النفخ في الصور ودمار الكون بالنفير الي اول من تنشق الارض عن بعثه يوم القيامة؟
حديث الصور بطوله
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: حدثنا رسول الله ﷺ، وهو في طائفة من أصحابه، قال: «إن الله تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص إلى العرش ببصره ينتظر متى يؤمر فينفخ». قال: قلت: يا رسول الله، ما الصور؟ قال:«قرن». قلت: كيف هو؟ قال: «عظيم، والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين. يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع. فينفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ص:15]. فتسير [ص:311] الجبال سير السحاب فتكون سرابا، وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموبقة في البحر، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها، كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح، ألا وهو الذي يقول تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)﴾ [النازعات: 6 - 9].
فتميد بالناس على وجهها، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها، فترجع، ثم يولون مدبرين ما لهم من الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله تعالى: يوم التناد [غافر: 32]. فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض تصدعين، من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم، ثم تطوى السماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها، وخسفت شمسها وقمرها».
قال رسول الله ﷺ: «الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك». قال أبو هريرة: يا رسول الله، من استثنى الله حين يقول: ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [النمل: 87] قال:«أولئك الشهداء، إنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله تعالى: ﴿[ص:312] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾ [الحج: 1، 2]».
فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله سبحانه، إلا أنه يطول، ثم يأمر الله إسرافيل، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات والأرض، إلا من شاء الله، فإذا هم خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبار تعالى، فيقول: يا رب، مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت. فيقول الله سبحانه له، وهو أعلم: من بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا. فيقول الله، عز وجل: ليمت جبريل وميكائيل. فينطق سبحانه العرش، فيقول: يا رب، يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله سبحانه للعرش: اسكت، إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي. فيموتان، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار، عز وجل، فيقول: يا رب، قد مات جبريل وميكائيل. فيقول، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقي حملة عرشك، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: فليمت حملة عرشي. فيموتون، ثم يأمر الله سبحانه العرش فيقبض الصور من إسرافيل، وإسرافيل من جملة حملة العرش، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار، عز وجل، فيقول: يا رب، قد مات حملة عرشك. فيقول تبارك وتعالى، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي [ص:313] لا يموت، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت. فيموت، فإذا لم يبق إلا الله - قال ابن أبي الدنيا: ثنا محمد بن الحسين، ثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة، ثنا إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب القرظي قال: بلغني أن آخر من يموت من الخلق ملك الموت، يقال له: يا ملك الموت، مت موتا لا تحيا بعده أبدا. قال: فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا، ثم يموت، ثم يقول تعالى: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16].
وقد رواه ابن أبي الدنيا أيضا عن إسحاق بن إسماعيل، عن إبراهيم بن عيينة، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل، عن أبي هريرة، مرفوعا بهذا.
ورواه الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن شعيب بن شابور، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ نحو هذا الحديث، وفيه: «يا ملك، أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت، ثم لا تحيا أبدا». قال أبو موسى: لم يتابع إسماعيل على هذه اللفظة، [ص:314] ولم يقلها أكثر الرواة - قال: «فإذا مات ملك الموت، ولم يبق إلا الله الواحد، الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، كان آخرا كما كان أولا، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم تلقفهما ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار. ثلاثا، ثم يهتف بصوته: لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول لنفسه تعالى: لله الواحد القهار. ويبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله سبحانه عليهم ماء من تحت العرش، ثم يأمر الله السماء أن تمطر، فتمطر أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله سبحانه الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث، أو كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم، فكانت كما كانت قبل الموت، قال الله تعالى: لتحيا حملة عرشي. فيحيون، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور، فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيا جبريل وميكائيل. فيحييان، ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها، تتوهج أرواح المسلمين نورا، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، ثم يلقيها في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ فيه نفخة [ص:315] البعث، فينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح من الصور كأنها النحل، قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها. فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي ضد الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنكم، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 8]. حفاة عراة غلفا غرلا، ثم تقفون موقفا واحدا مقدار سبعين عاما، لا ينظر إليكم، ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دما، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم، أو يبلغ الأذقان، فتضجون وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا. فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه، فيأتي، فيقول: ما أنا بصاحب ذلك، ثم يستقرون الأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم». قال رسول الله ﷺ:«حتى يأتوني، فأنطلق، حتى آتي الفحص، فأخر ساجدا». قال أبو هريرة: يا رسول الله، ما الفحص؟ قال: «قدام العرش، حتى يبعث الله إلي ملكا، فيأخذ بعضدي فيرفعني، فيقول لي: يا محمد. فأقول: نعم، لبيك يا رب. فيقول: ما شأنك؟ وهو أعلم، فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فاقض بينهم. فيقول ﷺ: شفعتك، أنا [ص:316] آتيكم فأقضي بينكم». قال رسول الله ﷺ: «فأرجع، فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا، فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم قلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت. ثم ينزل أهل السماء الثانية، بمثل من نزل من الملائكة من أهل السماء الدنيا، ومثل من فيها من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت، ثم ينزل أهل كل سماء على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار، تبارك وتعالى، في ظلل من الغمام، والملائكة، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والسماوات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم، لهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح، الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع الله تعالى كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته، فيقول تعالى: يا معشر الجن والإنس، إني قد أنصت [ص:317] لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم، وأرى أعمالكم، فأنصتوا لي اليوم، إنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. ثم يأمر الله سبحانه جهنم، فيخرج منها عنق ساطع مظلم، ثم يقول تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون [يس: 60 - 63]. أو: بها تكذبون. شك أبو عاصم. وامتازوا اليوم أيها المجرمون [يس: 59]. فيميز الله الناس، وتجثو الأمم، يقول الله تعالى: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [الجاثية: 28]. فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين; الإنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم; حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن، فإذا فرغ الله من ذلك، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله لها: كوني ترابا. فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا [النبإ: 40]. ثم يقضي الله تعالى بين العباد، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء، ويأتي كل قتيل قتل في سبيل الله، فيأمر الله كل من قتل فيحمل رأسه، تشخب أوداجه دما. فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول تعالى وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: يا رب، قتلته لتكون العزة لك. فيقول الله تعالى: صدقت. فيجعل الله تعالى وجهه مثل نور السماوات، ثم تسوقه الملائكة إلى الجنة، ثم يأتي كل من كان قتل على غير [ص:318] ذلك، فيأمر من قتل، فيحمل رأسه تشخب أوداجه دما، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: يا رب، قتلته لتكون العزة لي. فيقول له: تعست. ثم ما تبقى نفس قتلها إلا قتل بها، ولا مظلمة إلا أخذ بها، وكان في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه.
ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء. فإذا فرغ الله من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم: ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله. فلا يبقى أحد عبد شيئا من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير، وملك على صورة المسيح عيسى ابن مريم، فيتبع هذا اليهود، ويتبع هذا النصارى، ثم تقودهم آلهتهم إلى النار، فهذا الذي يقول الله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 99]. فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون; جاءهم الله فيما شاء من هيئة، فقال: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، ما كنا نعبد غيره. فينصرف عنهم، وهو الله الذي يأتيهم، فيمكث عنهم ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، وما كنا نعبد غيره. فينصرف عنهم، وهو الله الذي يأتيهم، فيمكث عنهم ما شاء الله أن [ص:319] يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، وما كنا نعبد غيره. فيكشف عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم، فيخرون له سجدا على وجوههم، ويخر كل منافق على قفاه، ويجعل الله سبحانه أصلاب المنافقين كصياصي البقر، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رءوسهم.
ويضرب الله بالصراط بين ظهراني جهنم كقد الشعر - أو كعقد الشعر - وكحد السيف، عليه كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السعدان، دونه جسر دحض مزلة، فيمرون كطرف البصر، أو كلمح البرق، أو كمر الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الركاب، أو كجياد الرجال، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكدوس على وجهه في جهنم.
فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة حبسوا دونها قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا. فيأتون آدم، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح; فإنه أول رسل الله. فيؤتى [ص:320] نوح، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيطلبون ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحبكم، ولكن عليكم بموسى. فيأتون موسى، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم. فيأتون عيسى فيطلبون ذلك إليه، فيقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد ﷺ».
قال رسول الله ﷺ: {{حديث|فيأتوني، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن، فأنطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح فيفتح لي، فأحيا، ويرحب لي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع رأسك يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه. فإذا رفعت رأسي قال الله، وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة. فيقول الله، عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة؛؛. فكان رسول الله ﷺ يقول: «والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم. فيدخل كل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة، سبعين مما ينشئ الله عز وجل، وثنتين آدميتين من بنات آدم، لهما فضل على من أنشأ الله، بعبادتهما الله في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق، وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة، كبده لها مرآة، وكبدها [ص:321] له مرآة، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله، لا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء، ما يفتر ذكره، ولا يشتكي قبلها، إلا أنه لا مني ولا منية. فبينما هو كذلك إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل، إلا أن لك أزواجا غيرها. فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت: والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك».
قال:«وإذا وقع أهل النار في النار، وقد وقع فيها خلق كثير من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم; فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه لا تجاوز ذلك، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه، وحرم الله صورته على النار». قال رسول الله ﷺ:«فأقول: يا رب، شفعني فيمن وقع في النار من أمتي. فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم. يخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يأذن الله لي في الشفاعة، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع. فيقول الله عز وجل: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا. فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ثم يشفع من شاء الله فيقول: أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار، ونصف دينار، وثلث دينار، وربع دينار، ثم يقول: وسدس دينار، ثم يقول: وقيراطا. ثم يقول: حبة من خردل. فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ; وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله سبحانه، رجاء أن يشفع له. ثم يقول الله، عز وجل: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين. فيدخل الله سبحانه يده في جهنم، فيخرج منها ما [ص:322] لا يحصيه غيره، كأنهم خشب محترق، فيبثهم الله على نهر يقال له: نهر الحيوان. فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فما يلي الشمس منها أخيضر، وما يلي الظل منها أصيفر، فينبتون نبات الطراثيث، حتى يكونوا أمثال الدر، مكتوب في رقابهم: الجهنميون، عتقاء الرحمن عز وجل. يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب، ما عملوا خيرا قط، فيبقون في الجنة».
فذكره إلى هنا كان في أصل أبي بكر بن المقرئ، عن أبي يعلى رحمه الله تعالى. هذا حديث مشهور، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم، كابن جرير في تفسيره، و الطبراني في الطوالات وغيرها، والبيهقي في كتاب " البعث والنشور "، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضا - من طرق متعددة، عن إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة، وقد تكلم فيه بسببه. وفي [ص:323] بعض سياقاته نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه في جزء مفرد.
قلت: وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل، والوليد بن مسلم، ومكي بن إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن شابور، وعبدة بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه فيه قتادة، يقول: عن محمد بن يزيد، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. وتارة يسقط الرجل.
وقد رواه إسحاق بن راهويه، عن عبدة بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.
ومنهم من أسقط الرجل الأول، قال شيخنا الحافظ المزي: وهذا أقرب، وقد رواه عن إسماعيل بن رافع الوليد بن مسلم، وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة. وقال الحافظ أبو موسى المديني بعد إيراده له بتمامه: وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه، فعامة ما فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة. ثم تكلم على غريبه.
[ص:324] قلت: ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا، وبالله المستعان.//////
فصل (النفخ في الصور)
فأما النفخات في الصور فثلاث; نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، كما تقدم بيان ذلك في حديث الصور بطوله. وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما بين النفختين أربعون». قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوما؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قال: «ثم ينزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل». قال: «وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة». ورواه البخاري من حديث الأعمش.
وحديث عجب الذنب، وأنه لا يبلى، وأن الخلق يبدأ منه ومنه يركب يوم القيامة - ثابت من رواية أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن [ص:325] أبي هريرة. ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق. ورواه أحمد أيضا، عن يحيى القطان، عن محمد بن عجلان، ثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «كل ابن آدم يبلى، ويأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق، وفيه يركب». انفرد به أحمد، وهو على شرط مسلم. ورواه أحمد أيضا، من حديث إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة، مرفوعا بنحوه.
وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله ﷺ قال: «يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه». قيل: ومثل ما هو يا رسول الله؟ قال: «مثل حبة خردل، منه تنبتون».
والمقصود هنا إنما هو ذكر النفختين، وأن بينهما أربعين; إما أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة، وهاتان النفختان هما، والله أعلم، نفخة الصعق، ونفخة القيام للبعث والنشور، بدليل إنزال الماء بينهما، وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإنسان، وفيه يركب عند بعثه يوم القيامة. ويحتمل أن يكون المراد منهما ما بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، وهو الذي نريد ذكره في هذا المقام. وعلى كل تقدير فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق.
[ص:326] وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام، من ذلك زلزلة الأرض وارتجاجها، وميدانها بأهلها، وتكفيها يمينا وشمالا، قال الله تعالى: إذا زلزلت الأرض زلزالها [الزلزلة: 1]. وقال تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم [الحج: 1]. وقال تعالى: إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا الآيات كلها إلى قوله: هذا نزلهم يوم الدين [الواقعة: 1 - 56].
ولما كانت هذه النفخة - أعني نفخة الفزع - أول مبادئ القيامة، كان اسم يوم القيامة صادقا على ذلك كله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها». وهذا إنما يتجه على ما قبل نفخة الفزع، وعبر عن نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها، وتقدم في الحديث في صفة أهل آخر الزمان أنهم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة.
وقد ذكر في حديث ابن رافع في حديث الصور المتقدم، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق، وأن نجومها تتناثر، ويخسف شمسها وقمرها. والظاهر، والله أعلم، أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصعق حين: [ص:327] تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار [إبراهيم: 48 - 50]. وقال تعالى: إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت الآيات [الانشقاق: 1، 2]. وقال تعالى: فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر إلى قوله: ولو ألقى معاذيره [القيامة: 7 - 15].
وسيأتي تقرير هذا كله، وأنه إنما يكون بعد نفخة الصعق، وأما زلزال الأرض وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة، وفرار الناس إلى أقطارها وأرجائها - فمناسب أنه بعد نفخة الفزع، وقبل الصعق، قال الله تعالى، إخبارا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم [غافر: 32، 33]. وقال تعالى: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان [الرحمن: 33 - 36].
وقد تقدم الحديث في مسند أحمد، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد أن رسول الله ﷺ قال: «إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات». فذكرهن، إلى أن قال: «وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر». وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان في سائر أقطار الأرض إلى أرض الشام منها، وهي بقعة المحشر والمنشر. ////////////
/////فترة الصمت ////////////////
ذكر أمر هذه النار، وحشرها الناس إلى أرض الشام
ثبت في الصحيحين من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين. واثنان على بعير، وثلاثة على بعير. وأربعة على بعير، وعشرة على بعير. وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا».
وروى أحمد، عن عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله ﷺ عن أول أشراط الساعة ; فقال: «نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب». الحديث بطوله، وهو في " الصحيح ".
وروى الإمام أحمد، عن حسن، وعفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف; صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم». قالوا: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إن [ص:329] الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك».
وقد رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده "، عن حماد بن سلمة، بنحو من هذا السياق.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الرحمن عز وجل، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف». وروى الطبراني من حديث المهلب بن أبي صفرة، عن عبد الله بن عمرو، بنحوه.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه " البعث والنشور ": أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا زيد بن [ص:330] الحباب، أخبرني الوليد بن جميع القرشي ( ح ).
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا سعيد بن مسعود، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأ الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري: سمعت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه، وتلا هذه الآية: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما [الإسراء: 97]. فقال أبو ذر: حدثني الصادق المصدوق ﷺ أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج، فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم. قلنا: قد عرفنا هذين، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: «يلقي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب». لفظ الحاكم.
وهكذا رواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، ولم يذكر تلاوة أبي ذر للآية، وزاد في آخره: «فلا يقدر عليها».
وفي مسند الإمام أحمد من حديث بهز وغيره، عن أبيه حكيم بن معاوية، عن جده معاوية بن حيدة القشيري، عن رسول الله ﷺ أنه قال: [ص:331] " تحشرون ههنا - وأومأ بيده إلى نحو الشام - مشاة، وركبانا، وتجرون على وجوهكم، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام، فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه ". وقد رواه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، بنحوه، وقال: حسن صحيح.
وقال أحمد: ثنا عثمان بن عمر، ثنا عبد الحميد بن جعفر، قال.: ثنا أبو جعفر محمد بن علي، عن رافع بن بشر السلمي، عن أبيه؟ أن رسول الله ﷺ قال: «يوشك أن تخرج نار من حبس سيل تسير سير بطيئة الإبل، تسير النهار وتقيم الليل، تغدو وتروح، يقال: غدت النار يا أيها الناس فاغدوا، قالت النار يا أيها الناس فقيلوا، راحت النار يا أيها الناس فروحوا. من أدركته أكلته». تفرد به. ورواه أبو نعيم في ترجمة بشر أبي رافع السلمي، وفيه. " تضيء لها أعناق الإبل ببصرى ".
[ص:332] فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة المحشر، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة; فقسم طاعمين كاسين راكبين، وقسم يمشون تارة ويركبون أخرى، وهم يعتقبون على البعير الواحد، كما تقدم في الصحيحين: «اثنان على بعير، وثلاثة على بعير». إلى أن قال: «وعشرة على بعير». يعتقبونه من قلة الظهر، كما تقدم. وكما جاء مفسرا في الحديث الآخر، " وتحشر بقيتهم النار ". وهي التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس من ورائهم، تسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر، ومن تخلف منهم أكلته.
وهذا كله مما يدل على أن هذا إنما يكون في آخر الزمان آخر الدنيا، حيث يكون الأكل والشرب والركوب موجودا، والمشترى وغيره، وحيث تهلك المتخلفين منهم النار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت، ولا ظهر يشترى، ولا أكل ولا شرب ولا لبس في العرصات.
والعجب كل العجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث حمل هذا الركوب على أنه يوم القيامة، وصحح ذلك، وضعف ما قلناه، واستدل على ما ذهب إليه بقوله تعالى: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا [مريم: 85، 86].
[ص:333] وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديث، وفيه أن منهم: «اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير»، وقد جاء التصريح بأن ذلك من قلة الظهر؟! هذا لا يلتئم مع هذا، والله أعلم، فإن نجائب المتقين من الجنة، يركبونها من العرصات إلى الجنات على غير هذه الصفة، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه.
فأما الحديث الآخر الوارد من طرق، عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم: «إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا: كما بدأنا أول خلق نعيده [الأنبياء: 104]». فذلك حشر غير هذا، ذاك في يوم القيامة بعد نفخة البعث، يوم يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا، أي غير مختتنين، وكذلك حشر الكافرين إلى جهنم وردا; أي عطاشا.
وقوله تعالى: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا [الإسراء: 97]. فذلك إنما يحصل لهم حين يؤمر بهم إلى النار من مقام المحشر، كما سيأتي بيان ذلك كله في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر في حديث الصور: أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع من ذلك بسبب نفخة الفزع، وأن الذين استثنى الله تعالى إنما هم الشهداء، [ص:334] لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فهم يشعرون بها ولا يفزعون منها، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق.
وقد اختلف المفسرون في المستثنين منها على أقوال: أحدها هذا، كما جاء مصرحا به فيه، وقيل: بل هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت. وقيل: وحملة العرش. وقيل غير ذلك، فالله أعلم.
وقد ذكر في حديث الصور أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع، ونفخة الصعق، وهم يشاهدون تلك الأهوال، والأمور العظام./////////////
نفخة الصعق
يموت بسببها جميع الموجودين من أهل السماوات والأرض، من الإنس والجن والملائكة; إلا من شاء الله، فقيل: هم حملة العرش، وجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت. وقيل: هم الشهداء. وقيل غير ذلك.
قال تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون [الزمر: 68]. وقال تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة إلى قوله: يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية [الحاقة: 13 - 18].
[ص:335] وتقدم في حديث الصور: أن الله تعالى يأمر إسرافيل فيقول له: «انفخ نفخة الصعق. فينفخ، فيصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله، فيقول الله تعالى لملك الموت، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت، الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل، وميكائيل». فيأمره الله بقبض روح جبريل، وميكائيل، ثم يأمره بقبض أرواح حملة العرش، ثم يأمره أن يموت، وهو آخر من يموت من الخلائق.
وقد تقدم ما رواه ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، من قوله فيما بلغه، وعنه، عن أبي هريرة، عن النبيﷺ، أن الله تعالى يقول لملك الموت: «أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت، ثم لا تحيا». وقال محمد بن كعب فيما بلغه، فيقول له: «مت موتا لا تحيا بعده أبدا، فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا». قال الحافظ أبو موسى المديني: لم يتابع إسماعيل بن رافع على هذه اللفظة، ولم يقلها أكثر الرواة.
قلت: وقد قال بعضهم في معنى هذا: «مت موتا لا تحيا بعده أبدا». يعني: لا تكون بعد هذا ملك موت أبدا، لأنه لا موت بعد هذا اليوم، كما ثبت في " الصحيح ": «يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح، [ص:336] فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود ولا موت، ويا أهل النار، خلود ولا موت».
فملك الموت وإن حيي بعد ذلك لا يكون ملك موت بعدها أبدا، والله أعلم، بل ينشئه الله خلقا آخر غير ذلك كالملائكة. وبتقدير صحة هذا اللفظ عن النبيﷺ فظاهر ذلك أنه لا يحيا بعد موته أبدا، فيكون التأويل المتقدم بعيد الصحة، والله أعلم بالصواب./////////////
فصل ( الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه)
قال في حديث الصور: «فإذا لم يبق إلا الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، كان آخرا كما كان أولا، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم تلقفهما ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار. ثلاثا، ثم ينادي: لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول تعالى مجيبا لنفسه: لله الواحد القهار».
وقد قال تعالى: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر: 67]. وقال تعالى: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين. وقال تعالى: لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ص:337] [غافر: 15، 16].
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «يقبض الله تعالى الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون».
وفيهما عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين، وتكون السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك».
وفي " مسند أحمد "، وصحيح مسلم، من حديث عبيد الله بن مقسم، عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر: 67]. ورسول الله ﷺ يقول هكذا بيده، ويحركها، يقبل بها ويدبر " يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم " فرجف برسول الله ﷺ المنبر، حتى قلنا: ليخرن به. وهذا لفظ أحمد، وقد ذكرنا الأحاديث المتعلقة [ص:338] بهذا المقام عند تفسير هذه الآية من كتابنا " التفسير " بأسانيدها وألفاظها، بما فيه كفاية، ولله الحمد.
قال في حديث الصور: «ويبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها، ويسطحها، ويمدها مد الأديم العكاظي، إلى آخر الكلام، كما تقدم، قال تعالى: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات [إبراهيم: 48]» الآية.
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: سئل رسول الله ﷺ: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسماوات؟ فقال: «هم في الظلمة دون الجسر».
وقد يكون المراد بذلك تبديلا آخر غير هذا المذكور في هذا الحديث، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين; نفخة الصعق، ونفخة البعث، فتسير الجبال وتمد الأرض، ويبقى الجميع صعيدا واحدا، لا اعوجاج فيه ولا روابي ولا أودية، كما قال تعالى: ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا [طه: 105 - 107]. أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع. وقال تعالى: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون [النمل: 88] وقال تعالى: وسيرت الجبال فكانت سرابا [النبإ: 20]. وقال تعالى: وتكون الجبال كالعهن المنفوش [القارعة: 5]. وقال تعالى: [ص:339] وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة: 14]. وقال تعالى: ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف: 47] الآيات. //////////////
فصل (ست آيات قبل يوم القيامة)
قال في حديث الصور: "، ثم ينزل الله من تحت العرش ماء، فتمطر السماء أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقكم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث، وهي صغار القثاء، أو كنبات البقل ". وتقدم في الحديث الذي رواه أحمد، ومسلم، ثم يرسل مطرا كأنه الطل، أو الظل، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم ". إلى آخر الحديث، قد تقدم بطوله من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
وروى مسلم ، عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وذكر الحديث، ثم قال في الثالثة بعد قوله: «أبيت». قال : «ثم ينزل الله من السماء ماء فتنبتون، كما ينبت البقل»، قال : «وليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة» وقد تقدم هذا الحديث من رواية البخاري، ومسلم ، وليس عند البخاري ما ذكرنا من هذه الزيادة، وهي ذكر نزول الماء إلى آخره.
وقال ابن أبي الدنيا في كتاب " أهوال يوم القيامة ": حدثنا أبو عمار [ص:340] الحسين بن حريث المروزي، أخبرنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، حدثني أبي بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة، بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت واختلطت، وفزعت الجن إلى الإنس، والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحش، فماجوا بعضهم في بعض، وإذا الوحوش حشرت [التكوير: 5]. قال: انطلقت، وإذا العشار عطلت [التكوير: 4] قال: أهملها أهلها، وإذا البحار سجرت [التكوير: 6] قال الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحر، فإذا هو نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة، إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأماتتهم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن يزيد بن عطاء السكسكي، قال: يبعث الله ريحا طيبة بعد قبض عيسى ابن مريم، عليه السلام، وعند دنو من الساعة، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر، عليهم تقوم الساعة، فبينما هم على ذلك إذ [ص:341] بعث الله على أهل الأرض الخوف، فترجف بهم أقدامهم ومساكنهم، فتخرج الجن، والإنس، والشياطين إلى سيف البحر، فيمكثون كذلك ما شاء الله، ثم تقول الجن والشياطين: هلم نلتمس المخرج، فيأتون خافق المغرب، فيجدونه قد سد وعليه الحفظة، ثم يرجعون إلى الناس، فبينما هم على ذلك إذ أشرفت عليهم الساعة، ويسمعون مناديا ينادي: يا أيها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النحل: 1]، قال: فما المرأة بأشد استماعا من الوليد في حجرها، ثم ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات، ومن في الأرض، إلا من شاء الله.
وقال أيضا: حدثنا هارون بن سفيان، أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن فضالة بن عبيد، عن النبيﷺ ، وحدثنا هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ابن حجيرة، عن عقبة بن عامر، عن النبيﷺ قال: «تطلع الساعة عليكم سحابة سوداء مثل الترس من قبل المغرب، فما تزال ترتفع وترتفع حتى [ص:342] تملأ السماء، وينادي مناد: أيها الناس، إن أمر الله قد أتى، فوالذي نفسي بيده، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليلوط حوضه فما يشرب منه، وإن الرجل ليحلب لقحته، فما يشرب منها شيئا».
وقال محارب بن دثار: وإن الطير يوم القيامة لتضرب بأذنابها، وترمي بما في حواصلها من هول ما ترى، ليس عندها طلبة. رواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال ".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن يحيى العبدي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحير، سمعت عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني، سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول اللهﷺ : " من سره أن ينظر إلي يوم القيامة رأي عين، فليقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت. ورواه أحمد، والترمذي، من حديث عبد الله بن بحير.//////////
نفخة البعث
قال تعالى: ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون [الزمر: 68]. الآيات إلى آخر السورة، وقال: يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [النبإ: 18].
[ص:343] الآيات، وقال تعالى: يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده [الإسراء: 52] الآية. وقال تعالى: فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات: 13، 14]. وقال تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون الآيات إلى قوله: وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون [يس: 51 - 65].
وذكر في حديث الصور بعد نفخة الصعق وفناء الخلق، وبقاء الحي القيوم الذي لا يموت، الذي كان قبل كل شيء، وهو الآخر بعد كل شيء، وأنه يبدل السماوات والأرض بين النفختين، ثم يأمر بإنزال الماء على الأرض، الذي تخلق منه الأجساد في قبورها، وتتركب في أجداثها، كما كانت في حياتها في هذه الدنيا، ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها تتوهج أرواح المؤمنين نورا، والأخرى ظلمة، فتوضع في الصور، ويأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض، فتدخل كل روح على جسدها التي كانت فيه في هذه الدار، فتمشي الأرواح في الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنهم، كما تنشق عن نباتها فيخرجون منها سراعا إلى ربهم ينسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 8]. حفاة عراة غرلا.
وقد قال الله تعالى: يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون [المعارج: 43]. إلى آخر السورة، وقال تعالى: واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب [ق: 41]. إلى آخر السورة، وقال تعالى: خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 7 - 8]. وقال تعالى: فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ص:344] [المدثر: 8 - 10]. وقال تعالى: ومنها نخرجكم تارة أخرى [طه: 55]. وقال: والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا [نوح: 17، 18] إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على البعث والنشور.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود، قال: يرسل الله قبل يوم القيامة ريحا فيها صر باردة، وزمهريرا باردا; فلا تذر على الأرض مؤمنا إلا كفت بتلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، فيقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فلا يبقى خلق في السماء والأرض إلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فيرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ ابن مسعود: كذلك النشور [فاطر: 9]. ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه، ويقومون، فيجيئون قياما لرب العالمين.
[ص:345] وعن وهب بن منبه، قال: يبلون في القبور، فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح في الأبدان، والمفاصل بعضها إلى بعض، فإذا سمعوا النفخة الثانية وثب القوم قياما على أرجلهم، ينفضون التراب عن رءوسهم، يقول المؤمنون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. /////////
ذكر أحاديث في البعث
قال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، قال: يرسل الله ريحا فيها صر باردة، وزمهريرا باردة، فلا يبقى على الأرض مؤمن إلا كفت بتلك الريح، ثم تقوم الساعة. وذكر الحديث كما تقدم في المقال قبله.
وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين، قال: قلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «يا أبا رزين، أما مررت بوادي أهلك محلا، ثم مررت به يهتز خضرا ؟». قلت: بلى. قال: «فكذلك يحيي الله الموتى، وذلك آيته في [ص:346] خلقه». وقد رواه الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي، وغندر، كلاهما عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، به، نحوه أو مثله.
وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر، فقال: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليمان بن موسى، عن أبي رزين العقيلي، قال: أتيت رسول الله ﷺ، فقلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟ قال: «أمررت بأرض من أرضك مجدبة، ثم مررت بها مخصبة ؟» قال: قلت: نعم. قال: «كذلك النشور». قال: قلت: يا رسول الله، ما الإيمان ؟ قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحرق بالنار أحب إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إلا لله عز وجل، فإذا كنت كذلك فقد دخل حب الإيمان في قلبك، كما دخل حب الماء قلب الظمآن في اليوم القائظ». قلت: يا رسول الله، كيف لي بأن أعلم أني مؤمن؟ قال: «ما من أمتي، أو هذه الأمة عبد يعمل حسنة، فيعلم أنها حسنة، وأن الله عز وجل جازيه بها خيرا، ولا يعمل سيئة، فيعلم أنها سيئة، ويستغفر الله عز وجل منها، ويعلم أنه لا يغفر إلا هو - إلا وهو مؤمن». تفرد به أحمد. //////////
حديث أبي رزين في البعث والنشور
أخبرنا شيخنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي - تغمده الله برحمته - وغير واحد من المشايخ، قراءة عليهم، وأنا أسمع، قالوا: أخبرنا فخر الدين علي بن عبد الواحد بن البخاري، وغير واحد، قالوا: أخبرنا حنبل بن عبد الله المكبر، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي؟ ابن المذهب التميمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، أخبرنا عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، في " مسند أبيه "، قال: كتب إلي إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير الزبيري: كتبت إليك بهذا الحديث، وقد عرضته، وسمعته على ما كتبت به إليك، فحدث بذلك عني. قال: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، قال: حدثني عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي - من بني عمرو بن عوف، عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي، عن أبيه، عن عمه لقيط بن عامر، قال دلهم: وحدثنيه أبي الأسود، عن عاصم بن لقيط - أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله ﷺ ومعه صاحب له، يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق، قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول [ص:348] الله ﷺ لانسلاخ رجب، فأتينا رسول الله ﷺ فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في الناس خطيبا فقال: «أيها الناس، ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام، ألا لأسمعنكم، ألا فهل من امرئ بعثه قومه، فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله ﷺ، ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضلال، ألا إني مسئول: هل بلغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا، ألا اجلسوا». قال: فجلس الناس، وقمت أنا وصاحبي، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله، وهز رأسه، وعلم أني أبتغي لسقطه، فقال: «ضن ربك، عز وجل، بمفاتيح خمس من الغيب، لا يعلمها إلا الله». وأشار بيده، قلت: وما هن؟ قال: «علم المنية، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المني حين يكون في الرحم، قد علمه ولا تعلمون، وعلم ما في غد وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم آزلين مسنتين، فيظل يضحك، قد علم أن غيركم إلى قريب». قال لقيط: قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا. " وعلم يوم الساعة ". قلت: يا رسول الله، علمنا مما تعلم الناس، وما تعلم، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربو علينا، [ص:349] وخثعم التي توالينا، وعشيرتنا التي نحن منها. قال: «تلبثون ما لبثتم، ثم يتوفى نبيكم، ثم تلبثون ما لبثتم، ثم تبعث الصائحة، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات، والملائكة الذين مع ربك عز وجل، فأصبح ربك عز وجل يطوف في الأرض، وخلت عليه البلاد، فأرسل ربك عز وجل السماء تهضب من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل، ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه، حتى تخلفه من عند رأسه، فيستوي جالسا، فيقول ربك: مهيم؟ لما كان فيه، فيقول: يا رب، أمس، اليوم، فلعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله». فقلت: يا رسول الله، كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟ قال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية»، فقلت: لا تحيا أبدا. " ثم أرسل ربك، عز وجل، عليها السماء، فلم تلبث عليك إلا أياما حتى أشرفت عليها، وهي شربة واحدة، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء، على [ص:350] أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأصواء، ومن مصارعكم، فتنظرون إليه، وينظر إليكم ".
قال: قلت: يا رسول الله، وكيف ونحن ملء الأرض، وهو شخص واحد ينظر إلينا، وننظر إليه؟ قال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله عز وجل، الشمس والقمر آية منه صغيرة، ترونهما ويريانكم ساعة واحدة، لا تضامون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منهما». قال: قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربنا، عز وجل، إذا لقيناه ؟ قال: «تعرضون عليه بادية له صفحاتكم، لا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء، فينضح قبيلكم بها، فلعمر إلهك ما تخطئ وجه أحدكم منها قطرة، فأما المؤمن فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الأسود، ألا ثم ينصرف نبيكم، وينصرف الصالحون على أثره، [ص:351] فتسلكون جسرا من النار، فيطأ أحدكم الجمر فيقول: حس. فيقول ربك، عز وجل: أو أنه. فتطلعون على حوض الرسول على أظمإ - والله - ناهلة قط رأيتها، فلعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف، والبول، والأذى، وتحبس الشمس، والقمر، ولا ترون منهما واحدا». قال: قلت: يا رسول الله، فبم نبصر ؟ قال: «بمثل بصرك ساعتك هذه، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقت فيه الأرض وواجهته الجبال».
قال: قلت: يا رسول الله، فبم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا ؟ قال: «الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها إلا أن يعفو». قال: قلت: يا رسول الله، ما الجنة وما النار ؟ قال: «لعمر إلهك إن للنار لسبعة أبواب، ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما، وإن للجنة لثمانية أبواب، ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما». قال: قلت: يا رسول الله، [ص:352] فعلام نطلع من الجنة؟ قال: «على أنهار من عسل مصفى، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه، وأزواج مطهرة». قلت: يا رسول الله، ولنا فيها أزواج؟ أو منهن مصلحات ؟ قال: «الصالحات للصالحين، تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد».
قال لقيط: فقلت: أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه; فلم يجبه النبي ﷺ، قلت: يا رسول الله، علام أبايعك ؟ قال: فبسط رسول الله ﷺ يده، وقال: «على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وزيال المشرك، وأن لا تشرك بالله غيره».
قال: قلت: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ؟ فقبض النبي ﷺ يده، وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه. قال: قلت: نحل منها حيث شئنا، ولا يجني على امرئ إلا نفسه، فبسط يده وقال: «ذلك لك، تحل حيث شئت ولا يجني عليك إلا نفسك». قال: فانصرفنا، فقال: [ص:353] إن هذين - لعمر إلهك - من أتقى الناس في الأولى والآخرة ". فقال له كعب بن الخدارية، أحد بني بكر بن كلاب: من هم يا رسول الله ؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك». قال: فانصرفنا، وأقبلت عليه، فقلت: يا رسول الله، هل لأحد ممن مضى خير في جاهليتهم ؟ قال: فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار. قال: فلكأنه وقع حر بين جلدي ووجهي ولحمي; مما قال لأبي، على رءوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله ؟ ثم إذا الأخرى أجمل، فقلت: يا رسول الله، وأهلك ؟ قال: «وأهلي، لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك، فقل: أرسلني إليك محمد، فأبشرك بما يسوءك ; تجر على وجهك وبطنك في النار».
قال: قلت: يا رسول الله، ما فعل بهم ذلك، وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه، وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال: «ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم - يعني نبيا - فمن عصى نبيه كان من الضالين، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين».
وقد رواه أبو داود في رواية أبي سعيد بن الأعرابي " عن أبي داود، " عن [ص:354] الحسن بن علي، عن إبراهيم بن حمزة، به، قال شيخنا: لعله من زيادات ابن الأعرابي.
وقال الوليد بن مسلم، وقد جمع أحاديث وآثارا في مجلد تشهد لحديث الصور في متفرقاته: أخبرنا سعيد بن بشير، عن قتادة، في قوله: واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب [ق: 141] قال: ملك قائم على صخرة بيت المقدس، ينادي: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. وبه عن قتادة قال: لا يفتر عن أهل القبور عذاب القبر إلا فيما بين نفخة الصعق ونفخة البعث، فلذلك يقول الكافر حين يبعث: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا [يس: 152] يعني تلك الفترة، فيقول له المؤمن: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [يس: 52].
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن الحسين بن أبي مريم، عن محمد بن الحسين، حدثني صدقة بن بكر السعدي، حدثني معدي بن سليمان، قال: كان أبو محلم الجسري يجتمع إليه إخوانه، وكان [ص:355] حكيما، وكان إذا تلا هذه الآية: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [51، 52]، بكى، ثم قال: إن القيامة لمعاريض، صفة ذهبت فظاعتها بأوهام العقول، أما والله، لئن كان القوم في رقدة مثل ظاهر قولهم لما دعوا بالويل عند أول وهلة من بعثهم، ولم يوقفوا بعد موقف عرض ولا مساءلة، إلا وقد عاينوا خطرا عظيما، وحققت عليهم القيامة بالجلائل من أمرها، ولئن كانوا في طول الإقامة في البرزخ; كانوا يألمون ويعذبون في قبورهم، فما دعوا بالويل عند انقطاع ذلك عنهم إلا وقد نقلوا إلى طامة هي أعظم منه، ولولا أن الأمر على ذلك لما استصغر القوم ما كانوا فيه فسموه رقادا بالنسبة إلى ما يستقبلون من أهوال يوم القيامة، كما يقال هذا الشيء عند هذا الشيء رقادا، وإن كان في الأول شدائد وأهوال، ولكنه بالنسبة إلى ما هو أشد منه وأدهى وأمر كأنه رقاد، وإن في القرآن لدليلا على ذلك، حين يقول: فإذا جاءت الطامة الكبرى [النازعات: 34]، قال: ثم يبكي حتى يبل لحيته.
وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي، سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: اجتمع الناس إلى سائح بين [ص:356] العراق والشام في الجاهلية، فقام فيهم فقال: أيها الناس، إنكم ميتون، ثم مبعوثون إلى الإدانة والحساب. فقام رجل فقال: والله لقد رأيت رجلا لا يبعثه الله أبدا، رأيته وقع عن راحلته في موسم من مواسم العرب، فوطئته الإبل بأخفافها، والدواب بحوافرها، والرجالة بأرجلها، حتى رم فلم يبق منه أنملة. فقال السائح: بيد أنك من قوم سخيفة أحلامهم، ضعيف يقينهم، قليل علمهم، لو أن الضبع بيتت تلك الرمة فأكلتها، ثم ثلطتها، ثم غدت عليه الناب فأكلته وبعرته، ثم غدت عليه الجلالة فالتقطته، ثم أوقدته تحت قدر أهلها، ثم نسفت الرياح رماده - لأمر الله يوم القيامة كل شيء أخذ منه شيئا أن يرده، فرده، ثم بعثه الله للإدانة والثواب.
وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ; أن شيخا من شيوخ الجاهلية القساة قال: يا محمد، ثلاث بلغني أنك تقولهن، لا ينبغي لذي عقل أن يصدقك فيهن، بلغني أنك تقول: إن العرب تاركة ما كانت تعبد هي وآباؤها، وإنا سنظهر على كنوز كسرى وقيصر، وإنا سنبعث بعد أن نرم.
[ص:357] فقال رسول الله ﷺ: «أجل، والذي نفسي بيده، لتتركن العرب ما كانت تعبد هي وآباؤها، ولتظهرن على كنوز كسرى وقيصر، ولتموتن ثم لتبعثن، ثم لآخذن بيدك يوم القيامة فلأذكرنك مقالتك هذه». قال: ولا تضلني في الموتى ولا تنساني؟ قال: «ولا أضلك في الموتى ولا أنساك». قال: فبقي ذلك الشيخ حتى قبض رسول الله ﷺ، ورأى ظهور المسلمين على كنوز كسرى، وقيصر، فأسلم، وحسن إسلامه، وكان كثيرا ما يسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحيبه وبكاءه، في مسجد رسول الله ﷺ لإعظامه ما كان واجه به رسول الله ﷺ، وكان عمر يأتيه ويسكن منه، ويقول: قد أسلمت ووعدك رسول الله ﷺ الود أن يأخذ بيدك، ولا يأخذ رسول الله ﷺ بيد أحد إلا أفلح وسعد، إن شاء الله.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، أخبرنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله ﷺ بعظم حائل ففته، وقال: يا محمد، أيبعث الله هذا؟ قال: «نعم، يميتك الله، ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنم». فنزلت وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [يس: 78، 79].
وقال الضحاك في قوله تعالى: ولقد علمتم النشأة الأولى [ص:358] [الواقعة: 62]،. قال: خلق آدم وخلقكم، فلولا تصدقون [الواقعة: 57]، قال: فهلا تصدقون.
وعن أبي جعفر الباقر قال: كان يقال: عجبا لمن يكذب بالنشأة الآخرة، وهو يرى النشأة الأولى، يا عجبا كل العجب لمن يكذب بالنشر بعد الموت، وهو ينشر في كل يوم وليلة. رواه ابن أبي الدنيا.
وقال أبو العالية في قوله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم: 27]، قال: إعادته أهون عليه من ابتدائه، وكل عليه يسير. رواه ابن أبي الدنيا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «قال الله تعالى: كذبني عبدي ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا. وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد». وهو ثابت في الصحيحين
[ص:359] وفيهما قصة الذي عهد إلى بنيه إذا مات أن يحرقوه، ثم يذروا - يوم ريح - نصف رماده في البر ونصفه في البحر، وقال: والله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين. وذلك أنه لم يدخر له عند الله حسنة واحدة. فلما مات فعل به بنوه ما أمرهم به. فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو رجل قائم بين يدي ربه، فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: خشيتك، وأنت أعلم. قال رسول الله ﷺ: فما تلافاه أن غفر له.
وعن صالح المري قال: دخلت المقابر نصف النهار، فنظرت إلى القبور كأنهم قوم صموت، فقلت: سبحان من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى. فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفر: يا صالح، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [الروم: 25]. قال: فخررت والله مغشيا علي. //////////
ذكر أسماء يوم القيامة
قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي في كتاب " العاقبة ": يوم القيامة، وما أدراك [ص:360] ما يوم القيامة ؟ يوم الحسرة والندامة، يوم يجد كل عامل عمله أمامه، يوم الدمدمة، يوم الزلزلة، يوم الصاعقة، يوم الواقعة، يوم الراجفة، يوم الواجفة، يوم الرادفة، يوم الغاشية، يوم الداهية، يوم الآزفة، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم التلاق، يوم الفراق، يوم المشاق، يوم الإشفاق، يوم الإشتاق، يوم القصاص، يوم لات حين مناص، يوم التناد، يوم الأشهاد، يوم المعاد، يوم المرصاد، يوم المساءلة، يوم المناقشة، يوم الحساب، يوم المآب، يوم العذاب، يوم الثواب، يوم الفرار لو وجد الفرار، يوم القرار إما في الجنة، وإما في النار، يوم القضاء، يوم الجزاء، يوم البكاء، يوم البلاء، يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا، يوم الحشر، يوم النشر، يوم الجمع، يوم البعث، يوم العرض، يوم الوزن، يوم الحق، يوم الحكم، يوم الفصل، يوم عقيم، يوم عسير، يوم قمطرير، يوم عصيب، يوم النشور، يوم المصير، يوم الدين، يوم اليقين، يوم النفخة، يوم الصيحة، يوم الرجفة، يوم السكرة، يوم الرجة، يوم الفزع، يوم الجزع، يوم القلق، يوم الفرق، يوم العرق، يوم الميقات، يوم تخرج الأموات، يوم تظهر الخبيئات، يوم الانشقاق، يوم الانكدار، يوم الانفطار، يوم الانتشار، يوم الافتقار، يوم الوقوف، يوم الخروج، يوم الانصداع، يوم الانقطاع، يوم معلوم، يوم موعود، يوم مشهود، يوم تبلى السرائر، يوم يظهر ما في الضمائر، يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، يوم يدعى فيه إلى النار، يوم لا سجن إلا النار، يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم - ولهم اللعنة ولهم سوء الدار - يوم تقلب [ص:361] وجوههم في النار، يوم البروز، يوم الورود، يوم الصدور من القبور إلى الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم لا تنفع المعذرة، يوم لا يرتجى فيه إلا المغفرة.
قال: وأهول أسمائه وأبشع ألقابه يوم الخلود، وما أدراك ما يوم الخلود، يوم لا انقطاع لعقابه، ولا يكشف فيه عن كافر ما به، فنعوذ بالله، ثم نعوذ بالله من غضبه، وعقابه، وبلائه، وسوء قضائه، برحمته وكرمه وجوده وإحسانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. //////////////
ذكر أن يوم القيامة، هو يوم النفخ في الصور لبعث الأجساد من قبورها، وأن ذلك يكون في يوم الجمعة
وقد ورد في ذلك أحاديث:
قال الإمام مالك بن أنس، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة [ص:362] من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم، وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ".
ورواه أبو داود - واللفظ له - والترمذي من حديث مالك. وأخرجهالنسائي، عن قتيبة، عن بكر بن مضر، عن ابن الهاد، به نحوه، وهو أتم.
وقد روى الطبراني في " معجمه الكبير "، من طريق آدم بن علي، عن ابن عمر مرفوعا«ولا تقوم الساعة إلا في الأذان». قال الطبراني: يعني أذان الفجر يوم الجمعة.
وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي في " مسنده ": أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة، عن عبيد الله بن عمير، أنه سمع أنس بن مالك يقول: أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي ﷺ، قال النبي ﷺ«ما هذه؟». قال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع اليهود، والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد. قال النبي ﷺ " يا جبريل، وما يوم المزيد؟ " قال: إن ربك [ص:363] اتخذ في الفردوس واديا أفيح، فيه كثب مسك، فإذا كان يوم الجمعة، أنزل الله ما شاء من الملائكة، ونزل على كرسيه، وحف حوله منابر من نور، عليها مقاعد النبيين، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم، على تلك الكثب، فيقول الله: أنا ربكم، قد صدقتم وعدي، فسلوني أعطكم. فيقولون: ربنا، نسألك رضوانك. فيقول: قد رضيت عنكم، ولكم علي ما تمنيتم، ولدي مزيد. فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة.
ثم رواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد، أيضا، حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد، عن أنس، شبيها به، قال: وزاد فيه أشياء. قلت: وسيأتي ذكر هذا الحديث، إن شاء الله تعالى، في كتاب صفة الجنة بشواهده وأسانيده، وبالله المستعان.
وقال الإمام أحمد، حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول الله ﷺ " من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم [ص:364] معروضة علي ". فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يعني وقد بليت. قال: «إن الله عز وجل، حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله عليهم». ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث الحسين بن علي الجعفي مثله. وفي رواية لابن ماجه عن شداد بن أوس، بدل أوس بن أوس، قال شيخنا وذلك وهم.
وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير، يعني ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن أبي لبابة بن عبد المنذر، أن رسول الله ﷺ قال: «سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عنده، وأعظم عند الله، عز وجل، من يوم الفطر ويوم الأضحى، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه أدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا آتاه الله تبارك وتعالى إياه، ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة». ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن أبي بكير، عن زهير، به.
وقد روى الطبراني عن ابن عمر مرفوعا: " إن الساعة تقوم وقت الأذان [ص:365] للفجر من يوم الجمعة ".
وقد حكى أبو عبد الله القرطبي في " التذكرة " أن قيام الساعة يوم جمعة للنصف من شهر رمضان. وهذا غريب يحتاج إلى دليل.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن كثير، حدثنا قرط بن حريث أبو سهل، عن رجل من أصحاب الحسن، قال: قال الحسن: يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن قط، ليلة تبيت مع أهل القبور، ولم تبت ليلة قبلها مثلها، وليلة صبيحتها تسفر عن يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله إما بالجنة وإما بالنار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك وإما بشمالك. وكذا روي عن عامر بن قيس، وهرم بن حيان وغيرهما؟ أنهم كانوا يستعظمون الليلة التي يسفر صبيحتها عن يوم القيامة.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي "، حدثني محمد بن سابق، حدثنا مالك بن مغول، عن جنيد قال: بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد، وفي يده قليلة، وهو يمص ماءها، ثم يمجه في الحصى، إذ تنفس تنفسا شديدا، ثم بكى حتى أرعد منكباه، ثم قال: لو أن بالقلوب حياة، لو أن بالقلوب صلاحا، لأبكيتكم من ليلة صبيحتها يوم [ص:366] القيامة. أي: ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة، ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر فيه عورة بادية، ولا عينا باكية من يوم القيامة //////////
ذكر أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله ﷺ
قال مسلم بن الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا هقل، يعني ابن زياد، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد الله بن فروخ، حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع».
وقال هشيم، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر».
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، أخبرنا حجين بن المثنى، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن [ص:367] عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: ( ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي ؟ ). وهو في الصحيح بقريب من هذا السياق.
والحديث في صحيح مسلم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور».
فذكر موسى في هذا السياق فيه نظر، ولعله من بعض الرواة; دخل عليه حديث في حديث ; فإن الترديد هاهنا فيه لا يظهر، لا سيما قوله«أم جوزي بصعقة الطور».
وقال ابن أبي الدنيا أيضا: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، هو ابن عيينة، عن عمرو، هو ابن دينار، عن عطاء، وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال: كان بين أبي بكر وبين يهودي منازعة، فقال اليهودي: والذي اصطفي موسى على البشر. فلطمه أبو بكر، فأتى اليهودي رسول الله ﷺ، فقال: «يا يهودي، أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري هل كان قبلي، أو جوزي بالصعقة».
وهذا مرسل من هذا الوجه، والحديث في الصحيحين من غير وجه [ص:368] بألفاظ مختلفة; وفي بعضها أن اللاطم لهذا اليهودي إنما هو رجل من الأنصار، لا الصديق. فالله أعلم.
ومن أحسنها سياقا: " إذا كان يوم القيامة، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أصعق فأفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور ). وهذا كما سيأتي بيانه يقتضي أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، وهو صعق آخر غير المذكور في القرآن، وكأن سبب هذا الصعق في هذا الحديث التجلي، يعني تجلي الرب سبحانه إذا جاء لفصل القضاء، فيصعق الناس كما خر موسى صعقا يوم الطور. والله أعلم.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ «كأني أراني أنفض رأسي من التراب، فألتفت، فلا أرى أحدا إلا موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري أممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة، أم بعث قبلي».
وهذا مرسل أيضا، وهو أضعف.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق [ص:369] الصغاني، حدثنا عمرو بن محمد الناقد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله ﷺ «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع ومشفع، بيدي لواء الحمد تحتي آدم فمن دونه». لم يخرجوه، وإسناده لا بأس به.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو سلمة المخزومي، أنبأنا عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، وقال غير أبي سلمة: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم ( أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم أذهب إلى أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة فيحشرون معي، فأحشر بين الحرمين ).
وقال أيضا: أخبرنا الحكم بن موسى، أخبرنا سعيد بن مسلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله ﷺ المسجد، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وهو متكئ عليهما، قال: ( هكذا نبعث يوم القيامة ).
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا قتيبة بن سعيد، [ص:370] أخبرنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نبيه بن وهب، أن كعب الأحبار قال: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة، حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم، ويصلون على النبيﷺ، حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض خرجﷺ في سبعين ألفا من الملائكة يوقرونهﷺ.
وأخبرنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا مروان بن سالم، عن يونس بن سيف، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس رجالا، وأحشر راكبا على البراق، وبلال بين يدي، على ناقة حمراء، فإذا بلغنا مجمع الناس نادى بلال بالأذان، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله صدقه الأولون والآخرون». وهذا مرسل من هذا الوجه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق