الأربعاء، 8 يونيو 2022

مجلد 9. و10.من كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

 

الجبرتي 9 و10.

مجلد 9. و10.من كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
الى بر مصر ومروا في الاسواق وعدى ايضا محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا الى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح واقاموا هناك وأرسل ابراهيم بك ورقة الى احمد باشا يقول فيها انه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الارنؤد حالا واحدا ولا تتداخلوا مع الانكشارية فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية الى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا ايضا عدة مدافع متراسلة على جهة بيت احمد باشا وكان ساكنا في بيت علي بك الكبير بالداودية فعند ذلك اخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق ان المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين الى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا الى بيوتهم ثم ان ابراهيم بك ارسل ورقة الى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج الى خارج البلد ومعه مهلة الى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم الى الليل وان خالف فلا يلومن الا نفسه فلما رأى حال نفسه مضمحلا لم يجد بدا من الامتثال الا أنه لم يجد جمالا يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه وقل له يرسل لي جمالا وأنا أخرج واما تسليم القاتلين فلا يمكن فقال له اما حضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له وكيف يكون العمل فقال يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غدا حملت الاثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا الى محمد علي والتجؤا اليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج احمد باشا في حالة شنيعة واتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى اكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعند ما خرج من
البيت دخل الارنؤد ونهبوا جميع ما فيه ولم يزل سائرا حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية الى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الارنؤد والكشاف المصرلية والعرب والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وامامه المناداة بالامان حسب ما رسم ابراهيم بك حاكم الولاية وافندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لاحمد باشا يوما وليلة لا غير وفي ذلك اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه اشياء كثير أخذ ذلك جميعه الارنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والاعيان وعدوا الى بر الجيزة وسلموا على ابراهيم بك والامراء
وفيه استأذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الاقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه الى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا الى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة واذا بجماعة من كبار الارنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا اليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي أغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الاوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولا على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضرب على يده اليمنى واخرجوه الى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا لرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والامتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج اتباعهم في اسوأ حال
يطلبون النجاة بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع الى حريم البارودى الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضا في تلك الايام فعند ما رأت وصول الجماعة ارسلت الى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلاف الامر فوجده قد تم فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في اثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب الى داره ثم ان علي أغا الشعراوى استأذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصا ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤسهما الى الامراء بالجيزة ولم يردوهما ولم يدفنا معهما ثم رفعهما بالتابوت الى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الازبكية من غير رؤوس فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الارنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيمانا عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كبارا وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم الى قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الامان وفتحوا باب القلعة وخرج احمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم الى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية داخل القلعة وحولهم العساكر فلما ذهبوا بهم الى الجيزة أرسلوا احمد باشا الى قصر العيني وأبقوا الاثنين وهم اسمعيل أغا وموسى أغا بالقصر الذى بالجيزة ونودى بالامان للرعية حسب ما رسم ابراهيم وعثمان بك
البرديسي ومحمد علي
وفي يوم السبت حضر احمد بك اخو محمد علي الى جهة خان الخليلي لاجراء التفتيش على منهوبات الارنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الاتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوى واماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الارنؤد على الخانات والوكائل والاماكن وشلحوا ناسا كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصى عليهم فتخوف اهل خان الخليلي ومن جاورهم واستمر الارنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصا في اى جهة قبة شبه ما بالاتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصا ان وجدوا شيئا معه من السلاح أو سكينا فتوقي اكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلا عن الجهات البرانية
وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا الى المدينة وعلى اكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون الى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون الى بر الجيزة وبعضهم امامه المناداة بالامان عند مرور بوسط المدينة
وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد المنوفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم
وفي يوم الاثنين قتلوا شخصا بباب الخرق يقال انه كان من اكبر المتحزبين على الارنؤد وجمع منهوبات كثيرة
وفيه ايضا قتلوا اسمعيل اغا وموسى اغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم انهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وبقي الاثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما الى البر الآخر وقطعوا رأسهما عند الناصرية واخذوا الراسين وذهبوا بهما الى زوجة طاهر باشا بالشيخوخة ثم طلعوهما الى اخى طاهر باشا بالقلعة وفيه تقلد سليم أغا اغات مستحفظان سايقا الاغاوية كما كان وركب وشق المدينة باعوانه وامامه جماعة من العسكر الارنؤد ولبسوا ايضا حسين
أغا امين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمدا المعروف بالبرديسي كتخدا قائد أغا وجعلوه محتسبا وشق كل منهم بالمدينة وامامهم المناداة بالامن والامان والبيع والشراء
وفيه اخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم الى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعد ما اخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذى بقى لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوا حال وانحس بال وهم نحو الخمسمائة انسان ومنهم من التجأ الى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجؤا الى المماليك وانتموا اليهم وخدموهم فسبحان مقلب الاحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب الى اقليم القليوبية أوراقا وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الاصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد
وفي يوم الاربعاء حادى عشره حضر محمد علي وعبد الله أفندى رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا ابراهيم بك الى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس
وفيه أرسل ابراهيم بك فجمع الاعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها ان المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع الى بحربرا عن كل اردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامرة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذى كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والاملاك ومنها ان الحلوان عن المحلول
ثلاث سنوات ومنها انه يحسب المضاف والبراني الى ميرى البلاد وغير ذلك
وفي يوم الخميس ثاني عشره عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر ابراهيم بك والامراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعا وقدموا لهم تقادم
وفي يوم الجمعة كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدى بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضا
وفي يوم الاحد خامس عشره نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الارنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدا وسلموا القلعة الى الامراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي الى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك ابراهيم الى باب العزب وسليم أغا مستحفظان الى القصر فعند ذلك اطمان الناس بنزولهم من القلعة فأنهم كانوا على تخوف من اقامتهم بها وكثر فيهم اللغظ بسبب ذلك فلم يزل الامراء يدبرون أمرهم حتى أنزلوهم منها وبقى بها طائفة من الارنؤد وعليهم كبير يقال له حسين قبطان
وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل الى دمياط كما تقدم
وفي يوم الاثنين وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الاخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وان الشريف غالب أحرق داره وارتحل الى جدة وان الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه الى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين
وفي يوم الاربعاء ثامن عشره أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة
والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على ان يذهبوا الى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون اليه والى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الامراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق ان جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دراهم فمر بهم بعض المماليك من أتباع البرديسي فأستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا الى سيدهم واعلموه فأرسل الى ابراهيم بك فركب الى العرضى ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الالفى وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر الى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة الى جهة العادلية وامامهم وخلفهم بعض الامراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو الف وخمسامئة وازيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتاخرين عنهم واخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الارنؤدية على ابواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم واغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الالفى يذهب معهم الى القنطرة ونودى في عصريته بالامان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله مهدور
وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة أمامه على الاتراك الانكشارية والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقة شخصا من الاتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول أنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك
ويسلمه عسكر الارنؤد فيودعونه في مكان من امثاله حتى يتحققوا أمره
وفيه مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعا لهم فاشتكلوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوى
وفيه حضر أيضا ثلاثة من المماليك الى وكالة الصاغة الى رجل رومي ططرى وسألوه عن جوارى سود عنده لمحمد باشا وانهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجوارى فذهب ذلك الططرى الى محمد علي فأرسل الى البرديسي ورقة بطلب الجوارى أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن الى صاحبهن
وفيه حضر أيضا جماعة من المماليك الى بيت عثمان أفندى بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار
وفي يوم الجمعة نهبوا أيضا دار احمد أفندى الذى كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعما انه هو الذى دل عليه
وفي يوم السبت مر سليم أغا وأمامه المناداة على الاغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحد
وفي يوم الاحد حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفرا واخبروا انهم خرجوا من مكة مع الحجاج وان عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل الى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميرا على مكة والشيخ عقيلا قاضيا وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والابنية التي اعلى من الكعبة وذلك
بعد ان عقد مجلسا بالحرم وباحثهم على ما الناس عليه من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة واخبروا ان الشريف غالبا وشريف باشا ذهبا الى جدة وتحصنا بها وانهم فارقوا الحجاج في الجديدة
وفيه كتبوا عرضالحين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الارنؤد على الانكشارية لما اثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكايعهما الخراب لولا قرب الامراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا ايدى المتعدين والثاني يتضمن رفع الاحداثات التي في ضمن الاوامر التي كانت مع الدفترادر التي تقدمت الاشارة اليها
وفيه عزم الامراء على التوجه الى جهة بحرى فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف الا ابراهيم بك واتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب الى جهة رشيد وصحبته عساكر ايضا
وفي يوم الثلاثاء عدى الكثير إلى البر الشرقي وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة واخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والاسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضا ذهابا وايابا ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضا محمد أفندى باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي
وفيه عدى ابراهيم بك الى قصر العيني وركب مع البرديسي الى جهة الحلي وودعه ورجع الى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الالفي مقيما بقصر الجيزة
وفيه وردت الاخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة الى دمياط أبقي بفارسكور ابراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من
العسكر فتحصنوا بها فلما حضر اليهم حسن بك أخو طاهر بك بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا مالا خير فيه وقتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضا ثم ان بعض أكابر العسكر المنهزمين ارسل الى حسن بك يطلب منه امانا وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أمانا فحضروا اليه وانضموا لعسكره وسهلوا له امر محمد باشا وانه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون اصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت الى ان عادوا وتأهبوا للحرب ثانيا وخرج اليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون اليه من اولئك فلما ان نشبت الحرب بينهم اخذوهم مواسطة فاثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وانهزموا الى فارسكور فتلقاهم اهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم ولم ينج منهم الا من كان في عزوة او هرب الى جهة اخرى وحضر الكثير منهم الى مصر في أسوأ حال
وفي يوم الجمعة والسبت حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة
وفيه حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح افندى الى سكندرية فأرسل خورشيد افندى حاكم الاسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته الى ابراهيم بك وأخبره واطلعه على المكتوب الذى حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح افندى المذكور الى بولاق فأرسل ابراهيم بك رضوان كتخدا واحمد بك الارنؤدى وأمرهما بان يأخذا ما معه من الاوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع الى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الاوراق خطاب لطاهر باشا وانه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وانهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر اذا انقطعت علوفاتهم واننا وجهنا له ولاية سنانيك وان
طاهر باشا يستمر على المحافظة واحمد باشا قائمقام الى ان يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد احمد باشا قائمقام دون طاهر باشا ان طاهر باشا ارنؤد وليس له الا طوخان ومن قواعدهم القديمة انهم لا يقلدون الارنؤد ثلاثة اطواخ ابدا
وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل
وفي يوم الاحد دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم زكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصا بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء دينارا والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير واكثرهم اوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم اغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والاجناد والعسكر فاستلموا لمحمل من امير الحاج وامروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر الى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة وحضر صحبة الحجاج كثير من اهل مكة هروبا من الوهابي ولغظ الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجيا وكافرا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق اقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وارسل الى شيخ الركب المغربي كتابا ومعه اوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيآت اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ونشهد ان محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصى الله ورسوله فقد غوى ولا يضر الا نفسه ولن يضر الله شيئا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فقد قال الله تعالى قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين وقال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله
فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فأخبر سبحانه انه اكمل الدين واتمه على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم وامرنا بلزوم ما انزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف وقال تعالى اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء قليلا ما تذكرون وقال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون والرسول صلى الله عليه و سلم قد اخبرنا بأن امته تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن واخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال من كان على مثل ما انا عليه اليوم واصحابي اذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الامور التي اعظمها الاشراك بالله والتوجه الى الموتى وسؤالهم النصر على الاعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها الارب الارض والسموات وكذلك التقرب اليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الى غير ذلك من انواع العبادة التي لا تصلح الا لله وصرف شيء من انواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لانه سبحانه وتعالى اغنى الاغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل الا ما كان خالصا كما قال تعالى فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ان الله لا يهدى من هو كاذب كفار فأخبر سبحانه انه لا يرضى من الدين الا ما كان خالصا لوجهه وأخبر ان المشركين يدعون الملائكة والانبياء
والصالحين ليقربوهم الى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدى من هو كاذب كفار وقال تعالى ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبؤن الله بمالا يعلم في السموات ولا في الارض سبحانه وتعالى عما يشركون فأخبر انه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى من ذا الذى يشفع عنده الا بأذنه وقال تعالى فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم وقال تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضى له قولا وهو سبحانه وتعالى لا يرضى الا التوحيد كما قال تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا الا من الله كما قال تعاى وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وقال تعالى ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فأنك اذا من الظالمين فاذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع الا بأذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدا فيحمده بمحامد يعلمه اياها ثم يقال ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حدا فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الانبياء والاولياء وهذا الذى ذكرناه لا يخالف فيه احد من العلماء المسلمين بل قد اجمع عليه السلف الصالح من الاصحاب والتابعين والائمة الاربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على مناهجهم وأما ما حدث من سؤال الانبياء والاولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الامور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه و سلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من امتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الاوثان وهو صلى الله عليه و سلم حمى جناب التوحيد اعظم حماية وسد كل طريق يؤدي الى الشرك
فنهى ان يجصص القبر وان يبني عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه ايضا انه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره ان لا يدع قبرا مشرفا الا سواه ولا تمثالا الا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لانها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه و سلم فهذا هو الذى أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الامر الى ان كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذى ندعو الناس اليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم واجماع السلف الصالح من الامة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان كما قال تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وندعو الناس الى اقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع وايتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر كما قال تعالى الذين ان مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللع عاقبة الامور فهذا هو الذى نعتقده وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له مالنا وعليه ما علينا ونعتقد أيضا ان أمة محمد صلى الله عليه و سلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وانه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك أقول ان كان كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه اغاثة اللهفان والحافظ المقريزى في تجريد التوحيد والامام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد يد الشيطان وغير ذلك انتهى
وفي ذلك اليوم نودى على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة امير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا ايضا حجاج المغاربة من الدخول الى المدينة ومن دخل منهم لاجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا الى بولاق وأقاموا هناك
وفي يوم الاثنين مر الوالي بناحية الجمالية فوجد انسانا من أكابر غزة يسمى علي أغا شعبان حضر الى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندسا في عمارة الباشا ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفته بأمور الهندسة فوجده جالسا على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف امامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه الف دينار ذهبا باخبار اخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلا لا بأس به
شهر ربيع الاول سنة استهل بيوم الثلاثاء وفي يوم السبت خامسه أحمد باشا والعساكر الانكشارية الذين جمعوهم من المدينة وسافر صحبتهم من العساكر الذين كانوا صحبة أمير الحاج الجميع كانوا نحو الفين وخمسمائة وأما أمير الحاج فانهم عفوا عنه من السفر ودخل المدينة بخاصته
وفي هذا اليوم حضر علي كتخدا من جهة قبلي وهو كتخدا حسن باشا الى جرجا ومعه مكاتبة الى الامراء المصرلية وانه وصل الى اسيوط فكتبوا له أمانا بالحضور الى مصر بمن معه من العسكر ورجع علي كتخدا بذلك في ثاني يومه فقط
وفيه ورد الخبر بوصول أنجد بك الى ثغر دمياط بالريالة الى محمد باشا
وفي يوم الاربعاء تاسعه سافر الشريف عبد الله ابن سرور الى سكندرية متوجها الى اسلامبول وأنعم عليه ابراهيم بك بخمسين الف فضة
وفي يوم الجمعة كان المولد النبوى ونادوا بفتح الدكاكين ووقود القناديل فأوقدت الاسواق تلك الليلة التي قبلها ولكن دون ذلك
واما الازبكية فلم يعمل وقدة الاقبالة بيت البكرى لاستيلاء الخراب عليها
وفي ثاني عشره سفروا جبخانة وجللا وبارودا الى جهه بحرى وأشيع بأن كثيرا من العسكر المصحوبين بالتجريدة ذهبوا الى محمد باشا وكذلك طائفة من الانكشارية المطرودين الذين خلصوا الى طريق دمياط
وفي يوم الاربعاء سادس عشره وردت مكاتبات من عثمان بك البرديسي بالخبر بوقوع الحرب بينهم وبين محمد باشا وعساكره
وفي يوم الاثنين رابع عشره وقع بين الفريقين مقتلة عظيمة وكانوا ملكوا منه متاريس القنطرة البيضاء قبل ذلك ثم هجم المصريون في ذلك اليوم عليهم هجمة عظيمة وكبسوا على دمياط بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا وفتكوا في عسكر الباشا بالقتل وقتلت خواصه واتباعه وقتل حسين كتخدا شنن ومصطفى أغات التبديل ونهبوا دمياط وأسروا النساء وافتضوا الابكار وأخذوهم أسرى وصاروا يبيعونهم على بعضهم وفعلوا أفعالا شنيعة من الفسق والفجور واخذوا حتى ما على اجساد الناس من الثياب ونهبوا الخانات والبيوت والوكائل وجميع اسباب التجار التي بها من اصناف البضائع الشامية والرومية والمصرية وكان شيئا كثيرا يفوق الحصر وما بالمراكب حتى بيع الفرد الارز الذى هو نصف أردب بثلاثة عشر نصفا وقيمته ألف نصف والكيس الحرير الذى قيمته خمسمائة ريال بريالين الى غير ذلك والامر لله وحده والتجأ الباشا الى القرية وتترس بها فأحاطوا به من كل جهة فطلب الامان فأمنوه من القرية وحضر الى البرديسي وخطف عمامته بعض العسكر ولما رآه البرديسي ترجل عن مركوبه اليه وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامة وأنزله في خيمة بجانب خيمته متحفظا به ولما وصل الخبر بذلك الى مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة والجيزة ومصر العتيقة واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها في كل وقت
وفي عصريتها حضر جوخدار البرديسي وهو الذى قتل حسين اغا شنن وحكى بصورة الحال فألبسه ابراهيم بك فروة وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه وجعله كاشف الغربية وذهب الى وكيل الالفي أيضا فخلع عليه فروة سمور وصار يبدر الذهب في حال ركوبه
وفي يوم الجمعة ذهب المذكور الى مقام الامام الشافعي وأرخى لحيته على عادتهم التي سنها السدنة ليعفيها بعد ذلك من الحلق
وفي ذلك اليوم عمل ابراهيم بك ديوانا ببيت ابنته بدرب الجماميز وحضر القاضي والمشايخ ولبس خلعة وتولى قائمقام مصر وضربت في بيته النوبة التركية
وفي عشرينه ورد الخبر بوصول علي باشا الطرابلسي الى اسكندرية واليا على مصر عوضا عن محمد باشا وحضر منه فرمان خطابا للامراء يعلمهم بوصوله ويذكر لهم انه متولي على الاقطار المصرية عوضا عن محمد باشا من اسكندرية الى اسوان ولم يبلغ الدولة موت طاهر باشا ولا دخولكم الى مصر ومعنا أوامر لطاهر باشا واحمد باشا انهم يتوجهون بالعساكر الى الحجاز بسبب الوهابيين فلما وصلنا الى اسكندرية بلغنا موت طاهر باشا وحضوركم الى المدينة بمعاونة الارنؤدية وقتل رجال الدولة والانكشارية وقتل من معهم واخراج من بقى على غير صورة الى غير ذلك وهذا غير مناسب ولا نرضى لكم بهذا على هذا الوجه فاننا نحب لكم الخير ولنا معكم عشرة سابقة ومحبة أكيدة ونطلب راحتكم في أوطانكم ونسعى لكم فيها على وجه جميل وكان المناسب ان لا تدخلوا المدينة الا بأذن الدولة فان تظاهركم بالخلاف والعصيان مما يوجب لكم عدم الراحة فان سيف السلطنة طويل فربما استعان السلطان عليكم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لكم بهم ثم قال لهم في ضمن ذلك ان لنا معكم
بعض كلام لا يحتمله الكتاب وعن قريب يأتيكم اثنان من طرفنا عاقلان تعلمون معهما مشاورة فكتبوا له جوابا حاصله ان محمد باشا لما كان متوليا لم نزل نترجى مراحمه وهو لا يزداد معنا الا قسوة ولا يسمح لنا بالاقامة بالقطر المصرى جملة وجرد علينا التجاريد والعساكر من كل جهة وينصرنا الله عليه في كل مرة الى ان حصل بينه وبين عساكره وحشة بسبب جماكيهم وعلوفاتهم فقاموا عليه وحاربوه وأخرجوه من مصر بمعونة طاهر باشا ثم قامت الانكشارية على طاهر باشا وقتلوه ظلما وقامت العساكر على بعضهم البعض وكنا حضرنا الى جهة الجيزة باستدعاء طاهر باشا فلما قتل طاهر باشا بقيت المدينة رعية من غير راع وخافت الرعية من جور العساكر وتعديهم فحضر الينا المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية واستغاثوا بنا فأرسلنا من عندنا من ضبط العساكر ومن المدينة والرعية وأما محمد باشا فانه نزل الى دمياط وظلم البلاد والعباد وفرد عليها الفرد الشاقة وحرقها فتوحه عثمان بك البرديسي لتأمين اهالي القرى الى ان وصل الى ظاهر دمياط فأقام بمن معه خارج المدينة فما يشعر الا ومحمد باشا صدمهم ليلا وحاربهم فحاربوه فنصرهم الله عليه وانهزمت عساكره وقبض عليه وهو الآن عندنا في الاعزاز والاكرام ونحن الآن على ذلك حتى يأتينا العفو وأما قولكم اننا نخرج من مصر فهذا لا يمكن ولا تطاوعنا جماعتنا وعساكرنا على الخروج من اوطانهم بعد استقرارهم فيها وأما قولكم ان حضرة السلطان يستعين علينا ببعض المخالفين فاننا لا نستعين الا بالله واننا ارسلنا عرضحال نطلب العفو ونترجى الرضا ومنتظرون الجواب
وفي ثاني عشرينه حضر واحد اغا ومعه آخر فضربوا له مدافع وعملوا ديوانا وتكلم معهم وتكلم المشايخ الحاضرون في ظلم العثمانين وما احدثوه من المظالم والمكوس واتفقوا على كتابة عرضحال الى الباشا فكتبوا ذلك وامضوا عليه ونادوا في الاسواق برفع ما احدثه الفرنساوية والعثمانية
من المظالم وزيادة المكوس ودفعوا الى الاغا الواصل الف ريال حق طريقه وسافر
وفيه وصل الخبر بأن سليمان كاشف لما وصل الى رشيد وبها جماعة من العثمانية وحاكمها ابراهيم افندى فلما بلغه وصول سليمان كاشف أخلى له البلد وتحصن في برج مغيزل فعبر سليمان كاشف الى البلد وخرج يحاصر ابراهيم افندى فهم على ذلك واذا بالسيد علي باشا القبطان وصل الى رشيد وأرسل الى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور علي باشا والي مصر ويقول ما هذا الحصار فقال له نحن نقاتل كل من كان من طرف حسين قبطان باشا وأما من كان من طرف الوزير يوسف باشا فلا نقاتله وارتحل من رشيد الى الرحمانية ودخل السيد على القبطان الى رشيد
وفي ثالث عشرينه سافر جوخدار البرديسي الى ولاية الغربية وكان شاهين كاشف المرادى هناك يجمع الفردة وتوجه الى طندتا وعمل على اولاد الخادم ثمانين الف ريال فحضروا الى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوى هاربين وتشكوا وتظلموا وقالوا لابراهيم بك لم يبق عندنا شيء فان الفرنساوية نهبونا وأخذوا اموالنا ثم ان محمد باشا ارسل المحروقي فحفر دارنا وأخذ منا نحو ثلمثائة الف ريال ولم يبق عندنا شيء جملة كافية
وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه وصل محمد باشا الى ساحل بولاق وصحبته المحافظون عليه وهم جماعة من عسكر الارنؤد الذين كانوا سابقا في خدمته وجماعة من الاجناد المصرلية ولم يكن معه من اتباعه الا ست مماليك فقط فان مماليكه المختصين به اختار منهم البرديسي من اختاره واقتسم باقيهم الارنؤد ومنهم من يخدم الارنؤد المحافظين عليه ووافق ان ذلك اليوم كان جمع سيدى أحمد البدوى ببولاق على العادة فنصبوا له خيمة لطيفة بساحل البحر وطلع اليها فرأى جمع الناس فظن انهم اجتمعوا للفرجة عليه فقال ما هذا فأخبروه بصورة الحال وكان ابراهيم بك في ذلك بيوم حضر الى بولاق ودخل الى بيت السيد عمر نقيب الاشراف باستدعاء
فجلس عنده ساعة ثم ركب الى ديوان بولاق فنزل هناك ساعة أيضا ثم ركب الى بيته بحارة عابدين فلما وصل الباشا كما ذكر حضر اليه سليم كاشف المحرمجي وأركبه حصانا وركب مماليكه حميرا وذهبوا به الى بيت ابراهيم بك بحارة عابدين فوجدوا ابراهيم بك طلع الى الحريم فلم ينزل اليه ولم يقابله فرجع به سليم كاشف الى بيت حسن كاشف جركس وهو بيت البرديسي فبات به فلما كان في الصباح ركب ابراهيم بك الى قصر العيني فركب المحرمجي واخذ معه الباشا وذهب به الى قصر العيني فقابل ابراهيم بك هناك وسلم عليه وحضر الالفى وباقي الامراء بجموعهم وخيولهم فترامحوا تحت القصر وتسابقوا ولعبوا بالجريد ثم طلع اكابرهم الى أعلى القصر فصاروا يقبلون يد ابراهيم بك والباشا جالس حتى تحلقوا حواليهما ثم ان ابراهيم بك قدم له حصانا وقام وركب مع المحرمجي الى بيت حسن كاشف بالناصرية فسبحان المعز المذل القهار
وفي ثاني يوم غايته ركب ابراهيم بك الالفي وذهبا الى الباشا وسلما عليه في بيت البرديسي وهادياه بثياب وأمتعة وبعد ان كانوا يترجون عفوه ويتمنون الرضا منه ويكونوا تحت حكمه صار هو يترجى عفوهم ويؤمل رفدهم واحسانهم وبقى تحت حكمهم فالعياذ بالله من زوال النعم وقهر الرجال
شهر ربيع الثاني سنة استهل بيوم الاربعاء في ثانيه ضربت مدافع كثيرة بسبب اقامة بنديرة الانجليز بمصر
وفيه عدى البرديسي من المنصورة الى البر الغربي متوجها الى جهة رشيد
وفي يوم السبت رابعه وردت هجانة من ناحية الينبع وأخبروا ان الوهابيين جلوا عن جدة ومكة بسبب أنهم جاءتهم اخبار بان العجم زحفوا على بلادهم الدرعية وملكوا بعضها والاوراق فيها خطاب من شريف
باشا وشريف مكة لطاهر باشا على ظن حياته
وفي يوم الاثنين نادى الاغا والوالي بالاسواق على العثمانية والاتراك والاغراب من الشوام والحلبية بالسفر والخروج من مصر فكل من وجد بعد ثلاثة أيام فدمه هدد وأمروا عثمان بك امير الحاج بالسفر على جهة الشام من البر ويسافر المنادى عليهم صحبته وكذلك ابراهيم باشا
وفي يوم الاربعاء خرج عثمان بك الى جهة العادلية وخرج الكثير من أعيان العثمانية معه وتتابع خروجهم في كل يوم وصاروا بيبعون متاعهم وثيابهم وهم خزايا حيارى في أسوأ حال واكثرهم متأهل ومتزوج ومنهم من نهب وسلب وصار لا يملك شيئا فلما تكامل خروجهم وسافروا في عاشره وهم زيادة عن ألفين وبقى منهم اناس التجؤا الى بعض المصرلية والانجليز وانتموا اليهم
وفيه وصلت الاخبار بان البرديسي وصل الى رشيد وان السيد علي باشا ريس القبطانية تحصن ببرج مغيزل وغالب أهلها جلا عنها خوفا من مثل حادثة دمياط ولما دخل عثمان بك البرديسي الى رشيد فرد على أهلها مبلغ دراهم يقال ثمانين الف ريال
وفي ثالث عشره حضر قنصل الفرنسيس فعملوا له شنكا ومدافع وأركبوه من بولاق بموكب جليل وقدامه آغات الانكشارية والوالي واكابر الكشاف وحسين كاشف المعروف بالافرنجي وعساكره الذين مثل عسكر الفرنسيس وهيئته لم يتقدم مثلها بين المسلمين ونصب بندريرته في بركة الازبكية من ناحية قنطرة الدكة على صارى طويل مرتفع في الهواء واجتمع اليه كثير من النصارى الشوام والاقباط وعملوا جمعيات وولائم وازدحموا على بابه وحضر صحبة كثير من الذين هربوا عند دخول المسلمين مع الوزير وكان المحتفل بذلك حسين كاشف الافرنجي
وفي ثامن عشره وصلت مكاتبة من البرديسي الى ابراهيم بك يخبر فيها انه لما وصل الى رشيد وتحصن السيد علي باشا بالبرج أرسل اليه فبعث له حسن بك قرابة علي باشا الطرابلسي الوالي فتكلم معه وقال
له ما المراد ان كان حضرة الباشا واليا على مصر فليات على الشرط والقانون القديم ويقيم معنا على الرحب والسعة وان كان خلاف ذلك فاخبرونا به الى ان انتهى الكلام بيننا وبينه على مهلة ثلاثة أيام ورجع وانتظرنا بعد مضي الميعاد بساعتين فلم يأتنا منهم جواب فضربنا عليهم في يوم واحد مائة وخمسين قنطارا من البارود وأنكم ترسلون لنا أعظم ما يكون عندكم في البنب والمدافع والبارود فشهلوا المطلوب وأرسلوه في ثاني يوم صحبة حسين الافرنجي وتراسل الطلب خلفه ولحقوا به عدة أيام
وفي عشرينه وصل حسن باشا الذى كان والي جرجا الى مصر العتيقة فركب ابراهيم بك للسلام عليه وحضر الطبجية الى جبخانته فأخذوها وطلعوا بها الى القلعة وكذلك الجمال أخذها الجمالة والعسكر ذهبوا الى رفقائهم الذين بمصر وطولب بالمال واستمر بمصر العتيقة مستحفظا به من كل ناحية
وفي يوم السبت خامس عشرينه وقعت نادرة وهي ان محمد باشا طلب من سليم كاشف المحرمجي أن يأذن له في ان يركب الى خارج الناصرية بقصد التفسح فأرسل سليم كاشف يستأذن ابراهيم بك في ذلك فأذن له بان يركب ويعمل رماحة ثم يأتي اليه بقصر العيني فيتغدى عنده ثم يعود واوصى على ذبح اغنام ويعملون له كبابا وشواء فأركبه سليم كاشف بمماليكه وعدة من مماليك المحرمجي وصحبته ابراهيم باشا فلما ركب وخرج الى خارج الناصرية ارسل جواده ورمحه وتبعه مماليكه من خلفه فظن المماليك المصرلية انهم يعملون رماحة ومسابقة فلما غابوا عن اعينهم ساقوا خلفهم ولم يزالوا سائقين الى الازبكية وهو شاهر سيفه وكذلك بقية الطاردين والمطرودين فدخل الى احمد بك الارنؤدى وضرب بعض المماليك فرسه ببارودة فسقط وذلك عند وصوله الى بيت احمد بك المذكور ووصل الخبر الى سليم كاشف فركب على مثل ذلك بباقي اتباعه وهم شاهرون السيوف ورامحون الخيول واتصل الخبر بابراهيم بك فامر الكشاف بالركوب وأرسل الى البواقي بالطلوع الى القلعة وحفظ أطارف
البلد فركب الجميع وتفرقوا رامحين وبأيديهم السيوف والبنادق فأنزعجت الناس وترامحوا وأغلقوا الحوانيت واختلف رواياتهم وظنوا وقوع الشقاق بين الارنؤد المصرلية وكذلك المماليك أيقنوا ذلك وطلع الكثير منهم الى القلعة ولما دخل محمد باشا عند احمد بك ومن معه من اكابر الارنؤد قاموا في وجهه ووبخوه بالكلام وقبضوا عليه وعلى مماليكه واخذوا ما وجدوه معهم من الدراهم وكان في جيب الباشا خاصة الف وخمسمائة دينار وحضر سليم كاشف المحرمجي عند ذلك فسلموه له فأركبه الباشا اكديشا لان فرسه اصيب ببارودة من بعض المماليك اللاحقين به عند وصوله الى بيت احمد بك وركب معه احمد بك أيضا واخذوه الى عند ابراهيم بك بقصر العيني فخلع ابراهيم بك على احمد بك فروة سمور وقدم له حصانا بسرجه وسكنت الفتنة ونعوذ بالله من الخذلان ومعاداة الزمان
وفي يوم الاحد سادس عشرينه وردت الاخبار ومكاتبة من البرديسي بنصرتهم على االعثمانية واستيلائهم على برج رشيد بعد ان حاربوا عليه نيفا وعشرين يوما واسروا السيد على القبطان واخرين معه وعدة كثيرة من العسكر وارسلوهم الى جهة الشرقية ليذهبوا على ناحية الشام بعد ان قتل منهم من قتل فعند ذلك عملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة وكذلك في ثاني يوم وثالث يوم
وفي يوم الاربعاء عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف تسعة اصابع وهو نحو الثلثين واظلم الجو وابتدأوه الساعة واحدة وثمان دقائق ونصف وتمام الانجلاء في ثالث ساعة وست عشرة دقيقة وكان ذلك في ايام زيادة النيل نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة
شهر جمادى الاولى سنة استهل بيوم الجمعة في ثانيه الموافق لخامس عشر مسرى القبطي وفي النيل سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج صبحها بحضرة ابراهيم بك
قائمقام والقاضي وجرى الماء في الخليج على العادة
وفيه وردت الاخبار بان علي باشا كسر السد الذى ناحية أبي قير الحاجز على البحر المالح وهذا السد من قديم الزمان من السدود العظام المتينة السلطانية وتتفقده الدول على ممر الايام بالمرمة والعمارة اذا حصل به أدنى خلل فلما اختلت الاحوال وأهمل غالب الامور وأسباب العمارات انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الاراضي والقرى التي بين رشيد وسكندرية وذلك من نحو ستة عشر عاما فلم يتدارك امره واستمر حاله يزيد وخرقه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك الى واقعة الفرنسيس فلما حضرت الانكليز والعثمانية شرموه أيضا من الناحية البحرية لاجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه المالحة على الاراضي الى قريب دمنهور واختلطت بخليج الاشرفية وشرقت الاراضي وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق حول الاسكندرية من البر وامتنع وصول ماء النيل الى أهل الاسكندرية فلم يصل اليهم الا ما يصلهم من جهة البحر في النقاير او ما خزنوه من مياه الامطار بالصهاريج وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون بمصر حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح افندى معين لخصوص السد واحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة والاجتهاد في سد الجسر فأقام العمل في ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الاتمام وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر اهل القرى والنواحي فما هو الا وقد حصلت هذه الحوادث وحضر علي باشا الى الثغر وخرج الاجناد المصرلية وحاربوا السيد على باشا القبطان على برج وشيد فخاف حضورهم الى الاسكندرية ففتحه ثانيا ورجع التلف كما كان وذهب ما صنعه صالح افندى المذكور في الفارغ بعد ما صرف عليه اموالا عظيمة واما اهل سكندرية فانهم جلوا عنها ونزل البعض في المراكب وسافر الى ازمير وبعضهم الى قبرص ورودس والاضات وبعضهم اكترى بالايام واقاموا بها على الثغر ولم يبق بالبلدة الا الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه على الرحلة وهم ايضا
مستوفزون وعم بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق وقيل ان علي باشا المذكور فرد عليهم مالا وقبض على ستة انفار من أغنياء المغاربة واتهمهم انهم كتبوا كتابا للبرديسي يعدونه انه اذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلد بمعونة عسكر المغاربة فأخذ منهم مائة وخمسين كيسا بشفاعة القبطان الذى في البيليك بالثغر واجتهد في حفر خندق حول البلد واستعملهم في ذلك الحفر وفي عزمه ان يطلق فيه ماء البحر المالح فان فعل ذلك حصل به ضرر عظيم فقد اخبر من له معرفة ودراية بالامور انه ربما خرب اقليم البحيرة بسبب ذلك واجتهدوا ايضا في تحصين المدينة زيادة عن فعل الفرنسيس والانكليز
وفي يوم السبت تاسعه وصل السيد علي القبطان الى مصر وطلع الى قصر العيني وقابل ابراهيم بك فخلع عليه فروة سمور وقدم له حصانا معددا واكرمه وعظمه وانزلوه عند علي بك ايوب واعطوه سرية بيضاء وجارية حبشية وجاريتين سوداوين للخدمة ورتبوا له ما يليق به وهو رجل جليل من عظماء الناس وعقلائهم وأخبر القادمون البرديسي والاجناد المصريين ارتحلوا من رشيد الى دمنهور قاصدين الذهاب الى سكندرية وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة ومماليك وعساكر
وفيه أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه واستمر الرجاء والخوف أياما ثم انحط الرأى على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميرى عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط ألأف وأربعمائة كيس هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصا اقليم البحيرة فانه خرب عن آخره ثم ان البرديسي استقر بدمنهور وبعدما أبقى برشيد مملوكه يحيى بك ومعه جملة من العساكر وكذلك بناحية البغاز وهم كانوا من وقت محاصرة البرج حتى منعوا عنه الامداد الذى اتاه من البحر وكان ما كان وشحن البرديسي برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأنزلوا برشيد عدة فرد ومغارم وفتحوا بيوت الراحلين عنها ونهبوها وأخذوا أموالهم من
الشوادر والحواصل والاخشاب والاحطاب والبن والارز وقلت الاقوات فيهم والعليق فعلفوا الدواب بشعير الارزبل والارز المبيض وغير ذلك مما لا تضبطه الاقلام ولا تحيط به الاوهام
وفي منتصف هذا الشهر في أيام النسىء نقص النيل نقصا فاحشا وانحدر من على الاراضي فأنزعج الناس وازدحموا على مشترى الغلال وزاد سعرها ثم استمر يزيد قيراطا وينقص قيراطين الى أيام الصليب وانكبت الخلائق على شراء الغلال ومنع الغنى من شراء ما زاد على الاردب ونصف اردب والفقير لا يأخذ الاويبة فأقل ويمنعون الكيل بعد ساعتين فتذهب الناس الى ساحل بولاق ومصر القديمة ويرجعون من غير شيء واستمر سليم اغا مستحفظان ينزل الى بولاق في كل يوم صار الامراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرا عن اصحابها ويخزنوها لانفسهم حتى قلت الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل وقل الخبز من الاسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم وخصوصنا مع خراب البلاد بتوالي الفرد والمغارم وعز وجود الشعير والتبن وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب قلة العلف واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج الى الاستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها وذهبوا الى ابراهيم بك وتكلموا معه في ذلك فقال لهم وأنا أحب ذلك فقالوا له وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والاقلاع عن الذنوب وغير ذلك فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليه ولا أحكم الا على نفسي فقالوا اذا نهاجر من مصر فقال وأنا معكم ثم قاموا وذهبوا
وفي أواخره وردت الاخبار برجوع البرديسي ومن معه من العساكر وقد كان أشيع انهم متوجهون الى الاسكندرية ثم ثنى عزمه عن ذلك لامور الاول وجود القحط فيهم وعدم الذخيرة والعلف والثاني الحاح العسكر بطلب جماكيهم المنكسرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل في حساب جماكيهم والثالث العجز عن أخذ الاسكندرية لوعر الطريق وانقطاع الطرق بالمياه المالحة فلو وصلوها وطال عليهم الحصار لا يجدون ما يأكلون
ولا ما يشربون
واستهل شهر جمادى الثانية سنة بيوم الاحد وفي أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤن على نقل الماء الى الصهاريج والاسبلة ليلا ونهارا من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض ولم ينزل بالاراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم الى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون
وفي سادسه وصل البرديسي ومن معه من العساكر الى بر الجيزة وخرج الامراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم فلما اصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية الى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت اليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير واصبح البرديسي مجتهدا في ذلك وأرسل محمد علي خازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال الى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبة غله لا غير فكان الذي يريد الشراء يذهب الى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضا وفتحوا الطوابين والمخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالاسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الاردب والفول خمسة ريالات وكذلك الشعير ان وجد وكان السعر لاضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الارياف فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي
وفي هذا الشهر تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه الى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة ايام وقطع عنها الماء ثم
رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب الى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء الى حاله الاول ورد المكوس والمظالم
وفي يوم الاحد وصل البرديسي الى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس الى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس
وفي يوم الاثنين عملوا ديوانا عند ابراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والالفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدرا وكذلك على باقي الامراء والكشاف والاجناد كل منهم على قدر حاله في الايراد والمراعاة فمنهم من وزع عليه عشرون كيسا ومنهم عشرة وخمسة واثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدرا كبيرا فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الاصل الف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت
وفي يوم السبت رابع عشره انزلوا فردة ايضا على اهل البلد ووزعوها على التجار وارباب الحرف كل طائفة قدرا من الاكياس خمسين فما دونها الى عشرة وخمسة وبثت الاعوان للمطالبة فضج الناس واغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوت للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال الى امر شنيع وهو انهم سعروها كل اردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته الا بأذن من القيم بعد ما يأخذ منه نصف الغلة او الثلث او الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن واذا أرادوا ذو الجاه الشراء ذهب أولا سرا وقدم المصلحة والهدية الى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلا وصار يتأخر في حضوره الى الساحل الى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه واذا حضر
ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل اردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الاجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم اربعمائة اردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك الى داره ولا يضعون بالعرصات شيئا ويعطى للخبازين من المائتين خمسين أردبا أو ستين ويبيع الباقي باغراضه بما أحب من الثمن ليلا فضج الناس وشح الخبز من الاسواق وخاطب بعض الناس الامراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك الى آخر الشهر والامر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة او التبن أو السمن فلا يقدر من يشترى شيئا من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكترى واحدا عسكريا أو مملوكا يحرسه حتى يوصله الى داره وان حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحرى أخذوها ونهبوا ما فيها جملة فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء
وفي عشرينه مات محمد بك الشرقاوى وهو الذى كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوى
شهر رجب الفرد سنة استهل بيوم الثلاثاء فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الاغا أمين البحرين والساحل ورفق بالامر واستقر سعر الغلة بالف ومائتين نصف فضة الاردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف وأما السمن فقل وجوده جدا حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفا فيكون القنطار بأربعين ريالا وأما التبن فصار يباع بالقدح ان وجد وسرب الناس بهائمهم من عدم العلف
وفيه حضر واحد انكليزى وصحبته مملوك الالفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكا ومدافع وأشيع حضور الالفي الى سكندرية ثم تبين ان هذا الانكليزى أتى بمكاتبات فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك
وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته الى مصر فأشيع في الناس ان الالفي حضر الى الاسكندرية وان هذا خازنداره سبقه بالحضور الى غير ذلك
وفيه حضر ايضا بعض الفرنسيس بمكاتبة الى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة التي بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الامراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك ثم قالوا ان الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئا فلم يقبلوا هذا القول ثم اتفق الامر على تأخير هذه القضية الى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك وحضر أيضا صحبة اولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب اخوه الاستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس فقال اخوه انها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته ولم يتزوج بها على ملة القبط ولم يعمل لها الاكليل الذى هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك فكتبوا لهم جوابا بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم ولم يعمل بينهم الاكليل فيكون الحق في تركته لاخيه لا لها
وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالاسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الافرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الافرنج فكان يخرج بهم في كل يوم الى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وارد بوش ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الايام ثم عادوا فمروا بمساكن الافرنج ووكالة القنصل فأخرج الافرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالا ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم كما جرت به العادة فضربوا عليهم من اسفل بالبنادق فضرب الافرنج عليهم أيضا فلم يكن الا ان هجموا عليهم ودخلوا
يحاربونهم في اماكنهم والافرنج في قلة فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا الى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتابا بصورة الواقعة وأرسلوه الى اسلامبول والى بلادهم وأما العسكر اتباع الباشا فانه لما خرج الافرنج وتركوا اماكنهم دخلوا اليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل الى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر اليهم وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فأمتنعوا عن الكتابة الا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيرى المالكي فمقته ووبخه ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه اذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك
وفي يوم الجمعة رابعه اجتمع المشايخ وذهبوا الى ابراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته وكلموه ايضا على خبز الجراية المرتبة لفقراء الازهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزا
وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وارسلوها الى علي باشا باسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور الى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولاجل الاخذ في تشهيل امور الحج وان تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك الى غير ذلك من الكلام
وفي عاشره سافر جعفر كاشف الابراهيمي رسولا الى احمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر
وفي هذه الايام كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة وكثر الخبز بالاسواق وشبعت عيون الناس ونزل السعر الى ثمانية ريالات وسبعة وانكفوا عن الخطف الا في التبن
وفي منتصفه فتحوا طلب مال الميرى ومال الجهات ورفع المظالم عن
سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد امراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الارنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا وطلب الفردة مستمر حتى على اعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها واعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد ان أمكنه ذلك
وفي اواخره نبهوا على تعمير الدور التي اخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل واحدثوا على الشوارع السالكة دروبا كثيرة لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد اهل الاخطاط بعضهم كما هو طبيعة اهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتماما عظيما وظنوا ظنونا بعيدة وأنشؤا بدنات واكتافا من احجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من اصحابها وفردوا اثمانها عن اهل الخطة
وفي اواخره ايضا نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الابراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فأنه انشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذى هو بيت حسن كاشف جركس احداهما عند قناطر السباع والاخرى عند المزار المعروف بكعب الاحبار وبنى حولهما ابراجا عظيمة وبها طيقان بداخلها مدافع افواهما بارزة تضرب الى خارج ونقل اليها مدافع الباشا التي كانت بالازبكية فسبحان مقلب الاحوال
وفيه نزل ابراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودى الى بولاق واخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وارسلوه الى بحرى فأرتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال
شهر شعبان سنة اوله يوم الاربعاء فيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذى يقال له ديوان افندى وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة
مضمونه الرضا عن الامراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الاعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل امير فائظ خمسة عشر كيسا لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات وأن الاوسبة والمضاف والبراني يضم الى الميرى وان الكلام في الميرى والاحكام والثغور الى الباشا والروزنامجي الذى يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذى يحضر أيضا فلما قرىء ذلك بحضرة الجمع من الامراء والمشايخ اظهروا البشر وضربوا مدافع ثم اتفق الرأى على ارسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جوابا مضمونه مختصرا انه وصل الينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الاحوال واعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الاثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا ابراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محمد ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوى
وفي هذه الايام كثر عيث العسكر وعربدتهم في الناس فخطفوا عمائم وثيابا وقبضوا على بعض أفراد واخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم
وفيه وصل قاضي عسكر مصر وكان معوقا بالاسكندرية من جملة المحجوز عليهم
وفي يوم الجمعة عاشره وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الازهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس واخذوا ثيابهم وعمائمهم فأنزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت الى بولاق ومصر العتيقة واغلقوا الدكاكين واجتمع أناس وذهبوا الى الشيخ الشرقاوى والسيد عمر النقيب والشيخ الامير فركبوا الى الامراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ثم ركب الاغا والوالي وامامه عدة كبيرة من عسكر الارنؤد وخلافهم والمنادى ينادى بالامن والامان للرعية وان وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وان لم يقدروا عليه فليأخذوه الى حاكمه ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمنادة خطفوا
عمائم ونساء
وفي ليلة الاربعاء ثامنه حضر الوالي الى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشعى عنده ثم قبض عليه وختم على بيته واخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها اياما حتى انتفخ فأخرجوه واخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الامراء وان بعضهم اشترى منه اواني نحاسا ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه في ايام محمد باشا فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها الى دارها وطالبها فقالت له عندى شيء فطلع الى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل الى المطبخ واخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام واخذها وخرج
وفي يوم الأحدثاني عشرة نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر ان اتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على ان الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جدا فكان هذا أول احكامه الفاسدة وفي يوم الاربعاء اشيع ان الامراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت ابراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضا عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك ابراهيم بك الوالي الذى تزوج عديلة بنت ابراهيم بك الكبير عوضا عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك ابراهيم عثمان بك المرادى الذى قتل بأبي قير الذى تزوج امرأة سيده ايضا وعمر كاشف مملوك عثمان بك الاشقر الذى تزوج امرأة سيده ايضا ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوى ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الاغا وتزوج ابنته ايضا فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضابا نواحي الآثار ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقا
فلما كان يوم الاحد تاسع عشرة عملوا ديوانا بالقلعة والبسوا فيه خمسة
عشر صنجقا وهم اربعة من طرف ابراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الامير ابراهيم بك الكبير عوضا عن سيده واسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذى تزوج بزوجة سيده زينب هانم ابنة الامير ابراهيم بك ايضا ومحمد كاشف الاشقر الذى تزوج بإمرأته وخليل اغا كتخدا ابراهيم بك ومن طرف البريسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادى ورستم تابع عثمان الشرقاوى وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذى تزوج بإمرأته ومن طرف الالفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد واليا عوضا عن حسين المذكور
وفيه ورد الخبر بوصول طائفة من الانكليز الى القصر وهم يزيدون على الالفين
وفي عشرينه حضر مكتوب من رضوان كتخدا ابراهيم بك من اسكندرية يخبر فيه انه وصل الى اسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور الى مصر وانه يأمر بتشهيل ادوات الحج ولوازمه واطلق اربعة واربعين نقيرة حضرت الى رشيد ببضائع للتجار
وفيه حضر جعفر كاشف الابراهيمي من الديار الشامية وقد قابل احمد باشا الجزار واكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانيا بعد ايام
وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره الى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق ان جماعة من عسكره الاتراك الذين انضموا اليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودى بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الاتراك ثلاثة ومن البحرية اربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع الى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائبا عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من
الامراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب الى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ الى الالفي فأرسل البرديسي خبرا الى الالفي بعزل حسين بك عن قبطانبة البحر وتولية خلافه فلم يرض الالفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة ثم انحط الامر على ان حسين بك يطلع الى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطيبا لخاطر سليمان بك واخمادا للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه
وفي يوم الاحد سادس عشرينه البس ابراهيم بك عثمان كاشف تابع علي أغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضا عن سيده وكان شاغرا من مدة حلول الفرنساوية
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه ركب حسين بك اخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر الى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فأنزعج من ذلك ولم يكن عند في تلك الساعة الا اناس قليلة فأرسل الى مماليكه فلبسوا اسلحتهم وارسلوا الى الامراء والكشاف والاجناد بالحضور وتواني في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الامراء الى القلعة وحصل بعض قلقة ثم نزل الى التنهة واذن لاخي طاهر باشا بالدخول اليه في قلة من اتباعه وسأل عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام وقام وركب ولم يتمكن من غرضه وارسل البرديسي الى محمد علي فحضر اليه وفاوضه في ذلك ثم ركب من عنده بعد المغرب
وفي تلك الليلة نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة الى بيت القاضي فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودى بانه من شعبان واصبح الناس مفطرين فلما كان صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودى بالامساك وقت
الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة فلم يره الا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء
شهر رمضان المعظم سنة استهل بيوم الجمعة في ثانيه قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر اعلى وأوسط وأدنى ستين الفا وعشرين الفا وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصا بالارياف
وفيه نزلت الكشاف الى الاقاليم وسافر سليمان بك الخازندار الى جرجا واليا على الصعيد وصالح بك الالفي الى الشرقية
وفي ثامنه وصل الى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان
وفيه حضر ساع من الاسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بان الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الاثنين وبرز خيامه وخازنداره الى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من امراء مصر يأمرونه بان يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب الى رشيد فانحرف مزاجه من ذلك واحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه واطلعهم على المكاتبة وقال لهم كيف تقولون اني حاكمكم وواليكم ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب الى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك
وفي يوم الاربعاء ثالث عشره غيمت السماء غيما مطبقا وامطرت مطرا متتابعا من آخر ليلة الاربعاء الى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه اصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقى على ذلك التغير أياما الا أنه حصل بها النفع في الاراضي والمزارع
وفي منتصفه ورد الخبر بخروج الباشا من الاسكندرية وتوجهه الى الحضور الى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من اربابها قهرا
وينقشونها بانواع الاصباغ والزينة والالوان ويركبون عليها مقعدا مصنوعا من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونه وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الاصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك آغات الرسالة فلما خرج الباشا من الاسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلى الى يحيى بك يقولان له ان حضرة الباشا يريد الحضور الى رشيد في قلة واما العساكر فلا يدخل احد منهم الى البلد بل يتركهم خارجها فلما وصلوا الى يحيى بك وارادوا يقولون له ذلك وجدوه جالسا مع عمر بك كبير الارنؤد الذى عنده وهم يقرؤن جوابا أرسله الباشا الى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض اتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم اى شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا الى مصر صحبة رضوان كتخدا
وفي يوم الجمعة سادس عشره ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتوليه خلافه
وفي عشرينه اشيع سفرالالفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة الى جهة انبابة واخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانه وغير ذلك
وفي رابع عشرينه عدى الالفى ومن معه الى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا الى بر المنوفية فلما عدوا الى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم الى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان
وفيه حضر واحد بيان آغا يسمى صالح افندى وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك ولا يجتمع به أحد
وفي غايته وصل الباشا الى ناحية منوف وفردوا له فردا على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الارض
وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الانؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصا بالليل حتى كان الانسان اذا مشى يربط عمامته خوفا عليها واذا تمكنوا من احد شلحوا ثيابه واخذوا
ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب الى الاسواق مثل سوق أنبابه في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والاغنام والابقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون الى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك الافي النادر خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل الى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني واما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة ان وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الاحطاب وباقي الامور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الارنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الاثمان وعلم الارنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها اباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الاقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشىء لا تدركه الافهام ولا تحيط به الاقلام وخصوصا سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة
استهل شهر شوال بيوم السبت وفي ثانيه سب رجلا تاجرا من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم الى حمام الطنبدى فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا مافي جيبه من الدراهم وغيرها وذهبيوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضا رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك
وفيه وصل الباشا الى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين
مركبا في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضا
وفيه ركب الالفي والامراء ما عدا ابراهيم بك والبرديسي فأنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا الى مخيمهم بشبرا وخرج أيضا محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وابقوا عند بيوتهم طوائف منهم
وفيه وقعت مشاجرة بين الارنؤدية جهة بيوت سوارى العساكر بسبب امرأة قتل فيها خمسة أنفار بالازبكية
وفي ثالثة أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العساكر باسلحتهم فازعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين واكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالابواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم
وفي رابعه غيروا العسكر باجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذى على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فان بزى الفلاحين بأن كا لابس جبة صوف او زعبوط أخذ منه ما في جيبه او عشرة أنصاف ان كان فقيرا وان كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعونها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الاموات
وفيه نودى بوقود القناديل ليلا على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك
وفيه انتقل الالفي ومن معه من الامراء الى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضى الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطتنا فلم يسمع الباشا وأتباعه الاقلعهم الخيام والتأخر
فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم ان خدم الالفى أخذوا جمالا ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها الى بعض الغيطان فحضر أميرا خور الباشا بالجمال لاخذ البرسيم ايضا فوجدوا جمال الالفى وأتباعه فنهرهم وطردوهم فرجعوا الى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب اليهم فركب رامحا الى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع الى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب اتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور واخذ الجمال فحنق واحضر رضوان كتخدا ابراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا اطاوعك وأصدق تمويهاتك الى ان سرت الى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر اليه وقال له هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الامور وحضرة افندى شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وارسل الى اتباع الالفي فاحضر منهم الجمال وردها الى وطاق الباشا وحضر اليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه واخذا بخاطره ولم يخرج اليه احد من الامراء سواهما
وفي خامسه نادوا بخروج العساكر الارنؤدية الى العرضى وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر
وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصا عسكريا من غير ورقة قبض عليه وغيبه واستمر يفتش عليهم ويتجسس على اماكنهم ليلا ونهارا ويقبض على من يجده متخلفا والقصد من ذلك تمييز الارنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم وكذلك من مر على المتقيدين بابواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والارنؤدية لاجل تميزهم من بعضهم وخروج غيرهم
وفيه أطلعوا السيد على القبطان أخا على باشا الى القلعة
وفي سادسه خرج البرديسي الى جهة شلقان ولم يخرج ابراهيم بك
ولم يتنقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الالفى وباقي الامراء كذلك الى الجبل والارنؤدية جهة البحر وقد كان الباشا ارسل الى محمد علي وكبار الارنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الاسكندرية يستميلهم اليه ويعدهم ويمنيهم ان قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم ان استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغليين
فنقل الارنؤدية ذلك الى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سرا فيما بينهم واتفقوا على رد جواب المراسلة من الارنؤدية بالموافقة على القيام معه اذا حضر الى مصر وخرج الامراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره أمامهم والارنؤدية المصرية من خلفهم فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان وسهلوا له أمر الامراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون الفا ولو بلغوا ذلك فمن المنضمين اليهم من خلاف قبيلتهم وهم ايضا معنا في الباطن
ودبروا له تدبيرا ومناصحات تروج على الاباليس منها ان يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر وان يعدوا بالعساكر البرية الى البر الشرقي من مكان كذا ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له
ولما وصل الى الرحمانية ارسل له الارنؤد مكاتبة سرا بان يعدى الى البر الشرقي وبينوا له الصواب ذلك وهو يعتقد نصحهم فعدى الى البر الشرقي
فلما حضر الى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور وعملوا متاريس ونصبوا المدافع واوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي
فخرج الالفي كما ذكر بمن معه من الامراء المصرلية والعساكر الارنؤدية وارسل الى الباشا بالانتقال والتأخر فلم يجد بدا من ذلك فتأخر الى زفيتة ونزل ونصب هناك وطاقة ومتاريسه 2
وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الافرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعملوا على مركب الباشا واحتاطوا بها وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم الى جهة مصر وأخذوهم اسرى وذهبوا بهم
الى الجيزة وبعدها قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا اخذوه اسيرا ايضا
وكان بالمركب اناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع واسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعا في عدم دفعهم الجمرك فوقعوا ايضا في الشرك وارتبكوا فيمن ارتبك ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر باراضي زفيتة احاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه وارسل اليه الالفي على كاشف الكبير فقال له حضرة ولدكم الالفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم وما الموجب لكثرتها وهذه هيئة المنابذين لا المسالمين والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون الا باتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم وقد ذكروا لك ذلك وانتم بسكندرية
فقال نعم وانما هذه العساكر متوجهة الى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم
فقال انهم اعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فان القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كما لا يخفاكم ذلك واما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون الى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم ولسنا نقول ذلك خوفا منهم وانما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقم حالهم مع الارنؤدية ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم
وفي ليلة الجمعة رابع عشره حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف اربع اصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة الا شيئا يسيرا
وفي ذلك اليوم أرسل البرديسي الى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من اتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة فلاطفه ورده بلطف فرجع الى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على
الرجوع من غير قضاء حاجة وامره بالعود ثانيا فعاد اليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة اخرى من العسكر فازعجوا اهل البيت وارسلت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك الى المعينين تأمرهم ان لا يعملوا قلة أدب وأرسلت الى ابيها لان منزلها بجواره فاهتم لذلك وأرسل خليل بك الى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعنيين
وفي ليلة الخميس عشرينه وصلت اخبار ومكاتبات من الامراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا بالقرين فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل
ومضمون ما ذكروه في المراسلة ان الباشا أراد ان يكبسهم بمن معه ليلا وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر اليهم واخبرهم فتحذروا منهم فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ وانجرح المنفوخ أيضا جرحا بليغا واصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب فقضى عليه وكان ذلك مقدورا وفي الكتاب مسطورا وانكم ترسلوا لنا أمانا بالحضور الى مصر والا ذهبنا الى الصعيد
هذا ما قالوه والواقع انهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفسا لاغير والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت الى الصالحية او ذهبت حيث شاء الله وكان امامه عسكر المغاربة وخلفه الامراء المصرلية
فلما وصلوا الى اراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها الى ان تضاربوا بالسلاح فقامت الاجناد المصرلية من خلفهم فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من اتباعه اربعة عشر نفسا الى الوادى وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاوة الروح وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن اخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر فلما سقط الباشا وبه رمق رأى احد الاميرين فقال له في عرضك يا فلان ان معي كفنا بداخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرميا
فلما انقضى ذلك اعطى ذلك الامير لبعض العرب دنانير واعطاه الكفن الذى اوصاه عليه وقال له اذهب الى مقتلهم
وخذ الباشا وادفنه في تربة
ففعل كما امروا وحفروا لباقيهم حفرا وواروهم فيها
وانقضى امرهم
هذا اخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا انه قال لعسكره ان بلغت مرادى من الامراء المصريين وظفرت بهم وبالارنؤد ابحت لكم المدينة والرعية ثلاثة ايام تفعلون بها ما شئتم
والدليل على ذلك ما فعله بالاسكندرية مدة اقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في اموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لاهل العلم واهانته لهم حتى انه كان يسمى الشيخ محمد المسيرى الذى هو أجل مذكور في الثغر بالمزور واذا دخل عليه مع امثاله وكان جالسا اتكأ ومد رجليه قصدا لاهانتهم
خبر علي باشا المترجم المذكور كان اصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره ارسله بمراسلة الى حسين قبطان باشا وكان اخوه المعروف بالسيد علي مملوك للدولة ومذكورا عند قبطان باشا ومتولي الريالة فنوه بذكره فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس واعطاه فرمانات ويرق فذهب اليها وجيش له جيوشا ومراكب وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم انه متوليها من طرف الدولة
وهرب أخو حمودة باشا عند اخيه بتونس فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس اباحها لعسكره ففعلوا بها اشنع وأقبح من التمرلنكية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبي حريم متوليها واخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره ثم طالبهم بالأموال
وأخذ اموال التجار وفرد على اهل البلد وأخذ اموالهم ثم ان المنفصل حشد وجمع جموعا ورجع الى طرابلس وحاصره اشد المحاصرة وقام معه المغرضون من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا
فلما رأى الغلبة على نفسه نزل الى المراكب بما جمعه من الاموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الاعيان شبه الرهائن
وهرب الى اسكندرية وحضر الى مصر والتجأ الى مراد بك فأكرمه وانزله منزلا حسنا عنده بالجيزة وصار خصيصا به
وسبب مجيئه الى مصر ولم يرجع الى القبطان علمه انه صار ممقوتا في الدولة لان من قواعد دولة العثمانيين انهم اذا أمروا أميرا في ولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصا اذا كان ذا مال
ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان وذهبوا الى امير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وانه يفعل بهما الفاحشة فارسل معهم جماعة من اتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدا ومعه أحد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحا بالغا وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة امير الحاج
ثم رجع الى مصر من البحر ايضا واقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات الى ان حضر الفرنسيس الى الديار المصرية فقاتل مع الامراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل عنهم وذهب من خلف الجبل وسار الى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات الى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا واخرجوه ووصل الخبر الى اسلامبول فطلب ولاية مصر على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية واوامرها بمصر وليس بها الا طاهر باشا والارنؤد وجعل على نفسه قدرا عظيما من المال ووصل الى اسكندرية وبلغه انعكاس الامر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الارنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فاراد أن يدير أمرا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه والجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم انها القاهرة كم قهرت جبابرة وكادت فراعنة ... اذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده
وكان صفته ابيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام يا لربي يحب اللهو والخدعة
ولما انقضى امره وارسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات الى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أمانا من ابراهيم بك البرديسي فكتبوا لهم امانا بعد إمتناع منهما واظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله
وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديوانا واحضروا صالح أغا قابجي باشا الذى حضر اولا ونزل ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وقرأوا الفرمان الذى معه وهو يتضمن ولاية علي باشا
الاوامر المعتادة لاغير وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره
وتكلم الشيخ الامير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب وشكا الامراء والمتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الاقاليم وجورهم على البلاد وانه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم فاتفق الحال على ارسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد
واما مصطفى باشا فانهم أنزلوه في مركب مع اتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم الى حيث شاء الله
وفيه وصل الالفي من سرحته الى مصر القديمة فأقام في قصره الذى عمره هناك وهو قصر البارودى يومين ثم عدى الى الجيزة ودخل اتباعه بالمنهوبات من الجمال والابقار والاغنام ومعهم الجمال محملة بالقمح الاخضر والفول والشعير لعدم البرسيم فانهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال لو شاء ربك ما فعلوه
وفي ثاني عشرينه وقعت معركة بين الارنؤودية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم وضربوا على بعضهم بنادق رصاص وقتل
بينهم انفار واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة ايام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات
وفي خامس عشرينه عملوا ديوانا وقرأوا فرمانا وصل من الدولة مع الططر خطابا لعلي باشا والامراء بتشهيل اربعة آلاف عسكرى وسفرهم الى الحجاز لمحاربة الوهابيين وارسال ثلاثين الف اردب غلال الى الحرمين
وانهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر وكذلك احمد باشا الجزار ارسلوا له فرمانا بالاستعداد والتوجه لذلك فإن ذلك من اعظم ما تتوجه اليه الهمم الاسلامية وامثال ذلك من الكلام والترفق وفيه بعض القول بالحسب والمروأة بتنجيز المطلوب من الغلال وان لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميرى بالسعر الواقع
وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح افندى ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب
وفيه حضر الامراء الذين توجهوا بصحبة الباشا الى الشرقية
وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذى كان بالمنوفية وترك خيامه واثقاله واعوانه على ما هم عليه وحضر في قلة من اتباعه
وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع الى جهة اخرى واخرجوا سكانا كثيرة من دورهم جهة الناصرة وأزعجوهم من مواطنهم واسكنوا بها عساكر وطبجية
وفيه انزلوا السيد علي القبطان من القلعة الى بيت علي بك ايوب كما كان وهذا السيد علي هو اخو علي باشا المقتول كما ذكر واصله مملوك وليس شريف كما يتبادر الى الفهم من لفظة سيد انها وصف خاص للشريف بل هي منقولة من لغة المغاربة فانهم يعبرون عن الامير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة
وفي سادس عشرينه انزلوا محمل الحاج من القلعة مطويا من غير هيئة وأشيع في الناس دورانه الى بيت ابراهيم بك صحبه احد الكشاف وطائفة
من المماليك واتفق الرأى على سفره من طريق بحر القلزم صحبه محمد جاويش مستحفظان ومعه الكسوة والصرة وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الاثمان لعدم العلف بعد ما كلفوها بطول السنة
وما قاسوه أيضا في الايام التي اقاموها بمصر في الانتظار والتوهم
شهر ذى القعدة سنة استهل بيوم الاثنين فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الارنؤد من القلعة وكانوا نحو الاربعمائة فذهبوا الى بولاق وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية
وفيه ألبس ابراهيم بك كتخداه رضوان خلعة وأشيع انه قلده دفتردارية مصر وذهب الى البرديسي فخلع عليه ايضا وكذلك الألفي وذلك اكراما وتنويها بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه
وفي ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي حاكم رشيد يخبر فيها بوصول محمد بك الالفي الكبير الى ثغر رشيد يوم الاربعاء ثالثه وقد طلع على أبي قير وحضر الى ادكو ثم الى رشيد في يوم الاربعاء المذكور وقصده الاقامة برشيد ستة أيام فلما وصلت تلك الاخبارعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة وأظهروا البشر والفرح وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته والمتآمرين حسدا لرآسته عليهم وخمولهم بحضوره فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتواء امرهم مع كبار العسكر
وأرسل البرديسي كتابا الى مملوكه يحيى بك تابعه حاكم رشيد يأمره فيه بقتل الالفي هناك وركب هو الى النيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ واسمعيل بك
صهر ابراهيم بك وعمر بك الابراهيمي الى بر الجيزة ليلة الاحد ونصبوا خيامهم ليستعدوا الى السفر من آخر الليل صحبه الالفي الصغير وعدى ايضا قبلهم حسين بك الوشاش الالفي ونصب خيامه بحرى منهم
فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا الى حسين بك يطلبونه اليهم فحضر مع مماليكه وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر فقالوا له أين الخيول فاننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة وها هو اخوك الالفي قد ركب وهو مقبل
فنظر فرأى المشاعل والخيول فلم يشك في صحة ذلك ولم يخطر بباله خيانتهم له فأمر مماليكه أن يذهبوا الى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه فأسرعوا الى ذلك وبقى هو وحده ينتظر فرسه فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم وأرسلوا الى البرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والارنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلا وكمنوا بمكان ينتظرون الاشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم فلما عملوا ذلك حضروا الى القصر وأحاطوا به وكان طبجي الآلفي مخامرا ايضا فعطل فوالي المدافع واستمروا في ترتيب الامراء على القصر الى آخر الليل فحضر الى الالفي من أيقظة واعلمه بقتل حسين بك واحاطتهم بالقصر فأراد الاستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده وأعلموه بما فعل بالمدافع فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين وخرج من الباب الغربي وسار مقبلا فركب خلفه الامراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تهبت خيولهم ولم يكن معهم خيول كثيرة لانهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر دخله العسكر والاجناد ونهبوا ما فيه من الاثقال والامتعة والفرش وغيرها وكان كاتبه المعلم غالي ساكنا بالجيزة وكذلك كثير من اتباعه ومقدميه فذهبوا الى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الاموال ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها ولم يتركوا بها جليلا ولا حقيرا حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط واصبح الناس بالمدينة يوم الاحد لا يعلمون شيئا من ذلك الا انهم سمعوا الصراخ
ببيت حسين بك جهة التبانة وقيل انه قتل ببر الجيزة
فصار الناس في تعجب وحيرة واختلفت روياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك الا من صراخ اهل بيته
وكل ذلك وقع وابراهيم بك جالس في بيته ويسأل ممن يدخل اليه عن الخبر
واحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل وصير في الصرة والكتبة واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال الصرة وحسابها ولوازم ذلك وبعد العصر اشيع المرور بالمحمل فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية الى قراميدان قبل الغروب وأصبح يوم الاثنين ثامنه ركب ابراهيم بك وامراؤه الى قراميدان وسلم المحمل واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الاعظم الى العادلية وامامه الكسوة في اناس قليلة وطبل وأشاير وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفرا من عسكر الارنؤد هذا ما كان من هؤلاء وأما ما كان من امر الالفي الكبير فانه لما حضر الى رشيد يوم الاربعاء ثالثه كما تقدم قابله يحيى بك وعمل له شنكا وطعاما وما يليق به وسأله عن مدة اقامته برشيد فقال له اريد الاقامة ستة أيام حتى نستريح ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر
ولم يكن معه الا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر فاستأذنه يحيى بك في ارسال الخبر الى مصر ليأتي الامراء الى ملاقاته فلم يرض بذلك ثم انه لم يقم برشيد الا ليلة واحدة وانزل امتعته في أربع مراكب من الرواحل وانتقل آخر الليل الى بيت البطروشي القنصل وأمر بتنقيل المتاع الى مراكب النيل وأهدى له البطروشي غرابا من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار الى مصر وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة
ويأبى الله الا ما يريد فلم يسعفه الريح وكان تأخيره سببا لنجاته
ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك جهز له الالفي الصغير بعض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت فاجتمعوا به عند نادر
نصف الليل
فلما أصبح الصباح حضر اليه سليمان كاشف البواب وقابله ورجع معه الى منوف العلا فأقام هناك يوم الاحد وبات هناك ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح فلم يزل سائرا الى الظهيرة فلاقاه عدة من عسكر الارنؤد الموجهة اليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة فسلم عليهم فردوا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم اين تريدون فقالوا نريد الالفي فقال لهم ها هو الالفي فسكتوا
ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه الى الالفي فكذب ذلك وقال هذا شيء لا يكون ولا يصح ان اخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لاجل راحتنا ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر ثم ان طائفة منهم أدركت الغراب الذى قدمه له البطروشي وكان متأخرا عن المراكب فصعدوا اليه وأخذوا ما فيه من المتاع فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك فأرسل اليهم بعض من معه من الاتراك ليستخبر عن شأنهم وامرهم ولم ينتظر رجوعه بالجواب ولكنه اخذ بالحزم ونزل في الحال الى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن وامرهم ان يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة الى البحر فلاقاهم طائفة اخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي وكان بعيدا عنهم فاعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه اياه ولم يزل يجد في السير حتى وصل الى شبرا الشهابية فنظر الى رجل ساع واعلمه انه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب يخبر الواقع فعند ذلك تحقق الخبر وطلع الى البر وامر بتغريق القنجة ومشى مع المماليك على اقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا الى ناحية قرنفيل ودخل الى نجع عرب الحويطات والتجأ الى امرأة منهم فاجارته ولبت دعوته وركبته فرسا واصحبت معه شخصين هجانين وركب معهما وصار الى قرب الخانكة ليلا والمماليك معه مشاة فقابلهم جماعة من عرب بلى وكبيرهم يقال له سعد ابراهيم فاحتاطوا به فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع
الهجانة الى ناحية الجبل ومضى فسمع الاجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك فأسرعوا اليهم وسألوهم عن سيدهم فقالوا انه كان معنا وفارقنا الساعة فأمر البرديسي من معه من المماليك والاجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من ادركه فليقتله في الحال فذهبوا خلفه فلم يعثر به احد منهم وخرم عليه سعد ابراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذى على ظهره فاشتغلوا به وتركهم وسار وغاب امره
وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الاجناد سائرين لانهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل الا هو واخذوا في الاحتياط عليه ما امكن فأرسلوا عسكرا في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقا وغربا فذهبت طائفة منهم الى الشرقية وطائفة الى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة وسلكوا طريق الجبل الموصلة الى قبلي وذهب حسين بك ورستم بك الى صالح بك الالفي الذى بالشرقية وذهب شاهين بك الى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق وذهب علي بك ايوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف فلما وصل الى دجوة تعوق بسبب قلة المعادى فلما وصل الى منوف فوجدوه عدى الى الجهة الاخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا وكان عندما بلغه الخبر الاجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الالفي له بنحو ثلاث ساعات فعدى في الحال الى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره فوجد أمامه شاهين بك فارسل يطلب منه أمانا فأجابه الى ذلك وارسل الى مصر من يأتي بالامان واطمأن شاهين ليلا فلما اصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين وعدى الى القليوبية فبلغه خبر الالفي وما وقع له مع العرب فطلبهم فأخبروه انه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني فقبض عليهم واحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم ووجد المماليك فقبض عليهم
وأرسلهم الى البرديسي
واما مراكبه فأنه عندما نزل الى القنجة وفارقها ادركها العسكر الذين قابلوه في المراكب ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الاموال وظرائف الانكليز والامتعة والجوخ والاسلحة والجواهر
فانه لما وصل الى القرالي اكرمه اكراما كثيرا وأهدى اليه تحفا غريبة وكذلك أكابرهم وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الامانة يرسل له بها غلالا وأشياء من مصر واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها الى القنصل بمصر وأرسل له بها القرالي بوليصة وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك
وأما الالفي الصغير فانه ذهب الى جهة قبلي وفرد الفرد والكلف على البلاد ومن عصى عليه أو تواني في دفع المطلوب نهبهم وحرقهم
وأما صالح بك الالفي فانه لما وصل اليه الخبر وقدوم الموجهين اليه ركب في الحال من زنكلون وترك حملته واثقاله فلم يدركوه ايضا
وفي يوم الثلاثاء احضروا مماليك الالفي الكبير وجوخداره الى بيت البرديسي وارسل ابراهيم بك والبرديسي مكاتبات الى الامراء بقبلي وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا وعثمان بك حسن بقنا ومحمد بك المعروف بالغربية الابراهيمي يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الالفي الصغير والكبير ان وردا عليهما
واما شاهين بك فانه عدى الى الشرقية واجتهد في التفتيش ثم رجع في يوم الثلاثاء المذكور وامامه العرب المتهمون بانهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه فأعطاهم جوهرا كثيرا وتركوه وأحضروا صحبتهم حقا من خشب وجدوه مرميا في بعض الطرق فأحضر البرديسي مماليك الالفي وأراهم ذلك الحق فقالوا نعم كان مع استاذنا وفي داخله جوهر ثمين وارسلوا عدة من المماليك والهجانة الى الطريق التي ذكرها العرب وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله فأخبره انه لم يكن حاضرا في نجعة وان أمه أو خالته هي التي اعطته الفرس والهجانة فوبخه ولامه فقال له هذه عادة العرب من قديم الزمان يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم
فحبسه أياما ثم اطلقه وقيل انه مر
عليه علي بك أيوب ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال أيضا
وفي ذلك اليوم خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد أغا شويكار الى جهة الشرقية ومرزوق بك الى القليوبية يفتشون على الالفي
وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة الى الالفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وابراهيم كاشف
وفي يوم الجمعة ثاني عشره سافرت قافلة الحاج بالمحمل الى السويس
وفي يوم السبت حضر علي بك ايوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل
وفيه سافر قنصل الانكليز من مصر بسبب هذه الحادثة فانه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة وكلمهما كلاما كثيرا منه انه قال لهما هذا الذى فعلتماه لاجل نهب مال القرالي ومطلوب مني اربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة على الالفي وغير ذلك فلاطفاه وأراد منعه من السفر فقال لا يمكن اني أقيم ببلدة هذا شأنها وطريقتنا لانقيم الا في البلدة المستقيمة الحال ثم نزل مغضبا وسافر وأراد ايضا قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه
وفي يوم السبت طلب العسكر جماكيهم من الامراء وشددوا في الطلب واستقلوا الامراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق أغا كلاما كثيرا فسمعوا في الكلام مع الامراء المصرلية فوعدوهم الى يوم الثلاثاء ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الاحد فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة فحولهم على القبط بمائتي الف ريال منها خمسون على غالي كاتب الالفي وثلاثون على تركة بقطر المحاسب والمائة والعشرون موزعة عليهم فسكن الاضطراب قليلا
وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية
وفي يوم الاربعاء سابع عشره توفي ابراهيم افندى الروزنامجي وفيه
حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم وأرادوا أخذ القلعة فلم يتمكنوا من ذلك وقفل الناس دكاكينهم وقتلوا رجلا نصرانيا عند حارة الروم وخطفوا بعض النساء وامتعة وغير ذلك وركب محمد علي ونادى بالامان
وفي يوم السبت عشرينه حضر سليمان كاشف البواب بالامان ودخل الى مصر
وفي يوم الاحد أفرجوا عن كشاف الالفي المحبوسين
وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك وذهب المنفوخ واسمعيل بك الى ناحية شرق اطفيح لانه اشيع ان الالفي ذهب عند عرب المعازة فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وأرسلوا مائة هجان الى جميع النواحي واعطوهم دراهم يفتشون على الالفي
وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد وتصدى لذلك المحروقي وشرعوا في كتب قوائم لذلك ووزعوها على العقار والاملاك اجرة سنة يقوم بدفع نصفها المستأجر والنصف الثاني بدفعه صاحب الملك
وفي يوم الاربعاء رابع عشرينه شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الاجناد وطافوا بالاخطاط يكتبون قوائم الاملاك ويصقعون الاجر فنزل بالناس مالا يوصف من الكدر مع ما هم فيم من الغلاء ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الارياف فلما كان في عصر ذلك اليوم نطق افواه الناس بقولهم الفردة بطالة وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب
وفي يوم الخميس خامس عشرينه اشيع ابطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة وذهبوا الى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلاما على الامراء مثل قولهن ايش تأخذ من تفليسي با برديسي وصبغن أيديهن
بالنيلة وغير ذلك فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا ايضا ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع الكثير الى الجامع الازهر وذهبوا الى المشايخ فركبوا معهم الامراء ورجعوا ينادون بأبطالهم
وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم وفي وقت قيام العامة كان كثير من العسكر منتشرين في الاسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم نحن معكم سواسو انتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميرى ليست عليكم أنتم اناس فقراء فلم يتعرض لهم أحد
وحضر كتخدا محمد علي مرسلا من جهته الى الجامع الازهر وقال مثل ذلك ونادى به في الاسواق ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الامراء ومالوا الى العسكر وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية
فان محمد علي لما حرش العساكر على محمد بك باشا خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والارنؤد ثم بالاتراك عليه حتى أوقع به أيضا وظهر أمر أحمد باشا وعرف انه ان تم له الامر ونما أمر الاتراك لا يبقون عليه فعاجله وأزاله بمعونة الامراء المصرلية واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرا ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه
كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصا البرديسي فانه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر واغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدقه وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره واقامهم حوله في الابراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالالفي واتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الاحجام خوفا من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني اليهم فاضطروهم الى عمل هذه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل
وعند ذلك تبرأ
محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم اليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا الى الله في إزالة الامراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الامراء على الرعية باطنا بل اظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر وخرج من بيته مغضبا الى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول لا بد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لاوامرنا ثم اخذوا يدبرون على العسكر وارسلوا الى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور فأرسلوا الى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية واسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتيا من شرق اطفيح والفريقان كانوا لرصد الالفي وانتظاره وارسلوا الى سليمان بك حاكم الصعيد بالحضور من اسيوط بمن حوله من الكشاف والامراء والى يحيى بك حاكم رشيد واحمد بك حاكم دمياط واصعدوا محمد باشا المحبوس الى القلعة وعلم الانؤدية منهم ذلك فبادروا واجتمعوا بالازبكية في يوم الاحد ثامن عشرينه فارتاع الناس واغلقوا الحوانيت والدروب وذهب جمع من العسكر الى ابراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية وتفرقوا على بيوت باقي الامراء والكشاف والاجناد
وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الارزاق والجماكي والعلوفات ومنهم الطبجية وغيرهم وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية وجددها بعد تخريبها ووسعها وانشأ بها اماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة وقيد بها طبجية وعساكر من الآرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالابراج والبوابات التي انشأها قبالة بيته بالناصرية جهة قناطر السباع والجهة الاخرى كما سبق ذكر ذلك
فلما علم بوصول العساكر حول دائرته وكان جالسا صحبة عثمان بك يوسف فقام وقال له كن أنت في مكاني هنا حتى اخرج وارتب الامر وارجع اليك وتركه وركب الى خارج فضربوا عليه بالرصاص
فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة وذهب الى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب وكان العسكر نقبوا نقبا من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والاجناد فقاتلوا من وجدوه واوقعوا النهب في الدار وانضم اليهم اجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤس وتسلمهم طائفة منهم على تلك الصورة وذهبوا بهم الى جهة الصليبة فأودعوهم بدار هناك
وفي سابع ساعة من الليل ارسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الاسكندرية بولايته على مصر فذهبوا به الى القاضي واطلعوه عليه وامروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك
فلما أصبح أرسل اليهم فقالوا لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة فأرسله اليهم واطلعوا عليه وأشيع بين الناس
واما ابراهيم بك فأنه استمر مقيما ببيته بالداودية وامر مماليكه واتباعه ان يجلسوا برؤس الطرق الموصلة اليه فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهيشة المقابل لباب زويله وكذلك ناحية تحت الربع والقربية وجهة سويقة لاجين والداودية وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك الى الصباح واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والاجناد ووصل اليهم خبر خروج البرديسي فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بارواحهم
وعلم ابراهيم بك بخروج البرديسي وأنه ان استمر على حاله أخذ فركب في جماعته في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية فلم يزل سائرا حتى خرج الى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين واصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه الى داره ودفنوه
وقبضوا على عمر بك تابع الاشقر الابراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه
وأما الذين بالقلعة من الامراء فأنهم اصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الارنؤد بالازبكية الى الضحوة الكبرى فلما تحققوا خروج ابراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب لم يسعهم الا انهم ابطلوا الرمي وتهيؤا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك وعند نزولهم ارادوا اخذ محمد باشا وعلي باشا القبطان وابراهيم باشا فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من اخذهم ونهب المغاربةالضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق وتسلم العسكر القلعة من غير مانع ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملؤا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوه وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الابراهيمي وسليم اغا مستحفظان من وقت مجيئهم الى مصر متقيدين ومرتبطين بها ليلا ونهارا لا ينزلون الى بيوتهم الا ليلة في الجمعة بالنوبة اذا نزل احدهم اقام الآخران وطلع محمد علي اليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه امامهم المنادى ينادى بالامان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي واشيع في الناس رجوع محمد باشا الى ولاية مصر فبادر المحروقي الى المشايخ فركبوا الى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية وقدم له المحروقي هدية واقام على ذلك بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فكان مدة حبسه ثمانية اشهر كاملة فأنه حضر الى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الاول وهو اخر يوم منه واطلق في آخر يوم من ذي القعدة وخرج الامراء على اسوا حال من مصر ولم يأخذوا شيئا مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره الا ما كان في جيوبهم او كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف ابي دياب فأنه كان مقيما بقصر العيني او الغائبين منهم جهة قبلي وبحرى
واما من كان داخل البلد فأنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط ونهب العسكر اموالهم وبيوتهم
وذخائرهم وامتعتهم وفرشهم وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن وتسلطوا على بعض بيوت الاعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم ادنى نسبة او شبهة بل وبعض الرعية الا من تدراكه الله برحمته او التجأ الى بعض منهم او صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ اليه منهم ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها مالا يوصف من تلك الامور وخربوا اكثر البيوت واخذوا اخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والادهان وكان شيئا كثيرا وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الامراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد
ولو رجع الامراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن وخابت فيهم الظنون وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصا ما فعلوه مع علي باشا من الحيل حتى وقع في أيديهم ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله ثم طردوه وقتلوه فأنه وان كان خبيثا لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الالفي الكبير بعد ما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة وقاسى هول الاسفار والفراتين في البحار فجازوه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل اتباعه وحبسهم وبلصهم واتخذوهم أعداء واخصاما من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم الا الحسد والحقد وحذرا من رآسته عليهم وكانت هذه الفعلة سببا لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في اعينهم فان الالفي واتباعه كانوا يرون في انفسهم ان الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم من مغارم الفلاحين وطلب الكلف فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى الى ان حصل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة وخصوصا كونها على يد هؤلاء
وكانوا يرون في أنفسهم ان الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا انهم صاروا أتباعهم وجندهم مع انهم كانوا قادرين على ازالتهم من الاقليم وخصوصا عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا واخرجوا جميع العسكر وحازوهم الى جهة البحر وحصنوا ابواب البلد بمن يثقون به من اجنادهم ورسموا لهم رسوما امتثلوها فلو ارسلوا لهم بعد ايقاعهم بعلي باشا اقل اتباعهم وامروهم بالرحلة لما وسعتهم المخالفة حتى ظن كثير ممن له ادنى فطنه حصول ذلك فكان الامر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم ودخولهم الى المدينة ثانيا وعند ذلك تحقق لذوى الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الالفي وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون اتباعه ويخشونهم وخصوصا لما سمعوا بوصوله على الهيئة المجهولة لهم داخلهم من ذلك امر عظيم استمر في اخلاطهم يوما وليلة الى ان اجلاه البرديسي ومن معه يشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم وفرقوا جمعهم في النواحي حرصا على قتل الالفي واتباعه فعند ذلك زالت هيبتهم من قلوب العسكر واوقعوا بهم ما اوقعوا ولا يحيق المكر السيء الا باهله
شهر ذى الحجة الحرام استهل بيوم الثلاثاء سنة فيه قلدوا علي أغا الشعراوى واليا على مصر
وفيه نهبوا بيت محمد أغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه
وفي ليلة الاربعاء انزلوا محمد باشا خسروا وابراهيم باشا الى بولاق وسفروهما الى بحرى ومعهما جماعة من العسكر وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية احمد باشا الذى تولى بعد قتل طاهر باشا يوما ونصفا وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر حتى انه لما نزل من القلعة الى بيت محمد علي نظر الى بيته من الشباك مهدوما منخربا فطلب في ذلك الوقت المهندسين وامرهم بالبناء وذلك من وساوسه يقال
ان السبب في سفره اخوة طاهر باشا فأنهم داخلهم غيظ شديد ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم انه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر فعجل بسفره وذهابه
ومن الاتفاقيات العجيبة أيضا ان طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا اقام بعده اثنين وعشرين يوما وكذلك لما غدر المصرلية بالالفي لم يقيموا بعد ذلك الامثل ذلك
وفيه صعد عابدى بك اخو طاهر باشا بالقلعة واقام بها
وفي ليلة الخميس ثالثة اطلقوا عثمان بك يوسف وسافر الى جماعته جهة قبلي يقال انه افتدى نفسه منهم بمال واطلقوه ومعه خمسة مماليك واعطوه خمسة جمال واربعة هجن وخيلا
وفيه افرجوا عن محمد آغا المحتسب وابقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والاسواق واما الامراء فأنهم باتوا اول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا الى حلوان وحضر اليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في الطرية وتركوا لهم الحملة ووصل اليهم أيضا يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط وذهبوا اليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة ونهبوا البلاد وأكلوا الزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا الى ان صارت اوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة
وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الامراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لاحد من العساكر الكائنة بقبلي وان قتل منهم أحد اقتصوا من حريمهم واولادهم بمصر
وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان ودخل الى مصر
وفي يوم الاحد سادسه اصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الاجناد المصرية الى القلعة
وفيه عدى كثير من العسكر الى بر الجيزة ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات وقتل أناس كثيرة من الفريقين
وفي سابعه ظهر محمد بك الالفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادى عند شخص من العربان يسمى عشيبة فأقام عنده مدة هذه الايام وخلص اليه صالح تابعه بما معه من المال وكان البرديسي استدل على مكانه واحضر اناسا من العرب وجعل لهم مالا كثيرا عليه واخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزى البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه اشاعات مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك وتابعه ومروا من خلف الجبل وذهب الى شرق اطفيح ونزل عند عرب المعازة وتواتر الخبر بذلك
وفي تاسعه وصل احمد باشا خورشيد الى منوف فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهرى بتصليح بيت ابراهيم بك بالداودية وفرشه
وفي ليلة الاثنين رابع عشره وصل الباشا الى ثغر بولاق فضربوا شنكا ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وأمامه كبار العساكر بزينتهم ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية ودخل الى الدار التي أعدت له بالداودية وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكا وسواريخ
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره مر الوالي وامامه المنادى وبيده فرمان من الباشا ينادى به على الرعية بالامن والامان والبيع والشراء
وفي منتصفه حضر عبد الرحمن بك الابراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحرى فطلب امانا وحضر الى مصر
وفي يوم الجمعة تحول الباشا من الداودية الى الازبكية وسكن ببيت البكرى حيث كان حريم محمد باشا فركب قبل الظهر في موكب وذهب
الى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك ورجع الى الازبكية
وفيه فتحوا طلب مال الميرى من السنة القابلة لضرورة النفقة فاغتم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الاسباب وعدم الامن وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء لا يصل اليه الا بغاية المشقة وركوب الضرر لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والاجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية ثم ان الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك فانحط الامر بعد ذلك على طلب نصف مال الميرى من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر وكذلك باقي الحلوان الذى تأخر على المفلسين وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد هذا والاجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الاسوار لا يجسرون على الخروج اليهم وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبدا ووصل سعر الادرب القمح ان وجد خمسة عشر ريالا
وفي يوم الاحد عشرينه وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد فدخلوا الى البلدة وأزعجوا كثيرا من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعد ما أخرجوهم منها واخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحرى
وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا وعزلوا محمد اغا المحتسب وكذلك عزلوا على آغا الشعراوى وقلدوا الزعامة لشخص آخر من اتباع الباشا وقلدوا اخر آغات مستحفظان
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه خرجت عساكر كثيرة وعدت الى البر الغربي ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان وكذلك في ثاني يوم دخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم
لا يخرجون البهم من المتاريس واستمروا على ذلك الى يوم الاحد سابع عشرينه
وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر واشيع ترفع المصرلية الى فوق ووقع بين العربان اختلاف واشاعوا نصرتهم على المصرلية وانهم قتلوا منهم أمراء وكشافا ومماليك وغير ذلك
وفي ذلك اليوم شنقوا شخصا بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحين ولم يكن لهما ذنب قيل انه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب فقالوا انكم تأخذونه الى المحاربين وكان شيئا قليلا
وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغورى ومعهم نحو ثلاثين نفرا بجمالهم فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة اشخاص منهم وهرب الباقون فدخلوا بهم المدينة ومعهم الاحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لانه شامي وليس بارنؤدى ولا انكشارى فقتلوه بالازبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله اعلم وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث
وأما من مات فيها ممن له ذكر
فمات الفقيه العلامة والتحرير الفهامة الشيخ احمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وحضر أشياخ الوقت وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناجي والصبان والفرماوى وغيرهم وتفقه على الشيخ عبد الرحمن ولازمه وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع الى كتاب الاجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة والف ولم يزل ملازما للشيخ عبد الرحمن
ملازمة كلية وسافر صحبته الى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم وعاد صحبته الى مصر ولم يزل ملازما له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته فأوصى اليه بجميع كتبه واستقر عوضه في مشيخة روانق الشوام وقرأ الدروس في محله وكان فصيحا من المعقولات والمنقولات وقصدته الناس في الافتاء واعتمدوا اجوبته وتداخل في القضايا والدعاوى واشتهر ذكره واشترى دارا واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له اتباع وخدم وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم اليه وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر اشهرا ولما حضرت الفرنساوية الى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة والبسه كلهبر سارى عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب يصحبه قائمقام في موكب الى المحكمة وفوضوا اليه امر النواب بالاقاليم ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته من ذلك الى ان رتبوا الديوان في آخر مدتهم ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاض بالقرعة فلم تقم الا على المترجم فتولاه ايضا وخلعوا عليه وركب مثل الاول الى المحكمة واستمر بها الى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والافتاء ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله
ومات الشيخ الامام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوى ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح واقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والافادة ولما وردت ولاية
جدة لمحمد باشا توسون طلب انسانا معروفا بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه اليه واكرمه واساه واحبه وأخذه صحبته الى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله
ومات الرئيس المبجل المهذب محمد افندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد افندى كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع سليم الصدر محبوبا للناس
مشهور بالذوق وحسن الاخلاق مهذبا في نفسه متواضعا يسعى في حوائج اخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم قانعا بحاله مترفها في مآكله وملبسه واقتنى كتبا نفيسة ومصاحف وتجتمع ببيته الاحباب ويدير عليهم سلاف انسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار ولما اختلفت الاحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها فقصد الهجرة بأهله وعياله الى الحرمين وعزم على الاقامة هناك فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه واغارة الوهابيين على الحرمين وفتن العربان فلم يستحسن الاقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم على العودة الى مصر فمرض بالطريق وتوفي ودفن بالينبع رحمه الله
ومات الامير حسين بك الذى عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الالفي وكان يعرف اولا بكاشف الشرقية لانه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس شديد الباس قوى الجنان قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود وتخشى سطوته الاسود ولما أجمعوا على خيانة الالفي واتباعه قال لهم ابراهيم بك الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فان امكنكم ذلك والا فلا تفعلوا شيئا فلم يزالوا يدبرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على الصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش انه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية فلما
لاقى الحجاج وامير الحاج صالح بك رجع صحبتهم الى الشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفردا في الجهات القبلية والشامية ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تأمر المترجم في ستة عشر صنجقا المتأمرين وظهر شأنه واشتهر فيما بينهم ونفذت اوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم كما ذكر
ومات الامير رضوان كتخدا ابراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه واعتقه وجعله جوخداره وكان يعرف اولا برضوان الجوخدار واستمر في الجوخدارية مدة طويلة ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت اسمعيل بك وأتباعه الى مصر ارخى لحيته وتقلد كتخدائية استاذه وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدى بك بناحية سويقة العزى ثم انتقل منها الى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها وصارت له وجاهة بين الامراء والاعيان وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته ارباب الحاجات وأخذ الرشوات والجعالات وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه اليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الامور واذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الارسال اليه فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وادخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به الى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين اقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الامارة فأباها واستمر على حالته معدودا في ارباب الرياسة وتأتي الامراء الى
داره ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الامراء وحصروا ابراهيم بك ببيته في ثاني يوم هاربا والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الاحمر فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب واخذوا ما في جيوبه ثم احضروا له تابوتا وحملوه فيه الى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فانه كان من خيار جنسه لولا طمع فيه ولقد بلوته سفرا وحضرا يافعا وكهلا فلم ار ما يشينه في دينه غفوفا طاهر الذيل وقورا محتشما فصيح اللسان حسن الرأى قليل الفضول جيد النظر
ومات العمدة الشريف السيد ابراهيم افندى الروزنامجي وهو ابن اخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفي سنة سبع ومائتين والف واصلهم روميون الجنس وكان في الاصل جربجيا ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن دارا صغيرة بجوار دار عمه واستمر على ذلك خامل الذكر فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان افندى العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقا يريد العود اليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل اليه سواه فلم تساعده الاقدار لشدة مراسه وسأل ابراهيم بك عن شخص من اهل بيت المتوفي فذكر له السيد ابراهيم المرقوم وخموله وعدم تحمله لاعباء ذلك المنصب فقال لا بد من ذلك قطعا لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول الى اوج السعادة والقبول فتقلد ذلك وساس الامور بالرفق والسير الحسن واشترى دارا عظيمة بدرب الاغوات وسكنها واستمر على ذلك الى ان ورد الفرنساوية الى مصر فخرج من خرج هاربا الى الشام ثم رجع مع من رجع ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الاربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله تعالى
واستهلت سنة تسعة عشر ومائتين والف فكان ابتداء المحرم بيوم الخميس فيه ركب الوالي العثملي وشق من وسط المدينة فمر على سوق الغورية فأنزل الغورية فأنزل شخصا من ابناء التجار المحتشمين وكان يتلو في القرآن فأمر الاعوان فسحبوه من حانوته وبطحوه على الارض وضربوه عدة عصي من غير جرم ولا ذنب وقع منه ثم تركه وسار الى الاشرفية فأنزل شخصا من حانوته وفعل به مثل ذلك فأنزعج اهل الاسواق واغلقوا حوانيتهم واجتمع الكثير منهم وذهبوا الى بيت الباشا يشكون فعل الوالي وسمع المشايخ بذلك فركبوا ايضا الى بيت الباشا وكلموه فأظهر الحنق والغيظ على الوالي ثم قاموا وخرجوا من عنده فتبعهم بعض المتكلمين في بيت الباشا وقال لهم ان الباشا يريد قتل الوالي والمناسب منكم الشفاعة فرجعوا الى الباشا وشفعوا في الوالي وأرسل سعيد أغا الوكيل وأحضروا له المضروب وأخذ بخاطره وطيب نفسه بكلمات ورجع الجميع كما ذهبوا وظنوا عزل الوالي فلم يعزل
وفيه رجع المصرلية والعربان وانتشروا بأقليم الجيزة حتى وصلوا الى انبابة وضربوها ونهبوها وخرج اهلها على وجوههم وعدوا الى البر الشرقي وأخذ العسكر في اهبة التشهيل والخروج لمحاربتهم
وفي يوم الجمعة ثانية سافر السيد علي القبطان الى جهة رشيد وخرج بصحبته جماعة كثيرة من العساكر الذين غنموا الاموال من المنهوبات فاشتروا بضائع وأسبابا ومتاجر ونزلوا بها صحبته وتبعهم غيرهم من الذين يريدون الخلاص والخروج من مصر فركب محمد علي الى وداع السيد علي المذكور ورد كثيرا من العساكر المذكورة ومنعهم عن السفر
وفي سادسه خرج محمد علي وأكابر العسكر بعساكرهم وعدوا الى برانبابة ووصلوا ونصبوا وطاقهم وعملوا لهم عدة متاريس وركبوا عليها المدافع واستعدوا للحرب فلما كان يوم الاحد حادى عشره كبس المماليك والعربان وقت الغلس على متاريس العسكر وحملوا على متراس
حملة واحدة فقتلوا منهم وهرب من بقى والقوا بأنفسهم في البحر فاستعد من كان بالمتاريس الآخر وتابعوا رمي المدافع وخرجوا للحرب ووقع بينهم مقتلة عظيمة ابلى فيها الفريقان نحو أربع ساعات ثم انجلت الحرب بينهم وترفع المصرلية والعربان وانكفوا عن بعضهم وفي وقت الظهر أرسلوا سبعة رؤوس من الذين قتلوا من المصرلية في المعركة وشقوا بهم المدينة ثم علقوها بباب زوبلة وفيهم رأس حسين بك الوالي وكاشفين ومنهم حسن الكاشف الساكن بحارة عابدين ومملوكان وعلقوا عند رأس حسين بك الوالي المذكور صليبا من جلد زعموا انهم وجدوه معه وأصيب اسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومات بعد ذلك ودفن بأبي صير
وفي ثاني عشره حصلت اعجوبة ببيت بالقربية به بغلة تدور بالطاحون فزنقوها بالادارة فاسقطت حملا ليس فيه روح فوضعوه في مقطف ومروا به من وسط المدينة وذهبوا به الى بيت القاضي وأشيع ذلك بين الناس وعاينوه
وفي يوم السبت سابع عشره حضر علي كاشف المعروف بالشغب بثلاث معجمات وتشديد الشين وفتح الغين وسكون الباء رسولا من جهة الالفي ووصل الى جهة البساتين وأرسل الى المشايخ يعلمهم بحضوره لبعض اشغال فركب المشايخ الى الباشا واخبروه بذلك فاذن بحضوره فحضر ليلا ودخل الى بيت الشيخ الشرقاوى فلما اصبح النهار اشيع ذلك وركب معه المشايخ والسيد عمر النقيب وذهبوا به الى بيت الباشا فوجدوه راكبا في بولاق فانتظروه حصة الى ان حضر فتركوا عنده على كاشف المذكور ورجعوا الى بيوتهم واختلى به الباشا حصة وقابله بالبشر ثم خلع عليه فروة سمور وقدم له مركوبا بعدة كاملة وركب الى بيته وأمامه جملة من العسكر مشاة وقدم له محمد علي أيضا حصانا
وفيه شرعوا في عمل شركفلك للحرب بالازبكية
وفي يوم الاثنين تاسع عشره ورد ططرى وعلى يده بشارة الباشا
بتقليده ولاية مصر ووصول القابجي الذي معه التقليد والطوخ الثالث الى رشيد وطوخان لمحمد علي وحسن بك أخي طاهر باشا وأحمد بك فضربوا عدة مدافع وذهب المشايخ والاعيان للتهنئة
وفي يوم الثلاثاء قتل الباشا اشخاص احدهم رجل سروجي وسبب ذلك ان الرجل السروجي له أخ اجير عند بعض الاجناد المصرلية فأرسل لاخيه فاشترى له بعض ثياب ونعالات وأرسلها مع ذلك الرجل فقبضوا عليه وسألوه فأخبرهم فاحضروا ذلك الرجل السروجي واحضروا أيضا رجلا بيطارا متوجها الى بولاق معه مسامير ونعالات فقبضوا عليه واتهموه أنه يعدى الى البر الآخر ليعمل لاخصامهم نعالات للخيل فامر الباشا بقتله وقتل السروجي والرجل الذي معه الثياب فقتلوهم ظلما
وفي يوم الاربعاء حضر القابجي الذي على يده البشرى وهو خازندار الباشا وكان ارسله حين كان بسكندرية ويسمونها المجسدة ولم يحضر معه اطواخ ولا غير ذلك فضربوا له شنكا ومدافع
وفيه خلع الباشا على السيد أحمد المحروقي فروة سمور وأقره على ما هو عليه أمين الضربخانة وشاه بندر وكذلك خلع على جرجس الجوهرى واقره باش مباشر الاقباط على ما هو عليه
وفيه رجع علي كاشف الشغب بجواب الرسالة الى الالفي
وفيه تحقق الخبر بموت يحيى بك وكان مجروحا من المعركة السابقة
وفي يوم الخميس عمل الباشا الديوان وحضر المشايخ والوجاقلية وقرأوا المرسوم بحضرة الجمع ومضمونه اننا كنا صفحنا ورضينا عن الامراء المصرلية على موجب الشروط التي شرطناها عليهم بشفاعة علي باشا والصدر الاعظم فخانوا العهود ونقضوا الشروط وطقوا وبغوا وظلموا وقتلوا الحجاج وغدروا علي باشا المولى عليهم وقتلوه ونهبوا امواله ومتاعه فوجهنا عليهم العساكر في ثمانين مركبا بحرية وكذلك احمد باشا الجزار بعساكر برية للانتقام منهم ومن العسكر الموالين لهم فورد الخبر بقيام العساكر عليهم ومحاربتهم لهم وقتلهم واخراجهم فعند ذلك رضينا عن العسكر
لجبرهم ما وقع من الخلل الاول وصفحنا عنهم صفحا كليا وأطعنا لهم السفر والاقامة متى شاؤا وأينما أرادوا من غير حرج عليهم ولينا حضرة احمد باشا خورشيد كامل الديار المصرية لما علمنا فيه من حسن التدبير والسياسة ووفور العقل والرآسة الى غير ذلك وعملوا شنكا وحراقة وسواريخ بالازبكية ثلاث ليال ومدافع تضرب في كل وقت من الاوقات الخمسة من القلعة وغيرها
وفيه تواترت الاخبار بان الامراء القبالي عملوا وحسات وقصدهم التعدية الى البر الشرقي
وفي يوم الاحد خامس عشرينه عدى الكثير منهم على جهة حلوان وانتقل الكثير من العسكر من بر الجيزة الى بر مصر فخاف أهل المطرية وغيرها وجلوا عنها وهربوا الى البلاد وحضر كثير منهم الى مصر خوفا من وصول القبالي
وفي يوم الخميس حادى عشرينه سافر الشيخ الشرقاوى الى مولد سيدى احمد البدوى واقتدى به كثير من العامة وسخاف العقول وكان المحروقي وجرجس الجوهرى مسافرين ايضا وشهلوا احتياجاتهم واستأذنوا الباشا فأذن لهم فلما تبين لهم تعدية المصرلية الى الجهة الشرقية امتنعوا من السفر ولم يمتنع الشيخ الشرقاوى ومن تابعه
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه وصل فريق منهم الى جهة قبة باب النصر والعادلية من خلف الجبل ورمحوا خلف باب النصر من خارج وباب الفتوح ونواحي الشيخ قمر والدمرداش ونهبوا الوايلي وما جاوره وعبروا الدور وعروا النساء وأخذوا دسوتهم وغلالهم وزروعهم وخرج أهل تلك القرى على وجوههم ومعهم بعض شوالي وقصاع ودخل الكثير منهم الى مصر
وفي يوم الاربعاء جمع الباشا ومحمد علي العسكر واتفقوا على الخروج والمحاربة وأخرجوا المدافع والشركفلكات الى خارج باب النصر وشرعوا في عمل متاريس وفي آخر النهار ترفع المصرلية والعرب وتفرقوا
في اقليم الشرقية والقليبوبية وهم يسعون في الفساد ويهلكون الحصاد فما وجدوه مدروسا من البيادر أخذوه أو قائما على ساقه رعوه أو غير مدروس أحرقوه أو كان من المتاع نهبوه أو من المواشي ذبحوه واكلوه وذهب منهم طائفة الى بلبيس فحاصروا بها كاشف الشرقية يومين ونقبوا عليه الحيطان حتى غلبوه وقتلوا من معه من العسكر وأخذوه اسيرا ومعه اثنان من كبار العسكر ثم نهبوا البلد وقتلوا من أهلها نحو المائتين وحضر ابو طويلة شيخ العائد عند الامراء ولامهم وكلمهم على هذا النهب وقال لهم هذه الزروعات غالبها للعرب والذى زرعه الفلاح في بلاد الشرق شركة مع العرب وان هبود العرب المصاحبين لكم ليس لهم رأس مال في ذلك فكفوهم وامنعوهم ويأتيكم كفايتكم واما النهب فانه يذهب هدرا فلما سمع كبار العرب المصاحبين لهم من الهنادى وغيرهم قوله هبود العرب اغتاظوا منه وكادوا يقتلونه فدخل بمن معه جامع قليوب وتترس به وحارب ثلاث ليال وأصيب كثير من المحاربين له ثم تركوه ففر بمن بقى معه الى البحر ونزل في قارب وحضر الى مصر وأخذوا حملته ومتاعه وجبخانته وطلبوا مشايخ النواحي مثل شيخ الزوامل والعائد وقليوب والزموهم بالكلف وفردوا على القرى الفرد والكلف الشاقة مثل الف ريال والفين وثلاثة وعينوا بطلبها العرب وعينوا لهم خدما وحق طرق خلاف المقرر عشرين الف فضة وأزيد ومن استعظم شيئا من ذلك أو عصى عليهم حاربوا القرية ونهبوها وسبوا نساءها وقتلوا اهلها وحرقوا جرونهم وقل الواردون الى المدينة بالغلال وغيرها فقلت من الرقع وازدحم الناس على ما يوجد من القليل فيها واحتاج العسكر الى الغلال لاخبارهم لانهم لم يكن عندهم شيء مدخر فأخذوا ما وجدوه في العرصات فزاد الكرب ومنعوا من يشترى زيادة على ربع من الكيل ولا يدركه الا بعد مشقة بستين نصفا واذا حضر للبعض من الناس غلة من مزرعته القريبة لا يمكنه ايصالها الى
داره الا بالتجوه والمصانعة والمغرم لقلقات الابواب واتباعهم فيحجزون ما يرونه داخل البلد من الغلة متعللين بانهم يريدون وضعها في العرصات القريبة منهم فيعطونها للفقراء بالبيع فيعطونهم دراهم ويطلقونهم
وفي اواخره طلبوا جملة اكياس لنفقة العسكر فوزعوا جملة اكياس على الاقباط والسيد احمد المحروقي وتجار البهار ومياسير التجار والملتزمين
وطلبوا ايضا مال الجهات والتحرير وباقي مسميات المظالم عن سنة تاريخه معجلة
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه خرج الكثير من العسكر ورتبوا انفسهم ثلاث فرق في ثلاث جهات وردوا الخيول الا القليل ووقع بينهم مناوشات قتل فيها أنفار من الفريقين
شهر صفر الخير سنة استهل بيوم الجمعة فيه نادوا على الفلاحين والخدامين البطالين بالخروج من مصر وكل من وجد بعد ثلاثة ايام وليس بيده ورقة من سيده يستاهل الذى يجرى عليه
وفي ثانيه طاف الاعوان وجمعوا عدة من الناس العتالين وغيرهم ليسخروهم في عمل المتاريس وجر المدافع
وفي خامسه قبض الوالي على شخص يشترى طربوشا عتيقا من سوق العصر بسويقة لاجين واتهمه انه يشترى الطرابيش للاخصام من غير حجة ولا بيان ورمى رقبته عند باب الخرق ظلما
وفي سابعه نزل الارنؤد من القلعة وتسلمها الباشا وطلع اليها وضربوا لطلوعه عدة مدافع ورجع الى داره آخر النهار
وفيه اشيع قدوم سليمان بك حاكم جرجا ووصوله الى بنى سويف وفي عقبة الالفي الصغير أيضا
وفيه هجم طائفة من الخيالة في طلوع الفجر على المذبح السلطاني واخذوا ثورين أحدهما من المذبح والآخر من بعض الغيطان وهرب الجزارون
وفي يوم السبت تاسعه طلع الباشا الى القلعة وسكن بها وضربوا له عدة مدافع
وفيه حضر كاشف الشرقية المقبوض عليه ببلبيس ومعه اثنان وقد أفرج عنهم الامراء المصرلية وأطلقوهم فلما وصلوا الى الباشا خلع عليهم وألبسهم فراوى جبرا لخاطرهم
وفيه وصل الخبر بوقوع حرب بين العسكر والمصرلية والعربان وحضر عدة جرجى وكانت الواقعة عند الخصوص وبهتيم وجلا اهل تلك القرى وخرجوا منها وحضروا الى مصر بأولادهم وقصاعهم فلم يجدوا لهم مأوى ونزل الكثير منهم بالرميلة
وفيه حضر اناس من الذين ذهبوا الى مولد السيد البدوى وفيهم عرايا ومجاريح وقتلى وقد وقفت لهم العرب وقطعت عليهم الطرق فتفرقوا فرقا في البر والبحر وحصر العرب طائفة كبيرة منهم بالقرطيين وحصل لهم مالا خير فيه وأما الشيخ الشرقاوي فأنه ذهب إلى المحلة الكبيرة وأقام بها اياما ثم ذهب مشرقا الى بلدة القرين
وفيه حضر مصطفى أغا الارنؤدى هجانا برسالة من عند الالفي وفيها طلب اتباعه الذين بمصر فلم ياذنوا لهم في الذهاب اليه واحتجوا بعدم تحقق صداقته العثمانية
وفيه ورد الخبر بتوجه سليمان بك الخازندار حاكم جرجا الى جهة بحرى وانه وصل الى بنى سويف وان الالفي الصغير في اثره بحرى منية ابن خصيب والالفي الكبير مستقر بأسيوط يقبض في الاموال الديوانية والغلال وأشيع صلحه مع عشيرته سرا ومظهر خلاف ذلك مع العثمانية
وفي يوم الاحد عاشره أحضروا جماعة من الوجاقلية عند كتخدا الباشا فلما استقروا في الجلوس كلموهم وطلبوا منهم سلفة وحبسوا رضوان كاشف الذى بباب الشعرية وطلبوا منه عشرين كيسا وكذلك طلبوا من باقي الاعيان مثل مصطفى آغا الوكيل وحسن
آغا محرم ومحمد افندى سليم وابراهيم كتخدا الرزاز وخلافهم مبالغ مختلفة المقادير وعملوا على الاقباط ألف كيس وحلف الباشا انها لا تنقص عن ذلك وفردوا عن البنادر مثل دمياط ورشيد وفوة ودمنوهر والمنصورة وخلافها مبالغ أكياس ما بين ثمانين كيسا ومائة كيس وخمسين كيسا وغير ذلك لنفقة العسكر وأحضر الباشا الروزنامجي واتهمه في التقصير
وفي يوم الاثنين ارسل الباشا الوالي والمحتسب الى بيت الست نفيسة زوجة مراد بك وطلبها فركبت معهما وصحبتهما امرأتان فطلعا بهن الى القلعة وكذلك ارسلوا بالتفتيش على باقي نساء الامراء فاختفى غالبهن وقبضوا على بعضهن وذلك كله بعد عصر ذلك اليوم فلما حصلت الست نفيسة بين يديه قام اليها واجلها ثم امرها بالجلوس وقال لها على طريق اللوم يصح ان جاريتك منور تتكلم مع مصادق آغا وتقول له يسعى في امر المماليك العصاة وتلتزم له بالمكسور من جامكية العسكر فأجابته ان ثبت ان جاريتي قالت ذلك فأنا المأخوذة به دونها فأخرج من جيبه ورقة وقال لها وهذه واشار الى الورقة فقالت وما هذه الورقة ارنيها فاني اعرف ان اقرأ لانظر ما هي فأدخلها ثانيا في جيبه ثم قالت له انا بطول ما عشت بمصر وقدرى معلوم عند الاكابر وخلافهم والسلطان ورجال الدولة وحريمهم يعرفوني أكثر من معرفتي بك ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الذين هم اعداء الدين فما رأيت منهم الا التكريم وكذلك سيدى محمد باشا كان يعرفني ويعرف قدرى ولم نر منه الا المعروف واما انت فلم يوافق فعلك فعل اهل دولتك ولا غيرهم فقال ونحن ايضا لا نفعل غير المناسب فقالت له وأى مناسبة في أخذك لي من بيتي بالوالي مثل ارباب الجرائم فقال انا ارسلته لكونه اكبر اتباعي فأرساله من باب التعظيم ثم اعتذر اليها وامرها بالتوجه الى بيت الشيخ السحيمي بالقلعة واجلسوها عنده بجماعة من العسكر واصبح الخبر شائعا بذلك فتكدرت
خواطر الناس لذلك وركب القاضي ونقيب الاشراف والشيخ السادات والشيخ الامير وطلعوا الى الباشا وكلموه في أمرها فقال لا بأس عليها واني انزلتها ببيت الشيخ السحيمي مكرمة حسما للفتنة لانها حصل منها ما يوجب الحجز عليها فقالوا نريد بيان الذنب وبعد ذلك اما العفو أو الانتقام فقال انها سعت مع بعض كبار العسكر تستميلهم الى المماليك العصاة ووعدتهم بدفع علوفاتهم وحيث انها تقدر على دفع العلوفة فينبغي انها تدفع العلوفة فقالوا له ان ثبت عليها ذلك فانها تستحق ما تأمرون به فيحتاج أن تتفحص على ذلك فقام اليها الفيومي والمهدى وخاطباها في ذلك فقالت هذا الكلام لا أصل له وليس لي في المصرلية زوج حتى اني أخاطر بسببه فان كان قصده مصادرتي فلم يبق عندى شيء وعلي ديون كثيرة فعادوا اليه وتكلموا معه وراددهم فقال الشيخ الامير للترجمان قل لافندينا هذا أمر غير مناسب ويترتب عليه مفاسد وبعد ذلك يتوجه علينا اللوم فان كان كذلك فلا علاقة لنا بشيء من هذا الوقت أو نخرج من هذه البلدة وقام قائما على حيله يريد الذهاب فأمسكه مصطفى اغا الوكيل وخلافه وكلموا الباشا في اطلاقها وانها تقيم ببيت الشيخ السادات فرضي بذلك وانزلوها ببيت الشيخ السادات وكانت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك عندما وصلها الخبر ذهبت الى بيته أيضا
وفيه شنقوا شخصا على السبيل بباب الشعرية شكا منه اهل حارته وانه يتعاطى القيادة ويجمع بين الرجال والنساء وغير ذلك
وفي يوم الحميس رابع عشره كتبوا أوراقا وألصقوها بالاسواق بطلب ميرى سنة تاريخه المعجلة بالكامل وكانوا قبل ذلك طلبوا نصفها ثم اضطرهم الحال بطلب الباقي وعملوا قوائم بتوزيع خمسة آلاف كيس استقر منها على طائفة القبطة خمسمائة كيس بعد الالف وجملة على الملتزمين خلاف ما أخذ منهم قبل ذلك وعلى الست نفيسة وبقية نساء الامراء ثمانمائة كيس
بسم الله الرحمن الرحيم
وفيه خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء
وفيه وصل سليمان بك الخازندار وعدى إلى جهة طرأ فخرج عدة من العسكر خلاف المرابطين هناك قبل ذلك من العسكر والمغاربة فقصد المرور من خلف الجبل واللحوق بجماعته جهة الشرق في آخر الليل فوقف له العسكر وضربوا عليه بالمدافع الكثيرة واستمر الضرب من الفجر إلى عصر يوم الجمعة ونفذ بمن معه على حماية وقتلوا منه مملوكا واحدا وحضروا برأسه إلى تحت القلعة
وفيه رجع الكثير من عسكر الارنؤد وغيرهم ودخلوا إلى المدينة يطلبون لعوفة واستمر من بقي منهم ببهتيهم وبلقس ومسطرد وقد اخرجوا أهاليها منها ونهبوها واستولوا على ما فيها من غلال واتبان وغير ذلك وكرنكوا فيها ونقبوا الحيطان لرمي بنادق الرصاص من الثقوب وهم مستترون من داخلها ونصبوا خيامهم في أسطحة الدور وجعلوا المتاريس من خارج البلدة وعليها المدافع فلا يخرجون إلى خارج ولا يبرزون إلى ميدان الحرب وكل من قرب منهم من الخيالة المقاتلين رموا عليه بالمدافع والرصاص ومنعوا عن أنفسهم واستمروا على ذلك
وفيه وردت مكاتبات إلى التجار من الحجاز واخبروا بان الحجاج أدركوا الحج والوقوف بعرفة ودخلوا قبل الوقوف بيومين واخبروا أيضا بوفاة شريف باشا إلى رحمة الله تعالى وكان من خيار دولة العثمانيين ووردت
أخبار أيضا من البلاد الشامية بوفاة احمد باشا الجزار في سادس عشرين المحرم
وفي يوم السبت سادس عشرة أرسلوا تنابيه إلى أرباب الحرف والصنائع بطلب دراهم وزعت عليهم مجموعها خمسمائة كيس فضج الناس وتكدروا مع ما هم فيه من وقف الحال وغلاء الأسعار في كل شيء واصبحوا على ذلك يوم الأحد فلم يفتحوا الحوانيت وانتظروا ما يفعل بهم وحضر منهم طائفة إلى الجامع الأزهر ومر الأغا والوالي ينادون بالأمان وفتح الدكاكين فلم يفتح منهم إلا القليل
وفيه سرح سليم كاشف المحرمجي إلى جهة بحري وأشيع وصول الألفي الصغير إلى المنية واصبح يوم الاثنين اجتمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال بالجامع الأزهر ومعهم طبول وصعدوا إلى المنارات يصرخون ويطلبون وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون ويتضرعون ويقولون يا لطيف وأغلقوا الأسواق والدكاكين ووصل الخبر إلى الباشا بل سمعهم من القلعة فأرسل قاصدا إلى السيد عمر النقيب يقول أننا رفعنا عن الفقراء فقال له إن هؤلاء الناس وأرباب الحرف والصنائع كلهم فقراء وما كفاهم ما هم فيه من القحط والكساد ووقف الحال حتى تطلبوا منهم مغارم لجوامك العسكر وما علاقتهم بذلك فرجع الرسول بذلك وحضر الآغا ومعه عدة من العسكر وجلس بالغورية وهو يأمر الناس بفتح الحوانيت ويتوعد من يتخلف فلم يحضر أحد ولم يسمعوا لقوله وفي وقت العصر رجع القاصد ومعه فرمان برفع الغرامة عن المذكورين ونادى المنادي بذلك فاطمأن الناس وتفرقوا وذهبوا إلى بيوتهم وخرج الأطفال يرمحون ويصرخون ويفرحون
وفي ذلك اليوم عدى محمد علي وجمع كثير من العسكر والمغاربة إلى بر الجيزة وبرزوا إلى خارج فنزل عليهم جملة من العرب فحاربوهم فقتل بينهم أنفار وانجرح منهم كذلك ثم ترفعوا عنهم فرجعوا ومعهم
راس من العرب ومع المغاربة قتيل منهم في تابوت وهم يقولون طردناهم وخطفوا بعض مواش وأغنام في طريقهم من الرعيان فقتلوهم أخذوها منهم
وفي تاسع عشرة حضر كتخدا الباشا كاتب البهار وأمره بإحضار ستمائة فرق بن فاعتذر إليه بعدم وجود ذلك فقال إنما نأخذها بأثمانها فقال له ليس علي إلا التعريف وقد عرفتك أن هذا القدر لا يوجد وان أردت فأرسل معي من تريد وتكشف على حواصل التجار والخانات فطافوا على الخانات وفتحوا الحواصل فلم يجدوا إلا سبعين فرقا وأكثرها عليه نشانات كبار العسكر من مشترواتهم فرجعوا من غير شيء ثم نودي في اثر ذلك بالأمان
وفيه وقعت معركة بسوق الصاغة بين بعض العسكر الذين يتحشرون في أيام الأسواق في الدلالين والباعة ويعطلون عليهم دلالتهم وصناعتهم ومعايشهم وضربوا على بعضهم بالرصاص ففزع الناس وحصلت كرشة وظن من لا يعلم الحقيقة من العسكر أنها قومة فهربوا يمينا وشمالا وطلبوا النجاة والتواري ووافق مرور اغات الانكشارية في ذلك الوقت فانزعج هو ومن معه وطلب الهرب ثم انكشف الغبار وظهر شخص عسكري مطروح وبه رمق آخر مجروح فرجع الآغا وأمر بحمله في تابوت ونادى بالأمان
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينة قبل المغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وكذلك في صبحها يوم السبت ولم يظهر لذلك سبب سوى ما يقولونه من التمويهات ومن وصول الاطواخ وعساكر ودلاة برية تارة بحيرة أخرى
وفيه أشيع وقوع معركة بين المصرلية والعثمانية واخذوا منهم متاريس بلقس ومدافع ووصل منهم جرحى دخلوا ليلا وحضر من المصرلية طائفة ناحية شلقان وقطعوا الطريق على السفار في البحر واخذوا مركبين واحرقوا مراكب وامتنع الواصلون والذاهبون وارتفعت الغلال من الرقع والعرصات وغلا سعرها فخرج إليهم مراكب يقال لها الشلنبات وضربوا
عليهم بالمدافع وأجلوهم عن ذلك الموضع ووصل بعض مراكب من المعوقين
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرية أرسل الباشا إلى المشايخ فذهبوا إليه فاستشارهم في خروجه إلى الحرب وخروجهم صحبته مع الرعية فلم يصوبوا رأيه في ذلك وقالوا له إذا انهزم العسكر تأمر غيرهم بالخروج وإذا كانت الهزيمة علينا وأنت معنا من يخرج بعد ذلك وانفض المجلس على غير طائل
وفي أو آخره يوم الأربعاء ويوم الخميس وقع بينهم مساجلات ومحاربات ومغالبات واحترقت جبخانة العثمانيين وقيل أخذ باقيها ورجع منهم قتلى ومجاريح وانجرح عابدي بك أخو طاهر باشا واحترق أشخاص من الطبجية ودخل سلحدار الباشا والوالي وأمامهما رأس واحدة بشوارب كأنه من المماليك
وفي عصرية ذلك اليوم اخرجوا عساكر ومعهم مدافع وجباخنة أيضا محملة على نيف وثلاثين جملا
وفيه ضيقوا على نساء الأمراء في طلب الغرامة وألزموا بقبضها وتحصيلها الست نفيسة وعديلة هانم ابنة إبراهيم بك فوزعتاها بمعرفتهما على باقي النساء وأرسلوا عساكر يلازمون بيوتهن حتى يدفعن ما التزمن به فاضطر أكثرهن لبيع متاعهن فلم يجدن من يشتري لعموم المضايقة والكساد وانقضى هذا الشهر والحال على ما هو عليه من استمرار الحروب والمحاصرات بين الفريقين وانقطاع الطرق برا وبحرا وتسلط العربان واستغنامهم تفاشل الحكام وانفكاك الأحكام وذلك تسلط الفلاحين المقاومين من سعد وحرام على بعضهم البعض بحسب المقدرة والقوة والضعف وجهل القائمين المتآمرين بطرائق سياسة الإقليم ولايعرفون من الأحكام إلا اخذ الدراهم بأي وجه كان وتمادى قبائح العسكر بما لا تحيط به الأوراق والدفاتر بحيث انه لايخلوا يوم من زعجان ورجفات وكرشات في غالب الجهات أما لأجل امرأة أو أمرد أو خطف شيء أو تنازع وطلب شر بأدى
سبب مع العامة والباعة أو مشاحنة مع السوقة والمتسببين بسبب ابدال دنانير ذهب ناقص بدراهم مكررة فضة كاملة المصارفة من صيارف أو باعة أو غير ذلك وتعطل أسباب المعايش وغلو الأسعار في كل شيء وقلة المجلوب ومنع السبل ووصل سعر الأردب القمح ستة عشر ريالا والفول والشعير اكثر من ذلك لقلته وعزته وإذا حضر منه شئ أخذوه لاحتياج العليق قهرا بأبخس الثمن عند وصوله المأمن وأجرة طحين الويبة من القمح ستة وأربعون نصفا مع ما يسرقه الطحانون منها ويخلطونه فيها وأجرة خبيزها عشرون نصفا بحيث حسب ثمن الأردب بعد غربلته وأجرته ومسكه وكلفته وطحينه وخبيزه إلى أن يصير خبزا أربعة وعشرون ريالا فسبحان اللطيف الخبير المدبر ومن خفي لطفه كثرة الخبز وأصناف الكعك والفطير في الأسواق وسعر الرطل من اللحم الجفط بما فيه من العظم والكبد تسعة أنصاف والجاموسي سبعة أنصاف الرطل والراوية الماء ثلاثون نصفا والسمن القنطار بالفين وأربعمائة نصف وشح الأرز وقل وجوده وغلا ثمنه ووصل سعر الأردب إلى خمسة وعشرين ريالا والجبن القريش بثمانية عشر نصفا الرطل وأما الخضارات فعز وجودها وغلا ثمنها بحيث أن الرطل من البامية بما فيها من الخشب الذي يرمى من وقت طلوعها إلى أن بلغت حد الكثرة بثمانية أنصاف كل رطل والرطل قباني اثنتا عشرة أوقية وعز وجود البن وغلا سعره حتى بلغ في هذا الشهر الرطل سبعين ونصفا والسكر العادة الصعيدي خمسة وأربعون نصفا الرطل والواحد والعسل الأبيض الغير الجيد ثلاثون نصفا والعسل الأسود خمسة عشر نصفا والعسل القطر عشرون نصفا الرطل والصابون أربعة وعشرون نصفا كل ذلك بالرطل القباني الذي عمله محمد باشا فلا جزاه الله خيرا والشيرج بألفين فضة القنطار وورد الكثير من الحطب الرومي ورخص سعره إلى مائة وعشرين نصفا الحملة بعد ثلثمائة نصف وأما أنواع البطيخ والعبدلاوي فلم يشتره اكثر الناس لقلته وغلوا ثمنه فانه بيعت الواحدة بعشرين نصفا فأقل
فأكثر والخيار بخمسة أنصاف الرطل من وقت طلعوه إلى أن بلغ حد الكثرة وبقي بحال لاتقبله الطبيعة البشرية فعند ذلك بيع بنصفين وأما الفاكهة فلا يشتريها إلا أفراد الأغنياء أو مريض يشتهيها أو امرأة وحمى لغلوها فإن رطل الخوخ بخمسة عشر نصفا والتفاح الأخضر كذلك وقس على ذلك لقلة المجلوب وخراب البساتين وغلو علف البهائم وحوز المتسيين واخذ الرشوات منهم وتركهم وما يدينون وأما الأتبان فأنها كثرت وانحل سعرها عما كانت
شهر ربيع الأول سنة استهل بيوم السبت فيه وقع هرج ومرج وإشاعات ثم تبين أن طائفة من العربان والمماليك وصلوا إلى خارج باب النصر وظاهر الحسينية وناحية الزاوية الحمراء وجزيرة بدران جهة الحلى ورمحوا على من صادفوه بتلك النواحي وحالوا بين العسكر الخارجين وبين عرضيهم واخذوا ما معهم من الجراية والعليق والجبخانة فنزل الباشا ومعه عساكر وذهب إلى جهة بولاق ثم إلى ناحية الزاوية الحمراء أغلقوا أبواب المدينة ثم رجع الباشا بعد العصر ودخل من باب العدوى وطلع إلى القلعة وهو لابس برنسا ثم تكرر بينهم وقائع وخروج عساكر ودخول خلافهم ونزول الباشا وطلوعه
وفي رابع حضر الشيخ عبد الله الشرقاوي من غيبته بالقرين بعد ذهابه إلى المحلة من طندتا
وفي يوم الخميس سادسة حضر هجانة بمكاتبة من عند الألفي الكبير للباشا وفيها الأخبار بعزمه على الحضور إلى مصر هو وعثمان بك حسن ويلتمس أن يخلوا له الجيزة وقصر العيني لينظر في هذا الأمر والفساد والواقع بمصر فكتب له الباشا جوابا ملخصه على ما نقل إلينا انك في السابق عرفتنا انك مذعن للطاعة وأرسلنا لك بالآذن والإقامة بجرجا وما عرفنا موجب هذا الحضور فإن كنت طائعا وممتثلا ما كنت ولك الولاية والحكم بالإقليم القبلي وأرسل المال والغلال ونحو ذلك من الكلام وسافروا
بالجواب يوم السبت ثامنه
وفيه ترفع الأمراء المصرلية إلى ناحية مشتهروبنها وانتقلوا من منزلتهم وأشاع العسكر ذهابهم وهروبهم
وفيه وردت مكاتبات من الحجاز واخبروا فيها بموت محمود جاويش الذي سافر بالمحمل وكذلك الحاج يوسف صبر في الصرة وان طائفة من الوهابيين حاصروا جدة ولم يملكوها وان ببلاد الحجاز غلاء شديدا لمنع الوارد عنهم والأردب والقمح بثلاثين ريالا فرانسا عنها من الفضة العددية خمسة آلاف وأربعمائة
وفي يوم السبت ثامنة أرسلوا فعلة وعمالا لعمل متاريس وابنية بناحية طرا وكذلك بالجيزة وأرسلوا هناك مراكب حربية يسمونها الشلنبات وفي يوم الثلاثاء خرج محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا إلى جهة القليوبية وصحبتهم عساكر كثيرة وأدوات وعدى طائفة من الأمراء إلى بر المنوفية وهرب حاكم المنوفية من منوف
وفي ثالث عشرة ورد الخبر بوصول مراكب داوات من القلزم إلى السويس وفيها حجاج والمحمل واخبروا بمحاصرة الوهابين لمكة والمدينة وجدة وان اكثر أهل المدينة ماتوا جوعا لعزة الأقوات والأردب القمح بخمسين فرانسا أن وجد والأردب الأرز بمائة فرانسا وقس على ذلك
وفي خامس عشرة يوم السبت وصلت مراكب وفيها طائفة من العسكر وهم الذين يسمونهم النظام الجديد الذين يقلدون محاربة الإفرنج وأشاعوا انهم خمسة آلاف وعشرة آلاف ووصل صحبتهم الآغا الذي كان حضر بالمجدة والبشارة للباشا بالتقليد الأطواخ ورجع إلى إسكندرية فحضر أيضا وضربوا لوصوله مدافع وشنكا جهة بولاق وأرسلوا له خيولا ويرقا وطبلخانات واركبوه من بولاق وشق من وسط المدينة وأمامه وخلفه أتباع الباشا والوالي والجنيبات وعسكر النظام الجديد وهم دون المائة شخص والآغا المذكور ومعه أوراق في أكياس حرير ملون
وخلفه آخر راكب ومعه بقجة يقال أن بداخلها خلعة برسم الباشا وآخر معه صندوق صغير وعليه دواة كتابة منقوشة بالفضة وخلفهم الطبلخانات فلما وصلوا إلى القلعة ضربوا لوصولهم مدافع كثيرة من القلعة وعمل الباشا ديوانا في ذلك الوقت بعد العصر وقرأوا التقليد المذكور
وفي ذلك اليوم وصلت طائفة من العربان إلى جهة بولاق وجزيرة بدران وناحية المذبح وخطفوا ما خطفوه وذهبوا بما أخذوه
وفيه ورد الخبر بوصول الألفي الكبير إلى ناحية بني سويف وعثمان بك حسن في مقابلته بالبر الشرقي
وفي يوم الاثنين وصل قاصد من الألفي بمكتوب خطابا للمشايخ العلماء مضمونه انه لا يخفاكم اننا كنا سافرنا سابقا لقصد راحتنا وراحة البلاد ورجعنا باوامر وحصل لنا ما حصل ثم توجهنا إلى جهة قبلي واستقرينا بأسيوط بعد حصول الحادث بين إخواننا الأمراء والعسكر وخروجهم من مصر وأرسلنا إلى افندينا الباشا بذلك فأنعم علينا بولاية جرجا ونكون تحت الطاعة فامتثلنا ذلك وعزمنا على التوجه حسب الأمر فبلغنا مصادرة الحريم والتعرض لهم بما لا يليق من الغرائم وتسليط العساكر عليهم ولزومهم لهم فثنينا العزم واستخرنا الله تعالى في الحضور إلى مصر لننظر في هذه الأحوال فإن التعرض للحريم والعرض لا تهضمه النفوس وكلام كثير من هذا المعنى فلما وصلتهم المكاتبة أخذوها إلى الباشا واطلعوه عليها فقال في الجواب انه تقدم انهم تركوا نساءهم للفرنسيس واخذوا منهم أموالا وإني كنت أعطيت له جرجا ولعثمان بك قنا وما فوق ذلك من البلاد وكان في عزمي أن اكاتب الدولة وأطالب لهم أوامر ومراسيم بما فعلته لهم وبراحتهم فحيث أنهم لم يرضوا بفعلي وغرتهم أمانيهم فليأخذوا على نواصيهم
وفيه شرعوا في حفر خندق قبلي الإمام الليث بن سعد ومتاريس
وفي ذلك اليوم أرسل محمد علي إلى مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف
الصابونجي فلما حضرا اليه عوقهما إلى الليل ثم أرسلهما إلى القلعة بعد العشاء ماشيين ومعهما عدة من العسكر فحبسا بها
وفي يوم الخميس عشرينه عمل الباشا ديوانا وحضر المشايخ والوجاقلية واظهر زينته وتفاخره في ذلك الديوان واوقف خيوله المسومة بالحوش وخيول شجر الدر واصطفت العساكر بالأبواب والحوش والديوان ووقفت أصناف الديوان باختلاف أشكالهم والسعاة بالطاسات المذهبة على رؤوسهم وخرج الباشا بالشعار والهيبة وعلى رأسه الطلخان بالطراز إلى الديوان الكبير المعروف بديوان المغوري وقد اعدوا له كرسيا بغاشية جوخ احمر وبساط مفروشا خلاف الموضع القديم فجلس عليه وزعقت الجاويشية واحضر التقليد فقرأه ديوان أفندي بحضور الجمع الكبير ثم قرأ فرمانين آخرين مضمون أحدهما اكثر كلاما من الثاني ملخصه الولاية وحكاية الحال الماضية من ولاية علي باشا وشفاعته في الأمراء المصرية بشرط توبتهم ورجوعهم ثم عودهم إلى البغي والفجور وغدر علي باشا المذكور وظلمهم الرعية بمعونة العسكر ثم قيام الرعية والعسكر عليهم حتى قتلوهم أخرجوهم من مصر فعند ذلك صفحنا عن العسكر وعفونا عما تقدم منهم وامرناهم بان يلازموا الطاعة ويكونوا مع احمد باشا خورشيد بالحفظ والصيانة والرعاية لكافة الرعية والعلماء وأبعاد أهل الفساد والمعتدين وطردهم وتشهيل لوازم الحج والحرمين من الصرة والغلال ونحو ذلك من الكلام المحفوظ المعتاد المنمق ولما انقضى أمر قراءة الأوراق قام الباشا إلى مجلسه الداخل ودخل اليه المشايخ فخلع عليهم فراوي سمور وكذلك الوجاقلية والكتبة والسيد احمد المحروقي ثم عملوا شنكا ومدافع كثيرة وطبولا واحضر في ذلك الوقت المعلم جرجس وكبار الكتبة وعدتهم اثنان وعشرون قبطيا ولم تجر عادة بإحضارهم فخلع عليهم أيضا ثم نزلوا إلى بيت المحروقي فتغدوا عنده ثم عوقهم إلى العصر ثم طلبهم الباشا إلى القلعة فحبسهم تلك الليلة واستمروا في الترسيم وطلب منهم ألف كيس
وفي يوم السبت ثاني عشرينه افرجوا عن مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي على ثلثمائة كيس
وفيه حضر محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا وطلعا إلى القلعة فخلع عليهما الباشا وهنآه بالولاية واستقر بمحمد علي والي جرجا وحسن بك وإلي الغربية وضربوا لذلك مدافع كثيرة وشنكا وعملوا تلك الليلة حراقة وسواريخ من الازبكية وجهة الموسكي والحال انهم لايقدرون أن يتعدوا بر الجيزة ولا شلقان فإن طوائف عسكر الألفي وصلوا إلى بر الجيزة واخذوا منها الكلف والأمراء البحرية منتشرون ببر الغربية والمنوفية
وفيه هرب شخص من كبار الأرنؤد يقال له إدريس أغا كان بجماعته جهة برشوم التين فركب إلى المصرلية ولحق بهم وتبعه جماعته وهم نحو المائة وخمسين شخصا
وفيه أرسل الباشا اغاة الانكشارية ليقبض على علي كاشف من أتباع الألفي من بيته بسوق الانماطيين فأرسل إلى الارنؤد فأرسلوا له جماعة منعوا الآغا من أخذه وجلسوا عنده فأرسل الباشا من طرفه جماعة أقاموا محافظين عليه في بيته ثم أن سليمان أغا كبير الارنؤد الذي التجأ اليهم المذكور حضر اليه واخذه الى داره بالازبكية وصحبته الامير مصطفى البردقجي الألفي أيضا
وفي يوم الاثنين وصل شخص رومي بمراسلة من عند الألفي الى الباشا فعند ما قرا الباشا المراسلة امر بقتله حالا فرموا عنقه برحبه القلعة وحضر أيضا مملوك بمراسلة من عثمان بك حسن يذكر فيها حضوره مع الألفي وانه اغتر بكلامه وتمويهاته عليه وان بيده اوامر شريفة من الدولة ومن حضرة الباشا بالحضور ثم ظهر انه لم يكن بيده شيء وان عثمان بك ممتثل لما يأمره به الباشا وامثال ذلك فكتب له جوابا وخلع على ذلك المملوك ورجع سالما
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه أخرجوا عن النصارى الاقباط بعد ما قرروا عليهم ألف كيس خلاف البراني وقدره مائتان وخمسون كيسا ونزلوا الى بيوتهم بعد العشاء الاخيرة في الفوانيس
وفيه وصل الألفي الصغير وانتشرت خيوله الى بر انبابة فرموا عليهم مدافع من المراكب وبولاق ورفعوا الغلة من الرقع واشيع أن الألفي الكبير وصل الى الشوبك وعثمان بك حسن وصل الى حلوان ورجع ابراهيم بك البرديسي وباقي الامراء الى ناحية بنها بعدما طافوا المنوفية والغربية وقبضوا الكلف والفرد وخروج كثير من العسكر الى معسكرهم ناحية شلقان وما وازاها الى الشرق وخرج أيضا عدة من العسكر الى ناحية طرا والجيزة
وفيه ارسل الألفي الصغير وروقة لشخص من كبار العسكر مقطوع الانف كان من اتباعه حين كان بمصر يطلبه للحضور اليه ويعده بالاكرام وان يكون كما كان في منزلته عنده فأخذ الورقة والرسول الى الباشا فأمر بقتل المرسال وهو رجل فلاح فقطعوا رأسه بالرميلة وانعم على مقطوع الانف بعشرين ألف نصف فضة وشكره وقبل ذلك بايام وصلت هجانة من العريش واخبروا بورود عساكر من الدلاة وغيرهم معونة لمن بمصر واختلفت الروايات في عدتهم فالمكثر من كذابي العثمانية يقولون عشرة آلاف والمقل من غيرهم يقولون الفان او ثلاثة
وفي يوم الاربعاء تواترت الاخبار بقربهم من الصالحية وانتقل الامراء البحرية الى بلبيس وركب منهم عدة وافرة لملاقاة العسكر الواردين وخرج كثير من العسكر الخيالة والرجالة الى جهة الشرقية ببلبيس ونقلوا عرضيهم من ناحية البحر وردوا الكثير من اثقالهم الى المدينة
وفي يوم الخميس احضر الباشا طائفة اليهود وحبسهم وطلب منهم ألف كيس واستمروا في الحبس
وفيه رجع الألفي الصغير من ناحية انبابة الى جهة الشيمي باستدعاء من
سيدة واشاع العثمانية انهم ذهبوا ورجعوا من حيث اتوا لعجزهم وعدم قدرتهم عليهم وكان في ظنهم امور لاتتم لهم كما ظنوا ولحقتهم جميع العساكر من الجهة الشامية
وفيه ارسلوا ملاقاة للعساكر الواردين وفيها قومانية وجبخانة ولوازم على ستين جملا ومعهم هجانة فعندما توسطوا البرية اطاح بهم العربان واخذوهم
وفيه تسحب اشخاص من كبار العسكر باتباعهم وذهبوا الى المصريين وانضموا اليهم فمنهم من ذهب الى قبلي ومنهم من ذهب الى بحري
وفيه عدى الألفي الكبير والصغير الى البر الشرقي عند عثمان بك وترفعت مراكبهم الى قبلي
وفيه حضر عابدي بك وحسن بك من البحر الى بولاق وانتقل محمد علي الى طنط جهة براشيم التين بعد مقتلة وقعت بينهم وبين المصرلية وانهزموا وذهبوا الى تلك الجهة
وفي يوم الاحد غايته افرجوا عن طائفة اليهود بعد أن قرروا عليهم مائتي كيس خلاف البراني
وفيه حضر خازندار الباشا من الديار الرومية الى ساحل بولاق وصحبته امتعة ولوازم للباشا واشياء في صناديق
استهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين سنة فيه ركب الخازندار المذكور وطلع الى القلعة من وسط المدينة ونزل لملاقاته اغوات الباشا والجاويشية والشفاسية وحضر صحبته نحو خمسين عسكريا مشوا امامه وخلفه والصناديق التي حضرت معه خلفه محملة على الجمال والجاويشية امامه يضربون على طبلات حكم العادة في ركوباتهم ومعه عدة كبيرة من اتباع الباشا وامامه الجنيبات والخيول
وفيه وصلت مراكب من الديار الحجازية الى السويس وفيها حجاج ومغاربة ولم يصل منهم الا القليل واكثرهم قتله العسكر الذي بقي
بمكة بعد موت شريف باشا ومن انضم اليهم من اجناسهم وقد حصل منهم غاية الضرر والفساد والقتل حتى في داخل الحرم لأن الشريف غالبا ضمهم اليه ورتب لهم جامكية واستمروا معه على هذا الحال الفظيع
وفيه انبهم امر العسكر الدلاة القادمين من الجهة الشامية واضطربت الروايات عن اخبارهم فمنهم من قال أن المصرلية وقفوا لهم بالطرق وقاتلوهم ورجع من نجا منهم بنفسه ومنهم من قال انهم لما بلغهم قطع الطريق عليهم رجعوا من حيث اتوا وبعضهم طلب الامان وانضم اليهم ومنهم من قال أن فرقة منهم ذهبت من فم الرمانة من طريق دمياط وقيل انهم حضورا بثمانين رأسا منهم الى بلبيس
وفي يوم الابعاء خرج الوالي بعده من العسكر وصحبته مدافع وجبخانة واستقر بزاوية المرداش
وفي يوم الخميس رابعه هجم الامراء القبالي وهم الألفي واتباعه وعثمان بك حسن ومن انضم اليهم على طرا وملكوا منها البرج الذي من ناحية الجبل بعد ما ضربوا عليه من اعلى الجبل وتعدوا الى ناحية البساتين وتركوا طرا ومن فيها خلف ظهورهم وتحاربوا مع طوابير العسكر وكانوا انفارا قليلة ونظرهم الباشا من قلعته فزعق على السلحدار فركب في عدة من الشفاسية وخرج اليهم فعندما واجهوهم لم يثبتوا وولوا بعدما سقط منهم انفار
وفيه وصل جواب من الامراء القبالي الى المشايخ يذكرون فيه انهم يخاطبون الباشا في اخماد الحرب وصلحه معهم فان ذلك اصلح له ويكونون معه على مايحب وما يأمر به ويرتاح من علوفة العسكر التي اوجبت له المصادرات وسلب الاموال وخراب الاقليم وان يختار من العسكر طائفة معلومة معدودة يقيمون بمصر ويأمر الباقي بالسفر إلى بلادهم فلما خاطبوه بذلك واطلعوه على المكاتبة أبي وقال ليس لهم عندي الا الحرب
وفي يوم الجمعة حصلت أيضا بينهم محاربة واصيب من المراكب
الحربية التي يسمونها الشلنبات اثنتان غرقت احداهما واحرقت الثانية واتهم الباشا الطبجية فقتل منهم خمسة اثنان بالقلعة وثلاثة بالرميلة
وفي يوم السبت حضر محمد علي من بحرى وذهب الى جهة القرافة فأقام بمقام عقبة بن عامر الجهني ووقع في ذلك اليوم محاربات أيضا
وفي يوم الاحد اشيع حضور الامراء القبالي الى ناحية بهتيم وانهم ارسلوا الى المطرية بالجلاء عنها ورمحت العرب نواحي بولاق والجهات البرانية وضربوا عليهم مدافع وفي ذلك اليوم نظر الباشا وكبار العسكر الى جهة البساتين فلم يروا احدا من المصرلية فركب محمد علي واخذ معه عدة وافرة ودخلوا تلك الجهة فلم يرو امامهم احدا فلم يزالوا سائرين واذا بكمين خرج عليهم من جانب الجبل فاوقع معهم وقعة قوية حتى اثخنوهم وقتل منهم من قتل حتى لحقو بالمشاة الرجالة فضربوا عليهم طلقا وولوا مدبرين فصار محمد علي يستحثهم ويردهم ويحرضهم فلم يسمعوا له ورجعوا وفيهم جرحى كثيرة طلعوا بطائفة منهم الى القلعة ودخل الباقون الى المدينة وطلبوا طائفة المزينين لمداواة الجرحى بالقلعة اخذوا في ذلك اليوم برج الدير الذي كان بأيدي العسكر جهة البحر بطرا وقتلوا من به من العسكر واعطوا لمن بقي الامان وهم نحو الثلاثين شخصا
وفي يوم الاثنين ثامنه وصل المصرلية الذين كانوا جهة الشرق ووصلت مقدماتهم الى جهة العادلية وناحية الشيخ قمر بل وعند الكيمان خارج باب النصر فأغلقوا باب النصر وباب الفتوح والعدوى وهربت سكان الحسينية وحصلت كرشة بالجمالية ولم يخرج اليهم احد من العسكر بل اخذوا يضربون المدافع من على السور ودخل محمد بك المنفوخ الى الحسينية وجلس بمسجد البيومي وانتشر المماليك والاتباع على الدكاكين والقهاوي واستمر ضرب المدافع الى بعد الظهر ثم أن المصرية ترفعوا عن الحسينية الى اليشبكية فبطل الرمي ودخل الوالي وامامه ثلاثة رؤوس تبين
انها رؤوس مغاربة من مقاطيع الحجاج المرضى كانوا مطروحين خارج القاهرة
وفيه طلب جماعة من المماليك السيد بدرا المقدسي فخرج اليهم من داره خارج باب الفتوح فأخذوه عند البرديسي وابراهيم بك فاسر اليه ابراهيم بك بان يكون سفيرا بينهم وبين الباشا في الصلح معهم وانه لايستقيم حاله مع العسكر ولا يرتاح معهم وليعتبر بما فعلوه محمد باشا واما نحن فنكون معه على ما ينبغي من الطاعة والخدمة وحضر في اواخر النهار فلما اصبح يوم الثلاثاء ركب وطلع الى الباشا وبلغه ذلك فقال له الباشا على سبيل الاختبار والمسايرة قولك صحيح ومن يرجع اليهم بالجواب فقال انا فحقدها عليه ثم قام من عنده فارسل خلفه وعوقه عند الخازندار فذهب اليه في ثاني يوم شيخ السادت والسيد عمر النقيب وترجوا في اطلاقه فامتنع وقال اخاف عليه أن يقتله العسكر ولا بأس عليه ولا يصلح اطلاقه في هذا الوقت وبعد خمسة ايام يكون خيرا فإنه مقيم عند الخازندار في اكرام وفي مكان احسن من داره وهذا رجل اختيار يفعل هذه الفعال يخرج الى المخالفين متنكرا ويرجع من عندهم بكلام ثم يطلب العود اليهم ثانيا
وفي ليلة الثلاثاء المذكور حضر محمد علي عند الباشا بعد الغروب وقبض منه خمسين كيسا وقيل ثمانين ورجع الى معسكره فجمع العسكر وتكلم معهم وفرق عليهم الدراهم واتفق معهم على الركوب والهجوم على من بطرا في تلك الليلة على حين غفلة وكان كاتبهم قبل ذلك يلاطفهم ويظهر العجز ويطلب معهم الصلح وامثال ذلك وفي ظن اولئك صدقة وعدم قدرتهم على مقاومتهم وملاقاتهم فلما مضى نحو خمس ساعات من الليل ركب محمد علي في نحو اربعة آلاف فرسانا ورجالا فلما قربوا من الحرس في اخر السادسة ترجلوا وقسموا انفسهم ثلاثة طوابير ذهب قسم منهم جهة الدير والثاني جهة المتاريس والثالث جهة الخيل والجماعة
وهم صالح بك الألفي ومن معه في غفلتهم ونومهم مطمئنين وكذلك حرسهم فلم يشعروا الا وقد صدموهم فاستيقظ القوم وبادروا الى الهرب والنجاة فملكوا منهم الدير وابراج طرا وكان بها عسكر العثمانيين الى هذا الوقت محصورين وقد اشرفوا على طلب الامان واخذوا مدفعين كانا بالمتراس وبعض امتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسا وقتل بينهم بعض اشخاص وانجرح كذلك ورجع محمد علي والعسكر على الفور من آخر الليل ومعه خمسة رؤوس فيها رأس واحدة لم يعلم رأس من هي والباقي رؤوس عربان او سياس او غير ذلك وزعموا أن تلك الرأس هي رأس صالح بك وارسلوا المبشرين آخر الليل الى الاعيان لياخذوا البقاشيش واشاعوا أنهم قبضوا على الألفي الصغير واحضروه معهم حيا والباقي رموا بأنفسهم الى البحر ولما طلع محمد علي الى الباشا خلع عليه الفروة التي حضرت له من الدولة وعلقوا تلك الرؤوس على السبيل بالرميلة وضربوا شنكا من القلعة ومدافع واظهروا السرور وداروا بالاسواق يضربون بالطنابير وشمخ المغرضون بانافهم على المغرضين للمصرلية ثم تبين عدم صحة تلك الاشاعة وان تلك الراس راس بعض الأجناد ولم يمسك الألفي كما قالوا
وفي يوم الاربعاء عاشره وصل من بحرى ثلاث شلنبات كان الباشا ارسل بطلبها عوضا عما تلف فعند ما وصلوا الى جهة باسوس وهناك مركز للمصرلية على جرف عال اقعدوا به طبجية ليمنعوا من يمر بالمراكب فضربوا عليهم وضرب من في المراكب الحربية أيضا على من في البر فكان ضرب من في البر يصيب من في البحر وضربهم لايصيبهم لعلو الجرف عليهم فاحترقت جبخانة احدى الشلنبات واحترق ما فيها بها وغرقت الثانية ويقال أن الثالثة لم تكن من المراكب الحربية بل هي مركب معاش وكان حضر في خفارتهم عدة من المراكب المسافرين فخافوا ورجعوا وقبضوا على بعض قواويس بها غلال فأخذوا مافيها فلما شاع ذلك بالمدينة رفعوا ماكان
موجودا من الغلة بالعرصات وشحت الغلال وعدم الفول والشعير وبيع ربع الويبة من الفول بتسعين نصفا وقل وجود الخبز في الاسواق وخطف بعض العسكر ما وجدوه من الخبز ببعض الافران واخذوا الدقيق من الطواحين وصار بعض العسكر يدخل بعض البيوت ويطلبون منهم الاكل والعليق لدوابهم
وفي يوم الخميس والجمعة اشتد الحال وبيع ربع الويبة من القمح بسبعين نصفا وثمانين نصفا وعدم الفول واشترى بعض من وجده ربعا بمائة نصف فضة فيكون الاردب على ذلك الحساب بألفين واربعمائة نصف وخرج عساكر كثيرة ووقعت حروب بين الفريقين ورجع القبليون الى طرا وحاربوا عليها وكانوا شرعوا في عمارة ما تهدم من ابراجها ونقلوا اليها الذخيرة والقومانية والجبخانة والعسكر واخذوا جمال السقائين لنقل الماء الى الصهريج الذي ببرج طرا ودار الآغا والوالي على المخازن ببولاق ومصر واخذوا منها ما وجدوه من الغلة وامروا ببيعه على الناس بخمسين نصفا الربع واخذوا لانفسهم ما وجدوه من الشعير والفول
وفي يوم السبت قلدوا حسن أغانجاتي الحسبة فخافته السوقة واجتهدوا في تكثير العيش والكعك والمأكولات بقدر امكانهم واجتهد هو أيضا في الفحص على الغلال المخزونة وبيعها للخبازين واما اللحم الضاني فانه انعدم بالكلية لعدم ورود الاغنام
وفيه شح ورود الغلة في العرصات وذهب اناس الى برانبابة فاشتروا الربع بثمانين نصفا وازيد من ذلك والقول بمائة وعشرين وعلق اكثن الناس على بهائمهم ما وجدوه من اصناف الحبوب مثل الحمص والعدس وهم المياسير من الناس واما غيرهم فاقتصروا على التبن واما العنب والتين في وقت وفرتهما فلم يظهر منهما الا القليل وبيع الرطل من العنب بأربعة عشر نصفا والتين بسبعة انصاف وذلك بعد سلوك الطريق ومشي السفن
وفي يوم الاحد رابع عشره اجتمعت العساكر الكثيرة للحرب عند
شبرا ورموا على بعضهم بالمدافع والقرابين والبنادق من ضحوة النهار ثم التحم الحرب بين الفريقين واشتد الجلاد بينهما الى بعد منتصف النهار وصبر الفريقان وقتل بينهما عدة كبيرة من العسكر الأرنؤد وطائفة المماليك والعربان فقتل من اكابر العسكر اربعة او خمسة ودخلوا بهم المدينة وانكف الفئتان وانحاز الى معسكرهما وبعد هجعة من الليل اجتمع العسكر من الانكشارية والارنؤدية وغيرهم وكبسوا على متاريس شبرا وبها حسين بك المعروف بالافرنجي وعلي بك ايوب ومعهما عسكر من الأرنؤد الذين انضموا اليهما ومنهم الرماة والطبجية فاجلوهم عن المتاريس وملكوها منهم ووقع بينهم قتلى كثيرة وقتل من عسكر حسين بك المذكور نحو مائة وستين نفرا وعدة من مماليك علي بك ايوب خلاف الجرحى وزحفوا على باقي المتاريس فملكوا منهم متاريس شلقان وباسوس وانهزم المصرلية الى جهة الشرق بالخانكة وابى زعبل وقيل أن العسكر المنضمين اليهم المتقيدين بالمتاريس هم الذين خامروا عليهم وانهزموا عن المتاريس حتى كانوا هم السبب في هزيمتهم فلما اصبح النهار حضروا بسبعة رؤوس فيها ثلاثة من الأجناد الملتحين وثلاثة شوارب ورأس أسود فعلقوها بباب زويلة ومن الثلاثة أجناد رأس له لحية طويلة شائبة شبيهة بلحية ابراهيم بك الكبير فقال بعض الناس هذه راس ابراهيم بك بلا شك واشيع ذلك بينهم فاجتمع الناس من كل ناحية للنظر اليه ووصل الخبر الى الباشا فاحضر عبد الرحمن بك والمزين الذي كان يحلق له لمعرفتهما به واخرين وطلب الراس فأحضروها وتأملوها فمنهم من اشتبهت عليه ومنهم من انكرها لعلامات يعرفها به وهي الصلع وسقوط بعض الاسنان ثم اعيدت الى مكانها على ذلك الاشتباه ثم انهم عملوا شنكا ومدافع لذلك ثم طلبها محمد علي أيضا وفعل مثل ذلك وردها أيضا ثم رفعوها في الليل واستمر الفرح والشنك يومين والناس بين ناف ومثبت ومسلم ومنكر ومعاند ومكابر حتى وردت خدم من معسكرهم واخبروا بحياة ابراهيم
بك وانه بوطاقة جهة الشرق فزال الشك وارسل المصريون الى بيوتهم اوراقا
وفي ليلة الاثنين المذكور وقع خسوف قمري وطلع من المشرق منخسفا اخذا في الانجلاء ومقدار المنخسف منه عشرة اصابع وتم انجلاؤه في ثاني ساعة من الليل وكان باول برج الدلو
وفي ليلة الخميس وصل امير اخور الصغير من الديار الرومية وطلع الى بولاق في صبحها وركب الى القلعة فانزله الباشا ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك بدرب الجماميز ولم يعلم ما بيده من الاوامر ثم تبين أن من الأوامر التي معه اخراج خمسمائة من العسكر الى بندر ينبع البحر يقيمون بها محافظين لها من الوهابيين ويدفع لهم جامكية سنة كاملة وذخيرتها وما يحتاجون اليه من مؤنة وغلال وجبخانة
وفي يوم الثلاثاء قرأوا تلك الاوامر وفيها انه تعين محمد باشا أبو مرق بعساكر الشام الى الحجاز فاحضر الباشا كبار العسكر وعرض عليهم ذلك الامر وقال لهم انه ورد لي اذن عام في تقليد من اقلده فمن احب منكم قلدته امرية طوخ أو طوخين فامتنعوا من ذلك وقالوا نحن لا نخرج من مصر ولا نتقلد منصبا خارجا عنها ووصلت الاخبار في هذه الايام أن الوهابيين ملكوا الينبع
وفيه وردت الاخبار بأن الألفي عدى الى البر الشرقي وكان قبل ذلك عدى الى البر الغربي وانتشرت عساكره الى الجسر الاسود ثم رجعوا وعدوا الى البر الشرقي
وفي يوم الاربعاء سابع عشره ركب الامراء المصرلية وانتقلوا من الخانكة ومروا من خلف الجبل بحملاتهم واثقالهم وذهبوا الى جهة قبلي وخاب سعيهم ولم ينالوا غرضهم وكانوا في ظنهم انهم اذا حصلوا بالقرب من المدينة خرج اليهم الكثير من العسكر وانضم اليهم لمقدمات سبقت منهم ومراسلات وكلام وقع بينهم وبين اتباعهم ومماليكهم المجتمعين عند
اكابرهم وذبهم عنهم وعن بيوتهم وحريمهم بل واخراج بعض الاتباع والمماليك بمطلوبات الى اسيادهم خفية وليلا حتى استقر في اذهان كثير من العقلاء ممالات كثير من البنباشيات ورؤساء العسكر من المصرلية وعندما تحقق العسكر ذهابهم دخلوا الى المدينة بأثقالهم وحملوهم وانتشروا بها حتى ملؤا الازقة والطرق والبيوت وقدمت السفن المعوقة وتواجدت الغلال بالرقع وتخلف عنهم اناس كانوا منضمين اليهم طلبوا امانا بعد ذلك وحضروا بعد ذلك الى مصر وقدمت عساكر ودلاة في المراكب ودخلوا البيوت بمصر وبولاق واخرجوا منها اهلها وسكنوها واذا سكنوا دارا اخربوها وكسروا اخشابها واحرقوها لوقودهم فإذا صارت خرابا تركوها وطلبوا غيرها ففعلوا بها كذلك وهذا دأبهم من حين قدومهم الى مصر حتى عم الخراب سائر النواحي وخصوصا بيوت الامراء والاعيان وبواقي دور بركة الفيل وما حولها من بيوت الاكابر والقصور التي كانت يضرب بأدناها المثل وفي ذلك يقول صاحبنا العلامة الشيخ حسن العطار واما بركة الفيل فقد رميت بكل خطب جليل واورثت العين بوحشتها بكاء وعويلا والقلب بذكر ما سلف من مباهجها حزنا طويلا
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه طلع المشايخ عند الباشا وشفعوا في السيد بدر المقدسي فأطلقه ونزل إلى داره
وفي يوم الخميس خامس عشرينه قلدوا علي آغا الوالي على العسكر المعين الى الينبع اميرا وضربوا له مدافع وفرح الناس بعزله من الولاية فانه كان اخبث من تقلد الولاية من العثمانية وكان الباشا يراعي خاطره ولا يقبل فيه شكوى وتعين للسفر معه عدة من العسكر من اخلاط مصر البطالين اروام وخلافهم
وفيه قلدوا مناصب كشوفية الاقاليم لاشخاص من العثمانية
وفي ثامن عشرينة تشاجر شخص من العسكر مع شخص حكيم فرنساوي عند حارة الافرنج بالموسكي فاراد العسكري قتل الفرنساوي
فعاجله الفرنساوي فضربه فقتله وفر هاربا فاجتمع العسكر وارادوا نهب الحارة فوصل الخبر الى محمد علي فركب في الوقت ومنع العسكر من النهب واغلق باب الحارة وقبض على وكيل قنصل الفرنساوية واخذه معه وحبسه عنده حتى سكن العسكر
وفي تلك الليلة أيضا مر جماعة من العسكر بخط الدرب الاحمر فارادوا اخذ قنديل من قناديل السوق فقام عليهم الخفير يريد منعهم فذبحوه واخذوا القنديل فأصبح الناس فرأوا الخفير مذبوحا وسمعوا لقصة من سكان الدور بالخطة ووجدوا أيضا عسكريا مقتولا جهة الموسكي وغير ذلك حوادث كثيرة في كل يوم من اخذ النساء والمردان والامتعة والمبيعات من غير ثمن وانقضى الشهر
وفيه استقر الامراء المصرلية جهة صول والبرنبل وما قابلهما من البر الغربي واستمر عثمان بك حسن والبرديسي واتباعهما بالبر الشرقي وشرعوا في بناء متاريس وقلاع بساحل البحر من الجهتين وارسل الباشا الى جهة دمياط ورشيد يطلب عدة مراكب وشلنبات لاستعداد الحروب واجتهد في ملء صهاريج القلعة طلبوا السقائين وألزموهم بذلك فشح الماء بالمدينة وغلا سعره لذلك ولغلو العليق حتى بلغ ثمن الراوية اربعين نصفا بعد المشقة في تحصيله لانه لم يبق الا الروايا الملاكي لأكابر الناس فيمنعها العطاش عند مرورها قهرا ويدفعون ثمنها بالزيادة واتفق شدة الحر وتوالي هبوب الرياح الحارة وجفاف الجو وتأخير زيادة النيل
شهر جمادي الأولى سنة استهل بيوم الثلاثاء في ذلك اليوم كان مولد المشهد الحسيني ونزل الباشا وزار المشهد ودخل عند شيخ السادات باستدعاء وتغدى عنده ثم ركب راجعا قبل الظهر الى القلعة ولم يقع في ليالي المولد حظ للناس ولا انشراح صدور كالعادة بسبب اذية العسكر واختلاطهم بهم وتكديرهم عليهم في الحوانيت والاسواق حتى انهم في آخر الليلة التي كان من
عادتهم يسهرونها مع ليال قبلها الى الصباح اغلقوا الحوانيت واطفؤا القناديل من بعد اذان العشاء وذهبوا الى دورهم
وفيه قرروا فردة غلال على البلاد قمح وشعير وتين اعلى واوسط وادنى إلا على خمسة عشر أردبا وخمسة عشر حمل تين والأوسط عشرة والأدنى خمسة على أن اقليم القليوبية لم يبق به الا خمسة وعشرون قرية فيها بعض سكان والباقي خراب ليس فيها ديار ولا نافخ نار ومجموع المطلوب ثمانية ألاف اردب خلاف التين وذلك برسم ترحيلة علي باشا الى الينبع ثم قرروا فردة اخرى كذلك أيضا وقدرها ألف وخمسمائة كيس رومية
وفي يوم الجمعة رابعه جمع الباشا المشايخ في ديوان خاص بسبب مكتوب حضر من الامراء المصريين خطابا للمشايخ مضمونه انهم يسعون بينهم وبين الباشا فيما يكون فيه الراحة للبلاد والعباد وانه يخرج هذه العساكر فانهم إن داموا بالإقليم كملوا خرابه وهتكوه بأفاعيلهم وظلمهم وفسقهم وطلب العلوفات التي لا يفي ببعضها خراج الاقليم واما نحن فاننا مطيعون السلطنة وخدامون بلا جامكية ولا علوفة وإن لم يفعل ذلك يعطينا جهة قبلي تتعيش فيها وان ارادوا الحرب فليخرجوا الناس بعيدا عن الابنية ويحاربونا في الميدان والله يعطي النصر لمن يشاء الى اخر ما قالوه فقال الباشا للمشايخ اكتبوا لهم يأخذوا جهة أسنا ومقبلا فقالوا نحن لا نكتب شيئا اكتبوا لهم مثل ما تعوفون وانفض المجلس
وفيه عزم جماعة من اكابر العسكر على السفر الى بلادهم وهم احمد بك رفيق محمد علي وصادق آغا وخلافهما واخذوا في تشهيل انفسهم وبيع متاعهم ونزلوا الى بولاق عند عمر آغا ونزل محمد علي لوداعهم ببيت عمر أغا فاجتمع العسكر واحاطوا بهم ومنعوهم من السفر قائلين لهم اعطونا علوفاتنا المنكسرة والا عطلناكم ولا ندعكم تسافرن باموال مصر ومنهوباتها فأخذوا خواطرهم ووعدوهم على ايام وامتنعوا من السفر
وفي يوم الثلاثاء ثامنه تقلد شخص من العثمانيين الزعاعة عوضا عن علي أغا الذي تولى باشة السفر للينبع
وفي عاشره اجتمع العسكر وطلبوا علوفاتهم من الباشا فدفعوا للارنؤد جامكية شهر
وفي ليلة الجمعة حادي عشر جمادي الأولى الموافق لثاني عشر مسرى القبطي اوفى النيل المبارك سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج في صبح يوم السبت يحضر الباشا والقاضي ومحمد علي وباقي كبارالعسكر وجميع العسكر وكان جمعا مهولا وضرب الجميع بنادقهم وجرى الماء بالخليج وركبوا القوارب والمراكب ودخلوا فيه وهم يضربون بالبنادق وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت وكان الموسم خاصا بهم دون اولاد البلد وخلافهم وكذلك سكنوا بيوت الخليج مع قحابهم من النساء ومات في ذلك اليوم عدة اشخاص نساء ورجالا اصيبوا من بنادقهم ومما وقع انه اصيب شخص من اولاد البلد برصاصة منهم ومات وحضر اهله يصرخون وارادوا اخذه ليواروه فمنعهم الوالي وطلب منهم ثلاثة آلاف درهم فضة ولم يمكنهم من شيله حتى صالحوه على ألف وخمسمائة وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت واذن لهم في اخذه ومواراته ونظر بعضهم الى اعلى بيوت الخليج فرأى امرأة جالسة في الطاقة فضربها برصاصة فاصابتها في دماغها وماتت من ساعتها وغير ذلك مما لم تتحقق اخباره
وفي يوم الاحد ثالث عشرة خرج علي باشا الوالي المسافر الى الينبع خارج البلد واقام جهة العادلية وارتحل يوم السبت تاسع عشرة ومعه مائة عسكري لاغير وذهب الى جهة السويس
وفيه ارسل الباشا الى المشايخ والوجاقلية وتكلم معهم في توزيع فردة على اهل مصر لغلاق جامكية العسكر فدفعوا بما امكنهم من المدافعة فقال هذا الذي نطلبه انما نأخذه على سبيل القرض ثم نرده اليهم فقالوا
له لم يبق بايدي الناس ما يقرضونه ويكفي الناس ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وغير ذلك فالتفت الى الوجاقلية وقال كيف يكون العمل فقال ايوب كتخدا نعمل جمعية مع السيد احمد المحروقي ويحصل خير فركن الباشا على ذلك ثم اجتمعوا مع المذكور واتفقوا انهم يطلبونها بكيفية ليس فيها شناعة ولا بشاعة وهي انهم قرروا على الوجاقلية قدرا من الاكياس وكتبوا بها تنابية باسماء اشخاص منها ما جعلوا عليه عشرين كيسا وعشرة وخمسة واقل واكثر وكذلك وزعوا على اشخاص من تجار البن وخان الخليلي ومغاربة اغراب واهل الغورية وخلافهم من تراخي في الدفع قبضوا عليه واودعوه في اضيق الحبوس ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ومنهم من يوقفونه على قدميه والجنزير مربوط بالسقف وارسلوا العسكر الى بيوتهم فجلسوا بها يأكلون ويسكرون ويطلبون من النساء المصروف خلاف الاكل الذي يطلبونه ويشتهونه وهو ثمن الشراب والدخان والفاكهة بل ويأتون بالقحاب معهم ويضربون بالبندق والرصاص بطول الليل والنهار وامثال ذلك
وفي يوم الخميس رابع عشرينة ارسل الباشا عسكرا فقبض على الامير علي المدني صهر ابن الشيخ الجوهري وحبسه فركب اليه المشايخ وكلموه في شأنه وقالوا أنه رجل وجاقلي من خيار الناس وما السبب في القبض عليه وما ذنبه الموجب لذلك فقال انه رجل قبيح ولي عليه دعوة شرعية وإذا كان من خيار الناس وم الوجاقلية لأي شيء يعمل كتخدا عند صالح بك الألفي وانه عند هروب مخدومه من الشرقية اخذ ما كان معه من المال على اربعة جمال ودخل بها الى داره وعندي بينة تشهد عليه بذلك فأنا اطالبه بالمال الذي عنده وقاموا ونزلوا من غير طائل
وفي يوم السبت سادس عشرينه توفى الشيخ موسى الشرقاوي الشافعي وكان من اعيان العلماء الشافعية
وفي يوم الاثنين ثامن عشرينة احضروا المحمل من السويس فنزل
كتخدا الباشا والآغا والوالي واكابر العسكر وعدة كبيرة من العسكر وعملوا له الموكب وشقوا به البلد وخلفه الطبل والزمر
وفي اواخره وصلت قوافل البن من السويس فحجزها الباشا واخذها وأعطى اصحاب البن وثائق بثمن البن لاجل ووكل في بيعه وحول به العسكر يأخذونه من اصل علوفاتهم فبلغ ثمن المحجوز تسعمائة كيس وانهمك المشترون على الشراء ومنعوا القبانية من الوزن الا بحضور المقيدين بذلك وانقضى هذا الشهر وحوادثه وما وقع فيه من عكوسات العسكر من الخطف والقتل والدعاوي الكذب وشهاداتهم الزور لبعضهم فيما يدعونه وتواطئهم على ذلك فيكتب له عرضحال ويشكو انه عصبه في مدة سابقة قبل ذلك طلق منه زوجته قهرا بعد أن كان صرف عليها مبلغ دراهم كثيرة في المهر والنفقة والكسوة ويكتبون له عليه علامة الباشا ويأخذ صحبته اشخاصا معينين من اقرانه فيسحبون المدعي عليه الى المحكمة فلا يثبت عليه ذلك فيكتب له القاضي اعلاما بعدم صحة الدعوى بدراهم يدفعها على ذلك الاعلام فيذهبون الى ديوان الباشا ويخبرون الكتخدا ببطلان الدعوى ويطلعون على الاعلام بحضرة الخصم وهو يظن البراح والخلاص من تلك الدعوة الباطلة فيقول الكتخدا للخصم اعط المباشرين خدمتهم خمسة اكياس واذهب وامثال ذلك فان وحد شافعا او مغيثا توسط له او تشفع في تخفيف ذلك قليلا او ضمنه او دفع عنه وانقذه والا حبس كغيره وذاق في الحبس انواع العذاب حتى يدفع ما قرره عليه الكتخدا واتفق أن جماعة من سكان المحجر شكوا نظار جامع وسبيل ومدرسة متخربة من ايام الفرنسيس ومعطلة الشعائر والايراد فامر الكتخدا باحضار النظار وهم ناس فقراء وعواجز وسالهم فأخبروا بتعطيل الايراد فأحضروا مباشرين الاوقاف فحاسبوهم فلم يطلع عليهم شيء فقال الكتخدا اعطوا المباشرين خدمتهم فلما فرغوا من ذلك بعد مشقة عظيمة قالوا هاتوا محصول الخزينة فقالوا وما يكون محصول الخزينة قالوا
ثلاثون كيسا على كل ناظر عشرة اكياس فبهت الجماعة وتحيروا في امرهم ولم يعلموا ما يقولون وفي الحال جذبوهم الى الحبس وفيهم رجل من جماعة المشهدية عاجز لا يقدر على القيام فسعى عليه حريمة وخشداشينة وصالحوا عليه بكيسين وخلصوه واما الاثنان الاخران فاستمر في الحبس والحديد مدة طويلة وامثال ذلك
وفي او آخره افرجوا عن السيد علي المدني بعد ما قرروا عليه اربعة آلاف ريال خلاف البراني وامثال ذلك كثير
شهر جمادي الثانية سنة استهل بيوم الخميس في حضرة القاضي الجديد الى جهة بولاق وركب في يوم الجمعة فطلع الى القلعة وسلم على الباشا ورجع الى المحكمة وكان عندما وصل الى رشيد ارسل الى الباشا ليامر له بعمارة المحكمة فأمر الباشا اصحابها بالعمارة وامرهم بالاجتهاد في ذلك
وفيه فقد اللحم وشح وجوده وكذلك السكر والعسل واما العسل الابيض فبلغ الرطل خمسين نصفا إن وجد لعدم الوارد من ناحية قبلي وقلة المرعى بالجهة البحرية واستقر الألفي الكبير جهة اللاهون وبقية الجماعة جهة المنية واسيوط وعثمان بك حسن بجبل الطير بالبر الشرقي
وفي خمسه اشيع سفر محمد علي الى بلاده وكذلك احمد بك وغيرهم من اكابرهم وشرعوا في بيع جمالهم وبلادهم ومتاعهم وكثر لغط الناس بسبب ذلك وكثر افساد العساكر وخطفهم واغلق اهل الاسواق الدكاكين وخاف الناس المرور وتطيروا منهم وخصوصا الانكشارية
وفي يوم الثلاثاء سادسه مر محمد علي وخلفه عدة كبيرة من العسكر وهو ماش على اقدامه كذلك حسن بك اخو طاهر باشا وعابدي بك واغات الإنكشارية والوالي وجلس منهم جماعة جهة الغورية وخان الخليلي ساعة ثم ذهبوا وكأنهم يطمنون الناس وامام بعضهم المناداة بالتركي بالامن والامان وفتح الدكاكين وكل من تعرض لكم اقتلوه وفي اثر
مرورهم وقع الخطف والتعرية
وفي ذلك اليوم اواخر النهار مرت مركبان فيهما عسكر ارنؤد بالخليج المرخم ومعهم امراة وبتلك الجهة عسكر انكشارية ساكنون ببيت المجنون فضربوا عليهم رصاصا من الشبابيك فقتل منهم جماعة وهرب من نجا او عرف العوم فتحزب الارنؤد وجاء منهم طائفة لذلك البيت فلم يجدوا به احدا فارسل محمد علي الى حسن بك وتكلم معه في شأن ذلك
وفي صبحها يوم الاربعاء قتلوا ثلاثة وقيل خمسة ناحية الموسكي يقال انه بسبب تلك الحادثة وقيل بسبب اخر
وفيه سافر جماعة من العسكر واخذوا المراكب وارسلوا الى اسكندرية ودمياط ورشيد وغيرها بطلب المراكب فشحت المراكب ووقف حال المسافرين وتعطلوا عن الرواح والمجئ وغلا سعر القمح والسمن وعدم اللحم وكذلك باقي الاسباب والمأكولات زيادة عن الواقع واذا وصلت مراكب نزل في المراكب الكبيرة الخمسة انفار او العشرة والحال انها تسع المائة وساروا ينهبون في طريقهم ما يصادفونه من المسافرين ويقتلونهم ويطلبون من البلاد الكلف والمأكل وغير ذلك
وفي يوم السبت سابع عشرة سافر احمد بك وعلي بك اخو طاهر باشا
وفيه قلد الباشا سلحداره ولاية جرجا وبرز خيامه جهة دير العدوية
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصلت مراكب من الشلنبات الحربية فضربوا لها مدافع من القلعة
وفي يوم الاحد تعدى جماعة من العسكر وخطفوا عمائم الناس واتفق أن الشيخ ابراهيم السجيني مر من جهة الداودية وهو راكب بهيئته فأخذوا طيلسانة من على كتفه وعمامة تابعه وقتلوا من بعضهم انفارا
وفي يوم الاثنين نزل الآغا ونادى على العسكر بالخروج والسفر الى التجريدة وكل من كان مسافر الى بلاده فليسافر
وفيه هربت زوجة عثمان بك البرديسي مع العرب الى زوجها بقبلى فلما بلغ الخبر الباشا احضر اخاها والمحروقي وسألهما عنها فقالا لم نعلم بهروبها فعوق اخاها عنده ثم اطلقه بشفاعة المحروقي
شهر رجب الفرد سنة استهل بيوم السبت فيه انتقل العسكر المسافرون من دير العدوية الى ناحية طرا وسافر قبل ذلك بأيام كاشف بني سويف ويقال له محمد افندي
وفي يومي الاثنين والثلاثاء نادى الاغاوات التبديل بخروج العسكر المسافرين وكثر اذى العسكر للناس وخطفوا الحمير وتعطلت اشغال الناس في السعي الى مصالحهم ونقل بضائعهم
وفي يوم الاربعاء سافرت التجريدة برا وبحرا وتأخر محمد علي عن السفر الى بلاده كما كان اشيع ذلك واشتهر انه مسافر الى الجهة قبلى وورد الخبر باستقرار كاشف بني سويف بها ولم يكن بها احد من المصرلية
وفي يوم الاحد تاسعه نزل الباشا الى وليمة عرس مدعوا ببيت السيد محمد بن الدواخلي بحارة الجعيدية وكفر الطماعين ونزل في حال مروره ببيت السيد عمر افندي نقيب الاشراف فجلس عنده ساعة وقدم له حصانين
وفي حادي عشرة نزل الباشا في التبديل ومر من سوق السمكرية فرأى عسكريا يشترى كوز صفيح فاعطاه خمسة انصاف فابى السمكري الا بعشرة فأبى ولم يدفع له الا خمسة فرآه الباشا فقال له اعطة ثمنه فقال له وايش علاقتك وهو لم يعرفه فقال له اما تخاف من الباشا فقال الباشا على زبي فضربه الباشا وقتله ومضى
وفي يوم الاثنين سابع عشرة احضروا اربعة رؤس وضعوها تجاه باب زويلة واشاعوا انهم من مقتلة وقعت بينهم وبين القبالي واشاعوا انه بعد يومين تصل وردت رؤوس كثيرة ووصل أيضا جملة اسرى طلعوا بهم الى القلعة
وفي يوم الاربعاء طلع محمد علي الى القلعة فخلع عليه الباشا فروة سمور على سفره الى قبلي وبرز بوطاقه الى خارج
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه اتهموا قادري أغا بانه يكاتب الامراء المصرية القبالى ومنعوه من السفر الى قبلى وامروه بأن يسافر الى بلاده فركب في عسكره وذهب الى بولاق وفتح وكالة علي بك الجديدة ودخل فيها بعسكره وامتنع بها وانضم اليه كثير من العسكر فحضر اليه محمد علي وكلمهم وكذلك حضر اليهم الباشا ببولاق فلم يمتثلوا وقالوا لا نسافر ولا نذهب الا بمرادنا واعطونا المنكسر من علوفاتنا فتركوهم ونادوا على خبازين بولاق لا يبيعون عليهم الخبز ولا المأكولات فأرسل قادري أغا الى المحتسب وقال له نحن نأخذ العيش بثمنه فان منعتموه من الاسواق طلعنا الى البيوت واخذنا ما فيها من الخبز ويترتب على ذلك ما يترتب من الافساد فاخبروا الباشا بذلك فأطلقوا لهم بيع الخبز وغيره واستمر على ذلك اياما
وفيه شرعوا في تحرير فردة على البلاد وكتبوا دفاترها الاعلي ثمانون ألف فضة ودون ذلك ويتبعها على كل بلد جملان وسمن واغنام وقمح وتبن وشعير
وفي اواخره حصلت نوة وتتابع مرور الغيوم وحصل رعد هائل ودخل الليل فكثر الرعد والبرق وتبعه المطر ثم حضر اناس بعد ايام من جهة شرقية بلبيس واخبروا انه نزل بناحية مشتول صواعق اهلكت نحو العشرين من بني ادم وابقارا واغناما وعميت اعين اشخاص من الناس
وفي هذا الشهر شرعوا في عمل كسوة الكعبة بيد السيد احمد المحروقي فقيد بها وكيله بذلك وشرعوا في عملها في بيت الملا بحارة المقاصيص
شهر شعبان سنة استهل بيوم الاحد في رابعة حضر لحسن بك طوخان وطلع الى القلعة
ونزل الى الباشا ولبس خلعة من خلع الباشا قاووقا وركب ونزل من القلعة وامامه الجاويشية والسعادة والملازمون وضربت له النوبة بمعنى انه صار عوضا عن اخيه
وفي يوم الخميس نزل قادري أغا ومن معه من العسكر في المراكب وسافر جهة بحري وسافر خلفهم عدة من الدلاة
وفيه اشيع ابطال الفردة في هذا الوقت ثم قرروا مطلوبات دون ذلك وفي يوم الخميس ثاني عشرة نودي بخروج العسكر الى السفر لجهة قبلي ولا يتأخر منهم من كان مسافرا فشرعوا في الخروج وقضاء حوائجهم وصاروا يخطفون حمير الناس والجمال
وفي يوم الجمعة وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده فرمان جواب من مراسلة للباشا بارسال باشة الينبع لمحافظتها من الوهابيين وانه اعطاه ذخيرة شهرين وبان يرسل اليه ما يحتاجه من الذخيرة وكذلك محمد باشا والي جدة يعطي له ما يحتاجه من الذخيرة لاجل حفظ الحرمين والوصية برعية مصر ودفع الخالفين وامثال ذلك فعمل الباشا الديوان في ذلك اليوم وقرأوا الفرمان وضربوا عدة مدافع
وفيه مات الشيخ حجاب
وفي يوم السبت رابع عشرة سافر محمد علي
وفيه هرب علي كاشف السلحدار الألفي ومن بمصر من جماعته فلما وصل الخبر الى الباشا ارسل الى بيوتهم فلم يجد فيها احدا فسمروها وقبضوا على الجيران ونهبوا بعض البيوت
وفي سابع عشره سافر حسن باشا أيضا ونادوا على العسكر بالخروج
وفي تاسع عشره حضر طائفة من الدلاة نحو المائتين وخمسين نفرا فانزلهم الباشا بقصر العيني
وفي يوم الثلاثاء المذكور سابع عشرة عمل السيد احمد المحروقي وليمة ودعا الباشا الى داره فنزل اليه تغدى عنده وجلس نحو ساعتين ثم
ركب وطلع الى القلعة فأرسل المحروقي خلفه هدية عظيمة وهي بقج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وذهب وتحائف وخيول له ولكبار اتباعه صحبة ولده وترجمانه وكتخداه وخلع عليهم الباشا فراوى سمور
وفي يوم الاحد ثاني عشرينة توفي السيد احمد المحروقي فجأة وكان جالسا مع اصحابه حصة من الليل فأخذته رعدة فدثروه ومات في الحال في سادس ساعة من الليل فسبحان الحي الذي لايموت وركب ابنه وطلع الى الباشا فوعده الباشا بخير وارسل القاضي وديوان افندي وختم على بيته وحواصله ثم حضروا في ثاني يوم فضبطوا موجوداته وكتبوها في دفاتر واودعوها في مكان وختموا عليها وارسلوا علم ذلك الى الدولة صحبة صالحة افندي وكان على اهبة السفر فعوقوه حتى حرروا ذلك وسافر في يوم الجمعة سابع عشرينة
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه احضروا احدى وعشرين راسا لايعلم ماهي وهي متغيرة محشوة بالتبن وشاعوا انها من ناحية المنية وانهم حاربوا عليها وملكوها ولم يظهرلذلك اثر بين
وفي يوم السبت ثامن عشرينه البس الباشا ابن السيد المحروقي فروة سمور وقفطانا على دار الضرب وعلى ما كان ابوه عليه من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي الى المحكمة ثم رجع الى بيته
وفي ذلك اليوم بعد العصر وقع ربع بجوار حمام المصبغة جهة الكعكبيين على الحمام فهدم ليوان المسلخ فمات من به من النساء والاطفال والبنات ثلاثة عشر وخرج الاحياء من داخله وهن عرايا ينفضن غبرات الاتربة والموت وحضر الاغا والوالي ومنعوا من رفع القتلى الا بدراهم ونهبوا متاع النساء وقبضوا على الشيخ محمد العجمي مباشر وقف الغوري ليلا وازعجوه لان ثلث الحمام جار في الوقف والحال أن الحمام لم يسقط وانما هدمه ما سقط عليه وكذلك طلبوا ملاك
الربع وهم الشيخ عمر الغرياني وشركاؤه فذهبوا الى بيت الشيخ الشرقاوي والتجؤا اليه ثم أن القاضي كلم الباشا في امر المردومين وذكر له طلب الحاكم دراهم على رفعهم واجتماع مصيبتين على اهليهم والتمس منه ابطال ذلك الامر فكتب فرمانا بمنع ذلك ونودي به في البلدة وسجل
وفي ليلة الاثنين عمل موسم الرؤية لثبوت هلال رمضان وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة من بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة و نودي انه من شعبان وانقضى شهر شعبان وقادري أغا عاص جهة شابور في قرية وصالح أغا ومن معه من العساكر مستمرون على حصاره وصحبتهم اخلاط من العربان وجلا اهل شابور عنها وخرجوا على وجوههم مما نزل بهم من النهب وطلب الكلف وغير ذلك من العاصي منهم والطائع فإن كلا من الفريقين تسلطوا على نهب البلاد وطلب الكلف وغيرها واذا مرت بهم مركب نهبوها واخذوا ما فيها فامتنع ورود المراكب وزاد الغلاء وامتنع وجود السمن واذا وجد بيع العشرة ارطال بخمسائة نصف فضة وستمائة ولا يوجد وبيع الرطل من البصل في بعض الايام بثمانية انصاف والاردب الفول بثمانية عشر ريالا والقمح بستة عشر ريالا والرطل الشمع الدهن بأربعين نصفا والشيرج بخمسة وثلاثين نصفا واما زيت الزيتون فنادر الوجود وقس على ذلك
شهر رمضان سنة استهل بيوم الثلاثاء في ثانية حضر صالح أغا الذي كان يحاصر قادري أغا وضربوا له مدافع وتحقق أن قادري طلب امانا فارسلوا مع من معه الى دمياط وذلك بعد أن ضيقوا عليه وحضر اليه كاشف البحيرة وضايقه من الجهة الاخرى وفرغت ذخيرته فعند ذلك ارسل الى كاشف البحيرة فامنه
وفي سابعة وصل جماعة من الانكليز الى مصر وهم نحو سبعة عشر
شخصا وفيهم فسيال كبير وآخر كان بصحبة علي باشا الطرابلسي
وفي عاشره سافر صالح أغا الى جهة بحرى قيل ليأتي بجانم افندي الدفتر دار فإنه لم يزل عاصيا عن الحضور الى مصر
وفيه ركب الباشا في التبديل ونزل من جهة التبانة فوجد في طريقة عسكريا ياخذ حمل تبن من صاحبه قهرا فكلمه وهو لم يعرفه فاغلظ في الجواب فقتله ثم نزل الى جهة باب الشعرية وخرج على ناحية قناطر الاوز فوجد جماعة من العسكر غاصبين قصعة زبدة من رجل فلاح وهو يصيح فادركهم وهم سبعة وفيهم شخص ابن بلد امرد لابس ملابس العسكر فأمر بقتلهم فقبضوا على ثلاثة منهم وفيهم ابن البلد وقتلوهم وهرب الباقون ثم نزل الى ناحية قنطرة الدكة وقتل شخصين أيضا وبناحية بولاق كذلك وبالجملة فقتل في ذلك اليوم نيفا وعشرين شخصا واراد بذلك الاخافة فانكف العسكر عن الايذاء قليلا وتواجد السمن وبعض الاشياء مع غلو الثمن
وفيه تواترت الاخبار بوقوع حرب بين العسكر والامراء المصريين في المنية وقتل من الامراء صالح بك الألفي ومراد بك من الصناجق الجدد المقلدين الامارة خارج مصر وهو زوج امرأة قاسم بك وخزندار البرديسي سابقا موسقو ولم تزل الحرب قائمة بين الفريقين وارسلوا بطلب ذخيرة علوفة فارسلوا لهم بقسما طا وغيره
وفي عشرينه حضر الى الباشا بعض الرواد واخبره أن طائفة من عرب اولاد علي نزلوا ناحية الاهرام بالجيزة وهم مارون يريدون الذهاب الى ناحية قبلي فركب في عسكره اليهم فوجدهم قد ارتحلوا ووجد هناك قبيلة يقال لهم الجوابيص نازلين بنجعهم هناك وهم جماعة مرابطون من خيار العرب لم يعهد منهم ضرر ولا اذية لاحد فقتل منهم جماعة ونهب نجعهم وجمالهم واغنامهم واحضر صحبته عدة اشخاص منهم وعدى الى مصر بمنهو باتهم وقد باع الاغنام والمعز للجزارين قهرا وكذلك الجمال
باعوا منها جملة بالرميلة
وفي سادس عشرينه نهب العربان قافلة التجار الواصلة من السويس وهي نيف واربعة ألاف جمل من البن والبهار والقماش واصيب فيها كثير من فقراء التجار وسلبت اموالهم واصبحو لا ايملكون شيئا
وفيه حضر صالح أغا وصحبته جانم افندي الدفتردار فأسكنه الباشا بالقلعة وذكر جانم افندي المذكور ومن معه للباشا انهم رأوا هلال رمضان ليلة الاثنين صاموه بالاسكندرية ذلك اليوم وكذلك صاموه في رشيد وقوة وغالب بلاد بحرى وحضر أيضا الشيخ سليمان الفيومي قبل ذلك بأيام وحكى ذلك فلم يعمل به القاضي وقال أن رؤى الهلال ليلة الاربعاء افطرنا وان لم يرفهو من رمضان فلما كان بعد عصر ذلك اليوم ضربت مدافع من القلعة فاشتبه على الناس الامر وذهب جماعة الى القاضي وساله وسألوه فقال لا علم لي بذلك وارسل في المساء جماعة من اتباعه وباش كاتب الي منارة المارستان فصعدوا اليها وطلع معهم اخرون وترقبوا رؤية الهلال فلم يروه واخبروا القاضي بذلك فأمر بالصوم ونادوا به واوقدوا المنارات والقناديل وصلوا التراويح بالمساجد وتحقق الناس الصيام من الغد فلما كان بعد العشاءالأخيرة ضربت مدافع كثيرة من القلعة وسواريخ وشنك فوقع الارتباك فأرسل القاضي ينادي بالصوم وذكروا أن هذا المسموع شنك لأخبار وردت بملك المنية وحضر المبشر بذلك لابن السيد احمد المحروقي وخلع عليه خلعة وكذلك بقية الاعيان وبعد حصة مر الوالي ينادي بالفطر والعيد فزاد الارتباك وركب بعض المشايخ الى القاضي وساله فاخبر انه لم يامر بذلك ولم يثبت لديه رؤية الهلال وان غدا من رمضان فخرجوا من عنده يقولون ذلك للناس ويامرونهم بالصوم وانحط الامر على ذلك وطافت المسحرون على العادة فلما كان في سادس ساعة من الليل ارسل الباشا الى القاضي وطلبه فطلع اليه فعرفه بشهادة الجماعة الواصلين من بحري واحضرهم بين يديه فشهدوا برؤية هلال اول الشهر
ليلة الاثنين وهم نحو العشرين شخصا فما وسع القاضي الا قبول شهادتهم وخصوصا لكونهم اتراكا ونزل القاضي ينادي بالفطر ويأمر بطفي القناديل من المنارات واصبح كثير من الناس لاعلم له بما حصل اخرا في جوف الليل وبالجملة فكانت هذه الحادثة من النوادر وتبين أن خبر المنية لا اصل له بل هو من جملة اختلاقاتهم وانقضى شهر رمضان وكان لا بأس به في قصر النهار لانه كان في غاية الانقلاب الشتوي والراحة بسبب غياب العسكر وقلتهم بالبلدة وبعدهم ولم يحصل فيه من الكدورات العامة خصوصا على الفقراء سوى غلاء الاسعار في كل شئ كما تقدم ذكر ذلك في شعبان
شهر شوال استهل بيوم الابعاء في ثالثه سافر السيد محمد بن المحروقي وجرجس الجوهري ومعهما جملة من العسكر الى جهة القليوبية بسبب القافلة المنهوبة
وفي سادسه طلبوا مال الميري عن سنة عشرين معجلة بسبب تشهيل الحج وكتبوا التنابية بطلب النصف حالا وعينوا بها عساكر عثمانية وجاويشية وشفاسية فدهى الملتزمون بذلك مع أن اكثرهم افلس وباق عليهم بواق من سنة تاريخه وما قبلها لخراب البلاد وتتابع الطلب والفرد والتعايين والشكاوي والتساويف ووقوف العربان بسائر النواحي وتعطيل المراكب عن السفر لعدم الامن وغصبهم ما يرد من السفائن والمعاشات ليرسلوا فيها الذخيرة والعسكر والجبخانة معونة للمحاربين على المنية
وفي عاشرة طلبوا طائفة من المزينين وارسلوهم الى قبلي لمداواة الجرحى
وفيه تواترت الاخبار بحصول مقتلة عظيمة بين المتحاربين وان العسكر حملوا على المنية حملة قوية من البر والبحر وملكوا جهة منها وحضر المبشرون بذلك ليلة الاربعاء اواخر رمضان كما تقدم وعملوا الشنك لذلك الخبر فورد بعد ذلك بنحو ساعتين برجوع الاخصام ثانيا ومقاتلتهم
حتى هزموهم واجلوهم عن ذلك وذلك هو الحامل على المغالطة والمناداة في سابع ساعة بثبوت العيد وافطار الناس ذلك اليوم
وفي يوم السبت ثامن عشرة نزل الباشا الى قراميدان وحضر القاضي والدفترادار وامير الحاج فسلمه الباشا المحمل ونزلوا بقطع الكسوة امام امير الحاج وركب امامه الاغا والوالي والمحتسب وناظر الكسوة بهيئة محتقرة من غير نظام ولا ترتيب ومن خلفهم المحمل على جمل صغير اعرج
وفيه ارسل العسكر يطلبون العلوفة والمعونة فعمل الباشا فردة على الاعيان وعلى اتباعه وجمع لهم خمسمائة كيس وعين للسفر بذلك صالح أغا وعدة عساكر وجبخانة وذخيرة
وفي عشرينة رجع ابن المحروقي وجرجس الجوهري واحضرا معهما بعض احمال قليلة بعد ما صرفا اضعافها في مصالح وكساوي للعرب وغير ذلك
وفيه ورد الخبر بوصول دفتردار جديد الى ثغر سكندرية وهو احمد افندي الذي كان بمصر سابقا وعمل قبطانا بالسويس في ايام محمد باشا وشريف افندي فكتب الباشا عوضا للدولة بانهم راضون على جانم افندي الدفتردار وان اهل البلد ارتاحوا عليه وطلبوا ابقاءه دون غيره وختم عليه القاضي والمشايخ والاختيارية وبعثوه الى الدولة وارسلوا الى الدفتردار الواصل بعدم المجئ ويذهب الى قبرص حتى يرجع الجواب فاستمر بإسكندرية
وفي اواخره تواترت الاخبار بان جماعة من الامراء القبالى ومن معهم من العربان حضروا الى ناحية الفشن وحضر أيضا كاشف الفيوم مجروحا ومعه بعض عسكر ودلاة في هيئة وتتابع ورود كثير من افراد العسكر الى مصر واشيع انتقالهم من امام المنية الى البر الشرقي بعد وقائع كثيرة ومحاربات
وفي يوم الخميس غايته برز امير الحاج المسافر بالمحمل وخرج الى خارج ومعه الصرة او ماتيسر منها وعين للسفر معه عثمان أغا الذي كان كتخدا محمد باشا بجماعة من العسكر لاجل المحافظة ليوصلوه الى السويس ويسافر من القلزم مثل عام اول
وفيه ورد الخبر بضياع ثلاث داوات بالقلزم وانها تلفت بالقرب من الحساني وتلف بها كثيرا من اموال التجار وصرر النقود وكان بها قاضي المدينة احمد افندي المنفصل عن قضاء مصر فغرق وطلعت اولاده ورجعوا الى مصر بعد ايام وسافروا الى بلادهم
وورد الخبر بان القبليين قتلوا حسين بك المعروف باليهودي بعد أن تحققوا خيانته ومخامرته وانقضى هذا الشهر
شهر القعدة الحرام سنة استهل بيوم الجمعة فيه قرر الباشا فردة على البلاد فجعل على كل بلد من البلاد العال مائة ألف فضة والدون ستين الفا وعين لذلك ذا الفقار كتخدا الألفي على الغربية وعلي كاشف الصابونجي علىالمنوفية وحسن أغا نجاتي المحتسب على الدقهلية وذلك خلاف ما تقرر على البنادر من عشرين كيسا وثلاثين وخمسين ومائة واقل واكثر
وفي ليلة الجمعة ثامنة حضروا بعلي أغا يحيى المعروف بالسبع قاعات ميتا من سملوط وقد كانوا ارسلوه ليكون كتخدا لحسن بك اخي طاهر باشا وكان المحروقي ارسله الى بشبيش فتوعك هناك فطلب الباشا رجلا من الرؤساء يجعله كتخدا لحسن بك فأشاروا عليه بعلي أغا هذا فطلبه من المحروقي فارسل بإحضاره فحضر في اليوم الذي مات فيه المحروقي وسافر بعد ايام الى قبلي فزاد به المرض هناك ومات بسملوط فاحضروه الى مصر بعد موته بخمسة ايام وخرجوا بجنازته في يوم الجمعة من بيته المجاور لبيت المحروقي وصلوا عليه بالأزهر ودفن الى رحمة الله تعالى
وفي ثاني عشرة علقوا ثلاثة رؤوس بباب زويلة لايدري احد من هم
وفي خامس عشرة تواترت الاخبار بوقوع حرب بين العسكر والأمراء القبالي وملك العسكر جهة من المنية بعدما اصطدموا عليها من البر والبحر فوصل الاخصام وحالوا بينهم وبين عسكرهم والمتاريس واجلوهم وقتل من قتل بين الفريقين واحترق عدة مراكب من مراكب العسكر وما فيها من المتاع والجبخانة وارسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة وثياب وغير ذلك وانتشر عسكر القبليين الى جهة بحري حتى وصلوا الى زاوية المصلوب و حاصروا من في بوش والفشن وبني سويف وكذلك من بالفيوم وشرع الباشا واجتهد في تجهيز المطلوبات وتسهيل الاحتياجات وفيه حضرت سعاة من ثغر سكندرية واخبروا بورود عدة مراكب انكلزيه الى المينا وسألوا اهل الثغر عن مراكب فرنسيس وردت المينا ام لا ثم قضوا بعض اشغالهم وذهبوا
وفي ليلة الاربعاء رابع عشرة وقعت حادثة وهو أن كاشفا من اكابر الارنؤد سكن ببيت ابن السكري الذي بالقرب من الحلوجي ويتردد عليه رجل من المنتسبين الى الفقهاء يسمى الشيخ احمد البراني خبيث الافعال يصلي اماما بالمذكور فرأى ما رابه منه مع فراشة فضربه بالخنجر والنبا بيت حتى ظن هلاكه واخرجه اتباعه وحملوه الى منزله في خامس ساعة من الليل وبه بعض رمق ومات بعد ذلك واخبر المشايخ بذلك ورفع القتيل الى المحكمة وتغيب القاتل وامتنع المشايخ من حضور الجامع والتدريس بسبب ذلك وبسبب اولاد سعد الخادم سدنة ضريح سيدي احمد البدوي وقد كانوا شكوا بعضهم وتعين بسبب ذلك كاشف علي احمد بن الخادم وهجم داره وقبض على بناته ونسائه ونبشوا داره وفحروا ارضها للتفتيش على المال وطالت قصتهم من اواخر الشهر الماضي لوقت تاريخه وتكلم المشايخ مرارا مع الباشا في امرهم وهو يغالط طمعا في المال وقد كان سمع تهمتهم بكثرة المال وان محمد باشا خسر واخذ منهم سابقا في ايام ولايته مائة وخمسة وثمانين ألف ريال خلاف حق الطريق وذلك من
مصطفى الخادم وهو الذي يكشو الان قسمه ويقول انه هو الذي شكاني وتسبب في مصادرتي وهو مثلي في الايراد وعنده مثل ما عندي فلما حضروا الدار وفتشوا وقرروا نساءه واتباعه فلم يظهر له شئ قادرجوا هذه القضية في دعوة المقتول وامتنعوا من حضورهم الازهر واشيع امتناعهم من التدريس والافتاء فحضر اليهم سعيد أغا الوكيل وتلطف بهم وطلب منهم تسكين هذه الفتنة وانه يتكفل بتمام المطلوب واستمر الحال على ذلك الى يوم الثلاثاء تاسع عشرة فحضر كتخدا الباشا وسعيد أغا وصالح أغا الى بيت الشيخ الشرقاوي واجتمع هناك الكثير من المتعممين وتكلموا كثيرا ورمحوا المراتب وقالوا لابد من حضور الخصم القاتل والمرافعة معه الى الشرع ورفع الظلم عن اولاد الخادم وعن الفلاحين وامثال ذلك وهم يقولون في الجواب سمعا وطاعة في كل ما تأمرون به وانقضى المجلس على ذلك وذهبوا حيث اتوا فلما كان العصر من ذلك اليوم حضر سعيد أغا وصحبته القاتل الى المحكمة وارسلوا الى المشايخ فحضروا بالمجلس واقيمت الدعوى وحضر ابن المقتول وادعى بقتل ابيه وذكر انه اخبر قبل خروج روحه أن القاتل له الكاشف صاحب المنزل فسئل فانكر ذلك وقال انه كان اماما عنده يصلي به الاوقات وانه لم يات الينا تلك الليلة التي حصل له فيها هذه الحادث فطلب القاضي من ابن المقتول بينة تشهد بقول ابيه فلم يجدوا الا شخصا سمع من المقتول ذلك القول وافتى المالكي انه يعتبر قول المقتول في مثل ذلك لانه في حالة يستحيل عليه فيها الكذب وذلك نص مذهبهم ولا بد من بينة تشهد على قوله فطلب القاضي الشطر الثاني فلم يوجد على أن هناك من كان حاضرا بالمجلس وقت الضرب ومشاهدا للحادثة وكتم الشهادة خوفا على نفسه وانفض المجلس واهمل الامر حتى يأتوا بالبينة
وفي يوم الاحد عزم على السفر محمد افندي حاكم اسنا سابقا بمراكب الذخيرة والجبخانة واللوازم وصحبته عدة من العساكر لخفارتها
شهر الحجة الحارم اختتام سنة استهل بيوم الاحد في سابعه وردت اخبار بوقوع حرب بين العسكر والمصريين القبليين وهو أن العسكر حملوا على المنية حملة عظيمة في غفلة وملكوها فاجتمعت عليهم الغز والعربان وكبسوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة واخرجوهم منها واجلوهم عنها ثانيا وذلك في سابع عشرين القعدة
وفي يوم الاحد ثامنه طلع يوسف افندي الذي كان تولى نقابة الاشراف في ايام محمد باشا ثم عزل عنها الى القلعة فقبض عليه صالح أغا قوش وضربه ضربا مبرحا واهانه اهانة زائدة وانزلوه اواخر النهار وحبسوه ببيت عمر افندي النقيب ثم تشفع فيه الشيخ السادات فافرجوا عنه تلك الليلة وذهب الى داره ليلا وذلك بسبب دعوى تصدر فيها المذكور وتكلم كلاما في حق الباشا فحقدوا عليه ذلك وفعلوا معه ما فعلوا ولم ينتطح فيها عنزان
وفي ثالث عشرة طلع المشايخ الى الباشا يهنئونه بالعيد فأخرج لهم ورقة حضرت اليه من محمد افندي حاكم اسنا سابقا الذي سافر بالذخيرة انفا واستمر ببني سويف ولم يقدر على الذهاب الى قبلي ومضمون تلك الورقة أن البرديسي قتل الالفي غيلة ولم يكن لهذا الكلام صحة
وفيه وردت اخبار بقدوم طائفة من الدلاة على طر يق الشام وبالغوافي عددهم فيقولون اثنا عشر ألف واكثر وانهم وصلوا على الصالحية وانهم طالبون علوفة وذخيرة فشرعوا في تشهيل ملاقاة للمذكورين وطلبوا من تجار البهار خمسمائة كيس وزعوها وشرعوا في جمعها
وفيه وصلت طائفة من القبالي والعرب الى بلاد الجيزة وطلبوا من البلاد دراهم وكلفا ومن عصى عليهم من البلاد ضربوه وعدى كتخدا الباشا وجملة من العساكر الى بر الجيزة وشرعوا في تحصينها وعملوا بها متاريس وتردد الكتخدا في النزول والتعدية الى هناك والرجوع ثم
انه عدى في رابع عشرة واقام هناك واحضروا ثلاثة رؤوس من العرب في ذلك اليوم وفي يوم الجمعة رجح الكتخدا واشيع رجوع المذكورين
وفيه قرروا فردة اخرى على البلاد لاجل عسكر الدلاة القادمين وجعلوا على كل بلد عشرين اردب فول و عشرين خروفا وعشرين رطل سمن وعشرين رطل بن وعشرة قناطير عيش وربع اردب وسدس ارز ابيض ومثله برغل وكلفة المطبخ ألف فضة وذلك خلاف حق الطريق والاستعجالات المتتابعة وكلها بمقررات وحق الطرقات
وفي يوم الاربعاء ثامن عشرة حضر ططرى من ناحية قبلي واخبر أن العسكر دخلوا الى المنية وملكوها فضربوا مدافع كثيرة من القلعة وعملوا شنكا واظهر العثمانية واغراضهم الفرح والسرور وكأنهم ملكوا مالطة وبالغوا في الاخبار والروايات الكذب في القتلى وغير ذلك والحال أن الاخصام خرجوا منها وزحموها ولم يبقوا بها ما ينقره الطير ولم يقع بينهم كبير قتال بل أن العسكر لما دهموها من الناحية القبلية ولم يكن بها الا القليل من المصريين وباقيهم خارجها من الناحية الاخرى فتحاربوا مع من بها وهزموهم فولى اصحابهم وتركوهم بالبلدة فدخلوها فلم يجدوا بها شيئا
وفي يوم الخميس وصل اغات المقرر وهو عبد اسود وطلع الى القلعة بموكب وعملوا له شنكا ومدافع وقرأوا المقرر في ذلك اليوم بحضرة الجمع
وفي يوم الاحد ثاني عشرينه وصلت طائفة من العرب بناحية الجيزة فوصل الخبر الى الكاشف الذي بها وهو دملي عثمان كاشف الذي قتل الشيخ احمد البراني المتقدم ذكره فانه بعد تلك الحادثة قلدوه كشوفية الجيزة وذهب اليها واقام بها فلما بلغه ذلك ركب على الفور في نحو خمسة وعشرين خيالا ورمحوا عليهم فانهزموا امامهم فطمع فيهم وذهب خلفهم الى ناحية برنشت فخرج عليه كمين آخر واحتاطوا به وقتلوه
وقطعوا رأسه وستة انفار معه وذهبوا برؤوسهم على مزاريق واقتص الله منه فكان بينه وبين قتله للمذكور دون الشهر وكان مشهورا فيهم بالشجاعة والاقدام
وفيه اجتهدوا في تشهيل علوفة وذخيرة وجبخانة وسفروها مع جملة من العسكر نحو الخمسمائة في يوم الاثنين ثالث عشرينه
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه وصل الدلاة الى الخانكة فحضر منهم طائفة ودخلوا الى مصر فردوهم الى اصحابهم حتى يكونوا بصحبتهم في الدخول
وفي يوم الخميس نزل كتخدا الباشا وصالح اغاقوش وخرجوا الى جهة العادلية لملاقاة الدلاة المذكورين وكبيرهم يقال له ابن كور عبدالله
وفي يوم الجمعة دخل الدلاة المذكورين وصحبتهم الكتخدا وصالح اغاقوش وكاشف الشرقية وكاشف القليوبية وطوائف العسكر ومعهم نقاقير وطبول وهم نحو الالفين وخمسمائة اجناس مختلفة واشكال مجتمعة فذهبوا الى ناحية مصر القديمة ونواحي الاثار وانقضت السنة وما حصل بها من الغلاء وتتابع المظالم والفرد على البلاد واحداث الباشا له مرتبات وشهريات على جميع البلاد والقبض على افراد الناس بادنى شبهة وطلب الاموال منهم وحبسهم واشتد الضنك في آخر السنة وعدم القمح والفول والشعير وغلا ثمن كل شىء ولولا اللطف على الخلائق بوجود الذرة حتى لم يبق بالرقع والعرصات سواه واستمرت سواحل الغلال خالية من الغلة هذا العام من العام الماضي وبطول هذه السنة امتنع الوارد من الجهة القبلية ومع ذلك اللطف حاصل من المولى جل شأنه ولم يقع قحط ولا موت من الجوع كما رأينا في الغلوات السابقة من عدم الخبز في الاسواق وخطف اطباق العيش والعكعك واكل القشور وما يتساقط في الطرقات من قشور الخضروات وغير ذلك
واما من مات في هذه السنة من الاعيان فقد مات العمدة العلامة والنحرير الفهامة الفقيه النبيه الاصولي النحوي
المنطقي الشيخ موسى السرسي الشافعي اصله من سرس الليانة بالمنوفية وحضر الى الازهر ولازم الاستفادة وحضور الاشياخ من الطبقة الثانية كالشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الفرموي وغيرهم وتمهروا نجب في المعقولات والمنقولات واقراء الدروس وافاد الطلبة وانطوى الشيخ حسن الكفراوي مدة ورافقه في الافتاء والقضايا ثم الى شيخنا الشيخ احمد العروسي وصار من خاصة ملازميه وتخلق باخلاقه وألزم أولاده بحضور دروسه المعقولية وغيرها دون غيره لحسن القائه وجودة تفهيمه وتقريره واشتهر ذكره وراش جناحه وراج امره بانتسابه للشيخ المذكور واشترى املاكا واقتنى عقارا بمصر وببلده سرس ومنوف ومزارع وطواحين ومعاصر واشترى دار نفيسة بدرب عبد الحق بالازبكية وعدد الأزواج واشترى الجواري والعبيد والحبشيات الحسان وكان حلو المفاكهة حسن المعاشرة عذب الكلام مهذب النفس جميل الاخلاق ودودا قليل الادعاء محبا لاخوانه مستحضرا للفروع الفقهية وكان يكتب على غالب الفتاوى عن لسان الشيخ العروسي ويعتمده في النقول والاجوبة عن المسائل الغامضة والفروع المشكلة وله كتابات وتحقيقات ولم يزل مشتغلا بشأنه حتى تعلل اياما بدار بميدان القطن مطلة على الخليج وتوفي يوم السبت سادس عشرين جمادى الاولى من السنة
ومات الجناب المكرم والمشير المفخم الوزير الكبير والدستور الشهير احمد باشا الشهير بالجزار واصله من بلاد البشناق وخدم عند المرحوم علي باشا حكيم اوغلي وعمل عنده شفاسيا وحضر صحبته الى مصر في ولايته الثانية سنة احدى وسبعين ومائة والف فتشوقت نفسه الى الحج واستأذن مخدومه فأذن له في ذلك واوصى عليه امير الحاج اذ ذاك صالح بك القاسمي فأخذه صحبته واكرمه وواساه رعاية لخاطر علي باشا ورجع معه الى مصر فوجد مخدومه قد انفصل من ولاية مصر وسافر
الى الديار الرومية ووصل نعيه بعد اربعة اشهر من ذهابه فاستمر المترجم بمصر وتزيا بزي المصريين وخدم عند عبدالله بك تابع علي بك بلوط قبان وتعلم الفروسية على طريق الاجناد المصرية فارسل علي بك عبدالله بك بتجريدة الى عرب البحيرة فقتلوه فرجع المترجم مع باقي اصحابه الى مصر فقلده علي بك كشوفية البحيرة وقال له ارجع الى الذين قتلوا استاذك وخلص ثأره فذهب اليهم وخادعهم واحتال عليهم وجمعهم في مكان وقتلهم وهم نيف وسبعون كبيرا وبذلك سمي الجزار ورجع منصورا واحبه علي بك لنجابته وشجاعته وتنقل عنده في الخدم والمناصب والامريات ثم قلده الصنجقية وصار من جملة امرائه ولما خرج علي بك منفيا خرج صحبته ورافقه في الغربة والتنقلات والوقائع ولم يزل حتى رجع علي بك وصحبته صالح بك من الجهة القبلية وقتل خشداشينه وغيرهم ثم عزم على غدر صالح بك واسر بذلك الى خاصته ومنهم المترجم فلم يسهل به ذلك وتذكر ما بينه وبين صالح بك من المعروف السابق فأسر به اليه وحذره فلما اختلى صالح بك بعلي بك عرض له بذلك فحلف له علي بك انه باق على مصافاته وكذب المخبر الى أن كان ما كان من قتلهم وغدرهم لصالح بك كما تقدم واحجام المكترجم وتاخره عن مشاركته لهم في دمه ومناقشتهم له بعد الانفصال فتجسم له الامر فتنكر وخرج هاربا من مصر في صورة شخص جزائرلي وتفقده علي بك واحاط بداره وكان يسكن ببيت شكر فره بالقرب من جامع ازبك اليوسفي فلم يجدوه وسار المذكور الى الاسكندرية وسافر الى الروم ثم رجع الى البحيرة واقام بعرب الهنادي وتزوج هناك ولما ارسل علي بك التجاريد الى ابن حبيب والهنادي حارب المترجم معهم ثم سار الى بلاد الشام فاستمر هناك في هجاج وتنقلات ومحاربات واشترى مماليك واجتمع لديه عصبة واشتهر امره في تلك النواحي ولم يزل على ذلك الى أن مات الظاهر عمر في سنة تسع وثمانين ومائة والف ووصل حسن باشا الجزائرلي الى عكا فطلب من
يكون كفؤا للاقامة بحصتها فذكروا له المترجم فاستدعاه وقلده الوزارة واعطاه الاطواخ والبيرق واقام بحصن عكا وعمر اسوارها وقلاعها وانشا بها البستان والمسجد واتخذ له جندا كثيفا واستكثر من شراء المماليك واغار على تلك النواحي وحارب جبل الدروز مرارا وغنم منهم اموالا عظيمة ودخلوا في طاعته وضرب عليهم وعلى غيرهم الضرائب وجبيت اليه الاموال من كل ناحية حتى ملأ الخزائن وكنز الكنوز وصار يصانع اهل الدولة ورجال السلطنة ويتابع ارسال الهدايا والاموال اليهم وتقلد ولاية بلاد الشام وولى على البلاد نوابا وحكاما من طرفه وطلع بالحج لشامي مرارا واخاف النواحي وعاقب على الذنب الصغير بالقتل والحبس والتمثيل وقطع الآناف والآذان والاطراف ولم يغفر زلة عالم لعلمه اوذى جاه لوجاهته وسلب النعم عن كثير جدا من ذوى النعم واستأصل اموالهم ومات في محبسه مالا يحصى من الاعيان والعلماء وغيرهم ومنهم من اطال حبسه سنين حتى مات واتفق انه استراب من بعض سراريه ومماليكه فقتل من قويت فيه الشبهة وحرقهم ونفى الباقي الجميع ذكورا واناثا بعد أن مثل بهم وقطع آنافهم واخرجهم من عكا وطردهم وشردهم وسخط على من اواهم او تاواهم ولو في اقصى البلاد وحضر الكثير منهم الى مصر وخدموا عند الامراء وانضوى نحو العشرين شخصا منهم وخدموا عند علي بك كتخدا الجاويشية فلما بلغ المترجم ذلك تغير خاطره من طرفه وقطع حبل وداده بعد أن كان يراسله ويواصله دون غيره من امراء مصر وكان ذلك سبب استيحاشه منه الى أن مات ولما فعل بهم ذلك تعصب عليه مملوكاه سليم باشا الكبير وسليمان باشا الصغير وهو الموجود الآن وانضم اليهما المتآمرون من خشداشينهما وغيرهم غيظا على ما فعله بخشداشينهم وعلمهم بوحدته وانفراده وحاصروه بعكا ولم يكن معه الا القليل من العساكر البرانيين والفعلة والصناع الذين يستعملهم في البناء فألبسهم طراطير مثل الدلاة واصعدهم الى الاسوار مع الرماة والطبجية وورآهم المخالفون عليه فتعجبوا وقالوا انه يستخدم الجن
وكبس عليهم في غفلة من الليل وحاربهم وظهر عليهم واذعنوا لطاعته وتفرق عنهم المساعدون لهم ثم تتبعهم واقتص منهم وكاد البلاد وقهر العباد ونصبت الدولة فخاخا لصيده مرارا فلم يتمكنوا من ذلك فلم يسعهم بعد ذلك الا مسالمته ومسايرته وثبت قدمه وطار صيته في جميع الممالك الاسلامية والقرانات الافرنجية والثغور واشتهر ذكره وراسله ملوك النواحي وارسلهم وهادوه وهابوه وبنى عدة صهاريج وملأها بالزيت والسمن والعسل والسيرج والارز وانواع الغلة وزرع ببستانه سائر اصناف الفواكه والنخيل والاعناب الكثيرة وجدد دولته ثانيا واشترى مماليك وجواري بدلا عن الذين ابادهم بالجملة فكان من غرائب الدهر واخباره لا يفي القلم بتسطيرها ولا يسعف الفكر بتذكارها ولو جمع بعضها جاءت مجلدات ولو ولم يكن له من المناقب الااستظهاره على الفرنساوية وثباته في محاربتهم له اكثر من شهرين لم يغفل فيها لحظة لكفاه وكان يقول أن الفرنساوية لو اجتهدوا في ازالة جبل عظيم لازالوا في اسرع وقت وقد تقدم بعض خبر ذلك في محله وكان يقول انا المنتظر وانا احمد المذكور في الجفور الذي يظهر بين القصرين واستخرج له الكثير من الذين يدعون معرفة الاستخراج عبارات تأيلات ورموزا واشارات ويقولون المراد بالقصرين مكانان جهة الشام او المحملان او نحو ذلك من الوساوس ولم يزل حتى توفي في آخر هذا العام على فراشه وكان سليمان باشا تابعه غائب بالحجاز في امارة الحج الشامي فلما علم انه مفارق الدنيا احضر اسماعيل باشا والي مرعش وكان في محبسه يتوقع منه المكروه في كل وقت فأقامه وكيلا عنه الى حضور سليمان باشا من الحج واعطاه الدفاتر وعرفه بعلوفة العسكر واوصاه فلما انقضى نحبه ودفنوه صرف النفقة واتفق مع طه الكردي وصالح الدولة وتحصن بعكا وحضر سليمان باشا فامتنعا عليه ولم يمكنه الدخول اليها فاستمر اسمعيل باشا الى أن اخرجه اتباع المترجمع بحيلة وملكوا سليمان باشا بعد امور لم تحقق كيفيتها وذلك
في السنة التالية
ومات عين الاعيان ونادرة الزمان شاه بندر التجار والمرتقى بهمته الى سنام الفخار النبيه النجيب والحسيب النسيب السيد احمد بن احمد الشهير بالمحروقي الحريري كان والده حريريا بسوق العنبريين بمصر وكان رجلا صالحا منور الشيبة معروفا بصدق اللهجة والديانة والامانة بين اقرانه وولد له المترجم فكان يدعو له كثير في صلاته وسائر تحركاته فلما ترعرع خالط الناس وكتب وحسب وكان على غاية من الحذق والنباهة واخذ واعطي وباع واشترى وشارك وتداخل مع التجار وحاسب على الالوف واتحد بالسيد احمد بن عبدالسلام وسافر معه الى الحجاز واحبه وامتزج به امتزاجا كليا بحيث صارا كالتوأمين او روح حلت بدنين ومات عمدة التجار العرايشي وهو بالحجاز وهو اخو السيد احمد بن عبدالسلام في تلك السنة فاحرز مخلفاته وامواله ودفاتر شركائه فتقيد المترجم بمحاسبة التجار والشركاء والوكلاء ومحاققتهم فوفر عليه لكوكا من الأموال واستأنف الشركات والمعوضات وعد ذلك من سعادة مقدم المترجم ومرافقته له ورجع صحبته الى مصر وزادت محبته له ورغبته فيه وكان لابن عبدالسلام شهرة ووصلة بأكابر الأمراء كأبيه وخصوصا مراد بك فيقضى له ولامرائه لوازمهم اللازمة لهم ولأتباعهم واحتياجاتهم من التفاصيل والاقمشة الهندية وغيرها وينوب عنه المترجم في غالب اوقاته وحركاته ولشدة امتزاج الطبيعة بينهما صار يحاكيه في الفاظه ولغته وجميع اصطلاحاته في الحركات والسكنات والخطرات واشتهر ذكره به عند التجار والأعيان والأمراء واتحدا بمحمد أغا البارودى كتخدا مراد بك اتحاد زائدا واتحفاه بالجرايا وخصصاه بالمزايا فراج به عند مخدومه شأنهما وارتفع بالزيادة قدرهما ولما تأمر اسمعيل بك واستوزر أيضا البارودي استمر حالهما كذلك بل واكثر الى أن حصل الطاعون ومات به السيد احمد بن عبدالسلام في شعبان فاستقر المترجم في مظهره ومنصبه شاه بندر التجار بواسطة
البارودي أيضا وسعايته وسعادة طالعه وسكن داره العظيمة التى عمرها بجوار الفحامين محل دكة الحسبة القديم وتزوج بزوجاته واستولى على حواصله ومخازنه واستقل بها من غير شريك ولا وارث وعند ذلك زادت شهرته وعظم شانه ووجاهته ونفذت كلمته على اقرانه ولم يزل طالعه يسمو وسعده يزيد وينمو وعاد مراد بك والامراء والمصريون بعد موت اسمعيل بك وانقلاب دولته الى امارة مصر فاختص بخدمته وقضاء سائر اشغاله وكذلك ابراهيم بك وباقي الامراء وقدم لهم الهدايا والظرائف وواسى الجميع اعلاهم وادونهم بحسن الصنع حتى جذب اليه قلوب الجميع ونافس الرجال وانعطعفت اليه الآمال وعامل تجار النواحي والأمصار من سائر الجهات والاقطار واشتهر ذكره بالأراضي الحجازية وكذا بالبلاد الشامية والرومية واعتمدوه وكاتبوه وارسلوه واودعوه الودائع واصناف التجارات والبضائع وزوج ولده السيد محمد وعمل له مها ! عظيما افتخر فيه الى الغاية ودعا الأمراء والأكابر والأعيان وارسل اليه ابراهيم بك ومراد بك الهدايا العظيمة المحملة على الجمال الكثيرة وكذلك باقي الأمراء ومعها الأجراس التي لها رنة تسمع من البعد ويقدمها جمل عليه طبل نقارية وذلك خلاف هدايا التجار وعظماء الناس والنصارى الأروام والأقباط الكتبة وتجار الافرنج والأتراك والشوام والمغاربة وغيرهم وخلع الخلع الكثيرة واعطى البقاشيش والإنعامات والكساوي ولا يشغله امر عن اخر يمضيه او غرض ينفذه ويقضيه كما قيل اخو عزمات لايريد على الذي يهم به من مفظع الأمر صاحبا اذا هم القى بين عينيه عزمة فكب عن ذكر العواقب جانبا
وحج في سنة اثنتي عشرة ومائتين والف وخرج في تجمل زائد وجمال كثيرة وتختروانات ومواهي ومسطحات وفراشين وخدم وهجن وبغال وخيول وكان يوم خروجه يوما مشهودا اجتمع الكثير من العامة والنساء وجلسوا بالطريق للفرجة عليه ومن خرج معه لتشييعه ووداعه
من الأعيان والتجار الراكبين والراجلين معه منهم وبأيديهم البنادق والأسلحة وغير ذلك وبعث بالبضائع والذخائر والقومانية والأحمال الثقيلة على طريق البحر لمرساة الينبع وجدة وعند رجوع الركب وصل الفرنساوية الى بر مصر ووصلهم الخبر بذلك وارسل ابراهيم بك الى صالح بك امير الحاج يطلبه مع الحجاج الى بلبيس كما تقدم وذهب بصحبتهم المترجم وجرى عليه ما ذكر من نهب العرب متاعه وحموله وكان شيئا كثيرا حتى ما عليه من الثياب وانحصر بطريق القرين فلم يجد عند ذلك بدا من مواجهة الفرنساوية فذهب الى سارى عسكر بونابارته وقابله فرحب به واكرمه ولامه على فراره وركونه للماليك فاعتذر اليه بجهل الحال فقبل عذره واجتهد له في تحصيل المنهوبات وارسل في طلب المتعدين واستخلص ما امكن استخلاصه له ولغيره وارسلهم الى مصر واصحب معهم عدة من العساكر لخفارتهم ويقدمهم طلبهم وهم مشاة بالاسلحة بين ايديهم حتى ادخلوهم الى بيوتهم ولما رجع ساري عسكر الى مصر تردد عليه واحله محل القبول وارتاح اليه في لوازمه وتصدى للأمور وقضايا التجارة وصار مرعى الجانب عنده ويقبل شفاعته ويفصل القوانين بين يديه ويدي اكابرهم ولما رتبوا الديوان تعين من الرؤساء فيه وكاتبوا التجار واهل الحجاز وشريف مكة بواسطته واستمر على ذلك حتى سافر بونابارته ووصل بعد ذلك عرضي العثمانية والأمراء المصرية فخرج فيمن خرج لملاقاتهم وحصل بعد ذلك ما حصل من نقض الصلح والحروب واجتهد المترجم في ايام الحرب وساعد وتصدى بكل همته وصرف اموالا جمة في المهمات والمؤن الى أن كان ما كان من ظهور الفرنساوية وخروج المحاربين من مصر ورجوعهم فلم يسعه الا الخروج معهم والجلاء عن مصر فنهب الفرنساوية داره وما يتعلق به ولما استقر يوسف باشا الوزير جهة الشام انسة المترجم وعاضده واجتهد في حوائجه واقترض الأموال وكاتب التجار وبذل همته وساعده بمالا يدخل تحت
طوق البشر ويراسل خواصه بمصر سرا فيطالعونه بالأخبار والأسرار الى أن حصل العثمانيون بمصر فصار المترجم هو المشار اليه في الدولة والتزم بالاقتطاعات والبلاد وحضر الوزير الى داره وقدم اليه التقادم والهدايا وباشر الأمور العظيمة والقضايا الجسيمة وما يتعلق بالدولة والدواوين والمهمات السلطانية وازدحم الناس ببابه وكثرت عليه الأتباع والأعوان والقواسة والفراشون وعساكر رومية ومترجمون وكلارجية ووكلاء وحضرت مشايخ البلاد والفلاحون الكثيرة بالهدايا والتقادم والأغنام والجمال والخيول وضاقت داره بهم فاتخذ دورا بجواره وانزل بها الوافدين وجعل بها مضايف وحبوسا وغير ذلك
ولما قصد يوسف باشا الوزير السفر من مصر وكله على تعلقاته وخصوصياته وحضر محمد باشا خسرو فاختص به أيضا اختصاصا كليا وسلم اليه المقاليد الكلية والجزئية وجعله امير الضربخانة وزادت صولته وشهرته وطار صيته واتسعت دائرته وصار بمنزلة شيخ البلد بل اعظم ونفدت اوامره في الاقليم المصري والرومي والحجازي والشامي ودرك من العز والجاه والعظمة مال يتفق لامثالة من اولاد البلد وكان ديوان بيته اعظم الدواوين بمصر وتغرب وجهاء الناس لخدمته والوصول لسدته ووهب واعطى وراعى جانب كل من انتمى اليه واغدق عليه وكان يرسل الكساوي في رمضان للاعيان والفقهاء والتجار وفيها الشالات الكشميري ويهب المواهب وينعم الانعامات ويهادي احبابه ويسعفهم ويواسيهم في المهمات وعمل عدة اعراس وولائم وزار محمد باشا المذكور في داره مرتين او ثلاثة باستدعاء وقدم له التقادم والهدايا والتحاليف والرخوت المثمنة والخيول والتعابي من الاقمشة الهندية والمقصبات ولما ثارت العسكر على محمد باشا وخرج فارا كان بصحبته في ذلك الوقت فركب ايضا يريد الفرار معه واختلف بينهما الطرق فصادفه طائفة من العسكر فقبضوا عليه وعروا ثيابه وثياب ولده ومن معه واخذوا منه جوهرا
كثيرا ونقودا ومتعا فلحقه عمر بك الارنؤدي الساكن ببولاق وادركه وخلصه من ايديهم واخذه الى داره وحماه وقابل به محمد علي وغيره وذهب الى داره واستقر بها الى أن انقضت الفتنة وظهر طاهر باشا فساس امره معه حتى قتل وحضر الأمراء المصريون فتداخل معهم وقدم لهم وهاداهم واتحد بهم وبعثمان بك البرديسي فأبقوه على حالته ونجز مطلوبات الجميع ولم يتضعضع للمزعجات ولم يتقهقر من المفزعات حتى انهم لما ارادوا تقليد الستة عشر صنجاقافي يوم احضره البرديسي تلك الليلة واخبره بما اتفقوا عليه ووجده مشغول البال متحيرا في ملزوماتهم فهون عليه الأمر وسهله وقضى له جميع المطلوبات واللوازم للستة عشر اميرا في تلك الليلة وما اصبح النهار الا وجميع المطلوبات من خيول ورخوت وفراوي وكساوي ومزر كشات وذهب وفضة برسم الإنعامات والبقاشيش ومصروف الجيب حاضر لديه بين يديه حتى تعجب هو والحاضرون من ذلك وقال له مثلك من يخدم الملوك واعطاه في ذلك اليوم فارسكور زيادة عما بيده ولما ثارت العسكر على الأمراء المصريين واخرجوهم من مصر واحضروا حمد باشا خورشيد من سكندرية وقلدوه ولاية مصر وكان كبعض الأغوات مختصر الحال هياله رقم الوزارة والرخوت والخلع واللوازم في اسرع وقت واقرب مدة ولم يزل شأنه في الترفع والصعود وطالعه مقارنا للسعود وحاله مشهور وذكر منشور حتى فاجاته المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك انه لما دعا الباشا في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر شعبان نزل الى داره وتغدى عنده واقام نحو ساعتين ثم ركب وطلع الى القلعة فارسل في اثره هدية جليلة صحبة ولده والسيد احمد الملاترجمانة وهي بفج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وتحايف وخيول مرختة وبدونها برسمة ورسم كبار اتباعه ومضى على ذلك خمسة ايام فلما كان ليلة الأحد ثاني عشرين شعبان المذكور جلس حصة من الليل مع اصحابه يحادثهم ويملي الكتبة والمراسلات والحسابات فأخذته رعدة وقال
اني اجد بردا فدثروه ساعة ثم ارادوا ايقاظه ليدخل الى حريمه فحركوه فوجدوه خالصا قد فارق الدنيا من تلك الساعة التي دثروه فيها فكتلوا امره حتى ركب ولده السيد محمد الى الباشا في طلوع النهار واخبره ثم رجع الى داره وحضر ديوان افندي والقاضي وختموا على خزانته وحواصله واشهروا موته وجهزوه وكفنوه وصلوا عليه بالأزهر في مشهد حافل ثم رجعوا به الى زاوية العربي تجاه داره ودفنوه مع السيد احمد بن عبد السلام وانقضى امره ثم أن الباشا البس ولده السيد محمد فروة وقفطانا على الضر بخانة وما كان عليه والده من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي ثم ذهب الى داره بارك الله فيه واعانه علىلا وقته
ومات الأمير المبجل على أغا يحيى واصله مملوك يحيى كاشف تابع احمد بك السكري الذي كان كتخدا عند عثمان بك الفقاري الكبير المتقدم ذكرهما ولما ظهر علي بك وارسل محمد بك ومن معه الى جهة قبلى بعد قتل صالح بك كان الأمير يحيى في جملة الأمراء الذين كانو بأسيوط ووقع لهم ما تقدم ذكره من الهزيمة وتشتتوا في البلاد فذهب الأمير يحيى الى اسلامبول وصحبته مملوكة المترجم واقام هناك الى أن مات فحضر الامير على تابعه الى مصر في ايام محمد بك وتزوج ببنت استاذه وسكن بحارة السبع قاعات واشتهر بها وعمل كتخدا عند سليمان أغا الوالي الى أن تقلد سليمان أغا المذكور اغاوية مستحفظان فصار المترجم مقبولا عند ويتوسط للناس عنده في القضايا والدعاوي واشتهر ذكره من حينئذ وارتاح الناس عليه في غالب المقتضيات وباشر فصل الحكومات بنفسه وكان قليل الطمع لبن الجانب ولما تقلد مخدومه الصنجقية في الأمور الجسيمة عند الأمراء ولما حضر حسن باشا وخرج مخدومه من مصر مع من خرج وظهر شأن اسمعيل بك والعلويين استوزره حسن بك الجداوي وعظم امره
أيضا في ايامه مع مباشرته لوازم مخدومه الاول وقضاء اشغاله سرا واشترى دار مصطفى أغا الجراكسة التي بجوار العربي بالقرب من الفحامين وانتقل من السبع قاعات وسكن بها وسافر مرارا الى الجهة القبلية سفيرا بين الأمراء البحرية والقبلية في المراسلات والمصالحات وكذلك في بعض المقتضيات بالبلاد البحرية ولم يزل وافر الحرمة حتى كانت دولة العثمانيين ونما امر السيد احمد المحروقي فانضوى اليه لقرب داره منه فقيده ببعض الخدم وجبي الأموال من البلاد الجسيمة فأرسله قبل موته الى جهة بشبيش فمرض بها فلما تأمر حسن بك اخو طاهر باشا على التجريدة الموجهة الى ناحية قبلى طلبوا رجلا من المصريين يكون رئيسا عاقلا يكون كتخدا فأشاروا على المترجم فطلبه الباشا من السيد احمد المحروقي فارسل اليه بالحضور فوصل في اليوم الذي توفي فيه المحروقي فاقام اياما حتى قضى اشغاله وسافر وهو متوعك وتوفي بسملوط في ثالث القعدة وحضر برمته في ليلة الجمعة ثامنه وخرجوا بجنازته من بيته وصلوا عليه بالازهر ودفنوه بالقرافة رحمه الله تعالى وغفر له
واستهلت سنة عشرين ومائتين والف فكان ابتداء المحرم يوم الإثنين ولما نزل الدلاة جهة البساتين وتلك النواحي فأكلوا زروعات الناس ونهبوا دورابدير الطين وطلبوا علوفات زائدة رتب لهم الباشا الجرايات والعليق والجامكية وقدرها ستمائة كيس في كل شهر
وفي ثامنه سافر اناس كثيرة لزيارة مولد سيدي احمد البدوي المعتاد وسافر أيضا الشيخ الشرقاوي وحضر هناك كاشف الغربية وحصل منه قبائح كثيرة وقبض على خلائق كثيرة وبلصهم وحبسهم وخوزق اناسا كثيرة من غير ذنب ولا يقبل شفاعة احد في شئ
وفيه اشيع قدوم محمد علي وحسن باشا الى مصر وذلك انهما لما
سمعا بوصول طائفة الدلاة وان احمد باشا ارسل اليهم وطلبهم ليتعاضد بهم ويقوي بهم ساعده على الارنؤدية عزموا على الرجوع الى مصر ليتلافوا امرهم قبل استفحال الامر
وفي يوم الخميس حادي عشره طلب الباشا المشايخ وعمر افندي النقيب والوجا قليلة وارباب الديوان فلما اجتمعوا قال لهم أن محمد علي وحسن باشا راجعان من قبلي من غير اذن وطالبان شرافاما لن يرجعا من حيث اتيا ويقاتلا المماليك واما أن يذهبا الى بلادهما او اعطيهما ولايات ومناصب في غير اراضي مصر ومعي امر من السلطان ووكيل مفوض ودستور مكرم اعزل من اشاء واولي من اشاء واعطي من اشاء وامنع من اشاء ثم اخرج من جيبه ورقة صغيرة في كيس حرير اخضر واخبرهم انها بخط السلطان بماذكر فانتم تكونون معي وتقيمون عندي صحبة كبار الوجاقلية فقالوا له أن الشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ المهدي غائبون عن مصر فقال نرسل لهم بالحضور فكتبوا لهم اوراقا من الباشا وارسلوها اليهم مع السعاة يستعجلونهم للحضور ثم اتفقوا على أن يبيت عنده بالقلعة في كل ليلة اثنان من المتعممين واثنان من الوجاقلية واعدو لهم مكانا بالضربخانة وامر بان يذهب الدلاة والعسكر الباقية الى ناحية طرا الجيزة واخذوا مدافع وجبخانة ووصل محمد علي وحسن باشا الى ناحية طرا ومعهم عساكرهم فلم يجسر الدلاتية على مما نعتهم وكادلهم محمد علي مكايد منها انه ارسل اليهم يقول انما جئنا في طلب العلائف ولسنا مخالفين ولا معاندين فقال الدلاتية لبعضهم اذا كان الأمر كذلك فلاوجه للتعرض لهم واخلوا من طريقهم ودخل الكثير من طوائف عساكرهم ورجع الدلاتية الى اماكنهم بدير الطين وقصر العيني والآثار ونزل كتخدا الباشا وعمر بك الأرنؤدي فتكلما مع الدلاتية فقالوا أن القوم لم يكن عندهم خلاف ولاتعدوا اذا كنتم تمنعون وتحاربون من يطلب حقه فكذلك تفعلون معنا اذا خدمناكم زمنا ثم طلبنا علائفنا فرجع الكتخدا وعمر بك الارنؤدي
وتتابع دخول اولئك في كل يوم طائفة بعد اخرى وسكنوا الدور والبيوت
وفي يوم الاربعاء ذهب اليهم سعيد اغا وقابجي باشا الأسودان وسلما على محمد علي وحسن باشا ثم رجعا
وفي يوم الجمعة تاسع عشره دخل محمد علي بعد العصر وذهب الى بيته بالازبكية ودخل حسن باشا في صبحها ودخلت طوائفهم واخذوا الحمير والبغال وجمال السقائين لينقلوا عليها متاعهم ودخلوا البيوت وازعجوا السكان واخرجوهم من مساكنهم وفتحوا البيوت المسدودة وكثرت اخلاطهم بالاسواق ومنع الباشا المشايخ والوجاقلية من الذهاب الى محمد علي والسلام عليه واستمر الامر على القلقلة واللقلقة والتوحش واخذ محمد علي في التدابير على احمد باشا وخلعه
شهر صفر الخير سنة استهل بيوم الاربعاء والامر على ما هو عليه وسعيد أغا ساع ومجتهد في اجراء الصلح ويركب تارة الى الباشا وتارة الى محمد علي والى حسن باشا ويطلع من المشايخ في كل ليلة اثنان وكذلك اثنان من الوجاقلية يبيتون لمكان في دار الضرب وينزلون في الصباح ولم يعقل لذلك معنى وفي كل وقت يقع التشاحن بين افراد العسكر في الطرقات ويقتلون بعضهم بعضا وحضر سليمان كاشف البواب ومر من خلف الجيزة وذهب الى جهة وردان وطلب الاموال من البلاد والكلف وعدى خازنداره الى بر المنوفية ومعه عدة كثيرة من العربان بطلب الاموال من البلاد ومن عصى عليهم من البلاد ضربوهم ونهبوهم وحرقوا اجرانهم وكاشف المنوفية داخل منوف لا يقدر على الخروج الى خارج وحضر أيضا محمد بك الألفي الى ناحية أبي صير الملق وانتشرت طوائفه وعربانه بأقليم الجيزة ومصر مشحونة باخلاط العسكر واجناسهم المختلفة داخل المدينة وخارجها والدالاتية جهة مصر القديمة وقصر العيني والآثار ودير الطين يأكلون
الزروعات ويخطفون ما يجدونه مع الفلاحين والمارين ويأخذون ما معهم ويخطفون النساء والاولاد بل ويلوطون في الرجال الاختيارية
وفي اوله حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا الى جهة الجامع الازهر يشكون ويستخبثون من افعال الدالاتية ويخبرون أن الدالاتية قد اخرجوهم من مساكنهم واوطانهم قهرا عنهم ولم يتركوهم ياخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضا عندهم وما خلص منهم الا من تسلق ونط من الحيطان وحضروا على هذه الصورة فركب المشايخ الى الباشا وخاطبوه في امرهم فكتب فرمانا خطابا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها الى اصحابها فلم يمتثلوا ولم يسمعوا ذلك وخوطب الباشا ثانيا واخبروه بعصيانهم فقال انهم مقيمون ثلاثة ايام ثم يسافرون وزاد الضجيج والجمع فاجتمع المشايخ في صبحها يوم الخميس بالازهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت سربة من الاولاد الصغار يصرخون بالاسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر الى الباشا بذلك فأرسل كتخداه الى الازهر فلم يجد به احدا وكان المشايخ انتقلوا بعد الظهر الى بيوتهم لاغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم فلما لم ير احدا ذهب الى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر افندي وخلافهفكلموه واوهموه ثم قام وانصرف وفي حال خروجه رجمه الاولاد بالحجارة وسبوه وشتموه وبقي الامر على السكوت الى يوم الجمعة عاشرة والمشايخ تاركون الحضور الى الازهر وغالب الاسواق والدكاكين مغلقة واللغط والوسوسة دائران وبطل طلوع الماشيخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة وفي ذلك اليوم نزل احمد باشا من القلعة ودخل بيت سعيد أغا وذلك انه ورد قاصد من اسلامبول وعلى يده تقليد لمحمد علي بولاية جدة فامتنع من طلوع القلعة فوقع الاتفاق علىان الباشا ينزل الى بيت سعيد أغا ويخلع على محمد علي هناك فلما حضر الباشا هناك وحضر محمد علي وحسن باشا واخوه عابدي بك وتقلد محمد
علي باشا ولاية جدة ولبس فروة وقاووقا وخرج يريد الركوب ثارت عليه العسكر وطلبوا منه العلوفة فقال لهم ها هو الباشا عندكم وركب هو وذهب الى داره بالازبكية وصار يفرق وينثر الذهب بطول الطريق ثم أن العسكر ساروا الى احمد باشا ومنعوه من الركوب فلم يزل الى بعد الغروب فلاطفهم حسن باشا ووعدهم ثم ذهب مع حسن باشا الى داره واشيع في المدينة حبسه وفرح الناس وباتوا مسرورين فلما طلع النهار يوم السبت تبين انه طلع ثانيا الى القلعة في اخر الليل وطلع صحبته عابدي بك فاغتم الناس ثانيا
وفي ذلك اليوم طلب الباشا من ابن المحروقي وجرجس الجوهري الفي كيس اشيع انه عازم على عمل فردة على اهل البلد وطلب اجرة الاملاك بموجب قوائم الفرنساوية
وفيه ركب الدلاة وذهبوا الى قليوب ودخلوها واستولوا عليها وعلى دورها وربطوا خيولهم على اجرانها وطلبوا من اهلها النفقات والكلف وعملوا على الدور دراهم يطلبونها منهم في كل يوم وقرروا على دار شيخ البلد الشواربي كل يوم مائة قرش وحبسوا حريمهم عن الخروج وكان الشواربي بمصر فوصل اليه الخبر بذلك واستمروا على ذلك حتى اخذوا النساء والبنات والاولاد وصاروا يبيعونهم فيما بينهم وبعد ايام ارسل اليهم محمد علي وقرر لهم الكلف على البلاد فصاروا يقبضونها ومن عصى عليهم ضربوه ونهبوه وارسلوا الى بلدة يقال لها أبو الغيط فامتنعت عليهم وخرج اهلها ودفنوا متاعهم بالجزيرة المقابلة للقرية فركبوا عليهم وحاربوهم فقتل من الفلاحين زيادة عن مائة شخص ودلهم بعض الناس من الفلاحين على خباياهم بالجزيرة فذهبوا اليها واستخرجوها وكانت اشياء كثيرة والامر لله وحده لاشريك له والمشايخ تاركون الحضور الى الازهر وغالب الاسواق والدكاكين مغلقة وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة فحضر الاغا الى نواحي الازهر ونادى بالامان وفتح الدكاكين
في العصر فقال الناس واي شئ حصل من الامان وهو يريد سلب الفقراء وياخذ اجر مساكنهم ويعمل عليهم غرامات وباتوا في هرج ومرج فلما اصبح يوم الاحد ثاني عشرة ركب المشايخ الى بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والاطفال حتى امتلا الحوش والمقعد بالناس وصرخوا بقولهم شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم ومن الاولاد من يقول يا لطيف ومنهم من يقول يارب يامتجلي اهلك العثملي ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك وطلبوا من القاضي أن يرسل باحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع فارسل الى سعيد أغا الوكيل وبشير أغا الذي حضر قبل تاريخه وعثمان أغا قبي كتخدا والدفتردار والشمعدانجي فحضر الجميع واتفقوا على كتابة عرضحال بالمطلوبات ففعلوا ذلك وذكروا فيه تعدي طوائف العسكر والايذاء منهم للناس واخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد وقبض مال الميري المعجل وحق طرق المباشرين ومصادرة الناس بالدعاوي الكاذبة وغير ذلك واخذوه معهم ووعدوه برد الجواب في ثاني يوم وفي تلك الليلة ارسل الباشا مراسلة الى القاضي يرفق فيها الجواب ويظهر الامتثال ويطلب حضوره الية من الغد مع العلماء ليعمل معهم مشورة فلما وصلته التذكرة حضر بها الى السيد عمر افندي واستشاروا في الذهاب ثم اتفقوا على عدم التوجه اليه وغلب على ظنهم انها منه خديعة وفي عزمه شئ اخر لانه حضر بعد ذلك من اخبرهم انه كان اعد اشخاصا لإغتيالهم في الطريق وينسب ذلك الفعل لاوباش العسكر أن لو عوتب بعد ذلك
فلما اصبحوا يوم الإثنين اجتمعوا ببيت القاضي وكذلك اجتمع الكثير من العامة فمنعوهم من الدخول الى بيت القاضي وقفلوا بابيه وحضر اليهم ايضا سعيد أغا والجماعة وركب الجميع وذهبوا الى محمد علي وقالو له انا لا نريد هذا الباشا حاكما علينا ولابد من عزله من الولاية فقال ومن تريدونه يكون واليا قالوا له لانرضى الا بك وتكون واليا علينا
بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير فامتنع اولا ثم رضي واحضروا له كركا وعليه قفطان وقام اليه السيد عمر والشيخ الشرقاوي فألبساه له وذلك وقت العصر ونادوا بذلك في تلك الليلة في المدينة وارسلوا الى احمد باشا الخبر بذلك فقال اني مولى من طرف السلطان فلا اعزل بأمر الفلاحين ولا انزل من القلعة الا بامر من السلطنة واصبح الناس وتجمعوا أيضا فركب المشايخ ومعهم الجم الغفير من العامة وبايديهم الاسلحة والعصي وذهبوا الى بركة الازبكية حتى ملؤها وارسل الباشا الى مصر لعتيقة فحمل جمالا من البقسماط والذخيرة والجبخانة واخذ غلاله من عرصة الرميلة وطلع عمر بك الانؤدي الساكن ببولاق عند الباشا بالقلعة ثم أن محمد علي باشا والمشايخ كتبوا مراسلة الى عمر بك وصالح أغا قوش المعضدين لاحمد باشا المخلوع يذكرون لهما ما اجتمع عليه رأي الجمهور من عزل الباشا ولاينبغي مخالفتهم وعنادهم لما يترتب على ذلك من الفساد العظيم وخراب الإقليم فأرسلا يقولان في الجواب ارونا سندا شرعيا في ذلك فاجتمع المشايخ في يوم الخميس سادس عشرة ببيت القاضي ونظموا سؤالا وكتب عليه المفتون وارسلوه اليهم فلم يتعقلوا ذلك واستمروا على خلافهم وعنادهم ونزل كثير من اتباع الباشا بثيابهم الى المدينة وانحل عنه طائفة الينكجرية ولم يبق معه الا طوائف الارنؤد المغرضون لصالح أغا قوش وعمر أغا
وفي هذه الايام حضر محمد بك الألفي ومن معه من امرائه وعربانه وانتشروا جهة الجيزة واستقر الألفي بالمنصورية قرب الاهرام وانتشرت اتباعه الى الجسر الاسود وارسل مكاتبه الى السيد عمر افندي والشيخ الشرقاوي ومحمد علي باشا يطلب له جهة يستقر فيها هو واتباعه فكتبوا له بان يختار له جهة يرتاح فيها ويتانى حتى تسكن الفتنة القائمة بمصر واستمر احمد باشا المخلوع ومن معه على الخلاف والعناد وعدم النزول من القلعة ويقول لا انزل حتى يأتيني امر من السلطان الذي ولاني وارسل
تذكرة الى القاضي يذكر فيها ان العسكر الذين عنده بالقلعة لهم جامكية منكسرة في المدة الماضية وانهم كانوا محولين على مال الجهات ورفع المظالم سنة تاريخه معجلا فتقبضونها وترسلونها وتعينوا لنا ولهم خراجا ومصاريف الى حين حضور جواب من الدولة وليس في اقامتنا بالقلعة ضرر او خراب على الرعية فاننا لانريد اضرارهم فاجابه القاضي بقوله اما ما كان من الجامكية المحولة فإنها لازمة عليكم من ايراد المدة التي قبضتموها في المدة السابقة ومن قبيل ما ذكرتموه من عدم ضرر الرعية فإن اقامتكم بالقلعة هو عين الضرر فإنه حضر يوم تاريخه نحو الاربعين ألف نفس بالمحكمة وطالبون نزولكم او محاربتكم فلا يمكننا دفع قيام هذا الجمهور وهذا اخر المراسلات بيننا وبينكم والسلام فأجابوه بمعنى الجواب الاول واجتهد السيد عمر افندي النقيب وحرض الناس على الاجتماع والاستعداد وركب هو المشايخ الى بيت محمد علي باشا ومعهم الكثير من المشايخ والعامة والوجاقلية والكل بالاسلحة والعصي والنبابيت ولازموا السهر بالليل في الشوارع والحارات ويسرحون احزابا وطوائف ومعهم المشاعل ويطوفون بالجهات والنواحي وجهات السور ثم اتفقوا على محاصرة القلعة فأرسل محمد علي باشا عساكره في جهات الرميلة والحطابة والطرق النافذة مثل باب القرافة والحصرية وطريق الصليبية وناحية بيت اقبردي وجلسوا بالمحمودية والسلطان حسن وعملوا متاريس في تلك الجهات وذلك في تاسع عشرة ومنعوا من يطلع ومن ينزل من القلعة واغلق اهل القلعة الابواب ووقفوا على الاسوار يبكت بعضهم بعضا بالكلام ويترامون بالبنادق وصعدوا على منارة السلطان حسن يرمون منها الى القلعة
وفي يوم الابعاء ثاني عشرينه ركب السيد عمر افندي والمشايخ ومعهم جمع كثيرة من الناس الى الأزبكية وبعد ركوبهم حضر الجمع الكثير من العامة والعصب وطوائف الأجناد والوجاقلية وعصب النواحي واهل
الحسينية والعطوف والقرافة والرميلة والحطابة والصليبة وجميع الجهات ومعهم الطبول والبيارق حتى غصت بهم الازقة فحضروا الى جهات الجامع الازهر ثم رجعوا الى الازبكية ولحقوا بالمشايخ وخرج المشايخ من عند محمد علي باشا وذهبوا الى حسن بك اخي طاهر باشا ثم رجعوا واستمر الحال على ذلك الى ليلة الجمعة فنزل بين المغرب والعشاء عدة من العسكر كبيرة فتحوا باب القلعة بالرميلة وارادوا الهجوم على المتاريس فتابعوا عليهم بالرمي فلم يزالوا يترامون الى بعد العشاء الأخيرة ثم رجعوا وعند ما سمع الناس صوت الرمي ذهبوا ارسالا الى جهات المتاريس ثم عادوا بعد رجوع المذكورين الى القلعة كل ذلك وحسن باشا طاهر ومن معه من الارنؤد يراعون من بالقلعة من اجناسهم لان غالبهم منهم فلما كان يوم الجمعة رابع عشرينه طلع عابدي بك اخو حسن باشا الى القلعة ونزل عمر بك وامروا برفع المتاريس وتفرق من بها واشيع نزول الباشا من الغد وبات الناس على ذلك ليلة السبت وهم على ماهم عليه من التجمع والسروح والحيرة
وفي صبح يوم السبت مر ثلاثة من العسكر الجمان بناحية مرجوش فصادفوا غلاما حماميا من اللاونجية خرج ليشتري قهوة فارادوا اخذه ففر منهم فضربوه برصاصة وقتلوه وذلك في صلاة الحنفي فتبعهم الناس فواصلوا الى النحاسين وعطفوا على خان الخليلي وارادوا الخلوص الى جهة المشهدالحسيني فأغلقوا في وجوههم البوابة فضربوا على المتبعين لهم فقتلوا شخصا وجرحوا اخر وخرجوا من القبو الى ناحية الصنادقية وفرغ ما معهم من البارود فطلعوا الى ربع وكالة الشبراوي فاجتمع الناس وكسروا باب الربع فنزلوا يريدون الهروب فقتلهم الناس وذهبت ارواحهم الى النار
وفي ذلك اليوم ركب السيد عمر افندي في قلة من الناس وذهب الى بيت حسن بك اخي طاهر باشا وكان هناك عمر بك الذي نزل من القلعة
فوقع بينه وبين السيد عمر مناقشة في الكلام طويلة ومن جملة ما قال كيف تزلون من ولا السلطان عليكم وقد قال الله تعالى اطيعو الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فقال له اولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل وهذا رجل ظالم وجرت العادة من قديم الزمان أن اهل البلد يعزلون الولاة وهذا شئ من زمان حتى الخليفة والسلطان اذا سار فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه ثم قال وكيف تحصرونا وتمنعون عنا الماء والاكل وتقاتلونا نحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك قال نعم قد افتى العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم لانكم عصاة فقال أن القاضي هذا كافر فقال اذا كان قاضيكم كافرا فكيف بكم وحاشاه الله من ذلك انه رجل شرعي لايميل عن الحق وانفصل المجلس على ذلك وخاطبه الشيخ السادات في مثل ذلك فلم يتحول عن الخلاف والعناد هذا الأمر مستمر من اجتماع الناس وسهرهم وطوافهم بالليل واتخاذهم الاسلحة والنبابيت حتى أن الفقير من العامة كان يبيع ملبوسه او يستدين ويشتري به سلاحا وحضرت عربان كثيرة من نواحي الشرق وغيره
وفي يوم الاثنين ركب السيد عمر وصحبته الوجاقلية وامامه الناس بالاسلحة والعدد والاجناد واهل خان الخليلي والمغاربة شئ كثير جدا ومعهم بيارق ولهم جلبة وازدحام بحيث كان اولهم بالموسكي واخرهم جهة الازهر وانفصل الامر على رجوع عمر بك الى القلعة ونزول عابدي بك بعد أن فضوا اشغالهم وعبوا ذخيرتهم واحتياجهم من الماء والزاد والغنم ليلا ونهارا في مدة الثلاثة ايام المذكورة وقد كانوا اشرفوا على طلب الامان وتبين انهم انما فعلوا ذلك من باب المكر والخديعة واتفق الحال على اعادة المحاصرة وصعد المغرضون الى القلعة ونزل اشخاص من المغرضين لاهل البلد اليهم ورجع السيد عمر الى منزله واخذ في اسباب الاحاطة بالقلعة كالاول وذلك بعد العشاء ليلة الثلاثاء ووقع الاهتمام في صبحها بذلك وجمعوا الفعلة والعربجية وشرعوا في طلوع طائفة من العسكر
والعرب وغيرهم الى الجبل واصعدوا مدافع ورتبوا عدة جمال لنقل الأحتياجات والخبز وروايا الماء تطلع وتنزل في كل يوم مرتين وطلع اليهم الكثير من باعة الخبز والكعك والقهاوي وغير ذلك
شهر ربيع الاول استهل بيوم الخميس سنة والامر على ذلك مستمر من تجمع الناس وسهرهم بالليل في سائر الأخطاط
وفي ليلة الثلاثاء سادسه تحرك العسكر وطلبوا العلوفة من محمد علي فقال لهم ليس لكم عندي علوفة حتى ينزل احمد باشا من القلعة ونحاسبه وتاخذوا علائفكم منه فلم يمتثلوا وتركوا المتاريس التي حوالي القلعة فتفرقوا وذهبوا فذهب جماعة من الرعية وتترسوا مواضعهم
وفي ليلة الخميس ثامنه حضرت طائفة من العسكر الساكنين بناحية المظفر وقت الغروب وضربوا على من بالمتاريس من الاجناد والرعية على حين غفلة وخطفوا عمائم واسلحة واجلوهم عن المتراس وجلسوا به فتسامع اهل الرميلة فاجتمعوا وحضروا اليهم وكبيرهم حجاج الخضري واسمعيل جودة وهجموا عليهم وقتلوا منهم انفارا وانحاز باقيهم الى الوكالة فاغلقوها عليهم فحضر ذو الفقار كتخدا ودافع عنهم واخرجهم ثم ارسل الى محمد علي وامره بالهرب من تلك الجهة
وفي يوم الجمعة قتل العسكر شخصا بناحية المظفر واخر بناحية قنطرة الامير حسين
وفي يوم السبت عاشرة حصل من بعض افراد العسكر قبائح وقتلوا بعض انفار وحمارين وبغلين وقبض العامة أيضا على اشخاص منهم وقتلوا منه ايضا وحضر طائفة من الارنؤد وملكوا سبيل اسكندر بباب الخرق و حضر أيضا طائفة ببيت السيد عمر افندي النقيب فقام فيهم الحرس الواقفون عند باب بالبيت فهرب منهم طائفة خيالة ودخل منهم البعض فحجزوهم ووقع في الناس هوزعات وكرشات ثم احضر حسن أغا نجاتي المحتسب وامر الافندي بالمناداة فمر وامامه المنادي يقول حسبما رسم السيد عمر الافندي
والعلماء لجميع الرعايا بأن يأخذوا حذرهم واسلحتهم ويحترسوا في اماكنهم واخطاطهم واذا تعرض لهم عسكري بإذية قابلوه بمثلها والا فلا يتعرضوا له واخذ الناس يعلمون متاريس في رؤس الاخطاط ثم تركوا ذلك وحضر أيضا شخص من طرف محمد علي ونادى بمثل ذلك ومعه أيضا شخص ينادي بالتركي بمعنى ذلك
وفي الليلة الماضية حضر كتخدا محمد علي ليلا ومعه فرمان ارسله احمد باشا المخلوع الى الدلاة يطلبهم للحضور ويذكر لهم انه يجب عليهم معاونته صيانة لعرض السلطنة واقامة لناموسها وناموس الدين وان الفلاحين محاصرونه ومانعون عنه الاكل والشرب فلما وصل ذلك الفرمان اليهم يقلبون ارسلوه الى محمد علي وارسله محمد علي الى السيد عمر افندي النقيب
وفي يوم الاحد حادي عشرة وقعت ايضا مناوشات وتعدى بعض العسكر ودخلوا باب زويلة ووصلوا الى العقادين فخرجت عليهم طائفة المغاربة وغيرهم فتترس منهم جماعة بجامع الفاكهاني فحصروهم به وقبضوا على نحو العشرة انفار فاخذهم السيد محمد المحروقي ودافع عنهم العامة وقتل من الفريقين بعض انفار وحضر عابدي بك وطلبهم فسلموهم اليه ورجع
وفي تلك الليلة أيضا ذهب جماعة من العسكر الى جهة الرميلة يطلبون انفارا منهم ساكنين بتلك الناحية اخذ اهل الرميلة سلاحهم وحبسوهم عندهم فذهبت امراة من المتزوجات بهم فأخبرتهم فحضر منهم طائفة اواخر النهار وطلبوهم فلم يسلموا فيهم وحاربوهم وهزموهم الى جهة الصليبة وقتل بينهم انفار ورجع العسكر واختلطت القضية واشتبه امرها على اهل البلد فلا يعرف كلا الفريقين الصاحب من العدو فتارة يتشابك العسكر مع اهل البلد وكذلك اهل البلد معهم وتارة يتشابك فرقة منهم مع الكائنين بالقلعة وتارة الفريقان يساعد بعضهم بعضا واذا وقع بين الكائنين بنواحي الرميلة مع
العسكر فرح من بالقلعة واغروا اولاد البلد بهم ومنهم من يغري العسكر على اولاد البلد ويقولون لهم بلسانهم وبالعربي اضربوا الفلاحين ونحو ذلك وبالجملة فهي قضية مشكلة بين اوباش مختلفة وطباع معوجه منحرفة ومضت ليالي المولد الشريف ولم يشعر بها احد
وفيه حضر كبار الدلاة فخلع عليهم محمد علي باشا خلعا وكساوي وسافروا ثم ارتحلوا من قليوب يريدون الذهاب الى محاربة الالفي واتباعه ومن معهم من العرب فإنهم افحشوا في نهب البلاد ونهب الاموال مالم يسمع بمثله ولم يتقدم نظيره فساروا على البلاد والقرى يأخذون الكلف وينهبون ويقتلون ويفسقون في النساء والاولاد ولم يذهبوا الى ما وجهوا اليه
وفي ليلة الاربعاء رابع عشرة حضر كتخدا محمد علي وجرجس الجوهري الى بيت السيد عمر وحضر أيضا الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير والقاضي وتشاوروا على امر و رأي رآه محمد علي باشا واما علي باشا السلحدار الذي جهة مصر القديمة فانه اخذ في استمالة العسكر وفتنتهم وانضم اليه كثير منهم ووعدهم بعلائفهم وصار يراسل احمد باشا سرا ويرسل اليه الخبز واللحم والسكر والذخيرة على الجمال من باب صغير فتحوه من عرب اليسار من داخل
وفي لية السبت اجمع راي علي باشا السلحدار على مكيدة يصنعها وهو انه يركب فيمن معه ويهجم على المتاريس من جهة الصليبة وارسل الى مخدومه يعلمه بذلك وانه اذا هجم من تلك الناحية يساعده هو من القلعة برمي المدافع والقنابر على البلد والمتاريس فتنزعج الناس ويتم لهم ما مكروه وكتب رجب أغا وسليمان أغا وهما كبيرا عسكر علي باشا المذكور تذكرة عن عندهما خطابا للسيد عمر افندي النقيب وباقي المشايخ مضمونها انهما يريدان الحضور الى جهة القلعة ويسعيان في امر يكون فيه الراحة للفريقين وتسكين الفتنة ويلتمسان من المخاطبين انهم يرسلون الى من بالمتاريس
من العامة بان يخلوا لهما طريقا ولا يتعرضون لهما فحضر الى السيد عمر افندي النقيب من اخبره بذلك الاتفاق بعد الفجر قبل حضور التذكرة فأرسل الى من بالنواحي والجهات وايقظهم وحذرهم فاستعدوا وانتظروا وراقبوا النواحي فنظروا الى ناحية القرافة فرأوا الجمال التي تحمل الذخيرة الواصلة من علي باشا الى القلعة ومعها انفار من الخدم والعسكر وعدتهم ستون جملا فخرج عليهم حجاج الخضري ومن معه من اهالي الرميلة فضربوهم وحاربوهم واخذوا منهم تلك الجمال وقتلوا شخصين من العسكر وقبضوا على ثلاثة وحضروا بهم وبرؤوس المقتولين الى بيت السيد عمر فارسلهم الى محمد علي باشا فامر بقتل الاخرين فلما رأى من بالقلعة ذلك فعندها رموا بالمدافع والقنابر على البلد وبيت محمد علي وحسن باشا وجهة الازهر ولم يزالوا يراسلون الرمي من اول النهار الى بعد الظهر فلم ينزعج اهل البلد من ذلك لما الفوه من ايام الفرنسيس وحروبهم السابقة ثم رموا كذلك من العشاء الى سادس ساعة من الليل فلم يجبهم احد لم يرموا عليهم شيئا من الجبل مع استعدادهم لذلك واصبحوا يوم الاحد فواصلوا الرمي بطول النهار وكذلك ليلة الاثنين ويوم الاثنين هذا
وفي كل ليلة يطلع الى الجبل اربعة عشر جملا تحمل قرب الماء على كل بعير اربع قرب وستة اقفاص خبز على ثلاثة جمال نقلتين في كل يوم واصعدوا جبخانة وجللا وقنابر وضربوا عليهم في ذلك اليوم ضربا قليلا واستر ذلك ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء فأكثروا الرمي وسقطت قنابر وجلل في عدة اماكن مع الضرر القليل وباتوا على ذلك ليلة الاربعاء ويومه وليلة الخميس ويومه الى اخر النهار وبطل الرمي تلك الليلة فقال الناس انهم تركوا ذلك احتراما لليلة الجمعة
وفي تلك الليلة حضر جماعة من اهل الاطارف ليلا وحرقوا باب الجبل واوقدوا فيه النار فظن اهل الجبل أن اهل القلعة يريدون الخروج فضربوا
عليهم مدافع فتنبه من بالقلعة واسرعوا الى جهة باب الجبل وضربوا بالرصاص فلما تحقق من بالجبل القضية رموا عليهم أيضا وتسامع الناس كثرة ضرب الرصاص فلم يعلموا الحقيقة ورجع من اتى الى الباب من غير طائل فلما طلع النهار ظهر الامر
وفي اليوم الثاني بعد الظهر تسلق جماعة من العسكر القلعاوية على سلالم صنعوها من حبال ونزلوا الى جهة المحجر لاخذ شئ من الاكل والشرب وهم نحو العشرين فتنبه الناس لهم واجتمعوا بالخطة واخذوا ما اخذوه من اهل الدور من الخبز والدقيق وقرب الماء وصعدوا من حيث اتوا واعادوا الرمي بالمدافع والقنابر من عصر يوم الجمعة وليلة السبت واستمروا على ذلك وسقط بسبب ذلك حيطان وبعض من ابنية الدور وخرج كثير من الناس وبعدوا عن جهات الضرب وخصوصا جهة الازهر وذهبوا الى ناحية الحسينية والاطارف وخرجت النساء هاربات الى تلك النواحي وبولاق وانزعجوا من اوطانهم
وفي يوم الاحد ارسل كتخدا محمد علي باشا الى السيد عمر واشار عليه بارسال العتالين والشيالين الى ناحية قلعة الفرنساوية التي بقنطرة الليمون لرفع المدفع الكبير الذي هناك وارسلوا اشخاصا من الانكليز يتقيدون بذلك فجمعوا الرجال والابقار وذهبوا الى هناك واحضروه واخرجوه من باب البرقية يريدون وضعه عند باب الوزير حيث مجرى السيل ليرموا به على برج القلعة واستمروا في جره يومين
وفي ذلك اليوم نزل أيضا ستة اشخاص يريدون اخذ الماء من صهريج جهة الحطابة فضرب عليهم من هناك من المتترسين فهربوا وطلعوا من حيث نزلوا
وفي ليلة الثلاثاء نصبوا المدفع المذكور وضربوا به وضربوا أيضا من اعلى الجبل ومن بالقلعة يضربون على البلد يواصلون الضرب بالمدافع والقنابر والبنبات الكبار والآلات المحرقة واستمروا على ذلك الى ليلة
الجمعة الاخرى فسكن الرمي تلك الليلة واصيب كثير من الدور والحيطان والابنية واصابت اشخاصا قتلتهم ووزن بعض البنبات فبلغ وزنها بما فيها قنطارين
شهر ربيع الثاني سنة استهل بيوم الجمعة فيه وردت اخبار من ثغر سكندرية بورود قابجي وهو صالح أغا الذي كان سابقا بمصر ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وعلى يده جوابات بالراحة فحصلت ضجة في الناس وفرحوا ورمحوا بطول ذلك اليوم وعملوا شنكا تلك اليلة التي هي ليلة السبت ورموا سواريخ في سائر النواحي وضربوا بنادق وقرابين بالازبكية وخارج باب الفتوح وباب النصر والمدافع التي على ابراج الابواب ولما سمع من بالقلعة ومن بمصر القديمة ظنوا أن العساكر الذين في قلوبهم مرض تحاربوا مع اهل البلد فرموا من القلعة بالمدافع والنيب ! وحضر علي باشا ومن معه من جهة مصر القديمة ونزل من القلعة طائفة من العسكر جهة عرب اليسار وتترسوا هناك فاجتمع عليهم حجاج واهل الرميلة ومن معهم من عسكر محمد علي وتحاربوا مع المتترسين والواصلين وضربوا من القلعة على محاربيهم وعلى اهل البلد وكذلك من بالجبل ومن بالذنجزية يضربون على القلعة المدافع والسواريخ ونزل أيضا طائفة وهجموا على الذنجزية وارادوا سد فلوة المدع الكبير فضربوا عليهم وقتل كبيرهم ومعه اخر واخذوا سلاحهما ورؤسهما واحضروهما الى السيد عمر وحصل بالبلدة تلك الليلة من ضرب النار من كل ناحية ماهو عجيب من المستغربات واختلط الشنك بالحرب وصار الضرب من الجبل على القلعة بالبنب والمدافع والسواريخ وكذلك من القلعة على البلدة وعلى الذنجرية ومنها على القلعة والمحاربين مع بعضهم البعض والشنك من كل جهة واجتماع الناس والعامة بالاخطاط والنواحي وضربوا طبولا ومزامير ونقرزانات وكانت ليلة من الغرائب واصبحوا على الحال الذي هم عليه من الرمي وبالمدافع والبنب
وفي
يوم الاحد سافرت انفار من الوجاقلية وغيرهم لملاقاة صالح أغا وصحبتهم طائفة من العسكر ارسلها محمد علي باشا في مركب لخفارته وقد كانوا اتفقوا على سفر بعض المتعممين ثم بطل ذلك وارسل السيد عمر افندي باشجاويش والسيد عثمان البكري وسلحدار محمد علي والخواجه عمر المطيلي وبكتاش واحمد اوده باشا
وفي ليلة الثلاثاء اشيع وصول القابجي الى بولاق ليلا فخرج كثير من العامة لملاقاته افواجا واصطفوا في الاسواق للفرجة عليه واستمروا على ذلك الرج بطول النهار ولم يصل احد ثم تبين عدم وصوله وانه وصل الى ثغر رشيد وفي ذلك اليوم وقت الشروق حصلت زلزلة عظيمة ورتجت الارض نحو اربع درجات
وفي يوم الاربعاء سافر جماعة من المتعممين وهم السيد محمد الدواخلي وابن الشيخ الامير والشيخ بدوي الهيثمي وابن الشيخ العروسي واستمر الحال على ذلك اليوم ويو الخميس والجمعة ولم يبطل رمي المدافع والبنب ليلا ونهارا في غالب الاوقات ماعدا ليلة الجمعة ويومها الى العصر
وفي ليلة الاثنين وصل الخبر بوصول القابجي الى قليوب وانه طلع الى بر فوة وسار من هناك وحضر في ذلك اليوم المشايخ الذين كانوا ذهبوا لملاقاته فلما اشيع ذلك اجتمع الناس وطوائف العامة وخرجوا من اخر الليل وهم بالاسلحة والعدد والطبول الى خارج باب النصر ووقفوا بالشوارع والسقائف للفرجة وكذلك النساء والصبيان وازدحموا ازدحاما زائدا ووصل الاغا المذكور وصحبته سلحدار الوزير الى زاوية دمرداش ونزلا هناك وعمل لهما اسمعيل الطبجي الفطور فاكلاه وشربا القهوة وركبا وانجرت الطوائف والغوغاء من العامة وهم يضربون بالبنادق والقرابين والمدافع من اعلى سور باب النصر والفتوح واستمر مرورهم نحو ثلاث ساعات وخرج كتخدا محمد علي واكابر الارنؤد وطائفة من العسكر كبيرة والوجاقلية وكثير من الفقهاء العاملين رؤس العصب واهالي
بولاق ومصر القديمة والنواحي والجهات مثل اهل باب الشعرية والحسينية والعطوف وخط الخليفة والقرافتين والرميلة والحطابة والحبالة وكبيرهم حجاج الخضري وبيده سيف مسلول وكذلك ابن شمعة شيخ الجزارين وخلافه ومعهم طبول وزمور والمدافع والقنابر والبنبات نازلة من القلعة فلم يزالوا سائرين الى أن وصلوا الى الازبكية فنزلوا بيت محمد علي باشا وحضر المشايخ والاعيان وقرؤا المرسوم الذي معه ومضمونه الخطاب لمحمد علي باشا والي جدة سابقا ووالي مصر حالا من ابتداء عشرين ربيع اول حيث رضي بذلك العلماء والرعية وان احمد باشا معزول عن مصر وان يتوجه الى سكندرية بالاعزاز والاكرام حتى يأتيه الامر بالتوجه الى بعض الولايات وسكن صالح أغا القابجي المذكور ببيت الخواجا محمود حسن بالازبكية وسكن السلحدار عند السيد محمد بن المحروقي
وفي يوم الثلاثاء ركب السيد عمر في حمع كثير من العسكر من اولاد البلد والمغاربة والصعائدة والاتراك والكل بالاسلحة وذهب الى عند علي باشا وجلس عنده حصة وذهب الى القابجي وسلم عليه وذهب الى السلحدار أيضا وسلم عليه ورجع
وفيه بطل الرمي من القلعة وكذلك ابطلوا الرمي عليها من الجبل والذنجزية مع بقاء المحاصرة والمتاريس حول القلعة من الجهات ومنع الواصل اليهم واستمرار من بالجبل ويطلع اليهم في كل يوم الجمال الحاملة للخبز وقرب الماء واللوازم واما الدلاة فاستقروا بمحلة أبي علي وطلبوا الفرد والكلف من البلاد ووصل محمد بك الألفي الى دمنهور البحيرة فتمنعوا عليه فحاصر البلد وضرب عليها وضربوا عليه اياما كثيرة
وفيه وقع بباب الشعرية مناوشة بين العسكر واولاد البلد بسبب سكن البيوت كذلك جهة باب اللوق وبولاق ومصر القديمة وقتل بينهم انفار وقتل ايضا المتكلم بمصر القديمة وحصلت زعجات في الناس
وفي يوم الاربعاء مر بعض اولاد البلد بجهة الخرنفش فضربه بعض
مجلد 10. من كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
عسكر حجو الساكن ببيت شاهين كاشف فقتله فثارات اهل الناحية وتضاربوا بالرصاص واجتمع العسكر بتلك الناحية ودخلوا من حارة النصارى النافذه من بين السورين وصعدوا الى البيوت ونقبوا نقوبا وصاروا يضربون على الناس من الطيقان واحتمع الناس وانزعجوا وبنوا متاريس عند رأس الخرنفش ومرجوش وناحية الباسطية براس الدرب وتحاربوا وقتل بينهم أشخاص من الفريقين ونهب العسكر وعدة دور وتسلقوا على بيت حسن بك مملوك عثمان الحمامي الحكيم وذبحوه ونهبوا بيته الذي برأس الخرنفش وكذلك رجل زيات وعبد صالح أغا الجلفي وحسن ابن كاتب الخردة وكانت واقعة شنيعة استمرت الى العصر وحضر الاغا وكتخدا محمد علي فلم تسكن الفتنة وحضر أيضا اسمعيل الطبجي ثم سكن الحال بعد اضطراب شديد وبات الناس على ذلك وسبب هذه الحادثة أن لرجلا عسكريا اشترى من رجل خدرجي ملاعق ثم ردها من الغد فلم يرض وتسابا فضربه العسكري فصاح الخدرجي وقال ما يحل من الله يضرب النصراني الشريف فاجتمع عليه الناس وقبضوا عليه وسحبوه الى بيت النقيب فلما قربوا من البيت ضربوه وقتلوه واخرجوه الى تل البرقية ورموه هناك فحصل بسب ذلك ما ذكر
وفيه ارسلوا صورة المكاتبة الواردة مع صالح أغا الى الباشا فلم يمتثل وامتنع من النزول وقال انا متول بخطوط شريفة واوامر منيفة ولا انعزل بورقة مثل هذه وطلب الاجتماع بصالح أغا السلحدار يخاطبهم مشافهة وينظر في كلامهم وكيفية مجيئهم فلم يرضوا بطلوع المذكورين اليه
وفي يوم الخميس وقع بين حجاج الخضري والعسكر مقاتلة جهة طيلون وقتل بينهم اشخاص
وفيه تواترت الاخبار بقدوم الامراء المصريين القبليين الى جهة مصر
وفيه اجتمع الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير وغالب المتعممين وقالوا ايش هذا الحال وما تداخلنا في هذا الامر والفتن واتفقوا أنهم يتباعدون
عن الفتنة وينادون بالامان وان الناس يفتحون حوانيتهم ويجلسون بها وكذلك يفتحون ابواب الجامع الازهر ويتقيدون بقراءة الدروس وحضور الطلبة وركبوا الى محمد علي وقالوا له انت صرت حاكم البلدة والرعية ليس لهم مقارشة في عزل الباشا ونزوله من القلعة وقد اتاك الامر فنفذه كيف شئت واخبروه برأيهم فأجابهم الى ذلك وركب الاغا وصحبته بعض المتعممين ونادوا في المدينة بالامن والامان والبيع والشراء وان الناس يتركون حمل الاسلحة بالنهار واذا وقع من بعض العسكر قباحة رفعوا امره الى محمد علي وان كان من الرعية رفعوه الى بيت السيد عمر النقيب واذا دخل الليل حملوا الاسلحة وسهروا في اخطاطهم على العادة وتحفظوا على اماكنهم فلما سمع الناس ذلك انكروه وقالوا ايش هذا الكلام حينئذ نصير طعمة للعسكر بالنهار وخفراء بالليل والله لانترك حمل اسلحتنا ولا نمتثل لهذا الكلام ولا هذه المناداة ومر الاغا ببعض العامة المتسلحين فقبض عليهم واخذ سلاحهم فازدادوا قهرا وباتوا على ذلك واجتمعوا عند السيد عمر النقيب وراجعوه في ذلك فاعتذر واخبر بان هذا الامر على خلاف مراده
وفي ليلة الجمعة المذكور حصل خسوف قمر كلي وكان ابتداؤه من بعد العشاء الاخيرة بنصف ساعة وانجلى في سابع ساعة واصبح يوم الجمعة فحضر عند السيد عمر كتخدا بك وعابدي بك في جمع من العسكر وجلسوا عنده ساعة وذكروا له أن في عصرها يرسلون الى الباشا الكائن بالقلعة ويجتمعون عليه بالنزول فان ابى حدوا في قتاله ومحاربته وذكروا انه مماليئ الامراء القبالي وهو الذي ارسل بحضورهم ومطمعهم في المملكة فلزم الاجتهاد في انزاله من القلعة ثم يتفرغون لمحاربة القادمين ويخرجون اليهم بالعساكر ثم قاموا من عنده وذهبوا الى بيت القاضي وحضر حجو أغا الذي كان يحارب بالخرنفش فرجع صحبته كتخذا بك عند السيد عمر ليأخذ بخاطره وصحبته طائفة من العسكر فوقفوا متفرقين ودخل منهم طائفة الى بيت الشيخ الشرقاوي وباقيهم بالشارع وتجمع
حولهم اهالي البلد بالاسلحة فاتفق بينهم انطلاق بندقية اما خطأ او قصدا فهاجت الناس وماجت واجتمعوا من كل ناحية وخرج جاويشية النقابة الى نواحي الدائرة ينادون في الناس ويقولون عليكم ببيت السيد عمر النقيب يا مسلمين انجدوا اخوانكم وحصلت من تلك البندقية التي انطلقت فزعة عظيمة وصاح السيد عمر على الناس من الشباك يامرهم بالسكون والهجوع فلم يسمعوا له ونزل الى اسفل ووقف بباب داره يصيح بالناس فلا يزدادون الا خباطا واقبلوا طوائف من كل جهة فصار يأمرهم بالمرور والخروج إلى جهة باب البرقية ولم يزالوا على ذلك الى بعد صلاة الجمعة حتى سكن الحال واقام جحو والكتخدا حتى تغديا مع السيد عمر وركبا وذهبا ونودي في عصر ذلك اليوم بالامان وفتح الحوانيت والبيع والشراء ولا يرفعون معهم السلاح بل يحملونه معهم في حوانيتهم تحذرا من غدر العسكر وفتحوا ابواب الازهر
وفي يوم السبت فتح الناس بعض الحوانيت ونزل المشايخ الى الجامع الازهر وقراوا بعض الدروس ففترت همم الناس ورموا الاسلحة واخذوا يسبون المشايخ ويشتمونهم لتخذيلهم اياهم وشمخ عليهم العسكر وشرعوا في اذيتهم وتعرضوا لقتلهم وضاراره
وفي يوم الاحد قتلوا اشخاصا في جهات متفرقة وضج الناس واغلقوا الدكاكين وكثرت شكاويهم واقلقوا السيد عمر النقيب وهو يعتذر اليهم ويقول لهم اذهبوا الى الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير فهما اللذان امرا الناس برمي السلاح فلما زادت الشكوى نادوا في الناس بالعود الى حمل السلاح والتحذر
وفيه وصل الامراء القبليون الى قرب الجيزة وعدى منهم طائفة الى البر الشرقي جهة دير الطين والبساتين وهم عباس بك ومحمد بك المنفوخ ورشوان كاشف وهدموا قلاع طرا وساووها بالارض
وفي يوم الاثنين ركب محمد علي وخرج الى جهة مصر القديمة وصحبته
حسن باشا واخوه عابدي بك فنزل بقصر بليفه واقاموا الى العصر وخرج كثير من العسكر الى ناحية مصر القديمة ثم ركب محمد علي وحسن باشا واخوه في اخر النهار وساقوا الى جهة البساتين ومعهم العساكر افواجا فلما قربوا من الامراء المصريين تقهقروا الى خلف ورجعوا الى جهة قبلي وقيل عدوا إلي بر الجيزة وانضم اليهم علي باشا الذي بالجيزة واستمر محمد علي ومن معه بمصر القديمة وتراموا بالمدافع
وفي يوم الثلاثاء حضر أيضا جماعة من القبليين الى الجيزة وتراموا بالمدافع والبنب من البرين ذلك اليوم وليلة الاربعاء
وفيه عدى طائفة الدلاة الكائنين بالبر الغربي وانضم اليهم المقيمون بجزيرة بدران وحضروا الى بولاق وهجموا وهجموا على البيوت واخرجوا سكانها قهرا عنهم وازعجوهم من اوطانهم وسكنوها وربطوا خيولهم بخانات التجارة ووكالة الزيت فحضر الكثير من اهالي بولاق الى بيت السيد عمر وتظلموا وتشكوا فارسل الى كتخدا بك يمنعهم من ذلك فلم يمتنعوا واستمروا على فعلهم وقبائحهم
وفيه طلب محمد علي باشا دراهم سلفة من النصارى والتجار وقرروا فردة على البلاد والبنادر وهي اول طلبة طلبها بعد راسته
وفيه ارسلوا بنائين وخمسمائة فاعل لبناء ما تهدم من حصون طرا
وفي يوم الخميس حادي عشرينه وردت اخبار بوصول قبطان باشا الى ثغر سكندرية وابى قير وصحبته مراكب كثيرة لايعلم المرسون اخبار من بها فاجتمع المشايخ واتفقوا على كتابة عرضحال يرسلونه اليه مع بعض المتعممين ثم اختلف ! اراؤهم في ذلك فلما كان يوم الاثنين ورد الخبر بورود سلحدار قبطان المذكور الى شلقان فاعرضوا عن ذلك
وفيه وقع بين طائفة من العسكر الكائنين ببولاق واهل البلد مناوشة بسبب نقب البيوت وقتل بينهم انفار واستظهر عليهم اهل بولاق
وفي يوم الثلاثاء وصل السلحدار الى بولاق وركب من هناك الى
المكان الذي اعد له وصحبته مكاتبة الى احمد باشا المخلوع ومضمونها الامر بالنزول من القلعة ساعة وصل الجواب اليه من غير تأخير وحضوره الى الاسكندرية وجواب اخر الى محمد علي بابقائه في القائمقامية حيث ارتضاه الكافة والعلماء والوصية بالسلوك والرفق بالرعية والكلام المحفوظ المعتاد الذي لا اصل له وان يقلد من قبله باشا على عسكر يعين ارساله الى البلاد الحجازية ويسهل له جميع احتياجاته من الجبخانة وسائر الاحتياجات واللوازم فأرسلوا الى احمد باشا المخلوع بجوابه فقال حتى يطلع الى السلحدار الواصل ويخاطبني مشافهة
وفي صبح يوم الاربعاء قبض المحافظون على خيال مقبل من جهة مصر القديمة يريد الطلوع الى القلعة من اخر النهار وجدوا معه اوراقا فاخذوه الى محمد علي باشا فوجدوا في ضمنها خطابا الى الباشا المخلوع من علي باشا وياسين بك الكائنين بالجيزة مضمونها انه في صبح يوم الجمعة نطلق من الجيزة سبعة سواريخ تكون اشارة بيننا وبينكم فعندما ترونها تضربون بالمدافع والبنب على بيت محمد علي ونحن نعدي الى مصر القديمة ويصل البرديسي من خلف الجبل الى جهة العادلية وياتي باقي المصريين من ناحية طرا ويقوم من بالبلدة على من فيها فشيغلون الجهات ويتم المرام بذلك فلما اطلع محمد علي على ذلك وكان القاضي حاضرا عنده اشتد غيظه على ذلك الرجل ووجده من الاكراد فاستجار بالقاضي فلم يجره وامر به فاخذوه وقتلوه ورموه ببركة الازبكية
وفي يوم الخميس احضروا سبعة رؤوس وعلقوها على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا انها من ناحية دمنهور وعلى احدها ورقة مكتوبة انها راس شاهين بك الألفي واخرى سلحداره وهي متغيرة جدا ومحشوة تبنا ولا يظهر لها خلق ولم يكن لذلك صحة
وفيه اخبر الاخباريون بأن الألفي ارتحل من دمنهور ولم ينل منها غرضه وانه كبس على سليمان كاشف البواب ونهب ما معه وقيل انه قتل
وفي رواية وقع الى البحر وهرب باقي اتباعه الى جهة المنوات في اسوأ حال واخذ منه شيئا كثيرا وهو ما جمعه في هذه السرحة وذلك خلاف ما جمعه في العام الماضي عندما كان كاشفا بمنوف ومن ذلك انه لما قتل موسى خالدا اخذ منه مالا كثيرا وذلك خلاف ما دل عليه من خباياه
وفي تلك لليلة طلع السلحدار المذكور وصحبته صالح أغا القابجي الذي وصل قبله الى القلعة واجتمع بأحمد باشا المخلوع وتكلما معه فقال انا لست بعاص ولا مخالف للأوامر وانما لصالح أغا وعمر أغا علائف نحو خمسمائة كيس باقية ولم يبق عندي شئ سوى ما على جسدي من الثياب وقد اخذ العسكر المحاربون موجوداتي جميعا فاذا طيبتم خواطرهما نزلت في الحال فنزلا بذلك الجواب ثم ترددوا في الكلام والعقدو الابرام ولم يحسن السكوت على شئ
وفيه وصل الامراء القبالي الى حلوان وعلي بك ايوب دخل الى الجيزة صحبة من بها وسليمان بك خارجها
وفي يوم الجمعة عدى ياسين بك من الجيزة الى متاريس الروضة ولم يكن بها سوى الطبجية فطلعوا اليهم وقبضوا على بعضهم واخذوا منهم ثلاثة مدافع وسددوا فالية المدفع الكبير وآخر رموه الى البحر فثارت رجة بمصر القديمة والروضة وضربوا بالمدافع والرصاص ورجع الواصلون من الجيزة الى اماكنهم وحضر الألفي الى جهة الطرانة
وفيه حضر صالح أغا القابجي الى السيد عمر النقيب واخبره انهم تواعدوا مع احمد باشا في عصر غد من يوم السبت اما أن ينزل او يستمر على عصيانه فلما كان يوم السبت في الميعاد افرجوا عن ضعفاء الرعية الكائنين بالقلعة وكذلك النساء بعدما اخذوا ما معهم من الامتعة والثياب وابقوا عندهم الشبان والاقوياء للمعاونة في الاشغال واظهروا المخالفة وامتنعوا من النزول وباتوا على ذلك وكثر اللغط في الناس وانقضى شهر ربيع الثاني على ذلك
شهر جمادي الاول سنة استهل بيوم الاحد فيه ضربوا ثلاثة مدافع من القلعة وقت الشروق وكانها اشارة وعلامة لاصحابهم
وفي يوم الاثنين سبح جماعة من الجيزة الى جهة انبابة وكان ببولاق طائفة من العسكر يترامحون بجهة ديوان العشور فضربوا عليهم مدافع فحصل ببولاق ضجة وركب محمد علي باشا اواخر النهار وذهب الى بولاق ونزل ببيت عمر بك الارنؤدي ووضب جملة من العسكر وعدوا ليلا وطلعوا ناحية بشتيل وحضروا الى جهة انبابة يوم الثلاثاء وتحاربوا مع من بها حتى اجلوهم عنها وعملوا هناك متاريس في مقابلتهم واستمروا على ذلك يتضاربون بالمدافع
وفي يوم السبت سابعه طلع بشير أغا القابجي وصالح أغا السلحدار الى القلعة وتكلموا مع احمد باشا ومن معه وقد كانت وردت مكاتبات من قبطان باشا في امر احمد باشا ثم نزلوا وصحبتهم كتخدا احمد باشا الى بيت سعيد أغا الوكيل وركبوا معه الى بيت محمد علي باشا واختلوا مع بعضهم ثم طلع صالح أغا واربعة من عظمائهم ثم نزلوا ثم طلعوا وترددوا في الذهاب والاياب ومراددة الخطاب وبات الكتخدا اسفل وطلب القلعاويون شروطا وعلائفهم الماضية وغير ذلك وانتهى الكلام بينهم على نزول احمد باشا المخلوع في يوم الاثنين وتسليم القلعة و الجبخانة
واصبح يوم الاثنين فطلبوا جمالا لحمل اثقالهم فارسلوا الى السيد عمر فجمع لهم من جمال الشواغرية مائتي جمل فنقلوا عليها متاعهم وفرشهم وانزل الباشا حريمه الى بيت مصطفى أغا الوكيل ونزل كثير من عساكرهم وخدمهم وهم متغيروا الصور وذهب اكثرهم بعزالهم الى بولاق ونهبوا بيوت الرعايا التي بالقلعة واخذوا ما وجدوه فيها من المتاع وطلع حسن أغا سر ششمة بجملة من العسكر الى القلعة انقضى ذلك اليوم ولم ينقض نزولهم وحضر الوالي أيضا وقت العشاء الى بيت السيد عمر وطلب
خمسين جملا فلم يتيسر الا بعضها
واصبح يوم الثلاثاء فأنزلوا باقي متاعهم ونزل الباشا المخلوع من باب الجبل في رابع ساعة من النهار على جهة باب النصر ومر من خارجه الى جهة الخروبي وذهب الى بولاق وصحبته كتخدا محمد علي باشا وعمر بك وصالح أغا قوش وانزل صحبته مدافع تعوق بعضها عند الذنجرية لضعف الاكاديش وسكن بيت السيد عمر النقيب وسكن صالح أغا ببيت شيخ السادات وذلك عاشر جمادي الاولى واطمأن الناس بعض الاطمئنان مع بقاء التحرز وارسل السيد عمر فنادي تلك الليلة باستمرار الناس على التحرز والسهر وضبط الجهات فان القوم لا امان لهم وانحشروا في داخل المدينة والوكائل والبيوت ولا يتركون قبائحهم واما الامراء المصرلية فانهم وصلوا الى البين واجتمعوا هناك ما عدا علي بك ايوب وسليمان بك وعباس بك فانهم بالجيزة مع علي باشا وياسين بك واما الدالاتية الانجاس فانهم مستمرون على النهب البلاد وسلب الاموال واذية العباد ونهبوا كاشف الغربية وهجموا على سمنود وهي مدينة عظيمة فنهبوا بيوتها واسواقها واخذوا مافيها من الودائع والاموال وسبوا النساء وفعلوا فعالا شنيعة تقشعر منها الابدان ثم انتقلوا الى المحلة الكبرى وهم الان بها واما محمد بك الألفي فانه حاصر دمنهور مدة مديدة فلم يتمكن منها ثم ارتحل عنها ورجع مقبلا ووصل الى ناحية الطرانة واما قبطان باشا فانه لم يزل مقيما على ساحل أبي قير
وفي يوم الخميس وصلت الاخبار بذهاب قبطان باشا الى الاسكندرية وفي يوم الاحد خامس عشره نزل احمد باشا المخلوع الى المراكب من بولاق وسافر الى جهة بحري بعياله واتباعه المختصين به وتخلف عنه كتخداه وعمر بك وصالح قوش والدفتر دار وكثير من اتباعه ولم يسهل بهم مفارقة ارض مصر وغنائمها مع انهم مجتهدون في خرابها
وفيه وصل الألفي الكبير والصغير الى بر الجيزة
وفي يوم الاثنين اتفق جماعة من الارنؤد وقصدوا الذهاب الى بر الجيزة فوصل خبرهم الى محمد علي باشا فارسل اليهم عسكرا ومعهم حجوا فلحقهم عند المعادي بحرى بولاق فقتلوا منهم نحو عشرين وهرب باقيهم وتفرقوا
وفيه بنى حجاج الخضري حائطا وبوابة على الرميلة عند عرصات الغلة
وفي يوم الاربعاء سابع عشره قبض محمد علي باشا على جرجس الجوهري ومعه جماعة من الاقباط فحبسهم ببيت كتخداه وطلب حسابه من ابتداء سنة خمس عشرة واحضر المعلم غالي الذي كان كاتب الألفي بالصعيد والبسه منصبه في رآسه الاقباط وكذلك خلع علي السيد محمد ابن المحروقي خلع الاستمرار على ماكان عليه ابوه من امانة الضربخانة وغيرها
وفي تلك الليلة قتل شخص كبير بيكبابشي تحت بيت الباشا بالازبكية ضربوا لموته مدفعا وذلك لامر نقموه عليه
وفيه سافر كتخدا بك الى جهة المنوفية وقبض على كاشفها واخذ ما معه من الاموال التي جمعها من منهوبات البلاد ودل على ودائعه واخذها أيضا ووجد له غلالا كثيرة ومواشي وغير ذلك
وفي يوم الجمعة عشرينه الموافق لحادي عشر مسرى اوفي النيل المبارك اذرعه ونودى بذلك واشيع في ذلك اليوم وصول فرقة من الامراء المصريين من خلف الجبل وبات الناس مستعدين للفرجة على موسم الخليج على العادة فأمر الباشا باخراج الخيام والنظام الى ناحية الجسر وعمل الحراقة ثم امر بكسر السد ليلا فما طلع النهار الا والماء يجري في الخليج ولم يذهب الباشا ولا القاضي ولا احد من الناس ولم يشعروا بذلك وكان قد بلغه ورود الامراء فتأخر عن الخروج وهم ظنوا خروجه مع العسكر الى خارج المدينة وفي وقت الشروق من ذلك اليوم وصل طائفة من الامراء الى ناحية المذبح وكسروا بوابة الحسينية ودخلوا من باب الفتوح
في كبكبة عظيمة وخلفهم نقاقير كثيرة وجمال واحمال فشقوا من بين القصرين حتى وصلوا الى الاشرفية وشخص لهم الناس وضجوا بالسلام عليهم وبقولهم نهار مبارك وسعيد والحمد لله على السلامة وشخص الناس وبهتوا وخمنوا التخامين فلما وصلوا عطفة الخراطين افترقوا فرقتين فدخل عثمان بك وحسن وشاهين بك المرادي واحمد كاشف سليم وعباس بك وغيرهم كشاف واجناد ومماليك وعبيد كثيرة نحو الالف وخلف كل طائفة نقاقير وهجن وبايديهم البنادق والسيوف والاسلحة ومروا بالجامع الازهر وذهبوا الى بيت السيد عمر والشيخ الشرقاوي وفامتنع السيد عمر من مقابلتهم فدخلوا الى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر عندهم السيد عمر فطلبوا منهم النجدة وقيام الرعية فقالو لهم هذا لايصح ولم يكن بيننا وبينكم موعد ولا استعداد والاولى ذهابكم والا احاطت بنا وبكم العساكر وقتلونا معكم فعند ذلك ركبوا وخرجوا من باب البرقية وبعد خروجهم حضر في اثرهم حسن بك الارنؤدي في عدة وافرة من العسكر وهم مشاة وخرج خلفهم فوجدهم خرجوا الى الخلاء فرجع على اثره واما الفرقة الاخرى فانهم وصلوا الى باب زويلة وتقدموا قليلا الى جهة الدرب الاحمر فضرب عليهم العسكر الساكنون هناك بالرصاص فرجعوا القهقري الى داخل باب زويلة وارادوا الدخول الى جامع المؤيد والكرنكة بتلك الناحية فضرب عليهم المغاربة والمرابطون هناك فاصيب منهم اشخاص وقوى جأش العسكر الذين جهة الدرب الاحمر لما سمعوا ضرب الرصاص وتنبه غيرهم أيضا واجتمعوا لمعاونتهم وانصرع منهم ثلاثة اشخاص وقعوا الى الارض فلما عاينوا ذلك ولوا الادبار وتبعهم العسكر يضربون في اقفيتهم فلم يزالوا في سيرهم الى النحاسين وقد اغلق الناس بوابة الكعكبين وكذلك بوابة الخراطين وبوابة البندقانيين وكان حجو الساكن بالخرنفش عند ما سمع بدخولهم لحقه الفزع والخوف فخرج من بيته بعسكره يريد الفرار وخرج من عطفة الخرنفش وذهب الى
جهة باب لظنه انه لايمكنه الخروج من باب الفتوح الذي دخلوا منه فلما وصل الى باب النصر وجده مغلقا وامتنع المرابطون عليه من فتحه فعاد على اثره وذهب الى باب الفتوح فلم يجد به احدا فطمأن حينئذ وعلم سوء رأيهم فاغلقه واجلس عنده جماعة من اتباعه ورجع على اثره الى جهة بين القصرين فصادف اديار الجماعة والعسكر في اقفيتهم بالرصاص فعند ذلك قوي جأشه وضرب في وجههم هو ومن معه من العسكر فاختبل القوم وسقط في ايديهم وعلموا انه قد احيط بهم فنزلوا عن خيولهم ودخل منهم جماعة كثيرة جامع البرقوقية وذهب منهم طائفة كبيرة بخيولهم نحو المائة الى جهة باب النصر فوجدوه مغلقا فنزلوا أيضا عن خيولهم ودخلوا العطوف ونطوا من السور الى الخلاء وتفرق منهم جماعة اختفوا في الجهات وبعض الوكائل والبيوت ولما انحصر الذين دخلوا جامع البرقوقية واغلقوا على انفسهم الباب احتطت بهم العسكر واحرقوا الباب وتسور أيضا عليهم جماعة من العطفة التي بظاهر البرقوقية وقبضوا عليهم وعروهم ثيابهم واخذوا ما معهم من الذهب والنقود والاسلحة المثمنة وذبحوا منهم نحو الخمسين مثل الاغنام وسحبوا نحو ذلك العدد بالحياة وهم عرايا مكشوفوا الرؤوس حفاة الاقدام موثوقوا الايدي يضربونهم ويصفعونهم على اقفيتهم ووجوههم ويسبونهم ويشتمونهم ويسحبونهم على وجوههم حتى ذهبوا بهم وبرؤوس القتلى الى بيت الباشا بالازبكية وكان قد استعد للفرار وتحير في امره ونزل الى اسفل يريد الركوب واذا بالعسكر داخلون عليه ومعهم الرؤوس والاسرى في ايديهم فعند ذلك سكن جاشه وامتلا فرحا ولما مثل بين يديه احمد بك تابع البرديسي الذي كان اميرا بدمياط وحسن شبكة ومن معهما قال لاحمد بك يا احمد بك وقعت في الشرك فطلب ماء فحلوا كتافه واتوه بماء يشرب فنظر لمن حوله وخطف يقطانا من وسط بعض الواقفين وهاج فيهم واراد قتل محمد علي باشا وقتل انفارا فقام الباشا وهرب الى فوق وتكاثروا عليه وقتلوه
ووضعوا باقي الجماعة في جنازير وفي ارجلهم القيود وربطوهم بالحوش وهم على الحالة التي حضروا فيها من العرى والحقارة والذلة
وفي ثاني يوم احضروا الجزارين وامروهم بسلخ الرؤوس بين يدي المعتقلين وهم ينظرون الى ذلك واحضروا جماعة من الاسكافية فحشوها تبنا وخيطوها
وفي ليلة الاثنين خرج عابدي بك بعساكر الارنؤد برا وبحرا الى جهة طرا فالتقى مع من بها من المصريين وكان بها ابراهيم بك والكبير وابنه مرزوق بك وامراؤهم فقتل من عسكر الارنؤد عدة كبيرة وولوا منهزمين وحضروا الى مصر وغرق من مراكبهم مركبان في ليلة الثلاثاء
وفي تلك الليلة قتلوا المعتقلين ما عدا حسن شبكة ومعه اثنان قيل انهم عملوا على انفسهم ثلثمائة كيس فابقوهم وقتلوا الباقي قتلا شنيعا وعذبوهم في القتل من اول الليل الى اخره ثم قطعوا رؤوسهم وحشوها تبنا ووسقوها في مركب وارسولها الى سكندرية وعدتهم ثلاثة وثمانون راسا وفيهم من غير جنسهم واناس جربجية ملتزمون واختيارية التجواوا اليهم وراففوهم في الحضور وبعثوا من يوصلهم الى اسلامبول وكتبوا في المراسلة انهم حاربوهم وقاتلوهم وحاصروهم حتى افنوهم واستأصلوهم ولم يبقوا منهم باقية وهذه الرؤوس رؤوس اعيانهم واكابرهم فكان عدة من قتل في هذه الحادثة من المعروفين المنصبين مراد بك تابع عثمان بك حسن وقبطان بك تابع البرديسي وسليم بك الغربية واحمد بك الدمياطي وعلي بك تابع خليل بك ونحو الخمسة والعشرين من مماليكهم واتباعهم ونجا حسن بك شبكة واثنان معه دون اتباعة وباقيهم اشخاص مجهولة فيهم فرنساوية وارنؤدية ولم يتفق للامراء المصرية اقبح ولا اشنع من هذه الحادثة وربط الله على قلوبهم واعمى ابصارهم وغل ايديهم
وفي يوم الاربعاء حضر طائفة الدلاة الى ناحية الخانكة بعدما طافوا اقليم الغربية والمنوفية والشرقية والدقهلية وفعلوا افعالا شنيعة من النهب
والسلب والقتل والاسر والفسق وما لايسطر ولايذكر ولا يمكن الاحاطة ببعضه
وفيه افرجوا عن جرجس الجوهري ومن معه على اربعة ألاف وثمانمائة كيس وان يبقى على حاله فشرع في توزيعها على باقي الاقباط وعلى نفسه وعلى كبرائهم وصيارفهم ماعدا فلتيوس وغالي وحولت عليه التحاويل وحصل لهم كرب شديد وضج فقراؤهم واستغاثوا
وفي يوم الجمعة خرج عدة كبيرة من العسكر الى ناحية الشرق لمحاربة الدلاة واميرهم عمر بك تابع عثمان بك الاشقر ومحمد بك البدول وكثير من الاجناد المصرية وحسن باشا الارنؤدي
وفي يوم السبت رجع القرابة المشاة وذهب الخيالة خلفهم متباعدين عنهم بمرحلة فكان شأنهم أن الدلاة المذكورين اذا وردوا القرية نهبوها واخذوا ما وجدوه فيها واخذوا الاولاد والبنات وارتحلوا فياتي خلفهم العرب التابعون خلفهم فيطلبون الكلف والعليق وينهبون أيضا ما امكنهم ثم يرتحلون أيضا خلفهم فتنزل بعدهم التجريدة فيفعلون اقبح من الفريقين من النهب والسلب حتى ثياب النساء واخذ الدلاة من عرب العائد خمسائة جمل وذهبوا على طريق رأس الوادي وفيه ورد الخبر بوصول كتخدا بك الى منوف وقبض على كاشفها واخذ منه ماجمعه ثم انه فرد على البلاد التي وحد بها بعض العمار اموالا من ألف ريال فأزيد وحصر ذلك في قائمة وهي نحو الستين بلدا وارسل يستأذن في ذلك ويطلب عدم الرفع عن شئ منها ليحصل قدرا يستعان على علائف العسكر وجماكيهم وليكمل خراب الاقليم وانقضى شهر جماي الاولى
شهر جمادي الثانية سنة استهل بيوم الاثنين في ثانية وصل ولدا محمد علي باشا الى ساحل بولاق فركب اغوات الباشا واستقبلوهما واحضروهما الى الازبكية وعملوا لهما شنكا تلك الليلة
وفي ثالثة طلع محمد عليباشا الى القلعة واجلس ابنه الكبير بها وضربوا له في ذلك الوقت مدافع
وفي رابعة رجع عابدي بك ومن بصحبته من المصرلية من جهة الشرق وقد وصلوا خلف الدلاة الى حد العائد ثم رجعوا وذهب الدلاة الى جهة الشام بما معهم من المال والغنائم والجمال والاحمال وعدتها اكثر من الاربعة ألاف جمل وما نهبوه من البلاد واسروه من النساء والصبيان وغير ذلك وكانوا من نقمة الله على خلقه ولم يحصل من مجيئهم وذهابهم الا زيادة الضرر ولم يحصل للباشا المخلوع الذي استدعاهم لنصرته الا الخذلان وكان في عزمه وظنه انهم يصيرون اعوانه وانصاره ويستعين بهم وبطائفة الينكجرية على ازالة الطائفة الاخرى فانتحس بقدومهم واورثه الله ذلهم وتخلوا عنه وخذلوه وضاع عليه ما صرفه عليهم في استدعائهم وملاقاتهم وخلعهم وتقدماتهم ومصارفهم وعلائفهم وخرجهم ولم ينفعوه بنافعة بل كانوا من الضرر الصرف عليه وعلى الاقليم وكان كلما خوطب وعوقب في امر او فعل يقول اصبروا حتى تأتي الدلاتية ويحصل بعد ذلك النظام فلم يحصل بوصولهم الا الفساد وانتقضت دولتة وانعست قضيته
وفيه شرعوا في عمل دفتر فردة على البلاد التي بقي فيها بعض الرمق
وفي خامسة حضر كتخدابك ليلا واشار بابطال ذلك الدفتر لما فيه من الاشاعة والشناعة واتفق مع الباشا والمتكلمين انه يفعل ذلك باجتهادة ورايه ورجع في تلك الليلة وشرع في التحصيل مع الجور والعسف الزائد كما هو شأنهم
وفيه سافر أيضا جانم افندي الدفتر دار وسافر صحبته قابجي باشا الاسود المسمى بشير أغا
وفيه سافر بعض كبرائهم الى جهة السويس ليأتي بالمحمل
وفي يوم الجمعة ورد احمد افندي من سكندرية وهو الذي كان اتى بالدفتردارية في العام السابق ومنعه احمد باشا خورشيد من الورود
وكتبوا في شانه عرضحال من الشايخ والوجاقلية بمنعه وابقاء جانم افندي واستمر بالاسكندرية الى هذا الوقت وحضر الان بمراسلة من قبطان باشا واحضر صحبته تقرير السعيد أغا على الوكالة وابقائه على ما هو عليه ونظر الخاصكية لسليمان أغا حافظ
وفي يوم الاحد رابع عشره تغيب جرجس الجوهري فيقال انه هرب ولم يظهر خبره وطلب محمد علي فلتيوس وغالي وجرجس الطويل
لطويل وفي يوم الاثنين حضر محمد كتخدا الألفي بجواب من مخدومه وقابل محمد علي باشا وذهب الى بيته لقضاء اشغاله
وفيه وصلت القافلة والمحمل واراد الباشا نهب قافلة التجار فصالحوا على احمالهم بالف كيس ودخل المحمل في ذلك اليوم صحبة المسفر
وفيه طلب الباشا حسن أغا نجاتي المحتسب والامير ابراهيم الرزاز وطلب أن يقلد حسن أغا كتخدا الحج والامير ابراهيم ديودار بشرط أن يكلفا انفسهما من مالهما فاعتذرا بعدم قدرتهم على ذلك فحبسهما وطلب من كل واحد منهما خمسمائة كيس وعزل حسن أغا وقلد عوضه اخر يسمى قاضي اوغلي على الحسبة
وفي يوم الثلاثاء ظهر الخبر عن جرجس الجوهري بانه ركب من دير مصر العتيقة وذهب الى الامراء المصرين بناحية التين
وفي يوم الاربعاء سابع عشرة توفي الشيخ محمد الحريري مفتي الحنفية
وفي يوم الجمعة تاسع عشرة توفي حسن افندي ابن عثمان الاماحي الخطاط
وفيه قلدوا علي جلبي بن احمد كتخدا على كشوفية القليوبية ولبس القفطان وركب بالملازمين
وفيه سافر محمد كتخدا الألفي عائدا الى مخدومه وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي
وفي عشرينه تقلد الحسبة شخص يقال له عبدالله قاضي اوغلي وكذلك تقلد قبله بايام ابراهيم الحسيني الزعامة وهو حليق اللحية وتقلد محمد من مماليك اسمعيل بك ويعرف بالالفي وهو زوج هانم ابنة بنت اسمعيل بك أغاوية مستحفظان
وفيه افرجوا عن حسن أغا المحتسب وابراهيم الرزاز وقرروا على الاول خمسة وستين كيسا وعلى الثاني خمسة عشر كيسا يقومان بدفعها
وفيه انزلوا قوائم على البلاد والحصص التي كانت تحت التزام جرجس الجوهري الى المزاد فاشتراها القادرون والراغبون
وفي حادي عشرينه قلدوا ياسين بك كشوفية بنى سويف والفيوم وكذلك لبسوا كاشفا على منفلوط وغيرها
وفي اواخره حضر محمد كتخدا الألفي والسلحدار وذكرا مطلوبات الألفي وهو انه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة وماءتي بلد التزام وانه يأتي الجيزة ويقيم بها ويكون تحت طاعة محمد علي باشا وتشاوروا في ذلك اياما واما باقي الامراء المصرليين فانهم انتقلوا من مكانهم وترفعوا الى جهة قبلي بناحية بياضة ثم اتفق الرأي على أن يعطوهم من فوق جرجا وينزل بها الحاكم المولى عليها من العثمانية وان المصرين القبالي اقتسموا بينهم البلاد ويقومون بدفع المال والغلال الميرية وكل ذلك لا اصل له ولا حقيقة من الطرفين وكتبوا للالفي مكاتبات بذلك وان يكون في ضمنهم
وفي اواخره أيضا احتاج محمد علي باشا الى باقي علوفة العسكر فتكلم مع المشايخ في ذلك واخبرهم بان العسكر باق لهم ثلاثة ألاف كيس لا نعرف لتحصيلها طريقة فانظروا رأيكم في ذلك وكيف يكون العمل ولم يبق الا هذه النوبة ومن هذا الوقت اذا قبض العسكر باقي علائفهم سافروا الى بلادهم ولم يبق منهم الا المحتاج اليهم وارباب المناصب ولا ياخذون بعد ذلك علائف فكثر التروي في ذلك ولغط الناس
بالفردة وتقرير اموال على اهل البلد وانحط الامر بعد ذلك على قبض ثلث الفائظ من الحصص والالتزام فضج الناس وقالوا هذه تصير عادة ولم يبق للناس معايش فقال نكتب فرمانا ونلتزم بعدم عود ذلك ثانيا ونرقم فيه لعن الله من يفعلها مرة اخرى ونحو ذلك من التمويهات الكاذبة الى أن رضى الناس واستقر امرها وشرعوا في تحريرها وطلبها
شهر رجب الفرد سنة استهل بيوم الاربعاء وفي حادي عشره سافر محمد كتخدا الألفي بالجواب المتقدم الى مخدومه بعد أن قضى اشغاله واحتياجاته من امتعة وخيام وسروج وغير ذلك وخرج ياسين بك وباقي الكشاف المسافرون الى الجيزة وطلبوا المراكب حتى عز وجودها وامتنع ورودها من الجهة البحرية
وفي ثالث عشره سافر المذكورون بعساكرهم وسافر أيضا علي باشا سلحدار احمد باشا خورشيد المنفصل الى الاسكندرية واما قبطان باشا فإنه لم يزل بثغر سكندرية
وفي منتصفه برز طاهر باشا الذاهب الى البلاد الحجازية بعساكره الى خارج باب النصر
وفيه وردت الاخبار بان الوهابيين استولوا على المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة واتم التسليم بعد حصارها نحو سنة ونصف من غير حرب بل تحلقوا حولها وقطعوا عنها الوارد وبلغ الاردب الحنطة بها مائة ريال فرانسة فلما اشتد بهم الضيق سلموها ودخلها الواهبييون ولم يحدثوا بها حدثا غير منع المنكرات وشرب التنباك في الاسواق وهدم القباب ما عدا قبة الرسول صى الله عليه وسلم
وفي تاسع عشره وقع بالازبكية معركة بين العسكر قتل بها واحد من اعيانها واثنان آخران ورجل سائس وبغل وفرس وحمار
وفي خامس عشرينه ورد الخبر بسفر القبطان واحمد باشا خورشيد
من ثغر سكندرية
وفيه حضر اهل رشيد يشتكون الى السيد عمر النقيب والمشايخ ويذكرون أن محمد على باشا ارسل يطلب منهم اربعين ألف ريال فرانسة على ثلاثة عشر نفرا من التجار بقائمة
وفيه حضر محمود بك الذي كان بالمنية وتواترت الاخبار بوصول الغز المصريين الى اسيوط وملكوها واما الألفي فانه جهة الفيوم ووقع بينه وبين جماعة ياسين بك محاربة وظهر عليهم وارسل ياسين بك يطلب عسكرا وذخيرة
وفي خامس عشرينه ركب المشايخ والسيد عمر النقيب الى محمد علي وترجوا عنده في اهل رشيد فاستقرت غرامتهم على عشرين ألف فرانسة وسافروا على ذلك واخذوا في تحصيلها
وفيه طلب بترك الدير واحتجوا عليه بهروب جرجس الجوهري وانحط الامر على المصالحة بمائة واربعين كيسا وزعها النصارى على بعضهم ودفعوها
شهر شعبان سنة استهل بيوم الجمعة فيه امر محمد علي باشا برفع حصص الالتزام التي على النساء وكتبوا قوائم مزادها وانحط الامر على المصالحات بقدر حالهن وغير ذلك امور كثيرة وجزئيات وتحيلات على استنضاح الاموال لا يمكن ضبطها
وفي اواخره زوج محمد علي حسن الشماشرجي تابعه ببنت سليم كاشف الاسيوطي وهي بنت عبدالرحمن بك تابع عثمان بك الجرجاوي وهي ربيبة احمد كاشف تابع سليم كاشف المذكور فعقدوا عقدهم وعلموا لها مهما ببيت امها هانم بحارة عابدين واحتفل بذلك محمد علي وامر بان يعمل لها زفة مثل زفف الامراء المتقدمين ونبهوا على ارباب الحرف فعملوا لهم عربات وملاعيب وسخريات قاموا بكلفها من مالهم الموزع على افرادهم
وداروا بأزفة يوم الخميس غاية شعبان وحضر محمد علي الى مدرسة العورية مع اولاده ليرى ذلك وعمل له السيد محمد المحروقي ضيافة في ذلك اليوم واحضر اليه الغداء بالمدرسة ولما انقضى امر الزفة شرعوا في عمل موكب المحتسب ومشايخ الحرف لرؤية رمضان وحضروا الى بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة وانقضى شهر شعبان
واستهل شهر رمضان بيوم السبت 1220
وفي هذا اليوم شح وجود اللحم وغلا سعره لعدم المواشي وتوالى الظلم والعسف والفرد والكلف على القرى والبلاد حتى بلغ الرطل اللحم الجفيط الهزيل خمسة وعشرين نصفا أن وجد والجاموسي اثني عشر نصفا وامتنع وجود الضاني بالاسواق بالكلية رأسا ولما استهل رمضان انكب الناس على من يوجد من الجزارين اللحم الخشن وكذلك شح وجود السمن وعدم بالكلية واذا وجد منه شىء خطفه العسكر وذهبوا به الى سوق انبابة يوم السبت اول رمضان ونهبوا ما وجدوه مع الفلاحين من الزبد والجبن وغير ذلك وزاد فحشهم وقبحهم وتسلطهم على ايذاء الناس وكثروا بالبلد وانحشروا من كل جهة وتسلطوا على تزوج النساء قهرا اللاتي مات ازواجها من الامراء المصرلية ومن ابت عليهم اخدوا ما بيدها من الالتزام والايراد واخرجوها من دارها ونهبوا متاعها فما يسمعها الا الاجابة والرضا بالقضاء وتزوج بعضهم بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت احمد بك شنن وامثالها ولم ينفعهن الهروب ولا الاختفاء ولا الالتجاء وتزيوا بزي المصريين في ملابسهم وركبوا الخيول المسومة بالسروج المذهبة والقلاعيات والرخوت المكلفة واحدق بهم الخدم والاتباع والقواسة والسواس والمقدمون ووصل كل صعلوك منهم لما لا يخطر على باله او يتوهمه أن يتخيله ولا في عالم الرؤيا مع انحراف الطبع والجهل المركب وعمى البصيرة والفظاظة والقساوة والتجارى وعدم الدين والحياء والخشية والمروءة ومنهم من تزوج الاثنتين والثلاث وصار له عدة دور
وفيه تواترت الاخبار بما حصل لياسين بك وانه بعد انهزامه هرب بجماعة قليلة وذهب عند سليمان بك المرادي وانضم اليه
وفي ثالث عشره نهبوا بيت ياسين بك المذكور واخذوا ما فيه ونفوا محمد افندي اباه وانزلوه في مركب وذهبوا به الى بحرى وقيل انهم قتلوه
وفيه وردت الاخبار بانه غرق بمينا الاسكندرية احد عشر غليونا من الكبار وذلك انه في اواخر شعبان هبت رياح غربية عاصفة ليلا فقطعت مراسي المراكب ودفعتها الرياح الى البر فانكسرت وتلف ما فيها من الاموال والانفس ولم ينج منها الا القليل وكذلك تلف ثمان واربعون مركبا واصلة من بلاد الشام الى دمياط ببضائع التجار
وفيه حضر جماعة من الألفية الى بر الجيزة وطلبوا كلفا من اقليم الجيزة وقبضوها ورجعوا الى الفيوم ومضى في اثرهم عربان اولاد علي من ناحية البحيرة وعاثوا باراضي الجيزة فعينوا لهم طاهر باشا الذي كان مسافرا الى بلاد الحجاز وخرج بعساكره وخيامه وموكبه الى خارج باب النصر ونصب وطاقة وصار يضرب في كل ليلة مدافعه وطلبه ونوبته واستمر مقيما على ذلك نحو ثلاثة شهور وهم يجمعون له الأموال ويفردون الفرد على الأقاليم ويقولون برسم تشهير العسكر المسافر للخوارج واستخلاص البلاد الحجازية من ايديهم ولم يزالوا يحتجون بعدم اخذ النفقة وفي كل يوم يتسللون شيئا بعد شىء ويدخلون الى المدينة ويتفرقون الى الجهات حتى لم يبق منهم الا القليل ثم انهم ارتحلوا من مخيمهم بحجة العرب وطردهم من الجيزة فلما عادوا الى الجيزة دخلوا الى دورها وسكنوها غصبا عن اهلها واستولوا على فراشهم ومتاعهم ولم يخرج منهم احد للعرب ولم يتعدوا خارج السور وبطل امر السفرة المذكورة
وفي تاسع عشره ارسل محمد علي من قبض على الاغا الشمعدانجي وعثمان أغا كتخذا بك سابقا وقت المغرب وانزلوهما الى بولاق في مركب وذهبوا بهما يقال انهم قتلوهما ومعهما اثنان أيضا من كبار العسكر ولم
يعلم سبب ذلك وانزلوا حصصهم في المزاد
وفيه فتحوا طلب الميري من الملتزمين عن سنة احدى وعشرين مع أن سنة تاريخه لم يستحق منها الثلث وكانوا فتحوها معجلة لقدر الاضتياج وقبضوا نصفها وطلبوا النصف الاخر بعد اربعة اشهر واما هذا فطلبوها بالكامل قبل اوانها بسنة وخصوصا في شهر رمضان مع الناس فيه من ضيق المعاش وغلو الاسعار في كل شىء بل وعدم وجود الاقوات ووقوف العسكر خارج المدينة يخطفون ما ياتي به الفلاحون من السمن والجبن والتبن والبيض وغير ذلك ومن دونهم العرب ومثل ذلك في البحر والمراكب حتى امتنع وجود المجلوبات برا وبحرا وطلبوا المراكب لسفر العساكر بالتجاريد فتسامع القادمون فوقفوا عن القدوم خوفا من النهب والتسخير ولم يبق بسواحل البحر مركب ولا قارب وبطل ديوان العشور ووصل سعر العشرة ارطال السمن ستمائة نصف فضه ان وجد والعشرة من البيض بخمسة عشر فضة أن وجد والدجاجة بأربعين نصفا والرطل الصابون بستين نصفا ولم يزل يتزايد حتى وصل الرطل الى مائة وعشرين والراوية الماء باربعين نصفا والرطل القشطة بستين نصفا والرطل من السمك الطري بستة عشر نصفا والقديد المملوح بعشرة انصاف وقد كان يباع بنصفين وبالعدد من غير وزن والحوت الفسيخ باربعين نصفا وقس على ذلك
وفي عشرينه رجع خازندار طاهر باشا الى جهة العادلية ثانيا ومعه جملة من العسكر وصاروا يضربون في كل ليلة مدفعين واستمر طاهر باشا بالجيزة
وفيه كتب محمد علي باشا مكاتبة الى الامراء القبالي وارسل بها مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليصطلحوا على امر
وفيه وصل أيضا جماعة من الألفية الى جهة سقارة وبلاد الجيزة وطلبوا منها كلفة ودراهم فامر محمد علي بخروج العساكر فتلكؤا واحتجوا بطلب العلوفة فعزم على الخروج بنفسه فلما كان ليلة الاربعاء سادس عشرينه
طلب كبار العساكر وركب معهم الى مصر القديمة وشرعوا في التعدية بطول الليل وهم محمد علي وعسكره وخواصه وعابدي بك وعمر بك وصالح قوش والدلاة وكبيرهم وعلي كاشف الذي تزوج بنت شنن واتباعه في تجمل وكبير الدلاة وطائفته وركب الجميع وقت الشروق وبرزوا الى الفضاء وانفرد كل كبير بعسكره خمسة طوابير وستة ونظروا على البعد منهم فرأوا خيالة من العربان وغيرهم متفرقين كل جماعة في ناحية فحمل كل طابور على جماعة منهم فانهزموا امامهم فساقوا خلفهم فخرج عليهم كمائن من خلفهم ووقع بينهم الضراب وحمل علي كاشف وآخر يقال له اوزى في جماعتهم فراوه مجملا فظنوه محمد علي فاحتاطوا به وتكاثروا عليه واخذوه اسيرا هو ومن ومعه وفر من نجا منهم ووقعت فيهم الهزيمة ورجع الجميع القهقري وعدوا الى بر مصر من غير تأخير وذهب من الارنؤد طائفة الى الاخصام وانضموا اليهم
وفي هذه الايام وقع بين اهل الازهر منافسات بسبب امور واغراض نفسانية يطول شرحها وتحزبوا حزبين حزب مع الشيخ عبدالله الشرقاوي وحزب مع الشيخ محمد الامير وهم الاكثر وجعلوا الامير ناظرا على الجامع وكتبوا له تقريرا بذلك من القاضي وختم عليه المشايخ والشيخ السادات والسيد عمر افندي النقيب وكانت النظارة شاغرة من ايام الفرنسيس وكان يتقلدها احد الامراء فلما خرج الامراء من مصر صارت تابعة للمشيخة لوقت تاريخه فانفعل لذلك الشيخ الشرقاوي ولما فعلوا ذلك اجتهد الشيخ الامير في النظر لخدمة الجامع بنفسه وبابنه واحضر الخدمة وكنسوا الجامع وغسلوا صحنه ومسحوه وفرشوا المقصورة بالحصر الجدد وعلقوا قناديل البوائك وصار كل يوم يقف على الخدمة ويأمرهم بالتنظيف وغسل الميضاة والمراحيض وامر بغلق الابواب من بعد صلاة العشاء ما عدا الباب الكبير ورتبوا له بوابا وطردوا من يبيت به من الاغراب الذين يتلفون بالحصر ويلوثونها ببولهم وغائطهم ونحو ذلك
وفي غايتة ليلة الاحد التي هي ليلة العيد عدى طائفة من العسكر الى بر الجيزة وانضموا الى الاخصام وحصل في العسكر ارتجاج واختلافات وعملوا شنكا في تلك الليلة في الازبكية بعدما اثبتوا هلال شوال بعد العشاء الاخيرة وقد كانوا اسرجوا المساجد وصلوا التراويح ثم اطفؤا المنارات في ثالث ساعة من الليل
شهر شوال سنة استهل بيوم الاحد المذكور وجميع الامور مرتبكة والحال على ما هو عليه من الاضطراب ولم يحصل في شهر رمضان للناس جمع حواس ولا حظوظ ولا امن وانكف الناس عن المرور في الشوارع ليلا خوفا من اذية العسكر وفي كل وقت يسمع الانسان اخبار ونكات وقبائح من افاعيلهم من الخطف والقتل وأذية الناس
وفي رابعه قلدوا مناصب كشوفات الاقاليم وتهيؤا للذهاب وعملوا قوائم فرد ومظالم على البلاد خلاف ما تقدم وخلاف ما ياخذه الكشاف لانفسهم وما يأخذونه قبل نزولهم وذلك انه عندما يترشح الشخص منهم لتقليد المنصب يرسل من طرفه معينين الى الاقليم الذي سيتولي عليه باوراق البشارات وحق طرق باسم المعينين اما عشرين الفا او اكثر او اقل فاذا قبضوا ذلك اتبعوها باوراق اخرى ويسمونها اوراق تقبيل اليد وفيها مثل ذلك واكثر او اقل ثم كذلك اوراق لبس القفطان ونحو ذلك وقد يتفق بعد ذلك جميعه انه يتولى خلافه ويستأنف العمل الى غير ذلك هذا وكتخذا بك مستمر في سرحاته بالاقاليم وجمع الاموال والعسف والجور مرة بالمنوفية ومرة بالغربية ومرة بالشرقية ولا يقرر الا الاكياس من الشهريات والمغارم وحق الطرق والاستعجالات المترادفة مما لا يحيط به دفتر ولا كتاب
وفي ثامنه توفي ابراهيم افندي كاتب البهار وترك ولدا صغيرا فقلدوا مملوكه حسنا في منصبه وكيلا عن ولده
وفي هذه الايام كثر تحرك العسكر والمناداة عليهم بالخروج الى نواحي
طرا والجيزة وذلك بسبب أن بعض الالفية عدى الى ناحية الشرق واخذوا كلفا من البلاد وبعضهم وصل الى وردان بالبر الغربي
وفي عاشره حضر جملة من الدالاتية وغيرهم من ناحية الشام فمنهم من حضر في البحر على دمياط ومنهم من حضر في البر وعدى طاهر باشا الذي كان مسافرا على جدة
وفيه أيضا سافرت القافلة المتوجهة الى السويس وصحبتها نحو المائتين من العسكر وعليهم كبير من طرف طاهر باشا بدلا عنه وسافر صحبتهم حسن افندي القاضى المنفصل ليكون قاضيا بمكة حسب القانون
وفي خامس عشره وصلت قوافل التجار من السويس فأرسل محمد علي وفتح الحواصل واراد اخذ بضائع التجار وفروق البن فانزعج التجار بوكائل الجمالية وغيرها وذلك بعد أن دفعوا عشورها ونو لونها واجرها وما جعلوه عليها من المغرم السابقة وانحط الامر على المصالحة عن كل فرق خمسون ريالا ولم ينتطح في ذلك شاتان
وفي حادي وعشرينه حضر كتخدا بك الى مصر بعدما جمع الاموال من الاقاليم وفعل ما فعله من الفرد والمظالم الخارجة عن الحد
وفي يوم الاربعاء خامس وعشرينه توفي عثمان افندي العباسي
شهر ذي القعدة سنة واستهل بيوم الثلاثاء والاجتهاد حاصل بخروج العسكر للتجريد في كل يوم ونصبوا عرضيهم ببر الجيزة وناحية طرا من ابتداء شعبان كما تقدم وفي كل يوم يخرجون طوائف ويعودون كذلك
وفي يوم الأربعاء تاسعه حضر مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وعلي جاويش الفلاح الذين كانوا تواجهوا الى قبلي لاجل الصلح وحضر صحبتهم نيف وثلاثون مركبا من السفار والمتسببين فيها غلال وادهان وجلود وتمر وغير ذلك ولم يعلم حقيقة ما حصل
وفي يوم الجمعة حادي عشره نودى على العسكر بالخروج من الغد
بالتركي والعربي والتحذير من التأخير
وفي يوم الاحد رجع مصطفى أغا بجواب ثانيا هجانا من طريق البر
وفي يوم الاثنين رابع عشرة اخرجوا المحمل والكسوة وعين للسفر بهما من القلزم مصطفى جاويش العنتبلي ومعه صراف الصرة دفعوا له ربعها وثمنها وهذا لم يتفق نظيره
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره ورد نحو السبعين ططريا ومعهم البشارة لمحمد علي باشا بوصول الاطواخ الى رودس ووصل معهم أيضا مراسيم بمنصب الدفتردارية الى سكندرية في ايام احمد باشا خورشيد وجانم افندى الدفتردار ومنعوه عنها وكتبوا في شأنه عرضا للدولة بعدم قبوله وان اهل البلد راضون على جانم افندي فلما حصل ما حصل لخورشيد باشا وعزل عن مصر وعزل أيضا جانم افندي حضر أيضا احمد افندي المذكور بمراسيم اخر وفيها الوكالة لسعيد أغا مجددة له ونظر الخاصكية لحافظ سليمان واستمر من ذلك الوقت بمصر فوصل اليه الامر بتقليد الدفتردارية وكان حسن افندي الروزنامجي هو المتقلد لذلك فلما كان يوم الخميس سابع عشره اجتمع بديوان محمد علي صالح أغا قابجي باشا وسعيد أغا ونقيب الاشراف وبعض المشايخ ولبس احمد افندي خلعة الدفتردارية وشرطوا عليه انه لا يحدث حوادث كغيره فان حصل منه شىء عزلوه وعرضوا في شأنه وقبل ذلك على نفسه
وفي يوم الجمعة ثامن عشره ارتحلت القافلة وصحبتها الكسوة والمحمل اواخر النهار من ناحية قايت باي بالصحراء وذهبوا الى جهة السويس ليسافروا من القلزم
وفيه وصلت الاخبار بان بونابارته كبير الفرنسيس ركب في جمع كبير واغار على بلاد النمساوية وحاربهم حربا عظيما وظهر عليهم وملك تختهم وقلاعهم وطلب ملكهم بعد خروجه من حصونه فأعاده لمملكته بعد
ما شرط عليه شروطه وملك غير ذلك من القرانات والحصون ثم سار الى بلاد الموسقو ووقع بينه وبينهم هدنة على ثلاثة اشهر
وفي اليوم الاربعاء ثالث عشرينه خرج حسن باشا طاهر الى ناحية مصر القديمة
وفي يوم السبت سادس عشرينه حضر مبشرون بحصول مقتلة عظيمة وانهم اخدوا من الاخصام جملة عسكر اسرى ورؤوس فضربوا مدافع لذلك واظهروا السرور
وفي يوم الاحد وصلت الرؤوس والاسرى وهى احدى وعشرون رأسا وذراع مقطع وسبعة عشر اسيرا ليس فيهم من يعرف ولا من جنس الاجناد وغالبهم فلاحون فاعطى محمد علي لكل اسير نصف دينار واطلقهم ووضعوا الرؤوس والذراع عند باب زويلة
وفيه وصلت القافلة من السويس ووصل أيضا صحبتهم جنرال من الانكليز راكب في تخت وحملته ومتاعه على نحو سبعين جملا فذهب عند قنصلهم فلما كان يوم الاربعاء غايته ركب في التخت وذهب عند محمد علي بالازبكية فتلقاه وعمل له شنكا ومدافع وقدم له هدية وتقادم ثم رجع الى مكانه
شهر ذى الحجة الحرام سنة استهل بيوم الخميس فيه حضر مصطفى أعا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي من الجهة القبلية وقد تقدم انهما ذهبا وعادا ثم رجعا ثانيا على الهجن لتقرير الصلح ثم رجعا ولم يظهر اثر لذلك الصلح وحكى الناس عنهما أن المذكورين لما ذهبا الى اسيوط وجدا ابراهيم بك قد انتقل الى ناحية طحطا واجتمعا بعثمان بك حسن البرديسي فلم يرضيا بالتوجيه الذي وجه به اليهم وهو من حدود جرجا وقالا لا يكفينا الامن حدود المنية فان الفرنساوية كانوا اعطوا حكم البلاد القبلية من حدود المنية لمراد بك بمفرده فكيف انه يكفينا نحن الجميع من جرجا وشرطوا
أيضا انه استقر الصلح على مطلوبهم لابد من اخلاء الاقليم من هذه العساكر الذين لايتحصل منهم الا الضرر والخراب والدمار والفساد ولايبقى الباشا منهم الا مقدار الفي عسكري وقالوا انه أيضا اذا لم يعطنا مطلوبنا فهو لايستغني عن اناس من العسكر يقيمون بالبلاد التي يبخل علينا بها فنحن اولى له واحسن منهم ونقوم بما على البلاد من المال والغلال وعند ذلك يحصل الامن وتسير المسافرون في المراكب وترد المتاجر والغلال ويحصل لنا وله الراحة واما اذا استمر الحال على هذا المنوال فانه لم يزل متعبا من كثرة العسكر ونفقاتهم وكذلك سائر البلاد على انه أن لم يرض بذلك فهاهي البلاد بايدينا والامر مستمر معنا ومعهم على التعب والنصب
وفي رابعه ورد الخبر بأن جماعة من كبار العسكر وفيهم سليمان أغا الارنؤدي الذي تولى كسوفية منفلوط ومعهم عدة وافرة من العسكر عدوا من المنية الى البر الشرقي بالمطاهرة بسبب ما عندهم من القحط وعدم الاقوات لاحاطة المصريين بهم فلما دخلوا الى بلدة المطاهرة وملكوها وصل اليهم بعض الامراء والاجناد المصرية واحاطوا بهم وحاربوهم ايام حتى ظهروا عليهم وقتلوا منهم وهرب من هرب وهو القليل واسروا الباقي وفيهم سليمان أغا المذكور فالتجاء الى بعض الاجناد فحماه من القتل وقابل به كبار الامراء فانعموا عليه بكسوة ودراهم وسلاح واقام معهم اياما ثم استأذنهم للعود وحضر الى مصر وجلس بداره
وفيه ورد الخبر أيضا بموت الامير بشتك بك المعروف بالالفي الصغير مبطونا
وفيه أيضا حضر حجاج الخضري الرميلاتي الى مصر وقد كان خرج من مصر بعد حادثة خورشيد باشا خوفا من العسكر وذهب الى بلدة بالمنوات ثم ذهب عند الألفي واقام في معسكره الى هذا الوقت ثم أن الألفي طرده لنكتة حصلت منه فرجع الى بلده وارسل الى السيد عمر فكتب له
امانا من الباشا فحضر بذلك الامان وقابل الباشا وخلع عليه ونادوا له في خطته بانه على ما هو عليه في حرفته وصناعته ووجاهته بين اقرانه فصار يمشي في المدينة وبصحبته عسكري ملازم له
وفي يوم الجمعة تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وفي ذلك اليوم ركب محمد علي بالابهة الكاملة وصلى الجمعة بالمشهد الحسيني ولم يركب من وقت ولايته بالهيئة الا في هذا اليوم وفي عصر تلك الليلة ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما بالعيد وكذلك في صبحها وفي كل وقت من لاوقت الخمسة مدة ايام التشريق
وفي رابع عشره حضر جاههين بك الألفي ومعه طوائف من العربان الى اقليم الجيزة واخذوا الكلف واغناما من البلاد ودراهم واشيع بذلك وامروا بخروج العساكر اليهم وركب محمد علي باشا في يوم الخميس وخرج الى ناحية بولاق وانزلوا من القلعة جبخانة ومدافع وطفقوا يخطفون الحمير من الاسواق أن وجدوها وعدى طائفة من العساكر الخيالة الى بر الجيزة وعدى طاهر باشا الى بر انبابة وصحبته عساكر كثيرة وازعجوا أهل القرية وخرجوهم من دورهم وسكنوا بها واطلقوا دوابهم وخيولهم على المزارع فأكلوها بأجمعها ولم يبقوا منها ولا عودا اخضر في ايام قليلة
وفيه اختفى حجاج الخضري أيضا بسبب ما داخله من الوهم والخوف من العسكر
وفي عشرينه شرع عساكر حسن باشا في التعدية من ناحية معادي الخبيري الى البر الاخر
وفي يوم الاحد خامس عشرينه عدى حسن باشا أيضا
وفي يوم الاثنين نودي في الاسواق على العساكر الذين لم يكونوا في قوائم العسكر الذين يقال لهم السير بالسفر والخروج الى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة ايام قتل وكذلك كتبوا فرمانات وارسولها الى
البلاد بمعنى ذلك ومن كان من اهل البلد او المغاربة او الاتراك بصورة العسكر ومتزييا بزيهم فلينزع ذلك وليرجع الى زيه الاول
وفيه أيضا نودي على المعاملة الناقصة لاتقبض الا بنقص ميزانها لان المعاملة فحش نقصها جدا وخصوصا الذهب البندقي الذي كان احسن اصناف العملة في الوزن والعيار والجودة فان العسكر تسلطوا عليه بالقص فيقصون من المشخص الواحد مقدار الربع او اكثر او اقل ويدفعونه في المشتروات ولايقدر المتسبب على رده او طلب ارش نقصه وكذلك الصيرفي لايقدر على رده او وزنه وقتل بذلك قتلى كثيرة واغلق الصيارف حوانيتهم وامتنعوا من الوزن خوفا من شرهم وكذلك نودي على التعامل في بيع البن بالريال المعاملة وهو تسعون نصفا وقد كان الاصطلاح في بيع البن بالفرانسة فقط وبلغ صرف الفرانسة مائة وثمانين نصفا ضعف الاول وعز وجوده لرغبة الناس فيه لسلامته من الغش والنقص لان جميع معاملة الكفار قولة السير هكذا في نسخ وفي بعض النسخ القبسير ولم نقف بعد المراجعة عليها كذ بهامش النسخة المطبوعة سالمة من الغش والنقص بخلاف معاملات المسلمين فإن الغالب على جميعها الزيف والخلط والغش والنقص فلما انطبعوا على ذلك ونظروا الى معاملات الكفار وسلامتها تسلطوا عليها بالقطع والتنقيص والتقصيص تتميما للغش والخسران والانحراف عن جميع الاديان وقال صلى الله عليه و سلم الدين المعاملة ومن غشنا فليس منا فيأخذون الريالات الفرانسة الى دار الضرب ويسبكونها ويزيدون عليها ثلاثة ارباعها تحاسا ! ويضربنونها قروشا يتعاملون بها ثم ينكشف حالها في مدة يسيرة وتصير نحاسا احمر من اقبح المعاملات شكلا ووضعا لافرق بينها وبين الفلوس النحاس التي كانت تصرف بالارطال في الدول المصرية السابقة في الكم والكيف بل تلك اجمل من هذه في الشكل وقد شاهدنا كثيرا منها وعليها اسماء الملوك المتقدمين ووزن الواحد منها نصف اوقية وكان الدرهم المتعامل به اذ ذاك من
الفضة الخالصة على وزن الدرهم الشرعي ستة عشر قيراطا ويصرف بثلاثة ارطال من الفلوس النحاس فيكون صرف الدرهم الواحد اثنين وسبعين فلسا تستعمل في جميع المشتروات والمرتبات والمعاليم واللوازم للبيوت والجزئيات والمحروقات فلما زالت الدولة القلوونية وظهرت دولة الحراكسة واستقر الملك المؤيد شيخ في سلطنة مصر وبدا الاختلال اختصر الدرهم المتعامل به وجعله نصف درهم وهو ثمانية قراريط وسمي نصف مؤيدي ولم تزل تتناقص حتى صارت في اخر الدولة الجركسية اقل من ربع الدرهم واختل امر الفلوس النحاس والمرتبات والوظائف بالاوقاف المشروط فيها صرف المعاليم بالفلوس ولم يزل الحال يختل ويضعف بسبب الجور والطمع والغش وغباوة اولي الامر وعمي بصائهم عن المصالح العامة التي بها قوام النظام حتى تلاشى امر الدراهم جدا في الوزن والعيار وصار الدرهم المعبر عنه بالنصف اقل من العشر للدرهم وفيه من الفضة الخالصة نحو الربع فيكون في النصف الذي هو الان بدل الدرهم الاصلي من الفضة الخالصة اقل من ربع العشر فيكون في النصف الواحد من معاملتنا الان الذي وزنه خمس قمحات قيراط وربع ثلث قيراط من الفضة وذلك بدل عن ستة عشر قيراطا وهو الدرهم الاصلي الخالص فانظروا الى هذا الخسران الخفي الذي انمحقت به البركة في كل شئ فان الدرهم الفضة الان صار بمنزلة الفلس النحاس القديم فتأمل واحسب تجد الامر كذلك فاذا فرضنا أن انسانا اكتسب ألف درهم من دراهمنا هذه فكأنه اكتبسب خمسة وعشرين لاغير وهو ربع عشرها على انه اذا حسبنا قيمة الخمسة وعشرين في وقتنا هذا عن كل درهم ثلاثون نصفا فانها تبلغ سبعمائة وخمسين ويذهب الباقي وهو مائتان وخمسون هدرا واما الذهب فإن الدينار كان وزنه في الزمن الاول مثقالا من الذهب الخالص ثم صار في الدولة الفاطمية وما بعدها عشرين قيراطا وكان يصرف بثلاثين درهما من الفضة فلما نقص الدرهم زاد صرف الدينار الى أن استقر وزن الدينار
في اوائل القرن الماضي ثلاثة عشر قيراطا ونصفا ويصرف بتسعين نصفا وهو المعبر عنه بالاشرفي والطرلي المعروف بالفندقلي يصرف بمائة وكانا جيدين في العيار وكذلك الانصاف العددية كانت اذذاك جيدة العيار والوزن وكان الريال يصرف بخمسين نصفا والريال الكلب باثنين واربعين نصفا ثم صار الدينار وهو المحبوب الجنزرلي بمائة وخمسين والفندقلي بمائة وعشرين والفرانسة بستين ثم حدث المحبوب الزر في ايام السلطان احمد بدلا عن الجنزرلي وغلا صرف الجنزرلي وكان في وزن المشخص وعياره ووزن الزر ثلاثة عشر قيراطا ونصف الى أن زاد الاختلال في ايام علي بك والمعلم رزق واستيلائه على دار الضرب والقروش واستعمل ضرب القروش واستكثر منها وزاد في غشها لكثرة المصاريف على العساكر والتجاريد والنفقات واستقر الاشرفي المعروف بالزر بمائة وعشرة والطرلي بمائة وستة واربعين والمشخص بمائتين والريال الفرانسة بخمسة وثمانين مدة من ايام علي بك وفحش وجود القروش المفردة وضعفها واجزاؤها حتى لم يبق بأيدي الناس من التعامل الا هي وعز باقي الاصناف المذكورة وطلبت للسبك والادخار صياغة الحلي فترقت في الصارفة والابدال فلما زالت دولة علي بيك وتملك محمد بك أبو الذهب نادى بابطال تلك القروش بأنواعها رأسا فخسر الناس خسارة عظيمة من اموالهم وباعوها بالارطال للسبك واقتصروا على ضرب الانصاف العددية والمحبوب الزر والنصفيات لاغير ونقصوا من وزنها وعيارها ونقصت فيمنها وغلت في المصارفة وزاد الحال بتوالي الحوادث والمحن والغلاء والغرامات وضيق المعاش وكساد البضائع وتساهلوا في زيادة المصارفة وخصوصا في ثمن السلع والمبايعات وخلاص الحقوق من المماطلين واقترن بذلك تغافل الحكام وجورهم وعدم التفاتهم لمصالح الرعية وطمعهم وتركهم النظر في العواقب الى أن تجاوزت في وقتنا هذا الحدود وبلغت في المصارفة اكثر من الضعف وصار صرف المحبوب مائتين وخمسة بل وعشرة والريال
الفرانسة بمائة وخمسة وسبعين بل وثمانين والمشخص البندقي بأربعمائة واكثر والمجر بثلثمائة وستين والفندقلي بثلثمائة وعشرين وهو الجديد ويزيد القديم لجودة عياره عن الجديد وتتفاوت المثلية في المحبوب بجودة العيار فاذا ابدل السلمي الموجود الان بالمحمودي زيد في مصارفته اربعون نصفا واكثر بحسب الرغبة والاحتياج ويتفاوت أيضا المحمودي بمثله فيزيد أبو وردة عن الراغب ويزيد الراغب عن الذي فيه حرف العين ويكون المحبوبان في تحويل المعاملة بدلا عن المشخص الواحد مع أن وزنهما سبعة وعشرون قيراطا ووزن المشخص ثمانية عشر قيراطا فالتفاوت بينهما تسعة قراريط وهي مافيه من الخلط وغير ذلك مما يطول شرحه ويعسر تحقيقه وضبطه ولم يزل امر المعاملة وزيادة صرفها واتلاف نقودها واضطرابها مستمر او كل قليل ينادون عليها مناداة بحسب اغراضهم لا نسمع ولا تقبل ولا يلتفت اليها لأن اصل الكدر منبعث عنهم ومنحدر عن مجراة خبائثم وفسادهم
وفي اخره اذن الباشا لولده الكبير بالذهاب لزيارة سيدي احمد البدوي رضي الله عنه بطندتا وعين صحبته اتباعا وعسكرا وهجنا وقرر دراهم على البلاد ألف ريال فما دونها خلاف الكلف وكذلك سافر حريمات ورئيسهن حريم مصطفى أغا الوكيل في هيئة لم يسبق مثلها في تختروانات وعربات ومواهي واحمال وجمال وعسكر وخدم وفراسين وفرضوا لهن أيضا مقررات على البلاد وكلفا ونحو ذلك واظن أن هذه المحدثات من اهوال القيامة
وانقضت السنة وما حصل فيها من الحوادث والانذارات
ومات فيها الامام العلامة والبحر الفهامة صدر المدرسين وعمدة المحققين مفتي الحنفية بالديار المصرية الشيخ محمد عبد المعطي ابن الشيخ احمد الحريري الحنفي ولد سنة ثلاث واربعين ومائة والف ونشا في عفة وصلاح وحفظ القرآن وجوده وحفظ المتون وحضر اشياخ العصر وجود الخط
وكان ينسخ بالأجرة وكتب كتبا كثيرة وخطه في غاية الصحة والجودة وغالبها في الادبيات كالريحانة وخبايا الزوايا وخزانة الادب والتي بخطة من ذلك في غاية الحسن والقبول وكان شافعي المذهب ثم تحنف وحضر على اشياخ المذهب مثل الشيخ محمد الدلجي والشيخ محمد العدوى ولازم الشيخ حسن المقدسي ملازمة كلية وانتسب اليه وعرف به وحضر عليه وتلقى عنه غالب الكتب المشهورة في المذهب وحضر باقي العلوم على الشيخ الملوى والحفني والشيخ علي العدوي وغيرهم وكان يكتب الاجوبة على الفتاوى عن لسانه ولما توفي شيخه المذكور تقرر مكانه في وظيفة الخطابة والامامة بجامع عثمان كتخدا بالازبكية وسكن بالدار المشروطة له بها السكنى برحاب الجامع المذكور وكانت خطبه في غاية الخفة والاختصار ولوعظه وقع في النفوس لخلوه عن التصنع ولما مات الشيخ احمد الدمنهوري في سنة اثنتين وتسعين ومائة والف وحصل ما حصل للشيخ عبدالرحمن العريشي كما تقدم تعين المترجم لمشيخة الحنفية والفتوى عوضا عن المذكور قبل وفاته بأيام قليلة وكان اهلا لذلك وكفالة وسار فيها سيرا حسنا بحشمة واشتهر ذكره وقصدته الناس للفتوى والافادة واقبلت عليه الدنيا وسكن دارا مشرفة على الازبكية جارية في وقف عثمان كتخدا واشترى أيضا دارا نفيسة بالجودرية واسكنها لغيره بالاجرة وانحصرت فيه وظائف مشيخة الحنفية كالتدريس في مدرسة المحمودية والصرغتمشية والمحمدية وغيرها فكان يباشر الاقراء بنفسه في بعضها والبعض ولده العلامة الشيخ إبراهيم ولم يزل يقرئي ويملي ويفيد حتى في حال انقطاعه وذلك انه لما مات احمد أغا غانم وحصل بين عتقائه منازعة ثم اتفقوا على تحكيم المترجم بينهم والتمسوا منه أن يذهب صحبتهم الى قوة ليصلح بينهم فلما ذهب الى بولاق واراد النزول في السفينة اعتمد على بعض الواقفين فعثرت رجله فقبض ذلك الرجل على معصمه فانكسر عظمه لنحافة جسمه فعادوا به الى
داره واحضروا له من عالجه حتى برىء بعد شهور وفرحوا بعافيته ودعاه بعض احبابه بناحية قناطر السباع فركب وذهب اليه وكانت اول ركباته بعد برئه فلما طلع الى المجلس واراد الصعود الى مرتبه الجلوس زلقت رجله فانكسر عظم ساقه وتكدر الحاضرون وحملوه وذهبوا به الى داره واحضروا له المعالج فلم يحسن المعالجة وتألم تألما كثيرا واستمر ملازما للفراش نحو سبع سنوات ثم توفي يوم الاربعاء سابع عشر رجب من السنة عن سبع وسبعين سنة ودفن بتربة الأزبكية وتعين بعده في المشيخة والافتاء ولده المحقق العلامة المستعد الشيخ ابراهيم ادام الله النفع بحياته وحفظ عليه اولاده
ومات الاجل الامثل المفوه المنشىء النبيه الفصيح المتكلم عثمان افندي ابن سعد العباسي الانصاري من ولد آخر الخلفاء العباسية بمصر المتوكل على الله ووالده يعرف بالانصاري من جهة النساء من بيت السيادة والخلافة ولد بمصر وبها نشأ واشتغل بالعلم على فضلاء الوقت ومهر في الفنون بذكائه وعانى الحساب والنجوم فأخذ منها حظا ونزل كاتب سر في ديوان بعض الامراء ولامه بعض محبيه في ذلك فاعتذر انه انما قدم عليه صيانة لبعض بلاده وضياعه التى استولت عليها ايدي الظلمة فلا محيد له عن عشرتهم واجتمع بشيخنا الشيخ محمود الكردي واراد السلوك في طريق الخلوتية وترك شرب الدخان ولازمه كثيرا وتلقن الاسم الاول والاوراد واقلع عما كان عليه حتى لاحت عليه انوار ملازمته واعتقده جدا وبعد وفاة الاستاذ رجع الى حالته وشرب الدخان ثم ولى خليفة على غلال الحرمين فباشرها بشهامة ثم ولي روزنامة مصر بصرامة وقوة مراس وشدة ومخادعة وراج امره واتسع حاله وزادت حشمته وذلك بعد عزل احمد افندي أبي كلبة وقبل وفاة السيد محمد افندي الكماخي الروزنامجي وثقل امره على باقي الكتبة والناس فاوغروا عليه وعزلوه فضاق صدره وزاد قلقه وحدث فيه بعض رعونة وتردد لمشاهد الاولياء في الليل والنهار
يبتهل ويدعو ويفرق خبزا ودراهم وياوى اليه المجاذيب والذين يدعون الصلاح والولاية فيكرمهم برهة ويرون له مرائي ومنامات واخباريات فيزداد هوسه ثم لما يطول الحال ينقطع عنهم ويبدلهم بآخرين وهكذا كان ينام مع بعضهم في الحريم ويترجم بعضهم بمكاشفات وشطحيات ويقول فلان يطلع على خطرات القلوب وفلان يصعد الى السماء ومن كرامات فلان كذا ثم يرجع عن ذلك ولما مات السيد محمد عيد في كتابة الروزنامة أيضا استمر بها ثمانية عشر شهر وكانت اعادته في سنة ثمان بعد المائتين ثم انحرف عليه ابراهيم بك الكبير وعزله وكان يظن أن الامر يؤل اليه فلم يتم له ذلك واحضر ابراهيم بك السيد ابراهيم ابن اخي المتوفي وقلده ذلك فعندها ايس المترجم منها واختلفت الامور بحدوث الفتن وتقلب الدول والاحوال ولازم شأنه وبيته بعد رجوعه من هجرته الى الشام في حادثة الفرنسيس واعترته الامراض واجتمعت لديه كتب كثيرة في سائر العلوم وبيعت بأسرها في تركته توفي يوم الاربعاء خامس عشرين شوال من السنة
ومات العمدة الامام الصالح الناسك العلامة والبحر الفهامة الشيخ محمد ابن سيرين بن محمد بن محمود ابن جيش الشافعي المقدسي ولد في حدود الستين وقدم به والده الى مصر فقرأ القرآن واشتغل بالعلم وحضر دروس الشيخ عيسى البراوي فتفقه عليه وحلت عليه انظاره وحصل طرفا جيدا من العلوم على الشيخ عطية الاجهورى ولازمه ملازمة كلية وبعد وفاة شيخه اشتغل بالحديث فسمع صحيح مسلم علي الشيخ احمد الراشدي واتصل بشيخنا محمود الكردي فلقنه الذكر ولازمه وحصلت له منه الانوار وانجمع عن الناس ولاحت عليه لوائح النجابة والبسه التاج وجعله من جملة خلفاء الخلوتية وامره بالتوجه الى بيت المقدس فقدمه وسكن بالحرم وصار يذاكر الطلبة بالعلوم ويعقد حلقة الذكر وله فهم جيد مع حدة الذهن واقبلت عليه الناس بالمحبة ونشر له القبول عند الامراء والوزراء
وقبلت شفاعته مع الانجماع عنهم وعدم قبول هداياهم واخبرني بعض من صحبه انه يفهم من كلام الشيخ ابن العربي ويقرره تقريرا جيدا ويميل الى سماعه وحج من بيت المقدس واصيب في العقبة بجراحة في عضده وسلب ما عليه وتحمل تلك المشقات ورجع الى مصر فزار شيخه الشيخ محمود وجلس مدة ثم اذن له بالرجوع الى بلده وسمع اشياء كثيرة في مبادي عمره واقتبس من الاشياخ فوائد جمة حتى قبل اشتغاله بالعلم وفي سنة ( 1182 ) كتب الى شيخنا السيد مرتضى يستجيزه فكتب له اسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وقد تقدم ذكرها في ترجمة السيد مرتضى ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد واشتهر ذكره في الآفاق وانعقد على اعتقاده وانفراده الاتفاق وسطعت انواره وعمت اسراره وانتشرت في الكون اخباره وازدحمت على سدته زواره الى أن جاب الداعي ونعته النواعي وذلك سابع عشرين شهر شعبان من السنة ولم يخلف بعده مثله وبه ختمت دائرة المسلكين من الخلوتية ورجال السادة الصوفية وحسن به ختم هذا الجزء الثالث من كتاب عجائب الآثار في التراجم والاخبار لغاية سنة عشرين ومائتين والف من الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام وسنقيد ان شاء الله تعالى ما يتجدد بعدها من الحوادث من ابتداء سنة احدى وعشرين التي نحن بها الان أن امتد الاجل واسعف الامل ونرجو من الكريم المتعال صلاح الاحوال وانقشاع الهموم وصلاح العموم انه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير والله اعلم
سنة احدى وعشرين ومائتين والف استهل شهر المحرم بيوم الخميس حسابا ويوم السبت هلال ووافق ذلك انتقال الشمس لبرج الحمل فاتحدت السنة القمرية والشمسية وهو يوم النوروز السلطاني واول سنة الفرس وهو التاريخ الجلالي اليزدجردي وتاريخهم في هذه السنة ألف ومائة وستة وسبعون وكان طالع التحويل الواقع في يوم الجمعة في خامس ساعة ونصف من النهار سبع درجات
ونصفا من برج السرطان وصاحبه في حين العاشر منصرف عن تربيع المشتري ومقارنة عطارد والمشتري في السابع والمريخ مع الزهرة في العاشر وهي رجعة كيوان في الرابع وهو دليل على ثبات دولة القائم وتعب الرعية والحكم لله العلي الكبير
وفي ثالثه في ليلة الثلاثاء وصل الى بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بولايته بمصر وصحبة التقرير خلعة وهي فروة سمور فلما اصبح النهار عمل محمد علي باشا ديوانا بمنزله بالازبكية وحضر السيد عمر النقيب والمشايخ والاعيان وحضر ذلك الاغا من بولاق في موكب ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وامامه الاغا والوالي والمحتسب والاغوات والجاويشية وخلفه النوبة التركية فلما وصلوا الى بات الخرق عطفوا على جهة الازبكية فلما قرىء التقليد ضربوا مدافع كثيرة من الازبكية والقلعة وعملوا تلك الليلة شنكا وحراقات ونفوطا وسواريخ كثيرة وطبولا وزمورا بالازبكية
وفي سابعه وصلت الاخبار بوقوع حروب بين العساكر والعربان والامراء المصرية بناحية جزيرة الهواء وقتل شخص من كبار العسكر يسمى كور يوسف وغيره ووصل الى مصر عدة جرحى وهرب من العسكر طائفة وانضموا الى الامراء المصريين وارسل حسن باشا يستنجد الباشا بارسال عساكر اليه وفي ذلك اليوم نادوا في الاسواق بعدم المشي في الاسواق من اذان العشاء وخرج كتخدا بك الى بولاق في آخر النهار ونصب وطاقه ببرانبابة وخرج سليمان أغا بجملة من العسكر وذهب الى ناحية طرا
وفي ثامنه عدى كتخدا بك الى البر الغربي وانتقل طاهر باشا الى الجيزة واقام بها محافظا
وفيه امر الباشا بجمع الاجناد المصرية والجاقلية وامرهم بالتعدية الى البر الغربي وكان تخوف من اقامتهم بالمدينة وقال لهم من اراد منكم
الذهاب الى الاخصام فليذهب والا يستمر معنا
وفي هذه الايام كان مولد سيدي احمد البدوي والجمع بطندتا المعروف بمولد الشرنبابابة وهرع غالب اهل البلد بالذهاب اليه واكثروا الجمال والحمير بأغلى الأجرة لان ذلك صار عند اهل الاقليم موسما وعيدا لا يتخلفون عنه اما للزيارة او للتجارة او للنزاهة او للفسوق ويجتمع به العالم الاكبر واهالي الاقليم البحري والقبلي وخرج اكثر اهالي البلد بحمولهم فكان الواقفون على الابواب يفتشون الاحمال فوجدوا مع بعضهم اشياء من اسباب الاجناد المصرية وملابسهم ونحو ذلك فوقع بسبب ذلك ايذاء لمن وجدوا معه شيئا من ذلك لباقي الناس ضرر بنبش متاعهم فكان من الناس من ياخذ معه اشخاصا من العسكر من طرف الاغا يسلكونهم للخروج من غير تفتيش ويمنعون المتقيدين بالابواب عن التعرض لهم ونبش متاعهم واحمالهم
وفي تاسعه وصل الخبر بان عابدين بك لما بلغه خروج الألفي من الفيوم ذهب اليها صحبة الدلاة فلم يجد بها احدا فدخلها وارسل المبشرين الى مصر بإنه ملك الفيوم فضربوا مدافع لذلك وانبث المبشرون يطوفون على بيوت الاعيان يبشرونهم بذلك ويأخذون على ذلك الدراهم والبقاشيش ثم لما بلغ عابدين بك ما حصل لاخيه حسن باشا من الهزيمة رجع اليه واقام معه ناحية الرقق
وفي عاشره وصل الألفي الى ناحية كرداسة وانتشرت عساكره وعربانه باقليم الجيزة فلم يخرج لهم احد من الجيزة مع كونهم بمراى منهم ويسمعون نقاقيرهم وطبولهم ووطء حوافر خيولهم
وفيه ارسل الألفي مكتوبا خطابا الى السيد عمر افندي مكرم النقيب والمشايخ مضمونة نخبركم أن سبب حضورنا الى هذه الجهة انما هو لطلب القوت والمعاش فان الجهة التى كنا بها لم يبق فيها شىء يكفينا ويكفي من معنا من الجيش والاجناد ونرجو من مراحم افندينا بشفاعتكم أن ينعم
علينا بما نتعيش به كما رجونا منه في السابق فلما كان في صبحها يوم الاثنين حادي عشرة ركب السيد عمر الى الباشا واخبره بذلك واطلعه على المراسلة فقال ومن اتى به قال له تابع مصطفى كاشف المورلي وقد ترك متبوعه بالبر الآخر فقال له اكتب له بالحضور حتى نتروى معه مشافهة وفي ذلك الوقت حضر الى الباشا من اخبره بان طائفة من المصريين وجيوشهم وصلوا الى برانبابة فخرج اليهم طائفة من العسكر الرابطين هناك وتحاربوا معهم بسوق الغنم ووقع بينهم بعض قتلى وجرحى فركب من فوره وذهب الى بولاق فنزل بالساحل وجلس هناك ساعة ثم ركب عائدا الى داره بعد أن منع من تعدية المراكب الى برانبابة ثم امرهم بالتعدية لربما احتاجوها وكان كذلك فإنهم رجعوا مهزومين فلو لم يجدوا المعادي لحصل لهم هول كبير
وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى كاشف المورلي المرسل من طرف الألفي وصحبته علي جربجي بن موسى الجيزاوي الى بيت السيد عمر فركب صحبته الى الباشا وكتبوا له جوابا ورجع من ليلته ثم حضر في يوم الخميس رابع عشره بجواب آخر ومضمونه اننا ارسلنا لكم نرجو منكم أن تسعوا بيننا بما فيه الراحة لنا ولكم وللفقراء والمساكين واهالي القرى فاجبتمونا بأننا نتعدى على القرى ونطلب منهم المغارم ونرعى زرعهم وننهب مواشيهم والحال انه والله العظيم ونبيه الكريم ان هذا الامر لم يكن على قصدنا ومرادنا مطلقا وانما الموجب لحضورنا الى هذا الطرف ضيق الحال والمقتضى للجمعية التى نصحبها من العربان وغيرهم ارسال التجاريد والعساكر علينا فلازم لنا أن نجمع الينا من يساعدنا في المدافعة عن انفسنا فهم يجمعون اصناف العساكر من الاقطار الرومية والمصرية لمحاربتنا وقتالنا وهم كذلك ينهبون البلاد والعباد للانفاق عليهم ونحن كذلك نجمع الينا من يساعدنا في المنع ونفعل كفعلهم لننفق على من حولنا من المساعدين لنا وكل ذلك يؤدى الى الخراب والدمار وظلم الفقراء والقصد
منكم بل الواجب عليكم السعي في راحة الفريقين وهو أن يكفوا الحرب ويفرزوا لنا جهة نرتاح فيها فان ارض الله واسعة تسعنا وتسعهم ويعطونا عهدا بكفالة بعض من نعتمد عليه من عندنا وعندهم ويكتب بذلك محضر لصاحب الدولة وننتظر رجوع الجواب وعند وصوله يكون العمل بمقتضاه فعند ذلك اقتضى الرأي أن يقطعوه اقليم الجيزة وكتبوا له جوابا بذلك من غير عقد ولا عهد ولا كفالة كما اشار وسلموا الجواب لمصطفى كاشف ورجع به وفي اثناء ذلك طلب اجناد الألفي كلفا من بلد برطيس وام دينار ومنية عقبة فامتنعوا عليهم فضربوهم وحاربوهم ونهبوهم وسبب ذلك أن العساكر الاتراك اغروهم وارسلوا يقولون لهم اذا طلبوا منكم كلفة او دراهم لا تدفعوا لهم واطردوهم وحاربوهم ونهبوهم واذا سمعنا حربكم معهم اتيناكم وساعدناكم فاغتروا بذلك وصدقوهم فلما حصل لهم ما حصل لم يسعفوهم ولم يخرجوا من اوكارهم حتى جرى عليهم المقدور
وفي يوم السبت ثالث عشرينة كتب الباشا مراسيم وارسلها الى كشاف الاقاليم والكائنين بالبلاد من الاجناد المصرية بان يجتمعوا باسرهم ويذهبوا الى ساحل السبكية للمحافظة عليها من وصول الأخصام اليها ولمنعهم من تعدية البحر اليها لانهم اذا حصلوا بها تعدى شرهم الى بلاد المنوفية بأسرها واشيع عزم الباشا على الركوب بنفسه وذهابه الى تلك الجهة ويكون سيره على طريق القليوبية ويلحق بهم وكتخدا بك وطاهر باشا يسيران على الساحل الغربي تجاههم ثم بطل ذلك وارسل الى حسن باشا سرششمة بان يحضر بمن معه من العسكر من عند حسن باشا طاهر من ناحية بني سويف وكذلك عساكر كور يوسف الذي قتل في المعركة كما ذكر
وفي ذلك اليوم وصل رسول أيضا من عند الالفي بكاتبات واجتمع بالسيد عمر النقيب والمكاتبات خطاب له ولبقية المشايخ وللباشا ولسعيد أغا دار السعادة وصالح بك القابجي بمعنى ما تقدم صحبة احمد أبي ذهب
العطار فكتبوا له جوابا بالمعنى الاول واعادوا الرسول واصحبوه ببعض المتعممين وهو السيد احمد الشتيوي ناظر جامع الباسطية وكل ذلك امور صورية وملاعبات من الطرفين لاحقيقة لها
وفي يوم الثلاثاء وصل الجماعة المذكورون الذين استدعاهم الباشا بعساكرهم وخلع الباشا على احد كبارهم عوضا عن كور يوسف المقتول
وفيه وصل الخبر بان طائفة من الاجناد المصرية ومن يصحبهم من العربان عدوا الى بر السبكية ولم يمنعهم المحافظون بل هربوا من وجوههم فامر الباشا بسفر العساكر وطلب دراهم سلفة من الاعيان لاجل نفقة العساكر وفرضوا على البلاد ثلاث ألاف كيس ويكون على العال منها مائة ألف فضة وفيها الاوسط والدون
وفي يوم الخميس نودي في الاسواق بخروج العساكر
وفي يوم السبت سافر طاهر باشا الى منوف على جرائد الخيل وسافر بعده كتخدا بالحملة واحتاجوا الى جمال فاخذوا جمال السقائين والشواغرية
وفيه حضر عمر بك الارنؤدي من ناحية بني سويف واخبر الواردون من الناحية أن رجب أغا وطائفة من العسكر خامروا عليه وانضموا الى الامراء القبليين وهم نحو الستمائة فعند ذلك حضر عمر بك المذكور في تطريده ليبرئ نفسه من ذلك وحضر أيضا محو كبير العسكر المحاصرين بالمنية يطلب علوفة للعسكر
وفيه اراد كتخدا بك وهو المعروف بدبوس اوغلي أن يركب من انبابة وحمل احماله ليسير الى جهة بحرى فثارت عليه العسكر وطالبوه بعلائفهم وسفهوا عليه ومنعوه من الركوب فأراد التعدية الى بر بولاق فمنعوه أيضا وجذبوا لحيته فأقام يومه وليلته ثم قال لهم وما الفائدة في مكثي معكم دعوني اذهب الى الباشا واسعى في مطلوبكم ولم يزل حتى تخلص منهم وعدى الى مصر ولم يرجع اليهم
وفي يوم السبت الذي هو غايته وصلت عساكر الدلاة الذين كانوا بناحية بني سويف والفيوم الى برانبابة وضربوا لهم مدافع لوصولهم
وفيه ارسل كبار العسكر الذين بناحية منوف مكاتبة الى الباشا يذكرون أن العساكر يطلبون مرتبات وارز وسمن فانهم لا يحاربون ولا يقاتلون بالجوع
وفي هذه الايام وصل الكثير من العساكر القبلية ودخلوا البلد وكثروا بها
وفي هذا الايام أيضا وصلت الاخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين وذلك لشدة ما حصل لهم من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الاردب المصري من الارز خمسمائة ريال والاردب البر ثلثمائة وعشرة وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك فلم يسع الشريف الا مسالمتهم والدخول في طاعتهم وسلوك طريقتهم واخذا العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة وامر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الاراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة بالملازمة على الصلوات في الجماعة ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات وابطال المكوس والمظالم وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى أن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشرة بحسب حالة وان لم يدفع اهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه ولايتقرب اليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الاذن وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي احدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري ومصادرات الناس في اموالهم ودورهم فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه الا ولاعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ويقولون أن سيد الجميع محتاج اليها فاما أن يخرج منها جملة وتصير من املاك الشريف واما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها او اقل او اكثر فعاهده على ترك ذلك كله واتباع ما امر الله تعالى به في كتابه
العزيز من اخلاص التوحيد لله واتباع سنة الرسول عليه الصلاة و السلام وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والائمة المجتهدون الى اخر القرن الثالث وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الاحياء والاموات في الشدائد والمهمات وما احدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الاعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان عمل الاعياد والمواسم لها واجتماع اصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الاشياء التي فيا شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الالوهية التي بعثت الرسل الى مقاتلة من خالفها ليكون الدين كله لله فعاهده على منع ذلك كله وعلى هدم القباب المبنية على القبور والاضرحة لانها من الامور المحدثة التي لم تكن في عهده بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية واقامة الحجة عليهم بالادلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتب والسنة واذعانهم لذلك فعند ذلك امنت السبل وسلكت الطرق بين مكة والمدينة وبين مكة وجدة والطائف وانحلت الاسعار وكثر وجود المطعومات وما يجلبه عربان الشرق الى الحرمين من الغلال والاغنام والاسمان والاعسال حتى بيع الاردب من الحنطة بأربع ريالات واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار واذا نوقش في ذلك يقول هؤلاء مشركون وانا اخذ من المشركين لا من الموحدين
شهر صفر الخير استهل بيوم الاحد فيه سافر محو بك الى جهة المنية وفيه ورد من اسلامبول شخص قابجي وعلى يديه مرسومات بالجمارك وغيرها ومنها ضبط ترك الموتى المقتولين والمقبورين وكذلك تركه السيد احمد المحروقي واخر يسمى الشريف محمد البرلي والقصد تحصيل الدراهم باي حجة كانت ووصل أيضا اخر متعين لجمرك الاسكندرية وآخر لدمياط ولرشيد أيضا
وفيه عزم الباشا على السفر لمحاربة الألفي واشيع عنه ذلك وانزلوا مدافع من القلعة وجبخانة وآلات حربية
وفي رابعه قوى عزمه على ذلك واشيع انه مسافر يوم السبت واشار على السيد عمر افندي النقيب بان ينوب عنه ويكون قائما مقامه في الاحكام مدة غيابه فلم يقبل السيد عمر ذلك وامتنع ثم فترت همته عن ذلك وتبين انها ايهامات لا اصل لها
وفي يوم الخميس ارسل الباشا الى الخانات والوكائل اعوانا فختموا على حواصل التجار بما في داخلها من البن والبهار وذلك بعد أن امنهم وقبض منهم عشورها ومكوسها بالسويس فلما وصلت القافلة واستقرت البضائع بالحواصل فعل بهم ذلك ثم صالحوا وافرج عنهم
وفيه ورد الخبر بأن الألفي ارتحل من ناحية الجسر الاسود والطرانة وقصد جهة البحيرة
في يوم السبت ركب صالح أغا قابجي باشا ونزل الى بولاق ليسافر الى الديار الرومية فركب لوداعه الباشا وسعيد أغا والسيد عمر النقيب فيشيعوه الى بولاق حتى نزل الى المراكب وخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة بعد أن وفاه خدمته وهاداه بهدايا واصحب معه هدايا للدولة واربابها وعرفه بقضايا واغراض يتممها له هناك وودعوه ورجعوا الى بيوتهم بعد الغروب
وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر صالح أغا السلحدار الى جهة بحري على طريق المنوفية وصحبته عساكر وقرروا له مقادير من الاكياس على كل بلد من البلاد الرائجة عشرون كيسا فما فوقها وما دونها ومن كل صنف مقادير أيضا
وفيه فرضوا أيضا على البلاد غلال قمح وفول وشعير كل بلد عشرون اردبا فما فوقها وما دونها وهذه ثالث فرضة ابتدعت من الغلال على البلاد في هذه الدولة
وفيه ورد الخبر بإن الألفي توجه الى ناحية دمنهور البحيرة يوم الاربعاء رابعه وانهم امتنعوا عليه فحاصرهم لانهم استعدوا لذلك والبلد منضافة الى السيد عمر النقيب فكان يرسل اليهم ويحذرهم منه ويرسل اليهم ويمدهم بآلات الحرب والبارود ويحرضهم على الاستعداد للحرب فحصنوا البلدة وبنوا سورها وجعلوا فيها ابراجا وبدنات وركبوا عليها المدافع الكثيرة واحضروا لهم ما يحتاجون اليه من الذخيرة والجبخانة وما يكفيهم سنة وحفروا حولها خنادق وهي في موقعها مرتفعة
وفيه عزل الباشا محمد أغا كتخدا بك من كتخدائية بسبب امور نقمها عليه وحبسه وطلب منه ألف كيس وقلد في الكتخدائية خازنداره وهو المعروف بدبوس اوغلي
وفي ليلة الاحد ثامنه عدى ساري عسكر الى بر انبابه بوطاقه وهو دبوس اوغلي الكتخدا المذكور وذلك في اواخر النهار وضربوا مدافع كثيرة لتعديته واخذ العسكر في تشهيل امورهم ولوازمهم وانفق عليهم الباشا نفقة هذا والطلب والتوزيع بالاكياس مستمر لا ينقطع عن اعيان الناس والتجار والافندية الكتبة وجماعة الضربخانة والملتزمين بالجمارك وكل من كان له ادنى علاقة او خدمة او تجارة او صنعة ظاهرة او فائظ او له شهرة قديمة او من مساتير الناس وغالب الاحيان المحصل لذلك والقاضي فيه السيد عمر افندي النقيب وقد حكمت عليه الصورة التى ظهر فيها وانعكس الحال والوضع وساءت الظنون والأمر لله وحده
وفي يوم الخميس تاسع عشره ارتحل عرضى التجريدة من انبابه وذهبوا الى جهة الوراريق
وفي هذه الايام كان بين مشايخ العلم منافسات ومنافرات ومحاسدات وذلك من اوائل شهر رمضان وتعصبات بسبب مشيخة الجامع ونظر اوقافه واوقاف عبدالرحمن كتخدا فاتفق أن الشيخ عبدالرحمن السجيني ابن الشيخ عبدالرؤوف عمل وليمة ودعاهم اليها فاجتمعوا في ذلك اليوم وتصالحوا في الظاهر
وفي يوم الاثنين هبت رياح جنوبية حارة واثارت غبارا وزوابع ولواقح ثم غيمت السماء غيما متقطعا وارعدت وامطرت فكان الغبار والزوابع والشمس طالعة والمطر نزل وذلك بعد العصر وحصل مثل ذلك أيضا في يوم الثلاثاء ولكن بعد الظهر
وفي تلك الليلة بعد الغروب خرج الباشا محمد افندي المنفصل عن الكتخدائية منفيا الى جهة دمياط واصحب معه عدة من العسكر ذهبوا به من طريق البر
وفي اواخره رجعت عساكر من الارنؤد وكانوا كثيرين ونزلوا ببولاق ومصر القديمة وغالبهم الذين كانوا بصحبته حسن باشا طاهر واخيه عابدين بك وسبب رجوعهم انهم طلبوا علائفهم من حسن باشا وكان قد ظهر له فيهم المخامرة عليه وميلهم الى الاخصام فامتنع من دفع علائفهم وقال لهم اذهبوا الى مصر واطلبوا علائفكم من الباشا وارسل اليه يعرفه بحالهم ونفاقهم فلما تراسلوا في الحضور منعهم الباشا من الدخول الى البلد ووعدهم بايصال علائفهم اليهم وهم خارج المدينة وبعد أن يقبضوا مالهم يعودون الى مرابطهم كما كانوا فأقاموا بناحية بولاق وارسل الباشا فجمع عربان الحويطات والعائد وغيرهم فاقاموا بناحية شبرا ومنية السيرج وهم جملة كبيرة استمروا في تجمعهم اربعة ايام وارسل الى الاجناد والجربجية وامثالهم المقيمين بمصر وامر بان يتهيئوا ويقضوا اشغالهم ويخرجوا صحبة حسن أغا الشماشيرجي فمن كان منهم ذا مقدرة وعنده حصان يركبه او جمل يحمل عليه متاعه خرج بنفسه والا اخرج بدلا عنه واعطاه مصروفه واحتياجاته ولوازمه وبرزوا الى خارج ثم ارسل الى العساكر المذكورين يأمر كبارهم بالسفر الى بلادهم فامتنعوا وقالوا لا نسافر حتى نقبض المنكسر لنا من علائفنا فعند ذلك دس الى اصاغرهم من خدعهم واستمالهم حتى تفرقوا في خدمة المستوطنين ولم يبق مع كبارهم المعاندين الا القليل فلم يسعهم بعد ذلك الا الامتثال وارتحلوا في غايته من بولاق وسافر معهم
الشماشيرجي المذكور ومن بصحبته من المصريين وحولهم العربان وساروا على طريق دمياط وهو اثنان وخمسون شخصا من كبار طائفة الارنؤود وحصل العرب في مدة تجمعهم مالاخير فيه وكذلك في مدة اقامتهم من الخطف والتعرية وقطع الطريق على المسافرين
شهر ربيع الاول سنة استهل بيوم الثلاثاء وفي ليلة الاحد سادسه حصل رعد كثير وبرق بين المغرب والعشاء بدون مطر والغيم قليل متقطع وذلك سابع عشر بشنس وثاني عشر ايار والشمس في ثالث درجة من برج الجوزاء وذلك من النوادر في مثل هذا الوقت
وفي يوم الاحد المذكور ضربوا مدافع من القلعة لبشارة وردت من الجهة القبلية وذلك أن رجب أغا وياسين بك اللذين انضما الى الامراء المصرية القبليين عملا متاريس بحرى المنية ليمنعا من يصل اليها من مراكب الذخيرة فلما سافر محبوك بمراكب الذخيرة ووصل الى حسن باشا طاهر ببنى سويف اصحب معه عابدين بك وعدة من العسكر في عدة مراكب فلما وصلوا الى محل المتاريس تراموا بالمدافع والرصاص واقتحموا المرور وساعدهم الريح فخلصوا الى المنية وطلعوا اليها ودخلها عابدين بك وقتل فيما بينهم اشخاص وارسلوا بذلك المبشرين فاخبروا بذلك وبالغوا في الاخبار وان ياسين بك قتل هو وخلافة ورأسه واصله مع رؤوس كثيرة فعلموا لذلك شنكا وضربت مدافع كثيرة ولم يكن لقتل ياسين بك صحة ثم وصل محو بك وابن وافي وقد نزلا في شكترية لها عدة مقاديف ودفعوا في قوة التيار حتى وصلوا الى مصر ولم يصل معهم رؤس كما اخبر المبشرون
وفيه قرر فرضة على البلاد وهي دارهم وغلال وعينوا لذلك كاشفا فسافروا معه عدة من العسكر وصحبتهم نقاقير وسافر أيضا خازندار الباشا بلبيس وأخذ صحبته اكثر رفقائه واصحابه من اولاد البلد فسافروا على حين غفلة الى ناحية الدقهلية
وفي عاشره وصلت الاخبار بان الألفي ارتحل من البحيرة ورجع الى ناحية وردان وعدي الى جزيرة السبكية وهرب من كان مرابطا من الاجناد المصرية وغيرهم وطلبوا من اهالي السبكية دراهم وغلالا وفر غالب اهلها منها وجلوا عنها وتفرقوا في بلاد المنوفية
وفي ثاني عشره يوم الجمعة عمل المولد النبوي ونصبوا بالازبكية صواري تجاه بيت الباشا والشيخ محمد سعيد البكري وقد سكن بدار مطلة على البركة داخل درب عبدالحق واقام هناك ليالي المولد اظهارا لبعض الرسوم
وفيه علقوا تسعة رؤوس على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا انها من قتلى دمنهور وهي رؤوس مجهولة ووضعوا بجانبهم بيرقين ملطخين بالدماء
وفيه طلب الباشا دراهم سلفة من الملتزمين والتجار وغيرهم بموجب دفتر احمد باشا خورشيد الذي كان قبضها في عام اول قبل القومة والخرابة فعينوا مقاديرها وعينوا بطلها المعينين بالطلب الحثيث من غير مهلة ومن لم يجدوه بأن كان غائبا او متغيبا دخلوا داره وطلبوا اهله او جاره او شريكه فضاق ذرع الناس وذهبوا افواجا الى السيد عمر افندي النقيب فيتضجر ويتأسف ويتلقن ! ويهون عليهم الامر وربما سعى في التخفيف عن البعض بقدر الامكان وقد تورط في الدعوة
وفيه سافر السيد محمد المحروقي الى سد ترعة الفرعونية وذلك أن الترعة المذكورة لما اجتهد في سدها المصريون في سنة اثنتي عشرة ومائتين والف كما تقدم فانفتحت من محل آخر ينفذ الى ناحية الترعة المسماة بالفيض وكان ذلك بإشارة ايوب بك الصغير لعدم انقطاع الماء عن ري بلاده فتهورت أيضا هذه الناحية واتسعت وقوى اندفاع الماء اليها في مدة هذه السنين حتى جف البحر الغربى والشرقي وتغير ماء النيل في الناحية الشرقية وظهرت فيه الملوحة من حدود المنصورة وتعطلت مزارع الارز وشرقت بلاد البحر الشرقي وشربوا الاجاج ومياه الآبار والسواقي وكثر
تشكي اهالي البلاد فحصل العزم على سدها في هذا العام وتقيد بذلك السيد محمد المحروقي وذو الفقار كتخدا وطلبوا المراكب لنقل الاحجار من الجبل وذهب ذو الفقار الى جهة السد وجمع العمال والفلاحين وسيقت اليه المراكب المملوءة بالاحجار من اول شهر صفر الى وقت تاريخه وجبوا الاموال من البلاد لاجل النفقة على ذلك ثم سافر السيد المحروقي أيضا وبذل جهده ورموا بها من الاحجار ما يضيق به الفضاء من الكثرة وتعطل بسبب ذلك المسافرون لقلة المراكب وجفاف البحر الغربي والخوف من السلوك فيه من قطاع الطريق والعربان فكانت المراكب المعاشات التى تأتي بالسفار وبضائع التجار يأتون بشحناتهم الى حد السد ومحل العمل والشغل فيرسون هناك ثم ينقلون ما بها من الشحنة والبضائع الى البر وينقلونها الى السفن والقوارب التى تنقل الاحجار ويأتون بها الى ساحل بولاق فيخرجون ما فيها الى البر وتذهب تلك السفن والقوارب الى اشغالها في نقل الحجر ولا يخفى ما يحصل في البضائع من الاتلاف والضياع والسرقة وزيادة الكلف والاجر وغير ذلك وطال امد هذا الامر
وفي اواخره نزل الباشا للكشف على الترعة فغاب يومين وليلتين ثم عاد الى مصر
شهر ربيع الثاني سنة فيه وردت سعادة من الاسكندرية واخبروا بورود اربع مراكب وفيها عساكر من النظام الجديد وصحبتهم ططريات وبعض اشخاص من الانكليز ومعهم مكاتبة خطابا الى الألفي وبشارة بالرضا والعفو للامراء المصرية من الدولة بشفاعة الانكليز فلما وصلوا اليه بناحية حوش ابن عيسى بالبحيرة سر بقدومهم وعمل لهم شنكا وضرب لهم مدافع كثيرة ثم شهلهم وارسلهم الى الامراء القبليين وصحبتهم احد صناجقة وهو امين بك ومحمد كاشف تابع ابراهيم بك الكبير ثم إنه ارسل عدة مكاتبات بذلك الخبر الى المشايخ وغيرهم بمصر وكذلك الى مشايخ العربان مثل الحويطات والعائد
وشيخ الجزيرة وباقي المشاهير فأحضر ابن شديد وابن شعير الاوراق التى اتتهم من الالفي الى الباشا وفيها نعلمكم أن محمد علي باشا ربما ارتحل الى ناحية السويس فلا تحملوا اثقاله وان فعلتم ذلك فلا نقبل لكم عذرا ولما سمع الباشا ذلك قال انه مجنون وكذاب
وفيه فتح الباشا الطلب بفائظ البلاد والحصص من الملتزمين والفلاحين وامر الروزنامجي وطائفته بتحرير ذلك عن السنة القابلة فضج الملتزمون وترددوا الى السيد عمر النقيب والمشايخ فخاطبوا الباشا فاعتذر اليهم باحتياج الحال والمصاريف ثم استقر الحال على قبض ثلاثة ارباع النصف على الملتزمين والربع على الفلاحين وان يحسب الريال في القبض منهم بثلاثة وثمانين نصفا ويقبضه باثنين وتسعين وعلى كل مائة ريال خمسة انصاف حق طريق سواء كان القبض من الملتزم عن حصته في المصر او بيد المعينين من طرف الكاشف في الناحية واذا كان التوجيه بالطلب من كاشف الناحية كانت اشنع في التغريم والكلف لترادف الارسال وتكرار حق الطريق
وفي سادسه حضر احمد كاشف سليم من الجهة القبلية وسبب حضوره أن الباشا لما بلغته هذه الاخبار ارسل الامراء القبليين يستدعي منهم بعض عقلائهم مثل احمد أغا شويكار وسليم أغا مستحفظان ليتشاور معهم في الامر فلم يجب واحد منهم الى الحضور ثم اتفقوا على ارسال احمد كاشف لكونه ليس معدودا من افرادهم وبينه وبين الباشا نسب لان ربيبته تحت حسن الشماشيرجي فحضر واختلى به الباشا مرارا ثم امره بالعود فسافر في يوم الثلاثاء رابع عشره واصحب معه هدية الى ابراهيم بك والبرديسي وعثمان بك حسن وغيرهم من الامراء وهي عدد خيول وقلاعيات وثياب وامتعة وغير ذلك
وفي سادسه أيضا قبض الباشا على ابراهيم أغا الوالي وحبسه مع ارباب الجرائم وسبب ذلك أن البصاصين شاهدوا حمولا فيها ثياب من ملابس الاجناد اعدها بعض تجار النصارى ليرسلها الى جهة قبلي لتباع
على اجناد الامراء المصريين ومماليكهم ويربح فيها وسئل الحاملون لها فأخبروا أن اربابها فعلوا ذلك باطلاع الوالي المذكور على مصلحة اخذها منهم ووصل خبر ذلك الى الباشا فاحضره وقبض عليه وحبسه ثم اطلقه بعد ايام على مصلحة تقررت عليه بشفاعة امراة من القهارمة المتقربين وعاد الى منصبه واخذت البضاعة وضاعت على اصحابها وغرموهم زيادة على ذلك غرامة وكذلك تهم الذي حجزها بانه اختلس منها اشياء وحبس واخذت منه مصلحة فتحصل من هذه القضية جملة من المال مع انها في خلال المراسلة والمهاداة ونودى بعد ذلك بان من اراد أن يرسل شيئا او متجرا ولو الى السويس فليستأذن على ذلك ويأخذ به ورقة من باب الباشا فان لم يفعل وضاع عليه فالوم عليه
وفي يوم الثلاثاء رابع عشره ورد ساعي وصحبته مكتوب من حاكم الاسكندرية خطابا الى الدفتردار يخبره بوصول قبطان باشا الى الثغر وفي اثره واصل باشا متولى على مصر واسمه موسى باشا وصحبتهم مراكب بها عساكر من الصنف الذي يسمى النظام الجديد وكان ورود القبطان الى الثغر ليلة الجمعة عاشره وطلعوا الى البر بالاسكندرية يوم السبت حادى عشره فلما قرأ الدفتردار الورقة ارسل الى السيد عمر النقيب فحضر اليه وركب صحبته للباشا واختليا معه ساعة ثم فارقاه ولما بلغ الألفي ورود هذه الدونانمة وحضرت اليه المبشرون وهو بالبحيرة امتلأ فرحا وارسل عدة مكاتبات الى مصر صحبة السعادة فقبضوا على السعاة وحضروا بهم الى الباشا فأخفاها ووصل غيرها الى اربابها على غير يد السعاة وصورتها الاخبار بحضور الدونائمة صحبة قبطان باشا والنظام الجديد وولاية موسى باشا على مصر وانفصال محمد علي باشا عن الولاية وان مولانا السلطان عفى عن الامراء المصريين وان يكونوا كعادتهم في امارة مصر واحكامها والباشا المتولى ببستقر بالقلعة كعادته وان محمد علي باشا يخرج من مصر ويتوجه الى ولايته التى تقلدها وهي ولاية سلانيك وان حضرة
قبطان باشا ارسل يستدعي اخواننا الامراء من ناحية قبلي فالله يسهل بحضورهم فتكونون مطمئنين الخاطر واعلموا اخوانكم من الاولداشات والرعية بان يضبطوا انفسهم ويكونوا مع العلماء في الطاعة وما بعد ذلك الا الراحة والخير والسلام
وفي يوم الجمعة سابع عشره ورد قاصد من طرف قبودان باشا الى بولاق فأرسل اليه الباشا من قابله واركبه وحضر به الى بيت الباشا واراد أن ينزله بمنزل الدفتردار فاستعفى الدفتردار من نزوله عنده فأنزلوه ببيت الروزنامجي واقام يوم السبت والاحد ولم يظهر ما دار بينهما ثم سافر في يوم الاثنين وذهب صحبته سليم المعروف بقبي لركخسي وشرع الباشا في عمل آلات حرب وجلل ومدافع وجمعوا الحدادين بالقلعة واصعدوا بنبات كثيرة واحتياجات ومهمات الى القلعة وظهر منه علامات العصيان وعدم الامتثال وجمع اليه كبار العسكر وشاورهم وتناجى معهم فوافقوه على ذلك لان مامن احد منهم الا وصار له عدة بيوت وزوجات والتزام بلاد وسيادة لم يتخيلها ولم تخطر بذهنه ولا بفكره ولا يسهل به الانسلاخ عنها والخروج منها ولو خرجت روحه واخبر المخبر أن الألفي ارسل هدية الى قبودان باشا وفيها ثلاثون حصانا منها عشرة برخوتها ومن الغنم اربعة آلاف راس وجملة ابقار وجواميس ومائة جمل محملة بالذخيرة وغير ذلك من النقود والثياب والاقمشة برسمه ورسم كبار اتباعه ثم أن الباشا احضر السيد عمر والخاصة وعرفهم بصورة الامر الوارد بعزله وولاية موسى باشا وان الامراء المصريين عرضوا للسلطنة في طلب العفو وعودهم الى امرياتهم وخروج العساكر التى افسدت الاقليم عن ارض مصر وشرطوا على انفسهم القيام بخدمة الدولة والحرمين الشريفين وارسال غلالها ودفع الخزينة وتأمين البلاد فحصل عنهم الرضا واجيبوا الى سؤالهم على هذه الشروط وان المشايخ والعلماء يتكفلون بهم ويضمنون عهدهم بذلك فاعملوا فكركم ورأيكم في ذلك ثم انفصلوا من مجلسه
وفيه ارسل الباشا فجمع الاخشاب التى وجدها ببولاق في الشوادر والحواصل والوكائل وطلعوا جميع ذلك الى القلعة لعمل العربات والعجل برسم المدافع والقنابر
وفي يوم الثلاثاء حادى وعشرينه كان مولد المشهد الحسيني المعتاد وحضر الباشا لزيارة المشهد ودعاه شيخ السادات وهو الناظر على المشهد والمتقيد لعمل ذلك فدخل اليه وتغدى عنده ثم ركب وعاد الى داره واكثر من الركوب والطواف بشوارع المدينة والطلوع الى القلعة والنزول منها والذهاب الى بولاق وهو لابس برنسا
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه حضر ديوان افندي وعبدالله أغا بكتاش الترجمان عند السيد عمر ومعهما صورة عرض يكتب عن لسان المشايخ الى الدولة في شأن هذه الحادثة فتناجوا مع بعضهم حصة من النهار ثم ركبا وحضرا في ثاني يوم عند الشيخ عبدالله الشرقاوي وامروا المشايخ بتنظيم العرضحال وترصيعه ووضع اسمائهم وختومهم عليه ليرسله الباشا الى الدولة فلم تسعهم المخالفة ونظموا صورته ثم بيضوه في كاغد كبير
وفي ليلة الاثنين ثالث عشرينه وصل شاكر أغا السلحدار الوزير الى بولاق فتلقوه واركبوه الى بيت الباشا فلما اصبح النهار ارسلوا ارواقا وصلت صحبة السلحدار المذكور احداها خطابا للمشايخ واخرى الى شيخ السادات وثالثة الى السيد عمر النقيب وكلها على نسق واحد وهي من قبدون باشا وعليها الختم الكبير وهي بالعربي وفرمان رابع باللغة التركية خطابا للجميع ومضمون الكل الاخبار بعزل محمد علي باشا عن ولاية مصر وولايته سلانيك وولاية السيد موسى باشا المنفصل عنها مصر وان يكون الجميع تحت الطاعة والامتثال للأوامر والاجتهاد في المعاونة وتشهيل محمد علي باشا فيما يحتاج اليه من السفن ولوازم السفر ليتوجه هو وحسن باشا والي جرجا من طريق دمياط بالاعزاز والاكرام وصحبتهما جميع العساكر من غير تأخير حسب الاوامر السلطانية ثم انهم اجتمعوا في عصر
ذلك اليوم بمنزل السيد عمر وركبوا الى الباشا فلما استقروا بالمجلس قال لهم وصلت اليكم المراسلات الواردة صحبة السلحدار قالوا نعم قال ما رأيكم في ذلك قال الشيخ البرقاوي ليس رأى والرأي ما تراه ونحن الجميع على رأيك فقال لهم في غد ابعث اليكم صورة تكتبونها في رد الجواب وارسل اليهم من الغد صورة مضمونها أن الاوامر الشريفة وصلت الينا وتلقيناها بالطاعة والامتثال الا أن اهل مصر ورعيتها قوم ضعاف وربما عصت العساكر عن الخروج فيحصل لاهل البلدة الضرر وخراب الدور وهتك الحرمات وانتم اهل للشفقة والرحمة والتلطف ونحو ذلك من التزويقات والتمويهات واصدروها اليه في اثناء ذلك محمد علي باشا آخذ في الاهتمام والتشهيل واظهار الحركة والخروج لمحاربة الألفي وبرزت العساكر الى ناحية بولاق وخارج البلدة وعدوا بالخيام الى البر الغربي وتقدم الى مشايخ الحارات بالتعريف على كل من كان متصفا بالجندية ويكتبوا اسماءهم ومحل سكنهم ففعلوا ذلك ثم كتب لهم أوراق بالامر بالخروج وعليها ختم الباشا ومسطور في ورقة الامر بأن المأمور يصحب معه شخصين او ثلاثة على أن اكثرهم لا يملك حمارا يركبه ولا ما يحمل عليه متاعه ولا ما يصرفه على نفسه فضلا عن غيره وكذلك امر الوجاقلية جليلهم وحقيرهم بالخروج للمحاربة
وفيه شرع الباشا في تقرير فرضة على البلاد البحرية وهي القليوبية والمنوفية والغربية والدقهلية والمزاحمتين الى آخر مجرى النيل ورتبوها اعلى وادنى واوسط وهي غلال الاعلى ثلاثون اردبا وثلاثون رأسا من الغنم واردب ارز وثلاثون رطلا من الجبن ومن السمن كذلك وغير هذه الاصناف كالتبن والجلة وغير ذلك والاوسط عشرون اردبا وما يتبعها مما ذكر والادنى اثنا عشر ومع ذلك القبض والطلب مستمر في فائظ الملتزمين بعضه من ذواتهم وبعضه من فلاحيهم مع ما يتبع ذلك من حق الطرق والخدم وتوالي الاستعجالات
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه سافر شاكر أغا السلحدار بالأجوبة
شهر جمادى الاولى سنة استهل بيوم الخميس في ثانيه احترق معمل البارود بناحية المدابغ فحصل منه رجة عظيمة وصوت هائل مثل المدفع العظيم سمعه القريب والبعيد ومات به اشخاص ويقال انهم رموا بنبة من القلعة بقصد التجربة على جهة بولاق فسقطت في المعمل المذكور وحصل ما ذكر
وفي ثالثه يوم السبت وقت الزوال ركب الباشا من داره يريد السفر لمحاربة الألفي ونزل الى بولاق وعدى الى بر انبابة لتجهيز العرضى وارسل اوراقا لتجمع العربان وعين لذلك حسن أغا محرم وعلي كاشف الشرقية
وفي ليلة الاثنين خامسه حضر سليم أغا قابجي كتخدا الذي تقدم سفره صحبة سعيد أغا كتخدا البوابين مرسلا الى قبودان باشا من طرف محمد علي باشا فرجع بجواب الرسالة ومحصلها أن القبودان لم يقبل هذه الاعذار ولا ما نمقوه من التمويهات التي لا اصل لها ولا بد من تنفيذ الاوامر وسفر الباشا ونزوله هو وحسن باشا وعساكرهما وخروجهم من مصر وذهابهم الى ناحية دمياط وسفرهم الى الجهة المأمورين بالذهاب اليها ولا شىء غير ذلك ابدا
وفي ليلة الخميس ثامنه حضر علي كاشف الشرقية وذلك انه تقنطر من فوق جواده وكسرت رجله واحضره محمولا
وفي يوم الخميس المذكور وصل الكثير من طوائف عرب الحويطات ونصف حرام من ناحية شبرا الى بولاق وضربوا لحضورهم مدافع
وفيه ركب طوائف الدلاتية وتقدموا الى جهة بحري واشيع ركوب محمد علي باشا وذلك اليوم فلم يركب
وفي ثاثي عشره ورد خبر بوصول موسى باشا الى ثغر سكندرية يوم الاحد حادي عشرة والمذكور ارسل من طرفه قاصدا وعلى يده مرسوم خطابا لاحمد افندي الدفتردار بان يكون قائما مقامه ويأمره بضبط الايراد والمصرف فلم يقبل الدفتردار ذلك وقال لم يكن بيدي قبض ولا صرف
ولا علاقة لي بذلك
وفي يوم الاحد طاقت ! جماعة قواسة على بيوت الاعيان يبشرونهم بأن العساكر الكائنين بناحية الرحمانية ركبوا على عرضى الألفي ووقعت بينهم مقتلة كبيرة وقتلوا منه جملة فيهم اربع صناجق ونهبوا منه زيادة عن ثمانمائة جمل بأحمالها وعدة هجن محملة بالاموال ورجعت العساكر ومعهم نحو الثمانين رأسا ومائة اسير وغير ذلك وان الألفي هرب بمفرده الى ناحية الجبل وقيل الى الاسكندرية فكانوا يطوفون على الاعيان بهذا الكلام ويأخذون منهم البقاشيش ثم ظهر أن هذا الكلام لا اصل له وتبين أن طائفة من العرب يقال لهم الجوابيض وهم طائفة مرابطون ليس يقع منهم اذية ولا ضرر لاحد مطلقا نزلوا بالجبل بتلك الناحية فدهمهم العسكر وخطفوا منهم ابلا واغناما وقتل فيما بينهم انفار من الفريقين لمدافعتهم عن انفسهم
وفي ذلك اليوم أيضا ركب حسن أغا الشماشيرجي الى المنصورية قرية بالجيزة ومعه طائفة من العسكر وهي بالقرب من الاهرام فضربوا القرية ونهبوا منها اغناما ومواشي واحضروها الى العرضي بإنبابة وحضر خلفهم اصحاب الاغنام وفيهم نساء يصرخن ويصحن وصادف ذلك أن السيد عمر النقيب عدى الى العرضى فشاهدهم على هذه الحالة فكلم الباشا في شأنهم فأمر بأن برد الاغنام التي للنساء والفقراء الصارخين وذهبوا بالباقي للمطابخ
وفي ثاني عشره وردت الاخبار بأن العساكر الكائنين بالرحمانية ومرقص رجعوا الى النجيلة ونصبوا عرضيهم هناك وحضر الألفي تجاههم فركبوا لمحاربته وكانوا جمعا عظيما فركب الألفي بجيوشه وحاربهم ووقع بينه وبينهم وقعة عظيمة انجلت عن نصرته عليهم وانهزام العسكر وقتل من الدلاة وغيرهم مقتلة عظيمة ولم يزالوا في هزيمتهم الى البحر والقوا بأنفسهم فيه وامتلأ البحر من طراطير الدلاتية وهرب كتخدا بك وطاهر باشا الى بر المنوفية وعدوا في المراكب واستولى الألفي وجيوشه على خيولهم
وخيامهم وحملاتهم وجبخانتهم وارسل برؤوس القتلى والاسرى الى القبودان واشيع خبر هذه الواقعة في الناس وتحدثوا بها وانزعج الباشا والعسكر انزعاجا عظيما وعدى الى بر بولاق وطاف الوالي واصحاب الدرك ينادون على العساكر بالخروج الى العرضى ويكتبون اسماءهم وحضر الباشا الى داره واكثر من الركوب والذهاب والمجىء والطواف حول المدينة والشوارع ويذهب الى بولاق ومصر القديمة ويرجع ليلا ونهارا وهو راكب رهوانا تارة او فرسا او بغلة ومرتد ببرنس ابيض مثل المغاربة والعسكر امامه وخلفه ووصل مجاريح كثيرة واخبروا بالواقعة المذكورة ومات من جماعة الألفي احمد بك الهنداوي فقط وانجرح امين بك وغيره جرح سلامة
وفي يوم الاربعاء حادي عشرينه وصلت العساكر المهزومة وكبراؤهم الى بولاق وفيهم مجاريح كثيرة وهم في اسوأ حال فمنعهم الباشا من طلوع البر وردهم بمراكبهم الى بر انبابة واستمروا هناك الى اخر النهار وهم عدد كثير وقد انضاف اليهم من كان ببر المنوفيه ولم يحضر المعركة لما داخلهم من الخوف ثم انهم طلعوا الى بولاق وانتشروا في النواحي وذهب منهم الكثير الى مصر القديمة وحضر كثير منهم ودخلوا المدينة ودخلوا البيوت وازعجوا كثيرا من الناس والساكنين بناحية قناطر السباع وسويقة واللالا والناصرية وغير ذلك من النواحي واخرجوهم من دورهم وقد كانت الناس استراحت منهم مدة غيابهم
وفي يوم الاربعاء ثامن عشرينه الموافق لثامن مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وركب الباشا في صبيحة يوم الخميس الى قنطرة السد وحضر القاضي والسيد عمر النقيب وكسر الجسر بحضرتهم وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا بسبب علو ارضه وعدم تنظيفه من الاتربة المتراكمة فيه ويقال انهم فتحوه قبل الوفاء لاشتغال بال الباشا وتطيره وخوفه من حادثة تحدث في مثل يوم هذا الجمع وخصوصا وقد وصل الى بر الجيزة الكثير من اجناد الألفي
شهر جمادي الآخرة سنة استهل بيوم السبت في سادسه حضر طاهر باشا الى بر انبابة ونصب خيامه هناك وعدى هو في قلة الى بولاق وذهب الى داره بالأزبكية وكان من امره انه لما حصلت له الهزيمة فذهب الى المنوفية وقد اغتاظ عليه الباشا وارسل يقول له لاتريني وجهك بعد الذي حصل وترددت بينهما الرسل ثم ارسل اليه يأمره بالذهاب الى رشيد فذهب الى فوة ثم حضر شاهين بك الألفي الى الرحمانية فأرسل الباش الى طاهر باشا يأمره بالذهاب الى شاهين بك ويطرده من الرحمانية فذهب اليه في المراكب فضرب عليه شاهين بك بالمدافع فكسر بعض مراكبه فرجع على اثره وركب من البر حتى عدى بحر الرحمانية ثم حضر الى مصر ووصل بعده الكثير من العسكر فأمرهم الباشا بالعود فعاد الكثير منهم في المراكب وحضر ايضا اسمعيل أغا الطوبجي كاشف المنوفية وقد داخل الجميع الخوف من الألفي وأما الألفي فإنه بعد انفصال الحرب من النجيلة رجع الى حصار دمنهور وذلك بعد أن ذهب اعيانها الى قبودان باشا وقابلوه وامنهم ورجعوا على امانة فافترقوا فرقتين فرقة منهم اطمأنت ورضيت بالامان والاخرى لم تطمئن بذلك وارسلوا الى السيد عمر والباشا فرجع اليهم الجواب يأمرونهم باستمرارهم على الممانعة ومحاربة من يأتي لحربهم فامتثلوا ذلك وتبعتهم الفرقة الاخرى وارسل اليهم القبودان يدعوهم الى الطاعة ويضمن لهم عدم تعدي الألفي عليهم فلم يرضوا بذلك فعند ذلك استفتى العلماء في جواز حربهم حتى يذعنوا للطاعة فأفتوه بذلك فعند ذلك ارسل الى الألفي يأمره بحربهم فحاصرهم وحاربهم واستمر ذلك
وفي يوم الجمعة سابعه ورد الخبر بموت الكاشف الذي بدمنهور
وفي يوم الخميس ثالث عشره وصلت قافلة من السويس وصحبتها المحمل فأدخلوه وشقوا به من المدينة وخلفه طبل وزمر وامامه اكابر العسكر واولاد الباشا ومصطفى جاويش المتسفر عليه ولقد اخبرني مصطفى
جاويش المذكور انه لما ذهب الى مكة وكان الوهابي حضر الى الحج واجتمع به فقال له الوهابي ماهذه العويدات التي تأتون بها وتعظمونها بينكم يشير بذلك القول الى المحمل فقال له جرت العادة من قديم الزمان بها يجعلونها علامة واشارة لاجتماع الحجاج فقال لاتفعلوا ذلك ولا تأتوا به بعد هذه المرة وان اتيتم به مرة اخرى فإني اكسره
وفي ليلة الاربعاء حضر الافندي المكتوبجي من طرف القبودان الى بولاق فأرسل اليه الباشا حصانا فركبه وحضر الى بيت الباشا بالازبكية في صبح يوم الاربعاء المذكور فأحضر الباشا الدفتردار وسعيد أغا واختلوا مع بعضهم ولم يعلم مادار بينهم
وفي يوم الخميس عشرينه ارتحل من بالجيزة من الامراء المصريين وعدتهم ستة من المتآمرين الجدد الذين امرهم الألفي فذهبوا عند استاذهم بناحية دمنهور ونزلوا بالقرب منه
وفي خامس عشرينه مر سليمان أغا صالح من ناحية الجيزة راجعا من عند الامراء القبالى وصحبته هدايا من طرفهم للقبودان وفيها خيول وعبيد وطواشية وسكر ولم يجيبوا على الحضور لممانعة عثمان بك البرديسي وحقده الكامن للالفي ولكون هذه الحركة وهي مجئ القبودان وموسى باشا باجتهاده وسفارته وتدبيره كما سيتلى عليك فيما بعد وفيه ظهرت فحوى النتيجة القياسية وانعكاس القضية وهو أن القبودان لما لم يجد في المصرلية الاسعاف وتحقق ماهم عليه من التنافر والخلاف وتكررت ما بينه وبين الفريقين المراسلات والمكاتبات فعند ذلك استأنف مع محمد علي باشا المصادقة وعلم أن الاروج له معه الموافقة فارسل اليه المكتوبجي واستوثق منه والتزم له باضعاف ماوعد به من الكذابين معجلا ومؤجلا على ممر السنين والالتزام بجميع المأمورات والعدول عن المخالفات فوقع الاتفاق على قدر معلوم وارسل الى محمد علي باشا يأمره بكتابة عرضحال خلاف الاولين ويرسله صحبة ولده علي يد القبودان فعند ذلك لخصوا عرضحال
وختم عليه الاشياخ والاختيارية والوجاقلية وارسله صحبة ابنه ابراهيم بك واصحب معه هدية حافلة وخيولا واقمشة هندية وغير ذلك وتلفت طبخة الألفي والتدابير ولم تسعفه المقادير
وفي هذه الايام تخاصم عرب الحويطات والعيايدة وتجمع الفريقان حول المدينة وتحاربوا مع بعضهم مرارا وانقطعت السبل بسبب ذلك وانتصر الباشا للحويطات وخرج بسببهم الى العادلية ثم رجع ثم انهم اجتمعوا عند السيد عمر النقيب واصلح بينهم
شهر رجب سنة استهل بيوم الاحد فيه وصل القاضي الجديد ويسمى عارف افندي وهو ابن الوزير خليل باشا المقتول وانفصل محمد افندي سعيد حفيد علي باشا المعروف بحكيم اوغلي وكان انسانا لابأس به مهذبا في نفسه وسافر الى قضاء المدينة المنورة من القلزم بصحبة القافلة
وفي يوم الجمعة سادسه سافر ابراهيم بك بن الباشا بالهدية وسافر بصحبته محمد أغا لاظ الذي كان سلحدار محمد باشا خسروا
وفي يوم السبت ارسل الباشا الى الشيخ عبد الله الشرقاوي ترجمانه يأمره بلزوم داره وانه لايخرج منها ولا الى صلاة الجمعة وسبب ذلك امور وضغائن ومنافسات بينه وبين اخوانه كالسيد محمد الدواخلي والسيد سعيد الشامي وكذلك السيد عمر النقيب فأغروا به الباشا ففعل به ما ذكر فامتثل الامر ولم يجد ناصرا واهمل امره
وفيه توارت الاخبار بوقوع معركة عظيمة بين العسكر والالفي وذلك أن الألفي لم يزل محاصرا دمنهور وهم ممتنعون عليه الى الآن وسد خليج الاشرفيه ومنع الماء عن البحيرة والاسكندرية لضرورة مرور الماء من ناحية دمنهور ليعطل عليهم المراد من الحصار فأرسل الباشا بربر باشا الخازندار ومعه عثمان أغا ومعهما عدة كثيرة من العساكر في المراكب فوصلوا الى خليج الاشرفية من ناحية الرحمانية وعليه جماعة من الالفية فحاربوهم حتى
اجلوهم عنها وفتحوا فم الخليج فجرى فيه الماء ودخلوا فيه بمراكبهم فسد الالفية الخليج من اعلى عليهم وحضر شاهين بك فسد مع الالفية فم الخليج باعدال القطن والمشاق ثم فتحوه من اسفل فسال الماء في السبخ ونضب الماء من الخليج ووقفت السفن على الارض ووصلتهم الالفية فاوقعوا معهم وقعة عظيمة وذلك عند قرية يقال لها منية القران فانهزموا الى سنهور وتحصنوا بها فأحاطوا بهم واستمروا على محاربتهم حتى افترق الفريقان فيما بعد
وفيه أيضا وصلت الاخبار بإن ياسين بك لم يزل يحارب من بمدينة الفيوم حتى ملكها وقتل من بها ولم ينج منهم الا القليل وكانوا ارسلوا يستنجدون بارسال العسكر فلم يلحقوهم
وفيه وردت الاخبار من الجهة القبلية بأن الامراء المصريين اخلوا منفلوط وملوى وترفعوا الى اسيوط وجزيرة منقياط وتحصنوا بهما وذلك لما اخذ النيل في الزيادة وخشوا من ورود العساكر عليهم بتلك النواحي فلايمكنهم التحصن فيها فترفعوا الى اسيوط فلما فعلوا ذلك اشاعوا هروبهم وذكروا أن عادبدين بك وحسن بك حارباهم وطرداهم الى أن هربوا الى اسيوط ولما خلت تلك النواحي منهم رجع كاشف منفلوط وملوى وخلافهما الذين كانوا طردوهم في العام الماضي وفروا من مقاتلتهم
وفيه شرع الباشا في تجهيز عساكر وتسفيرهم الى جهة بحرى وقبلي وحجزوا المراكب للعسكر فانقطعت سبل المسافرين وذلك عندما اطمأن خاطره من قضية القبودان والعزل
وفيه شرع أيضا في تقرير فرضة عظيمة على البلاد والقرى والتجار ونصارى الاروام والاقباط والشوام ومساتير الناس ونساء الاعيان والملتزمين وغيرهم وقدرها ستة آلاف كيس وذلك برسم مصلحة القبودان وذكروا انها سلفة ستة ايام ثم ترد الى اربابها ولا صحة لذلك
وفي ليلة الاثنين وصل كتخدا القبودان الى ساحل بولاق فضربوا
لقدومه مدافع وعملوا له شنكا وارسل له في صبحها خيولا صحبة ابنه طوسون ومعهم اكابر الدولة والاغا والوالي والاغوات فركب في موكب عظيم ودخلوا به من باب النصر وشق من وسط المدينة وعمل الباشا الديوان واجتمع عنده السيد عمر والمشايخ المتصدرون ما عدا الشيخ عبد الله الشرقاوي ومن يلوذ به فسأل عليه القاضي وعلى من تاخر فقيل له الان يحضر ولعل الذي اخره ضعفه ومرضه ثم انهم انتظروا باقي الوجهاء وارسلوا لهم جملة مراسيل فلما حضروا قرأوا المرسوم الوارد صحبة الكتخدا المذكور ( ومضمونه ) ابقاء محمد علي باشا واستمراره على ولاية مصر حيث أن الخاصة والعامة راضية بأحكامه وعدله بشهادة العلماء واحتراف الناس وقبلنا رجاءهم وشهادتهم وانه يقوم بالشروط التي منها طلوع الحج ولوازم الحرمين وايصال العلائف والغلال لاربابها على النسق القديم وليس له تعلق بثغر رشيد ولا دمياط والاسكندرية فانه يكون ايرادها من الجمارك يضبط الى الترسخانة السلطانية بإسلامبول ومن الشروط أيضا أن يرضى خواطر الامراء المصريين ويمتنع من محاربتهم البلاد ويعطيهم جهات يتعيشون بها وهذا من قبيل تحلية البضاعة وانفض المجلس وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية وبولاق واشيع عمل زينة بالبلدة وشرع الناس في اسبابها وبعضهم علق على داره تعاليق ثم بطل ذلك وطاف المبشرون من اتبعاهم على بيوت الاعيان لاخذ البقاشيش واذن الباشا بدخول المراكب الى الخليج والازبكية ثم عملوا شنكا وحراقات وسواريخ ثلاثة ايام بلياليها بالازبكية
شهر شعبان سنة فيه تكلم القاضي مع الباشا في شأن الشيخ عبد الله الشرقاوي والافراج عنه ويأذن له في الركوب والخروج من داره حيث يريد فقال انا لاذنب لي في التحجير عليه وانما ذلك من تفاقمهم مع بعضهم فاستأذنه في مصالحتهم فاذن له في ذلك فعمل القاضي لهم وليمة ودعاهم وتغدوا عنده وصالحهم
وقرأوا بينهم الفاتحة وذهبوا الى دورهم والذي في القلب مستقر فيه
وفيه وردت الاخبار من الديار الرومية بقيام الرومنلي وتعصبهم على منع النظام الجديد والحوادث فوجهوا عليهم عسكر النظام فتلاقوا معهم وتحاربوا فكانت الهزيمة على النظام وهلك بينهم خلائق كثيرة ولم يزالوا في اثرهم حتى قربوا من دار السلطنة فترددت بينهم الرسل وصانعوهم وصالحوهم على شروط منها عزل اشخاص من مناصبهم ونفى آخرين ومنهم الوزير وشيخ الاسلام والكتخدا والدفتردار ومنع النظام والحوادث ورجوع الوجاقات على عادتهم وتقلد اغات الينكجرية الصدارة واشياء لم تثبت حقيقتها
وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من الجهة القبلية
وفي عاشره تواترت الاخبار بوقوع وقائع بالناحية القبلية واختلاف العساكر ورجوع من كل بناحية منفلوط وعصيان المقيمين بالمنية بسبب تأخر علائفهم ورجع حسن بك باشا الى ناحية المنية فضرب عليه من بها فانحدر الى بني سويف
وفيه حضر إسماعيل الطوبجى كاشف المنوفية باستدعاء فأرسله الباش بمال الى الجهة القبلية ليصالح العساكر
وفيح وردت الاخبار من ثغر الاسكندرية بسفر قبودان باشا وموسى باشا الى اسلامبول واخذ القبودان صحبته ابن محمد علي باشا وكان نزولهم وسفرهم في يوم السبت خامسه واستمر كتخدا القبودان بمصر متخلفا حتى يستغلق مال المصالحة
وفيه شرعوا في تقرير فرضة على البلاد أيضا
وفيه حضر محمود بك من ناحية قبلى
وفي سادس عشره سافر كتخدا القبودان بعدما استغلق المطلوب
وفيه وصل الى ثغر بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بالاستمرار على ولاية مصر وخلعة وسيف فأركبوه من بولاق الى الازبكية
في موكب حفل وشقوا به من وسط المدينة وحضر المشايخ والاعيان والاختيارية ونصب الباشا سحابة بحوش البيت للجمع والحضور وقرئت المرسومات وهما فرمانان احداهما يتضمن تقرير الباشا على ولاية مصر بقبول شفاعة اهل البلدة والمشايخ والاشراف والثاني يتضمن الاوامر السابقة وبإجراء لوازم الحرمين وطلوع الحج وارسال غلال الحرمين والوصية بالرعية وتشهيل غلال وقدرها ستة آلاف اردب وتسفيرها على طريق الشام معونة للعساكر المتوجهين للحجاز
وفيه الامر أيضا بعدم التعرض للامراء المصريين وراحتهم وعدم محاربتهم لانه تقدم العفو عنهم ونحو ذلك وانقضى المجلس وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية
واستهل شهر رمضان بيوم الاربعاء سنة وانقضى بخبر ولم يقع فيه من الحوادث سوى توالي الطلب والفرض والسلف التى لا ترد وتجريد العسكر الى محاربة الألفي واستمرار الألفي بالجيزة ومحاصرة دمنهور واستمرار اهل دمنهور على الممانعة وصبرهم على المحاصرة وعدم الطاعة مع متاركة المحاربة
وفيه ورد الخبر بموت عثمان بك البرديسي في اوائل رمضان بمنفلوط وكذلك سليم بك أبو دياب ببنى عدي
وفي اواخره تقدم محمد علي باشا الى السيد عمر النقيب بتوزيع جملة اكياس على اناس من مياسير الناس على سبيل السلفة
واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة ولم يقع في شهر رمضان هذا ارتباك في هلاله اولا وآخرا كما حصل فيما تقدم وكذلك حصل به سكون وطمأنينة من عربدة العساكر لولا توالي الطلب والسلف والدعاوي الباطلة في المدينة والارياف وعسف ارباب المناصب في القرى وعملوا شنكا للعيد بمدافع كثيرة في الاوقاف الخمسة ثلاثة ايام العيد
وفيه فتحوا طلب الميري على السنة القابلة وجدوا في التحصيل ووجهوا بالطلب العساكر والقواسة والاتراك بالعصي المفضضة وضيقوا على الملتزمين
وفي عاشره اخرج الباشا خياما ونصب عرضى بناحية شبرا ومنية السيرج والتمس من السيد عمر توزيع اربعمائة كيس برأيه ومعرفته فضاق صدره وشرع في توزيعها على التجار ومساتير الناس حيث لم يمكنه التخلف ولا التباعد عن ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه وصل حسن باشا طاهر من الجهة القبلية ودخل داره وخرج محمد على باشا الى جهة الحلى يريد السفر الى الألفي ووصلت عربان الألفي وعساكره الى بر الجيزة وطلبوا الكلف من البلاد
وفي يوم الاحد رابع عشرينه عدى محمد علي باشا الى بر انبابه
وفي يوم الاثنين خامس عشرينه عدى محمد علي باشا وغالب العسكر الى بولاق واشاعوا أن الاخصام هربوا من وجوههم فلم يذهبوا خلفهم بل رجعوا على اثرهم ونهبوا كفرحكيم وما جاوروه من القرى حتى اخذوا النساء والبنات والصبيان والمواشي ودخلوا بهم الى بولاق والقاهرة ويبيعونهم فيما بينهم من غير تحاش كانهم سبايا الكفار
واستهل شهر القعدة سنة بيوم السبت ووصل الحجاج الطرابلسية وعدوا الى بر مصر
وفي يوم الاحد ثانيه وصلت قوافل الصعيد من ناحية الجبل وبها احمال كثيرة وبضائع مع عرب المعازة وغيرهم فركب الباشا ليلا وكبسهم على حين غفلة ونهبهم واخذ جمالهم واحمالهم ومتاعهم حتى اولاد العربان والنساء والبنات دخلوا بهم الى المدينة يقودونهم اسرى في ايديهم ويبيعونهم فيما بينهم كما فعلوا باهل كفر حكيم وما حوله
وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع كثيرة من القلعة بورود اشخاص من
الططر ببشارة الى الباشا وتقريره على السنة الجديدة
وفي يوم السبت ثانيه اداروا كسوه الكعبة والمحمل وركب معها المتسفر عليها من القلزم وهو شخص يقال له محمود أغا الجزيري وركب امامه الاغا والوالي والمحتسب وطائفة الدلاة وكثير من العسكر
وفي يوم الاثنين عاشره وصلت الاخبار بوصول الألفي الى ناحية الاخصاص وانتشار جيوشه بإقليم الجيزة وكان الباشا معزوما ذلك اليوم عند سعودي الحناوي بسوق الزلط وحارة المقس وركب قبيل العصر وذهب الى بولاق وامر العساكر بالخروج ولا يتخلف احد لخامس ساعة من الليل وعدى بمن معه الى بر انبابه
وفي لية الاربعاء وقع بين الألفي والعسكر معركة وانحاز العسكر وتترسوا بداخل الكفور والبلاد ووصل منهم جرحى الى البلد واستمر الامر على ذلك وهم يهابون البروز الى الميدان واخصامهم لا يحاربون المتاريس والحيطان
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره ركب الألفي بجيوشه وتوجه الى ناحية قناطر شبر امنت فلما عاينهم الباشا ومن معه مارين ركب بعسكره من ناحية كفر حكيم وما حوله وساروا الى جهة الجيزة ونصب وطاقه بحريها وباتوا تلك الليلة وعملوا شنكا في صبحها وهم يشيعون هروب الألفي والحال انه مر في جيش كثيف وصورة هائلة وقد رتب جنوده وعساكره طوابير وبين يديه النظام الذي رتبه على هيئة عسكر الفرنسيس ومعهم طبول بكيفية خرعت عقولهم والباشا واقف بجيوشه ينظر اليه تارة بعينه وتارة بالنظارة ويقول هذا طهماز الزمان ويتعجب وقال لطائفة الدلاة تقدموا لمحاربته وانا اعطيكم كذا وكذا من المال فلم يجسروا على التقدم لما سبق لهم معه
وفي يوم الخميس حضر اشخاص من العرب الى الباشا واخبروه بأن الألفي قد مات يوم وصوله الى تلك المحطة وذلك ليلة الاربعاء تاسع
عشرة وقد نزل به خلط دموي فتقايا ثم مات وذلك بناحية المحرقة بالقرب من دهشور وان مماليكه اجتمعوا وامروا عليهم شاهين بك وذلك باشارة استاذهم وان طائفة اولاد علي انفصلوا عنهم ورجعوا الى بلادهم واخرين يطلبون الامان فاشتبه الحال وشاع الخبر وصارت الناس بين مصدق ومكذب واستمر الاشتباه والاضطراب اياما حتى أن الباشا خلع على ذلك المخبر بعد أن تحقق خبره فروة سمور وركب بها وشق من وسط المدينة والناس ما بين مصدق ومكذب ويظنون أن ذلك مكايده وتحيلاته لامور يدبرها الى أن حضر بعض الخدم الى دوره واخبروا بحقيقة الحال كما ذكر فعند ذلك زال الاشتباه وعد ذلك من تمام سعد محمد علي باشا الدنيوي حتى انه قال في مجلس خاصته الآن ملكت مصر ولما مات الألفي ارتحلت اجناده ومماليكه وامراؤه وارتفعوا الى ناحية قبلي
ثم أن الباشا ارسل الى امرائه مكاتبة يستميلهم ويطلبهم للصلح ويدعوهم للانضمام اليه ويعدهم أن يعطيهم فوق مأمولهم ونحو ذلك وارسل تلك المكاتبة صحبة قادري أغا الذي طرده الألفي ونفاه واخذ محمد علي باشا في الاهتمام والركوب واللحوق بهم وفي كل يوم ينادي على العسكر بالمدينة بالخروج وقوى نشاطهم ورفعوا رؤوسهم وسعوا في قضاء اشغالهم وخطفوا الجمال والحمير وحضر الباشا الى بيته بالازبكية وبات به ليلة الاحد وصرح بسفره يوم الخميس وخرج الى العرضى ثانيا وطلب السلف والمال ومضى الخميس والجمعة ولم يسافر
وفي ليلة السبت تاسع عشرينه نزل به حادر وتحرك عنده خلط وحصل له اسهال وقىء واشاع الناس موته يوم السبت وتناقلوه وكاد العسكر ينهبون العرضى ثم حصلت له افاقة وخرج السيد عمر والمشايخ للسلام عليه يوم الاحد ولينهؤه بالعافية وكذلك خرجوا لوداعه قبل ذلك مرارا
وفيه حضر قادري بجوابات الرسالة من امراء الألفي احدها للباشا وعليه ختم شاهين بك وباقي خشداشينه الكبار وآخر خطابا لمصطفى كاشف أغا
الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ومن كان كاتبهم بالمعنى السابق يذكرون في جوابهم أن كان سيدهم قد مات وهو شخص واحد فقد خلف رجالا وامراءوهم على طريقة استاذهم في الشجاعة والرأي والتدبير ونحو ذلك وليس كل مدع تسلم له دعواه ومن امثال المغاربة ما كل حمراء لحمة ولا كل بيضاء شحمة وذكروا في الجواب أيضا انه أن اصطلح مع كبرائهم الكائنين بقبلي وهم ابراهيم بك الكبير وعثمان بك حسن وباقي امرائهما كنا مثلهم وان كان يريد صلحنا دونهم فيعطينا ما كان يطلبه استاذنا من الاقاليم ونحو ذلك
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الاثنين سنة وفيه ارتحل الباشا بالعرضى الى ساقية مكي بالجيزة متوجها لقبلي
وفيه طلبوا المراكب من كل ناحية وعز وجودها وامتنعت الواردون ومراكب المعاشات والتجارات مع استمرار الطلب للمغارم والسلف ونحو ذلك وفي منتصفه وردت مكاتبات من وزير الدولة العثمانية وفيها الخبر بوقوع الغزو بين العثماني والموسكوب والامر بالتيقظ والتحفظ وتحصين الثغور فربما اغاروا على بعضها على حين غفلة وكذلك وردت اخبار بمعنى ذلك من حاكم ازمير وحاكم رودس وان الانكليز معاونون لطائفة الموسكوب لاستمرار عداوتهم مع الفرنساوية لكون الفرانساوية متصادفين مع العثماني والخبر عن مجمل القضية أن بونابارته امير جيش الفرنساوية وعساكرهم خرجوا في العام الماضي واغاروا على القرانات والممالك الافرنجية واستولوا على النيمسة التى هي اعظم القرانات وبينهم وبين الموسكوب مصادقة ونسب فارسل الموسكوب جندا كثيفا مساعدة للنمساوية مع كبير من قرابة قرانهم فتلاقوا مع بونابارته بعد استيلائه على تخت النيمسة فهزمهم أيضا واسر عظماءهم وسار بجيوشه الى الروسية واستولى على عدة اساكل وكلما استولى على جهة قرر بها حكامها وشرط عليهم شروطه التى منها معاداة الانكليز ومنابذتهم وراسله العثماني
وراسله هو أيضا ورأى العثماني قوة بأسه فصادقه وارسل اليه من طرفه الجي الى اسلامبول فدخلها في ابهة عظيمة وانزلوه منزلا حسنا وارسل صحبته هدايا وقوبل بأعظم منها وكذلك ارسل الى خصوص بونابارته تحفا وهدايا وتاجا من الجوهر فعند ذلك انتبذ الموسكوب ونقض الهدنة بينه وبين العثماني وطلب المحاربة فخافه العثماني لما يعلمه منه من القوة والكثرة وسعى الانكليزي بينهما بالصلح واجتهد في ذلك حتى امضاه بشروط قبيحة وشرع اهل الاسكندرية في تحصين قلاعها وابراجها وكذلك أبو قير ارسل كتخدا بك من يتقيد ببناء قلعة بالبرلس وحصل لمصر قلق ولغط وغلت الاسعار في البضائع المجلوبه وعملوا جميعات ببيت كتخدا بك وببيت السيد عمر النقيب واتفقوا على ارسال تلك المراسلات الى محمد علي باشا بالجهة القبلية وصحبة ديوان افندي
وفي عشرينه اجتمعوا بالازهر لقراءة صحيح البخاري في اجزاء صغار
وفيه حضر ديوان افندي بمكاتبات وفيها طلب جماعة من الفقهاء ليسعوا في اجراء الصلح بين الامراء المصريين وبين الباشا فوقع الاتفاق على تعيين ثلاثة اشخاص وهم بن الشيخ الامير وابن الشيخ العروسي والسيد محمد الدواخلي فسافروا في يوم الاحد سادس عشرينه ووصلت الاخبار بان الانجليز حضروا في اثني عشر مركبا وعبروا بغاز اسلامبول وكانوا محترسين فضربوا عليهم بالمدافع من الجهتين فلم يكترثوا ولم يفزعوا ولم يتاخروا ولم يصب الضرب الا مركبا واحدة من الاثني عشر وعمروا ثلمتها في الحال ولم يزالوا سائرين حتى رسوا ببر اسلامبول فهاج كل اهلها وصرخوا وانزعجوا انزعاجا عظيما وايقنوا بأخذ الانكليز البلدة ولو ارادوا حرقها لاحرقوها عن آخرها فعند ذلك نزل اليهى السيد علي باشا القبطان وهو اخو علي باشا الذي كان اخذ يسيرا مع البرديسي من برج مغيزل برشيد فتكلم معهم وصالحهم وخرجوا من البغاز سالمين مغبوطين بعفوهم المقدرة وانقضت السنة بحوادثها
واما من مات بها من العلماء والامراء ممن له ذكر مات العمدة الفاضل صدر المدرسين وعمدة المحققين الفقيه الورع الشيخ محمد الخشني الشافعي تخرج على الشيخ عطية الاجهوري وغيره من اشياخ العصر المتقدمين كالحفني والعدوي ومسكنه بخطة السيدة نفيسة ويأتي الى الازهر في كل يوم فيقرأ دروسه ثم يعود الى داره متقللا في معيشته منعزلا عن مخالطة غالب الناس وهو آخر الطبقة وتمرض شهورا بمنزله الذي بالمشهد النفيسي وكان دائما يسأل عن الشيخ سليمان البجيرمي وكان يقول لا اموت حتى يموت البجيرمي لانه راى النبى صلى الله عليه و سلم في المنام وقال له أنت آخر اقرانك موتا ولم يكن من اقرانه سوى البجيرمى فلذلك كان يسأل عنه ثم مات البرجيرمى بقرية تسمى مصطية ومات هو بعده بنحو ثلاثة اشهر وكان وفاته في يوم الاثنين خامس عشرين ذي الحجة ولم يحضروا بجنازته الى الازهر بل صلى عليه بالمشهد النفيسي ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه
ومات الشيخ الفقيه المحدث خاتمة المحققين وعمدة المدققين بقية السلف وعمدة الخلف الشيخ سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي الازهري المنتهي نسبه الى الشيخ جمعة الزبدي المدفون ببجيرم نسبة الى زيدة بالقرب من منية بن خصيم وينتهي نسب الشيخ جمعة المذكور الى سيدي محمدي بن الحنفية ولد ببجيرم قرية من الغربية احدى وثلاثين ومائة والف وحضر الى مصر صغيرا دون البلوغ ورباه قريبه الشيخ موسى البجيرمي وحفظ القرآن ولازم الشيخ المذكور حتى تأهل لطلب العلوم وحضر على الشيخ العشماوي في الصحيحين وابى داود الترمذي والشفاء والمواهب وشرح المنهج لشيخ الاسلام وشرحي المنهاج لكل من الرملي وابن حجر وحضر دروس الشيخ الحنفي واجازه الملوي والجوهري والمدابغي واخذ عن الديربي وغيره وحضر أيضا دروس الشيخ علي الصعيدي والسيد البليدي وشارك كثيرا من الاشياخ كالشيخ عطية الاجهوري وغيره وكان
انسانا حسنا حميد الاخلاق منجمعا عن مخالطة الناس مقبلا على شأنه وقد انتفع اناس كثيرون وكف بصره سنينا وعمر وتجاوز المائة سنة ومن تاليفه بايدي الطلبة حاشية على المنهج واخرى على الخطيب وغير ذلك وقبل وفاته سافر الى مصطيه بالقرب من بجيرم فتوفي بها ليلة الاثنين وقت السحر ثالث عشر رمضان من السنة المذكورة ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه
ومات الاجل العلامة الفاضل الفهامة فريد عصره علما وعملا ووحيد دهره تفصيلا وجملا الشيخ مصطفى العقباوي المالكي نسبة لمنية عقبة بالجيزة حضر الى الازهر صغيرا ولازم السيد حسنا البقلي ثم الشيخ محمد العقاد المالكي ثم الشيخ محمد عبادة العدوي ملازمه كلية حتى تمهر في مذهبه في المنقولات والمعقولات وحضر دروس اشياخ العصر كالشيخ الدردير والشيخ محمد البيلي والشيخ الامير وغيرهم وتصدر لالقاء الدروس وانتفع به الطلبة واشتهر فضله وكان انسانا حسن الاخلاق مقبلا على الافادة والاستفادة لا يتداخل فيما لا يعنيه ويأتيه من بلدته ما يكفيه قانعا متورعا متواضعا ومن مناقبه انه كان يحب افادة العوام حتى انه كان اذا ركب مع المكاري يعلمه عقائد التوحيد وفرائض الصلاة الى أن توفي يوم الخميس تاسع عشر جمادى الآخرة ولم يخلف بعده مثله رحمة الله تعالى وعفا عنا وعنه
ومات الاجل المعظم المبجل المحقق المدقق المفضل العالم العامل الفاضل الكامل الشيخ علي النجارى المعروف بالقباني الشافعي مذهبا المكي مولدا المدني اصلا ابن العالم الفاضل الشيخ احمد تقي الدين بن السيد تقي الدين المنتهي نسبه الى أبي سعيد الخدري وهو سعد بن مالك بن دينار بن تيم الله بن ثعلبة النجاري احد بطون الخزرج وينتهي نسب اخواله الى السيد احمد الناسك بن عبدالله ادريس بن عبدالله بن الحسن الانور ابن سيدنا الحسن السبط رضى الله تعالى عنه ولد المترجم بمكة سنة اربع وثلاثين
ومائة وقدم الى مصر مع ابيه واخيه السيد حسن سنة احدى وسبعين ومائة قليلة وصولهم مرض اخوه المذكور وتوفي صبح ثالث يوم فجزع والده لذلك جزعا شديدا وتشاءم به وعزم على السفر الى مكة ثانيا ولم يتيسر له ذلك الا اواخر شوال من السنة المذكورة وبقي المترجم واشتغل بتحصيل العلوم وشراء الكتب النافعة واستكتابها ومشاركة اشياخ العصر في الافادة والاستفادة مع مباشرة شغل تجارتهم من بيع الارساليات التى ترد اليه من اولاد اخيه من جدة ومكة وشراء ما يشترى وارساله لهم الى أن تمرض وانقطع ببيته الذي بخطة عابدين قريبا من الاستاذ الحنفي سنة تسع ومائتين وكان عالما ماهرا واديبا شاعرا تخرج على والده وعلى غيره بمكة وعلى كثير من اشياخ العصر المتقدمين كالشيخ العشماوي والشيخ الحنفي والشيخ العدوي وغيرهم وتخرج في الادب على والده وعلى الشيخ علي بن تاج الدين المكي وعلى الشيخ عبدالله الاتكاوي وغيرهم وله مؤلفات منها نفح الاكمام على منظومته في علم الكلام ومنها تقريره على الرملي وهو مجلد ضخم ومنها شرح بديعيته التى سماها مراقي الفرج في مدح عالي الدرج وله ديوان شعر صغير غالبه جيد وكان في مدة انقطاعه لا يشتغل بغير المطالعة وتحصيل الكتب الغريبة وقيد ولده السيد سلامة بأشغال تجارتهم وولده السيد احمد بملازمته واسماعه فيما يريد مطالعته وكانت داره في غالب الاوقات لا تخلوا من المترددين الى أن توفي ليلة السابع والعشرين من رجب من السنة المذكورة وعمره سبع وثمانون سنة وصلى عليه بالأزهر ودفن بمقبرة اخيه بباب الوزير وخلف ولديه المذكورين وكان وجيها لطيفا محبوبا للنفوس ورعا رحمة الله تعالى عليه
ومات صاحبنا الاجل المعظم والوجيه المكرم الامير ذو الفقار البكري نسبة ونسابة وهو مملوك السيد محمد بن علي افندي البكري الصديقي اشتراه سيده المذكور عام احدى وسبعين ومائة والف ورباه وادبه واعتقه وزوجه ابنته ونشأ في عز ورفاهية وسيادة وعفة وطيب خيم وعلو همة
ولما توفي سيده اتحد بولده السيد محمد افندي وهو اخو زوجته اتحادا كليا بحيث صارا كالاخوين لا يصبر احدهما عن الآخر ساعة واحدة وسكنهما واحد في بيتهم الكبير بالازبكية ولما توفي السيد محمد افندي اشتغل المترجم باسكني في الدار الى أن حضر الفرنساوية فخرج مع من خرج من مصر الى ناحية الشام ونهبت كتبه وداره ثم رجع بامان في ايام الفرنساوية فوجد الدار قد سكنها الفرنساوية فاشترى دارا غيرها بخطة عابدين وجدد بها نظامه ولما حصلت حادثة عسكر الاروام العثمانية مع الامراء المصريين التى خرج فيها ابراهيم بك والبرديسي وامراؤهم نهبت داره المذكورة أيضا فيما نهب فانتقل الى ناحية الازهر ثم سكن بحارة السبع قاعات بالاجرة واقتنى كتبا شراء واستكتابا وجمع عدة اجزاء متفرقة من تاريخ مرآة الزمان لابن الجوزي وخطط المقريزي وغيرها الى أن اخترمته المنية ومات فجأة يوم الثلاثاء في ثاني عشرين رجب من السنة قبيل الغروب وصلى عليه في صبحها بالازهر في مشهد حافل ودفن بتربة البكرية ظاهر قبة الامام الشافعي وكان انسانا حسنا محبوبا لجميع الناس وجيه الذات مليح الصفات حسن المفاكهة والمعاشرة متوقد القطنة ! صادق الفراسة ساكن الجأش وقورا ادوبا محتشما وخلف من بعده السيد محمد المعروف بالغزاوي المرزوق له من ابنة سيده المذكور ولكونه ولده بغرة حين كانوا بالشام انشأه الله انشاء صالحا وبارك فيه
ومات الامير الكبير والضرغام الشهير محمد بك الألفي المرادي جلبه بعض التجار الى مصر في سنة تسع وثمانين ومائة والف فاشتراه احمد جاويش المعروف بالمجنون فأقام في بيته اياما فلم تعجبه اوضاعه لكونه كان مماجنا سفيها ممازجا فطلب منه بيع نفسه فباعه لسليم أغا الغزاوي المعروف بتمرلنك فأقام عنده شهورا ثم اهداه الى مراد بك فاعطاه نظيره ألف اردب من الغلال فلذلك سمي الألفي وكان جميل الصورة فاحبه مراد بك وجعله جوخداره ثم اعتقه وجعله كاشفا بالشرقية وعمر دارا
بناحية الخطة المعروفة بالشيخ ضلام وانشأ هناك حماما بتلك الخطة عرفت به وكان صعب المراس قوي الشكيمة وكان بجواره علي أغا المعروف بالتوكلي فدخل عليه وتشفع عنده في امر فقبل رجاءه ثم نكث فحنق منه واحتد ودخل عليه في داره يغادره ويعاتبه فرد عليه بغلظة فأمر الخدم بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي المعروفة بالنبابيت فتألم لذلك ومات بعد يومين فشكوه الى استاذه مراد بك فنفاه الى بحري فعسف بالبلاد مثل فوة ومطوبس وبارنبال ورشيد واخذ منهم ارزا واموالا فتشكوا منه الى استاذه وكان يعجبه ذلك وفي اثناء ذلك وقع الخلاف بمصر بين الامراء ونفوا سليمان بك الأغا واخاه ابراهيم بك ومصطفى بك كما ذكر ذلك فى محله وارسل اليه مراد بك وامره ان يتعين على مصطفى بك ويذهب به الى الاسكندرية منفيا ثم يعود هو الى مصر ففعل ورجع المتجرم الى مصر فعند ذلك قلدوه الصنجقية وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومائة والف واشتهر بالفجور فخافته الناس وتحاموا شدته وسكن أيضا بدار بناحية قيصون وذلك عندما اتسعت دائرته وهدم داره القديمة أيضا ووسعها وانشأها انشاء جديدا واشترى المماليك الكثيرة وامر منهم امراء وكشافا فنشؤا على طبيعة استاذهم في التعدي والعسف والفجور ويخافون من تجبره عليهم والتزم باقطاع فرشوط وغيرها من البلاد القبلية ومن البلاد البحرية محلة دمنة ومليج وزوبر وغيرها وتقلد كشوفية شرقية بلبيس ونزل اليها وكان يغير على ما بتلك الناحية من اقطاعات وغيرها واخاف جميع عربان تلك الجهة وجميع قبائل الناحية ومنعهم من التعدى والجور على الفلاحين بتلك النواحي حتى خافه الكثير من العربان والقبائل وكانوا يخشونه وصادهم باشراك منهم وقبض على الكثير من كبرائهم وسحبهم في الجنازير وصادروهم في اموالهم ومواشيهم وفرض عليهم المغارم والجمال ولم يزل على حالته وسطوته الى أن حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر فخرج المترجم مع عشيرته الى ناحية قبلي ثم رجع معهم في
اواخر سنة خمس ومائتين بعد الالف بعد الطاعون الذي مات فيه اسمعيل بك وذلك بعد اقامتهم بالصعيد زيادة عن اربع سنوات ففى تلك المدة ترزن عقله وانهضمت نفسه وتعلق قلبه بمطالعة الكتب والنظر في جزيئات العلوم والفلكيات والهندسيات واشكال الرمل والزايرجات والاحكام النجومية والتقاويم ومنازل القمر وانوائها ويسأل عمن له المام بذلك فيطلبه ليستفيد منه واقتنى كتبا في انواع العلوم والتواريخ واعتكف بداره القديمة ورغب في الانفراد وترك الحالة الي كان عليها قبل ذلك واقتصر على مماليكة والاقطاعات التي بيده واستمر على ذلك مدة من الزمان فثقل هذا الامر على اهل دائرته وبدا يصغر في اعين خشداشينه ويضعف جانبه وطفقوا يباكتونه وتجاسروا عليه وطمعوا فيما لديه وتطلع ادونهم للترفع عليه فلم يسهل به ذلك واستعمل الامر الاوسط وسكن بدار احمد جاويش المجنون يدرب سعادة وعمر القصر الكبير بمصر القديمة بشاطئ النيل تجاه المقياس وانشأ أيضا قصرا فيما بين باب النصر والدمرداش وجعل غالب اقامته فيهما واكثر من شراء المماليك وصار يدفع فيهم الاموال الكثيرة للجلابين ويدفع لهم اموالا مقدما يشترونها بها وكذلك الجواري حتى اجتمع عنده نحو الالف مملوك خلاف الذي عند كشافه وهم نحو الاربعين كاشفا الواحد منهم دائرته قدر دائرة صنجق من الامراء السابقين وكل مدة قليلة يزوج من يختاره من مماليكه لمن تصلح له من الجواري ويجهزهم بالجهاز الفاخر ويسكنهم الدور الواسعة ويعطيهم الفائظ والمناصب وقلد كشوفية الشرقية لبعض مماليكه ترفعا لنفسه عن ذلك وينزل هو اليهم أيضا على سبيل التروح وبنى له قصرا خارج بلبيس وآخر بالدمامين واخمد شوكة عربان الشرق وجبى منهم الاموال والجمال واخمد ناموسهم الذي كان يغشى ابدان الفلاحين وارواحهم واضعف شوكتهم واخفى صولتهم وكان يقيم بناحية الشرق شهورا ثلاثة او اربعة ثم يعود الى مصر واصطنع قصرا من خشب مفصلا قطعا ويركب بشناكل واغربة متينة قوية
يحمل على عدة جمال فإذا اراد النزول في محطة تقدم الفراشون وركبوه خارج الصيوان فيصير مجلسا لطيفا يصعد اليه بثلاث درج مفروش بالطنافس والوسائد يسع ثمانية اشخاص وهو مسقوف وله شبابيك من الاربع جهات تفتح وتغلق بحسب الاختيار وحوله الاسرة من كل جانب وكل ذلك من داخل دهليز الصيوان وكان له داران بالازبكية احدهما كانت لرضوان بك بلغيا والاخرى للسيد احمد بن عبد السلام فبدا له في سنة اثنتي عشرة ومائتين والف أن ينشئ دارا عظيمة خلاف ذلك بالازبكية فاشترى قصر ابن السيد سعودي الذي بخطة الساكن فيما بينه وبين قنطرة الدكة من احمد أغا شويكار وهدمه واوقف في شيادته على العمارة كتخدا ذا الفقار ارسله قبل مجيئه من ناحية الشرقية ورسم له صورة وضعه في كاغد كبير فأقام جدرانه وحيطانه وحضر هو في اثناء ذلك فوجده قد اخطأ الرسم فاغتاظ وهدم غالب ذلك وهندسه على مقتضى عقله واجتهد في بنائه واوقف اربعة من كبار امرائه على تلك العمارة كل امير في جهة من جهاته الاربع يحثون الصناع ومعهم اكثر اتباعهم ومماليكهم وعملوا عدة قمن لحرق الاحجار وعمل النورة وكذلك ركب طواحين الجبس لطحنه وكل ذلك بجانب العمارة وقطعوا الاحجار الكبار ونقلوها في المراكب من طرا الى جنب العمارة بالازبكية ثم نشروها بالمناشير وألواحا كبارا لتبليط الارض وعمل الدرج والفسحات واحضروا لها الاخشاب المتنوعة من بولاق واسكندرية ورشيد ودمياط واشترى بيت حسن كتخدا الشعراوي المطل على بركة الرطلي من عتقائه وهدمه ونقل اخشابه وانقاضه الى العمارة وكذا نقلوا اليه انواع الرخام والاعمدة ولم يزل الاجتهاد في العمل تم على المنوال الذي اراده ولم يجعل له خرجات ولا حرمدانات بارزة عن اصل البناء ولا رواشن بل جعل ساذجا حرصا على المتانة وطول البقاء ثم ركبوا على فرجاتة المطلة على البركة والبستان والرجبة والشبابيك الخرط المصنعة وركبوا عليها شرائح الزجاج ووضع به النجف والاشياء والتحف
العظيمة التي اهداها اليه الافرنج وعملوا بقاعة الجلوس السفلى فسقية عظيمة بسلسبيل من الرخام قطعة واحدة ونوفرة كبيرة حولها نوفرات من الصفر يخرج الماء من افواهما وجعل بها حمامين علويا وسفليا وبنوا بدائر حوشه عدة كبيرة من الطباق السكني المماليك وجعله دوارا واحدا لما تم البناء والبياض والدهان فرشه بأنواع الفرش والوسائد والمساند والستائر المقصبات وجعل خلفه بستانا عظيما وانشأ به جملونا مستطيلا متسعا به دكك واعمدة وهو من الجهة البحرية ينتهي اخره الى الدور المتصلة بقنطرة الدكة واهدى اليه أيضا الافرنج فسقية رخام في غاية العظم فيها صورة اسماك مصورة يخرج من افواهها الماء جعلها بالبستان ونجز البناء والعمل وسكن بها هو وعياله وحريمه في اخر شهر شعبان من سنة اثنتي عشرة واستهل شهر رمضان فأوقدوا فيها الوقدات والاحمال الممتلئة بالقناديل بدائرة الحوش والرحبة الخارجة وكذلك بقاعة الجلوس احمال النجف والشموع والصحب والفنيارات الزجاج وازدحمت خيول الامراء ببابه فأقام على ذلك الى منتصف شهر رمضان وبداله السفر الى الشرقية فأبطلوا الوقدة واطفؤا السرج والشموع فكان ذلك فألا فكانت مدة سكناه به ستة عشر يوما بلياليها وانما اطنبنا في ذكر ذلك ليعتبر اولو الألباب ولايجتهد العاقل في تعمير الخراب وفي اثناء غيبته بالشرقية وصلت الفرنساوية الى الاسكندرية ثم الى مصر وجرى ما جرى سبق ذكره وذهب مع عشيرته الى قبلي وعند وصول الفرنساوية الى بر انبابة بالبر الغربي وتحاربوا مع المصريين ابلى المترجم وجنده في تلك الواقعة ويعمل معهم مكايد ويصطاد منهم بالمصايد ولما وصل عرضي الوزير الى وعدة اسرى واسد عظيم اصطاده في سروحه فشكره الوزير وخلع عليه الخلع السنية واقام بعرضية اياما ثم رجع الى ناحية مصر وذهب الى الصعيد ثم رجع الى الشام والفرنساوية يأخذون خبره ويرصدونه في الطرق ناحية الشام ذهب اليه وقابله وانعم عليه وكان معه رؤساء من الفرنساوية
فيزوغ منهم ويكبسهم في غفلاتهم وينال منهم ولما وصل الوزير وحصل انتقاص الصلح وانحصر المصريون والعثمانيون بداخل المدينة وقع له مع الفرنساوية الوقائع الهائلة فكان يكر ويفر هو وحسن بك الجداوي ويعمل الحيل والمكايد وقتل من كشافه في تلك الحروب رجال معدودة منهم اسمعيل كاشف المعروف بأبي قطية احترق هو وجنده ببيت احمد أغا شويكار الذي كان انشأه برصيف الخشاب وكانت الفرنساوية قد عملوا تحته لغم بارود في اسفل جدرانه ولم يعلم به احد فلما تترس فيه اسمعيل كاشف ومن معه ارسلوا من الهمه النار فالتهب على من فيه واحترقوا بأجمعهم وتطايروا في الهواء ولما اصطلح مراد بك مع الفرنساوية لم يوافقه على ذلك واعتزله ولما اشتد الامر بين الفريقين وشاطت طبخة العثمانيين ومن تبعهم طفق يسعى بين الفريقين في الصلح ويمشي مع رسل الفرنساوية في دخولهم بين العسكر وخروجهم ليمنع من يتعدى عليهم من اوباش العسكر خوفا من ازدياد الشر الى أن تم الصلح وخرج المترجم بلاء حسنا وقتل من كشافة ومماليكه عدة وافرة ولم يزل مدة اقامة الفرنساوية بمصر ينتقل في الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية مع العثمانية الى نواحي الشام ثم رجع الى جهة الشرقية فيحارب من يصادفه من الفرنسيس ويقتل منهم فإذا جمعوا جيشهم واتوا لحربه لم يجدوه ويمر من خلف الجبل ويمر بالحاجز الى الصعيد فلا يعلم اين ذهب ثم يظهر بالبر الغربي ثم يسير مشرقا ويعود الى الشام وهكذا كان دأبه بطول السنة التي تخللت بين الصلحين الى أن نظم العثمانية امرهم وتاونوا بالانكليز ورجع الوزير على طريق البر وقبطان باشا بصحبة الانكليز من البحر فحضر المترجم وباقي الامراء واستقر الجميع بداخل مصر والانكليز ببر الجيزة وارتحلت الفرنساوية وخلت منهم مصر فعند ذلك قلق المترجم وداخله وسواس وفكر لانه كان صحيح النظر في عواقب الامور فكان لا يستقر له قرار ولم يدخل الى الحريم ولم يبت بداره الا ليلتين على
سجادة ومخدة في القاعة السفلى ولم يكن بها حريم
يقول الفقير ذهبت اليه مرة في ظرف اليومين فوجدته جالسا على السجادة فجلست معه ساعة فدخل عليه بعض امرائه يستأذنه في زواج احدى زوجات من مات من خشداشينة فنتر فيه وشتمه وطرده وقال لي انظر الى عقول هؤلاء المغفلين يظنون انهم استقروا بمصر ويتزوجوا ويتأهلوا مع أن جميع ما تقدم من حوادث الفرنسيس وغيرها اهون من الورطة التي نحن فيها الآن ولما اطلق الوزير لابراهيم بك الكبير التصرف والبسه خلعة وجعله شيخ البلد كعادته وان اوراق التصرفات في الاقطاعات والاطيان وغيرها تكون بختمه وعلامتة اغتر هو وباقي الامراء بذلك وازدحم الديوان ببيت ابراهيم بك المرادي وعثمان بك حسن والبرديسي وتناقلوا في الحديث فذكروا ملاطفة الوزير ومحبته لهم واقامته لناموسهم فقال المترجم لا تغتروا بذلك فإنما هي حيل ومكايد وكأنها تروج عليكم فانظروا في امركم وتفطنوا لما عساه يحصل فان سوء الظن من الحزم فقالوا له وما الذي يكون قال أن هؤلاء العثمانيين لهم السنين العديدة والازمان المديدة يتمنون نفوذ احكامهم وتملكهم لهذا الاقليم ومضت الاحقاب وامراء مصر قاهرون لهم وغالبون عليهم ليس لهم معهم الا مجرد الطاعة الظاهرة وخصوصا دولتنا الاخيرة وما كنا نفعله معهم من الاهانة ومنع الخزينة وعدم الامتثال لاوامرهم وكل ذلك مكمون في نفوسهم زيادة على ما جبلوا عليه من الطمع والخيانة والشره وقد ولجوا البلاد الان وملكوها على هذه الصورة وتأمروا علينا فلا يهون بهم أن يتركوها لنا كما كانت بأيدينا ويرجعوا الى بلادهم بعدما ذاقوا حلاوتها فدبروا رايكم وتيقظوا من غفلتكم فلما سمعوا منه ذلك صادق عليه بعضهم وقال بعضهم هذا من وساوسك وقال اخر هذا لايكون بعد ما كنا نقاتل معهم ثلاث سنوات واشهرا بأموالنا وانفسنا وهم لايعرفون طرائق البلاد ولاسياستها فلا غنى لهم عنا وقال آخر غير ذلك ثم قالوا له مارأيك الذي تراه فقال الرأي عندي أن قبلتموه
ان نعدي بأجمعنا الى بر الجيزة وننصب خيامنا هناك ونجعل الانكليز واسطة بيننا وبين الوزير والقبطان وتتمم الشروط التي نرتاح نحن وهم عليها بكفالة الانكليز ولا نرجع الى البر الشرقي ولا ندخل مصر حتى يخرجوا منها ويرجعوا الى بلادهم ويبقى منهم من يبقى مثل من يقلدونه الولاية والدفتردارية ونحو ذلك وكان ذلك هو الرأي ووافق عليه البعض ولم يوافق البعض الآخر وقال كيف ننابذهم ولم يظهر لنا منهم خيانة ونذهب الى الانكليز وهم اعداء الدين فيحكم العلماء بردتنا وخيانتنا لدولة الاسلام على انهم أن قصدوا بنا شيئا قمنا باجمعنا عليهم وفينا ولله الحمد الكفاية وعند ذلك تتوسط بيننا وبينهم الانكليز فنكون لنا المندوحة والعذر فقال المترجم اما الاستنكاف من الالتجاء للانكليز فان القوم لم يستنكفوا من ذلك واستعانوا بهم ولولا مساعدتهم لما ادركوا هذا المحصول ولا قدروا على اخراج الفرنساوية من البلاد وقد شاهدنا ما حصل في العام الماضي لما حضروا بدون الانكليز على أن هذا قياس مع الفارق فإن تلك مساعدة حرب واما هذه فهي وساطة مصلحة لاغير واما انتظار حصول المنابذة فقد لايمكن التدارك بعد الوقوع لامور والرأي لكم فسكتوا وتفرقوا على كتمان ما دار بينهم ولما لم يوافقوا المترجم على ما اشار به عليهم اخذ يدبر في خلاص نفسه فانضم الى محمود افندي رئيس الكتاب لقربه من الوزير وقبوله عنده واوهمه النصيحة للوزير بتحصيل مقادير عظيمة من الاموال من جهة الصعيد أن قلده الوزير امارة الصعيد فإنه يجمع له اموالا جمة من تركات الاغنياء الذين ماتوا بالطاعون في العام الماضي وخلافة ولم يكن لهم ورثة وغير ذلك من الجهات التي لا يحيط بها خلافه والمال والغلال الميرية فلما عرف الرئيس الوزير بذلك لم يكن بأسرع من اجابته لوجهين الاول طمعا في تحصيل المال والثاني لتفريق جمعهم فانهم كانوا يحسبون حسابه دون باقي الجماعة لكثرة جيشه وشدة احترازه فإنه كان اذا ذهب عند الوزير لايذهب في الغالب الا وحوله جميع جنوده
ومماليكه وعندما اجاب الوزير الى سفره كتب له فرمانا بإمارة الجهة القبلية واطلق له الاذن ورخص له في جميع ما يؤدي اليه اجتهاده من غير معارض وتمم الرئيس القصد وفي الوقت حضر المترجم فأخذ المرسوم ولبس الخلعة بنفسه وودع الوزير والرئيس وركب في الوقت والساعة وخرج مسافرا وجعل رئيس افندي وكيلا عنه وسفيرا بينه وبين الوزير بعدما اسكنه في داره ولم يشعر بذلك احد ولم ير للوزير وجها بعد ذلك وعندما اشيع ذلك حضر الى الوزير اعتراض عليه في هذه الغفلة واشار عليه بنقض ذلك فأرسل يستدعيه لامر تذكره على ظن تأخره فلم يدركوه الا وقد قطع مسافة بعيدة ورجعوا على غير طائل وذهب هو الى اسيوط وشرع في جبي الاموال وارسل للوزير دفعة من المال واغناما وعبيدا طواشية وغلالا ثم لم يمض على ذلك الا نحو ثلاثة شهور وسافر طائفة من الانكليز الى سكندرية وكذلك حسين باشا القبطان ونصبوا للمصريين الفخاخ وارسل القبطان يطلب طائفة منهم فأوقع بهم ما اوقع وقبض الوزير على من بمصر من الامراء وحبسهم وجرى ما هو مسطور في محله وعينوا على المترجم طاهر باشا بعساكر وحصلت المفاقمة وقتل من قتل والتجأ من بقي الى الانكليز ولم يندمل الجرح بعد تقريحه وذهب الجميع الى الناحية القبلية وارسلوا لهم التجاريد وتصدى المترجم لحروبهم ثم حضر الى ناحية بحرى ونزل بظاهر الجيزة وسار الى ناحية البحيرة بعد حروب ووقائع فاجتهد محمد باشا خسرو في اخراج تجريدة عظيمة وسارى عسكرها كتخدا وهو يوسف كتخدا بك وهي التجريدة التي سماها العوام تجريدة الحمير لانهم جمعوا من جملة ذلك حمير الحمارة والتراسين وحمير اللكاف والسقائين وعملوا على اهل بولاق ألف حمار وكذلك مصر ومصر القديمة وطفقوا يخطفون حمير الناس ويكبسون البيوت ويأخذون ما يجدونه وكان يأتي بعض معاكيس العسكر عند الدور ويضع احدهم فمه عند الباب ويقول زر فينهق الحمار فياخذونه فلما تم مرادهم من
جمع الحمير اللازمة لهم سافروا الى ناحية البحيرة فكانت بينهم واقعة عظيمة بمرأى من الانكليز وكانت الغلبة له على العسكر واخذ منهم جملة اسرى وانهزم الباقون شر هزيمة وحضروا الى مصر في اسوأ حال وهذه الكسرة كانت سببا لحصول الوحشة بين الباشا والعسكر فإنه غضب عليهم وامرهم بالخروج من مصر فطلبوا علائفهم فقال باي شئ تستحقون العلائف ولم يخرج من ايديكم شئ فامتنعوا من الخروج وكان المشار اليه فيهم محمد علي سرششمة فأراد الباشا اصطياده فلم يتمكن منه لشدة احتراسه فحاربه فدفع له ما ذكر في محله وخرج الباشا هاربا الى دمياط ومن ذلك الوقت ظهر اسم محمد علي ولم يزل ينموا ذكره بعد ذلك واما المترجم فإنه بعد كسرته للعسكر ذهب ناحية دمنهور وذهبت كشافه وامراؤه الى المنوفية والغربية والدقهلية وطلبوا منهم المال والكلف ثم رجعوا الى البحيرة ثم بعد هذه الوقائع سافر المترجم مع الانكليز الى بلادهم واختار من مماليكه خمسة عشر شخصا اخذهم صحبته واقام عوضه احد مماليكه المسمى بشتك بك وسمى الألفي الصغير وامره على مماليكه وامرائه وامرهم بطاعته واوصاه وصايا وسافر وغاب سنة وشهرا وبعض ايام لانه سافر في منتصف شهر شوال سنة سبع عشرة وحضر في اول شهر القعدة سنة ثمان عشرة وجرى في مدة غيابه من الحوادث التي تقدم من ذكرها ما يغني عن اعادتها من خروج محمد باشا خسرو وتولية طاهر باشا ثم قتله ودخول الامراء المصريين وتحكمهم بمصر سنة ثمان عشرة وتأمير صناجق من اتباع المترجم وما جرى بها من الوقائع بتقدير الله تعالى البارز بتدبير محمد علي ونفاقه وحيله فإنه سعى اولا في نقض دولة مخدومه محمد باشا خسرو بتواطئه مع طاهر باشا وخازنداره محمد باشا المحافظ للقلعة ثم الاغراء على طاهر باشا حتى قتل ثم معاونته للأمراء المصريين ودخولهم وتملكهم واظهار المساعدة الكلية لهم ومصادقتهم وخدمتهم ومعاونتهم والرمح في غفلتهم وخصوصا عثمان بك البرديسي
فإنه كان ممخرقا غشوما يحب الترؤس فأظهر له الصداقة والمؤاخاة والمصافاة حتى قضى منهم اغراضه من قتل الدفتردار والكتخدا وعلي باشا الطرابلسي ومحاربة محمد باشا واخذه اسيرا من دمياط واخيه السيد علي القبطان برشيد ونسبة جميع هذه الافعال والقبائح اليهم فلما انقضى ذلك كله لم يبق الا الألفي وجماعته والبرديسي الذي هو خشداشة يحقد عليه ويغار منه ويعلم انه اذا حضر لا يبقى له معه ذكر وتخمد انفاسه فيتناجيا ويتسارا في امر المترجم ويتذاكرا تعاظم وكيله وخشداشينة ونقضهم عليه ما يبرمونه مع غياب استاذهم فكيف بهم اذا حضر ويوهمة المساعدة والمعاضدة ويكون خادما له وعساكره جنده الى أن حضر المترجم فأوقعا به ما تقدم ذكره ونجا بنفسه واختفى عند عشيبة البدوي بالوادي فلما خلا الجو من الألفي وجماعته فأوقع محمد علي عند ذلك بالبرديسي وعشيرته ما اوقع وظهر بعد ذلك المترجم من اختفائه وذهب الى ناحية قبلي هو ومملوكه صالح بك واجتمعت عليه امراؤه واجناده واستفحل امره واصطلح مع عشيرته والبرديسي على مافي نفوسهما وما زال منجمعا عن مخالطتهم وجرى ما جرى من مجيئهم حوالي مصر وحروبهم مع العساكر في ايام خورشيد احمد باشا وانفصالهم عنها بدون طائل لتفاشلهم واختلاف آرائهم وفساد تدبيرهم ورجعوا الى ناحية قبلي ثم عادوا الى ناحية بحري بعد حروب ووقائع مع حسن باشا ومحمد علي وعساكرهم ثم لما حصلت المفاقمة بينهما وبين خورشيد احمد باشا وانتصر محمد علي بالسيد عمر مكرم النقيب والمشايخ والقاضي واهل البلدة والرعايا وهاجت الحروب بين الباشا واهل البلدة كما هو مذكور كانت الامراء المصريون بناحية التبين والمترجم منعزل عنهم بناحية الطرانة والسيد عمر يراسله ويعده ويذكر له بأن هذا القيام من اجلك واخراج هذه الاوباش ويعود الامر اليكم كما كان وانت المعني بذلك لظننا فيك الخير والصلاح والعدل فيصدق هذا القول ويساعده بارسال المال ليصرفه في مصالح المقاتلين والمحاربين ومحمد علي يداهن السيد عمر سرا ويتملق اليه
ويأتيه ويراسله ويأتي اليه في اواخر الليل وفي أواسواطه مترددا عليه في غالب اوقاته حتى تم له الامر بعد المعاهدة والمعاقدة والايمان الكاذبة على سيره بالعدل واقامة الاحكام والشرائع والاقلاع عن المظالم ولايفعل امرا الا بمشورته شورة العلماء وانه متى خالف الشروط عزلوه واخرجوه وهم قادرون على ذلك كما يفعلون الآن فيتورط المخاطب بذلك القول ويظن صحته وان كل الوقائع زلابية وكل ذلك سرا لم يشعر به خلافهم الى أن عقد السيد عمر مجلسا عند محمد علي واحضر المشايخ والاعيان وذكرلهم أن هذا الامر وهذه الحروب ما دامت على هذه الحالة لاتزداد الا فشلا ولا بد من تعيين شخص من جنس القوم للولاية فانظروا من تجدونه وتختارونه لهذا الامر ليكون قائم مقام حتى يتعين من طرف الدولة من يتعين فقال الجميع الرأي ما تراه فاشار الى محمد علي فأظهر التمنع وقال انا لااصلح لذلك ولست من الوزراء ولا من الامراء ولا من اكابر الدولة فقالوا جميعا قد اخترناك لذلك براي الجميع والكافة والعبرة ورضا اهل البلاد وفي الحال احضروا فروة البسوها له وباركوا له وهنؤه وجهروا يخلع خورشيد احمد باشا من الولاية واقامة المذكور في النيابة حتى يأتي المتولي او يأتي له تقرير بالولاية ونودي في المدينة بعزل الباشا واقامة محمد علي في النيابة الى أن كان ما هو مسطور قبل ذلك في محله فلما بلغ المترجم ذلك وكان ببر الجيزة ويراسل السيد عمر مكرم والمشايخ فانقبض خاطره ورجع الى البحيرة واراد دمنهور فامتنع عليه اهلها وحاربوه وحاربهم ولم ينل منهم غرضا والسيد عمر يقويهم ويمدهم ويرسل اليهم البارود وغيره من الاحتياجات وظهر للمترجم تلاعب السيد عمر مكرم معه وكأنه كان يقويه على نفسه فقبض على السفير الذي كان بينهما وحبسه وضربه واراد قتله ثم اطلقه ثم عاد الى بر الجيزة وسكنت الفتنة واستقر الامر لمحمد علي باشا وحضر قبطان باشا الى ساحل أبي قير ووصل سلحداره الى مصر وانزل احمد باشا المخلوع عن الولاية من القلعة الى بولاق ليسافر ومنع
محمد علي من الذهاب والمجئ الى المصريين واوقف أشخاصا برا وبحرا يرصدون من يأتي من قبلهم او يذهب اليهم بشئ من متاع وملبوس وسلاح وغير ذلك ومن عثروا عليه بشئ قبضوا عليه واخذوا ما معه وعاقبوه فامتنع الباعة والمتسببون وغيرهم من الذهاب اليه بشئ مطلقا فضاق خناق المترجم فاحتال بان ارسل محمد كتخداه يطلب الصلح مع الباشا فانسر لذلك وفرح واعتقد صحة ذلك وانعم على الكتخدا وعبي هدية جليلة لمخدومه من ملابس وفراوي واسلحة وخيام ونقود وغير ذلك وعندها قضى الكتخدا اشغاله من مطلوبات مخدومه واحتياجاته له ولأتباعة وامرائه ووسق مراكب وذهب بها جهارا من غير أن يتعرض له احد وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي وذكروا انه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة ومائتي بلد من الغربية والمنوفية والدقهلية يستغل فائظها ويجعل اقامته بالجيزة ويكون تحت الطاعة فلم يرض الباشا بذلك وقال اننا صالحنا باقي الامراء واعطيناهم من حدود جرجا بالشروط التي شرطناها عليهم وهو داخل في ضمنهم فرجع محمد كتخدا له بالجواب بعد أن قضى اشغاله واحتياجاته ولوازمه من امتعة وخيام وسروج وغير ذلك وتمت حيلته وقضى اغراضه وذهب الى الفيوم وتحارب جنده مع جند ياسين بك وانخدل فيها ياسين بك ثم عاد شاهين بك الالفي بجند كثير بعد شهور الى بر الجيزة وخرج محمد علي باشا لمحاربته بنفسه فكانت له الغلبة وقتل في هذه الواقعة على كاشف الذي كان تزوج بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت حسن بك شنن رآه الاخصام منجملا فظنوه الباشا فأحاطوا به واخذوه اسيرا ثم قتلوه ورجع الباشا الى بر مصر واجتهد في تشهيل تجريدة اخرى وكل ذلك مع طول المدى
وفي اثناء ذلك مات بشنك بك المعروف بالالفي الصغير مبطونا بناحية قبلي ثم أن المترجم خرج من الفيوم في اوائل المحرم من السنة المذكوره
وكان حسن باشا طاهر بناحية جزيرة الهواء بمن معه من العسكر فكانت بينهما واقعة عظيمة انهزم فيها حسن باشا الى الرقق وادركه اخوه عابدين بك فأقام معه بالرفق كما تقدم وحضر الألفي الى بر الجيزة وانبابة وخرجت اليهم العساكر فكانت بينهم واقعة بسوق الغنم ظهر عليهم فيها أيضا ثم سار مبحرا وعدى من عسكره وجنده جملة الى السبكية فأخذوا منها ما اخذوه وعادوا الى استاذهم بالطرانة ثم انه انتقل راحلا الى البحيرة وحرب دمنهور ومحاصرتها وكانوا قد حصنوها غاية التحصين فلم يقدر عليها فعاد الى ناحية وردان ثم رجع الى حوش ابن عيسى لانه بلغه وصول مراكب وبها امين بك تابعه وعدة عساكر من النظام الجديد واشخاص من الانكليز لانه كان مع ماهو فيه من التنقلات والحروب يراسل الدولة والانكليز وارسل بالخصوص امين بك الى الانكليز فسعوا مع الدولة بمساعدته وحضروا اليه بمطلوبه فعمل لهم بحوش بن عيسى شنكا وارسلهم مع امين بك الى الامراء القبليين فلما بلغ محمد علي باشا ذلك راسل الامراء القبليين وداهنهم وارسل لهم الهدايا فراجت اموره عليهم مع مافي صدورهم من الغل للمترجم
وفي اثر ذلك حضر قبطان باشا الى الاسكندرية ووردت السعادة بخبر وروده وان بعده واصل موسى باشا واليا على مصر بالعفو عن المصريين وكان من خبر هذه القضية والسبب في حركة القبطان ارساليات الألفي للانكليز ومخاطبة الانكليز الدولة ووزيرها المسمى محمد باشا السلحدار واصله مملوك السلطان مصطفى ولا يخفى الميل الى الجنسية فاتفق انه اختلى بسليمان أغا تابع صالح بك الوكيل الذي كان يوسف باشا الوزير قلده سلحدارا وارسله الى اسلامبول وسأله عن المصريين هل بقي منهم غير الألفي فقال له جميع الرؤساء موجودون وعددهم له وهم ومماليكهم يبلغون الفين وزيادة فقال انى ارى تمليكهم ورجوعهم على شروط نشترطها عليهم اولى من تمادي العداوة بينهم وبين هذا الذي ظهر من العسكر وهو رجل
جاهل متحيل وهم لا يسهل بهم اجلاؤهم عن اوطانهم واولادهم وسيادتهم التى ورثوها عن اسلافهم فيتمادى الحال والحروب بينهم وبينه واحتياج الفريقين الى جمع العساكر وكثرة النفقات والعلائف والمصاريف فيجمعونها من أي وجه كان يؤدى ذلك الى خراب الاقليم فالاولى والمناسب صرف هذا المتغلب واخراجه وتولية خلافه فما رأيك في ذلك فقال له سليمان لا راى عندي في ذلك وخاف أن يكون كلامه له باطنا خلاف الظاهر وادرك منه ذلك فحلف له عند ذلك الوزير أن كلامه وخطابه له على ظاهره وحقيقته لكن لا بد من مصلحة للخزينة العامرة فقال له سليمان أغا اذا كان كذلك ابعثوا الى الألفي باحضار كتخداه محمد أغا لانه رجل يصلح للمخاطبة لمثل ذلك ففعل وحضر المذكور في اقرب وقت وتمموا الامر على مصلحة ألف وخمسمائة كيس كفلها محمد كتخدا المذكور يدفعها لقبطان باشا عند وصوله بيد سليمان أغا المذكور وكفالته أيضا لمحمد كتخدا بعد اتمام الشروط التى قررها له مخدومه ومن جملتها اطلاق بيع المماليك وشرائهم وجلب الجلابين لهم الى مصر كعادتهم فانهم كانوا منعوا ذلك من نحو ثلاث سنوات وغير ذلك وسافر كل من سليمان أغا الوكيل ومحمد كتخدا بصحبته قبودان باشا حتى طلعوا على ثغر سكندرية فركب صحبة سلحدار القبودان فتلاقوا مع المترجم بالبحيرة واعلموه بما حصل فامتلأ فرحا وسرورا وقال لسليمان أغا اذهب الى اخواننا بقبلي واعرض عليهم الامر ولا يخفى اننا الآن ثلاثة فرق كبيرنا ابراهيم بك وجماعته والمرادية وكبيرهم هناك عثمان بك البرديسي وانا واتباعي فيكون ما يخص كل طائفة خمسمائة كيس فإذا استلمت منهم الألف كيس ورجعت الى سلتك الخمسمائة كيس فركب المذكور وذهب اليهم واجتمع بهم واخبرهم بصورة الواقع وطلب منهم ذلك القدر فقال البرديسي حيث أن الألفي بلغ من قدره انه يخاطب الدول والقرانات ويراسلهم ويتمم اغراضه منهم ويولي الوزراء ويعزلهم بمراده ويتعين قبودان باشا في حاجته فهو يقوم بدفع المبلغ بتمامه لانه صار الآن
هو الكبير ونحن الجميع اتباع له وطوائف خلفه بما فيه والدنا وكبيرنا ابراهيم بك وعثمان بك حسن وخلافه فقال سليمان أغا هو على كل حال واحد منكم واخوكم ثم إنه اختلى مع ابراهيم بك الكبير وتكلم معه فقال ابراهيم لك انا ارضى بدخولي اي بيت كان واعيش ما بقي من عمري مع عيالي واولادي تحت امارة اي من كان من عشيرتنا اولى من هذا الشتات الذي نحن فيه ولكن كيف افعل في الرفيق المخالف وهذا الذي حصل لنا كله بسوء تدبيره ونحسه وعشت انا ومراد بك المدة الطويلة بعد موت استاذنا وانا اتغاضى عن افعاله وافعال اتباعه واسامحهم فى زلاتهم كل ذلك حذرا وخوفا من وقوع الشر والقتل والعداوة الى أن مات وخلف هؤلاء الجماعة المجانين وترأس البرديسي عليهم مع غياب اخيه الألفي وداخله الغرور وركن الى ابناء جنسه وصادفهم واغتر بهم وقطع رحمه وفعل بالالفي الذي هو خشداشه واخوه ما فعل ولا يستمع لنصح ناصح اولا وآخرا وما زال سليمان أغا يتفاوض معهم في ذلك اياما الى أن اتفق مع ابراهيم بك على دفع نصف المصلحة ويقوم المترجم بالنصف الثاني فقال سلموني القدر اذهب به واخبره بما حصل فقالوا حتى ترجع اليه وتعلمه وتطيب خاطره على ذلك لئلا يقبضه ثم يطالبنا بغيره فلما رجع اليه واخبره بما دار بينهم قال اما قولهم اني اكون امير عليهم فهذا لا يتصور ولا يصح انى اتعاظم على مثل والدي ابراهيم بك وعثمان بك حسن ولا على من هو في طبقتي من خشداشيني على أن هذا لا يعيبهم ولا ينقص مقدارهم بان يكون المتامر عليهم واحد منهم ومن جنسهم ولك امر لم يخطر لي ببال وارضى بادنى من ذلك ويأخذوا علي عهدا بما اشترطه على نفسي اننا اذا عدنا الى اوطاننا أن لا اداخلهم في شىء ولا اقارشهم في امر وان يكون كبيرنا والدنا ابراهيم بك على عادته ويسمحوا لي بإقامتي بالجيزة ولا اعارضهم في شىء واقنع بإيرادي الذي كان بيدي سابقا فانه يكفيني وان اعتقدوا غدري لهم في المستقبل بسبب ما فعلوه معي من قتلهم حسي بك
تابعي وتعصبهم وحرصهم على قتلي واعدامي انا واتباعي فبعض ما نحن فيه الان انساني ذلك كله فإن حسين بك المذكور مملوكي وليس هو أبي ولا ابني من صلبي وانما هو مملوكي اشتريته بالدراهم واشتري غيره ومملوكي مملوكهم وقد قتل لي عدة امراء ومماليك في الحروب فافرضه من جملتهم ولا يصيبني ويصيبهم الا ما قدر الله علينا وعلى أن الذي فعلوه بي لم يكن لسابق ذنب ولا جرم حصل مني في حقهم بل كنا جميعا اخوانا وتذكروا اشارتي عليهم السابقة في الالتجاء الى الانكليز وندموا على مخالفتي بعد الذي وقع لهم ورجعوا الي ثم اجمع رأيهم على سفري الى بلاد الانكليز فامتثلت ذلك وتجشمت المشاق وخاطرت بنفسي وسافرت اللا بلاد الانكلترة وقاسيت اهوال البحار سنة واشهرا كل ذلك لاجل راحتي وراحتهم وحصل ما حصل في غيابي ودخلوا مصر من غير قياس وبنوا قصورهم على غير اساس واطمأنوا الى عدوهم وتعاونوا به على هلاك صديقهم وبعد أن قضى غرضه منهم غدرهم واحاط بهم واخرجهم من البلدة واهانهم وشردهم واحتال عليهم ثانيا يوم قطع الخليج فراجت حيلته عليهم ايضا وارسلت اليهم فنصحتهم فاستغشوني وخالفوني ودخل الكثير منهم البلد وانحصروا في ازقتها وجرى عليهم ما جرى من القتل الشنيع والامر الفظيع ولم ينج الا من تخلف منهم او ذهب من غير الطريق ثم انه الان أيضا يرسلهم ويدهنهم ويهاديهم ويصالحهم ويثبطهم عما فيه النجاح لهم وما اظن ان الغفلة استحكمت فيهم الى هذا الحد فارجع اليهم وذكرهم بما سبق لهم من الوقائع فلعلهم ينتبهون من سكراتهم ويرسلون معك الثلثين او النصف الذي سمح به والدنا ابراهيم بك وهذا القدر ليس فيه كبير مشقة فانهم اذا وزعوا على كل امير عشرة اكياس وعلى كل كاشف خمسة اكياس وكل جندي او مملوك كيسا واحدا اجتمع المبلغ وزيادة وانا افعل مثل ذلك مع قومي والحمد لله ليسوا هم ولا نحن مفاليس وثمرة المال قضاء مصالح الدنيا وما نحن فيه الان من
اهم المصالح وقل لهم البذار قبل فوات الفرصة والخصم ليس بغافل ولا مهمل والعثمانيون عبيد الدرهم والدينار فلما فرغ من كلامه ودعه سليمان أغا ورجع الى قبلي فوجد الجماعة اصروا على عدم دفع شىء ورجع ابراهيم بك أيضا الى قولهم ورأيهم ولما ألقي لهم سليمان أغا العبارات التي قالها صاحبهم وانه يكون تحت امرهم ونهيهم ويرضى بادنى المعاش معهم ويسكن الجيزة الى آخر ما قال قالوا هذا والله كله كلام لا اصل له ولا ينسى ثاره وما فعلناه في حقه وحق اتباعه ولو انعزل عنا وسكن قلعة الجبل فهو الألفي الذي شاع ذكره في الآفاق ولا تخاطب الدولة غيره وقد كنا في غيبته لا نطيق عفريتا من عفاريته فكيف يكون هو وعفاريته الجميع ومن ينشئه خلافهم وداخلهم الحقد زاد وفي وساوسهم الشيطان فقال لهم سليمان أغا اقضوا شغلكم في هذا الحين حتى تنجلي عنكم الاعداء الاغراب ثم اقتلوه بعد ذلك وتستريحوا منه فقالوا هيهات بعد أن يظهر علينا فإنه يقتلنا واحدا بعد واحد ويخرجنا الى البلاد ثم يرسل يقتلنا وهو بعيد المكر فلانا من اليه مطلقا وغرهم الخصم بتمويهاته وارسل اليهم هدايا وخيولا وسروجا واقمشة هذا ورسل القبودان تذهب وتأتي بالمخاطبات والعرضحالات حتى تمموا الامر كما تقدم
وفي اثناء ذلك ينتظر القبودان جوابا كافيا وسلحداره مقيم أيضا عند المترجم والمترجم يشاغل القبودان بالهدايا والاغنام والذخيرة من الارز والغلال والسمن والعسل وغير ذلك الى أن رجع اليه سليمان أغا بخفي حنين محزونا مهموما متحيرا فيما وقع فيه من الورطة مكسوف البال مع القبودان ووزير الدولة وكيف يكون جوابه للمذكور والقبودان جعل في الابره خيطين ليتبع الاروج فلما وصل اليه سليمان أغا واخبره أن الجماعة القبليين لا راحة عندهم وامتنعوا من الدفع ومن الحضور وان المترجم يقوم بدفع القدر الذي يقدر عليه والذي يبقى ويتجمع عليه يقوم بدفعه فاغتاظ القبودان وقال انت تضحك على ذقني وذقن وزير الدولة وقد تحركت هذه الحركة على ظن أن الجماعة على قلب رجل واحد واذا حصل من المالك
للبلدة عصيان ومخالفة ولم يكن فيهم مكافأة لمقاومته ساعدناهم بجيش من النظام الجديد وغيره حتى انهم متنافرون ومتحاسدون ومبغضون فلا خير فيهم وصاحبك هذا لا يكفي في المقاومة وحده ويحتاج الى كثير
ولما ظهر لسليمان أغا الغيظ والتغير من القبودان خاف على نفسه أن يبطش به وعرف منه أن المانع له من ذلك غياب السلحدار عند المترجم لانه قال له واين سلحداري قال هو عند الألفي بالبحيرة فقال اذهب فأتني به واحضر صحبته وكان موسى باشا المتولي قد حضر أيضا فما صدق سليمان أغا بقوله ذلك وخلاصه من بين يديه فركب في الوقت وخرج من الاسكندرية فما هو الا أن بعد عنها مقدار غلوة الا والسلحدار قادم الى الاسكندرية فسأله الى اين يذهب فقال أن مخدومك ارسلني في شغل وها انا راجع اليكم وذهب عند المترجم ولم يرجع
وفي اثناء هذه الايام كان المترجم يحارب دمنهور وبعث اليه محمد علي باشا التجريدة العظيمة التي بذل فيها جهده وفيها جميع عساكر الدلاة وهاهر باشا ومن معه من عساكر الأرنؤد والأتراك وعسكر المحاربه فحاربهم وكسرهم وهزمهم شر هزيمة حتى القوا بانفسهم في البحر ورجعوا في اسوأ حال فلو تجاسر المترجم وتبعهم لهرب الباقون من البلدة وخرجوا جميعا على وجوههم من شدة ما داخلهم من الرعب ولكن لم يرد الله ذلك ولم يجسروا للخروج عليه بعد ذلك
ولما تنحت عنه عشيرته ولم يلبوا دعوته واتلفوا الطبخة وسافر القبودان وموسى باشا من ثغر الاسكندرية على الصورة المذكورةاستانف المترجم امرا اخر وراسل الانكليز يلتمس منهم المساعدة وان يرسلوا له طائفة من جنودهم ليقوى بهم على محاربة الخصم كما التمس منهم في العام الماضي فاعتذروا له بانهم صلح مع العثماني وليس في قانون الممالك اذا كانوا صلحا أن يتعدوا على المتصادقين معهم ولا يوجهون نحوها عساكر الا بأذن منهم او بإلتماس المساعدة في امر مهم فغاية ما يكون المكالمة والرتجي ففعلوا وحصل ما تقدم
ذكره ولم يتم الامر فلما خاطبهم بعد الذي جرى صادف ذلك وقوع الغرة بينهم وبين العثماني فأرسلوا الى المترجم يعدون بانفاذ ستة ألاف لمساعدته فأقام بالجيزة ينتظر حضورهم نحو ثلاثة شهور وكان ذلك اوان القيظ وليس ثم زرع ولا نبات فضاقت على جيوشهم الناحية وقد طال انتظاره للانكليز فتشكى العربان المجتمعون عليه وغيرهم لشدة ما هم فيه من الجهد وفي كل حين يعدهم بالفرج ويقول لهم اصبروا ولم يبق الا القليل فلما اشتد بهم الجهد اجتمعوا اليه فقالوا له اما أن تنتقل معنا الى ناحية قبلي فان ارض الله واسعة واما أن تاذن لنا في الرحيل في طلب القوت فما وسعه الا الرحيل مكظوما مقهورا من معاندة الدهر في بلوغ المآرب الاول مجىء القبودان وموسى باشا على هذه الهيئة والصورة ورجوعهما على غير طائل الثاني عدم ملكة دمنهور وكان قصده أن يجعلها معقلا ويقيم بها حتى تأتيه النجدة الثالث تأخر مجىء النجدة حتى قحطوا واضطروا الى الرحيل والرابع وهو اعظمها مجانبة اخوانه وعشيرته وخذلانهم له وامتناعهم عن الإنضمام اليه فارتحل من البحيرة بجيوشه ومن يصحبه من العربان حتى وصل الى الاخصاص فنادى محمد علي باشا على العساكر بالخروج ولا يتأخر منهم واحد فخرجوا افواجا ليلا ونهارا حتى وصلوا الى ساحل بولاق وعدوا الى بر انبابه وجيشوا بظاهرها وقد وصل المترجم الى كفر حكيم يوم الثلاثاء ثامن عشر القعدة وانتشرت جيوشه بالبر الغربي ناحية انبابة والجيزة وركب الباشا واصناف العساكر ووقفوا على ظهر خيولهم واصطفت الرجالة ببنادقهم واسلحتهم ومر المترجم في هيئة عظيمة هائلة وجيوش تسد الفضاء وهم مرتبون طوابير ومعهم طبول وصحبته قبائل العرب من اولاد على والهنادي وعربان الشرق في كبكة زائدة والباشا والعسكر وقوف ينظرون اليهم من بعيد وهو يتعجب ويقول هذا طهماز الزمان والا ايش يكون ثم يقول للدلاة والخيالة تقدموا وحاربوا وانا اعطيكم كذا وكذا من المال ويذكر لهم مقادير عظيمة ويرغبهم فلم يتجاسروا على الاقدام وصاروا
باهتين ومتعجبين ويتناجون فيما بينهم ويتشاورون في تقدمهم وتأخرهم وقد اصابوه بأعينهم ولم يزل سائرا حتى وصل الى قريب قناطر شبرامنت فنزل علي علوة هناك وجلس عليها وزاد به الهاجس والقهر ونظر الى جهة مصر وقال يا مصر انظري اولادك وهم حولك مشتتين متباعدين مشردين واستوطنك اجلاف الاتراك واليهود وارذل الارنؤد وصاروا يقبضون خراجك ويحاربون اولادك ويقاتلون ابطالك ويقاومون فرسانك ويهدمون دورك ويسكنون قصورك ويفسقون بولدانك وحورك ويطمسون بهجتك ونورك ولم يزل يردد هذا الكلام وامثاله وقد تحرك به خلط دموي وفي الحال تقايا دما وقال قضى الامر وخلصت مصر لمحمد علي وما ثم من ينازعه ويغالبه وجرى حكمه على المماليك المصرية فما اظن أن تقوم لهم راية بعد اليوم ثم انه احضر امراءه وامر عليهم شاهين بك واوصاه بخشداشينه واوصاهم به وان يحرصوا على دوام الالفة بينهم وترك التنازع الموجب للتفرق والتفاشل وان يحذروا من مخادعة عدوهم واوصاهم انه اذا مات يحملونه الى وادي البهنسا ويدفنونه بجوار قبور الشهداء فمات في تلك الليلة وهي ليلة الاربعاء تاسع عشر ذي القعدة فلما مات غسلوه وكفنوه وصلوا عليه وحملوه على بعير وارسلوه الى البهنسا ودفنوه هناك بجوار الشهداء وانقضى نحبه فسبحان من له سرمدية البقاء وفي الحال حضر المبشر الى محمد علي باشا وبشره بموت المترجم فلم يصدقه واستغرب ذلك وحبس البدوي الذي اتاه بالبشارة اربعة ايام وذلك لان اتباعه كانوا كتموا امر موته ولم يذيعوه في عرضيه والذي اشاع الخبر واتى بالبشارة رفيق البدوي الذي حمله على بعيره ولما ثبت موته عند الباشا امتلأ فرحا وسرورا وكذلك خاصته ورفعوا رؤوسهم واحضر ذلك المبشر فألبسه فروة سمور واعطاه مالا وامره أن يركب بتلك الخلعة ويشق بها من وسط المدينة ليراه اهل البلدة وشاع ذلك الخبر في الناس من وقت حضور المبشر وهم يكذبون ذلك الخبر ويقولون هذا من جملة تحيلاته فأنه لما سافر الى بلاد
الانكليز لم يعلم بسفره احد ولم يظهر سفره الا بعد مضي اشهر فلذلك امر الباشا ذلك المبشر أن يركب بالخلعة ويمر بها من وسط المدينة ومع ذلك استمروا في شكهم نحو شهرين حتى قويت عندهم القرائن بما حصل بعد ذلك فانه لما مات تفرقت قبائل العربان التي كانت متجمعة حوله وبعضهم ارسل يطلب امانا من الباشا وغير ذلك مما تقدم ذكره وخبره في ضمن ماتقدم وكان محمد علي باشا يقول مادام هذا الألفي موجودا لايهنأ لي عيش ومثالي انا وهو مثال بهلوانين بلعبان ! على الحبل لكن هو في رجليه قبقاب فلما اتاه المبشر بموته قال بعد أن تحقق ذلك الان طابت لي مصر وماعدت احسب لغيره حسابا
وكان المترجم اميرا جليلا مهيبا محتشما مدبرا بعيد الفكر في عواقب الامور صحيح الفراسة اذا نظر في سحنة انسان عرف حاله واخلاقه بمجرد النظر اليه قوي الشكيمة صعب المراس عظيم البأس ذا غيره حتى على من ينتمي اليه او ينسب الى طرفه يحب علو الهمة في كل شئ حتى أن التجار الذين يعاملهم في المشتروات لايساومهم ولا يفاصلهم في اثمانها بل يكتبون الاثمان بانفسهم كما يحبون ويريدون في قوائم وياخذها الكاتب ليعرضها عليه فيمضي عليها ولا ينظر فيها ويرى أن النظر في مثل ذلك او المحاققة فيه عيب ونقض يخل بالأمرية ولا تمضي السنة الا والجميع قد استوفوا حقوقهم ويستأنفوا احتياجات العام الجديد ولذلك راج حال المعاملين له رواجا عظيما لكثرة ربحهم عليه ومكاسبهم ومع ذلك يواسيهم في جملة احبابه والمنتسبين اليه بأرسال الغلال لمؤنه بيوتهم وعيالهم وكساوي العيد وينتصر لاتباعه ولمن انتمى اليه ويجب لهم رفعة القدر من غيرهم مع انه اذا حصل من احد منهم هفوة تخل بالمروءة عنفه وزجره فترى كشافة ومماليكه مع شدة مراسهم وقوة نفوسهم وصعوبتهم يخافونه خوفا شديدا ويهابون خطابه
ومن عجيب امره ومناقبه التي انفرد بها عن غيره امتثال جميع قبائل العربان الكائنين بالقطر المصري لامره وتسخيرهم وطاعتهم له لايخالفونه
في شئ وكان له معهم سياسة غريبة ومعرفة بأحوالهم وطبائعهم فكانما هو مربي فيهم او ابن خليفتهم او صاحب رسالتهم يقومون ويقعدون لامره مع انه يصادرهم في اموالهم وجمالهم ومواشيهم ويحبسهم ويطلقهم ويقتل منهم ومع ذلك لاينفرون منه وقد تزوج كثيرا من بناتهم فالتي تعجبه يبقيها حتى يقضي وطره منها والتي لا توافق مزاجه يسرحها الى اهلها ولم يبق في عصمته غير واحدة وهي التي أعجبته فمات عنها فلما بلغ العرب موته اجتمعت بنات العرب وصرن يندبنه بكلام عجيب تناقلته ارباب المغاني يغنون به على آلات اللهو المطربة وركبوا عليه ادوارا وقوافي وغير ذلك والعجب منه رحمه الله انه لما كان في دولتهم السابقة وينزل في كل سنة الى شرقية بلبيس ويتحكم في عربانها ويسومهم العذاب بالقبض عليهم ووضعهم في الزناجير ويتعاون على البعض منهم بالبعض الآخر وياخذ منهم الاموال والخيول والاباعر والاغنام ويفرض عليهم الفرض الزائدة ويمنعهم من التسلط على فلاحي البلاد ثم انه لما رجع من بلاد الانكليز وتعصب عليه البرديسي والعسكر واحاطوا به من كل جانب فاختفى منهم وهرب الى الوادي عند عشيبة البدوي فآواه واخفاه وكتم امره والبرديسي ومن معه يبالغون في الفحص والتفتيش وبذل الاموال والرغائب لمن يدل عليه او يآتي به فلم يطمعوا في شئ من ذلك ولم يفشوا سره وقيدوا بالطرق الموصلة له انفارا منهم تحرس الطريق من طارق يأتي على حين غفلة وهذا من العجائب حتى كان كثير من الناس يقولون انه يسخرهم او معه سر يسخرهم به فلما مات تفرق الجميع ولم يجتمعوا على احد بعده وذهبوا الى اماكنهم وبعضهم طلب من الباشا الامان واما مماليكه واتباعه فلم يفلحوا بعده وذهبوا الى الامراء القبليين فوجدوا طباعهم متنافرة عنهم ولم يحصل بينهم التئام ولا صفا كدر الفريقين من الآخر فانعزلوا عنهم الى أن جرى ما جرى من صلحهم مع الباشا واوقع بهم ما سيتلى عليك بعد أن شاء الله تعالى وبعد موت المترجم بنحوا الاربعين يوما وصلت نجدة الانكليز
الى ثغر الاسكندرية وطلعوا اليه فبلغهم عند ذلك موت المذكور فلم يسهل بهم الرجوع فأرسلوا رسلهم الى الجماعة المصريين ظانين أن فيهم اثر الهمة والنخوة يطلبونهم للحضور ويساعدهم الانكليز على ردهم لمملكتهم واوطانهم وكان محمد علي باشا حين ذاك بناحية قبلي يحاربهم فطلبهم للصلح معه وارسل اليهم بعض فقهاء الازهر وخادعهم وثبطهم فقعدوا عن الحركة وجرى ما جرى على طائفة الانكليز كما سيتلى عليك خبره ثم عليهم بعد ذلك وكان امر الله مفعولا
وكان للمترجم ولوع ورغبة في مطالعة الكتب خصوصا العلوم الغريبة مثل الجفريات والجغرافيا والاسطر نوميا والاحكام النجومية والمناظرات الفلكية وما تدل عليه من الحوادث الكونية ويعرف أيضا مواضع المنازل واسماءها وطبائعها والخمسة المتحيرة وحركات الثوابت ومواقعها كل ذلك بالنظر والمشاهدة والتلقي على طريقة العرب من غير مطالعة في كتب ولا حضور درس واذا طالع احد بحضرته في كتاب او اسمعه ناضلة مناضلة متضلع وناقشه مناقشة متطلع وله أيضا معرفة بالاشكال الرملية واستخراجات الضمائر بالقواعد الحرفية وكان له في ذلك اصابات ومنها ما اخبرني به بعض اتباعه انه لما وصل الى ثغر سكندرية راجعا من بلاد الانكليز رسم شكلا وتامل فيه وقطب وجهه ثم قال اني ارى حادثا في طريقنا وربما اني افترق منكم واغيب عنكم نحو اربعين يوما فلذلك احب أن يخفي امره ويأتي على حين غفلة وكان البرديسي قد اقام بالثغر رقيبا يوصل خبر وروده فلما وصل ارسل ذلك الرقيب ساعيا في الحال وكان ما ذكرناه في سياق التاريخ من غدرهم وقتلهم حسين بك أبو شاش بالبر الغربي وهروب بشتك بك من القصر وارسال العسكر لملاقاة المترجم على حين غفلة ليقتلوه وهروبه واختفاؤه ثم ظهوره واجتماعهم عليه بعد انقضاء تلك المدة او قريب منها وكان رحمه الله اذا سمع بانسان فيه معرفة بمثل هذه الاشياء احضره ومارسه فيها فإن رأى فيه فائدة او مزية اكرمه وواساه وصاحبه
وقربه اليه وادناه وكان له مع جلسائه مباسطة مع الحشمة والترفع عن الهذيان والمجون وكان غالب اقامته بقصوره التي عمرها خارج مصر وهو القصر الكبير بمصر القديمة تجاه المقياس بشاطئ النيل والقصر الآخر الكائن بالقرب من زاوية الدمرداش والقصر الذي بجانب قنطرة المغربي على الخليج الناصري وكان اذا خرج من داره لبعض تلك القصور لايمر من وسط المدينة واذا رجع كذلك فسئل عن سبب ذلك فقال استحي أن امر من وسط الاسواق واهل الحوانيت والمارة ينظرون الي وافرجهم على نفسي
وللمترجم اخبار وسير ووقائع لو سطرت لكانت سيرة مستقلة خصوصا وقائعه وسياحته ثلاث سنوات وثلاثة اشهر ايام اقام الفرنساوية بالقطر المصري ورحلته بعد ذلك الى بلاد الانكليز وغيابه بها سنة وشهورا وقد تهذبت اخلاقه بما اطلع عليه من عمارة بلادهم وحسن سياسة احكامهم وكثرة اموالهم ورفاهيتهم وصنائعهم وعدلهم في رعيتهم مع كفرهم بحيث لايوجد فيهم فقير ولا مسجد ولا ذو فاقة ولا محتاج وقد اهدوا له هدايا وجواهر وآلات فلكية واشكال هندسية واسطرلابات وكرات ونظارات وفيها ما اذا نظر الانسان فيها في الظلمة يرى اعيان الاشكال كما يراها في النور ومنها لخصوص النظر في الكواكب فيرى بها الانسان الكوكب الصغير عظيم الجرم وحوله عدة كواكب لاتدرك بالبصر الحديد ومن انواع الاسلحة الحربية اشياء كثيرة واهدوا له آلة موسيقى تشبه الصندوق بداخله اشكال تدور بحركات فيظهر منها اصوات مطربة على ايقاع الانغام وضروب الالحان وبها نشانات وعلامات لتبديل الانغام بحسب ما يشتهى السامع الى غير ذلك نهب ذلك جميعه العسكر الذين ارسلهم اليه البرديسي ليقتلوه وطفقوا يبيعونه في اسواق البلدة واغلبه تكسر وتلف وتبدد
واخبرني بعض من خرج لملاقاته عند منوف العليا انه لما طلع اليها وقابله سليمان بك البواب اخلى له الحمام في تلك الليلة وكان قد بلغه كافة افعاله بالمنوفية من العسف والتكاليف وكذا باقي اخوانه وافعالهم بالاقاليم فكان
مسامرتهم معه تلك الليلة في ذكر العدالة الموجبة لعمار البلاد ويقول لسليمان بك في التمثيل الانسان الذي يكون له ماشية يقتات هو وعياله من لبنها وسمنها وجبنها يلزمه أن يرفق بها في العلف حتى تدر وتسمن وتنتج له النتاج بخلاف ما اذا اجاعها واجحفها واتعبها واشقاها واضعفها حتى اذا ذبحها لايجد بها لحما ولا دهنا فقال هذا مااعتدناه وربينا عليه فقال أن اعطاني الله سيادة مصر والامارة في هذا القطر لامنعن هذه الوقائع واجري فيه العدل ليكثر خيره وتعمر بلاده وترتاح اهله ويكون احسن بلاد الله ولكن الاقليم المصري ليس له بخت ولا سعد واهله تراهم مختلفين في الاجناس متنافوي القلوب منحرفي الطباع فلم يمض على هذا الكلام الا بقية الليل وساعات من النهار حتى احاطوا به وفر هاربا و نجا بنفسه وجرى ما تقدم ذكره من اختفائه وظهوره وانتقاله الى الجهة القبلية واجتماع الجيوش عليه وحكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وحصل له ما حصل
واخبرني من اجتمع عليه في البحيرة وسامره فقال يافلان والله يخيل لي أن اقتل نفسي ولكن لاتهون علي وقد صرت الان واحدا بين الوف من الاعداء وهؤلاء قومي وعشيرتي فعلوا بي ما فعلوا وتجنبوني وعادوني من غير جرم ولا ذنب سبق مني في حقهم واشقوني واشقوا انفسهم وملكوا البلاد لاعدائي واعدائهم وسعيت واجتهدت في مراضاتهم ومصالحتهم والنصح لهم فلم يزدهم ذلك الا نفورا وتباعدا عني ثم هذه الجنود ورئيسهم الذين ولجوا البلاد وذاقوا حلاوتها وشبعوا بعد جوعهم وترفهوا بعد ذلهم يجيشون علي ويحاربوني ويكيدوني ويقاتلوني ثم أن هؤلاء العربان المجتمعين علي اصانعهم واسوسهم واغاضبهم واراضيهم وكذلك جندي ومماليكي وكل منهم يطلب مني رياسة وامارة ويظنون بغفلتهم أن البلاد تحت حكمي ويظنون اني مقصر في حقهم فتارة اعاملهم باللطف وتارة ازجرهم بالعنف فانا بين الكل مثل الفريسة والجميع حولي مثل الكلاب الجياع يريدون نهشي واكلي وليس بيدي كنوز قارون فأنفق على هؤلاء
الجموع منها فيضطرني الحال الى التعدي على عباد الله واخذ اموالهم واكل مزارعهم ومواشيهم فان قدر الله لي بالظفر عوضت عليهم ذلك ورفقت بحالهم وان كانت الاخرى فالله يلطف بنا وبهم ولا بد أن يترجموا علينا ويسترضوا عن ظلمنا وجورنا بالنسبة لما يحل بهم بعدنا
وبالجملة فكان آخر من ادركنا من الامراء المصريين شهامة وصرامة ونظرا في عواقب الامور وكان وحيدا في نفسه فريدا في ابناء جنسه وبموته اضمحلت دولتهم وتفرقت جمعيتهم وانكسرت شوكتهم وزادت نفرتهم وما زالوا في نقص وادبار وذلة وهوان وصغار ولم تقم لهم بعده راية وانفرضوا وطردوا الى اقصى البلاد في النهاية
واما مماليكه وصناجقه فإنهم تركوا نصيحته ونسوا وصيته وانضموا الى عدوهم وصادقوه ولم يزل بهم حتى قتلهم وابادهم عن آخرهم كما سيتلى عليك خبر ذلك فيما بعد
وكانت صفة المترجم معتدل القامة ابيض اللون مشربا بحمرة جميل الصورة مدور اللحية اشقر الشعر وقد خطه الشيب مليح العينين مقرون الحاجبين معجبا بنفسه مترفها في زيه وملبسه كثير الفكر كتوما لايبيح بسر ولا لاعز احبابه الا انه لم يسعفه الدهر وجنى عليه بالقهر وخاب امله وانقضى اجله وخانه الزمان وذهب في خبر كان ومات وله من العمر نحو الخمسة والخمسين سنة غفر الله له
ومات الامير عثمان بك البرديسي المرادى وسمى البرديسي لانه تولى كشوفيه برديس بقبلي فعرف بذلك واشتهر به تقلد الامرية والصنجقية في سنة عشر ومائتين والف وتزوج ببنت احمد كتخدا علي وهي اخت علي كاشف الشرقية وعمل لها مهما وذلك قبل أن يتقلد الصنجقية وسكن بدار علي كتخدا الطويل بالازبكية واشتهر ذكره وصار معدودا من جملة الامراء ولما قتل عثمان بك البرديسي المرادي بساحل أبو قير ورجع من رجع الى قبلي كان الألفي الى بلاد الانكليز تعين المترجم بالرياسة على خشدشنية
مع مشاركة بشنك بك الذي عرف بالالفي الصغير فلما حضروا الى مصر سنة ثمان عشرة بعد خروج محمد باشا خسرو وقتل طاهر باشا انضم اليه محمد علي باشا وكان اذ ذاك سرششمة العساكر وتواخى معه وصادقه ورمح في ميدان غفلته وتحالفا وتعاهدا على المحبة والمصافاة وعدم خيانة احدهما للآخر وان يكون محمد علي باشا وعساكره الاروام اتباعا له وهو الامير المتبوع فانتفخ جأشه لانه كان طائش العقل مقتبل الشبيبة فاغتر بظاهر محمد علي باشا لانه حين عمل شغله في مخدومه محمد باشا وبعده طاهر باشا دعا الامراء المصريين وادخلهم الى مصر وانتسب الى ابراهيم بك الكبير لكونه رئيس القوم وكبيرهم وعين لابراهيم بك خرجا وعلوفة مثل اتباعه وسبره واختبره فلم ترج سلعته عليه ووجده حريصا على دوام التراحم والالفة والمحبة وعدم التفاشل في عشيرته وابناء جنسه متحرزا من وقوع ما يوجب التقاطع والتنافر في قبيلته فلما ايس منه مال عنه وانضم الى المترجم واستخفه واحتوى على عقله وصاحبه وصادقه وصار يختلي معه ويتعاقر معه الشراب ويسامره ويسايره حتى باح له بما في ضميره من الحقد لاخوانه وتطلب الانفراد بالرياسة فصار يقوى عزمه ويزيد في اغرائه ويعده بالمعاونة والمساعدة على اتمام قصده ولم يزل به حتى رسخ في ذهن المترجم نصحه وصدقه كل ذلك توصلا لما هو كامن في نفسه من اهلاك الجميع ثم اشار عليه ببناء ابراج حول داره التي سكن بها بالناصرية فلما اتمها اسكن بها طائفة من عساكره كأنهم محافظون لما عساه أن يكون ثم سار معه الى حرب محمد باشا خسروا بدمياط فحاربوه واتوا به اسيرا وحبسوه ثم فعلوا بالسيد علي القبطان مثل ذلك ثم كائنة علي باشا الطرابلسي وقتله وقدم تقدم خبر ذلك كله وجميعه ينسب فعله للمصريين ولم يبق الايقاع بينهم فكان وصول الألفي عقب ذلك فاوقعوا به وبجنده ما تقدم ذكره وتفاشلوا وتفرقوا بعد جمعهم وقلوا بعد الكثرة ثم اشار على المترجم المصادق الناصح بتفريق اكثر الجمع الباقي في النواحي والجهات البعض منهم لرصد الألفي والقبض
عليه وعلى جنده والبعض الاخر لظلم الفلاحين في البلاد ولم يبق بالمدينة غير المترجم وابراهيم بك الكبير وبعض امراء فعند ذلك سلط محمد علي العساكر بطلب علائفهم المنكسرة فعجزوا عنها فأراد المترجم أن يفرض على فقراء البلدة فرضة بعد أن استشار الاخ النصوح وطافت الكتاب في الحارات والازقة يكتبون اسماء الناس ودورهم ففزعوا وصرخوا في وجوه العسكر فقالوا نحن ليس لنا عندكم شئ ولا نرضى بذلك وعلائفنا عند امرائكم ونحن مساعدون لكم فعند ذلك قاموا على ساق وخرجت نساء الحارات وبأيديهم الدفوف يغنون ويقولون ايش تأخذ من تفليسي يا برديسي وصاروا يسخطون على المصريين ويترضون عن العسكر وفي الحال أحاطت العسكر ببيوت الامراء ولم يشعر البرديسي الا والعسكر الذين اقامهم بالابراج التي بناها حوله ليكونوا له عزا ومنعة يضربون عليه ويحاربونه ويريدون قتله وتسلقوا عليه فلم يسع الجميع الا الهروب والفرار وخرجوا خروج الضب من الوجار وذهب المترجم الى الصعيد مذؤما مدحورا مذموما مطرودا وجوزى مجازاة من ينتصر بعدوه ويعول عليه ويقص اجنحته برجليه وكالباحث عن حتفه بظلفه والجادع بظفره مارن انفه ولم يزل في هجاج وحروب كما سطر في السياق ولم ينتصر في معركة ولم يزل مصرا على معاداة اخيه الألفي وحاقدا عليه وعلى اتباعه حريصا على زلاته واعظمها قضية القبوداة وموسى باشا الى غير ذلك وكان ظالما غشوما طائشا سئ التدبير وقد اوجده الله جل جلاله وجعله سببا لزوال عزهم ودولتهم واختلال امرهم وخراب دورهم وهتك اعراضهم ومذاتهم وتشتيت جمعهم ولم يزل خبثه مرض ومات بمنفلوط ودفن هناك
ومات الامير بشتك بك وهو الملقب الألفي الصغير وهو مملوك محمد بك الألفي الكبير امره وجعله وكيلا عنه مدة غيابه في بلاد الانكليز وكان قبل ذلك سلحداره وامر كشافه ومماليكه وجنده بطاعته وامتثال امره فلما حضر الامراء المصريون في سنة ثمان عشرة اقام هو بقصر مراد بك بالجيزة
فلم يحسن السياسة وداخله الغرور واعجب بنفسه وشمخ على نظرائه وعلى اعمامه الذين هم خشداشون لاستاذه بل وعلى ابرهيم بك الكبير الذي هو بمنزلة جده وكان مراد بك الذي هو استاذ استاذه يراعي حقه ويتأدب معه ويقبل يده في مثل الاعياد ويقول هو اميرنا وكبيرنا وكذلك استاذ المترجم كان اذا دخل على ابرهيم بك قبل يده ولا يجلس بحضرته الا بعد أن يإذن له فلم يقتف المترجم في ذلك اسلافه بل سلك مسلك التعاظم والتكبر على الجميع واستعمل العسف في اموره مع الترفع على الجميع واذا عقدوا امرا بدونه حله او حلوا شيئا بدونه عقده فضاق لذلك خناق الجميع منه وكرهوه وكرهوا استاذه وكان هو من جملة اسباب نفورهم من استاذه وانحراف قلوبهم عنه فلما رجع استاذه وظهر من اختفائه وبلغه افعاله مقته وابعده ولم يزل ممقوتا عنده حتى مات مبطونا في حياة استاذه بناحية قبلي في تلك السنة
ومات غير هؤلاء ممن له ذكر مثل سليمان بك المعروف بابو دياب بناحية قبلي أيضا ومات أيضا احمد بك المعروف بالهنداوي الألفي في واقعة النجيلة ومات أيضا صالح بك الألفي وهو أيضا من تأمر في غياب استاذه من بلاد الانكليز كان هو متوليا كشوفية الشرقية وغائبا هناك فارسلوا له تجريدة ليقتلوه وكان بناحية شلشلمون فوصله الخبر فترك خيامه واحماله وانقاله وهرب واختفى فلما وقعت حادثة الامراء مع العسكر وخرجوا من مصر هاربين وظهر الألفي من الوادي ذهب اليه وامده بما معه من الاموال وذهب مع استاذه الى قبلي ولم يزل حتى مات أيضا في هذه السنة وغير اولئك كثير لم تحضرني اسماؤهم ولا وفاتهم
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين والف وكان ابتداء المحرم يوم الاربعاء فيه وصل القابجي الذي على يده التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وطلع الى بولاق
وفيه وردت مكاتبات من جهة القبلية فيها انهم كبسوا على عرضي الالفية
وصحبتهم سليمان بك البواب وحاربوهم وهزموهم ونهبوا حملاتهم وقطعوا منهم عدة رؤوس وهي واصلة في طريق البحر وصادفت هذه البشارة مع بشارة ورود القابجي ووصوله فعمل لذلك شنك وضربت لذلك مدافع كثيرة من القلعة في كل وقت من الاوقات الخمسة ثلاثة ايام آخرها الجمعة ثم انه مضى عدة ايام ولم تحضر الرؤوس التي اخبروا عنها واختلفت الروايات في ذلك
وفي يوم الثلاثاء سابعه عملوا جمعية ببيت القاضي حضرها المشايخ والاعيان وذكروا انه لما وردت الاوامر بتحصين الثغور فأرسل الباشا سليمان أغا ومعه طائفة من العسكر وارسل الى اهالي الثغور والمحافظين عليها مكاتبات بأنهم أن كانوا يحتاجون الى عساكر فيرسل لهم الباشا عساكر زيادة على الذين ارسلهم فاجابوا بأن فيهم الكفاية ولا يحتاحون الى عساكر زيادة تأتيهم من مصر فانهم اذا كثروا في البلد تأتي منهم الفساد والافساد فعملوا هذه الجمعية لاثبات هذا القول والخلاص عهدة الباشا لئلا يتوجه عليه اللوم من السلطنة وينسب اليه التفريط
وفي تاسعه وردت مكاتبات مع السعادة من ثغر سكندرية وذلك يوم الخميس وقت العصر وفيها الاخبار بورود مراكب الانكليز وعدتها اثنان واربعون مركبا فيها عشرون قطعة كبارا والباقي صغار فطلبوا الحاكم والقنصل وتكلموا معهم وطلبوا الطلوع الى الثغر فقالوا لهم لانمكنكم من الطلوع الا بمرسوم سلطاني فقالوا لم يكن معنا مراسيم وانما مجيئنا لمحافظة الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة وقد احضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر نقيمهم بالابراج لحفظ البلدة والقلعة والثغر فقالوا لهم لم يكن معنا اذن وقد اتتنا مراسيم بمنع كل من وصل عن الطلوع من أي جنس كان فقالوا لابد من ذلك فأما أن تسمحوا لنا في الطلوع بالرضا والتسليم واما بالقهر والحرب والمهلة في رد الجواب باحد الامرين اربعة وعشرون ساعة ثم تندمون على الممانعة فكتبوا بذلك
الى مصر فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخدا بك وحسن باشا وبونابارته الخازندار وطاهر باشا والدفتردار والروزنامجي وباقي اعيانهم وذلك بعد الغروب وتشاوروا في ذلك ثم اجمع رأيهم على ارسال الخبر بذلك الى محمد علي باشا ويطلبونه للحضور هو ومن بصحبته من العساكر ليستعدوا لما هو اولى واحق بالاهتمام ففعلوا ذلك وانصرفوا الى منازلهم بعد حصة من الليل وارسلوا تلك المكاتبة اليه في صبح يوم الجمعة صحبة هجانين وشاع الخبر وكثر لغط الناس في ذلك ولما انقضت الابعة وعشرون ساعة التي جعلها الانكليز أجلا بينهم وبين اهل الاسكندرية وهم في الممانعةضربوا عليهم بالقنابر والمدافع الهائلة من البحر فهدموا جانبا من البرج الكبير وكذلك الابراج الصغار والسور فعند ذلك طلبوا الامان فرفعوا عنهم الضرب ودخلوا البلدة وذلك يوم الجمعة التالي
وفي ليلة الاثنين ثالث عشره وردت مكاتبة من رشيد بذلك الخبر على سبيل الاجمال من غير معرفة حقيقة الحال بل بالعلم بأنهم طلعوا الى الثغر ودخلوا البلدة وعدم علمهم بالكيفية وتغيب الحال واشتبه الامر
وفيه حضر قنصل الفرنساوية الى مصر وكان بالاسكندرية فلما وردت مراكب الانكليز انتقل الى رشيد فلما بلغه طلوعهم الى البر حضر الى مصر وذكر انه يريد السفر الى الشام هو وباقي الفرنساوية القاطنين بمصر
وفي ليلة الخميس سادس عشره وردت مكاتبة من الباشا يذكر فيها انه تحارب مع المصريين وظهر عليهم واخذ منهم اسيوط وقبض على انفار منهم وقتل في المعركة كثير من كشافهم ومماليكهم فعملوا في ذلك اليوم شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية ثلاثة ايام في الاوقات الخمسة اخرها يوم السبت واشاعوا أيضا أن الاسكندرية ممتنعة على الانكليز وانهم طلعوا الى رأس التين والعجمي فخرج عليهم اهل البلاد والعساكر وحاربوهم واجلوهم عن البر ونزلوا الى المراكب مهزومين واحرقوا منهم مركبين وانه وصل اليهم عمارة العثمانيين والفرنساوية وحاربوهم في البحر
واحرقوا مراكبهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولم يبق منهم الا القليل واستمر الامر في هذا الخلط القبلي والبحري عدة ايام ولم يأت من الاسكندرية سعاة ولا خبر صحيح
وفيه وصل الكثير من اهالي الفيوم ودخلوا الى مصر وهم في اسوأ حال من الشتات والعرى مما فعل بهم ياسين بك فخرجوا على وجوههم وجلوا عن اوطانهم ولم يمكنهم الخروج من بلادهم حتى ارتحل عنهم المذكور يريد الحضور الى ناحية مصر عندما بلغه خبر حضور الانكليز الى ثغر اسكندرية
وفي سابع عشره وصل ياسين بك المذكور الى ناحية دهشور وارسل مكاتبه خطابا للسيد عمر والقاضي وسعيد أغا يذكر فيها انه لما بلغه وصول الانكليز اخذته الحمية الاسلامية وحضر وصحبته ستة آلاف من العسكر ليرابط بهم بالجيزة او بقليوب ويجاهد في سبيل الله فكتبوا له اجوبة مضمونها أن كان حضوره بقصد الجهاد فينبغي أن يتقدم بمن معه الى الاسكندرية واذا حصل له النصر تكون له اليد البيضاء والمنقبة والذكر والشهرة الباقية فانه لافائدة باقامته بالجيزة او قليوب وخصوصا قليوب بالبر الشرقي وكان حسن باشا خرج بعرضيه في موكب الى ناحية الحلي قبل ذلك بايام ويرجع الى داره آخر النهار فيبيت بها ثم يخرج في الصباح وعساكره واوباشه ينتشرون بتلك النواحي يعبثون ويخطفون متاع الناس ومبيعات الفلاحين واهل بولاق وفي كل يوم يشيعون بانه مسافر الى الجهة البحيرة لمحاربة الانكليز فلما ورد خبر مجئ ياسين بك تاخر عن السفر وعملوا مشورة فاقتضى رأيهم أن حسن باشا يعدي الى البر الغربي ويقيم بالجيزة لئلا يأتي ياسين بك ويملكها فعدى حسن باشا في يوم الاثنين عشرينه واقام بها واعرض عن السفر الى جهة البحيرة
وفيه وردت الاخبار الصحيحة بأخذ الاسكندرية واستيلاء الانكليز عليها يوم الخميس المتقدم تاسع الشهر ودخلوها وملكوا الابراج يوم الاحد
صبيحة النهار وسكن ساري عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع اهالي البلد شروط منها انهم لايسكنون البيوت قهرا عن اصحابها بل بالمؤاجرة والتراضي ولايمتهنون المساجد ولايبطلون منها الشعائر الاسلامية واعطوا امين أغا الحاكم امانا على نفسه وعلى من معه من العسكر واذنوا لهم بالذهاب الى أي محمل ارادوه ومن كان له دين على الديوان ياخذ نصيبة حالا والنصف الثاني مؤجلا ومن اراد السفر في البحر من التجار وغيرهم فليسافر في خفارتهم الى أي جهة اراد ما عدا اسلامبول واما العرب غير واضحه وتونس وطرابلس ونحوها فمطلق السراح لاحرج ذهابا وايابا ومن شروطهم التي شرطوها مع اهل البلد انهم أن احتاجوا الى فومانية او مال ريكلفون اهل الاسكندرية بشئ من ذلك وان محكمة الاسلام تكون مفتوحة تحكم بشرائها ولا يكلفون اهل الاسلام بقيام دعواى عند الانكليز بين رضاهم والحمايات من أي بنديرة تكون مقبولة عند الانكليز الموجودين في الاسكندرية ويقيمون مأمونين رعاية لخاطر اهل الاسكندرية ولم يحصل لهم شئ من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية والجمارك من كل الجهات على كل مائة اثنان ونصف وعلى ذلك انتهت الشروط وليعلم أن هذه الطائفة من الانكليز ومن انضم اليهم وعدتهم على ماقيل ستة آلاف لم تأت الى الثغر طمعا في اخذ مصر بل كان ورودهم ومجيئهم مساعدة ومعاونة للالفي على اخصامه باستدعائه لهم واستنجاده بهم قبل تاريخه وبسبب تأخرهم في المجئ لما بينهم وبين العثماني الصلح فلا يتعدون على ممالكه من غير ادنه لمحافظتهم على القوانين فلما وقعت العرة بينهم وبينه بما تقدم فعند ذلك انتهزوا الفرصة وارسلوا هذه الطائفة وكان الألفي ينتظر حضورهم بالبحيرة فلما طال عليه الانتظار وضاقت عليه البحيرة ارتحل بجيوشه مقبلا وقضى الله موتا بإقليم الجيزة وحضر الانكليز بعد ذلك الى الاسكندرية فوجدوه قد مات فلم يسعهم الرجوع فارسلوا الى الامراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدوهم ويقولون
لهم انما جئنا الى بلادكم باستدعاء الألفي لمساعدته ومساعدتكم فوجدنا الألفي قد مات وهو شخص واحد منكم وانتم جميع فلا يكون عندكم تأخير في الحضو لقضاء شغلكم فإنكم لاتجدون فرصة بعد هذه وتندمون بعد ذلك أن تلكأتم فلما وصلتهم مراسلة الانكليز تفرق رايهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم وهو يدعي الورع وعنده جيش كبير فأرسلوا اليه يستدعونه فقال انا مسلم هاجرت وجاهدت وقاتلت في الفرنساوية والان اختم عملي والتجئ الى الافرنج وانتصر بهم على المسلمين انا لا افعل ذلك وعثمان بك يوسف كان بناحية الهو وكان الباشا يحارب الذين بناحية اسيوط وهم المرادية والابراهيمية والالفي والتقي معهم وانكسروا منه وقتل منهم اشخاصا فلما ورد عليه خبر الانكليز انفعل لذلك وداخله وهم كبير وارسل اليهم المشايخ وخلافهم يطلبهم للصلح وكان ما سيتلى عليك قريبا وما كان الا ما اراده المولى جل جلاله ومن تعسه الانكليز والقطر واهله الا أن يشاء الله
وفيه وصل مكتوب من محمد علي باشا بطلب مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليرسلهم الى الامراء القبالى فتراخوا في الذهاب لكونهم وجدوا تاريخ المكتوب حادي عشر الشهر فعلموا أن ذلك قبل تحقق خبر الانكليز ثم ورد منه مكتوب اخر يذكر فيه عزمه على الرجوع الى مصر قريبا فان العساكر يطالبونه بالعلائف ويأمرهم فيه بتحصيل ذلك وتنظيمه ليستلموها عند حصولهم بمصر يتجهزوا لمحاربة الانكليز
وفي ثالث عشرينه ورد مكتوب من اهالي دمنهور خطابا الى السيد عمر النقيب مضمونه انه لما دخلت المراكب الانكليزية الى سكندرية هرب من كان بها من العساكر وحضروا الى دمنهور فعندما شاهدهم الكاشف الكائن بدمنهور ومن معه من العسكر انزعجوا انزعاجا شديدا وعزموا على الخروج من دمنهور فخاطبهم اكابر الناحية قائلين لهم كيف تتركونا وتذهبوا
ولم تروا منا خلافا وقد كنا فيما تقدم من حروب الألفي من اعظم المساعدين لكم فكيف لا نساعد الآن بعضنا بعضا في حروب الانكليز فلم يستمعوا لقولهم لشدة ما داخلهم من الخوف وعبوا متاعهم واخرج الكاشف اثقاله وجبخانته ومدافعه وتركها وعدى وذهب الى فوة من ليلته ثم ارسل في ثاني يوم من اخذ الاثقال فهذا ما حصل اخبرناكم به واما بونابارته الخازندار الذي سافر لحرب الانكليز فإنه نزل على القليوبية وفعل ما امكنه وقدر عليه بالبلاد من السلب والنهب والجور والكلف والتساويف حتى وصل الى المنوفية وكذلك طاهر باشا الذي سافر في اثره واسمعيل كاشف المعروف بالطوبجي فرض على البلاد جمالا وخيولا وابقارا وغير ذلك ومن جملة افاعيلهم انهم يوزعون الاغنام المنهوبة على البلاد ويلزمونهم بعلفاها وكلفها ثم يطلبون اثمانها مضاعفة بما يضاف الى ذلك من حق طرق المعينين وامثال ذلك
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه وردت اخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الانكليز وصلت الى رشيد في صبح يوم الثلاثاء حادي عشرينه ودخلوا الى البلد وكان اهل البلدة ومن معهم من العساكر منتبهين ومستعدين بالازقة والعطف وطيقان البيوت فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية فالقوا ما بايديهم من الاسلحة طولبوا الامان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة واسروا الباقين وفر طائفة الى ناحية منهور وكان كاشفها عندما بلغه ما حصل برشيد اطمان خاطره ورجع الى ناحية ديبي ومحلة الامير وطلع بمن معه الى البر فصادف تلك الشرذمة فقتل بعضهم واخذ مابقي منهم اسرى وارسلوا السعاة الى مصر بالبشارة فضربوا مدافع وعملوا شنكا وخلع كتخدا بك على السعاة الواصلين واسرعت المبشرون من اتباع العثمانيين وهم القواسة الاتراك بالسعي الى بيوت الاعيان يبشرونهم ويأخذون منهم البقاشيش والخلع وصار الناس ما بين مصدق ومكذب فلما كان يوم الاحد سادس
عشرينه اشيع وصول رؤوس القتلى ومن معهم من الاسرى الى بولاق فهرع الناس بالذهاب للفرجة ووصل الكثير منهم الى ساحل بولاق وركب أيضا كبار العسكر ومعهم طوائفهم لملاقاتهم فطلعوا بهم الى البر وصحبتهم جماعة العسكر المتسرفين معهم فأتوا بهم من خارج مصر ودخلوا بهم من باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة وفيهم فسيال كبير وآخر كبير في السن وهما راكبان على حمارين والبقية مشاة في وسط العسكر ورؤوس القتلى معهم على نبابيت وقد تغيرت وانتنت رائحتها وعدتها اربعة عشر رأسا والاحياء خمسة وعشرون ولم يزالوا سائرين بهم الى بركة الازبكية وضربوا عند وصولهم شنكا ومدافع وطلعوا بالاحياءمع فسيالهم الى القلعة
وفيه نبه السيد عمر النقيب على الناس وامرهم بحمل السلاح والتأهب للجهاد في الانكليز حتى مجاورى الازهر وامرهم بترك حضور الدروس وكذلك امر المشايخ المدرسين بترك القاء الدروس
وفيه وصل عابدين بك وعمر بك واحمد أغا لاظ اوغلي من ناحية قبلي واشيع وصول الباشا بعد يومين
وفي يوم الاثنين وصل أيضا جملة من الرؤوس والاسرى الى بولاق فطلعوا بها على الرسم المذكور وعدتها مائة رأس واحد وعشرون راسا وثلاثة عشر اسيرا وفيهم جرحى ومات احدهم على بولاق فقطعوا رأسه ورشقوها مع الرؤوس وشقوا بها من وسط المدينة آخر النهار
وفي يوم الثلاثاء حصلت جمعية ببيت القاضي وحضر حسن باشا وعمر بك والدفتردار وكتخدا بك والسيد عمر النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ الامير وباقي المشايخ فتكلموا في شأن حادثة الانكلير والاستعداد لحربهم وقتالهم وطردهم فإنهم اعداء الدين والملة وقد صاروا ايضا اخصاما للسلطان فيجب على المسلمين دفعهم ويجب ايضا أن يكون الناس والعسكر على حال الالفة والشفقة والاتحاد وان يساعدوا بعضهم بعضا على دفع العدو ثم
تشاوروا في تحصين المدينة وحفر خنادق فقال بعضهم أن الانكليز لايأتون الا من البر الغربي والنيل حاجز بين الفريقين وان الفرنساوية كانوا اعلم بامر الحروب وانهم لم يحفروا الا الخندق المتصل من الباب الحديد الى البر فينبغي الاعتناء بإصلاحه ولو لم يكن كوضعهم واتقانهم اذ لايمكن فعل ذلك واتفقوا على ذلك
وفيه حضر مكتوب من ثغر رشيد عليه امضاء علي بك حاكم رشيد واحمد بك المعروف ببونابارته مؤرخ بيوم الجمعة رابع عشرينه يذكرون فيه أن الانكليز لما حضروا الى رشيد وحصل لهم ما حصل من القتل والاسر ورجعوا خائبين حصل لباقيهم غيظ عظيم وهم شارعون في الاستعداد للعود والمحاربة القصد أن تسعفونا وتمدونا بإرسال الرجال والمحاربين والاسلحة والجبخانة بسرعة وعجلة والا فلا لوم علينا بعد ذلك وقد اخبرناكم وعرفناكم بذلك فارسلوا في ذلك عدة من المقاتلين وكتبوا مكاتبات الى البلاد والعربان الكائنين ببلاد البحيرة يدعونهم للمحاربة والمجاهدة وكذلك ارسلوا في ثاني يوم عدة من العسكر
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرينه ركب السيد عمر النقيب والقاضي والاعيان المتقدم ذكرهم ونزلوا الى ناحية بولاق لترتيب امر الخندق المذكور وصحبتهم قنصل الفرنساوية وهو الذي اشار عليهم بذلك وصحبتهم الجمع الكثير من الناس والاتباع والكل بالاسلحة
وفيه وصل المشايخ الثلاثة الذين كانوا ذهبوا لاجراء الصلح بين الباشا والامراء القبالى وذهبوا الى دورهم وكان من خبرهم انهم لما وصلوا الى الباشا بناحية ملوى استأذنوه في الذهاب فيما اتوا بسببه من السعي في الصلح فاستمهلهم وتركهم بناحية ملوى واستعد وذهب الى اسيوط واودع الجماعة بمنفلوط وتلاقى مع الامراء وحاربهم وظهر عليهم وقتل من الامراء في تلك المعركة سليمان بك المرادي المعروف بريحة بتشديد الياء وسليمان بك الاغا ورجع الامراء القبالى الى ناحية بحرى فعند ذلك حضر المشايخ
وكتب مكاتبات الى الامراء وارسلها صحبة المشايخ المذكورين الى الامراء وكانوا بالجانب الغربي بناحية ملوى فتفاوضوا معهم فيما اتوا بسببه من امر الصلح مع الباشا وكف الحروب فقالوا كم من مرة يراسلنا في الصلح ثم يغدر بنا ويحاربنا فاحتجوا عليهم بما لقنه لهم من مخالفتهم لاكثر الشروط التي كان اشترطها عليهم من ارسال الاموال الميرية والغلال وتعديهم على الحدود التي يحددها معهم في الشروط ثم انهم اختلوا مع بعضهم وتشاوروا فيما بينهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم بالبر الشرقي ولم يكن معهم في الحرب ولا في غيره وبعد انقضاء الحرب استعلى الى جهة قبلي وعثمان بك يوسف كان أيضا بناحية الهو والكوم الاحمر
وفي اثناء ذلك ورد علي باشا خبر الانكليز واخذهم الاسكندرية وارسلوا رسلهم الى الامراء القبالي فارتبك في امره وارسل الى المشايخ يستعجلهم في اجراء الصلح وقبولهم كل ما اشترطوه على الباشا ولايخالفهم في شيء يطلبونه ابدا ولما وصلتهم رسل الانكليز اختلفت آراؤهم وارسلوا الى عثمان بك حسن يخبرونه ويستدعونه للحضور فامتنع ونورع وقال انا لا انتصر بالكفار ووافقه على رأيه ذلك عثمان بك يوسف واختلفت آراء باقي الجماعة وهم ابراهيم بك الكبير وشاهين بك المرادي وشاهين بك الألفي وباقي امرائهم فاجتمعوا ثانيا بالمشايخ وقالوا لهم ما المراد بهذا الصلح فقالوا المراد منه راحة الطرفين ورفع الحروب واجتماع الكلمة ولا يخفاكم أن الانكليز تخاصمت مع سلطان الاسلام واغارت على ممالكه وطرقت ثغر سكندرية ودخلتها وقصدهم اخذ الاقليم المصري كما فعل الفرنساوية فقالوا انهم اتوا باستدعاء الالفي لنصرتنا ومساعدتنا فقالوا لاتصدقوا اقوالهم في ذلك واذا تملكوا البلاد لايبقون على احد من المسلمين وحالهم ليس كحال الفرنساوية فإن الفرنساوية لايتدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية واما هؤلاء الانكليز فإنهم نصارى على دينهم ولاتخفى عداوة الاديان ولايصح ولا ينبغي منكم الانتصار بالكفارعلى
المسلمين ولا الالتجاء اليهم وعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وان الله هداهم في طفولتهم واخرجهم من الظلمات الى النور وقد نشؤا في كفالة اسيادهم وتربوا في حجور الفقهاء وبين اظهر العلماء وقرأوا القرآن وتعلموا الشرائع وقطعوا ما مضى من اعمارهم في دين الاسلام واقامة الصلوات والحج والجهاد ثم يفسدون اعمالهم آخر الامر ويوادون من حاد الله ورسوله ويستعينون بهم على اخوانهم المسلمين ويملكونهم بلاد الاسلام يتحكمون في اهلها فالعياذ بالله من ذلك وكان بصحبة المشايخ مصطفى افندي كتخدا قاضى العسكر يكلمهم باللغة التركية ويترجم لهم ذلك وهو فصيح الكلام فقالوا كل ما قلتموه وابديتموه نعلمه ولو تحققنا الامن والصدق من مرسلكم ما حصل منا خلاف ولحاربنا وقاتلنا بين يديه ولكنه غدار لا يفي بعهد ولا بوعد ولا يبر في يمين ولا يصدق في قول وقد تقدم انه يصطلح معنا وفي اثر ذلك يأتي لحربنا ويقتلنا ويمنع عنا من يأتي الينا باحتياجاتنا من مصر ويعاقب على ذلك حتى من ياتي من الباعة والمتسببين الى الناحية التى نحن فيها ولا يخفاكم انه لما تى القبودان ومعه الاوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والامر له بالخروج فلم يمتثل وارسل الينا وخدعنا وتحيل علينا بإرسال الهدايا وصدقناه واصطلحنا معه فلما تم له الامر غدر بنا وما مراده بصلحنا الا تأخرنا عن ذهابنا الى الانكليز فلا نذهب اليهم ولا نستعين بهم وان كان مراده يعطينا بلادا يصالحنا عليها فها هي البلاد بأيدينا وقد عمها الخراب باستمرار الحروب من الفريقين وقد تفرق شملنا وانهدمت دورنا ولم يبق لنا ما نأسف عليه او نتحمل المذلة من اجله وقد ماتت اخواننا ومماليكنا فنحن نستمر على ما نحن معه عليه حتى نموت عن آخرنا ويرتاح قلبه من جهتنا فقال لهم الجماعة هذه المرة هي الاخرى وليس بعدها شر ولا حرب بل بعدها الصداقة والمصافاة ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها فلو طلبتم من الإسكندرية الى اسوار لا يمنع ذلك بشرط أن تكونوا معنا
بالمساعدة في حرب الإنكليز ودفعهم عن البلاد وايضا تسيرون بأجمعكم من البر الغربي والباشا وعساكره من البر الشرقي وعند انقضاء امر الانكليز ورجوعكم الى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح بحضرة المشايخ الكبار والنقيب والوجاقلية واكابر العسكر وان شئتم عقدنا مجلس الصلح بالجيزة قبل التوجه لمحاربة الإنكليز ولا شر بعد ذلك ابدا فانخدعوا لذلك وكتبوا اجوبة ورجع بها مصطفىء افندي كتخدا القاضي وصحبته يحيى كاشف ثم رجع اليهم تانيا وسار الفريقان الى جهة مصر وحضر المشايخ وأخبروا بما حصل
وفيه شرعوا في حفر الخندق المذكور ووزعوا حفره على مياسير الناس واهل الوكاكل والحانات والتجار وأرباب الحرف والروزنامجي وجعلوا على البعض اجرة مائة رجل من الغعلة وعلى البعض اجرة خمسين وعشرين وكذلك اهل بولاق ونصارى ديوان المكس والنصارى الأروام والشوام والأقباط واشتروا المقاطف والغلفان ولم ترد هكذا القزم والات الحفر وشرعوا في بناء حائط مستدير اسفل تل قلعة السبتية
وفي يوم الخميس غايته ورد مكتوب من السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد والمشار اليه بها يذكر فيه أن الانكليز لما وقع لهم ما وقع برشيد ورجعوا في هزيمتهم الى الإسكندرية استعدوا وحضروا الى ناحية الحماد قبلي رشيد ومعهم المدافع الهائلة والعدد ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر الى الجبل عرضا وذلك ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه فهذا ما حصل اخبرناكم به ونرجو الاسعاف والامداد بالرجال والجبخانة والعدة والعدد وعدم التأني والإهمال فلما وصل ذلك الجواب قرأه السيد عمر النقيب على الناس وحثهم على التأهب والخروج للجهاد فامتثلوا ولبسوا الأسلحة وجمع اليه طائفة المغاربة واتراك خان الخليلي وكثير من العدوية والأسيوطية واولاد البلد وركب في صبحها الى كتخدا بك واستأذنه في الذهاب فلم يرض وقال حتى يأتي افندينا الباشا ويرى رأيه في ذلك فسافر من سافر
وبقي من بقي وانقضى الشهر وحوادثه
وفي ورد الخبر بأن ركب الحاج الشامي رجع من منزله هدية ولم يحج في هذا العام وذلك انه لما وصل الى المنزلة المذكورة ارسل الوهابي الى عبد الله باشا امير الحاج يقول له تأت الا على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي وهو أن يأتي بدون المحمل وما يصحبهم من الطبل والزمر والاسلحة وكل ما كان مخالفا للشرع فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج ولم يتركوا مناكيرهم
واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة فيه كتبوا مراسلة الى الأمراء القبالي وختم عليها كثير من مشايخ الازهر وغيرهم وأرسلوها اليهم
وفي يوم السبت ثانيه وردت مكاتبة أيضا من ثغر رشيد وعليها امضاء علي بك السنانكلي حاكم الثغر وطاهر باشا واحمد أغا المعروف ببونابارته بمعنى مكتوب السيد حسن السابق ويذكرون فيه أن الإنكليز ملكوا أيضا كوم الأفراح وابو منضور ويستعجلون النجدة
وفي تلك الليلة اعني ليلة الاحد وصل محمد علي باشا ودخل الى داره باللأزبكية في سادس ساعة من الليل وكان اشيع وصوله قبل ذلك اليوم وخرج السيد عمر النقيب والمشايخ والمحروقي لملاقاته يوم الجمعة فبعضهم ذهب الى الآثار وبات هناك وبعضهم بات بالقرافة بضريح الإمام الشافعي ورجعوا في ثاني يوم ولم يحصل لهم ملاقاة فلما طلع نهار ذلك اليوم واشيع حضوره الى داره ركب الجميع وذهبوا للسلام عليه ودار بينهم الكلام في امر الإنكليز فأظهر الإهتمام وامر كتخدا بك وحسن باشا بالخروج في ذلك اليوم فأخرجوا مطلوباتهم وعازتهم الى بولاق وسخط على اهل الإسكندرية والشيخ المسيري وامين أغا حيث مكنوا الإنكليز من الثغر وملكوهم البلدة ولم يقبل لهم عذرا في ذلك ثم قالوا له انا نخرج جميعا للجهاد مع الرعية والعسكر فقال ليس على رعية البلد خروج وانما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر وانقضى المجلس وركبوا الى دورهم
وفيه وصل حجاج المغاربة الى مصر من طريق البر واخبروا انهم حجوا وقضوا مناسكهم وان مسعود الوهابي وصل الى مكة بجيش كثيف وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار واحضر مصطفى جاويش امير الركب المصري وقال له ما هذه العويدات والطبول التي معكم يعني بالعويدات المحمل فقال هو اشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم فقال لاتأت بذلك بعد هذا العام وان اتيت به احرقته وانه هدم القباب وقبة ادم وقباب ينبع والمدينة وابطل شرب التنباك والنارجيلة من الأسواق وبين الصفا والمروة وكذلك البدع
وفي وفي تلك الليلة ارسل الباشا وطلب السيد عمر في وقت العشاء الاخيرة والزمه بتحصيل ألف كيس لنفقة العسكر وان يوزعها بمعرفته
وفي يوم الاثنين رابعه دخلت طوائف العسكر الواصلين من الجهة القبلية الى المدينة وطلبوا سكنى البيوت كعادتهم ولم يرجعوا الى الدور التي كانو ساكنين بها واخربوها
و في يوم الثلاثاء وردت مكاتبة من رشيد وعليها امضاء السيد حسن كريت يخبر فيها بأن الإنكليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس وقد ارسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الإغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء وما عفرنا لأي شيء هذا الحال وما هذا الإهمال فالله الله في الإسعاف فقد ضاق الخناق وبلغت القلوب الحناجر من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس ونحو ذلك من الكلام وهي خطاب للسيد عمر النقيب والمشايخ ومؤرخة في ثاني شهر صفر
وفي و في ذلك اليوم اهتم الباشا وعزم على السفر بنفسه الى بولاق وركب صحبته حسن باشا وعابدين بك وعمر بك فسافروا في تلك الليلة
وفي و في يوم الأربعاء سافر أيضا حجوبك وخرج معه بعض المتطوعة من الأتراك وغيرهم تهيئوا واتفقوا مع المسافرين معهم وامدهم الكثير من
اخوانهم بالإحتياجات والذخيرة والمؤن ونصبوا لهم بيرقا وخرجوا و معهم طبل وزمر
وفي وفي يوم الجمعة ركب أيضا احمد أغا لاظ وشق بعساكره الذين كان بهم بالمنية وتداخل فيهم الكثير من اجناسهم وغيرهم من مغاربة واتراك بلدية ومر الجميع من وسط المدينة في عدة وافرة ويذهب الجميع الى بولاق يوهمون انهم مسافرون على قدم الإستعجال بهمة ونشاط واجتهاد فإذا وصلوا الى بولاق تفرقوا ويرجع الكثير منهم ويراهم الناس في اليوم الثاني والثالث بالمدينة ومن تقدم منهم وسافر بالفعل ذهب فريق منهم الى المنوفية وفريق الى الربية ليجمعوا في طريقهم من اهل البلاد والقرى ما تصل اليه قدرة عسفهم من المال والمغارم والكلف وخطف البهائم ورعي المزارع وخطف النساء والبنات والصبيان وغير ذلك
وفيه سافر أيضا حسن باشا طاهر وفيه نزل الدالاتية الى بولاق وكذلك الكثير من العسكر وحصل منهم الازعاج في اخذ الحمير والجمال قهرا من اصحابها ونزلوا بخيولهم على ريب البرسيم والغلال الطائبة الى بناحية بولاق غير واضحة بدران وخلافها فرعتها واكلتها بهائمهم في يوم واحد ثم انتقلوا الى ناحية منية السيرج وشبرا والزاوية الحمراء والمطرية والأميرية فأكلوا زروعات الجميع وخطفوا مواشيهم وفجروا بالنساء وافتضوا الأبكار ولاطوا بالغلمان واخذوهم وباعوهم فيما بينهم حتى باعوا البعض بسوق مسكة وغيره وهكذا تفعل المجاهدون ولشدة قهر الخلائق منهم وقبح افعالهم تمنوا مجيء الإفرنج من اي جنس كان وزوال هؤلاء الطوائف الخاسرة الذين ليس لهم ملة ولا شريعة ولا طريق يمشون عليها فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم فيزداد حقدهم وعدواتهم ويقولون اهل هذه البلاد ليسوا مسلمين لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى ويتوعدونهم اذا خلصت لهم البلاد ولا ينظرون لقبح افعالهم
و في يوم الاثنين حادي عشرة حضر جماعة من الططر الذين من عادتهم
يأتون بالأخبار والبشارات بالمناصيب وقد وصلوا من طريق الشام يبشرون بولاية السيد علي باشا وعزل صالح قبودان عن رياسة الدونانمة ويذكرون انه خرج بالدونانمة التي تسمى بالعمارة وصحبته عدة مراكب فرنساوية قاصدين جهة مالطة ليقطعوا على الإنكليز الطرق وان هؤلاء الططر الواصلين لم يعلموا بورود الإنكليز الى الإسكندرية الا عند وصولهم صيدا وذكروا أن سبب عزل صالح القبودان أن الانكليز وردوا بوغاز اسلامبول بأثني عشر مركبا وقيل اربعة عشر وظلوا داخلين والمدافع تضرب عليهم من القلاع المتقابلة فلم يبالوا بذلك حتى حصلوا بداخل المينة تجاه البلد فانزعج اهالي البلد انزعاجا شديدا وصرخت النساء وهاجت المدينة وماجت باناسها ولو ضرب عليها الإنكليز لاحترقت عن اخرها لكنهم لم يفعلوا بل استمروا يومهم ورموا مراسيهم ثم اخذوها وولوا راجعين ولسان حالهم يقول ها نحن ولجنا بغازكم الذي تزعمون انه لا احد يقدر على عبوره وقدرنا عليكم وعفونا عنكم ولو شئنا اخذدار سلطنتكم لأخذناها او احرقناها وعندما فعلوا ذلك طلب السلطان قبودان باشا فوجدوه يتعاطى الشراب في بعض الاماكن فعند ذلك احضروا السيد علي وقلدوه رياسة الدونانمة ونزل الى الإنكليز وتكلم معهم الى أن خرجوا من البوغاز واخرجوا صالح قبودان منفيا الى بعض الجهات
وفي وفي ذلك اليوم طلع الباشا الى القلعة صحبته قنصل الفرنساوية يهندس معه الاماكن ومواطن الحصار والقنصل المذكور مظهر الإهتام والإجتهاد ويسهل الأمر ويبذل النصح ويكثر من الركوب والذهاب والإياب وامامه الخدم وبايديهم الحراب المفضضة وخلفه ترجمانه واتباعه
و فيه ارسل الأمراء القبليون جوابا عن جواب ارسل اليهم قبل ذلك وعليه ختوم كثيرة باستدعائهم واستعجالهم للحضور فأرسلوا هذا الجواب يعتذرون فيه بإن السبب في تأخرهم انهم لم يتكاملوا وأن اكثرهم متفرقون بالنواحي مثل عثمان بك حسن وغيره وانهم الى الآن لم يثبت عندهم حقيقة
الامر لأن من الثابت عندهم صداقة الإنكليز مع العثماني من قديم الزمان وان المراسيم التي وردت بالتحذير والتحفظ من الموسكوب ولم يذكر الانكليز فاتفق الحال بأن يرسلوا لهم جوابا بالحقيقة صحبة مصطفى افندي كتخدا القاضي ويصحب معه المراسيم التي وردت في شأن ذلك وفيها ذكر الإنكليز ومنابذتهم للدولة فسافر الكتخدا المذكور في صبحها اليهم وكانوا حضروا الى ناحية المنية واما ياسين بك فانه اذعن للصلح على أن يعطيه الباشا اربعمائة كيس بعد ترداد المراسلات بينه وبين الباشا ثم انه عدى الى ناحية شرق اطفيح وفرض عليهم الأموال الجسيمة وكان اهل تلك البلاد اجتمعوا بصول والبرنبل بمتاعهم واموالهم ومواشيهم فنزل عليهم وطلب منهم الأموال فعصوا عليه فأوقد فيهم النيران وحرق جرونهم ونهبهم
وفي عصر يوم الثلاثاء حضر جماعة من العرب وصحبتهم ثلاثة انفار من البرية واحضروهم الى مصر فمثلوا بين يدي الباشا وكلمهم ثم امر بطلوعهم الى القلعة وفيهم شخص كبير يقال انه من قباطينهم
و في يوم الخميس رابع عشرة عملوا ديوانا ببيت القاضي اجتمع فيه الدفتردار والمشايخ والوجاقلية هكذا وردت مرسوما تقدم حضوره قبل وصول الإنكليز الى الإسكندرية مضمونه ضبط تعلقات الإنكليز ومالهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر والثغور
و في ذلك اليوم حضر شخصان من السعاة واخبرا بالنصر على الإنكليز و هزيمتهم وذلك انه اجتمع الجم الكثير من اهالي بلاد البحيرة وغيرها واهالي رشيد ومن معهم من المتطوعة والعساكر واهل دمنهور وصادف وصول كتخدا بك واسمعيل كاشف الطوبجي الى تلك الناحية فكان بين الفريقين مقتلة كبيرة و أسروا من الإنكليز طائفة وقطعوا منهم عدة رؤوس فخلع الباشا على الساعيين جوختين وفي اثر ذلك وصل أيضا شخصان من الأتراك بمكاتبات بتحقيق ذلك الخبر وبالغا في الأخبار وان الأنكليز انجلوا عن متاريس رشيد وابي منصور والحماد ولم تزل المقاتلون من اهل القرى
خلفهم الى أن توسطوا البرية وغنموا جبخاناتهم واسلحتهم ومدافعهم ومهراسين عظيمين وذكرا انه واصل خلفهم اسرى وهكذا وردت قتلى كثيرة في عدة مراكب وانه وصل معهما من جملة المتطوعين رجلان من اهل مكة التجار المقيمين بمصر كانا في الواقعة بنحو مائة من البدو والمغاربة وغيرهم ينفقان عليهم ويحرضانهم على القتال ويعينان المقاتلين من الأهالي بما في ايديهما ويقاتلان بانفسهما وبذلا جهدهما في ذلك وانهما بعد هزم الإنكليز وسلبهم فرقا ما غنماه ومابقي معهما من الأشياء على من خرج خلف الإنكليز وحضرا معهما وهما السيد احمد النجاري واخوه السيد سلامة فطلبهما الباشا وسألهما عن الخبر فأخبراه بخبر التركيين فانسر الباشا لذلك سرورا عظيما وشكر فعلهما وانعم عليهما وخلع عليهما ورتب لهما مرتبا ووعدهما بالاستخدام في مصالحه وخلع على ذينك التركيين فروتي سمور وحضرا بصحبة الساعيين الى منزل السيد عمر النقيب بعد الغروب وتعشوا عنده وطلبوا البقشيش وبعد أن اخذوه توسل التركيان به بأن يسعى لهما عند الباشا في انه ينعم عليهما بمناصب فوعدهما بذلك وترجى الباشا لهما يضاعف مرتبهما وضربوا في صبح ذلك اليوم مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية وبولاق والجيزة و ذلك بين الظهر والعصر
و في يوم الجمعة خامس عشره حضروا باسرى وعدتهم تسعة عشر شخصا وعدة هكذا وردت فمروا بهم من وسط الشارع الأعظم واما الرؤوس فمروا بها من طريق باب الشعرية وعدتها نيف وثلاثون راسا موضوعة على نبابيت رشقوها بوسط بركة الازبكية مع الرؤس الاولى صفين على يمين السالك من باب الهواء الى وسط البركة وشماله
وفيه وفيه وصل ثلاث دوات من جدة الى ساحل السويس فيها اتراك وشوام واجناس اخرون وذكروا أن الوهابي نادى بعد انقضاء الحج أن لايأتي الى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلافي المناداة قوله تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعدعامهم
هذا واخرجوا هؤلاء الواصلين الى مصر
وفي وفي يوم السبت وصل أيضا تسعة اشخاص اسرى من الانكليز وفيهم فسيال
وفي يوم الأحد وصل أيضا نيف وستون وفيهم رأس واحد مقطوعة فمروا بهم على طريق باب النصر من وسط المدينة وهرع الناس للتفرج عليهم وبعد الظهر أيضا مروا بثلاثة وعشرين اسيرا وثمانية رؤوس وبعد العصر بثلاثة وعشرين راسا واربعة واربعين اسيرا من ناحية باب الشعرية وطلعوا بالجميع الى القلعة
وفي وفي يوم الاربعاء وصل الى ساحل بولاق مراكب وفيها اسرى وقتلى وجرحى فطلعوا بهم الى البر و ساروا بهم على طريق باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة الى الأزبكية فرشقوا الرؤس بالأزبكية مع الرؤس الأول وهي نحو المائة واثنين واربعين والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين فطلعوا بهم الى القلعة عند اخوانهم فكان مجموع الأسرى اربعمائة اسير وستة وستين اسيرا والرؤوس ثلثمائة ونيف واربعون وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم وهذه الواقعة حصلت على غير قياس وصادف بناؤها على غير اساس وقد افسد الله رأي كل من طائفة الإنكليز والأمراء المصرية واهل الأقليم المصري لبروز ما كتبه وقدره في مكنون غيبه على اهل الاقليم من الدمار الحاصل وما سيكون بعد كما ستسمع به ويتلى عليك بعضه اما فساد رأي الإنكليز فلتعديهم الإسكندرية مع قلتهم وسماعهم بموت الألفي وتغريرهم بأنفسهم واما الأمراء المصريون فلا يخفى فساد رأيهم بحال واما اهالي الاقليم فلا نتصارهم لمن يضرهم ويسلب نعمهم وما اصاب من مصيبة فبما كسبت ايدي الناس وما اصابك من سيئة فمن نفسك ولم يخطر في الظن حصول هذه الواقع ولا أن الرعايا والعسكر لهم قدرة على حروب الإنكليز وخصوصا شهرتهم بإتقان الحروب وقد تقدم لك انهم هم الذين حاربوا الفرنساوية واخرجوهم من مصر
ولما شاع اخذهم الإسكندرية داخل العسكر والناس وهم عظيم وعزم اكثر العسكر على الفرار الى جهة الشام وشرعوا في قضاء اشغالهم واستخلاص اموالهم التي اعطوها للمتضايقين والمستقرضين بالربا وإبدال ما بأيديهم من الدراهم والقروش والفرانسة التي يثقل حملها بالذهب البندقي والمحبوب الزر لخفة حملها حتى انها زادت في المصارفة بسبب كثرة الطلب لها وبلغ صرف البندقي المشخص الناقص في الوزن اربعمائة وعشرين نصفا والزر مائتين وعشرين والفرانسة مائتين واستمرت تلك الزيادة بعد ذلك وسيزيد الأمر فحشاوسعوا في مشترى ادوات الارتحال والأمور اللازمة لسفر البر وفارق الكثير منهم النساء وباعوا ما عندهم من الفرش والأمتعة حتى أن محمد علي باشا لما بلغه حصولهم بالإسكندرية وكان يحارب المصريين ويشدد عليهم فعند ذلك انحلت عزائمه وارسل يصالحهم على مايريدونه ويطلبونه وثبت في يقنيه استيلاء الإنكليز على الديار المصرية وعزم على العود متلكئا في السير يظن سرعة ورودهم الى المدينة فيسير مشرقا على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته في الجملة فلما وصلت الشرذمة الأولى من الإنكليز الى رشيد ودخلوها من غير مانع و حبسوا وحبسوا انفسهم فيها فقتلوا واسروا وهرب من هرب ووصلت الرؤوس والأسرى واسرعت المبشرون الى الباشا بالخبر فعند ذلك تراجعت اليه نفسه واسرع في الحضور وتراجعت نفوس العساكر وطمعوا عند ذلك في الإنكليز وتجاسروا عليهم وكذلك اهل البلاد قويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة واشتروا الأسلحة و نادوا على بعضهم بالجهاد وكثر المتطوعون ونصبوا لهم بيارق واعلاما وجمعوا من بعضهم دراهم وصرفوا على من انضم اليهم من الفقراء وخرجوا في مواكب وطبول وزمور فلما وصلوا الى متاريس الإنكليز دهموهم من كل ناحية على غير قوانين حروبهم وترتيبهم وصدقوا في الحملة عليهم والقوا انفسهم في النيران ولم يبالوا برميهم وهجموا عليهم واختلطوا بهم
وادهشوهم بالتكبير والصياح حتى ابطلوا رميهم ونيرانهم فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم وحضروا بالأسرى والرؤوس على الصور المذكورة وفر الباقون الى من بقي بالإسكندرية وليت العامة شكروا على ذلك او نسب اليهم فعل بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك ولما اصعدوا الأسرى الى القلعة طلع اليهم قنصل الفرنساوية و معه الأطباء لمعالجة الجرحى و مهد لهم اماكن وميز الكبار منهم والفسيالات في مكان يليق بهم وفرش لهم فرشات ورتب لهم تراتيب وصرف عليهم نفقات ولوزام واستمر يتعاهدهم في غالب الايام والجرائحية يترددون اليهم في كل يوم لمداواتهم كما هي عادة الإفرنج مع بعضهم اذا وقع في ايديهم جرحى من المحاربين لهم فعلوا بهم ذلك واكرموا الأسرى واما من وقع منهم في ايدي العسكر من المردان فإنهم اختصوا بهم والبسوهم من ملابسهم وباعوهم فيما بينهم ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحلية لطيفة فمن ذلك أن غلاما منهم قال للذي هو عنده أن لي بولصة عند قنصل الفرنساوية وهي مبلغ عشرون كيسا ففرح وقال له ارنيها فأخرج له ورقة بخطم وهولاء يعرف ما فيها فاخذها منه طمعا في احرازها لنفسه وذهب مسرعا الى القنصل واعطاها له فلما قرأها قال له لا اعطيك هذا البلغ الا بيد الباشا ويعطيني بذلك رجعة بختمه لتخلص ذمتي فلما صاروا بين يدي الباشا فأخبره القنصل فأمر بإحضار الغلام فلما حضر اليك سأله الباشا فقال اريد الخلاص منه واحتلت عليه بهذه الحيلة لاتوصل إليك فطيب الباشا خاطر العسكري بدراهم وارسل الغلام الى اصحابه بالقلعة ولما انقضى امر الحرب من ناحية رشيد وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا الى الإسكندرية نزل الأتراك على الحماد وماجاورها واستباحوا اهلها ونساءها واموالها ومواشيها زاعمين انها صارت دار حرب بنزول الإنكليز عليها وتمكلها حتى أن بعض الظاهرين كلمهم في ذلك فرد عليه
بذلك الجواب فأرسلوا الى مصر بذلك وكتبوا في خصوص ذلك سؤالا وكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز وحتى يأتي الترياق من العراق يموت الملسوع ومن يقرا ومن يسمع وعلى انه لم يرجع طالب الفتوى بل اهملت عند المفتي وتركها المستفتي ثم احاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على اهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها السيد حسن كريت الى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال اما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحاربتنا معهم ومعكم وماقاسيناه من التعب والسهر وانفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئا ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وظهروا له الإهتمام بالمناداة والمنع وكتب المذكور أيضا مكاتبات بمعنى ذلك وارسلها الى الباشا والسيد عمر بمصر فكتبوا فرمانا وارسلوه اليهم بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى انعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش والبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز الى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الاسكندرية
وفي يوم الأحد سابع عشره وصل ياسين بك الى ناحية طراوحضر ابوه الى مصر ودخل كثير من اتباعه الى المدينة وهم لابسون زي المماليك المصرية
وفيه دفنوا رؤوس القتلى من الانكليز وكانوا قطعوا اذانهم ودبغوها وملحوها ليرسلوها الى اسلامبول
وفيه ارسل الباشا فسيالا كبيرا من الإنكليز الى الإسكندرية بدلا عن ابن اخي عمر بك وقد كان المذكور سافر الى الإسكندرية قبل الحادثة ليذهب الى بلاده بما معه من الأموال فعوقه الإنكليز فأرسلوا هذا
الفسيال ليرسلوا بدله ابن اخي عمر بك
وفي يوم الاثنين ثامن عشره وصلت خيام ياسين بك وحملاته ونصبوا وطاقة جهة شبرا ومينة السيرج
وفي سادس عشرينه وصل ياسين بك المذكور وصحبته سليمان أغا صالح وكيل دار السعادة سابقا وهو الذي كان باسلامبول وحضر بصحبته القبودان في الحادثة السابقة وتأخر عنه واستمر مع الألفي ثم مع امرائه بعد موته وكان الباشا قد ارسل له يستدعيه بأمان فأجاب الى الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبة بالضربخانه وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم فأجابه الى ذلك وحضر صحبته ياسين بك وقابلا الباشا وخلع عليهما خلعتي سمور ونزلا وركبا ولعبا مع اجنادهما بوسط البركة بالرماح وظهر من حسن رماحة سليمان أغا ما اعجب الباشا ومن حوله من الأتراك بل اصابوه باعينهم لأنه بعد انقضاء ذلك سار مع ياسين بك الى ناحية بولاق يترامحون ويتلاعبون فأخرج طبنجته بيده اليمنى والرمح في يده اليسرى وكان زنادها مرفوعا فانطلقت رصاصاتها وخرقت كفة اليسار القابض به على سرع الجواد ونفدت من الجهة الأخرى فرجع الى داره بجراحته واذن له برد حملته وذهب ياسين بك الى بولاق فبات بها في دار حسن الطويل بساحل النيل
وفيه سافر المتسفر بآذان قتلى الإنكليز وقد وضعوها في صندوق وسافر بها على طريق الشام وصحبته أيضا شخصان من اسرى فسيالات الإنكليز وكتبوا عرضا بصورة الحال من انشاء السيد اسمعيل الخشاب وبالغوافية
وفيه حضر اسمعيل كاشف الطوبجي من ناحية بحرى ليقضي بعض الأغراض ثم يعود
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه سافر عمر بك تابع عثمان بك الأشقر وعلي كاشف بن احمد كتخدا الى ناحية القليوبية لأجل القبض على ايوب
فوده بسبب رجل يسمى زغلول ينسب اليه بأنه يقطع الطريق على المسافرين في البحر وكلما مرت بناحية مركب حاربها ونهب ما فيها من الضائع التجار واموالهم او انهم يفتدون انفسهم منه بما يرضيه من المال فكثر تشكي الناس منه فيرسلون الى ايوب فودة كبير الناحية فيتبرا منه فلما زاد الحال عينوا من ذكر للقبض عليه وقتله فبلغه الخبر فهرب من بلده ابناس فلما وصلوا الى محله فلم يجدوه فأحاطوا بموجوداته وغلاله وبهائمة وماله من المواشي والودائع بالبلاد فلما جرى ذلك حضر الى السيد عمر وصالح على نفسه بثلثمائة كيس ورجع الحال الى حاله وذلك خلاف ما اخذه المعينون من الكلف والمغارم من البلاد التي مروا عليها واقاموا فيها واحتجوا عليها
و فيه حضر الكثير من اهل رشيد بحريمهم واولادهم ورحلوا عنها الى مصر
و فيه حضر كتخدا القاضي من عند الامراء القبالي واخبر انهم محتاجون الى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة فهيأ الباشا عدة مراكب وارسلها اليهم ومع هذه الصورة واظهار المصالحة والمسالمة يمنعون ويحجزون من يذهب اليهم من دورهم بثياب ومتاع وكذلك يمنعون المتسببين والباعة الذين يذ 4 هبون بالمتاجر والأمتعة التي يبيعونها عليهم واذا وقعوا بشخص او غمزوا عليه عند الحاكم او صادفه بعض العيون المترقبة عليه قبضوا عليه ونهبوا ما معه وعاقبوه وحبسوه بل ونهبوا داره وغرموه ولا يغفر ذنبه ولا تقال عثرته ويتبرا منه كل من يعرفه وكذلك نبهوا على القلقات الذين يسمونهم الضوابط المتقيدين بابواب المدينة مثل باب النصر وباب الفتوح والبرقية والباب الحديد بمنع النساء عن الخروج خوفا من خروج النساء القبالي وذهابهن الى ازواجهن واتفق انهم قبضوا على شخص في هذه الأيام يريد السفر الى ناحية قبلي ومعه تليس ففتحوه فوجدوا بداخله مراكيب ونعالات مصرية ومغربية التي تسمى بالبلغ فقبضوا عليه واتهموه انه يريد الذهاب بذلك الى الامراء واتباعهم فنهبوا منه ذلك وغيره وقبضوا عليه وحبسوه واستمر
محبوسا وكذلك اتفق أن الوالي ذهب الى جهة القرافة وقبض على اشخاص من التربية الذين يدفنون الموتى واتهمهم بان بعض اتباع الأمراء القبالي يخرجون اليهم بالامتعة لاسيادهم ويخفونها عندهم بداخل القبور حتى يرسلوها الى اسيادهم في الغفلات وضربهم وهجم على دورهم فلم يجد بها شيئا واجتمع عليه خدام الأضرحة واهل القرافة وشنعوا عليه وكادوا يقتلونه فهرب منهم وحضروا في صبحها عند السيد عمر والمشايخ يشكون من الوالي وما فعله مع الحفارين ونحو ذلك فاعجب لهذا التناقض
وفيه وصل مكتوب من كبير الانكليز الذي بالإسكندرية مضمونه طلب اسماء الأسرى الإنكليز والوصية بهم واكرامهم كما هم يفعلون بالأسرى من العسكر فانهم لما دخلوا الى الأسكندرية اكرموا من كان بها منهم واذنوا لهم بالسفر بمتاعهم واحوالهم الى حيث شاؤا وكذلك من اخذوه اسيرا في حرابة رشيد
واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت سنة فيه كتبوا لكبير الإنكليز جوابا عن رسالته
وفي يوم السبت خامس عشره حضر علي كاشف الكبير الألفي بكلام من طرف شاهين بك الألفي يعتذر عن التأخير الى هذا الوقت وانهم على صلحهم واتفاقهم الأول وحضورهم الى ناحية الجيزة وبات تلك الليلة في بيته بمصر ثم اقام ثلاثة ايام ورجع الى مرسله وصحبته سليمان أغا الوكيل
وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من ناحية بحري وحضر ايضا في اثره احمد أغا لاظ وغيره من ناحية بحري وذلك انهم ذهبوا خلف الإنكليز الى قرب معدية البحيرة فخرج عليهم طائفة الإنكليز من البر والبحر وضربوا عليهم مدافع ونيرانا كثيرة فولوا راجعين وحضروا الى مصر
وفيه حضر أيضا الفسيال الكبير الإنكليزي الذي كان ارسل بدلا عن ابن اخي عمر بك وقيل انه ابن اخي صالح قوش فلما وصل اليهم اجابوا
بأن المذكور سافر مع من سافر الى الروم بمتاعهم واموالهم قبل الواقعة حيث لم يكن المطلوب موجودا فلا وجه لإبقاء الإنكليزي المذكور فردوه بعد أن رفعوا منزلته ورتبته عندهم فلما رجع الى مصر خلى سبيله الباشا ولم يحبسه مع الأسرى بل اطلق له الأذن أيضا في الرجوع الى الإسكندرية او الى بلاده متى احب واختار
وفي منتصفه استوحش الباشا من ياسين بك وضاق خناقه منه وذلك انه لما حضر الى مصر وخلع عليه الباشا ودفع اليه ما كان وعده به من الأكياس وقدم له تقادم وانعامات على انه يسافر الى الاسكندرية لمحاربة الإنكليز وطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه واخذ لهم الكساوى والسراويلات واخذ جميع ما كان عند جبجي باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة والاحتياجات من القرب وروايا الماء ولوازم العسكر في سفر البر والافازة والمحاصرة الى غير ذلك وقلد اباه كشوفية الشرقية وخرج هو بعرضيه وخيامه الى ناحية الحلي ببولاق فانضم اليه الكثير من العسكر والدلاتية وغيرهم وصار كل من ذهب اليه يكتبه في جملة عسكره فاجتمع عليه كل عاص وازعر ومخالف وعاق وصرح بالخلاف وتطلعت نفسه للرياسة وكلما ارسل اليه الباشا يرده وينهاه عن فعله يعرض عن ذلك وداخله الغرور وانتشرت اوباشه يعبثون في النواحي وبث اكابر جنده في القرى والبلدان وعينهم لجمع الأموال والمغارم الخارجة عن المعقول ومن خالفهم نهبوا قريته واحرقوها واخذوا اهلها اسرى فعند ذلك اخذا الباشا في التدبير عليه واستمال العسكر المنضمين اليه وحل عرى رباطاته فلما كان في ليلة الأربعاء تاسع عشره امر العساكر الأرنؤد بالاجتماع والخروج الى ناحية بولاق فخرجوا بأجمعهم الى نواحي السبتية والخندق واحالوا بينه وبين بولاق ومصر
وفي ليلة السبت ركب الباشا بجنوده وخرج الى تلك الناحية وحصن ابواب المدينة بالعساكر وايقن الناس بوقوع الحرب بين الفريقين وارسل
الباشا الى ياسين يقول له أن تستمر على الطاعة وتطرد عنك هذه اللموم وتكون من جملة كبار العسكر والا تذهب الى بلادك والا فأنا واصل اليك ومحاربك فعند ذلك داخله الخوف وانحلت عزائم جيوشه وتفرق الكثير منهم فلما كان بعد الغروب طلب الركوب ولم يعلم عسكره اين يريد فركب الجميع وهم ثلاثة طوابير واشتبهت عليهم الطرق في ظلام الليل فسار هو بفريق منهم الى ناحية الجبل على طريق حلق الجرة وفرقة سارت الى ناحية بركة الحاج والثالثة ذهبت على طريق القليوبية وفيهم ابوه فلما علم الباشا بركوبهم ركب خلفهم وذهب خلف الطائفة التي توجهت الى ناحية البركة حصة فلما علموا انفرادهم عن اميرهم رجعوا متفرقين في النواحي ورجع الباشا الى داره ولم يزل ياسين بك في سيره حتى نزل بمن معه في التبين واستقر بها واما ابوه فإنه التجأ الى شيخ قليوب الشواربي فاخذ له امانا واحضر في ثاني يوم الى الباشا فألبسه فروة وامره أن يلحق بابنه فنزل الى بولاق ونزل في مركب مسافرا
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه عين الباشا عسكرا ورؤساء عساكر وخيالة واصحب معهم شديدا وجملة من عرب الحويطات للحوق بياسين بك ومحاربته ولما نزل ياسين بك بناحية التبين نهب قرى الناحية بأسرها مثل التبين وحلوان وطرا والمعصرة والبساتين وفعلوا بها افاعيلهم الشنيعة من السلب والنهب واخذ النساء ونهب الأجران والغلال والأتبان والمواشي واخذ الكلف الشاقة ومن عجز عن شيء من مطلوابتها احرقوه بالنار
وفي يوم الخميس رجع العسكر والعربان الذين كانوا ذهبوا لمحاربة ياسين بك وذلك انهم لما قربوا من وطاقهم ارتحل الى صول والبرنيل فولوا راجعين وتمموا في ذهابهم وايابهم تدمير القرى
وفيه ورد قاصد قابجي من اسلامبول وعلى يده مرسوم بالبشارة بولاية السيد علي باشا قبودان الدونتمة وتاريخه نحو ثلاثة اشهر فضربوا لقدومه المدافع من القلعة
وفي يوم السبت عشرينه رجع سليمان أغا من قبلي الى مصر
واخبر بقرب قدوم الأمراء المصريين وان شاهين بك وصل الى زارية المصلوب وابراهيم بك جهة قمن العروس وانهم يستدعون اليهم مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الإثنين فيه سافر مصطفى أغا والصابونجي الى جهة قبلي وصحبتهما كتخدا القاضي
وفي سادسه وصل شخص ططري وعلى يده مرسوم فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم بحضرة الجمع مضمونه أن العرضى الهمايوني الموجه لحرب الموسكوب خرج من اسلامبول وذهب الى ناحية ادرنه وان العساكر سارت لمحاربة الأعداء ويذكرون فيه أن بشائر النصر حاصلة وقد وصل رؤوس قتلى واسرى كثيرة وانه بلغ الدولة ورود نحو الأربع عشرة قطعة من المراكب الى ثغر الإسكندرية وان الكائنين بالثغر تراخوا في حربهم حتى طلعوا الى الثغر فمن اللازم الإهتمام وخروج العساكر لحروبهم ودفعهم وطردهم على الثغر وقد ارسلنا البيورلديات الى سليمان باشا والي صيدا والى يوسف باشا والي الشام بتوجيهه العساكر الى مصر للمساعدة وان لزم الحال لحضور المذكورين لتمام المساعدة على دفع العدو الى اخر ما نمقوه وسطروه ومحل القصد من ورود هذه البيورلديات والفرمانات والاغوات والقبيجات انما هو جر المنفعة لهم بما ياخذونه من خدمهم وحق طريقهم من الدراهم والتقادم والهدايا فإن القادم منهم اذا ورد استعدوا لقدومه فإن كان ذا قدر ومنزلة اعدوا له منزلا يليق به ونظموه بالفرش والأدوات اللازمة وخصوصا اذا كان حضر في امر مهم او لتقرير المتولي على السنة الجديدة او بصحبته خلع الرضا وهدايا فإنه يقابل بالإعزاز الكبير ويشاع خبره قبل وروده الى الإسكندرية وتأتي المبشرون بورود من الططر قبل خروجه من دار السلطنة بنحو من شهر او شهرين وياخذون خدمتهم وبشارتهم بالاكياس واذا وصل هو ادخلوه في موكب جليل وعملوا له ديوانا ومدافع وشنكا وانزل في المنزل المعد له واقبلت عليه
التقادم والهدايا من المتولي واعيان دولته ورتب له الرواتب والمصاريف لماكله هو واتباعه لمطبخه وشراب حانته ايام مكثه شهرا او شهورا ثم يعطى من الاكياس قدرا عظيما وذلك خلاف هدايا الترحيلة من قدور الشربات المتنوعة والسكر المكرر وانواع الطيب كالعود والعنبر والأقمشة الهندية والمقصبات لنفسه ورجال دولته وان كان دون ذلك انزلوه بمنزل بعض الأعيان بأتباعه وخدمه ومتاعه في اعز مجلس و يقوم رب المنزل بمصروفهم ولوازمهم وكلفهم وما تستدعيه شهوات انفسهم ويرون أن لهم المنة عليه بنزولهم عنده ولا يرون له فضلا بل ذلك واجب عليه وفرض يلزمه القيام به مع التآمر عليه وعلى اتباعه ويمكث على ذلك شهورا حتى ياخذ خدمته ويقبض اكياسه وبعد ذلك كله يلزم صاحب المنزل أن يقدم له هدية ليخرج من عنده شاكرا ومثنيا عليه عند مخدومه واهل دولته قضية يحار العقل والنقل في تصورها
وفي يوم الأحد سابعه وصلت القافلة والحجاج من ناحية القلزم على مرسى السويس وحضر فيها اغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وهو المعروف بسعد بك وكذلك خدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعا واما القاضي المنفصل فنزل في مركب ولم يظهر خبره وقاضي مكة توجه بصحبة الشاميين واخبر الواصلون انهم منعوا من زيارة المدينة وان الوهابي اخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وحضر أيضا الذي كان اميرا على ركب الحجاج وصحبته مكاتبه من مسعود الوهابي ومكتوب من شريف مكة واخبروا انه امر بحرق المحمل واضطربت اخبار الإخباريين عن الوهابي بحسب الأغراض ومكاتبة الوهابي بمعنى الكلام السابق في نحو الكراسة وذكر فيها ما ينسبونه الناس اليه من الأقوال المخالفة لقواعد الشرع ويتبرأ عنها
و فيه ورد الخبر بإن ابراهيم بك وصل الى بني سويف وان شاهين بك ذهب الى الفيوم لاختلاف وقع بينهم وان امين بك واحمد بك الألفيين
ذهبا الى ناحية الإسكندرية للإنكليز
وفيه كمل تحرير دفاتر الفرضة والمظالم التي ابتدعوها في العام الماضي على القراريط واقطاعات الأراضي وكذلك اخذ نصف فائظ الملتزمين وعينوا المعينين لتحصيله من المزارعين وذلك خلاف ما فرضوه على البنادر من الأكياس الكثيرة المقادير
وفي ذلك اليوم ارسل الأغا والي الشرطة اتباعهما لأرباب الصنائع والحرف والبوابين بالوكائل والخانات يامرونهم بالحضور من الغد الى بيت القاضي فانزعجوا من ذلك ولم يعلموا لأي شيء هذا الطلب وهذه الجمعية وباتوا متفكرين ومتوهمين فلما اصبح يوم الإثنين واجتمع الناس ابرزوا لهم مرسوما قرئ عليهم بسبب زيادة صرف المعاملة وذلك أن الريال الفرانسة وصلت مصارفته الى مائتين وعشرة من الأنصاف العددية والمحبوب الى مائتين وعشرين واكثر والمشخص البندقي وصل الى اربعمائة واربعين فضة ونحو ذلك فلما قرأوا عليهم المرسوم وامروهم بعدم الزيادة وان يكون صرف الفرانسة بمائتين فقط والمحبوب بمائتين وعشرين فضة والبندقي بأربعمائة وعشرين فلما سمعوا ذلك قالوا نحن ليس لنا علاقة بذلك هذا امر منوط بالصيارف وانفض المجلس
وفيه وصلت مكاتبة من ابراهيم بك ومن الرسل مضمونها الاخبار بقدومهم وارسل ابراهيم بك يستدعي اليه ابنه الصغير وولد ابنته المسمى نور الدين ويطلب بعض لوازم وامتعة
وفي يوم السبت ثالث عشره سافر اولاد ابراهيم بك والمطلوبات التي ارسل بطلبها وصحبتهم فراشون وباعة ومتسببون وغير ذلك
وفي يوم الإثنين ورد سلحدار موسى باشا وعلى يده مرسوم بالعربي واخر بالتركي مضمونهما جواب رسالة ارسلت الى سليمان باشا بعكا بخبر حادثة الإنكليز ملخصها انه ورد علينا جواب من سليمان باشا يخبر فيه بوصول طائفة الإنكليز الى ثغر سكندرية ودخولهم اليها
بمخامرة اهلها ثم زحفهم الى رشيد وقد حاربتهم اهل البلاد والعساكر وقتلوا الكثير منهم واسروا منهم كذلك ونؤكد على محمد باشا والعلماء واكابر مصر بالاستعداد والمحافظة وتحصين الثغور مثل السويس والقصير ومحاربة الكفار واخراجهم وابعادهم عن الثغر وقد وجهنا لكل من سليمان باشا وجنج يوسف باشا بتوجيه ما تريدون من العساكر للمساعدة ونحو ذلك
وفيه احضروا اربعة رؤوس من الانكليز وخمسة اشخاص احياء فمروا بهم من وسط المدينة وذكروا أن كاشف دمنهور حارب ناحية الاسكندرية فقتل منهم واسر هؤلاء وقيل انهم كانوا يسيرون لبعض اشغالهم نواحي الريف فبلغ الكاشف خبرهم فاحاط بهم وفعل بهم ما فعل وارسلهم الى مصر وهم ليسوا من المعتبرين وكأنهم مالطية وقيل انهم سألوهم فقالوا نحن متسببون طلعنا ناحية أبي قير وتهنا عن الطريق فصادفونا ونحن تسعة لاغير فاخذونا وقتلوا منا من قتلوه وابقونا
وفيه وصلت مكاتبة من ابراهيم بك وأرسل الباشا اليهم جوابا صحبة انسان يسمى شريف أغا
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وردت اخبار من ناحية الشام بأنه وقع اسلامبول فتنة بين الينكجرية والنظام الجديد وكانت الغلبة للينكجرية وعزلوا السلطان سليم وولوا السلطان مصطفى ابن عمه وهو ابن السلطان عبدالحميد بن احمد وخطب له ببلاد الشام
وفي يوم الخميس وصل ططري من طريق البر بتحقق ذلك الخبر وخطب الخطباء للسلطان مصطفى على منابر مصر وبلاد مصر وبولاق وذلك يوم الجمعه سادس عشرينه
وفي اواخره احدثوا طلب مال الأطيان المسموح الذي لمشايخ البلاد وحرروا به دفترا وشرعوا في تحصيله وهي حادثة لم يسبق مثلها اضرت بمشايخ البلاد وضيقت عليهم معايشهم ومضايفهم
وفيه كتبوا اوراقا للبلاد والأقاليم بالبشارة بتولية السلطان الجديد وعينوا بها المعينين وعليها حق الطرق مبالغ لها صورة وكل ذلك من التحيل على سلب اموال الناس
وفيه كتبوا مراسلة الى الأمراء القبليين بالصلح وارسلوا بها ثلاثة من الفقهاء وهم الشيخ سليمان الفيومي والشيخ ابراهيم السجيني والسيد محمد الدواخلي وذلك انه لما رجع شريف أغا الذي كان توجه اليهم بمراسلتهم ارسلوا يطلبون الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والسيد عمر النقيب لإجراء الصلح على ايديهم فأرسلوا الثلاثة المذكورين بدلا عنهم
وفي هذه الأيام كثر خروج العساكر والدلاة وهم يعدون الى البر الغربي وعدى الباشا بحر النيل الى برانبابة واقام هناك اياما
واستهل شهر جمادي الأول سنة فيه شرع الباشا في تعمير القلاع التى كانت انشأتها الفرنساوية خارج بولاق وعمل متاريس بناحية منية عقبة وغيرها ووزع على الجيارة جيرا كثيرا ووسق عدة مراكب وارسلها الى ناحية رشيد ليعمروا هناك سورا على البلد وابراجا وجمعوا البنائين والفعلة والنجارين وانزلوهم في المراكب قهرا
وفي منتصفه وصل الى مصر نحو الخمسمائة من الدلاتية اتوا من ناحية الشام ودخلوا الى المدينة
وفيه طلب الباشا من التجار نحو الألفي كيس على سبيل السلفة فوزعت على الأعيان وتجار البن واهل وكالة الصابون ووكالة التفاح ووكالة القرب وخلافها وحجزوا البضائع واجلسوا العساكر على الحواصل والوكائل يمنعون من يخرج من حاصله او مخزنه شيئا الا بقصد الدفع من اصل المطلوب منهم ثم اردفوا ذلك بمطلوبات من افراد الناس المساتير فيكون الإنسان جالسا في بيته فما يشعر الا والمعينون واصلون اليه وبيدهم بصلة الطلب اما خمسة اكياس او عشرة او اقل او اكثر فاما أن يدفعها ولا قبضوا
عليه وسحبوه الى السجن فيحبس ويعاقب حتى يتمم المطلوب منه فنزل بالناس امر عظيم وكرب جسيم
وفي الناس من كان تاجرا ووقف حاله بتوالي الفتن والمغرم وانقطاع الأسباب والأسفار وافلس وصار يتعيش بالكد والقرض وبيع متاعه واساس داره وعقاره واسمه باق في دفاتر التجار فما يشعر إلا والطلب لاحقة بنحو ما تقدم لكونه كان معروفا في التجار فيؤخذ ويحبس ويستغيث فلا يغاث ولا يجد شافعا ولا راحما وهذا الشيء خلاف الفرض المتوالية على البلاد والقرى في خصوص هذه الحادثة وكذلك على البنادر مقادير لها صورة وما يتبعها من حق طرق المعينين والمباشرين وتوالي مرور العساكر آناء الليل واطراف النهار بطلب الكلف واللوازم واشياء يكل القلم عن تسطيرها ويستحي الانسان من ذكرها ولا يمكن الوقوف على بعض جزئياتها حتى خربت القرى وافتقر اهلها وجلوا عنها فكان يجتمع اهل عدة من القرى في قرية واحدة بعيدة عنهم ثم يلحقها وبالهم فتخرب كذلك واما غالب بلاد السواحل فانها خربت وهرب اهلها وهدموا دورها ومساجدها واخذوا اخشابها ومن جملة افاعيلهم الشنيعة التي لم يطرق الأسماع نظيرها انهم قرروا فرضة من فرض المغارم على البلاد فكتبوا اوراقا وسموها بشارة الفرضة يتولاها بعض من يكون متطلعا لمنصب او منفعة ثم يرتب له خدما واعوانا ثم يسافر الى الاقليم المعين له وذلك قبل منصب الأصل وفي مقدمته يبعث اعوانه الى البلاد يبشرونهم بذلك ثم يقبضون مارسم لهم في الورقة من حق الطريق بحسب ما ادى اليه اجتهاده قليلا او كثيرا وهذه لم يسمع بما يقاربها في ملة ولا ظلم ولا جور وسمعت من بعض من له خبرة بذلك أن المغارم التى قررت على القرى بلغت سبعين ألف كيس وذلك خلاف المصادرات الخارجة
وفي اواخره قوى عزم الباشا على السفر لناحية الاسكندرية وامر باحضار اللوازم والخيام وما يحتاج اليه الحال من روايا الماء والقرب وباقي الأدوات
واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الخميس سنة وفي ثانيه وهو يوم الجمعة ركب الباشا الى بولاق وعدى الى ناحية برانبابة ونصبوا وطاقه هناك وخرجت طوائف العسكر الى ناحية بولاق وساحل البحر وطفقوا يأخذون ما يجدونه من البغال والحمير والجمال واستمروا على الدخول والخروج والذهاب والمجيء والرجوع والتعدية اياما وهم على ذلك النسق من خطف البهائم وامتنعت السقاؤن عن نقل الماء من البحر حتى شح الماء وغلا سعره وعطشت الناس وامتنع حمل البضائع
وفي ثالثه طلبوا أيضا خيول الطواحين لجر المدافع والعربات حتى تعطلت الطواحين عن طحن الدقيق ولما ذهبوا بها الى العرضي اختاروا منها جيادها واعطوا اربابها عن كل فرس خمسين قرشا وردوا البواقي لاصحابها
وفيه طلبوا أيضا دراهم من طائفة القبانية والحطابة وباعة السمك القديد المعروف بالفسيخ فكان القدر المطلوب من طائفة القبانية مائة وخمسين كيسا فأغلقوا حوانيتهم وهربوا والتجؤا الى الجامع الأزهر وكذلك الحطابة وغيرهم منهم من هرب ومنهم من إلتجأ الى السيد عمر واستمر كذلك ثلاثة ايام وركب السيد عمر وعدى الى الباشا وتشفع في الطوائف المذكورة فرفعوا عنهم غرامتهم وكتبوا لهم امانا بذلك
وفي خامسه حضر قابجي من طرف الإنكليز وصحبته اشخاص فأنزلهم الباشا في خيمة بمخيمه بإنبابة فرقدوا بها ليأخدوا لهم راحة وناموا فلما استيقظوا فلم يجدوا ثيابهم وسطا عليها السراق فشلحوهم فأرسلوا الى حارة الفرنساوية فأتوا لهم بثياب وقفوات لبسوها
وفي يوم السبت مع ليلة الأحد حادي عشره عمل الفرنساوية عيدا ومولدا بحارتهم وأولمو بينهم ولائم واوقدوا قناديل كثيرة تلك الليلة وحراقات نفوط وسواريخ وشنكا حصة من الليل وهو عبارة عن مولد بونابارته السنوي
وفي الثلاثاء ثالث عشره طلب الباشا حسين افندي الروزنامجي فعدى
اليه ببر انبابه فخلع الدفتردارية وحضر الى داره الجديد وهو بيت الهياتم بالقرب من قنطرة درب الجماميز وذهب اليه الناس يهنوئه وانفصل احمد افندي عاصم عن الدفتردارية
وفي يوم الخميس خامس عشره عمل الباشا شنكا بالبر الغربي بين المغرب والعشاء ولما اصبح امر بالإرتحال وتمهل حتى تكامل ارتحال العساكر فركب قريب الزوال الى المنصورة
وفي يوم الجمعة سادس عشره الموافق السادس مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وذلك بعد أن حصل في الناس ضجر وقلق بسبب تأخر الوفاء عدة ايام حتى رفعوا الغلال من العرصات وزادت اثمانها فلما حصل الوفاء اطمأن الناس وتراجعت اليهم انفسهم واظهروا الغلال في العرصات والرقع وركب كتحدا بك في صبح يوم السبت وكذلك القاضي وطوسون ابن الباشا والسيد عمر النقيب وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج
وفيه وصل قابجي الى ثغر الاسكندرية وحضر بد ذلك الى ثغر بولاق من طريق البر الى قبرص و تحرى الوصول إلى دمياطثم حضر إلى بولاق وقابل الباشا في طريقه ووصل على يد مسكة ضرب المعاملة الجديدة بالضربخانة باسم السلطان الجديد وكذلك الأمر بالخطبة والدعاء والأخبار برفع النظام الجديد وابطاله من اسلامبول ورجوع الوجاقات على قانونها الأول القديم ووصل في نيف وخمسين يوما فاجتمعوا في صبحها يوم الأحد بباب الباشا واحضروا الأغا بموكب ودخل من باب النصر وقريء الفرمان بحضرة الجمع وضربوا شنكا ومدافع من ابراج القلعة ثلاثة ايام في الأوقات الخمسة
ومن الحوادث انه ظهر في هذه الأيام رجل بناحية بنها العسل يدعى بالشيخ سليمان فأقام مدة في عشة بالغيظ واعتقد الناس الولاية والسلوك والجذب فاجتمع اليه الكثير من اهل القرى واكثرهم الأحداث ونصبوا له خيمةو كثر جمعه واقبلت عليه اهالي القرى بالنذور والهدايا
وصار يكتب الى النواحي اوراقا يستدعي منهم القمح والدقيق ويرسلها مع المريدين يقول فيها الذي نعلم به اهل القرية الفلانية حال وصول الورقة اليكم تدفعون لحاملها خمسة ارداب قمح او اقل او اكثر برسم طعام الفقراء وكراء طريق المعين ثلاثون رغيفا نحو ذلك فلا يتأخرون عن ارسال المطلوب في الحال وصار الذين حوله ينادون في تلك النواحي بقولهم لا ظلم اليوم ولا تعطوا الظلمة شيئا من المظالم التي يطلبونها منكم ومن اتاكم فاقتلوه فكان كل من ورد من العسكر المعينين الى تلك النواحي يطلب الكلف او الفرض التي يفرضونها فزعوا عليه وطردوه وان عاند قتلوه فثقل امره على الكشاف والعسكر وصار له عدة خيام واخصاص واجتمع لديه من المردان نحو المائة وستين امرد وغالبهم اولاد مشايخ البلاد وكان اذا بلغه أن بالبلد الفلانية غلاما وسيم الصورة ارسل يطلبه فيحضرونه اليه في الحال ولو كان ابن عظيم البلدة حتى صاروا يأتون اليه من غير طلب ولا يخفى حال الإقليم المصري في التقليد في كل شيء وهذا من جنس المردان وكذلك ذوو اللحى هم كثيرون أيضا وعمل للمردان عقودا من الخرز الملون في اعناقهم ولبعضهم اقراطا في آذانهم ثم أن شيخا من فقهاء الأزهر من اهالي بنها يقال له الشيخ عبدالله البنهاوي ادعى دعوى بطين مستأجرة من اراضي بنها كان لأسلافه وان الملتزمين بالقرية استولوا على ذلك الطين من غير حق لهم فيه بل باغراء بعض مشايخ القرية والمذكور به رعونة ولم يحسن سبك الجعالات والبراطيل للوسايط وارباب الأحكام واتباعهم ويظن في نفسه انه يقضي قضيته يقال المصنف اكراما لعلمه ودرسه فتخاصم مع الملتزمين ومشايخ بلده وانعقدت بسببه مجالس ولم يحصل منها شيء سوى التشنيع عليه من المشايخ الأزهرية والسيد عمر النقيب ثم كتب له عرضحال ورفع امره الى كتخدا بك والباشا فأمر الباشا بعقد مجلس بسببه بحضرة السيد عمر والمشايخ وقالوا للباشا انه غير محق وطردوه فسافر الى بلده وسافر
الباشا أيضا الى جهة البحيرة والإسكندرية فذهب الشيخ عبدالله المذكور الى الشيخ سليمان المذكور واغراه على الحضور الى مصر وانه متى وصل اجتمع عليه المشايخ واهل البلدة وقابلوه ويكون على يده الفتح والفتوح وحركته خساف العقول المحيطون به والمجتمعون حوله على المجيء الى مصر ويكون له شأن لأن ولايته اشتهرت بالمدينة ولهم فيه اعتقاد عظيم وحب جسيم ومن اوصاف ذلك الشيخ انه لا يتكلم الا بالذكر او الكلام النزر الذي لا بد منه ويتكلم في اكثر اوقاته بالإشارة ثم انه اذاع شياطينه وحضر برجاله وغلمانه و معه طبول وكاسات على طريق مشايخ اهل العصر والاوان الذين يحسبون انهم يحسنون صنعا ودخلوا الى المدينة على حين غفلة وبأيديهم فراقل يفرقعون بها فرقعة متتابعة وصياح وجلبة ومن خلفهم الغلمان والبدايات وشيخهم في وسطهم فما زالوا في سيرهم حتى دخلوا المشهد الحسيني وجلسوا بالمسجد يذكرون ودخل منهم طائفة الى بيت السيد عمر مكرم النقيب وهم يفرقعون بما في ايديهم من الفرقلات فأقاموا بالمسجد الى العصر ثم دعاهم انسان من الأجناد يقال له اسمعيل كاشف أبو مناخير له في الشيخ المذكور اعتقاد فذهبوا معه الى داره بعطفة عبدالله بك فعشاهم وباتوا عنده الى الصباح ولما طلع النهار ركب الشيخ بغلة ذلك الجندي وذهب بطائفته الى ضريح الامام الشافعي فجلس بالمسجد أيضا مع اتباعه يذكرون وبلغ خبره كتخدا بك وامثاله فكتب تذكرة وارسلها الى السيد عمر النقيب بطلب الشيخ المذكور ليتبركوا به واكد في الطلب وقصده أن يفتك به لقهرهم منه وعلم السيد عمر ما يراد به فارسل يقول له أن كتب من اهل الكرامة فأظهر سرك وكرامتك والا فاذهب وتغيب وكان صالح أغا قوج لما بلغه خبره ركب في عسكره وذهب الى مقام الشافعي واراد القبض عليه فخوفه الحاضرون وقالوا له لا ينبغي لك التعرض له في ذلك المكان فإذا خرج فدونك واياه فانتظره بقصر شويكار فتباطأ الشيخ الى قريب العصر واشاروا عليه بالخروج من الباب القبلي وتفرق
عنه الكثير من المجتمعين عليه فذهب الى مقام الليث بن سعد ثم سار من ناحية الجبل وذهب بداياته وغلمانه الى دار اسمعيل كاشف التى باتوا بها ولما سار الى ناحية الصحراء لحقه الحاج سعودي الحناوي واقتفى اثره وبلغه رسالة السيد عمر ورجع الى السيد عمر فوجد كتخدا بك ورجب أغا حضرا الى السيد عمر يسألانه عنه ولم يكتفوا بالطلب الأول فأخبرهما انه ذهب ولم تلحقه المراسيل فاغتاظوا وقالوا نرسل الى كاشف القليوبية بالقبض عليه اينما كان وانصرفوا ذاهبين وقصدت العساكر بيت اسمعيل كاشف أبو مناخير فقبضوا على الغلمان واخذوهم الى دورهم ولم ينج منهم الا من كان بعيدا وهرب وتغيب وتفرق اتباعه ذوو اللحى واما الشيخ فسار من طريق الصحراء حتى وصل إلى بهتيم وذهب الى نوب فعرف بمأنه الشيخ عبدالله زقزوق البنهاوي الذي كان اغراه على الحضور الى مصر ولما سقط في يده تبرأ عنه وذهب الى كتخدا بك وطلب له امانا واخبره انه متخف بضريح الإمام الشافعي فأعطاه امانا وذهب اليه واحضره من نوب فلما حضر عند الكتخدا قال له ارخ لحيتك واترك ما انت عليه واقم في بلدك واعطيك طينا تزرعه ولا تتعرض لأحد ولا احد يتعرض لك والشيخ ساكت لا يتكلم وصحبته اربعة انفار من تلاميذه هم الذين يخاطبون الكتخدا ويكلمونه ثم امر اشخاصا من العسكر فأخذوه وذهبوا به الى بولاق وانزلوه في مركب وانحدروا به ثم غابوا حصة وانقلبوا راجعين ثم بعد ذلك تبين انهم قتلوه والقوه في البحر الا واحدا من الأربعة القى بنفسه في البحر وسبح في الماء وطلع الى البر وهرب وانفض امره
وفيه ارسل الباشا وهو بالرحمانية يطلب شيخ دسوق فحضر اليه طائفة من العسكر فلما اتوا اليه امتنع وقال ما يريد الباشا مني اخبروني بطلبه وانا ادفعه أن كان غرامة او كلفة فقالوا لا ندري وانما امرنا بإحضارك فشاغلهم بالطعام والقهوة ووزع بمائمه وحريمه والذي يخاف عليه وفي الوقت وصلت مراكب وبها عساكر وطلعوا الى البر فركب شيخ البلد خيوله
وخيالته واستعد لحربهم وحاربهم وابلى معهم وقتل منهم عدة كبيرة ثم ولى هاربا فدخل العسكر إلى البلد ونهبوها وأخذوا ما وجدوا في دور اهلها وعبروا مقام السيد الدسوقي وذبحوا من وجدوه من المجاورين وفيهم من طلبة العلم العواجز
وفيه ركب كتخدا بك ومر على بيت الداودية وبه طائفة من الدلاة فرأى شخصا منهم يرجم دجاجة بحجر ليرميها من سطح دار اخرى فانتهره واراد ضربه فقامت عليه رفقاؤه الدالاتية وفزعوا عليه فولى هاربا منهم فعدوا خلفه ولم يزل رامحا هو واتباعه حتى وصل الى ناحية الأزبكية
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة في رابعه وردت مكاتبات من الباشا بوقوع الصلح بينه وبين الإنكليز واتفقوا على خروجهم من الاسكندرية وخلوها ونزولهم منها اوأرسل يطلب الاسرى من الإنكليز
وفي عاشره ورد قابجي ويسمى نجيب افندي فوصل الى بولاق يوم الاثنين حادى عشره وكان وروده من ناحية دمياط فلما علم أن الباشا بناحية البحيرة ذهب اليه وقابله بدمنهور وبصحبته لخصوص الباشا قفطان وسيف وشلنج وخلع لكبار العسكر مثل حسن باشا وطاهر باشا وعابدين بك وعمر بك وصالح قوج فنزل ببيت محمد الطويل التتنجي ببولاق
وفيه نزلوا بالأسرى من الإنكليز الى المراكب ليسافروا الى الإسكندرية
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره وصل المبشر بنزول الإنكليز من ثغر الإسكندرية الى المراكب ودخل اليها كتخدا بك ونزل بدار الشيخ المسيري واستمر الباشا مقيما عند السد
وفي يوم السبت سادس عشره ركب القابجي من بولاق بالموكب وشق من وسط المدينة وذهب الى بيت الباشا وضربوا لقدومه مدافع من القلعة
وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه ولد لمحمد علي باشا مولود من حظيته وحضر المبشرون بنزول الإنكليز من الإسكندرية ودخول الباشا
بها فعملوا شنكا وضربوا مدافع من القلعة ثلاثة ايام في الأوقات الخمسة آخرها السبت
وفي يوم الخميس والجمعة والسبت وصلت عساكر كثيرة ودخلوا المدينة وطلبوا سكنى البيوت وازعجوا الناس واخرجوهم من اوطانهم وضجت الخلائق وحضر الكثير الى السيد عمر والمشايخ فكتبوا عرضا في شأن ذلك وارسلوه الى كتخدا بك فأظهر الإهتمام واحضر طائفة من كبار العسكر وكلمهم في ذلك وقال لهم كل من كان ساكنا قبل الخروج الى العرضى في دار فليرجع اليها ويسكنها ولا تعارضوا الناس في مساكنهم فلم يفد كلامه في ذلك شيئا لأن البيوت التى كانوا بها اخربوها وحرقوا اخشابها وتركوها كيمانا وذلك دأبهم
واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة في ثالثه يوم الإثنين وصل الباشا الى ساحل بولاق فضربوا لقدومه مدافع من القلعة وعملوا له شنكا ثلاثة ايام واتفق أن الباشا في حال رجوعه من الإسكندرية نزل في سفينة صغيرة وصحبته حسن باشا طاهر وسليمان أغا الوكيل سابقا فانقلبت بهم واشرف ثلاثتهم على الغرق وتعلق بعضهم بحرف السفينة فلحقتهم مركب اخرى انقذتهم من الغرق وطلعوا سالمين وكان ذلك عند زفيتة
وفيه كتبوا أوراق البشارة بذهاب الانكليز وسفرهم من الاسكندرية وارسلوها الى البلاد والقرى وعليها حق الطريق اربعة ألاف والفين فضة وصورة ما حصل انه لما وصل الباشا الى ناحية الإسكندرية راسل الإنكليز وحضر اليه انفار منهم واختلى معهم ولم يعلم احد ما دار بينهم من الكلام وذهبوا من عنده واشيع الصلح وفرحت العسكر لانهم لما رأوا صورة المتاريس والطوابي والخنادق وجري المياه بين ذلك بالأوضاع المتقنة هالهم ذلك ثم حضر من عظمائهم اشخاص ولما علم الباشا بوصولهم رتب العساكر ونظم ديوانا وهيأه واوقف العساكر صفوفا يمنة ويسره وعندما
وصلوا ضربوا لهم مدافع كثيرة وشنكا وقدم لهم خيولا وهدايا واقمشة هندية وخلع عليهم خلعا وشيلانا كشميرية وغير ذلك ثم ركب معهم في قلة الى حيث منزلة ساري عسكرهم وكبيرهم فتلاقى معهم وقدم له الآخر هدايا وظرائف ثم ركب معه الى الإسكندرية وتسلم القلعة وذلك بعد دخول كتخدار بك بخمسة ايام وكان في اسرى الإنكليز انفار من عظمائهم فأحضرهم الباشا مع باقي الأسرى وتم الصلح على رد المذكورين على انهم لم يأتوا طمعا في البلاد كما تقدم ولما نزلوا بالمراكب لم يبعدوا عن الثغر إلا مسافة قليلة واستمروا يقطعون على المركب الواردين على الثغور وذلك لما بينهم وبين العثماني من المفاقمة
هذا ما كان من امر الإنكليز واما العساكر فإنهم افحشوا في التعدي على الناس وغصب البيوت من اصحابها فتأتي الطائفة منهم الى الدار المسكونة ويدخلونها من غير احتشام ولا اذن ويهجمون على سكن الحرم بحجة انهم يتفرجون على اعالي الدار فتصرخ النساء ويجتمع اهل الخطة ويكلمونهم فلا يلتفتون اليهم فيعالجونهم مرة بالملاطفة و أخرى بكثرة الجمع إن كان بهم قوة أو بمعونة ذي مقدرة و إذا انفصلوا فلا يخرجون من الدار الا بمصلحة او هدية لها قدر ويشترطون في ذلك الشيلان الكشميري فإذا احضروا لهم مطلوبهم فلا يعجب كبيرهم ويطلب خلافه احمر او اصفر واتفق أن بعضهم دخل عليه بينباشا بجماعته فلم يزل به حتى صالحه على شال يأخذه ويترك له داره فأتاه بشال اصفر فاظهر انه لا يريد الا الأحمر الدودة فلم يسعه الا الرضا واراد أن يرد الأصفر ويأتيه بالأحمر فحجزه وقال دعه حتى تأتتي بالأحمر ضمه إلى الاصفر و اخذ الإثنين ثم انصرف عنه وذلك خلاف ما يأخذونه من الدراهم فإذا انصرفوا وظن صاحب الدار انهم انجلوا عنه فيأتيه بعد يومين او ثلاثة خلافهم ويقع في ورطة اخرى مثل الأولى او اخف او اعظم منها وبعضهم يدخل الدار ويسكنها بالتحيل والملاطفة مع صاحب الدار فيقول له يا اخي يا حبيبي انا
معي ثلاثة انفار واربعة لا غير ونحن مسافرون بعد عشرة ايام والقصد أن تفسح لنا نقيم في محل الرجال وانت بحريمك في مكانهم اعلى الدار فيظن صدقهم ويرضى بذلك على تخوف وكره فيعبرون ويجلسون كما قالوا في محل الرجال ويربطون خيولهم في الحوش ويعلقون اسلحتهم ويقولون نحن صرنا ضيوفك فإذا اراد أن يرفع فرش المكان يقولون نحن نجلس على الحصير والبلاط واي شيء يصيب الفرش فيتركه حياء وقهرا ثم يطلبون الطعام والشراب فما يسعه الا أن يتكلف لهم ذلك في اوقاته ويستعملون الأواني ويطلبون ما يحتاجون اليه مثل الطشت والأبريق وغير ذلك ثم تأتيهم رفقاؤهم شيئا فشيئا ويدخلون ويخرجون وبأيديهم الأسلحة ويضيق عليهم المكان فيقولون لصاحب المكان اخل لنا محلا اخر في الدار فوق لرفقائنا فإن قال ليس عندنا محل اخر او قصر في مطلوب ابتداؤه بالقسوة فعند ذلك يعلم صاحب الدار انهم لا انفكاك لهم عن المكان وربما مضت العشرة ايام او اقل او اكثر وظهرت قبائحهم وقذروا المكان واحرقوا البسط والحصر بما يتساقط عليها من الجمر من شربهم النارجيلات والتنباك والدخان وشربوا الشراب وعربدوا وصرخوا وصفقوا وغنوا بلغاتهم المختلفة وفقعت رائحة العرقي في المنزل فيضيق صدر الرجل وصدر اهل بيته ويطيب خاطرهم على الخروج والنقلة فيطلبون لأنفسهم مسكنا ولو مشتركا عند اقاربهم ومعارفهم وتخرج النساء في غفلة بثيابهن وما يمكنهن حمله ثم يشرعون في اخراج المتاع والأواني والنحاس والفرش فيحجزونه منهم ويقولون اذا اخذتم ذلك فعلى اي شيء نجلس وفي اي شيء نطبخ وليس معنا فرش ولا نحاس والذي كان معنا استهلك منا في السفر والجهاد ودفع الكفار عنكم وانتم مستريحون في بيوتكم وعند حريمكم فيقع النزاع وينفصل الأمر بينهم وبين صاحب الدار اما بترك الدار بما فيها او بالمقاسمة والمصالحة بالترجي والوسايط ونحو ذلك وهذا الأمر يقع لأعيان الناس والمقيمين بالبلدة من الأمراء والأجناد
المصريين واتباعهم ونحوهم ثم انهم تعدوا الى الحارات والنواحي التى لم يتقدم لهم السكنى بها قبل ذلك مثل نواحي المشهد الحسيني وخلف الجامع المؤيدي والخرنفش والجمالية حتى ضاقت المساكن بالناس لقلتها وصار بعض المحتشمين اذا سكن بجواره عسكر يرتحل من داره ولو كانت ملكه بعد امن جوارهم وخوفا من شرهم وتسلقهم على الدار لأنهم يصعدون على الأسطح والحيطان ويتطلعون على من بجوارهم ويرمون بالبندقيات والطبنجات ومما اتفق أن كبيرا منهم دخل بطائفته الى منزل بعض الفقهاء المعتبرين وامره بالخروج منها ليسكن هو بها فأخبره انه من مشايخ العلم فلم يلتفت لقوله فتركه ولبس عمامته وركب بغلته وحضر إلى اخوانه المشايخ واستغاث بهم فركب معه جماعته منهم وذهبوا الى الدار ودخلوا اليها راكبين بغالهم فعندما شاهدهم العسكر وهم واصلون في كبكبة اخذوا اسلحتهم وسحبوا عليهم السيوف فرجع البعض هاربا وثبت الباقون ونزلوا عن بغالهم وخاطبوا كبيرهم وعرفوه انها دار العالم الكبير وهذا لا يناسب وان النصارى واليهود يكرمون قسسهم ورهبانهم وانتم اولى بذلك لأنكم مسلمون فقالوا لهم في الجواب انتم لستم بمسلمين لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون انهم خير منا ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى واخرجناهم من البلاد فنحن احق بالدور منكم ونحو ذلك من القول الشنيع ثم لم يزالوا في معالجتهم الى ثاني يوم ولم ينصرفوا عن الدار حتى دفعوا لهم مأتي قرش وشال كشمير لكبيرهم وفعل ذلك بعدة بيوت دخلها على هذه الصورة واخذ منها اكثر من ذلك ومنها دار اسمعيل افندي صاحب العيار بالضربخانة وهو رجل معتبر اخذ منه خمسمائة قرش وشال كشمير وفعل مثل ذلك بغيرهم هو وامثاله ولما اكثر الناس من التشكي للباشا وللكتخدا قال الكتخدا اناس قاتلوا وجاهدوا اشهرا واياما وقاسوا ما قاسوه في الحر والبرد والطل حتى طردوا عنكم الكفار واجلوهم عن بلاد افلا تسعونهم
في السكنى ونحو ذلك من القول
ولما انقضى هذا الامر واستقر الباشا واطمأن خاطره وخلص له الاقليم المصري وثغر الاسكندرية الذي كان خارجا عن حمهحتى قبل مجيء الإنكليز فإن الإسكندرية كانت خارجة عن حكمه فلما حصل مجيء الإنكليز وخروجهم صار الثغر في حكمه أيضا فاول ما بدأ به انه ابطل مسموح المشايخ والفقهاء معا في البلاد التى التزموا بها لأنه لما ابتدع المغارم والشهريات والفرض التى فرضها على القرى ومظالم الكشوفية جعل ذلك عاما على جميع الالتزامات والحصص التى بأيدي جميع الناس حتى اكابر العسكر واصاغرهم ما عدا البلاد والحصص التى للمشايخ خارجة عن ذلك ولا يؤخذ منها نصف الفائظ ولا ثلثه ولا ربعه وكذلك من ينتسب لهم او حتى يحتمي فيهم ويأخذون الجعالات والهدايا من اصحابها ومن فلاحيهم تحت حمايتها ونظير صيانتها واغتروا بذلك واعتقدوا دوامه واكثروا من شراء الحصص من اصحابها المنجاحين بدون القيمة وافتتنوا بالدنيا وهجروا مذاكرة المسائل ومدارسة العلم الا بمقدار حفظ الناموس مع ترك العمل بالكلية وصار بيت احدهم مثل بيت احد الأمراء الألوف الأقدمين واتخذوا الخدم والمقدمين واعوان واجروا الحبس والتعزيز والضرب بالفلقة والكرابيج المعروفة بزب الفيل واستخدموا كتبة الأقباط وقطاع الجرائم في الإرساليات للبلاد وقدروا حق طرق لأتباعهم وصارت لهم استعجالات وتحذيرات وانذارات عن تأخر المطلوب مع عدم سماع شكاوي الفلاحين ومخاصمتهم القديمة مع بعضهم بموجبات التحاسد والكراهية المجبولة والمركوزة في طباعهم الخبيثة وانقلب الوضع فيهم بضده وصار ديدنهم واجتماعهم ذكر الامور الدنيوية والحصص والالتزام وحساب الميري والفائظ والمضاف الرماية والمرافعات والمراسلات والتشكي والتنجي مع الأقباط واستدعاء عظمائهم في جمعياتهم وولائمهم والاعتناء بشأنهم والتفاخر بتردادهم والترداد عليهم والمهاداة فيما بينهم الى غير ذلك مما
يطول شرحه واوقع مع ذلك زيادة عما هو بينهم من التنافر والتحاسد والتحاقد على الرياسة والتفاقم والتكالب على سفاسف الأمور وحظوظ الأنفس على الأشياء الواهية مع ما جلبوا عليه من الشح والشكوى والإستجداء وفراغ الاعين والتطلع للأكل في ولائم الأغنياء والقراء و المعاتبة عليها إن لم يدعوا اليها والتعريض بالطلب واظهر الإحتياج لكثرة العيال والأتباع واتساع الدائرة وارتكابهم الأمور المخلة بالمروءة المسقطة للعدالة كالإجتماع في سماع الملاهي والأغاني والقيان والآلات المطربة واعطاء الجوائز والنقوط بمناداة الخلبوص وقوله واعلاماه في السامر وهو يقول في سامر الجمع بمسمع من النساء والرجال من عوام الناس وخواصهم برفع الصوت الذي يسمعه القاصى والداني وهو يخاطب رئيسةالمغاني ياستي حضرة شيخ الإسلام والمسلمين مفيد الطالبين الشيخ العلامة فلان منه كذا وكذا من النصفيات الذهب قدر مسماه كثير وجرمه قليل نتيجته التفاخر الكذب والإزدراء بمقام العلم بين العوام واوباش الناس الذين اقتدوا بهم في فعل المحرمات الواجب عليهم النهي عنها كل ذلك من غير احتشام ولا مبالاة مع التضاحك والقهقهة المسموعة من البعد في كل مجمع ومواظبتهم على الهزليات والمضحكات والفاظ الكتابة المعبر عنها عند اولاد البلد بالإنقاط والتنافس في الأحداث الى غير ذلك
وفيه فتحوا الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على اربع سنوات ماضية
وفي عاشره فتحوا أيضا دفاتر الطلب بميري السنة القابلة ووجهوا الطلب بها الى العسكر فدهى الناس بدواه متوالية منها خراب القرى بتوالي المظالم والمغارم والكلف وحق الطرق والاستعجالات والتساويف والبشارات فكان اهل القرية النازل بها ذلك يتنقلون الى القرية المحمية لشيخ من الأشياخ وقد بطلت الحماية أيضا حينئذ ثم انزلوا بالبنادر مغارم عظيمة لها قدر من الأكياس الكثيرة وذلك عقب فرصة البشارة مثل
دمياط ورشيد والمحلة والمنصورة مائة كيس وخمسون كيسا ومائة وخمسون واكثر واقل
وفي اثناء ذلك قرروا أيضا فرضة غلال وسمن وشعير وفول على البلاد والقرى وان لم يجد المعينون للطلب شيئا من الدراهم عند الفلاحين اخذوا مواشيهم وابقارهم لتأتي اربابها ويدفعوا ما تقرر عليهم ويأخذوها ويتركونها بالجوع والعطش فعند ذلك يبيعونها على الجزارين ويرمونها عليهم قهرا بأقصى القيمة ويلزمونهم بإحضار الثمن فإن تراخوا وعجزوا شددوا عليهم بالحبس والضرب
وفي يوم الخميس ثالث عشره مر الباشا في ناحية سويقة العزى سائرا الى ناحية بيت بليغا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع الى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا في مروره فحيثما أتى مقابلا لذلك المكتب اطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه واصابت احدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وامر الخدم باحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا اليهما وقبضوا عليهما ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر الى الباشا بانهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب الى داره
وفي يوم الإثنين ثالث عشرينه اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وارسل السيد عمر الى اهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا واغلقوها فلما كان قبيل الغروب وصل الى بيت الباشا طائفة الدلاتية وضربوا أيضا بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة اربعة انفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصا نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد
الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة ولم تفتح الا بعد طلوع الشمس واصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا امتعته الثمينة تلك الليلة الى القلعة وكذلك في ثاني يوم ثم انه طلع الى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا الى القلعة ورجع الى داره ويقال أن طائفة من العسكر الذين معه بالدار ارادوا غدره تلك الليلة وعلم ذلك منهم باشارة بعضهم لبعض رمزا فغالطهم وخرج مستخفيا من البيت ولم يعلم بخروجه الا بعض خواصه الملازمين له واكثرهم اقاربه وبلدياته ولما تحققوا خروجه من الدار وطلوعه الى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني الى القلعة واشيع في اللبلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم احد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل اشخاص واصبح يوم الخميس وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون باسلحتهم وطلع افراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل الى الأتراك وفرقة تميل الى جنسها والدلاة تميل الى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم
وفي يوم السبت طلع طائفة من المشايخ الى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان ثم نزلوا
وفي ليلة الأحد كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب

كتاب الفتن وأشراط الساعة باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج وفتن النهاية لابن كثير

الفتن واشراط الساعة في مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج [2880] حدثنا عمرو الناقد حدثنا سفيان ب...