربعين ثم عزل وتولى عثمان باشا الحلبي ووصل
المسلم بقائمقامية الى علي بك ذي الفقار فطلع الى الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا
ونزل الى بيته وحضر اليه الأمراء وهنوه وخلع علي اسمعيل بك أبي قلتج امين السماط
ووصل عثمان باشا الى العريش وتوجهت اليه الملاقاة وارباب الخدم وحضر الى العادلية
وعملوا له شنكا وطلع الى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وابطال سكة
الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة انصاف وكذلك سكة
النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون وزاد في الفندقلي الموجود بايدي الناس اثني عشر نصف
فضة فصار يصرف بمائة نصف وستة واربعين نصفا
وحضر مرسوم ايضا بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارى
واليهود وما عليهم من الجزية في كل بلد العال اربعمائة نصف وعشرون نصفا والوسط
مائتان وسبعون والدون مائة
فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الاغا والكاتب من الامراء
الصناجق لتحرير بلاد قبلي فقال حسين بك الخشاب انا مسافر بمنصب جرجا وينزل بصحبتي
الاغا المعين وانظروا من يذهب الى بحري
فقال محمد بك قطامش كل اقليم يتقيد بتحريره الكاشف
المتولى عليه ومعه الاغا والكاتب فاتفق الرأي على ذلك
وفي أيامه عمل اسمعيل بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده
ودعا عثمان باشا الى منزله الذي ببركة الفيل وعندما حضر الباشا واستقر به الجلوس
وضع بين يديه منديلا فيه الف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم وارباب الملاعيب
وقدم له تقادم خيول هدايا وجوادا مرختا وذلك في شعبان سنة 1147
ومن الحوادث في ايامة ان في
اوائل رمضان سنة تاريخه ظهر بالجامع الازهر رجل تكروري وادعى النبوة فاحضروه بين
يدي الشيخ احمد العماوي فسأله عن حاله فاخبره انه كان في شربين فنزل عليه جبريل
وعرج به الى السماء ليلة سبع وعشرين رجب وانه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل
ولما فرغ من الصلاة اعطاه جبريل ورقة وقال له انت نبي مرسل فأنزل وبلغ الرسالة
واظهر المعجزات
فلما سمع الشيخ كلامه قال له أنت مجنون فقال لست بمجنون
وانما انا نبي مرسل فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع
ثم سمع به عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال مثل ما قاله
للشيخ العماوي فأرسله الى المارستان فاجتمع عليه الناس والعامة رجالا ونساء ثم
انهم أخفوه عن اعين الناس
ثم طلبه الباشا فسأله فأجابه بمثل كلامه الاول فأمر بحبسه
في العرقانة ثلاثة أيام ثم انه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول
عن كلامه فأمروه بالتوبة فامتنع واصر على ما هو عليه فامر الباشا بقتله فقتلوه
بحوش الديوان وهو يقول فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ثم أنزلوه وألقوه
بالرميلة ثلاثة ايام
من الحوادث الغريبة
في ايامه ايضا في يوم
الاربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 اشيع في الناس بمصر بان القيامة قائمة يوم
الجمعة سادس عشري الحجة وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والارياف
وودع الناس بعضهم بعضا ويقول الانسان لرفيقه بقي من عمرنا يومان وخرج الكثير من
الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظا ونودع الدنيا
قبل ان تقوم القيامة
وطلع اهل الجيزة نساء ورجالا وصاروا يغتسلون في البحر
ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ومنهم من صار يتوب
من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي واعتقدوا
ذلك ووقع صدقه في نفوسهم
ومن قال لهم خلاف ذلك أو قال هذا كذب لا يلتفتون لقوله
ويقولون هذا صحيح وقاله فلان اليهودي وفلان القبطي وهما يعرفان في الجفور
والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه
وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا
وفلان ذهب الى الامير الفلاني وأخبره بذلك وقال له احبسني الى يوم الجمعة وان لم
تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج الى يوم الجمعة
المعين المذكور
فلم يقع شيء
ومضى يوم الجمعة واصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان
العالم قال ان سيدي احمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله
شفاعتهم
فيقول الآخر اللهم انفعنا بهم فاننا يا اخي لم نشبع من
الدنيا وشارعون نعمل حظا ونحو ذلك من الهديانات
واقدم عثمان باشا في ولاية مصر الى سنة 1148 فكانت مدة
ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة اشهر
ولاية باكير باشا
وتولى بعده باكير باشا وهي
ولايته الثانية فقدم من جدة الى السويس من القلزم لانه كان واليا بعد انفصاله من
مصر فقدم يوم السبت رابع عشرى شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من اتباعه
نحو الثلاثين خيالا ملبسه بالزروخ المذهبة وله من الاولاد خمسة ركبوا امامه في
الموكب وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الاخشا والمرادي والمقصوص
والفندقلي فان الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي باثنى عشر والمقصوص بثمانية جدد
وصار صرف الفندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي بمائتين وغلت بسبب ذلك الاسعار وصار الذي
كان بالمقصوص بالديواني فلم يلتفت الباشا لذلك
وفي شهر القعدة ورد اغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة
آلاف عسكري لمحافظة بغداد وان يكون العسكر من اصحاب العتامنة ولا
يرسلوا عسكرا من فلاحي
القليوبية والجيزة والبحيرة وشرق اطفيح والمنصورة فقلدوا امير السفر مصطفى بك
اباظة حاكم جرجا سابقا وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وارتحل من العادلية في منتصف
شهر الحجة وكان خروجه بالموكب في اوائل رجب
فاقام خارج القاهرة نحو خمسة اشهر وثمانية عشر يوما
وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان واربعين
وفي عاشر الحجة يوم الاضحية قبل اذان العصر خرجت ريح
سوداء غريبة اظلمت منها الدنيا وحجبت نور الشمس فغرق منها مراكب وسقطت اشجار ومن جملتها
شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة بديوان مصر
القديمة ثم اعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك امير سفر العجم وطلع الى
الديوان والبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة واصحاب الدركات وكانت مدة غيابه
سنتين وثلاثة أشهر
وفي ايامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها ابطال
مرتبات الاولاد والعيال ومنها ابطال التوجيهات وان المال يقبض الى الديوان ويصرف
من الديوان وان الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الافندية الى بيوتهم
فلما قرىء ذلك قال القاضي امر السلطان لا يخالف ويجب
اطاعته
فقال الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الاسلام هذه
المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في
مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد
وأسبلة ولا يجوز ابطال ذلك واذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك فلا
يجوز لاحد يؤمن بالله ورسوله ابن يبطل ذلك وان أمر ولي الامر بابطاله لا يسلم له
ويخالف امره لان ذلك مخالف للشرع ولا يسلم للامام في فعل ما يخالف الشرع ولا
لنائبه
ايضا
فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج الى المراجعة ثم قال
الشيخ سليمان وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح وأمر في محله وانفض الديوان على
ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضا في شأن المرتبات من انشائه ولولا خوف
الاطالة اسطرته في هذا المجموع ثم انهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك فجعلوا على كل
عثماني نصف جنزرلي وحضروا المرتبات في قائمقامية ابراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك
وقطامش وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية واربعين الف
عثماني فكانت اربعة وعشرين الف جنزرلي فقسموها بينهم وأرسلوا الى عثمان بك ورضوان بك
الف جنزرلي فأبيا من قبولها وقالا هذه دموع الفقراء والمساكين فلا نأخذ منها شيئا
فان رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة وان جاء بعدم القبول كانت مظلمتين الطاعون
ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى ايضا الفصل العائق
يأخذ على الرائق ومات به كثير من الاعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا
القازدغلي فقط مائة وعشرون نفسا وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في المشاعل
ووقع في ايامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الامراء وسببها
ان صالح كاشف زوج هانم بنت ايواظ بك كان ملتجئا الى عثمان بك ذي الفقار وتزوج ببنت
ايواظ بك بعد يوسف بك الخائن وكان من القاسمية فحرضته على طلب الامارة والصنجقية
وتأخذ له فائظ عشرين كيسا وكلم عثمان بك في شأن ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد
بك قيطاس المعروف بقطامش وهو اذ ذاك كبير القوم في ذلك فلم يجبه وقال له تريد ان
تفتح بيتا للقاسمية فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون ابدا ما دمت حيا
وكان عثمان بك المذكور أخذ كشوفية
المنصورة فأنزل فيها صالح
كاشف قائمقام فلما كمل السنة ورجع تحركت الهمة الى طلب الصنجقية وعاود عثمان بك في
الخطاب وهو كذلك تكلم مع محمد بك فصمم على الامتناع فوقع على الاغوات والاختيارية
فلم يجب ولم يرض ووافقه على الامتناع علي بك تابع المذكور وخليل افندي فذهب صالح
كاشف الى عثمان كتخدا القازدغلي واتفق معه على قتل الثلاثة وقال له اعمل تدبيرا في
قتلهم فذهب الى رضوان بك امير الحاج سابقا وسليمان بك الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة
في بيت محمد بك الدفتردار باطلاع باكير باشا
وعرفوا محمد بك بذلك فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت
الدفتردار بسبب الحلوان والخزينة
فركبوا بعد العصر الى بيت محمد بك قطامش وركبوا معه الى
بيت الدفتردار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي
واختيار من الاسباهية ويوسف كتخدا البركاوي وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا
القازدغلي واحمد كتخدا الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي
الترجمان
فلما تكاملت الجمعية امر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال
وقال للكاتب اكتب كذا وكذا فطلع الى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا
وجلس يكتب في العرض وقد قرب الغروب فارادوا الانصراف فوقف الدفتردار وقال هاتوا
شربات
وكان ذلك القول هو الاشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف
ومملوك سليمان بك
ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون
السلاح
فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال هي خونة فضربه
الضارب بالقرابينة في صدره ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام الوقت فلم
يعلم القاتل من المقتول وعندما سمع كتخدا الجاويشية اول ضربة وهو جالس مع الافندي الكاتب
نزل مسرعا وركب وعلي الترجمان القى بنفسه
من شباك الجنينة وعثمان بك ذو
الفقار أصابه فقطع شاشه وقاووقه ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه الى اسفل وركب حصان
بعض الطوائف وخرج من باب البركة وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة قوية
فارسلوه الى منزله ومات بعد ثلاثة أيام
ثم اوقدوا الشموع وتفقدوا المقتولين واذا هم محمد بك
قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك كتخدا القازدغلي واحمد كتخدا الخربطلي
ويوسف كتخدا البركاوي وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والاسباهي تتمة
عشرة وباش اختيار الذي مات بعد ذلك في بيته
فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم واتوا بهم جامع
السلطان حسن فوجدوه مغلوقا فاحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق السلاح ووضعوا الرؤوس
العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئا من التبن وظنوا انهم غالبون
وطلع صالح كاشف الى الباشا من باب الميدان فخلع عليه
الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين اليه فقال له انزل لاشغالك
وأنا أرسل اليك ما تطلب
فنزل الى السلطان حسن فوجد محمد كتخدا الداودية حضر
باتباعه وجماعته هناك بظن انهم غالبون وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب
في جماعة بعد المغرب وطلع الى باب العزب وكان كتخدا الوقت اذ ذاك احمد كتخدا اشراق
يوسف كتخدا البركاوي فطرق الباب فقال التفكجية من هذا فعرفهم عن نفسه فقال الكتخدا
قولوا له أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وان الباب لا يفتح بعد الغروب فان
كان له حاجة يأتي في الصباح
وأما عثمان بك فانه لما خرج من باب البركة وشاشه مقطوع لم
يزل سائر الى باب الينكجرية فوجده ملآن جاويشية وواجب رعايا ونفر وطلع عندهم عمر
جلبي بن علي بك قطامش فأخذه حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به الى الباشا بعد
نزول صالح كاشف فخلع عليه صنجقية أبيه
وأعطاه فرمانا بالخروج من حق
الذين قتلوا الامراء وحرقوا باب المسجد
ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش النجدلي
ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية وبيت الحصري وزاوية
الرفاعي
وكانت ليلة مولده وهي اول جمعة في شهر رجب سنة 1149
فعلموا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا عليها بالرصاص وكذلك من
باب العزب وبيت الاغا وكان اغات العزب عبد اللطيف افندي روزنامجي مصر سابقا
واما صالح بك فانه انتظر وعد الباشا فلم يرسل له شيئا
فأخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا في خان الخليلي واختفى ايضا
محمد بك اسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم على ما فعل فركب بجماعته وذهب الى بيت
مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولا
فطرق الباب فلم يجبه احد فذهب الى بيت ابراهيم بك بلغيه
ودخل هناك ولما بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحدا ولما طلع
النهار ذهبوا الى بيت الدفتردار فنهبوه ونهبوا ايضا بيت رضوان بك وذهبوا الى
سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا الى الباب
ثم ان السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي
وقالوا له أنت بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئا الا باطلاعك وعندك خبر
بقتل أمرائنا واعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب بطائفته
يملك باب العزب فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك ولا بمجيء سليمان
كتخدا الى الباب ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا الداودية الى السلطان حسن
ثم أنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا عليه حلوان
بلاد المقتولين وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار
فحضر مصطفى اغا امير اخور كبير ومعه مرسوم من الدولة
بضبط متروكات المقتولين فمكث بمصر شهرين ثم ورد امر بولايته على مصر وتوجيه باكير
باشا الى جده
تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي
فتولى مصطفى باشا فأقام واليا
بمصر الى سنة 1152
وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما
استقر في ولاية مصر أراد ايقاع فتنة بين الامراء فضم اليه عمر بك ابن علي بك قطامش
فأرسل اليه من يأمنه على سره واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار وابراهيم بك
قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي وهم اذ ذاك أصحاب الرياسة بمصر
ووعده نظير ذلك امارة مصر والحاج وان يعطيه من بلادهم
فائظ عشرين كيسا فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان وإبراهيم جاويش قازذغلي واختلى
بهم وعرفهم بالمقصود وتكفل أحمد كتخدا بقتل علي جاويش بعبد الله كتخدا
واذا انفرد ابراهيم بك اخذوه بعد ذلك بحيلة وقتلوه في
الديوان
ثم ان احمد كتخدا اغرى بعلي كتخدا الاظ ابراهيم فقتل علي
كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع الى الديوان وبلغ الخبر عثمان بك فتدارك الامر وفحص
عن القضية حتى انكشف له سرها وعمل شغله وقتل احمد كتخدا
وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد فاراد ان
يملك باب الينكجرية بحيلة وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم مستعدون
بالاسلحة فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من أعيانهم يسألهما عن
مرادهم
فقالا ان الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا علائقنا
فارسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية
والوصية بهم فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده
ثم ان حسين بك الخشاب طلع الى باب العزب وتحيل في نزول
احمد كتخدا من الباب وملك هو الباب
واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول الى قصر يوسف
فركب وأراد
ان يدخل الى باب الينكجرية فرفعوا عليه البنادق فدخل الى قصر يوسف فوجده خرابا فاخذ حسن جاويش النجدلي خاطر الينكجرية على نزوله ببيت الاغا وانتقل الاغا الى السرجي فأقام الباشا الى ان نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر الى شهر جمادى الاولى سنة 1153
تولية الوزير علي باشا
ثم تولى بعده الوزير علي باشا
حكيم أوغلي وهي توليته الاولى بمصر فدخل مصر في شهر جمادى الاولى سنة ثلاث وخمسين
ومكث الى عاشر جمادى الاولى سنة 1154 ونزل سليمان باشا الى بيت البيرقدار وعمل علي
باشا اول ديوان بقراميدان بحضرة الجم الغفير وقرىء مرسوم الولاية بحضرة الجميع
ثم قال الباشا أنا لم آت الى مصر لاجل اثارة فتن بين
الامراء واغراء ناس على ناس وانما أتيت لاعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان اعطاني
المقاطعات وأنا أنعمت بها عليكم فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم حجة
بذلك
وانفض المجلس
ثم انه سلم على الشيخ البكري وقال له أنا بعد غد ضيفك ثم
ركب وطلع الى السراية وأرسل الى الشيخ البكري هدية وأغناما وسكرا وعسلا ومربات
ونزل اليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي في بيته وكان له فيه اعتقاد
عظيم لؤيا منامية رآها في بعض سفراته منقولة عنه مشهورة
وكانت أيامه امنا وأمانا والفتن ساكنة والاحوال مطمئنة
ثم عزل ونزل الى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق
وقصر العيني
تولية يحيى باشا
ثم تولى يحيى باشا ودخل الى مصر وطلع الى القلعة في موكبه على العادة وطلع اليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي
باشا بالقصر ودعاه عثمان بك
ذو الفقار وعمل له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا ولم يتفق نظير ذلك
فيما تقدم ان الباشا نزل الى بيت احد من الامراء في دعوة وإنما الإمراء يعملون لهم
الولائم بالقصور فى الخلاء مثل قصر العينى او المقياس
واقام يحيى باشا فى ولاية مصر الى إن عزل فى عشرين شهر
رجب سنة 1156
توليةمحمد باشا اليدكشى
وتولى بعده محمد باشا اليدكشى
وحضر الى مصر وطلع الى القلعه وفي ايامة كتب فرمان بابطال شرب الدخان فى الشوارع
وعلى الدكاكين وابواب البيوت
ونزل الاغا والوالى فنادوا بذلك وشددوا فى الانكار
والنكال بمن يفعل ذلك من عال او دون وصار الاغا يشق البلد فى التبديل كل يوم ثلاث
مرات
وكل من راى فى يده الة الدخان عاقبه وربما اطعمه الحجر
الذى يوضع فيه الدخان بالنار وكذلك الوالي
وفى ايامه ايضا قامت العسكر بطلب جراياتهم وعلائفهم من
الشون ولم يكن بالشون اردب واحد فكتب الباشا فرمانا بعمل جمعية فى بيت علي بك
الدمياطى الدفتردار وينظروا الغلال فى ذمة أي من كان يخلصونها منه
فلما كان فى ثانى يوم اجتمعوا وحضر الروزنامجى وكاتب
الغلال والقلقات واخبروة ان بذمة ابراهيم بك قطامش اربعين الف اردب والمذكور لم
يكن فى الجمعيه وانتظروه فلم يات
فارسلوا له كتخدا الجاويشيه واغات المتفرقة فامتنع من
الحضور في الجمهور وقال الذي له عندي حاجة يأتي عندي قرجعوا واخبروهم بما قال
فقال العسكر نذهب اليه ونهدم بيته على دماغه فقام وكيل
دار السعادة واخذ معه من كل بلك اثنين اختيارية وذهبوا الى ابراهيم بك قطامش
فقال له الوكيل اي شيء هذا الكلام والعسكر قائمة
علىاختيارتها قال والمراد أى شيء وليس عندى غلال
قال له الوكيل نجعلها مثمنة
بقدر معلوم
فثمنوا القمح بستين نصف فضة الاردب والشعير باربعين
فقال ابراهيم بك يصبروا حتى يأتينى شيء من البلاد
قال الوكيل العسكر لايصبروا ويحضل من ذلك امر كبير
فجمعوا ميلغ اليكون فبلغ ثمانين كيسا فرهن عند الوكيل
بلدين لاجل معلوم
وكتب بذلك تمسك واخذ التقاسيط ورجع الوكيل الى محل
الجمعية واحضر مبلغ الدارهم وكل من كان عليه غلال اورد بذلك السعر وهده كانت اول
بدعة ظهرت فى تثمين غلال الانبار للمستحقين
واستمر محمد باشا فى ولاية مصر حتى عزل سنة 1158
تولية محمد باشا راغب
ووصل مسلم محمد باشا راغب
وتقلد ابراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه محمد باشا القفطان وعلى محمد بك امين
السماط
ثم وردالساعى من الاسكندري فأخبر بورود حضرة محمد باشا
راغب الى ثغر الاسكندرية فنزل أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته الى مصر وطلع
الى القلعة وحصل بينه وبين حسين بك الخشاب محبة ومودة وحلف له انه لا يخونه ثم أسر
اليه ان حضرة السلطان يريد قطع بيت القطاشة والدمايطة فأجاب الى ذلك
واختلى بابراهيم جاويش وعرفه بذلك فقال له الجاويش عندك
توابع عثمان بك قرقاش وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في
الديوان
فقال له يحتاج ان يكون صحبتهم أناس من طرفك والا فليس
لهم جسارة على ذلك
فقال له أنا اتكلم مع عثمان أغا ابي يوسف بطلب شرهم لانه
من طرفي
فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو
الفقار وجماعته وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في اثرهم خليل بك أمير
الحاج وعمر بك بلاط جلسوا بجانب المحاسبة فحضر عثمان أغا أغات المتفرقة عند خليل
بك فقال له لماذا لم تدخل عند
الباشا
فقال له قد تركناه لك
فقال كأني لم اعجبك
واتسع بينهما الكلام فسحب ابو يوسف النمشة وضرب خليل بك
واذا بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط
قتلوه ودخلوا برأسيهما الى الباشا فقام علي بك الدمياطي
ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا الى نوبة الجاويشية فارسل الباشا للاختيارية يقول لهم
انهما مطلوبان للدولة
وأخذهما وقطع رأسيهما ايضا
وكتبوا فرمانا الى الصناجق والاغوات واختيارية السبع
وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع الى ابراهيم بك وعمر بك وسليمان بك الالفي
وكان سليمان بك دهشور مسافرا بالخزينة
فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قنطرة سنقر
فحمل الثلاثة احمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم الى جهة قبلي ودخل العساكر الى بيت
ابراهيم بك فنهبوه وكذلك بيت خليل بك وذهبوا الى بيت علي بك فوجدوا فيه صنجقيا من
الصناجق ملكة بما فيه ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع الازهر ورفعوا صنجقية محمد
بك صنجق ستة وماتت سته ايضا وذهب الى طندتا وعمل فقيرا بضريح سيدي أحمد البدوي
ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم رفعوا صنجقيته وأمروه
بالاقامة برشيد وقلدوا عثمان كاشف صنجقية وكذلك كجك أحمد كاشف وقلدوا محمد بك
اباظة اشراق حسين بك الخشاب دفتردارية مصر
وانقضت تلك الفتنة
ثم ان الباشا قال لحسين بك الخشاب مرادي ان نعمل تدبيرا
في قتل ابراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير أنت مقدام مصر وعظيمها
فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا وسليمان بك
مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف ودار القال والقيل وسعت المنافقون
وعلم ابراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد بهما
فحضر ابراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وامتلأ باب
الينكجرية وباب العزب بالعسكر والاودة باشية
واجتمعت الصناجق والاغوات
االسبعة في سبيل المؤمن والاسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا
بالركوب على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المفاسيد أعدائنا وقصده قطعنا
فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا
وطلبوا منه فرمانا بذلك فقال الباشا رجل نفذ امر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم
ينكسر عليه مال ولا غلال كيف أعطيكم فرمانا بقتله الصلح أحسن ما يكون
فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا فأرسلوا له من كل بلك
اثنين اختيارية بالعرضحال وقالوا لهم ان ابي قولوا له ينزل ويولى قائمقام ونحن
نعرف خلاصنا مع بعضنا
فنزل بكامل اتباعه من قراميدان ولما صار في الرميلة اراد
ان ينزل علي شيخون الى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه واذا بعزب المرابطين في
السلطان حسن ردوه بالنار فقتل اغا من اغواته فنزل الى بيت آقبردي الى بيت ذي عرجان
تجاه المظفر فارسلوا له ابراهيم بك بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان
القائمقامية ورجع الى بيته واخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية
الصليبية
وسارت الصناجق يقدمهم عمر بك امير الحاج ومحمد بك الدالي
وابراهيم بك بلغيه ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك ابو سيف واحمد بك ابن كجك
محمد واسمعيل بك جلفي وعثمان بك واحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان كتخدا قازدغلي
واحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الاربع جهات
فحارب بالبندق من الصبح الى الظهر حتى وزع ما يعز عليه
وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين وذهب الى جهة الصعيد فدخل العسكر
الى بيته
فلم يجدوا فيه شيء ولا الحريم
وهرب ايضا ابراهيم بك قيطاس الى الصعيد وعمر بك ابن علي
بك وصحبته طائفة من الصناجق وهربوا الى أرض الحجاز وكان ذلك اواخر سنة
فكانت مدة محمد باشا راغب في
ولاية مصر سنتين ونصفا ثم سار الى الديار الرومية وتولى الصدارة
وكان انسانا عظيما عالما محققا وكان اصله رئيس الكتاب
وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وفاته والله اعلم
ذكر من مات في هذه السنين من اعيان العلماء والاكابر
والعظماء
مات الامام الكبير والاستاذ الشهير صاحب الاسرار
والانوار الشيخ عبد الغنى بن اسمعيل النابلسى الحنفى الصالحى
ولد سنة 1050 واحواله شهيرة واوصافه ومناقبة مفردة
بالتأليف
ومن مؤلفاتة المقصود فى وحدة الوجود وتحفة المسألة بشرح
التحفه المرسلة والاصل للشيخ محمد فضل الله الهندى والفتح الربانى والفيض الرحمانى
وربع الافادات فىربع العيادات وهو مؤلف جليل فى مجلد ضخم فى فقه الحنيفة نادر الوجود
والرحلة القدسية وكوكب الصبح فى ازالة القبح والحديقة الندية فى شرح الطريقة
المحمدية واالفتح الملكى واللمح الملكى وقطرالسماء ونظرة العلماء والفتح المدنى فى
النفس اليمنى وبدبعيتان احداهما لم يلتزم فيها اسم النوع وشرحها والثانية التزمه
فيها شرحها القلعى مع البديعيات العشر
توفي رضي الله عنه سنة 1143 عن ثلاث وتسعين سنة
ومات امام الائمة شيخ الشيوخ واستاذ الاساتذة عمدة
المحققين والمدققين الحسيب النسيب السيد علي بن علي اسكندر الحنفى السيواسى الضرير
اخذ عن الشيخ احمد الشوبرى والشرنبلالي والشيخ عثمان ابن عبدالله التحريري الحنفين
وأخذ الحديث عن الشيخ البابلي والشبراملسي وغيرهم
وسبب تلقيبه باسكندرانه كان يقرأ دروسا بجامع اسكندر
باشا بباب الخرق وكان عجيبا في الحفظ والذكاء وحدة الفهم وحسن الالقاء وكان الشيخ
العلامة محمد السجيني اذا مر بحلقة
درسه خفض من مشيته ووقف قليلا
وأنصت لحسن تقريره وكان كثير الاكل ضخم البدن طويل القامة لايلبس زي الفقهاء بل
يعتم عمامه لطيفة بعذبة مرخية وكان يقول عن نفسه أنا آكل كثيرا واحفظ كثيرا
وسافر مرة الى دار السلطنة وقرأ هناك دروسا واجتمع عليه
المحققون حين ذاك وباحثوه وناقشوه واعترفوا بعمله وفضله وقوبل بالاجلال والتكريم
وعاد الى مصر ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي في ذي القعدة سنة 1148 عن
ثلاث وسبعين سنة وكسور اخذ عنه كثير من الاشياخ كالشيخ الحفني واخيه الشيخ يوسف
والسيد البليدي والشيخ الدمياطي والشيخ الوالد والشيخ عمر الطحلاوي وغيرهم
وكان يقول بحرمة القهوة واتفق انه عمل مهما لزواج ابنه
فهاداه الناس وبعث اليه عثمان كتخدا القازدغلي فردين فامر بطرحه في الكنيف لانه
يرى حرمة الانتفاع بثمنه ايضا مثل الخمر ودليله في ذلك ما ذكر في وصف خمرة الجنة
في قوله تعالى لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون بان الغول ما يعتري شارب الخمر بتركها
وهذه العلة موجودة في القهوة بتركها بلا شك
توفي الى رحمة الله تعالى سنة 1146
ومات الامام العلامة والمحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم
الشيخ محمد عبد العزيز الزيادي الحنفي البصير أخذ عن الشيخ شاهين الارمناوي الحنفي
عن العلامة البابلي واخذ عنه الشمس الحفني والدمنهوري والشيخ الوالد والدمياطي وغيرهم
توفي في اواخر ربيع الاول سنة 1148
ومات الشيخ الفقيه العلامة المتقن المتفنن الشيخ عيسى بن
عيسى السقطي الحنفي أخذ عن الشيخ ابراهيم بن عبد الفتاح بن أبي الفتح الدلجي
الفرضي الشافعي وعن الشيخ احمد الاهناسي وعن الشيخ احمد ابن ابراهيم التونسي
الحنفي الشهير بالدوقدوسي وعن السيد علي ابن السيد علي الحسيني الشهير باسكندر
والشيخ محمد بن عبد العزيز بن
ابراهيم الزيادي ثلاثتهم عن
الشيخ شاهين الارمناوي واخذ ايضا عن الشيخ العقدي والشيخ ابراهيم الشرنبلالي
والشيخ حسن بن الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي ثلاثتهم عن الشيخ
حسن الشرنبلالي الكبير
توفي المترجم في سنة 1143
ومات الاستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي
الضرير أخذ عن الشيخ الشرنبالي ولازمه ملازمة كلية وأخذ ايضا عن الشيخ عبد ربه
الديوي واهل طبقته مثل الشيخ مطاوع السجيني وغيره وكان اماما عظيما فقيها نحويا أصوليا
منطقيا أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائهم
توفي سنة 1158
ومات الامام العلامة والبحر الفهامة امام المحققين شيخ
الشيوخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد اللطيف بن احمد بن علي البشبيشي الشافعي خاتمة
محققي العلماء وواسطة عقد نظام الاولياء العظماء ولد ببشبيش من اعمال المحلة الكبرى
واشتغل علي علمائها بعد ان حفظ القرآن ولازم ولي الله تعالى العارف بالله الشيخ
علي المحلي الشهير بالاقرع في فنون من العلم واجتهد وحصل واتقن وتفنن وتفرد وتردد
على الشيخ العارف حسن البدوي وغيره من صوفية عصره وتأدب بهم واكتسى من أنوارهم ثم
ارتحل الى القاهرة سنة 1081 وأخذ عن الشيخ محمد ابن منصور الاطفيحي والشيخ خليل
اللقاني والزرقاني وشمس الدين محمد بن قاسم البقري وغيرهم واشتهر علمه وفضله ودرس
وأفاد وانتفع به اهل عصره من الطبقة الثانية وتلقوا عنه المعقول والمنقول ولازم
عمه الشهاب في الكتب التي كان يقرأها مع كمال التوحش والعزلة والانقطاع الى الله
وعدم مسايرة احد من طلبة عمه والتكلم معهم بل كان الغالب عليه الجلوس في حارة
الحنابلة وفوق سطح الجامع حتى كان يظن من لا يعرف حاله أنه بليد لا يعرف شيئا الى
ان توجه عمه الى
الديار الحجازية حاجا سنة
1094 وجاور هناك فأرسل له بان يقرأ موضعه
فتقدم وجلس وتصدر لتقرير العلوم الدقيقة والنحو والمعاني
والفقه
ففتح الله له باب القبض فكان يأتي بالمعاني الغريبة في
العبارات العجيبة وتقريره اشهى من الماء عند الظمآن وانتفع به غالب مدرسي الازهر
وغالب علماء القطر الشامي ولم يزل على قدم الافادة وملازمة الافتاء والتدريس
والاملاء حتى توفي في منتصف رجب سنة 1143
ومات الاستاذ الامام صاحب الاسرار وخاتمة سلسلة الفخار
الشيخ احمد بن عبد المنعم بن محمد ابو السرور البكري الصديقي شيخ سجادة السادة
البكرية بمصر اجازه ابو الاحسان بن ناصر وغيره وكان للوزير علي باشا بن الحكيم فيه
اعتقاد عظيم كما تقدمت الاشارة الى ذلك وعندما ذهب الاستاذ للسلام عليه تلقاه وقبل
يديه وأقدامه وقال هذا الذي كنت رأيته في عالم الرؤيا وقت كربنا في السفرة
الفلانية ولعله الشيخ البكري كما أخبرني عن نفسه
فقيل له هو المشار اليه فاقبل بكليته عليه واستجازه في
الزيارة بعد الغد وأرسل اليه هدية سنية ونزل لزيارته مرارا
توفي سنة 1153 ودفن بمشهد اسلافه عند ضريح الامام الشافعي
ومات الامام العلامة والعمدة الفهامة المتقنن المتفن
المتبحر الشيخ محمد صلاح الدين البرلسي المالكي الشهير بشلبي اخذ عن الشيخ احمد
النفراوي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وروى عن البصري والنخلي
وعنه اخذ الاشياخ المعتبرون
توفي ليلة الخميس سابع عشر صفر سنة 1154
ومات الامام العالم العلامة والعمدة الفهامة أستاذ
المحققين وصدر المدرسين الشيخ احمد بن احمد بن عيسى العماوي المالكي اخذ عن الشيخ
محمد الزرقاني والعلامة الشبراملسي والششخ محمد الاطفيحي
والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي
والشيخ منصور المنوفي والشيخ احمد النفراوي كما نقلت ذلك من خطة واجازته للمغفور
له عبد الله باشا كبورلي زاده وكان قد قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ وسنن
ابي داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والمواهب قراءة لبعضها دارية ولبعضها رواية
ولباقيها اجازة وألفية المصطلح من اولها الى اخرها دراية ولبعضها رواية ولباقيها
اجازة وألفيه المصطلح من اولها الى آخرها العلامة الشبراملسي تصدر للاقراء
والإفادة في محله وانتفع به الطلبة وكان حلو التقرير فصيحا كثير الاطلاع مستحضرا
للاصول والفروع والمناسبات والنوادر والمسائل والفوائد تلقى عنه غالب اشياخ العصر
وحضروا دروسه الفقهية والمعقولية كما هو مذكور في تراجمهم
ولم يزل مواظبا وملازما على الاقراء والافادة واملاء
العلوم حتى وافاه الاجل المحتوم
وتوفي سابع جمادي الاولى من سنة 1155 وخلف بعده ابنه
استاذنا الامام المحقق والتحرير المدقق بركة الوقت وبقية السلف الشيخ عبد المنعم
ادام الله النفع بوجوده وأطال عمره مع الصحة والعافية آمين
ومات الامام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض
العلوم والمعارف وكنز الاسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي
الدانرانكوي السوداني كان اماما دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع واسع في جميع
العلوم ومعرفة تامة بدقائق الاسرار والانوار
تلقى العلوم والمعارف ببلاده عن الشيخ الامام محمد ابن
سليمان بن محمد النوالي البرناوي الباغرماوي والاستاذ الشيخ محمد بندو والشيخ
الكامل الشيخ هاشم محمد فودو ومعناه الكبير
قال وهو أول من حصل لي على يديه الفتح وعليه قرأت اكثر
كتب الادب ولازمته حضرا وسفرا نحو اربع سنوات فأخذ عنه الصرف والنحو حتى أتقن ذلك
وصار شيخه المذكور يلقبه بسيبويه
وكان يلقبه قبل
ذلك بصاحب المقامات لحفظه لها
واستحضاره لالفاظها استحضارا شديدا بحيث اذا ذكرت كلمة يأتي بما قبلها بالبديهة
وعدم الكلفة
وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والاوفاق وعلم
الحساب والمواقيت على اسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بانواعها الحرفية
والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية
وحصلت له منه المنفعة التامة قال وقرأت عليه الاصول
والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع عقائد السنوسي الستة
وسمع عليه البخاري وثلاثة ارباع مختصر الشيخ خليل من اول
البيوع الى آخر باب السلم ومن اول الاجارة الى آخر الكتاب ونحو الثلث من كتاب ملخص
المقاصد وهو كتاب لابن زكري معاصر الشيخ السنوسي في الف بيت وخمسمائة بيت في علم الكلام
وأكثر تصانيفه الى غير ذلك
قال وسمعت منه كثيرا من الفوائد العجيبة والحكايات
الغريبة والاخبار والنوادر ومعرفة الرجال ومراتبهم وطبقاتهم
ذكر ذلك في برنامج شيوخه المذكورين وكان للمترجم همة
عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلوم المتوقف عليه تحصيل الكتب وكان يقول عن نفسه ان
مما من الله علي به أني لم أقرأ قط من كتاب مستعار وانما ادنى مرتبتي اذا حاولت
قراءة كتاب لم يكن موجودا عندي ان اكتب متنه موسع السطور لاقيد فيه ما أردته من شروحه
او ما سمعته من تقريرات الشيخ عند قراءته واعلاها ان اكتب شرحه وحاشيته بدليل انه
لولا علو همتي وصدق رغبتي في تحصيل العلوم لما فارقت اهلي وانسي وطلقت راحتي
وبدلتهما بغربتي ووحشتي وكربتي مع كون حالي مع اهلي في غاية الغبطة والانتظام
فبادرت في اقتحام الاخطار لكي ادرك الاوطار
ولما استأذن شيخه في الرحلة والحج فمر في رحلته بعدة
ممالك واجتمع بملوكها وعلمائها فمن اجتمع به في كاغ برن الشيخ محمد كرعك واخذ عنه
اشياء كثيرة من علوم الاسرار والرمل
واقام هناك خمسة اشهر وعنده
قرأ كتاب الوالية للكردي وهو كتاب جليل معتبر في علم الرمل وقرأ عليه هو الرجراجي
وبعض كتب من الحساب
وله رحلة تتضمن ما حصل له في تنقلاته وحج سنة اثنتين
واربعين ومائة والف وجاور بمكة وابتدأ هناك بتأليف الدر المنظوم وخلاصة السر
المكتوم في علم الطلاسم والنجوم وهو كتاب حافل رتبه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمه
وقسم المقاصد ابوابا واتم تبييضه بمصر المحروسة في شهر رجب سنة ست واربعين ومن تأليفه
كتاب بهجة الآفاق وايضاح اللبس والاغلاق في علم الحروف والاوفاق رتبه على مقدمة
ومقصد وخاتمة وجعل المقدمة ثلاثة ابواب والمقصد خمسة ابواب وكل باب يشتمل على مقدمة
وفصول ومباحث وخاتمة
وله منظومة في علم المنطق سماها منح القدوس وشرحها شرحا
عظيما سماه ازالة العبوس عن وجه منح القدوس وهو مجلد حافل نحو ستين كراسا
وله شرح بديع على كتاب الدر والترياق في علم الافاق
ومن تآليفه بلوغ الارب من كلام العرب في علم النحو وله
غير ذلك
توفي سنة 1154 بمنزل المرحوم الشيخ الوالد وجعله وصيا
على تركته وكتبه وكان يسكن اولا بدرب الاتراك وهو الذي اخذ عنه علم الاوفاق وعلم
الكسر والبسط الحرفية والعددية ودفنه الوالد ببستان العلماء بالمجاورين وبنى على قبره
تركيبة وكتب عليها اسمه وتاريخه
ومات جامع الفضائل والمحاسن طاهر الاعراق والاوصاف السيد
علي افندي نقيب السادة الاشراف ذكره الشيخ عبد الله الادكاوي في مجموعته واثنى
عليه وكان مختصا بصحبته
وحج مع المترجم سنة 1147 وعاد الى مصر ولم يزل على احسن
حال حتى توفي في الليلة الثامنة عشرة من شهر شوال سنة 1153
ومات الاستاذ العارف الشيخ ابو العباس احمد بن احمد
العربي
الاندلسي التلمساني الازهري
المالكي اخذ الحديث عن الامام ابي سالم عبد الله بن سالم البصري المكي وابي العباس
احمد بن محمد النخلي المكي الشافعيين وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب اخذ
عنه الشيخ ابو سالم الحفني والسيد علي بن موسى المقدسي الحسيني وغيرهما من علماء
الحرمين ومصر والمغرب
وتوفي سنة 1151
ومات الامام العلامة والنحرير الفهامة شمس الدين محمد بن
سلامة البصير الاسكندري المكي البليغ الماهر اخذ العلم عن الشيخ خليل اللقاني
والشهاب احمد السندوبي والشيخ محمد الخرشي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشبرخيتي
والابيذري وهو الشهاب احمد الذي روى عن البرهان اللقاني والبابلي واخذ ايضا عن
الشيخ يحيى الشاوي والشهاب احمد البشبيشي وله تأليفات عديدة منها تفسير القرآن العزيز
نظما في نحو عشر مجلدات
وقد اجاز الشيخ ابا العباس احمد بن علي العثماني واملي
عليه نظما وذلك بمنزلة بالجانب الغربي من الحرم الشريف وعمر ابن احمد بن عقيل ومحمد
بن علي بن خليفة الغرياني التونسي وحسين ابن حسن الانطاكي المقري اجازه في سنة
1131 في الطائف واسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم
توفي في ذي الحجة سنة 1149
ومات الشيخ الامام العالم العلامة صاحب التآليف العديدة
والتقريرات المفيدة ابو العباس احمد بن عمر الديربي الشافعي الازهري اخذ عن عمه
الشيخ علي الديربي قرأ عليه التحرير وابن قاسم وشرح الرحبية واخذ عن الشيخ محمد القليوبي
الخطيب وشرح التحرير والشيخ خالد علي الآجرومية وعلى الازهرية وعن الشيخ ابي
السرور الميداني والشيخ محمد الدنوشري المشهور بالجندي علم الحساب والفرائض واخذ
عن الشيخ الشنشوري ومن مشايخه يونس بن الشيخ القليوبي والشيخ علي السنبطي والشيخ
صالح الحنبلي والشيخ محمد النفراوي المالكي واخوه
الشيخ احمد النفراوي والشيخ
خليل اللقاني والشيخ منصور الطوخي والشيخ ابراهيم الشبرخيتي والشيخ ابراهيم
المرحومي والشيخ عامر السبكي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ شمس الدين محمد الحموي
والشيخ ابو بكر الدلجي والشيخ احمد المرحومي والشيخ احمد السندوبي والشيخ محمد
البقري والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد المعطي المالكي والشيخ محمد الخرشي والشيخ
محمد النشرتي والشيخ ابو الحسن البكري خطيب الازهر وانتشر فضله وعلمه واشتهر صيته
وافاد والف وصنف
فمن تآليفه غاية المرام فيما يتعلق بانكحة الانام وكتب
حاشية عليه مع زيادة احكام وايضاح ما خفي فيه على بعض الانام وغاية المقصود لمن
يتعاطى العقود على مذهب الائمة الاربعة والختم الكبير على شرح التحرير المسمى فتح
الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب وغاية المراد لمن قصرت همته من
العبادة وختم على شرح المنهج سماه فتح الملك الباري بالكلام على آخر شرح المنهج
للشيخ زكريا الانصاري وختم على شرح الخطيب وعلى شرح ابن قاسم وكتابه المشهور
المسمى فتح الملك المجيد لنفع العبيد جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية
والطبية وغيرها
وهو مؤلف لا نظير له في بابه وله رسالة على البسملة
وحديث البداءة ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق ورسالة
تسمى تحفة االصفا فيما يتعلق بابوي المصطفى والقول المختار فيما يتعلق بابوي النبي
المختار ومناسك حج على مذهب الامام الشافعي وتحفة المريد في الرد على كل مخالف
عنيد وفتح الملك الجواد بتسهيل قسمة التركات على بعض العباد بالطريق المشهورة بين
الفريضيين في المسائل العائلة ورسالة في سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه والوقوف
في المحشر والشفاعة العظمى واربعون حديثا وتمام الانتفاع لمن ارادها من الانام
وجاشية على شرح ابن قاسم
الغزي ورسالة تتعلق بالكواكب
السبعة والساعات الجيدة وبضرب المنادل العلوية والسفلية واحضار عامر المكان
واستنطاقه وعزله ولوح الحياة والممات وغير ذلك
توفي سابع عشرين شعبان سنة 1151
ومات الامام العلامة والبحر الفهامة شيخ مشايخ العصر
ونادرة الدهر الصالح الزاهد الورع القانع الشيخ مصطفى العزيزي الشافعي ذكره الشيخ
محمد الكشناوي في آخر بعض تآليفه بقوله وكان الفراغ من تأليفه في شهر كذا سنة ست
واربعين وذلك في ايام الاستاذ زاهد العصر الفخر الرازي الشيخ مصطفى العزيزي وناهيك
بهذه الشهادة
وسمعت وصفه من لفظ الشيخ الوالد وغيره من مشايخ العصر من
انه كان ازهد اهل زمانه في الورع والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الاخلاق
ولا يرى لنفسه مقاما
وكان معتقدا عند الخاص والعام وتأتي الاكابر والاعيان لزيارته
ويرغبون في مهاداته وبره فلا يقبل من احد شيئا كائنا ما كان مع قلة دنياه لا كثيرا
ولا قليلا واثاث بيته على قدر الضرورة والاحتياج
وكان يقرأ دروسه بمدرسة السنانية المجاورة لحارة سكنه
بخط الصنادقية بحارة الازهر ويحضر دروسه كبار العلماء والمدرسين ولا يرضىللناس
بتقبيل يده ويكره ذلك فاذا تكامل حضور الجماعة وتحلقوا حضر من بيته ودخل الى محل
جلوسه بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله احد
وعندما يجلس يقرأ المقري واذا تم الدرس قام في الحال
وذهب الى داره وهكذا كان دأبه
توفي سنة اربع وخمسين واقام عثمان بك ذا الفقار وصيا على
ابنته
ومات الامام العمدة المتقن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر
بن حجازي السفطي الخانكي الفلكي الحيسوني اخذ عن رضوان افندي وعن العلامة الشيخ
محمد البرشمسي وشارك الجمال يوسف الكلارجي والشيخ الوالد وحسن افندي قطة مسكين وغيرهم
واجتهد وحسب وحرر وكتب
بخطة كثيرا جدا وحسب المحكمات
وقواعد المقومات على اصول الرصد السمرقندي الجديد وسهل طرقها بادق ما يكون واذا نسخ
شيئا من تحريراته رقم منها عدة نسخ في دفعة واحدة فيكتب من كل نسخة صفحة بحيث يكمل
الاربع نسخ او الخمسة على ذلك النسق فيتم الجميع في دفعة واحدة
وكان شديد الحرص على تصحيح الارقام وحل المحلولات الخمسة
ودقائقها الى الخوامس والسوادس وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شيء يعسر نقله فضلا عن
حسابه وتحريره
ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس بالمركز والوسط فقط
والعلامة باقرب طريق واسهل ما اخذ واحسن وجه مع الدقة والامن من الخطا وحرر طريقة
اخرى على طريق الدر اليتيم يدخل اليها بفاضل الايام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها
المقوم بغاية التدقيق لمرتبة الثوالث في صفحات كبيرة متسعة في قالب الكامل
واختصرها الشيخ الوالد في قالب النصف ويحتاج اليها في
عمل الكسوفات والخسوفات والاعمال الدقيقة يوما يوما
ومن تآليفه كفاية الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب في
معرفة الدائر وفضله والسمت والكلام المعروف في اعمال الكسوف والخسوف والدرجات
الوريفة في تحرير قسي العصر الاول وعصر ابي حنيفة وبغية الوطر في المباشرة بالقمر
ورسالة عظيمة في حركات افلاك السيارة وهيآتها وحركاتها وتركيب جداولها على التاريخ
العربي على اصول الرصد الجديد وكشف الغياهب عن مشكلات اعمال الكواكب ومطالع البدور
في الضرب والقسمة والجذور وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبا من الكواكب الثابتة
المرصودة بالرصد الجديد بالاطوال والابعاد ومطالع الممر ودرجاته لاول سنة 1139
والقول المحكم في معرفة كسوف النير الاعظم ورشف الزلال في معرفة استخراج قوس مكث
الهلال بطريقي الحساب والجدول
واما كتاباته وحسابياته في اصول الظلال واستخراج
السموت والدساتير فشيء لا
ينحصر ولا يمكن ضبطه لكثرته وكان له بالوالد وصلة شديدة وصحبة اكيدة ولما حانت
وفاته اقامة وصيا على مخلفاته وكان يستعمل البرشعثا ويطبخ منه في كل سنة قزانا
كبيرا ثم يملأ منه قدورا ديدفنها في الشعير ستة اشهر ثم يستعمله بعد ذلك ويكون قد
حان فراغ الطبخة الاولى وكان يأتيه من بلده الخانكة جميع لوازمه وذخيرة داره من
دقيق وسمن وعسل وجبن وغير ذلك ولا يدخل لداره قمح الا لمؤنة الفراخ وعلفهم فقط
واذا حضر عنده ضيوف وحان وقت الطعام قدم لكل فرد من الحاضرين دجاجة على حدته
ولم يزل حتى توفي ثاني عشر جمادي الاولى سنة 1158 يوم
الجمعة ودفن بجوار تربة الشيخ البحيري كاتب القسمة العسكرية بجوار حوش العلامة
الخطيب الشربيني
ومات قاضي قضاة مصر صالح افندي القسطموني
كان عالما بالاصول والفروع صوفي المشرب في التورع ولي
قضاء مصر سنة 1154 وبهامات سنة 1155 ودفن عند المشهد الحسيني
ومات السيد زين العابدين المنوفي المكب احد السادة
المشهورين بالعلم والفضل توفي سنة 1151
ومات اسيد الشريف حمود بن عبد الله ابن عمرو النموي
الحسيني المكي احد اشراف آل نمي كان صاحب صدارة ودولة واخلاق رضية ومحاسن مرضية
حسن المذاكرة والمطارحة لطيف المحاضرة والمحاورة
توفي ايضا سنة 1151
ومات الاجل الفاضل المحقق احمد افندي الواعظ الشريف
التركي كان من اكابر العلماء امارا بالمعروف ولا يخاف في الله لومة لائم وكان يقرأ
الكتب الكبار ويباحث العلماء على طريق النظار ويعظ العامة بجامع المرداني فكانت
الناس تزدحم عليه لعذوبة لفظه وحسن بيانه وربما
حضره بعض الاعيان من امراء
مصر فيسبهم جهرا ويشير الى مثالهم وربما حنقوا منه وسلطوا عليه جماعة من الاتراك
ليقتلوه فيخرج عليهم وحده فيغشى الله على ابصارهم
مات في حادي عشري الحجة سنة 1161
ومات القطب الكامل السيد عبد الله بن جعفر بن علوى مدهر
باعلوى نزيل مكة ولد بالشحر وبها نشأ ودخل الحرمين وتوجه الى الهندي ومكث في دهلي
مدة تقرب من عشرين عاما ثم عاد الى الحرمين واخذ عن والده واخيه العلامة علوي
ومحمد بن احمد بن علي الستاري وابن عقيلة وآخرين
وعنه اخذ الشيخ السيد وشيخ والسيد عبد الرحمن العيدروس
وله مؤلفات نفيسة منها كشف اسرار علوم المقربين ولمح
النور بباء اسم الله يتم السرور واشرق النور وسناه من سر معنى الله لا نشهد سواه
والاصل اربعة ابيات للقطب الحداد واللآلىء الجوهرية على العقائد البنوفرية وشرح
ديوان شيخ بن اسمعيل الشحري والنفحة المهداة بانفاس العيدروس بن عبد الله والايفا بترجمة
العيدروس جعفر بن مصطفى وديوان شعر ومراسلات عديدة وله كرامات شهيرة
توفي بمكة سنة 1160
ومات السيد الاجل عبد الله بن مشهور بن علي بن ابي بكر
العلوي احد السادة اصحاب الكرامات والاشراقات كان مشهورا برؤية الخضر ادركه السيد
عبد الرحمن العيدروس وترجمه في ذيل المشرع واثنى عليه وذكر له بعض كرامات
توفي سنة 1144
ومات الاستاذ النجيب الماهر المتفنن جمال الدين يوسف بن
عبد الله الكلارجي الفلكي تابع حسن افندي كاتب الروزنامة سابقا
قرأ القرآن وجود الخط وتوجهت همته للعلوم الرياضية
كالهيئة والهندسة والحساب والرسم فتقيد بالعلامة الماهر رضوان افندي واخذ عنه
واجتهد وتمهر
وصار له باع طويل في
الحسابيات والرسميات وساعده على ادراك مأمولة ثروة مخدومه فاستنبط واخترع ما لم
يسبق به والف كتابا حافلا في الظلال ورسم المنحرفات والبسائط والمزاول والاسطحة
جمع فيه ما تفرق في غيره من اوضاع المتقدمين بالاشكال الرسمية والبراهين الهندسية
والتزم المثال بعد المقال والف كتابا ايضا في منازل القمر ومحلها وخواصها وسماها
كنز الدرر في احوال منازل القمر وغير ذلك
واجتمع عنده كتب وآلات نفيسة لم تجتمع عند غيره ومنها
نسخة الزيج السمرقندي بخط العجم وغير ذلك
توفي سنة 1153
ومات الامام العلامة والعمدة الفهامة مفتي المسلمين
الشيخ احمد بن عمر الاسقاطي الحنفي المكنى بابي السعود تفقه على الشيخ عبد الحي
الشرنبلالي والشيخ علي العقدي الحنفي البصير وحضر عليه المنار وشرحه لابن فرشته
وغيره والشيخ احمد النفراوي المالكي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ احمد
ابن عبد الرزاق الروحي الدمياطي الشناوي والشيخ احمد الشهير بالبناء واحمد بن محمد
بن عطية الشرقاوي الشهير بالخليفي والشيخ احمد بن محمد المنفلوطي الشافعي الشهير
بابن الفقيه والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وغيرهم كالشيخ عبد ربه الديوي ومحمد بن
صلاح الدين الدنجيهي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح البهوتي ومهر في العلوم
وتصدر لالقاء الدروس الفقيهة والمعقولية وافاد وافتى والف واجاد وانتفع الناس
بتآليفه ولم يزل يملي ويفيد حتى توفي سنة 1159
ومات الاستاذ الكبير والعلم الشهير صاحب الكرامات
الساطعة والانوار المشرقة اللامعة سيدي عبد الخالق بن وفا قطب زمانه وفريد اوانه
وكان على قدم اسلافه وفيه فضيلة وميل للشعر وامتدحه الشعراء واجازهم الجوائز
السنية وكان يحب سماع الآلات
توفي رحمه الله في ثاني عشر ذي الحجة سنة 1161
ومات الاستاذ شيخ الطريقة
والحقيقة قدرة السالكين ومربي المريدين الامام المسلك السيد مصطفى بن كمال الدين
المذكور في منظومة النسبة لسيدي عبد الغني النابلسي كما ذكره السيد الصديقي في
شرحه الكبير على ورده السحري البكري الصديقي الخلوتي نشأ ببيت المقدس على اكرم
الاخلاق واكملها رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبي وغذاه بلبان اهل المعرفة
والتحقيق ففاق ذلك الفرع الاصل وظهرت به في افق الوجود شمس الفضل فبرع فهما وعلما
وابدع نثرا ونظما ورحل الى جل الاقطار لبلوغ اجل الاوطار كما دأب على ذلك السلف
لما فيه من اكتساب المعالي والشرف
ولما ارتحل الى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها
سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال
فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التهجد
ثم جلس لقراءة الورد السحري فاحب ان تكون روحانية النبي صلى الله عليه و سلم في
ذلك المجلس ثم روحانية خلفائه الاربعة والائمة الاربعة والاقطاب الاربعة والملائكة
الاربعة
فبينما هو في اثنائه اذ دخل عليه رجل فشمر عن اذياله
كأنه يتخطى اناسا في المجلس حتى انتهى الى موضع فجلس فيه ثم لما ختم الورد قام ذلك
الرجل فسلم عليه ثم قال ماذا صنعت يا مصطفى فقال له ما صنعت شيئا
فقال له الم ترني اتخطى الناس قال بلى انما وقع لي اني
احببت ان تكون روحانية من ذكرناهم حاضرة
فقال له لم يتخلف احد ممن اردت حضوره وما اتيتك الا
بدعوة والآن أذن لك في الرحيل
وحصل الفتح والمدد والرجل المذكور هو الولي الصوفي السيد
محمد التافلاتي ومتى عبر السيد في كتبه بالوالد فهو السيد محمد المذكور وقد منحه علوما
جمة
ورحل ايضا الى جبل لبنان والى البصرة وبغداد وما والاهما
وحج مرات وتآليفه تقارب المائتين واحزابه واوراده اكثر من ستين واجلها ورده السحري
اذ هو باب الفتح وله عليه ثلاثة شروح اكبرها في مجلدين
وقد شاد اركان هذه الطريقة واقام
رسومها وابدى فرائدها واظهر
فوائدها ومنحه الله من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر
قال الشيخ الحنفى انه جمع مناقب نفسه فىمؤلف نحو اربعين
كراسا تسويدا فى الكامل ولم يتم
وقد راى النبى صلى الله عليه و سلم فى النوم وقال له من
اين لك هذا المدد فقال منك يارسول الله
فأشار ان نعم ولقى الخضر عليه السلام ثلاث مرات وعرضت
عليه قطبانية المشرق فلم يرضها وكان اكرم من السيل وامضى فى السر من السيف واوتى
مفاتيح العلوم كلها حتى اذعن له اولياء عصره ومحققوه فى مشارق الارض ومغاربها واخد
على على رؤساء الجن العهود وعم مدده سائر الورود ومناقبه تجل عن التعداد وفيما اشرنا
اليه كفاية لمن اراد
واخذ عنه طريق السادة الخلوتية الاستاذ الحفني وارتحل
لزيارته والاخذ عنه الى الديار الشامية كما سيأتي ذلك في ترجمته وحج سنة احدى
وستين ثم رجع الى مصر وسكن بدار عند قبة المشهد الحسيني وتوفي بها في ثاني عشر
ربيع الثاني 1162 ودفن بالمجاورين ومولده في آخر المائة الالف بدمشق الشام
ومات العلامة الثبت المحقق المحرر المدقق الشيخ محمد
الدفري الشافعي اخذ العلم عن الاشياخ من الطبقة الاولى وانتفع به فضلاء كثيرون
منهم العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما
توفي سنة 1161
ومات الاجل المكرم عبد الله افندي الملقب بالانيس احد
المهرة في الخط الضابط كتب على الشاكري وغيره واشتهر امره جدا وكان مختصا بصحبة
مير اللواء عثمان بك ذي الفقار امير الحاج وكتب عليه جماعة ممن رأيناهم ومنهم شيخ
الكتبة بمصر اليوم حسن افندي مولى الوكيل المعروف بالرشدي وقد اجازه في مجلس حافل
توفي سنة 1159
ومات الامام الفقيه المحدث شيخ الشيوخ المتقن المتفنن
المتجر الشيخ
احمد بن مصطفى بن احمد
الزبيري المالكي الاسكندري نزيل مصر وخاتمة المسندين بها الشهير بالصباغ ذكر في
ذكر شيوخه انه اخذ عن ابراهيم بن عيسى البلقطري وعلي بن فياض والشيخ محمد النشرتي
الزرقاني واحمد الغزاوي وابراهيم الفيومي وسليمان الشبرخيتي ومحمد زيتونه التونسي
نزيل الاسكندرية وابي العز العجمي واحمد بن الفقيه والكبنكسي ويحيى الشاوي وعبد
الله البقري وصالح الحنبلي وعبد الوهاب الشنواني وعبد الباقي القليني وعلي الرميلي
واحمد السجيني وابراهيم الكتبي واحمد الخليفي ومحمد الصغير والوزراري وعبده الديوي
وعبد القادر الواطي واحمد بن محمد الدرعي
ورحل الى الحرمين فاخذ عن البصري والنخلي والسندي ومحمد
اسلم وتاج الدين القلعي ووالسيد سعد الله
وكان المترجم اماما علامة سليم الباطن معمور الظاهر قد
عم به الانتفاع
روى عنه كثيرون من الشيوخ وكان يذهب في كل سنة الى تغر
الاسكندرية فيقيم بها شعبان ورمضان وشوالا ثم يرجع الى مصر يملي ويفيد ويدرس حتى
توفي في سنة 1162 ودفن بتربة بستان المجاورين بالصحراء
ذكر من مات في هذه السنين من الامراء المشهورين والاعيان
مات الامير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك
وخشداش عثمان بك ولما دخلوا على استاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم كان هو إذ ذاك
خازنداره كما تقدم فقال المترجم باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح
فكانت هذه الكلمة سببا لهزيمة القاسمية واخمادهم الى آخر
الدهر وعد ذلك من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة
ثم ارسل الى مصطفى بك بلغيه فحضر عنده وجمع اليه محمد بك
قطامش وارباب الحل والعقد وارسلوا الى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا
امورهم وقتلوا القاسمية
الذينن وجدوهم في ذلك الوقت
ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع واربعين
وكان امير الحاج رضوان بك ارسل الى محمد بك قطامش فعرفه ذلك فاجتمع الامراء
بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب فقال المترجم انا اذهب اليهم واخلص من
حقهم وانقذ الحجاج منهم ولا آخذ من الدولة شيئا بشرط ان اكون حاكم جرجا عن سنة ثمان
واربعين فأجابوه الى ذلك والبسه الباشا قفطانا وقضى اشغاله في اسرع وقت وخرج في
طوائفه ومماليكه واتباع استاذه وتوجه الى العقبة وحارب العرب حتى انزلهم من
الحلزونات واجلاهم وطلع امير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة
عظيمة ولحق الحجاج بنخل ودخل صحبتهم
ولما دخل ترت سافر الى ولاية جرجا فاقام بها اياما ومات
هناك بالطاعون
وامت الامير مصطفى بك بلغيه تابع حسن اغا بلغيه تقلد
الامارة والصنجقية في ايام اسمعيل بك ابن ايواظ سنة 1135 ولم يزل اميرا متكلما
وصدرا من صدور مصر اصحاب الامر والنهي والحل والعقد الى ان مات بالطاعون على فراشه
سنة 1148
ومات ايضا رضوان اغا الفقاري وهو جرجي الجنس تقلد اغاوية
مستحفظان عندما عزل علي اغا المقدم ذكره في اواخر سنة 1118 ثم تقلد كتخدا الجاويشية
ثم اغات جملية في سنة 1120 وكان من اعيان المتكلمين بمصر وفر من مصر وهرب مع من
هرب في الفتنة الكبرى الى بلاد الروم ثم رجع الى مصر سنة خمس وثلاثين باتفاق من
اهل مصر بعدما بيعت بلاده وماتت عياله ومات له ولدان
فمكث بمصر خاملا الى سنة ست وثلاثين ثم قلده اسمعيل بك
بن ايواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يوما
ولما قتل اسمعيل بك في تلك السنة نفي المترجم الى ابي
قير خوفا من حصول الفتن فاقام هناك ثم رجع الى مصر واستمر بها الى
ان مات في الفصل سنة 1148
ومات كل من اسمعيل بك قيطامس واحمد بك اشراق ذي الفقار
بك الكبير وحسن بك وحسين بك كتخدا الدمياطي واسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل
جاويش قباجيه وافندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وافندي صغير مستحفظان
واحمد اوده باشا المطرباز ومحمد اغا ابن تصلق اغات مستحفظان وحسن جلبي بن حسن جاويش
خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات الجميع في الفصل سنة ثمان واربعين
ومات احمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني
الذي بخط العقادين الرومي بعطفة خوش وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس واصله من
بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148 وكان المباشر
على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وجعل مملوكه علي ناظر عليه ووصيا
على تركته
ومات المترجم في واقعة بيت محمد بك الدفتردار سنة 1149
مع من مات كما تقدم الالماع بذكر ذلك في ولاية باكير باشا
ومات الامير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش
القازدغلي والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العماير
تنقل في مناصب الوجاقات في ايام سيده وبعدها الى ان تقلد
الكتخدائية ببابه وصار من ارباب الحل والعقد واصحاب المشورة واشتهر ذكره ونما صيته
وخصوصا لما تغلبت الدول وظهرت الفقارية
ولما وقع الفصل في سنة ثمان واربعين ومات الكثير من
اعيان مصر وامرائها غنم اموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف
بالازبكية بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع واربعين وحصلت الصلاة فيه ووقع به
ازدحام عظيم حتى ان عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخرا فلم يجد له
محلا فيه فرجع
وصلى بجامع ازبك
وملأوا المزملة بشربات السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا
بالقلل لشرب من بالمسجد من الاعيان وعمل سماطا عظيما في بيت كتخداه سليمان كاشف
برصيف الخشاب وخلع فى ذلك اليوم على حسن افندى ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي
المدرس وارباب الوظائف خلعا وفرق عل الفقراء دراهم كثيرة وشرع فى بناء الحمام
بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب وبنى زاوية العميان بالازهر ورحبة رواق
الاتراك والرواق ايضا ورواق السليمانيه ورتب لهم مرتبات من وقفه وجعل مملوكه
سليمان الجوخدار ناظرا ووصيا والبسه الضلمة
ولم يزل عثمان كتخدا اميرا ومتكلما بمصر وافر الحرمة
مسموع الكلمة حتى قتل مع من قتل ببيت محمد بك الدفتردار مع ان الجمعية كانت
باطلاعه ورأية ولم يكن مقصودا بالذات فى القتل
ومات الامير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطاش وهو
مملوك قيطاس بك جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك ابراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن
بك الفقارى تولى الامارة والصنجقية فىحياة استاذه وتقلد امارة الحج سنة خمس وعشرين
وطلع بالحج مرتين وتقلد ايضا امارة الحج سنة 1146 و 1148 ولما قتل عابدى باشا استاذه بقراميدان
سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى المترجم وكرنك فى بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب
بثار استاذه ولم يتم له امر وهرب الى بلاد الروم فاقام هناك الى ان ظهر ذو الفقار
فى سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هاربا من مصر فارسل عند ذلك اهل مصر يستدعون المترجم
ويطلبون من الدولة حضوره الى مصر وارسلو الى مصر وانعموا عليه بالدفتردارية
ولما وصل الى مصر لم يتمكن منها حتى قتل علي بك الهندى فعند
ذلك تقلد الدفتردارية وظهر امره ونما ذكره وقلد مملوكه علي صنجقا وكذلك اشراقه
ابراهيم بك
ولما عزل باكير باشا تقلد المترجم قائمقامية
وذلك سنة ثلاث واربعين
وبعد قتل ذى الفقار بك صار المترجم اعظم الامراء المصرية
وبيده النقض والابرام والحل والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وابراهيم بك
ولم يزل اميرا مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار كما تقدم
وقتل معه ايضا من امرائه علي بك وصالح بك
ومات معهم ايضا يوسف كتخدا البركاوي وكان اصله جربجيا
بباب العزب وطلع سردار بيرق في سفر الروم ثم رجع الى مصر فأقام خاملا قليل الحظ من
المال والجاه فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار واجتمع محمد باشا وعلي
باشا والامراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية مصلى المؤمنين
والحصرية وتلك النواحي وتابعوا رمي الرصاص على من بالمحمودية وباب العزب والسلطان
حسن بحيث منعوهم المرور والخروج والدخول وضاق الحال عليهم بسبب ذلك فعندها تسلق
المترجم وخاطر بنفسه ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية
وطلع عند الباشا والامراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بانه يفرد قايبر بمائة
نفر واوده باشه ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين وهو يملك بيت قاسم
بك ويفتح الطريق فاعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت قاسم بك وجرى بعد ذلك ما
جرى
ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب وظهر شأنه من
ذلك الوقت واشتهر ذكره وعظم صيته
وكان كريم النفس ليس للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل
في واقعة بيت الدفتردار
ومات الامير قيطاس بك الاعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري
المتقدم ذكره تقلد الامارة في ايام استاذه ولما قتل استاذه كان المترجم مسافرا
بالخزينة ونازلا بوطاقة بالعادلية وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلا بسبيل علام
فلما بلغه قتل استاذه ركب هو وعثمان بك بارم
ذيله وأتيا اليه وطلباه للقيام
معهما في طلب ثار استاذهم فلم يطاوعهما على ذلك وقال أنا معي خزينة السلطان وهي في
ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الامر الفارغ وفيكم البركة
وذهب محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم
له امر وخرج بعد ذلك هاربا من مصر ولحق بقيامطس بك المذكور وسافر معه الى الديار
الرومية واستمر هناك الى ان رجع كما ذكر وعاد المترجم من سفر الخزينة فاستمر أميرا
بمصر وتقلد امارة الحج سنة اثنتين واربعين وتوفي بمنى ودفن هناك
ومات الامير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي
المتوفي سنة 1124
تنقل في الامارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية
وصار من اعيان الامراء بمصر وارباب الحل والعقد ولما انقضت الفتنة الكبيرة وطلع
اسمعيل بك بن ايواظ الى باب العزب وقتل عمر اغا استاذ ذي الفقار بك وامر بقتل خازنداره
ذي الفقار المذكور استجار بالمترجم وكان بلديه وكان اذ ذاك خازندار عند سيده حسن
كتخدا فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة قمن العروس كما تقدم فلم يزل يراعي له ذلك
حتى ان يوسف كتخدا البركاوي انحرف منه في ايام امارة ذي الفقار وأراد غدره واسر
بذلك الى ذي الفقار بك فقال له كل شيء اطاوعك فيه الا الغدر بعلي كتخدا فانه كان
السبب في حياتي وله في عنقي ما لا انساه من المنن والمعروف وضمانه علي في كل شيء
وقلده الكتخدائية وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو ان محمد اغا
مملوك بشير اغا القزلار استاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسمى منصور الزتاحرجي
السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف وكان متمولا وله ابنة تسمى خديجة فخطبها
محمد اغا لمملوكه حسن اغا استاذ المترجم وزوجها له وهي خديجة المعروفة بالست
الجلفية
وسبب قتل المترجم ما ذكر
في ولاية سليمان باشا بن
العظم لما أراد ايقاع الفتنة واتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك
ذي الفقار وابراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم وهم المشار اليهم
اذ ذاك في رياسة مصر
واتفق عمر بك مع خليل بك واحمد كتخدا عزبان البركاوي
وابراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل احد المذكورين فكان احمد كتخدا ممن
تكفل بقتل المترجم فأحضر شخصا يقال له لاظ ابراهيم من اتباع يوسف كتخدا البركاوي
وأغراه بذلك فانتخب له جماعة من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي
ففعل ذلك ووقف مع من اختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع الى
الديوان وارسل ابراهيم جاويش انسانا من طرفه سرا يقول لا تركب في هذا اليوم صحبة
احمد كتخدا فانه عازم على قتلك
وبعد ساعة حضر اليه احمد كتخدا فقام وتوضأ وقال لكاتبه
التركي خذ من الخازندار الفلاني الف محبوب ندفعها فيما علينا من مال الصرة
فاخذها الكاتب في كيس وسبقه الى الباب وركب مع احمد
كتخدا وابراهيم جاويش وخلفهم حسن كتخدا الرزاز واتباعهم فلما وصلوا الى المكان
المعهود خرج لاظ ابراهيم وتقدم الى المترجم كانه يقبل يده فقبض على يده وضربه
بالطبنجة في صدره فسقط الى الارض واطلق باقي الجماعة ما معهم من آلات النار
وعبقت الدخنة فرمح ابن امين البحرين وذهب الى بيته وطلع
احمد كتخدا وصحبته حسن كتخدا الرزاز الى الباب
ولما سقط علي كتخدا سحبوه الى الخرابة وفيه الروح فقطعوا
راسه ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا الى الباب وعندما طلع احمد
كتخدا واستقر بالباب اخذ الالف محبوب من الكاتب وطرده واقترض من حسن كتخدا المشهدي
الف محبوب ايضا وفرق ذلك على من الباب من أوده باشيه والنفر
ومن مآثر علي كتخدا المترجم القصر
الكبير الذي بناحية الشيخ قمر
المعروف بقصر الجلفي وكان في السابق قصر صغيرا يعرف بقصر القبرصلي وأنشأ ايضا
القصر الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الامير صالح الموجود
الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202 وبااع أنقاضه وله غير ذلك مآثر كثيرة
وخبرات رحمه الله
ومات احمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف
بالبركاوي لانه اشراق يوسف كتخدا البركاوي
وخبر قتله انه لما تم ما ذكر ونزل احمد كتخدا من باب
العزب بتمويهات حسين بك الخشاب وملكه اتباع عثمان بك ندم على تفريطه ونزوله وعثمان
بك يقول لا بد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي قبل طلوعي الى الحج والا ارسلت خلافي وأقمت
بمصر وخلصت ثار المرحوم
وارسل الى جميع الاعيان والرؤساء بانهم لا يقبلوه وطاف
هو عليهم بطول الليل فلم يقبله منهم احد فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة
محمد كتخدا الطويل فاجتمع الاختيارية والاعيان ببيته لحضور مشهده فدخل عليهم احمد
كتخدا في بيت المتوفي وقال أنا في عرض هذا الميت
فقال له اطلع الى المقعد واجلس به حتى نرجع من الجنازة
فطلع الى المقعد كما أشاروا اليه وجلس لاظ ابراهيم
بالحوش وصحبته اثنان من السراجين فلما خرجوا بالجنازة أغلقوا عليهم الباب من خارج
وتركوا معهم جماعة حرسجية وأقاموا مماليك احمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين
حتى قطعوا الطريق وقتلوا رجلا مغربيا وفراشا وحمارا
فارسل عثمان بك الى رضوان كتخدا يأمره بارسال جاويش ونفر
وقابجية بطلب محمد كتخدا من بيته ففعل ذلك فلما وصلوا الى هناك ويقدمهم ابو مناخير
فضة وجدوا رمي الرصاص فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه
فأخبرهم بعض الناس وقال لهم الذي مرادكم فيه
دخل بيت الطويل فاتوا الى الباب
فوجدوه مغلوقا من خارج فطلبوا حطبا وأرادوا ان يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم في
البيت من النهب فقتلوا لاظ ابراهيم ومن معه وطلعوا الى احمد كتخدا فقتلوه ايضا
وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية فقطعوا رأسه واخذوها الى رضوان كتخدا
فأعطاهم البقاقيش وقطع رجل ذراعه وذهب بها الى الست الجلفية واخذ منها بقشيشا ايضا
ورجع من كان في الجنازة وفتحوا الباب وأخرجوا لاظ
ابراهيم ميتا ومن معه وقطعوه قطعا
واستمر احمد كتخدا مرميا من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه
بعد الغروب ثم دفنوا معه الرأس والذراع
ومات الامير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي
الذي جعله ناظرا ووصيا وكان جوخداره ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم
تزوج بمحظية استاذه الست شويكار الشهيرة الذكر ولم يعط الوارث الذي هو عبد الرحمن
بن حسن جاويش استاذ عثمان كتخدا سوى فائظ اربعة اكياس لا غير
وتواقع عبد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده
احد فحنق منهم واتسلخ من بابهم وذهب الى باب العزب وحلف انه لا يرجع الى باب
الينكجرية ما دام سليمان جاويش حيا
وكان المترجم صحبة استاذه وقت المقتلة ببيت الدفتردار فانزعج
وداخله الضعف ومرض القصبة ثم انفصل من الجاويشية وعمل سردار قطار سنة احدى وخمسين
وركب في الموكب وهو مريض وطلع الى البركة في تختروان وصحبته الطبيب فتوفي بالبركة
وامير الحاج اذ ذاك عثمان بك ذو الفقار وكان هناك سليمان أغا كتخدا الجاويشية وهو
زوج ام عبد الرحمن جاويش فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد الرحمن جاويش
واستأذنه في احضاره وان يتقلد منصبه عوضه فأرسلوا اليه وأحضروه ليلا وخلع عليه
عثمان بك قفطان السردارية واخذ عرضه من
باب العزب وطيب سليمان اغا
خاطر الباشا بحلوان وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش واتباعه وتسلم مفاتيح الخشاخين
والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئا كثيرا وبرفي قسمه ويمينه
ومات الامير محمد بك بن اسمعيل بك الدفتردار وقتل
الامراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسن اغا بلغيه
وخبر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى
المترجم في مكان لم يشعر به احد فمرضت والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا
اليه وقنعوه وأتوا به اليها من المكان المحتفي فيه بزي النساء فنظرت اليه وتأوهت وماتت
ورجع الى مكانه
وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت
الى اغات الينكجرية واخبرته بذلك فركب الى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا
البيت وقبضوا عليه وركبوه حمارا وطلعوا به الى القلعة فرموا عنقه وكانوا نهبوا
بيته قبل ذلك في أثر الحادثة وكان موته اواخر 1149
ومات عثمان كاشف ورضوان بك امير الحاج سابقا ومملوكه
سليمان بك فانهم بعد الحادثة وقتل الامراء المذكورين وانعكاس امر المذكورين اختفوا
بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت ايواظ الذي هو السبب في ذلك
فاستمروا في اخفائهم مدة ثم انهم دبروا بينهم رأيا في ظهورهم واتفقوا على ارسال
عثمان كاشف الى ابراهيم جاويش قازدغلي فغطى راسه بعد المغرب ودخل الى بيت ابراهيم
جاويش فلما رآه رحب به وسأله عن مكانهم فأخبره انهم بخان النحاس وهم فلان وفلان
يدعون لكم ويعرفون همتكم وقصدهم الظهور على أي وجه كان
فقال له نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام الى بعد العشاء
عندما اراد ان يقوم فقال له اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة
فأرسل سراجا الى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمان كاشف
بانه عنده فأرسل اليه
طائفة وسراجين وقفوا له في
الطريق وقتلوه
ووصل الخبر الى ولده ببيت ابي الشوارب فحضر اليه وواراه
واخذ ولده المذكور ابراهيم جاويش وطلع في صبحها الى الباب فأخبر أغات مستحفظان
فنزل وكبس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبته ثلاثة فأحضرهم الى الباشا فقطع
رؤوسهم
واما صالح كاشف فانه قام وقت الفجر فدخل الى الحمام فسمع
بالحمام قتل عثمان كاشف في حوض الداودية فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في
رجوعه الى خان الخليلي
ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيا في وجهه
فذهب الى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج اليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خداما ومملوكا
راكبا حصانا وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلما أمسى
عليه الليل يبيت في بلد حتى وصل عربان غزة
ثم ذهب في طلوع الصيف الى اسلامبول ونزل في مكان
ثم ذهب عند دار السعادة وكان اصله من اتباع والد محمد بك
الدفتردار فعرفه عن نفسه فقال له انت السبب في خراب بيت ابن سيدي واستأذن في قتله
فقتلوه بين الابواب في المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة
وطلبهم الظهور من الاختفاء كالباحث على حتفه بظلفه
ومات الامير خليل بك قطامش امير الحاج سابقا تقلد
الامارة والصنجقية سنة تسع واربعين بالحج اميرا سنة ثمان وخمسين ولم يحصل في
امارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم
وكان اتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب الى
المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العرب وصادر التجار في اموالهم بطريق الحج
وكانت اولاد خزنته ومماليكه اكثرهم عبيد سود يقفون في
حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاتين
وكان الامير بك ذو الفقار يكرهه
ولا تعجبه احواله ولما وقع
للحجاج ما وقع في امارته ووصلت الاخبار الى مولاي عبد الله صاحب المغرب وتأخر بسبب
ذلك الراكب عن الحج في السنة الاخرى ارسل مكتوبا الى علماء مصر واكابرهن ينقم
عليهم في ذلك ويقول فيه وان مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور
اهل الدين والسنة اي انصداع وضاقت من اجله الارض على الخلائق وتحمل من فيه ايمان
لذلك ما ليس بطائق من تعدى امير حجكم على عباد الله واظهار جرأته على زوار رسول
الله فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعدية الحدود وبلغ في خبثه الغاية
وجاوز في ظلمه الحد والنهاية فيالها من مصيبة ما اعظمها ومن داهية دهماء ما اجسمها
فكيف يا امة محمد صلى الله عليه و سلم يهان او يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو
نبينا عليه الصلاة و السلام وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وافصحت لنا علماء
الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك فياللعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من اعيانها لا
يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها
فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام الى آخر ما قال
فلما وصل الجواب واطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما
اودع من درر وغرر تسلب عقول اولي الالباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام
ينهي بعد ابلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط ارض الود وطما ان كتابكم
الذي خصصتم الخطاب به الى ذوي الافاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخرة
الصديقية اخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشرفت انظارنا بمطالعة معانية الفائقة
والتقطت انامل أذهاننا درر مضامينه الكافية الرائقة التي ادرجتم فيها ما ارتكبه
امير الحاج السابق في الديار المصرية في حق قصاد بيت الله الحرام وزوار روضة النبي
الهاشمي عليه افضل الصلاة والسلام
فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل
اكثر مما تحويه بطون السطور
لكن الزارع لا يحصد الا من جنس زرعه في حزن الارض وسهله ولا يحيق المكر السيء الا
باهله لان الشقي المذكور لما تجاسر الى بعض المنكرات في السنة الاولى حملناه الى
جهالته واكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونته وتكشف عيون هدايته فلم تفد في السنة
الثانية الا الزيادة في العتو والفساد ومن يضلل الله فما له من هاد
ولما تيقنا ان التهديد بغير الايقاع كالضرب في الحديد
البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا باسقائه من حميم جراء
افعاله لان كل أحد من الناس مجزى باعماله فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع
ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنا بقيتهم بانواع الخزي الى الصحاري
فهم بحول الله كالحيتان في البراري وولينا امارة الحج من الامراء المصريين من وصف
بين أقرانه بالانصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة
والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصا
من جماعة ركبوا غارب الاغتراب بقصد زيارة البلد الامين
فان كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر
السالف فقد انقضى أوان غدره على ما شرحناه وصار كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف
والحمد لله على ما منحنا من نصرة المظلومين وأقدرنا على رغم أنوف الظالمين وصلى
الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين تحريرا في
سادس عشر المحرم افتتاح سنة 1161
واجاب ايضا الاشياخ بجواب بليغ مطول اعرضت عن ذكره لطوله
ومات خليل بك المذكور قتيلا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا ابو يوسف
بالقلعة وقتل معه ايضا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كان تولى
الصنجقية وسافر بالخزينة سنة سبع وخمسين عوضا عن عمر بك ابن علي بك ونزلت البيارق
والعسكر والمدافع لمحاربة ابراهيم بك وعمر بك سليمان
بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم
وعازقهم وهجنهم من مصر الى قبلى ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وبعض من هم من
عصبتهم
ومات محمد بك المعروف باباظة وذلك انه لما حصلت واقعة
حسين بك الخشاب وخروجه من مصر كما تقدم في ولاية محمد باشا راغب حضر محمد بك
المذكور الى مصر وصحبته شخص آخر فدخلا خفية واستقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية
فوصل خبره الى ابراهيم جاويش فأرسل اليه اغات الينكجرية فرمى عليه بالرصاص وحاربه
وحضر ايضا بعض الامراء الصناجق فلم يزل يحاربهم حتى فرغ
ما عنده من البارود فقبضوا عليه وقتلوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة
ومات الاجل الامثل المبجل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا
المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيادة والامارة والتجارة وسبب
موته انه نزلت بانثيية نازلة فاشاروا عليه بفصدها واحضروا له حجاما ففصده فيها بمنزله
الذي خلف جامع الغورية
ثم ركب الى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة
وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصد
لم يصادف المحل فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الانثيين ونزل منه دم كثير
فقال له قتلتني انج بنفسك
وتوفي في تلك الليلة وهي ليلة السبت ثاني عشر ربيع الاخر
سنة 1147 فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه الى اخيه سيدي احمد فأمرهم باطلاقه
فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره
العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والاغوات والاختيارية والكواخي حتى ان عثمان كتخدا
القازدغلي لم يزل ماشيا امام نعشه من البيت الى المدفن بالمجاورين
ومات الامير حسن بك المعروف بالوالي الذي سافر بالخزينة
الى الديار
الرومية فتوفي بعد وصوله الى
اسلامبول وتسليمه الخزينة بثلاثة ايام ودفن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه امارته
وذلك في اوائل جمادى الاولى سنة 1148
ومات الوزير المكرم عبد الله باشا الكبورلي الذي كان
واليا في مصر في سنة 1143 وقد تقدم انه من ارباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له
معرفة بالفنون والادبيات والقراءات وتلا القرآن على الشهاب الاسقاطي وأجازه وعلى محمد
بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة
الامير عثمان بك ذو الفقار
هو وان لم يمت لكنه خرج من
مصر ولم يعد اليها الى ان مات بالروم وانقطع امره من مصر فكأنه صار في حكم من مات
وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لانه عاش
بعد خروجه من مصر نيفا وثلاثين سنة
ولجلالة شأنه جعل اهل مصر سنة خروجه منها تاريخا
لاخبارهم ووقائعهم ومواليدهم الى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب اعني سنة 1220
فيقولون جرى كذا سنة خروج عثمان بك وولدت سنة خروج عثمان بك او بعده بكذا سنة او
شهر
هو تابع الامير ذي الفقار تابع عمر اغا تقلد الامارة
والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور استاذه من اختفائه وخروج محمد بك جركس من مصر فتقلد
الامارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا الى حوش
ابن عيسى وسألوا عنه فاخبرهم العرب انه ذهب من خلف الجبل الاخضر الى درنة
فعاد بالعسكر الى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات الاقاليم
في حياة استاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين واربعين خرج اليه بالعسكر
وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والانهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده
بيد خليل آغا وسليمان ابي
دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم ارسلوا اليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت استاذه
وتقلد خشداشة على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل براسه علي
قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على امير منهم احضروه الى
محمد باشا فيرسله الى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى افنوا الطائفة
القاسمية قتلا وطردا وتشتتوا في البلاد واختفوا في النواحي والتجأ الكثير منهم الى
اكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر الى بلاد الشام والروم ولم يعد الى مصر حتى
مات ومات خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان واربعين فقلد عوضه مملوكه حسن
الصنجقية
ولما حصلت كائنة قتل الامراء الاحد عشر ببيت الدفتردار وكان
المترجم حاضرا في ذلك المجلس واصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخرج من باب البركة
وسار الى باب الينكجرية واجتمع اليه الاعيان من الاختيارية والجاويشية واحضروا عمر
بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم باب العزب وعملوا متاريس وحاربوا
المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا واختفوا كما تقدم وعزلوا الباشا
وظهر امر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت اليه رياسة مصر
وقلد امراء من اشراقاته وحضر اليه مرسوم من الدولة بالامارة على الحج فطلع بالحج
سنة احدى وخمسين ورجع سنة اثنتين وخمسين في امن وامان وسخاء ورخاء
ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب
المترجم ايضا لطلب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد اتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد
رضوان كتخدائية العزب عوضا عن استاذه واحاط باحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو
ولاظ ابراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله اميرا على الحج
وسافر به سنة ثلاث وخمسين
ورجع سنة اربع وخمسين في امن
وامان وطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة اربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين
ثم ورد امر للمترجم بامارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في
ولاية يحيى باشا
وفي تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيى باشا في بيته
وحضر اليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بان الباشا نزل الى
بيت احد من الامراء وانما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر
العيني او المقياس
وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في امن وامان وانتهت
اليه الرياسة وشمخ على امراء مصر ونفذ احكامه عليهم قهرا عنهم وعمل في بيته دواوين
لحكومات العامة وانصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصا ولا يجري
احكامه الا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر امور الحسبة
بنفسه
وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات
المبيعات شفقة على الفقارء ومنع المحتسب من اخذ الرشوات وهجج الشهود من المحاكم
وكان يرسل الخاصكية اتباعه في التعايين حتى على الامراء
ولم يعهد عليه انه صادر احدا في ماله واخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الاغنياء
وارباب الاموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه
لشيء من اموالهم
ولما ورد الامر بابطال المرتبات وجعلوا على تنفيذها
مصلحة للباشا وغيره افرزوا له قدرا امتنع من قبوله واقتدى به رضوان بك وقال هذا من
دموع الفقراء وان حصلت الاجابة كانت مظلمة وان لم تحصل كانت مظلمتين
وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب اقامة الحق والعدل
في الرعية وهابته العرب وامنت الطرق والسبل البرية والبحرية في ايامه وله حسن
تدبير في الامور طاهر الذيل شديد االغيرة
ولم يأت بعد اسمعيل بك ابن ايواظ في امراء مصر من يشابهه
او
يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة اذ قال كلاما او عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس الا ارباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد احمد النخال والشيخ عبد الله الادكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطة التعليق الحسن في خمسين جزأ لطافا كل مقامة على حدتها والف لاجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الامراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى استوحشوا منه وحضر اليه يوما على باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قبضة فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه واراد ان يضربه وغير ذلك
السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر
مبدأ ذلك تغير خاطره من
ابراهيم جاويش وتغير خاطر ابراهيم جاويش منه لامور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة
والامارة في الممالك
والثاني ان علي كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة
تعلق عبد الرحمن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فاجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف
فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر اليه رجل واغراه على قتل حماد شيخ البلد وياخذ من اولاده
مائة جنزرلي وحصانا ويعمل واحدا منهم شيخا عوضا عن ابيه ففعل ذلك ووعده الى ان
يذهب منهم شخص الى مصر ويأتي بالدراهم من الامين وضمنهم الذي كان السبب في قتل
ابيهم فحضر شخص منهم الى مصر وطلب من الامين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فاخذه
واتى به الى ابراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف باغراء سالم
شيخ البلد وانه ضمنهم ايضا في المائة جنزرلي وقد اتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف
وتخلص ثاره من سالم
فركب ابراهيم جاويش واتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته
الولد فقص
عليه القصة وفمهما ثم انهم
ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا
الجلفي فسلموا وجلسوا فقال ابراهيم جاويش نحن قد اتينا في سؤال قال الصنجق خير
فذكر القصة ثم قال له ارسل اعزل علي كاشف وارسل خلافه
فقال الصنجق صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا
يصح اني اعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود
وتراددوا في الكلام الى ان احتد الصنجق وقال ابراهيم
جاويش انت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وانا استأجرت الحصة
فقال له الصنجق انزل اعمل كاشفا فيها على سبيل الهزل
فقام ابراهيم جاويش منتورا وقام صحبته عبد الرحمن جاويش
وذهبوا الى بيت عمر بك فوجدوا عنده خليل اغا قطامش واحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة
فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال احمد كتخدا عزبان الجمل والجمال
حاضران اكتب ايجار حصة اخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبها فرمانا بالتصرف في
الناحية فاحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الايجار
وبلغ الخبر عثمان بك فارسل كتخداه الى الباشا يقول لا
تعط فرمانا بالتصرف في ناحية طحطا لابراهيم جاويش فلما خرجت الحجة ارسلها للباشا
صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من اعطاء الفرمان فقامت نفس ابراهيم جاويش من عثمان
بك وعزم على غدره وقتله
ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع عنده انفارا فسعى علي
كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وارسل ابراهيم جاويش ابن حماد وقال له
لما تطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم اقتلوه
واخرجوا من البلد حتى ينزل كاشف من طرفي ارسل لكم ورقة امان ارجعوا وعمروا
فنزل الولد وفعل ما قاله له الجاويش فوصل الخبر على كاشف
فركب خلفهم فلم يحصل منهم احدا وارسل ابراهيم جاويش كاشفا من طرفه
بطائفة ومدافع ونقارية وورقة
امان لاولاد حماد
واستمر علي كتخدا يسعى حتى اصلح بين الصنجق والجاويش
والذي في القلب في القلب كما قيل ... ان القلوب اذا تنافر ودها ... مثل الزجاج
كسرها لا يجبر ...
ولما اخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر الى مصر قبل نزول
الكاشف الجديد وكانت هذه القضية اوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتردار وقتل الامراء
واما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط
وهو ان شيخ العرب همام رهن عند ابراهيم جاويش ناحية برديس تحت مبلغ معلوم لاجل معلوم
وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد فارسل همام الى المترجم يستعير جاهه في منع
الفراغ بالناحية لابراهيم جاويش فاخبر عثمان بك الباشا وقال له هوارة قبلي راهنون
عند ابراهيم جاويش بلدا وارسلوا يقولون ان اوقع فيها فراغه وارسل لها كاشفا قتلناه
وقطعنا الجالب فانتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فانهم يوقفون المال والغلال
فلم يتمكن ابراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم
فلا يعطيه وطالت الايام وعثمان بك مستمر على عناده وابراهيم جاويش يتواقع على
الامراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه باشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات
ونحو ذلك الى ان ضاق خناق ابراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وانجمعوا على
رضوان كتخدا وكان انفصل من كتخدائية الباب فقالوا له اما ان تكون معنا واما ان
ترفع يدك من عثمان بك
فلم يطاوع وقال هذا لا يكون وكيف اني افوت انسانا بذل
مجهوده في تخليص ثارنا من اخصامنا ولولا هو لم يبق منا انسان
وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصا بعد الواقعة الكبيرة
ولا يقع امر بمصر الا بيدهم ومعونتهم
فلما ايسوا منه قالوا له اذا كان
كذلك فانت سياق عليه في قضية
اخينا ابراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب الى عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك
فقال هذا شيء لا يكون ولا يفرحون به فألح عليه في الكلام
فنفر فيه وقال له اترك هذا الكلام واشار الى وجهة بالمذبة فانجرح انفه فاخذ في
نفسه رضوان كتخدا واغتم وقال له حيث انك لم تقبل شفاعتي دونك واياهم ولا ادخل بينك
وبينهم
وركب الى بيته وارسل الى ابراهيم جاويش عرفه بذلك فركب
في الوقت واخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا الى عمر بك فوجدوا عنده خليل بك ومحمد
بك صنجق ستة فاجمعوا امرهم واتفقوا على الركوب على عثمان بك يوم الخميس على حين
غفلة وهو طالع الى الديوان فاكمنوا له في الطريق فلما ركب في صبح يوم الخميس
وصحبته اسمعيل بك ابو قلنج خرج عليه خليل بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه
بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم يصب الا طرف انفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة
الى بيت مناو وراس الخيمية وخاف من رجوعه على بيت ابراهيم جاويش ومر على قصبة
رضوان على حمام الوالي وهرب ابو قلنج الى بيت نقيب الاشراف
وبلغ الخبر عبد الله كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية
ويمنعه من الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته الى البيت واذا
بابراهيم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة
واحاطوا بالجهات وهجموا على بيوت اتباعه واشراقاته واوقعوا فيها النهب واحرقوها
بالنار وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون
عليه البيت
فلما رأى ذلك الحال امر بشد الهجن وركب وخرج من البيت
وتركه بما فيه ولم يأخذ منه الا بعض نقود مع اعيان المماليك وطلع من وسط المدينة
ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد وذهب الى بولاق
ونزل في جامع الشيخ ابي العلا
ولم يذهب احد خلفه بل غم امره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر الى بيته
ونهبوه وسبوا الحريم والجواري واخرجوا منه ما يجل عن الوصف واغتنى كثير من
السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارا واكابر ولم يزالوا في النهب حتى قلعوا
الرخام والاخشاب واوقدوا النار
وحضر اغات الينكجرية اواخر النهار واخرج العالم وقفل
الباب واعطى المفتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار وأقامت النار وهم يطفئونها
يومين وكان امرا شنيعا
واما عثمان بك فانه لما نزل بمسجد ابي العلا وصحبته عبد
الله كتخدا اقاما الى بعد الغروب فارسل عبد الله كتخدا الى داره فاحضر خياما وفراشا
وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا الى جهة قبلي من ناحية الشرق فلم يزالا الى ان
وصلا الى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا واجتمعت عليه طوائف القاسمية الهاربين
الكائنين بشرق اولاد يحيى وغيرهم
واما ما كان من ابراهيم جاويش القازدغلي فانه جعل مملوكه
عثمان اغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه اسمعيل اغات عزب وشرعوا في تشهيل
تجريدة وجعلوا خليل بك قطامش امير العسكر
ووعدوه بولاية جرجا اذا قبض على عثمان بك
فجهزوا انفسهم وجمعوا الاسباهية وسافروا الى ان قربوا من
ناحية اسيوط فارسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعوا واخبروا انهم نحو
خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان وبشير كاشف وطوائفهم فاشاروا على عثمان بك بالهجوم على
خليل بك ومن معه فلم يرض وقال المتعدي مغلوب
ثم انهم ارسلوا الى ابراهيم جاويش يطلبون منه تقوية
فانهم في عزوة كبيرة فشرع في تجهيز نفسه واخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش
الخربطلي وكامل اتباعهم وانفارهم وسافروا الى ان وصلوا عند خليل بك
ووصل الخبر الى عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد
الله
كتخدا القازدغلي انتم لم
تفوتوا بعضكم
واشار عليه بان يطلع الى عند السردار وطلع عند السردار
وعدى عثمان بك ومن معه وانعم على القاسمية الواصلين اليه ورجعوا الى اماكنهم
وسار هو من جهة الشرق الى السويس ثم ذهب الى الطور فاقام
عند عرب الطور مدة اياما
ووصل ابراهيم جاويش ومن معه الى اسيوط فوجدوه قد ارتحل
وحضر اليهم السردار فاخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فارسل
اليه علي جاويش الطويل فاحضره الى ابراهيم جاويش وعاتبه وارتحل في ثاني يوم خوفا
من دخول عثمان بك الى مصر
ولما وصل ابراهيم جاويش الى مصر اتفقوا على نفي عبد الله
كتخدا الى دمياط فسافر اليها بكامل اتباعه ثم هرب الى الشام وتوفي هناك ورجعت
اتباعه الى مصر بعد وفاته
ولما وصل عثمان بك الى السويس ارسل القبطان الخبر بوروده
البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم وانهم اخذوا من البندر سمنا وعسلا
وجبنا ودقيقا وذهبوا الى الطور فعملوا جمعية في بيت ابراهيم بك قطامش واتفقوا على
ارسال صنجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما اغات بلوك واسباهية
وكتخدا ابراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا الى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا
انفسهم واخذوا مدفعين وجبخانة وساروا
ووصل الخبر الى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه
واتى قرب اجرود فتلاقى معهم هناك ووقعت بينهم معركة ابلى فيها علي بك وسليمان بك
وبشير كاشف وقتل كتخدا ابراهيم بك وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة فارسل
اليهم وامرهم بالرجوع وارتحل الى الطور
واما التجريدة فانهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها
مصر وكان عثمان بك ارسل مكاتبة سرا الى محمد افندي كاتبه التركي يطلبه ان يأتيه
الى الطور فحضر محمد افندي المذكور الى ابراهيم جاويش الذي احضر رجلا بدويا طوريا
وسلمه له فاركبه هجينا وسار
به الى الطور فلما وصل اليه واجتمع به زين له الذهاب الى اسلامبول وحسن له ذلك
وانه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الامور امور
فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمد افندي ومعهم
جماعة عرب اوصلوهم الى الشام ومنها ذهب الى اسلامبول ودخل علي بك وسليمان بك وبشير
اغا الى مصر وبعد مدة ظهر بشير اغا فارسله ابراهيم جاويش قائمقام على امانة في
الصعيد
ولما وصل المترجم الى اسلامبول وقابل رجال االدولة
اكرموه وانزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمة وعينوا له كفايته من كل شيء
واجتمع بالسلطان وسأله عن احوال مصر فاخبره فقال له من
جملة الكلام وما صنعت مع اخوانك حتى تعصبوا عليك واخرجوك قال لكوني اقول الحق
واقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على الفي كيس ومن وسايا
البلاد والخيار الشنبر الف كيس وحلوان بلادي الف كيس
فامر بكتابة مرسوم وطلب اربعة آلاف كيس وعينوا بذلك
قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى
مصر في ايام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك اواخر سنة
سبع وخمسين
فلما قرىء ذلك المرسوم قالوا في الجواب اما البيت فقد
نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته اتباعه وخدمه والعرب
والفلاحون واما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من
المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال لهم يكرمي سكزجلبي
حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر واخصموا منه ما عليه وما بقي اكتبوا به عرض محضر
ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم بالجواب
ففعلوا ذلك وذهب قابجي باشا وصحبته اسمعيل بك ابو قلتج
بخزينة سنة ست وخمسين ولما عرض قابجي باشا
العرض بحضرة عثمان بك قال ليس
في جهتي هذا القدر ولكن ارسلوا يطلب الرزنامجي واحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف
وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وارسلوه صحبة جوخدار معين خطابا الى محمد باشا
ويكرمي سكن جلبي وذكروا فيه ان يكرمي سكزجلبي يحضر بثلث الحلوان بولصة
فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والاغوات والبلكات
وقرأ عليهم ذلك المرسوم
فقالوا في الجواب ان من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر
لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب واما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا يمكنه النقص
ولا الزيادة لان حساب المبري محرر في المقاطعات والحال ان ابن السكري كان ممن نافق
على استاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه ابراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا وبعد مدة جعله
متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو احمد بك السكري استاذ يحيى كاشف استاذ علي كتخدا
الموجود الان الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها اشتهر
ثم انهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له
عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم اعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا
في القطامشة والدمايطة والقازدغلية
ثم انهم ارسلوا عثمان بك الى برصا فأقام بها مدة سنين ثم
رجع الى اسلامبول واستمر بها الى ان مات في حدود سنة 1190
واما يوسف وجيش فالتجأ الى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي
ولما سافر عثمان بك من اجرود الى الشام وارتاحوا من قبله قلد ابراهيم جاويش عثمان
اغات تابعه المتفرقة وجعله صنجقا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو اول امرائه وكذلك
رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه اسمعيل اغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر
بعده محمد باشا اليدكشي
وتقلد امارة الحج سنة 1156 ابراهيم بك بلغيه ورجع مريضا
في تختروان سنة 1157
وترك المترجم
بمصر ولدين عاشا لحاهما وبنتا
تزوج بها بعض الامراء واتفق انه سافر الى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على
مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته وفي اواخر
أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان
فاذا استوى راكبا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق
ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته
ومات مصطفى بك الدفتردار من اشراقات عثمان بك وذلك انه
سافر أميرا على العسكر الموجه الى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155
ومات ايضا اسمعيل بك ابو قلنج وكان سافر ايضا بالخزينة
عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك
ومات الامير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الامارة
والصنجقية سنة 1149 في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتردار ولما قتل والده علي بك
مع استاذ محمد بك اجتمع الامراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا المترجم
وطلعوا به الى الباشا وقلدوه الامارة ليأخذ بثار أبيه وجرى ما جرى على اخصامهم
وظهر شأن المترجم ونما امره واشتهر صيته وتقلد امارة
الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معه بالديوان
سنة 1160 فخرج المترجم هاربا من مصر الى الصعيد ثم ذهب الى الحجاز ومات هناك
ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل
فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما
تقدم ومحمد بك المذكور من القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة
الى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة عوضا عنه سنة سبع وخمسين
ومائة وألف
ومات ابو مناخير فضة وذلك انه
كان ببيت استاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه و سلم وكان جعله
باش نفر عنده فأقام يتفرج الى نصف الليل وأراد الذهاب الى بيته فركب حماره وسار وخلفه
عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الامير حسين واذا بجماعة من اتباع الدمايطة
ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا انه مات فتركوه ثم رجعوا اليه بعد ساعة
فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من
الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهم
طائفة وشالوه ودفنوه في صحبها
وأرسل رضوان كتحدا فعزل الاوده باشة وولى خلافه وذلك في
اواخر قبل واقعة الدمايطة
ومات علي كاشف قرقرش وهو من اتباع عثمان بك ذي الفقار
المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الاوده باشه الذي كمل قتل
ابي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلس عند قنطرة سنقر واذا بانسان جائز بالطريق وهو
مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه ابراهيم جاويش
فأمر الوالي بقتله
فقتله والله أعلم بالحقائق
في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها
من ابتداء سنة اثنتين وستين
ومائة والف الى اواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة والف وذلك بحسب التيسير والامكان
ومالا يدرك كله لا يترك كله
فنقول لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا راغب في
الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة ونزل من القلعة
الى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم ثم سافر في اواخر سنة احدى وستين ومائة والف كما تقدم الى ثغر رشيد
ولاية احمد باشا المعروف بكور وزير
ووصل حضرة الجناب الافخم احمد
باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك انه كان بعينه بعض حول فطلع الى ثغر
سكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت اليه الملاقاة وارباب العكاكيز واصحاب
الخدم مثل كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وكاتب الحوالة وغيرهم وكان
الكاشف بالبحيرة اذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هناك
فأرسل عمر بك لكتخداه حسن أغا المذكور عوضا عن مخدومه
المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر واستمر المذكور بالبحيرة الى ان احضر
احمد باشا المذكور الى اسكندرية فحضر اليه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركوب أغواته
واتباعه والجمال لحمل اثقاله وقدم له تقادم وعمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد
وعرفه بحاله ووفاة استاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية استاذه
واعطاه بلاده من غير حلوان وذلك قبل وصول الملاقاة
ووصل خبر ذلك الى مصر فارسل المتكلمون الى كتخدا
الجاويشية يقولون له ان المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك
فاغتاظ فسكتوا ووصل الى رشيد واجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر
فيها احمد باشا وحضر الى مصر وطلع بالموكب المعتاد الى القلعة في غرة المحرم سنة
1162 وضربوا له المدافع والشنك من ابراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على
الامراء والاعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصؤ وأمارتها الى ابراهيم جاويش ورضوان
كتخدا وقلد ابراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو
الذي عرف بالغزاوي صنجقيا
وكذلك حسين أغا وهو الذي عرف بكشكش
وكذلك قلد رضوان كتخدا احمد أغا خازنداره صنجقيا فصار
لكل واحد منهما ثلاثة صناجق وهم عثمان وعلي وحسين الابراهيمية واسمعيل واحمد ومحمد
الرضوانية
ثم ان ابراهيم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة اشهر وانفصل
عنها
وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلي من الحجاز وعمل كتخدا
الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطل الخمامير
وسيأتي تتمة ذلك في ترجمته سنة وفاته
واقام احمد باشا في ولاية مصر الى عاشر شوال سنة 1163
وكان من ارباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية
ولما وصل الى مصر واستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في
ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الازهر ةوالشيخ سالم النفراوي
والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا
وقالوا لا نعرف هذه العلوم فتعجب وسكت
وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع
السراية ويطلع في كل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم
يخرج الى المسجد ويأتي الى الباشا في خواصه فيخطب الشيخ ويدعو للسلطان وللباشا
ويصلي بهم ويرجع الباشا الى مجلسه وينزل الشيخ الى داره
فطلع الشيخ على عادته في يوم الجمعة واستأذن ودخل عند
الباشا يحادثه فقال له الباشا المسموع عندنا بالديار الرومية ان مصر منبع الفضائل
والعلوم وكنت في غاية الشوق الى المجيء اليها فلما جئتها وجدتها كما قيل تسمع
بالمعيدي خير من ان تراه
فقال له الشيخ هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم
والمعارف فقال وأين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم اجد
عندكم منها شيئا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد
فقال
له نحن لسنا أعظم علمائها
وانما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند ارباب الدولة والحكام وغالب اهل
الازهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية الا بقدر الحاجة الموصلة الى علم
الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار
فقال له وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هو من
شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والاهلة وغير
ذلك
فقال نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية اذا قام به البعض
سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج الى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة
الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والامور العطاردية واهل الازهر بخلاف
ذلك غالبهم فقراء واخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك
فقال وأين البعض فقال موجودون في بيوتهم يسعى اليهم
ثم أخبره عن الشيخ الوالد وعرفه عنه وأطنب في ذكره فقال
التمس منكم ارساله عندي
فقال يا مولانا انه عظيم القدر وليس هو تحت امري
فقال وكيف الطريق الى حضوره
قال تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع
ففعل ذلك وطلع اليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به
كثيرا
وكان يتردد اليه يومين في الجمعة وهما السبت والاربعاء
وأدرك منه مأموله وواصله بالبر والاكرام الزائد الكثير ولازم المطالعة عليه مدة ولايته
وكان يقول لو لم أغنم من مصر الا اجتماعي بهذا الاستاذ
لكفاني
ومما اتفق له لما طالع ربع الدستور واتقنه طالع بعده
وسيلة الطلاب في استخراج الاعمال بالحساب وهو مؤلف دقيق للعلامة المارديني فكان
الباشا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده
مطابقا
فاتفق له عدم المطابقة في مسألة من المسائل فاشتغل ذهنه
وتحير فكره الى ان حضر اليه الاستاذ في الميعاد فاطلعه على ذلك وعن السبب
في عدم المطابقة فكشف له علة
ذلك بديها
فلما انجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحا وحلف ان
يقبل يده ثم احضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار ثم
اشتغل عليه برسم المزاول والمنحرفات حتى اتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على
الواح كبيرة من الرخام صناعة وحفرا بالازمير كتابة ورسما
ولاية عبد الله باشا
وصل الخبر بولاية الشريف عبد
الله باشا ووصل الى اسكندرية ونزل احمد باشا الى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة
للباشا الجديد ثم وصل الى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلع الى القلعة فأقام في
ولاية مصر الى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل الى القصر بقبة العزب وهاداه
الامراء ثم سافر الى منصبه
ووصل محمد باشا امين فطلع الى القلعة وهو منحرف المزاج
فأقام في الولاية نحو شهرين وتوفي في خامس شهر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة
الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه
قصد نصارى القبط الحج الى بيت المقدس
وفي هذا التاريخ احضر بطرك الاروام
مرسوما سلطانيا بمنع طائفة النصارى الشوام من دخولهم كنائس الافرنج وان دخلوا
فانهم يدفعون للدولة الف كيس
فارسل ابراهيم كتخدا فأخذ اربعة قسوس من دير الافرنج
وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال
واستمر نصارى الشوام يدخلون كنائس الافرنج ولعلها من
تحيلات ابراهيم كتخدا
ومن الحوادث ايضا في نحو هذا التاريخ ان نصارى الاقباط
قصدوا الحج الى بيت المقدس وكان كبيرهم اذ ذاك نوروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ
عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية والف دينار
فكتب له فتوى وجوابا ملخصه ان
أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم
فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل
أغراضهم وخرجوا في هيئة وابهة واحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم واولادهم
ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيا عند قبة العزب واحضروا العربان ليسيروا في
خفارتهم واعطوهم اموالا وخلعا وكساوي وانعامات
وشاع امر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر
الشيخ عبدالله الشبراوي الى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي افندي اخو سيدي بكري
متمرضا فدخل اليه بعوده فقال له اي شيء هذا الحال يا شيخ الاسلام على سبيل التبكيت
كيف ترضى وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الافعال لكونهم رشوك وهادوك
فقال لم يكن ذلك
قال بل رشوك بالف دينار وهدية وعلى هذا تصير لهم سنة
ويخرجون في العام القابل بازيد من ذلك ويصنعون لهم محملا ويقال حج النصارى وحج
المسلمين وتصير سنة عليك وزرها الى يوم القيامة
فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظا وأذن للعامة في الخروج
عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الازهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم
وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا ايضا الكنيسة القريبة من
دمرداش وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة وراحت عليهم وذهب ما صرفوه
وانفقوه في الهباء
ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا اوغلي الثانية
وحضر مصطفى باشا وطلع الى
القلعة ثالث عشر ربيع الاول 1167 واستمر واليا على مصر الى ان ورد الخبر بعزله في
اوائل شهر ربيع الاول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم اوغلي وهي
ولايته الثانية
وطلع الى سكندرية ونزلت اليه الملاقاة وارباب المناصب
والعكاكيز
ثم حضر الى مصر وطلع الى القلعة يوم الاثنين غرة شهر
جمادى الاولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة
المحمودة فاحيا مكارم الاخلاق وادر على رعيته الارزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا
له طبعا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعا
واستمر في ولاية مصر الى شهر رجب سنة 1171
ذكر من مات في هذه الاعوام من العلماء والاعيان
مات الامام العلامة شيخ
المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الازهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة
منها انه كان ينفق من الغيب لانه لم يكن له ايراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من
احد شيئا وينفق انفاق من لا يخشى الفقر واذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم
الذهب والفضة واذا دخل الحمام دفع الاجرة عن كل من فيه
توفي سنة 1164
ومات الشيخ الامام الفقيه المحدث المسند محمد بن احمد بن
يحيى بن حجازي العشماوي الشافعي الازهري تفقه على الشيخ عبده الديوي والشهاب احمد
بن عمر الديربي وسمع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه
الشهاب احمد بن عبد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الاسناد واخذ عنه غالب فضلاء العصر
توفي يوم الاربعاء ثاني عشري جمادى الاولى سنة 1167 ودفن
بتربة المجاورين
ومات الشيخ الامام العلامة سالم بن محمد النفراوي
المالكي الازهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة احمد النفراوي الفقه واخذ
الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية
والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورا بمعرفة فروع المذهب واستحضار الفروع الفقهية
وكانت حلقة درسه اعظم الحلق
وعليه مهابة وجلالة
توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168
ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن
عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي احد الصدور المشار اليهم
ولد سنة 1087 بالنقيطة احدى قرى المنصورة وقدم الازهر فأخذ عن شيوخ المذهب كشاهين الارمناوي
وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالي وابي الحسن علي بن محمد العقدي وعمر الزهري
وعثمان النحريري وقائد الابياري شارح الكنز فاتقن الاصول ومهر في الفروع ودارت
عليه مشيخة الحنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة
مقبول الشفاعة
توفي سنة 1169
ومات الشيخ الامام الفاضل الصالح الشاعر الاديب عمر بن
محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان
قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون والقى دروسا بالازهر
توفي في رجب سنة 1167
ومات الاجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو استاذ الامراء
المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسون الى القازدغلية
وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من
قرية من قرى المنوفية يقال لها الراهب
وكان خادما لبعض اولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهن
ولده عند الملتزم وهو علي كتخدا الجلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فاقاما
ببيت علي كتخدا حتى غلق أبوه ما عليه من المال واستلم ابنه ليرجع به الى بلده
فامتنع صالح وألف المقام ببيت الملتزم واستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيها خفيف
الروح والحركة
ولم يزل يتنقل في الاطوار حتى صار من ارباب الاموال
واشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والايراد
ويدخلهم في الوجاقات والبلكات
بالمصانعات والرشوات لارباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب
الجليلة كتخدا آت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوده باشية وغير ذلك حتى
صار من مماليكه ومماليكهم من يركب في العذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت
واتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة كبيرة
وكان يركب حمارا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه
ومات في سن السبعين ولم يبق في فمه سن وكان يقال له صالح جلبي والحاج صالح
وبالجملة فكان من نوادر الزمن وكان يقرض ابراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر
وكذلك غيرهم ويخرج الاموال بالربا والزيادة وبذلك امحقت دولتهم وزالت نعمهم في
أقرب وقت وآل امرهم الى البوارهم واولادهم وبواقيهم لذهاب ما في ايديهم وصاروا
اتباعا واعوانا للامراء المتأخرين
ومات الامير ابراهيم كتخدا تابع سليمان كتخدا القازدغلي وسليمان
هذا تابع مصطفى كتخدا الكبير القازدغلي وخشداش حسن جاويش استاذ عثمان كتخدا والد
عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشا وطلع سردار قطار في
الحج في امارة عثمان بك ذي الفقار سنة 1153
وفي تلك السنة استوحش منه عثمان بك باطنا لانه كان شديد
المراس قوي الشكيمة وبعد رجوعه من الحج في سنة 1152 نما ذكره وانتشر صيته ولم يزل
من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته وتنفذ كلمته وكان ذا دهاء ومكر وتحيل ولين وقسوة
وسماحة وسعة صدر وتؤدة وحزم واقدام ونظر في العواقب
ولم يزل يدبر على عثمان بك وضم اليه كتخداه احمد السكري
ورضوان كتخدا الجلفي وخليل بك قطامش وعمر بك بسبب منافسة معه على بلاد هوارة كما
تقدم حتى أوقع به على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر على الصورة المتقدمة
فعند ذلك عظم شأنه وزادت
سطوته واستكثر من شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الذي كان اغات متفرقة صنجقا وهو
اول صناجقه وهو الذي عرف بالجرجاوي
ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي
ومحمد بك في ايام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب ثم حصلت ايضا كائنة الخشاب
وخروجه ومن معه من مصر وزالت دولة القطامشة والدمايطة والخشابية وعزلوا راغب باشا
في اثناء ذلك كما تقدم فعند ذلك انتهت رئاسة مصر وسيادتها للمترجم وقسيمه رضوان
كتخدا الجلفي ونفذت كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الامراء والاختيارية الموجودين بمصر
وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة اشهر ثم انفصل عنها
وذلك كما يقال لاجل حرمة الوجاق وقلد مملوكية عليا
وحسينا صنجقين وكذلك رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق
واشتعل المترجم بالاحكام وقبض الاموال الميرية وصرفها في
جهاتها وكذلك العلوفات وغلال الانبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة
وقسيمة رضوان كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتداخل في شيء مما ذكر والمترجم
يرسل له الاموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ اغراضهم وعبد الرحمن كتخدا
مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد
واستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الامريات
والمناصب وقلد امارة الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 1167
وفي تلك السنة نزل على الحجاج سيل عظيم بمنزلة ظهر حمار
فأخذ معظم الحجاج بجمالهم واحمالهم الى البحر ولم يرجع من الحجاج الا القليل
ومما يحكى عنه انه رأى في منامه ان يديه مملوءتان عقارب
فقصها على الشيخ الشبراوي فقال هؤلاء مماليك يكونون مثل العقارب ويسري شرهم
وفسادهم لجميع الناس
فان العقرب لدغت النبي صلى
الله عليه وسلم في الصلاة
فقال صلى الله عليه و سلم لعن الله العقرب لا تدع نبيا ولا غيره الا لدغته وكذا
يكون مماليكك
وكان الامر كذلك وليس للمرتجم مآثر أخروية ولا افعال
خيرية يدخرها ميعاده ويخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده بل كان معظم اجتهاده الحرص على
الرياسة والامارة وعمر داره التي بخط قوصون بجوار دار رضوان كتخدا والدار التي
بباب الخرق وهي دار زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب اليها أيضا بمصر القديمة
والقصرالذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثير من
مماليكه نساء الامراء الذين ماتوا وقتلوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا
وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وادرك المترجم من العز
والعظمة ونفاذ الكلمة وحسن السياسة واستقرار الامور ما لم يدركه غيره بمصر ولم يزل
في سيادته حتى مات على فرشه في شهر صفر سنة 1168
ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا
الجلفي تقلد كتخدائية باب عزبان بعد قتل استاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما
تقدم ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميلة حتى اوقع بينهما ابراهيم كتخدا كما تقدم
ولما استقرت الامور له ولقسيمه ترك له الرياسة في
الاحكام واعتكف المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وانشأ عدة قصور واماكن
بالغ في زخرفتها وتأنيقها وخصوصا داره التي انشأها على بركة الازبكية واصلها بيت
الدادة الشرايبي وهي التي على بابها العامودان الملتفان المعروفة عند اولاد البلد بثلاثة
وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة منقوشة بالذهب المحلول
واللازورد والزجاج الملون والالوان المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج
بظاهر قنطرة الدكة بحيث جعلها بركة عظيمة وبنى عليها قصرا مطلا عليها وعلى الخليج
الناصري من الجهة الاخرى
وكذلك
انشأ في صدر البركة مجلسا
خارجا بعضه على عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطه
بحيرة تمتلىء بالماء من اعلى ويصب منها الى حوض من اسفل ويجري الى البستان لسقي
الاشجار
وبنى قصرا آخر بداخل البستان مطلا على الخليج وعلى
الاعلاق من ظاهره
فكان يتنقل في تلك القصور وخصوصا في ايام النيل ويتجاهر
بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النساء ومخاليع اولاد البلد
وخرجوا عن الحد في تلك الايام ومنع اصحاب الشرطة من
التعرض للناس في افاعيلهم
فكانت مصر في تلك الايام مراتع غزلان ومواطن حور وولدان
كأنما اهلها خلصوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب
وهو الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعروف بباب
العزب وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن
وقصدته الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح
واعطاهم الجوائز السنية وداعب بعضهم بعضا فكان يغري هذا بهذا ويضحك منهم ويباسطهم
واتخذ له جلساء وندماء منهم الشيخ علي جبريل والسيد سليمان والسيد حمودة السديدي والشيخ
معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الارجوانية في المدائح
الرضوانية ومحمد افندي المدني
وامتدحه العلامة الشيخ يوسف الحفني بقصائد طنانة وللشيخ
عمار القروي فيه مدحا في المترجم ومداعبة للسيد حمودة السديدي المحلاوي
ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمة على امارة مصر ورئاستها حتى
مات ابراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم ورفعت النيام رؤوسها وتحركت
حفائظها ونفوسها وظهر شان عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وراج سوق نفاقه واخذ يعضد مماليك
ابراهيم كتخدا ويغريهم ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليه
فيخلص له بهم ملك مصر ويظن انهم يراعون حق ولائه وسيادته
جده فكان الامر
عليه بخلاف ذلك كما ستراه وهم
كذلك يظهرون له الانقياد ويرجعون الى رايه ومشورته ليتم لهم به المراد
وكل من امراء ابراهيم كتخدا متطلع للرياسة ايضا بالبلدة
من الاكابر والاختيارية واصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا ابي شنب وعلي كتخدا الخربطلي
وحسن كتخدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا واسمعيل كتخدا التبانة وعثمان اغا الوكيل
وابراهيم كتخدا مناو وعلي اغا توكلي وعمر اغا متفرقة وعمر افندي محرم اختيار
جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلي وخليل جاويش القازدغلي وبيت الهياتم وابراهيم اغا
بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش الداودية ومصطفى افندي الشريف اختيارية
متفرقة وبيت بلغيه وبيت قصبة رضوان وبيت الفلاح وهم كثيرون اختيارية واوده باشيه
ومنهم احمد كتخدا واسمعيل كتخدا وعلي كتخدا وذو الفقار جاويش واسمعيل جاويش وغيرهم
فأخذ اتباع ابراهيم كتخدا يدبرون في اغتيال رضوان كتخدا وازالته وسعت فيهم عقارب
الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلك فاتفق مع اغراضه وملك القلعة ولابواب والمحمودية
وجامع السلطان حسن واجمع اليه جمع كثير من امرائه وغيرهم ومن انضم اليهم وكاد يتم له
الامر فسعى عبد الرحمن كتخدا ولاختيارية في اجراء الصلح وطلع بعضهم الى رضوان
نصحهم لانه كان سليم الصدر ففرق الجمع ونزل الى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك
الفرصة وبيتوا امرهم ليلا وملكوا القلعة والابواب والجهات والمترجم في غفلته آمن
في بيته مطمئن من قبلهم ولا يدري ما خبىء له فلم يشعر الا وهم يضربون عليه
بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل فأمر بالاستعداد وطلب من
يركن اليهم فلم يجد احدا وجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحي فحارب فيهم الى قريب
الظهر وخامر عليه اتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل
لبيت الراحة فاصابته في ساقه
وهرب مملوكه الى الاخصام وكانوا وعدوه بأمرية ان هو قتل سيده
فلما حضر اليهم وأخبهم بما فعل أمر علي بك بقتله
ثم امر رضوان بك بالخيول وركب في خاصته وخرج من نقب نقبه
في ظهر البيت وتألم من الضربة لانها كسرت عظم ساقه فسار الى جهة البساتين وهو لا
يصدق بالنجاة فلم يتبعه احد ونهبوا داره ثم ركب وسار الى جهة الصعيد فمات بشرق اولاد
يحيى ودفن هناك
فكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة اشهر
ولما مات تفرقت صناجقه ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم الى
الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا من الحجاز الى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا
وانقضت دولتهما
فكانت مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من
الفتن والشرور والاقليم البحري والقبلي امن وامان والاسعار رخية والاحوال مرضية واللحم
الضاني المجروم من عظمه رطله بنصفين والجاموسي بنصف والسمن البقري عشرته باربعين
نصف فضة اللبن الحليب عشرته باربعة انصاف والرطل الصابون بخمسة انصاف والسكر
المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بالف نصف والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفا واقل
والرطل البن القهوة باثني عشر نصفا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب
على ساحل بولاق مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والارداب والارز اردبه باربعمائة نصف
والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفا وشمع الدهن
باربعة انصاف والفحم قنطاره باربعين نصفا والبصل قنطاره بسبعة انصاف وفسر على ذلك
يقول جامعة اني ادركت بقايا تلك الايام وذلك ان مولدي
كان في سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الاشياء على ما ذكر الا قليلا وكنت
اسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان في سنة كذا وذلك في مبادىء دولة
ابراهيم كتخدا
وحدوث الاختلال في الامور
وكانت مصر اذ ذاك محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولاعدائها قاهرة يعيش رغدا بها
الفقير وتتسع للجليل والحقير وكان لاهل مصر سنن وطرائق في مكارم الاخلاق لا توجد
في غيرهم
ان في كل بيت من بيوت جميع الاعيان مطبخين احدهما اسفل
رجالي والثاني في الحريم
فيوضع في بيوت الاعيان السماط في وقتي العشاء والغداء
مستطيلا في المكان الخارج مبذولا للناس ويجلس يصدره امير المجلس وحوله الضيفان ومن
دونهم مماليكه واتباعه
ويقف الفراشون في وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون اليهم
ما بعد عنهم من القلايا والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول اصلا
ويرون ان ذلك من المعايب حتى ان بعض ذوي الحاجات عند الامراء اذا حجبهم الخدام
انتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب الحاجة ويأكل
وينال غرضه من مخاطبة الامير لانه اذا نظر على سماطه شخصا لم يكن رآه قبل ذلك ولم
يذهب بعد الطعام عرف ان له حاجة
فيطلبه ويسأله عن حاجته فيقضيها له وان كان محتاجا واساه
بشيء
ولهم عادات وصدقات في ايام المواسم مثل ايام اول رجب
والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والاعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها
الارز باللبن والزردة ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين
ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز
ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة
ويعطونهم بعد ذلك دراهم ولهم غير ذلك صدقات وصلات لمن
يلوذ فيهم ويعرفون منه الاحتجاج وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر
والعجمية والشريك على المدافن والترب في الجمع والمواسم
وكذلك اهل القرى والارياف فيهم من مكارم الاخلاق مالا
يوجد في غيرهم
من اهل قرى الاقاليم
فان اقل ما فيهم اذا نزل به ضيف ولو لم يعرفه اجتهد
وبادر بقراه في الحال وبذل وسعة في اكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا
مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فان لهم مضايف واستعدادات للضيوف
ومن ينزل عليهم من السفار والاجناد
ولهم مساميح واطيان في نظير ذلك خلفا عن سلف الى غير ذلك
مما يطول شرحه ويعسر استقصاؤه
ويموت رضوان كتخدا لم يقم لوجاق العزب صوله
ومات الاجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج احمد بن
محمد الشرايبي وكان من اعيان التجار المشتهرين كاسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية
بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم واولاد مماليكهم من اعيان مصر جربجية وامراء ومنهم
يوسف بك الشرايبي
وكانوا في غاية من الغنى والرفاهية والنظام ومكارم
الاخلاق والاحسان للخاص والعام ويتردد الى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم
مشحونة بكتب العلم النفيسة للاعارة والتغيير وانتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها
وقفية ولا يدخلونها في مواريثهم
ويرغبون فيها ويشترونها باغلى ثمن ويضعونها على الرفوف
والخزائن والخورنقات وفي مجالسهم جميعا
فكل من دخل الى بيتهم من اهل العلم الى اي مكان يقصد
الاعارة او المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في اي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالب
معروفا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فان رده في مكانه رده وان لم يرده واختص
به او باعه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارا ويعتذرون عن الجاني
بضرورة الاحتياج وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والاتقان والكثرة وهو مبذول
للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة اسلافهم
واخلاقهم جميلة واوضاعهم منزهة عن كل نقص ورذيلة
ومن
اوضاعهم وطرائقهم انهم لا
يتزوجون الامن بعضهم البعض ولا تخرج من بيتهم امرأة الا للمقبرة فاذا عملوا عرسا
اولموا الولائم واطعموا الفقراء والقراء على نسق اعتادوه وتنزل العروس من حريم
ابيها الى مكان زوجها بالنساء الخلص والمغاني والجنك تزفها ليلا بالشموع وباب
البيت مغلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة العشاء بالمسجد الازبكي المقابل
لسكنهم وبيتهم يشتمل على اثني عشر مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته
وكان الامراء بمصر يترددون اليهم كثيرا من غير سبق دعوة
وكان رضوان كتخدا يتفسح عند المترجم في كثير من الاوقات مع الكمال والاحتشام ولا
يصحبة في ذلك المجلس الا اللطفاء من ندمائه واذا قصده الشعراء بمدح لا يأتونه في
الغالب الا في مجلسه لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين
وكان من سنتهم انهم يجعلون عليهم كبيرا منهم وتحت يده
الكاتب والمستوفي والجابي فيجمع لديه جميع الايراد من الالتزام والعقار والجامكية
ويسدد الميري ويصرف لكل انسان راتبه على قدر حاله وقانون استحقاقه
وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في الشتاء والصيف
ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب ويجمع ما فضل عنده من المال
ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته
واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مات
كبارهم وقع بينهم الاختلاف واقتسوا الايراد واختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما
يشتهي
وتفرق الجمع وقلت البركة وانعزل المحبون وصار كل حزب بما
لديهم فرحون وكان مسك ختامهم صديقنا واخانا في الله اللوذعي الاريب والنادرة
المفرد النجيب سيدي ابراهيم بن محمد بن الدادة الشرايبي الغزالي
كان رحمه الله تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذب
المورد رحيب النادي واسع الصدر للحاضر والبادي قطعنا معه اوقاتا كانت لعين الدهر
قرة وعلى
مكتوب العمر عنوان المسرة
وما زال يشتري متاع الحياة بجوهر عمره النفيس مواظبا على
مذاكرة العلم وحضور التدريس حتى كدر الموت ورده وبدد الحسود بنوائبه عقده كما يأتي
تتمة ذلك في سنة وفاته وانمحت بموته من بيتهم المآثر وتبدد بقية عقدهم المتناثر
ومات احمد جلبي ابن الأمير علي والأمير عثمان وتزوج
مماليك القازدغلية نساءهم وسكنوا في بيتهم
ومنهم سليمان اغا صالح وتقلد الزعامة وصار بيتهم بيت
الوالي وتوفي سنة 1171
وفاة السلطان محمود خان وتولية السلطان عثمان
ومات سلطان الزمان السلطان
محمود خان العثماني وكانت مدته نيفا وعشرين سنة وهو آخر بني عثمان في حسن السيرة
والشهامة والحرمة واستقامة الاحوال والمآثر الحسنة توفي ثامن صفر سنة 1168
وتولى السلطان عثمان بن أحمد اصلح الله شأنه
ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الاصيل السيد
محمد المدعو حمودة السديدي احد ندماء الامير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها
نشأ وحفظ القرآن واشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول والمعاني
والبيان والعروض وعانى نظم الشعر وكان جيد القريحة حسن السليقة في النظم والنثر والانشاء
وحضر الى مصر واخذ عن علمائها واجتمع بالامير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار
اليه وصار من خاصة ندمائه وامتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة
والمقامة التي داعب بها الشيخ عمار القروي واردفها بقصيدة رائية بليغة في هجو
المذور سامحهما الله
وكل ذلك مذكور في الفوائح الجنائية لجامعه الشيخ عبد
الله الادكاوي
حج رحمه الله ومات وهو آريب باجرود سنة 1163
ومات الاجل المكرم محمد جلبي
ابن ابراهيم جربجي الصابونجي مقتولا وخبره انه لما توفي ابوه واخذ بلاده وبيتهم
تجاه العتبة الزرقاء على بركة الازبكية فتوفى ايضا عثمان جربجي الصابونجي بمنفلوط
وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك من معاتيقهم وكان محمد جربجي مثل والده بالباب
ويلتجيء الى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي
فالتجأ الى عبد الله كتخدا القازدغلي وعمل ينكجري فاراد ان يقلده اوده باشه ويلبسه
الضلمة فقصد السفر الى الوجه القبلي وذلك في سنة اربع وخمسين فسافر واستولى على بلاد
عثمان جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلا طماعا شرها في الدنيا وكان
مماليكه يهربون منه وكانت اخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها بشيء
ولما مات ابراهيم كتخدا الجلفي القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي
بدأ أمر اتباع ابراهيم كتخدا في الظهور وكان المتعين بالامارة منهم عثمان بك
الجرجاوي وعلي بك الذي عرف بالغزاوي وحسين بك الذي عرف بكشكش وهؤلاء الثلاثة
تقلدوا الصنجقية والامارة في حياة استاذهم
والذي تقلد الامارة منهم بعد موته حسين بك الذي عرف
بالصابونجي وعلي بك بلوط قبان وخليل بك الكبير
واما من تأمر منهم بعد قتل حسين بك الصابونجي فهم حسن بك
جوجه واسمعيل بك ابو مدفع
واما من تأمر بعد ذلك بعناية علي بك بلوط قبان عندما ظهر
امره فهو اسمعيل بك الاخير الذي تزوج ببنت استاذه وكان خازنداره وعلي بك السروجي
فلما استقر امرهم بعد خروج رضوان كتخدا وزوال دولة
الجلفية تعين بالرياسة منهم على اقرانه عثمان بك الجرجاوي فسار سيرا عنيفا من غير
تدبر وناكد زوجة سيدة بنت البارودي وصادرها في بعض تعلقاتها
فشكت امرها الى كبار الاختيارية
فخاطبوه في شأنها وكلمه حسن كتخدا ابو شنب فرد عليه ردا قبيحا فتحزبوا عليه ونزعوه
من الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد
ولم يزل حتى حقد عليه خشداشينه وقتلوه
وخبر موت حسين بك المذكور انه لما مات ابراهيم كتخدا
قلدوا المذكور امارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبير
القوم والمشار اليه وكان كريما جوادا وجيها وكان يميل بطبعه الى نصف حرام لان اصله
من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهو صغير وذهب الى ابراهيم جاويش فاشتراه من
الصابونجي ورباه ورقاه ثم زوجه بزوجة محمد جربجي ابن ابراهيم الصابونجي وسكن بيتهم
وعمره ووسعه وانشأ فيه قاعة عظيمة فلذلك اشتهر بالصابونجي
ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن اغا اغاوية مستحفظان
وهو عبد الرحمن اغا المشهور في شهر شعبان من سنة 1171 وطلع بالحج في تلك السنة
محمد بك بن الدالي ورجع في سنة 1172 ثم ان المترجم اخرج خشداشة علي بك المعروف
ببلوط قبان ونفاه الى بلده النوسات واخرج خشداشة ايضا عثمان بك الجرجاوي منفيا الى
اسيوط واراد نفي علي بك الغزاوي واخرجه الى جهة العادلية فسعى فيه الاختيارية
بواسطة نسيبه علي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا ابي شنب فالزمه أن يقيم بمنزل صهره
علي كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع باحد من اقرانه وأرسل
الى خشداشة حسين بك المعروف بكشكش فاحضره من جرجا وكان حاكما بالولاية فأمره
بالاقامة في قصر العيني ولا يدخل الى المدينة
ثم ارسل اليه يأمره بالسفر الى جهة البحيرة وأحضروا اليه
المراكب التي يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل اليهم
ويقتلهم لينفرد بالامر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر
دولة نصف حرام وهو غرضه
الباطني
وضم اليه جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرا
وهم حسن كاشف جوجه وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي اغا المنجي واسمعيل كاشف ابو
مدفع وآخر يسمى حسن كاشف
وكانوا من اخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بك كشكش
واستمالهم سرا واتفق معهم على اغتياله فحضروا عنده في يوم الجمعة على جري عادتهم
وركبوا صحبته الى القرافة فزاروا ضريح الامام الشافعي ثم رجع صحبتهم الى مصر
القديمة فنزلوا بقصر الوكيل وباتوا صحبته في انس وضحك
وفي الصباح حضر اليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج
المماليك ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه
انعاما فكتب الى كل واحد منهم وصولا بالف ريال والف اردب قمح وغلال ووضعوا الاوراق
في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعا ونزلوا من القصر واغلقوه على
المماليك والطائفة من خارج
وركب حسن كاشف جوجه ركوبة حسين بك وكان موعدهم مع حسين
بك كشكش عند المجراة فانه لما احضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما ارسل
اليه حسين بك يستعجله بالسفر يحتج بسكون الريح او ينزل بالمراكب ويعدي الى البر
الآخر ويوهم انه مسافر ثم يرجع ليلا ويتعلل بقضاء اشغاله
واستمر على ذلك الحال ثلاثة ايام حتى تمم اغراضه وشغله
مع الجماعة ووعدهم بالامريات
واتفق معهم انه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين
بك ويقتلونه في الطريق ان لم يتمكنوا من قتله بالقصر
فقدر الله انهم قتلوه وركبوا حتى وصلوا الى حسين بك كشكش
فاخبروه بتمام الامر فركب معهم ودخلوا الى مصر وذهب كشكش الى بيت حسين بك
بالداودية وملكه بما فيه وارسل باحضار خشداشيه المنفيين
وعندما وصل الخبر الى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي ركب
في الحال مع القاتلين وطلعوا الى القلعة
واخذوا في طريقهم اكابر
الوجاقلية ومنهم حسن كتخدا ابو شنب وهو من اغراض حسين بك المقتول وكان مريضا
بالآكلة في فمه
فلما دخلوا اليه وطلبوه نزل اليهم من الحريم فاخبروه بقتلهم
حسين بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم الى القلعة
وولوا علي بك كبير البلد عوضا عن حسين بك المقتول وكان قتله في شهر صفر سنة 1171
ثم ان مماليكه وضعوا اعضاءه في خرج وحملوه على هجين ودخلوا به الى المدينة فادخلوه
الى بيت الشيخ الشبراوي بالرويعي فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة
وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك الصابونجي الذي بالازبكية
واحضروا علي بك من النوسات وعثمان بك الجرجاوي من اسيوط وقلدوا خليل كاشف صنجقية
واسمعيل ابو مدفع كذلك وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد اشهر حسن كاشف
المعروف بجوجه صنجقية ايما وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان
حال حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر ... واخوان تخذتهمو دروعا ... فكانوها
ولكن للاعادي ... وخلتهمو سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي ...
واما من مات في هذا التاريخ من الاعيان خلاف حسين بك
المذكور فالشيخ الامام الفقيه المحدث الاصولي المتكلم الماهر الشاعر الاديب عبد
الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبا في سنة 1092 وهو
من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الاميني في الخلاصة ووصفه
بالحفظ والذكاء فاول من شملته اجازته سيدي محمد بن عبد الله الخرشي وعمره اذ ذاك
نحو ثمان سنوات وذلك في سنة 1100 وتوفي الشيخ الخرشي المالكي في سابع عشرين الحجة
سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الازهر الشيخ محمد النشرتي
المالكي وتوفي في ثامن عشري
الحجة سنة 1120 ووقع بعد موته فتنة بالجامع الازهر بسبب المشيخة والتدريس
بالاقبغاوية وافترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ احمد النفراوي والاخرى تريد الشيخ
عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وارسلوا يستعجلونه
للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ احمد النفراوي وحضر للدتريس بالاقبغاوية فمنعه
القاطنون بها وحضر القليني فانضم اليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضر جماعة
النفراوي الى الجامع ليلا ومعهم بنادق واسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع واخرجوا
جماعة القليني وكسروا باب الاقبغاوية واجلسوا النفراوي مكان النشرتي
فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع
وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة انفار وانجرح
بينهم جرحى كثيرة وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل
وحضر الوالي فاخرج القتلى وتفرق المجاورون ولم يبق بالجامع
احد
ولم يصل فيه ذلك اليوم وفي ثاني يوم طلع الشيخ احمد
النفراوي الى الديوان ومعه حجة الكشف على المقتولين فلم يلتفت الباشا الى دعواه
لعلمه بتعديه وامره بلزوم بيته وامر بنفي الشيخ محمد شنن الى بلده الجدية وقبضوا
على من كان بصحبته وحبسوهم في العرقانة وكانوا اثنى عشر رجلا
واستقر القليني في المشيخة والتدريس
ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات
ولما مات الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ ابراهيم ابن موسى
الفيومي المالكي
ولما مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخة الى
الشافعية فتولاها الشيخ عبد الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء
بعد ان تمكن وحضر الاشياخ كالشيخ خليل بن ابراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ
محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ احمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح
الحنبلي والشيخ
محمد المغربي والشيخ عيد النمرسي
وسمع الاولية واوائل الكتب من الشيخ عبد الله بن سالم
البصري ايام حجه ولم يزل يترقى في الاحوال والاطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار
اعظم الاعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والامراء ونفذت كلمته وقبلت شفاعته
وصار لاهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام واقبلت عليه الامراء
وهادوه بانفس ما عندهم وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية بالقرب من الرويعي وكذلك
ولده سيدي عامر عمر دارا تجاه دار أبيه وصرف عليها اموالا جمة
وكان يقتني الظرائف والتحائف من كل شيء والكتب المكلفة
النفسية بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامر في كل يوم من اللحم الضاني
راسين من الغنم السمان يذبحان في بيته وكان طلبة العلم في ايام مشيخة الشيخ عبد
الله الشبراوي في غاية الادب والاحترام
ومن آثاره كتاب مفائح الالطاف في مدائح الاشراف وشرح
الصدر في غزوة بدر الفها باشارة علي باشا ابن الحكيم وذكر في اخرها نبذة من
التاريخ وولاة مصر الى وقت صاحب الاشارة
وله ديوان يحتوي على غزليات واشعار ومقاطيع مشهور بايدي
الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة ختام سنة 1171 وصلي
عليه بالازهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبا
ومات الشيخ الامام الاحق بالتقديم الفقيه المحدث الورع
الشيخ حسن ابن علي بن احمد بن عبد الله الشافعي الازهري المنطاوي الشهير بالمدابغي
اخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ عيد
النمرسي والشيخ محمد بن احمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي وغيرهم خدم العلم
ودرس بالجامع الازهر وافتى والف واجاد منها حاشيته على شرح الخطيب على ابي شجاع
نافعة للطلبة وثلاثة شروح
على الآجرومية وشرح الصيغة
الاحمدية وشرح الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحا لطيفا
واختصر شرح الحزب الكبير للبناني ورسالة في القراءات
العشر واخرى في فضائل ليلة القدر واخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع
المشهورة وحاشيته على شرح الاربعين لابن حجر واختصر سيرة ابن الميت وحاشية التحرير
وحاشية علي الاشموني وشرح قصيدة المقري التي اولها سبحان من قسم الحظوظ وحاشية على
الشيخ خالد وغير ذلك
ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد
الشرفي الفاسي ولد بفاس سنة 1110 واستجاز له والده من ابي الاسرار حسن ابن علي
العجمي من مكة المشرفة وعمره اذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم اجازته وتوفي
بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى
ومات الشيخ داود بن سليمان بن احمد بن محمد بن عمر بن
عامر بن خضر الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضر على كبار اهل
العصر كالشيخ محمد الزرقاني والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الاحفاد بالاجداد وكان
شيخا معمرا مسندا له عناية بالحديث
توفي في جمادى الثانية سنة 1170
ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن
علي الجزائي القاسمي الشهير بكشك ورد مصر صغيرا وبها نشأ وحج واخذ الطريقة عن سيدي
احمد السوسي تلميذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلو حظ بالانوار والاسرار
ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله بثلاثة ايام واخبره تلامذة الشيخ
ان الشيخ اخبر بوصول المترجم واودع له امانة فاخذها ورجع الى مصر وجلس للارشاد
واخذ العهود ويقال إنه تولى القبطانية توفي سنة 1170
ومات الشيخ الفاضل العلامة
محمد بن احمد الحنفي الازهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ
سليمان المنصوري والسيد محمد ابي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس
بالازهر وبمسجد الحنفي ومسجد محرم في انواع الفنون ولازم الشيخ العقيقي كثيرا ثم
اجتمع بالشيخ احمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء
ثم باع ما ملكت يداه وتوجه الى السويس فركب في سفينة فانكسرت فخرج مجردا يساتر
العورة
ومال الى بعض خباء الاعراب فاكرمته امرأة منهم وجلس
عندها مدة يخدمها ثم وصل الى الينبع على هيئة رثة واوى الى جامعها
واتفق له انه صعد ليلة من الليالي على المنارة وسبح على
طريقة المصريين فسمعه الوزير اذ كان منزله قريبا من هناك فلما اصبح طلبه وسأله فلم
يظهر حاله سوى انه من الفقراء فانعم عليه ببعض ملابس وامره ان يحضر الى داره كل يوم
للطعام ومضت على ذلك برهة الى ان اتفق موت بعض مشايخ العربان وتشاجر اولاده بسبب
قسمة التركة فاتوا الى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فراى الوزير ان
يكتب السؤال ويرسله مع الهجان باجرة معينة الى مكة يستفتي العلماء فاستقل الهجان
الاجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وامتنع اكثرهم ووقعوا في
الحيرة
فلما راى المترجم ذلك طلب الدواة والقلم وذهب الى خلوة
له بالمسجد فكتب الجواب مفصلا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ
تعجب واكرمه الوزير واجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس
الفقه والحديث هناك حتى اشتهر امره واقبلت عليه الدنيا
فلما امتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصري رأى
الوزير تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على انه يحج ويعود اليه
فوصل مع الركب الى مكة واكرم وعاد الى
مصر ولم يزل على حالة مستقيمة
حتى توفي عن فالج فيه جلس فيه شهورا في سنة 1170 وهو منسوب الى سفط الصائم احدى
قرى مصر من اعمال الفشن بالصعيد الادنى ولم يخلف في فضائله مثله رحمه الله
ومات الامام الاديب الماهر المتفنن اعجوبة الزمان علي بن
تاج الدين محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالم القلعي الحنفي المكي ولد بمكة
وتربى في حجر ابيه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليه وعلى غيره من فضلاء
مكة واخذ عن الورادين اليها ومال الى فن الادب وغاص في بحره فاستخرج منه اللآلىء
والجواهر وطارح الادباء في المحاضر فبان فضله وبهر برهانه ورحل الى الشام في سنة
1142 واجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي فاخذ عنه وتوجه الى الروم وعاد الى مكة
وقدم الى مصر سنة ستين ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمل شرحه على
بديعيته وعلى بديعيتين لشيخه الشيخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيات
وشرحه على بديعيته ثلاث مجلدات قرظ عليه غالب فضلاء مصر كالشبراوي والادكاوي
والمرحومي ومن اهل الحجاز الشيخ ابراهيم المنوفي وكان للمترجم بالوزير المرحوم علي
باشا ابن الحكيم التئام زائد لكونه له قوة يد ومعرفة في علم الرمل وكان في اول
اجتماعه به في الروم اخبره بامور فوقعت كما ذكر فازداد عنده مهابة وقبولا
ولما تولى المذكور ثاني توليته وهي سنة سبعين قدم اليه
من مكة من طريق البحر فاغدق عليه ما لا يوصف ونزل في منزل بالقرب من جامع ازبك بخط
الصليبة وصار يركب في موكب حافل تقليدا للوزير
ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على عادة
الامراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في اجازة الوافدين
مالا وشعرا
ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ عبد الله
الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية
ولما عزل مخدومه
توجه معه الى الروم فلما ولى
الختام ثانيا زاد المترجم عنده ابهة حتى صار في سدة السلطنة احد الاعيان المشار
اليهم واتخذ دارا واسعة فيها اربعون قصرا ووضع في كل قصر جارية بلوازمها
ولما عزل الوزير ونفي الى احدى مدن الروم سلب المترجم
جميع ما كان بيده ونفي الى الاسكندرية
فمكث هناك حتى مات في سنة 1172 شهيدا غريبا ولم يخلف
بعده مثله
وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم الرمل ومتن
البديعية سماه الفرج في مدح عالي الدرج اقترح فيها بانواع منها وسع الاطلاع
والتطريز والرث والاعتراف والعود والتعجيب والترهيب والتعريض وامثلة ذلك كله موضحة
في شرحه على البديعية
ولما تغيرت دولة مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض انسه
ذابل الافنان ذا احزان واشجان لم يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في
نحو هذا التاريخ
ومات العمدة الاجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن
عبد الوهاب الدلجي وهو اخو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان
انسانا حسنا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الامير عثمان بك ذي الفقار
ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرا من النوادر والشواهد وكان منزله المشرف على
النيل ببولاق مأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السراري والجواري توفي سنة 1171 عن
ولديه حسين وقاسم وابنة اسمها فاطمة موجودة في الاحياء الى الان
ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن احمد العمروسي
المالكي اخذ عن السيد محمد السلموني والشهاب النفراوي والشيخ محمد الزرقاني ودرس
بالجامع الازهر وانتفع به الطلبة واختصر المختصر الخليلي في نحو الرابع ثم شرحه
وكان انسانا حسنا منجمعا عن الناس مقبلا على شأنه توفي سنة 1173
ومات الاستاذ المبجل ذو المناقب
الحميدة السيد شمس الدين محمد ابو الاشراق بن وفي وهو ابن اخي الشيخ عبد الخالق
ولما توفي عمه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا ابهة ووقار محتشما
سليم الصدر كريم النفس بشوشا
توفي سادس جمادى الاولى سنة 1171 وصلي عليه بالازهر وحمل
الى الزاوية فدفن عند عمه وقام بعده في الخلافة الاستاذ مجد الدين محمد ابو هادي
ابن وفي رضي الله عنهم اجمعين
ومات الامام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي
الشيخ حسين المحلي الشافعي كان وححيد دهرة وفريد عصره فقها واصولا ومعقولا جيد الاستحضار
والحفظ للفروع الفقيه
واما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض وشباك ابن
الهائم والجبر والمقابلة والمساحة وحل الاعداد فكان بحرا لا تشبهه البحار ولا يدرك
له قرار وله في ذلك عدة تآليف ومنها شرح السخاوية وشرح النزهة والقلصاوي وكان يكتب
تآليفه بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها ويأخذ من الطالبين اجرة على تعليمهم فاذا جاء
من يريد التعلم وطلب ان يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك
بعد جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الازهر يتكسب فيه ببيع المناكيب لمعرفة
الاوقات والكتب وتسفيرها
والف كتابا حافلا في الفروع الفقيهة على مذهب الامام الشافعي
وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهور معتمد الاقوال في الافتاء وله غير ذلك كثير
وبالجملة فكان طودا راسخا تلقى عنه كثير من اشياخ العصر
ومنهم شيخنا الشيخ محمد الشافعي الجناحي المالكي وغيره
توفي سنة 1170
ومات الشيخ الامام المعمر القطب احد مشايخ الطريق صاحب
الكرامات الظاهرة والانوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن احمد
ابن حجازي بن عبد القادر بن
ابي العباس بن مدين بن ابي العباس بن عبد القادر بن ابي العباس بن شعيب بن محمد بن
القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبة الى القطب الكبير سيدي
مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف احدى قرى مصر ونشأ بها على صلاح
وعفة ولما ترعرع قدم الى مصر فحضر على شيخ المالكية في عصره الشيخ سالم النفراوي
اياما في مختصر الشيخ خليل واقبل على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الازهر بجوار
مدرسة السنانية وحج فلقي بمكة الشيخ ادريس اليماني فأجازه وعاد الى مصر وحضر دروس الحديث
على الامام المحدث الشيخ احمد بن مصطفى الاسكندري الشهير بالصباغ ولازمه كثيرا حتى
عرف به
واجازه مولاي احمد التهامي حين ورد الى مصر بطريقة
الاقطاب والاحزاب الشاذلية والسيد مصطفى البكري بالخلوتية
ولما توفي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه
من ذلك تفسير البيضاوي بتمامه
وروى عنه جملة من افاضل عصره كالشيخ محمد الصبان والسيد
محمد مرتضى والشيخ محمد بن اسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح مسلم بالاشرفية وكان
كثيرا لزيارة لمشاهد الاولياء متواضعا لا يرى لنفسه مقاما متحرزا في مأكله وملبسه لا
ياكل الا ما يؤتى اليه من زرعه من بلده من العيش اليابس مع الدقة وكانت الامراء
تأتي لزيارته ويشمئز منهم ويفر منهم في بعض الاحيان
وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من الزاد من خبزه الذي
كان يأكل منه
وانتفع به المريدون وكثروا في البلاد ونجبوا ولم يزل
يترقى في مدارج الوصول الى الحق حتى تعلل اياما بمنزله الذي بقصر الشوك
وتوفي في ثاني عشر صفر سنة 1172 ودفن سيدي عبد الله
المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامت الاموات فانهدم قبره
وامتلأ بالماء فاجتمع اولاده ومريدوه وبنوا له قبرا في العلوة على يمين
تربة الشيخ المنوفي ونقلوه
اليه قريبا من عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة
ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيما يقصد للزيارة ويختلط به
الرجال والنساء
ثم أنشأوا بجانبه قصرا عاليا عمره محمد كتخدا اباظة
وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل والحمير دثروا بها قبورا
كثيرة بها كثير من اكابر الاولياء والعلماء والمحدثين وغيرهم من المسلمين
والمسلمات
ثم انهم ابتدعوا له موسما وعيدا في كل سنة يدعون اليه
الناس من البلاد القبلية والبحرية فينصبون خياما كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي
ويجتمع العالم الاكبر من اخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الارياف وارباب
الملاهي والملاعب والغوازي والبغايا والقزادين والحواة فيملأون الصحراء والبستان
فيطأون القبور ويوقدون عليها النيران ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون
ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا ويستمر ذلك نحو
عشرة ايام او اكثر ويجتمع لذلك ايضا الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خياما ايضا
ويقتدي بهم الاكابر من الامراء والتجار والعامة من غير انكار بل ويعتقدون ان ذلك
قربة وعبادة
ولو لم يكن كذلك لانكره العلماء فضلا عن كونهم بفعلونه
فالله يتولى هدانا اجمعين
ومات الشيخ الاجل المعظم سيدي محمد بكري احمد بن
عبدالمنعم ابن محمد بن ابي السرور محمد بن القطب ابي المكارم محمد ابيض الوجه ابن
ابي الحسن محمد بن الجلال عبد الرحمن بن احمد بن محمد بن احمد ابن محمد بن عوض بن
محمد بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن الحسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن نجم
بن عيسى بن شعبان ابن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد
الرحمن ابن ابي بكر الصديق وكان يقال له سيدي ابو بكر البكري شيخ
السجادة بمصر ولاه ابوه الخلافة
في حياته لما تفرس فيه النجابة مع وجود اخوته الذين هم اعمامه وهم ابو المواهب
وعبد الخالق ومحمد بن عبد المنعم
فسار في المشيخة احسن سير وكان شيخا مهيبا ذا كلمة نافذة
وحشمة زائدة تسعى اليه الوزراء والاعيان والامراء
وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل
الشروق يجلس معه مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب الى الازهر
ولما مات خلفه ولده الشيخ سيد احمد وكان المترجم متزوجا
بنت الشيخ الحنفي فاولدها سيدي خليلا وهو الموجود الآن تركه صغيرا فتربى في كفالة
ابن عمه السيد محمد افندي ابن علي افندي الذي انحصرت فيه المشيخة بعد وفاة ابن عمه
الشيخ سيد احمد مضافة الى نقابة السادة الاشراف كما يأتي ذكر ذلك ان شاء الله
وكانت وفاة المترجم في اواخر شهر صفر سنة 1171
ومات ايضا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني
وتولى السلطان مصطفى بن احمد خان وعزل علي باشا ابن الحكيم
وحضر الى مصر محمد سعيد باشا في اواخر رجب سنة 1171 واستمر في ولاية مصر الى سنة
1173
وفي تلك السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول
ومات افضل النبلاء وانبل الفضلاء بلبل دوحة الفصاحة
وغريدها من انحازت له بدائعها طريفها وتليدها الماجد الاكرم مصطفى اسعد اللقيمي
الدمياطي وهو احد الاخوة الاربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم اولاد المرحوم
احمد بن محمد بن احمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط العنبوسي وكلهم
شعراء بلغاء توفي في سنة 1173
ومات اديب الزمان وشاعر العصر والاوان العلامة الفاضل
شمس الدين الشيخ محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد الى مصر في
سنة 1144 فطارح الادباء وزاحم بمناكبه الفضلاء ثم عاد الى وطنه وورد الى مصر ايضا
في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين الشيخ عبد الله
الادكاوي محاضرات ومطارحات
وذكره في مجموعته واثنى عليه
واورد له من شعره كثيرا ثم توجه الى الشام وقد وافاه الحمام ودفن بالصالحية سنة
ثلاث وسبعين ومائة والف
ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ
عامر الانبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء لهيب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور
العلماء والاعيان
وكلما راى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية الى
الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك
وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسبه ويقول له يا شيخ عامر
لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك
ومن بعده الشيخ الحفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس
لكلامه
وكان شيخا مسنا صلحا مكحل العينين دائما عجيبا في هيئته
ومن نظمه الفية الطعام على وزن الفية ابن مالك واولها ... يقول عامر هو الانبوطي
... احمد ربي لست بالقنوطي ...
ومات الامير الكبير عمر بك بن حسن بك رضوان وذلك انه لما
قلد ابراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير امارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167
ونزل عليهم السيل العظيم يظهر حمار والقى الحجاج واحمالهم الى البحر ولم يرجع منهم
الا القليل تشاوروا فيمن يقلدونه امارة الحج فاقتضى راي ابراهيم كتخدا تولية
المترجم وقد صار مسنا هرما فاستعفى من ذلك فقال له ابراهيم كتخدا اما أن تطلع
بالحج او تدفع مائتي كيس مساعدة
فحضر عند ابراهيم كتخدا فرأى منه الجد
فقال اذا كان ولا بد فاني اصرفها واحج ولو اني اصرف الف
كيس
ثم توجه الى القبلة وقال اللهم لا ترني وجه ابراهيم هذا
بعد هذا اليوم اما اني اموت او هو يموت
فاستجاب الله دعوته ومات ابراهيم كتخدا في صفر قبل دخول
الحجاج الى مصر بخمسة ايام
وتوفي عمر بك المذكور سنة 1171
ومات الرجل الفاضل النبيه الذكي المتفنن المتقن الفريد
الاوسطي
ابراهيم السكاكيني كان انسانا
حسنا عطارديا يصنع السيوف والسكاكين ويجيد سقيها وجلاءها ويصنع قراباتها ويسقطها
بالذهب والفضة ويصنع المقاشط الجيدة الصناعة والسقي والتطعيم والبركارات للصنعة
واقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك
وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون
الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرا مثل مقامات الحريري وكتب ادبية ورسائل كثيرة
في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعته
لم يخلف بعده مثله
توفي في حدود هذا التاريخ وكان حانوته تجاه جامع
المرداني بالقرب من درب الصياغ
وفي تلك السنة اعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه
السيول واعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي اخذ المليح والمليحة
مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصى ثم
خف واخذ ينقر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفى مولود
في تلك السنة وورد الامر بالزينة في تلك الايام
وهذا المولود هو السلطان سليم المتولي الآن ولما قتل
حسين بك القازدغلي المعروف بالصابونجي وتعين في الرياسة بعده علي بك الكبير واحضر
خشداشينه المنفيين واستقر امرهم وتقلد امارة الحج سنة 1173 فبيت مع سليمان بك
الشابوري وحسن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي واحمد جاويش المجنون واتفق
معهم على قتل عبد الرحمن كتخدا في غيبته واقام عوضه في مشيخة البلد خليل بك
الدفتردار فلما سافر استشعر عبد الرحمن كتخدا بذلك فشرع في نفي الجماعة المذكورين
فاغرى بهم على ذلك بلوط قبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي واحمد جاويش الى الحجاز من
طريق السويس على البحر ونفى حسن كتخدا الشعراوي وسليمان بك الشابوري مملوك خشداشه
الى فارسكور
فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج الى العقبة وصل اليه
الخبر فكتم ذلك وامر بعمل شنك
يوهم من معه بان الهجان اتاه بخبر سار ولم يزل سائرا الى ان وصل الى قلعة نخل
فانحاز الى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهم الحجاج والمحمل
وركب في خاصته وسار الى غزة وسار الحجاج من غير امير الى ان وصلوا الى أجرود فأقبل
عليهم حسين بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل
الى مصر واستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر واكثر وكاتب الدولة بواسطة باشة الشام
فارسلوا اليه واحدا اغا ووعدوه ومنوه وتحيلوا عليه حتى استقصوا ما معه من المال والاقمشة
وغير ذلك
ثم حضر الى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي
واغرااضه ومات بعد وصوله الى مصر بثمانية ايام
يقال ان بعض خشداشينه شغله بالسم حين كان يطوف عليهم
للسلام
ولاية مصطفى باشا واحمد باشا كامل
وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا
واليا على مصر واستمر الى اواخر سنة 1174 ونزل الى القبة متوجها الى جدة فاقام
هناك
وحضر احمد باشا كامل المعروف بصبطلان في اواخر سنة 1174
وكان ذا شهامة وقوة مراس فدقق في الاحكام وصار يركب
وينزل ويكشف على الانبار والغلال فتعصبت عليه الامراء وعزلوه واصعدوا مصطفى باشا
المعزول وعرضوا في شأنه الى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى
باشا خازنداره الى جدة وكيلا عنه
ولما وصل العرض الى الدولة وكان الوزير اذ ذاك محمد باشا
راغب فوجهوا احمد باشا المنفصل الى ولاية قندية ومصطفى باشا الى حلب ووجهوا باكير
باشا والي حلب الى مصر فحضر وطلع الى القلعة واقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة
سنة 1175 وحضر حسن باشا في اواخر
سنة ست وسبعين ثم عزل
وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر
الحال وتقلد في امارة الحج حسين بك كشكش وطلع سنة 1174 ووقف له العرب في مضيق وحضر
اليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فاحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف
وامرهم بدفع مطلوبات العرب
فذهبوا معه الى خيمته واحضر المال وشرع الصراف يعد لهم
الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشهيل فقال لهم حينئذ لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا
حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب
وسار الحج حتى خرج من ذلك المضيق الى الوسع ورتب مماليكه
وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فامر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم
عن آخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور
وامر بالرحيل وضربوا المدفع وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون بطلب
الثأر
فتجمعت القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي
المضايق وهو يسوق عليهم من امام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه
حتى وصل الى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال
ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه
الامراء من خشداشينه وغيرهم وقال له علي بك بلوط قبن انك افسدت علينا العرب واخربت
طريق الحج ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها فقال انا
الذي اسافر بالحج في العام القابل ومني للعرب اصطفل
فطلع ايضا في السنة الثانية وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل
طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال واستعدوا له بما استطاعوا من الكثرة من كل جهة
فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من امام الحج ومن خلفه حتى
شردهم واخافهم وقتل منهم الكثير ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة
فانه لم يكن معه الا نحو
الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والاجناد وعسكر المغاربة
وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه مشهورا حسامه فيشتت شملهم
ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته وانكفوا عن الحج
فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة
فحج اربع مرات اميرا بالحج آخرها سنة 1176 ورجع سنة 1177
ولم يتعرض له احد من العرب ذهابا وايابا بعد ذلك
وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق
على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج اليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب
مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم
وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك
وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره
وقلد اسمعيل بك الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما
احتفل به للغاية ببركة الفيل
وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174 فعملوا على معظم البركة
أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة
واجتمع بها ارباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره
من سائر الاصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الاصناف والانواع وعلقوا
القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن الامراء والاعيان
اكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك ابراهيم كتخدا ابي العروس
وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات
وجمعيات
واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة
والناس تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي
ووردت على علي بك الهدايا والصلات من اخوانه الامراء
والاعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام
واليهود والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة
والمكاسب كثيرة والاسعار رخية
والقرى عامرة
وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الاقاليم
والبنادر بالهدايا والاغنام والجواميس والسمن والعسل وكل من الامراء الابراهيمية
كأنه صاحب الفرح والمشار اليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك
وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط
المدينة بانواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الاعيان والجاويشية
والملازمين والسعاة والاغوات امام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك
المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية والعروس في
عربة
وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك ابو الذهب
ماشيا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها اولاد خزنات الامراء ملبسين بالزرد
والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف
الجميع النوبة التركية والنفيرات
فمن ذلك الوقت اشتهر امر علي بك وشاع ذكره ونما صيته
وقلد ايضا علي بك المعروف بالسروجية
ولما كان عبد الرحمن كتخدا ابن سيدهم ومركز دائرة دولتهم
انضوى الى ممالأته ومال هو الآخر الى صداقته ليقوى به على ارباب الرياسة من
اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الامر لنفسه
حتى ان عبد الرحمن كتخدا لما اراد نفي الجماعة المتقدم
ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا على احمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه ثم عرضوا ذلك
على عبد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك واظهر الغيظ واصبح في ثاني يوم اجتمع عنده
الاختيارية والصناجق على عادتهم
فلما تكامل حضور الجميع عين عبد الرحمن كتخدا غاديا الى
بيت علي بك وكذلك باقي الامراء والاختيارية وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك
اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك
ثم انهم طلعوا ايضا في ثاني يوم الى الديوان واجتمعوا
بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي احمد جاويش وخليل
جاويش وسليمان بك الشابوري
فقال عبد الرحمن كتخدا واكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي ايضا
فكتبوه واخرجوا فرمانا بذلك ونفوهم كما ذكر واستمروا في
نفيهم
وعمل احمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش اقام
ايضا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك
يمهد لنفسه واستكثر من شراء المماليك وشرع في مصادرة الناس
ويتحيل على اخذ الاموال من ارباب البيوت المدخرة
والاعيان المستورين مع الملاطفة وادخال الوهم على البعض بمثل بمثل النفي والتعرض
الى الفائظ ببعض المقنضيات ونحو ذلك
حادثة سماوية
ومن الحوادث السماوية ان في
يوم السبت تاسع عشر جمادى الاولى هبت ريح عظيمة شديدة نكباء غربية غرق منها
بالاسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا في مرسى المسلمين وثلاثة مراكب في مرسى النصارى
وضجت الناس وهاج البحر شديدا وتلف بالنيل بعض مراكب
وسقطت عدة اشجار
وطلع علي بك اميرا بالحج في سنة 1177 ورجع في اوائل سنة
1178 في ابهة عظيمة وارخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم
فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بابي الذهب
ثم قلد مملوكه ايوب اغا ورضوان قرابينه وابراهيم شلاق
بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق ايضا
وانقضت تلك السنة وامر علي بك يتزايد
وشهلوا امور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا
العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والانبار وخرج المحمل على القانون
المعتاد واميره حسن بك رضوان
ولما رجعوا من البركة بعد ارتحال الحج طلع علي بك
وخشداشينه واغراضه وملكوا
ابواب القلعة وكتبوا فرمانا واخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر
جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين
فاما عبد الرحمن كتخدا فارسلوه الى السويس ليذهب إلى
الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصله إلى السويس
ونفوا باقي الجماعة الى جهة بحري وارتجت مصر في ذلك
اليوم وخصوصا لخروج عبد الرحمن كتخدا فأنه كان اعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله
الصولة والكلمة والشهرة وبه ارتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك
واتباع وعساكر مغاربة وغيرهم حتى ظن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم
فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل بالناس من البهتة
والتعجب
ثم ارسل الى صالح بك فرمانا بنفيه الى غزة فوصل اليه الجاويش
في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب وسافر وذهب صالح بك الى غزة
فاقام بها مدة قليلة ثم ارسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به الى ناحية بحري واجلسوه
برشيد ورتب له علي بك ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة اكياس
فاقام برشيد مدة فحضرت اخبار وصول الباشا الجديد وهو
حمزة باشا الى ثغر سكندرية فارسلوا الى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به
الى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا
فلما وصلت اليه الاخبار بذلك ركب بجماعته ليلا وسار الى
جهة البحيرة وذهب من خلف جبل الفيوم الى جهة قبلى فوصل الى منية ابن خصيب فاقام
بها واجتمع عليه اناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له ابنية
ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ العرب همام واكابر الهوارة واكثر البلاد
الجارية في التزامه جهة قبلي
واجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما
يحتاج اليه
ووصل المولى حفيد افندي
القاضي وكان من العلماء الافاضل ويعرف بطرون افندي وكان مسنا هرما فجلس على الكرسي
بجامع المشهد الجسيني ليملي درسا فاجتمع عليه الفقهاء الازهرية وخلطوا عليه وكان
المتصدي لذلك الشيخ احمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم كلموني
بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث
فزادوا في المغالطة فما وسعه الا القيام فانصرفوا عنه
وهم يقولون عكسناه
وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل
فرح لختان ولده فارسل اليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الامراء والاختيارية
والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالارز والسمن والعسل والسكر وكذلك امتلأ
المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي واجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب
والملاهي والبهلوانات وغيرهم واستمر ذلك عدة أيام والناس تغدو وتروح للفرجة
وسعت العلماء والامراء والاعيان والتجار لدعوته
وفي يوم الزفة ارسل اليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من
الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقم الباشا من الاغوات والسعاة
والجاويشية والنوبة التركية واركبوا الغلام بالزفة الى بيت علي بك فالبسه فروة
سمور ورجع الى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودا واتحد هذا القاضي
بالشيخ الوالد وتردد كل منهما على الآخر كثيرا وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في
يوم شديد الحر فلما صعد الى اعلى الدرج وكان كثيرا فاستلقى من التعب على ظهره
لهرمه فلما تروح وارتاح في نفسه قال له الشيخ يا افندي لاي شيء تتعب نفسك أنا آتيك
متى شئت
فقال انا اعرف قدرك وانت تعرف قدري
وكان نائبه من الاذكياء أيضا
ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليا على مصر
وطلع الى القلعة عرضوا له امر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال
والميري وأخذوا فرمانا
بالتجريد عليه وتقلد حسين بك كشكش حاكم جرجا وامير التجريدة وشرعوا في التشهيل
والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد بك ابو الذهب وحسن بك الازبكاوي فالتطموا
مع صالح بك لطمة صغيرة ثم توجه وعدى الى شرق أولاد يحيى وكان حسين بك شبكة مملوك
حسين بك كشكش نفاه علي بك الى قبلي فلما ذهب صالح بك الى قبلي انضم اليه وركب معه
فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق اولاد يحيى انفصل عنه وحضر الى سيده
حسين بك وانضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك الى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور
يريد الذهاب الى منصبه بجرجا وأقام في المنية فارسل اليه علي بك فرمانا بنفيه الى
جهة عينها له فلم يتمثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وامرائه وحضر الى مصر ليلا
فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا فطرقه فلم يفتحوه فكسره ودخل وذهب الى
بيته وبقي الامر بينهم على المسالمة أياما فاراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد
الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونا للباءة فوضع له السم في المعجون واحضره له
فامره ان يأكل منه اولا فتلكأ واعتذر فامر بقتله
وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيا روميا يلبس على رأسه
قلبق سمور وكان وجيها جميل الصورة فصيحا متكلما يعرف التركية والعربية والرومية
والطليانية
وعلم حسين بك انها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة
واضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك او اخراجه
فوافقوه ظاهرا واشتغل حسين بك على اخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه
المدافع فكرنك في بيته وانتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم
عليه
فعند ذلك أرسل اليهم يسألهم عن مرادهم فحضر اليه منهم من
يأمره بالركوب والسفر فركب
واخرجوه منفيا الى الشام ومعه
مماليكه وأتباعه وذلك في اواخر شهر رمضان سنة 1179 واقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى
عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من
الحساب واستخلصوا ما بقي على طرفهم ثم سافروا الى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى
من امراء مصر انه اذا خرج الى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر
بذمته من ميري وخلافة وان لم يكن معه ما يوفي ذلك باع اساس داره ومتاعه وخيوله ولا
يذهب الا خالص الذمة
وسافر صحبة علي بك امراؤه وهم محمد بك وايوب بك ورضوان
بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي واحمد جاويش وسليمان جاويش وقيطاس كتخدا
وباقي اتباعه
واستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي
جماعتهم وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان
وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من شرق اولاد يحيى الى المنية واستقر
فيها وحصنها
فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريدة وبرزوا الى جهة البساتين
وفي تلك الايام رجع علي بك ومن معه على حين غفلة ودخل
الى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وايوب بك دخل
منزل ابراهيم أغا الساعي فاجتمع الامراء بالاثار وعملوا مشوره في ذلك
فاقتضى الرأي بان يرسلوه الى جدة فاجتمع الرأي بان يعطوه
النوسات ويذهب اليها فرضي بذلك وذهب الى النوسات وأقام بها وأرسلوا محمد بك وأيوب
بك ورضوان بك الى قبلي بناحية اسيوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الاسيوطي فانضموا
اليه وصادقوه وسفروا التجريدة الى صالح بك فهزمت فارسلوا له تجريدة اخرى واميرها
حسن بك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم الا بعض مناوشات ورجعوا أيضا كانهم مهزومون
وارسلوا له ثالث ركبة