الي كلام الله لابراهيم
ذكر أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله ﷺ
قال مسلم بن الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا هقل، يعني ابن زياد، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد الله بن فروخ، حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع».
وقال هشيم، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر».
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، أخبرنا حجين بن المثنى، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن [ص:367] عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: ( ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي ؟ ). وهو في الصحيح بقريب من هذا السياق.
والحديث في صحيح مسلم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور».
فذكر موسى في هذا السياق فيه نظر، ولعله من بعض الرواة; دخل عليه حديث في حديث ; فإن الترديد هاهنا فيه لا يظهر، لا سيما قوله«أم جوزي بصعقة الطور».
وقال ابن أبي الدنيا أيضا: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، هو ابن عيينة، عن عمرو، هو ابن دينار، عن عطاء، وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال: كان بين أبي بكر وبين يهودي منازعة، فقال اليهودي: والذي اصطفي موسى على البشر. فلطمه أبو بكر، فأتى اليهودي رسول الله ﷺ، فقال: «يا يهودي، أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري هل كان قبلي، أو جوزي بالصعقة».
وهذا مرسل من هذا الوجه، والحديث في الصحيحين من غير وجه [ص:368] بألفاظ مختلفة; وفي بعضها أن اللاطم لهذا اليهودي إنما هو رجل من الأنصار، لا الصديق. فالله أعلم.
ومن أحسنها سياقا: " إذا كان يوم القيامة، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أصعق فأفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور ). وهذا كما سيأتي بيانه يقتضي أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، وهو صعق آخر غير المذكور في القرآن، وكأن سبب هذا الصعق في هذا الحديث التجلي، يعني تجلي الرب سبحانه إذا جاء لفصل القضاء، فيصعق الناس كما خر موسى صعقا يوم الطور. والله أعلم.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ «كأني أراني أنفض رأسي من التراب، فألتفت، فلا أرى أحدا إلا موسى متعلقا بالعرش، فلا أدري أممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة، أم بعث قبلي».
وهذا مرسل أيضا، وهو أضعف.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق [ص:369] الصغاني، حدثنا عمرو بن محمد الناقد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله ﷺ «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع ومشفع، بيدي لواء الحمد تحتي آدم فمن دونه». لم يخرجوه، وإسناده لا بأس به.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو سلمة المخزومي، أنبأنا عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، وقال غير أبي سلمة: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم ( أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم أذهب إلى أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة فيحشرون معي، فأحشر بين الحرمين ).
وقال أيضا: أخبرنا الحكم بن موسى، أخبرنا سعيد بن مسلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله ﷺ المسجد، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وهو متكئ عليهما، قال: ( هكذا نبعث يوم القيامة ).
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا قتيبة بن سعيد، [ص:370] أخبرنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نبيه بن وهب، أن كعب الأحبار قال: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة، حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم، ويصلون على النبيﷺ، حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض خرجﷺ في سبعين ألفا من الملائكة يوقرونهﷺ.
وأخبرنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا مروان بن سالم، عن يونس بن سيف، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس رجالا، وأحشر راكبا على البراق، وبلال بين يدي، على ناقة حمراء، فإذا بلغنا مجمع الناس نادى بلال بالأذان، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله صدقه الأولون والآخرون». وهذا مرسل من هذا الوجه.///////////
ذكر بعث الناس حفاة عراة غرلا، وذكر أول من يكسى يومئذ من الناس
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله ﷺ قال: «يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا». قال: فقالت عائشة: يا رسول الله، فكيف [ص:371] بالعورات؟ فقال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37] وأخرجاه في الصحيحين من حديث حاتم بن أبي صغيرة، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة، بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، حدثنا المغيرة بن النعمان، شيخ من النخع، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، قال: سمعت ابن عباس، قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة، فقال: " يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [الأنبياء: 104]. ألا وإن أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيجاء بأناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فلأقولن: أصحابي. فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فلأقولن كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [المائدة: 117، 118] فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ". أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة. ورواه الإمام أحمد، عن سفيان بن عيينة. وفي الصحيحين من حديثه، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مرفوعا: ( إنكم محشورون [ص:372] إلى الله عز وجل، حفاة عراة غرلا ". ورواه البيهقي من حديث هلال بن خباب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال: «تحشرون حفاة عراة غرلا»، فقالت زوجته: أينظر بعضنا إلى عورة بعض ؟ فقال: " يا فلانة، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس 37].
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد محمد بن موسى، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، قال: يحشر الناس حفاة عراة غرلا قياما أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، قال: فيلجمهم العرق من شدة الكرب، ثم يقال: اكسوا إبراهيم. فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة. قال: ثم ينادى لمحمد ﷺ، فيفجر له الحوض، وهو ما بين أيلة إلى مكة. قال: فيشرب ويغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش. قال: ثم قال رسول الله ﷺ: «فأكسى من حلل الجنة، فأقوم عن - أو على - يمين الكرسي ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام يومئذ غيري، فيقال: سل تعط، واشفع تشفع». [ص:373] فقام رجل، فقال: أترجو لوالديك شيئا؟ فقال: ( إني شافع لهما، أعطيت أو منعت، ولا أرجو لهما شيئا ".
قال البيهقي: قد يكون هذا قبل نزول النهي عن الاستغفار للمشركين، والصلاة على المنافقين.
وقال القرطبي: وروى ابن المبارك، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن علي، قال: أول من يكسى الخليل قبطيتين، ثم محمد ﷺ حلة حبرة عن يمين العرش.
وقال أبو عبد الله القرطبي في كتاب " التذكرة ": وروى أبو نعيم الأصبهاني، من حديث الأسود، وعلقمة، وأبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله ﷺ قال: «أول من يكسى إبراهيم، عليه السلام، يقول الله تعالى: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه قياما لا يقومه أحد غيري يغبطني فيه الأولون والآخرون».
قال القرطبي: وقال الحليمي في " منهاج الدين " له: وروى عباد بن كثير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة [ص:374] من قبورهم، يؤذن المؤذن، ويلبي الملبي، وأول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم، ثم محمد ﷺ، ثم النبيون، ثم المؤذنون. وذكر تمامه.
ثم شرع القرطبي يذكر المناسبة في تقديم إبراهيم الخليل ﷺ، في الكسوة يومئذ، من ذلك أنه أول من لبس السراويل مبالغة في التستر، وأنه جرد يوم ألقي في النار، والله أعلم.
وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن محمد بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي ﷺ قالت: قال النبي ﷺ: ( يبعث الناس حفاة عراة غرلا، قد ألجمهم العرق، فبلغ شحوم الآذان ". قلت: يا رسول الله، واسوأتاه، ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال: " يشغل الناس عن ذلك، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37]. إسناده جيد، وليس هو في المسند ولا في الكتب.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا سعيد بن سليمان، عن عبد الحميد بن سليمان، حدثني محمد بن أبي موسى، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سمعت النبي ﷺ يقول: «يحشر الناس حفاة عراة كما بدءوا». قالت [ص:375] أم سلمة: يا رسول الله، هل ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال: «شغل الناس». قلت: وما شغلهم؟ قال: «نشر الصحف فيها مثاقيل الذر، ومثاقيل الخردل».
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان، يعني الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: «إنكم محشورون حفاة عراة غرلا». قال البزار: أحسب أن عمر بن شبة غلط فيه، فدخل عليه متن حديث في إسناد حديث، وإنما هذا الحديث عن سفيان الثوري، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال: وليس لسفيان الثوري عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود حديث مسند. وهكذا رواه ابن أبي الدنيا، عن عمر بن شبة، به مثله، وزاد: «وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام».
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن عائذ بن شريح، عن أنس، قال: سألت عائشة رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، كيف يحشر الرجال؟ فقال: «حفاة عراة». ثم انتظرت ساعة، ثم قالت: يا رسول الله، كيف يحشر النساء؟ قال: [ص:376] " كذلك، حفاة عراة ". قالت: واسوأتاه من يوم القيامة. قال: «وعن أي ذلك تسألين؟ إنه قد نزلت علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أم لا». قالت: أي آية يا رسول الله؟ قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37].
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هشيم، عن الكوثر، وهو ابن حكيم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة غرلا». فقالت عائشة: والنساء بأبي أنت وأمي؟! فقال: «نعم». فقالت: واسوأتاه! فقال رسول الله ﷺ: «ومن أي شيء عجبت يا بنت أبي بكر؟» فقالت: عجبت من حديثك، يحشر الرجال والنساء حفاة عراة غرلا، ينظر بعضهم إلى بعض. قال: فضرب على منكبها، فقال: «يا بنت أبي قحافة، شغل الناس يومئذ عن النظر، وسموا بأبصارهم إلى السماء، موقوفون أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون، شاخصين بأبصارهم إلى السماء أربعين سنة، فمنهم من يبلغ العرق قدميه، ومنهم من يبلغ ساقيه، ومنهم من يبلغ بطنه، ومنهم من يلجمه العرق، من طول الوقوف، ثم يترحم الله من بعد ذلك على العباد، فيأمر الملائكة المقربين، فيحملون عرشه من السماوات إلى الأرض حتى يوضع عرشه في أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم يعمل فيها خطيئة، كأنها الفضة البيضاء، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش، وذلك أول يوم نظرت فيه عين إلى الله تعالى، فيأمر مناديا فينادي بصوت يسمعه الثقلان الجن والإنس: أين فلان ابن فلان ؟ أين فلان ابن فلان ؟ فيشرئب الناس لذلك الصوت، ويخرج ذلك المنادى من الموقف، فيعرفه الله [ص:377] الناس، ثم يقال: تخرج معه حسناته. فيعرف الله أهل الموقف تلك الحسنات، فإذا وقف بين يدي رب العالمين، قيل: أين أصحاب المظالم؟ فيجيئون، رجلا رجلا، فيقال له: أظلمت فلانا كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب. فذلك اليوم الذي تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فتؤخذ حسناته، فتدفع إلى من ظلمه يوم لا دينار ولا درهم، إلا أخذ من الحسنات، ورد من السيئات، فلا يزال أصحاب المظالم يستوفون من حسناته حتى لا يبقى له حسنة، ثم يقوم من بقي ممن لم يأخذ شيئا، فيقولون: ما بال غيرنا استوفى وبقينا؟ فيقال لهم: لا تعجلوا. فيؤخذ من سيئاتهم فترد عليه، حتى لا يبقى أحد ظلمه بمظلمة، فيعرف الله أهل الموقف أجمعين ذلك، فإذا فرغ من حسابه قيل: ارجع إلى أمك الهاوية، فإنه لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب، ولا يبقى يومئذ ملك ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا بشر، إلا ظن، لما رأى من شدة الحساب، أنه لا ينجو إلا من عصمه الله عز وجل».
هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في " الصحيح "، كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى.
وقال الطبراني: ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا محمد بن أبان الواسطي، ثنا محمد بن الحسن المزني، عن سعيد بن المرزبان أبي سعد، عن [ص:378] عطاء بن أبي رباح، عن الحسن بن علي، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة». فقالت امرأة: يا رسول الله، فكيف يرى بعضنا بعضا قال: «إن الأبصار يومئذ شاخصة. ورفع رأسه إلى السماء، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يستر عورتي. قال: «اللهم استر عورتها».
قال البيهقي: فأما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق ابن الخراساني المعدل، حدثنا محمد بن الهيثم القاضي، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم» عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، أنه لما حضره الموت بثياب جدد، فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله يقول: «إن المسلم يبعث في ثيابه التي يموت فيها». فهذا حديث رواه أبو داود في كتاب " السنن "، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي مريم.
ثم شرع البيهقي يجيب عن هذا لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلا، بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة، ثم يكسون من ثياب الجنة.
[ص:379] الثاني: أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون، ثم من بعدهم على مراتبهم، فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا دخلوا الجنة ألبسوا من ثياب الجنة.
الثالث: أن المراد بالثياب ههنا الأعمال، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر، قال الله تعالى: لباسا يواري سوءاتكم وريشا [الأعراف: 26]. وقال: وثيابك فطهر [المدثر: 4]. قال قتادة: عملك فأخلصه.
ثم استشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال رسول الله ﷺ: «يبعث كل عبد على ما مات عليه». قال: وروينا عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله ﷺ، أنه قال: «من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة».
، وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، أخبرني سعيد بن هانئ، عن عمرو بن الأسود، قال: أوصاني معاذ بامرأته، وخرج، فماتت، فدفناها فجاءنا وقد رفعنا أيدينا من دفنها، فقال: في أي شيء كفنتموها؟ قلنا: في ثيابها. فأمر بها فنبشت، وكفنها في ثياب جدد، وقال: أحسنوا أكفان موتاكم؟ فإنهم يحشرون فيها.
[ص:380] وقال أيضا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا إسحاق بن سيار بن نصر، عن الوليد بن أبي مروان، عن ابن عباس، قال: يحشر الموتى في أكفانهم. وكذا روي عن أبي العالية.
وعن صالح المري، قال: بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان دسمة، وأبدان بالية، متغيرة وجوههم، شعثة رءوسهم، نهكة أجسامهم، طائرة قلوبهم من صدورهم وحناجرهم، لا يدري القوم ما موئلهم إلا عند انصرافهم من الموقف، فمنصرف به إلى الجنة، ومنصرف به إلى النار، ثم صاح بأعلى صوته: يا سوء منصرفاه، إن أنت لم تغمدنا منك برحمة واسعة، لما قد ضاقت صدورنا من الذنوب العظام، والجرائم التي لا غافر لها غيرك. ////////////////
ذكر شيء من أهوال يوم القيامة
قال الله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ الآيات [الحاقة: 15، 16]. وقال تعالى ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [ص:381] الآيات [ق: 41]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا﴾ إلى قوله:﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا﴾ [المزمل: 12 - 18].
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ الآية [يونس: 45]. وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ الآيات إلى قوله: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 47 - 49].
وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ إلى آخر السورة [الزمر: 67 - 75]. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ الآيات إلى قوله آخر السورة: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون: 110 - 111]. وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ إلى قوله: ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ [المعارج: 8 - 18]. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ﴾ إلى آخر السورة [عبس: 33 - 42]. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ إلى آخر السورة [النازعات: 34 - 46].
وقال تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ الآيات إلى آخر السورة [الفجر: 21 - 30]. وقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ الآيات إلى قوله: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشية: 1 - 16]. وقال تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ إلى قوله: ﴿هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الواقعة: 1 - 56]. ذكر فيها سبحانه جزاء كل من هذه الأصناف الثلاثة، كما، ذكر ما [ص:382] يبشرون به عند موتهم واحتضارهم في آخرها، كأن الإنسان يشاهد ذلك مشاهدة.
وقال تعالى: {{قرآن|فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ الآيات. وقال في آخرها: ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ إلى آخر السورة [القمر: 6 - 55].
وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [إبراهيم: 48 - 51].
وقال تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ إلى قوله: ﴿إن الله سريع الحساب وقال بعدها: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع﴾ إلى قوله: ﴿والله يقضي بالحق﴾ [غافر: 15 - 20].
وقال تعالى: ﴿و وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ الآيات إلى قوله: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: 99 - 111]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 254].
[ص:383] وقال تعالى: ﴿و وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281]. وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ الآية. [آل عمران: 106]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الآية [آل عمران: 161].
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [القصص: 65، 66].
وقال تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: 35 - 37].
قال ابن عباس: أي لا ينطقون بحجة تنفعهم. والآيات في أهوال يوم القيامة كثيرة جدا في أكثر سور القرآن، وقد ذكرنا في كتابنا التفسير ما يتعلق بكل آية من الآيات الدالة على صفة يوم القيامة، ومن الأحاديث والآثار المفسرة ذلك.
فأما قوله: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين [الأنعام: 23]. وقوله: يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [المجادلة: 18]. فهذا يكون في حال آخر، كما قال ابن عباس في جواب من سأله عن ذلك، كما ذكره البخاري عنه.
[ص:384] وكذلك قوله: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين الآيات إلى قوله: ﴿ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون﴾[الصافات: 27 - 75] والآيات في ذكر يوم القيامة وأهواله كثيرة جدا، مثل الآيات التي في آخر سورة " هود ": إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود إلى عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع [هود: 103 - 108]، وكذلك سورة عم يتساءلون، وسورة إذا الشمس كورت، وسورة إذا السماء انفطرت، وسورة إذا السماء انشقت، وسورة المطففين بكمالها، وسورة المرسلات، والنازعات، وسورة هل أتى على الإنسان وسورة والسماء ذات البروج، وإذا زلزلت، وآخر العاديات، والقارعة، وآخر ألهاكم التكاثر، والهمزة.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحير الصنعاني القاص، أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله ﷺ: «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين، فليقرأ إذا الشمس كورت. وإذا السماء انفطرت. وإذا السماء انشقت.» وأحسبه أنه قال: وسورة هود. وكذا رواه الترمذي، عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق، به. ورواه أحمد، عن إبراهيم بن خالد، [ص:385] عن عبد الله بن بحير، عن عبد الرحمن بن يزيد، من أهل صنعاء، وكان أعلم بالحلال والحرام من وهب بن منبه، عن ابن عمر، فذكر نحوه. وفي الحديث الآخر في: «شيبتني هود وأخواتها». ///////////
ذكر الأحاديث والأثار الدالة على أهوال يوم القيامة، وما يكون في ذلك اليوم من الأمور الكبار والشدائد، وما فيه من المغفرة والرحمة والرضوان، والجنان والنيران
قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي، حدثني أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: «يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم». تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به. وفي معنى قوله ﷺ: «تطش عليهم». احتمالان؟ أحدهما: أن يكون ذلك من المطر; أي تمطر عليهم، كما يقال: أصابهم طش من مطر. وهو الخفيف منه. والثاني: أن يكون ذلك من شدة الحر، وهو الأقرب، والله أعلم. وقد قال الله تعالى:﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)﴾ [المطففين: 4 - 6]. وقد ثبت في [ص:386] " الصحيح ": أنهم " يقومون في الرشح - أي في العرق - إلى أنصاف آذانهم ". وفي الحديث الآخر: أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم كما تقدم، وفي حديث الشفاعة، كما سيأتي، أن الشمس تدنى من العباد يوم القيامة، فتكون منهم على مسافة ميل، فعند ذلك يعرقون بحسب أعمالهم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس، أو إلى آذانهم». شك ثور أيهما قال. وكذا رواه مسلم، عن قتيبة. وأخرجه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ مثله.
[ص:387] وقال الإمام أحمد: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني أبي، عن سعيد بن عمير الأنصاري، قال: جلست إلى عبد الله بن عمر، وأبي سعيد، فقال أحدهما لصاحبه: أي شيء سمعت رسول الله ﷺ يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما: إلى شحمته. وقال الآخر: يلجمه. فخط ابن عمر، وأشار أبو عاصم بأصبعه، من شحمة أذنه إلى فيه، فقال: ما أرى ذلك إلا سواء. تفرد به أحمد، وإسناده جيد قوي.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد بن الأسود، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد، حتى تكون قيد ميل، أو ميلين». قال سليم: لا أدري أي الميلين أراد؟ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكحل به العين ؟ قال: «فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه العرق إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما». قال: فرأيت رسول الله ﷺ يشير إلى فيه، قال: «يلجمه إلجاما». وكذا رواه [ص:388] الترمذي، عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، وقال: حسن صحيح.
وأخرجه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن ابن جابر، به نحوه.
وقال ابن المبارك، عن مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العيزار، قال: إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن، والسعيد الذي يجد لقدمه موضعا يضعهما فيه، وإن الشمس لتدنى من رءوسهم، حتى يكون بينها وبين رءوسهم - إما قال: ميلا. أو: ميلين - ويزاد في حرها تسعة وستين ضعفا. وقال الوليد بن مسلم، عن أبي بكر بن سعيد، عن مغيث بن سمي، قال: تركد الشمس فوق رءوسهم على أذرع، وتفتح أبواب جهنم، فتهب عليهم رياحها وسمومها ويخرج عليهم نفحاتها، حتى تجري الأنهار من عرقهم أنتن من الجيف، والصائمون في جناتهم في ظل العرش.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، [ص:389] حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول: يا رب، إرسالك بي إلى النار أهون علي مما أجد. وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب». إسناده ضعيف.
وقد ثبت في " الصحيح " عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - وفي رواية: إلا ظل عرشه - إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، ويحيى بن إسحاق، قالا: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن عائشة، عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أتدرون من السابقون إلى ظل الله عز وجل، يوم القيامة ؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم». تفرد به أحمد، وإسناده مقارب، فيه ابن لهيعة وقد تكلموا فيه، وشيخه ليس بالمشهور.
هذا كله والناس موقوفون في مقام ضنك ضيق حرج شديد صعب، إلا [ص:390] على من يسره الله عليه، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم الحي القيوم أن يهون علينا ذلك المقام، وأن يجعله علينا يسيرا بردا وسلاما، ونعوذ بالله من ضيق يوم القيامة، اللهم اجعل لنا مخرجا من ذلك، ونسألك أن توسع علينا في الدنيا والآخرة، اللهم اجعلنا مع الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا الأصبغ، هو ابن زيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدثني ربيعة، هو ابن عمرو الجرشي الشامي، قال: سألت عائشة فقلت: ما كان رسول الله ﷺ يقول إذا قام من الليل؟ وبم كان يفتتح الصلاة؟ قالت: كان يكبر عشرا، ويحمد عشرا، ويهلل عشرا، ويستغفر عشرا، ويقول: «اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني». عشرا، ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب». عشرا.
وكذا رواهالنسائي في " اليوم والليلة " عن أبي داود الحراني، عن يزيد بن هارون، بإسناده مثله، وعنده: «من ضيق المقام يوم القيامة».
[ص:391] وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن قدامة، حدثني يعقوب بن سلمة الأحمر، سمعت ابن السماك يقول: سمعت أبا واعظ الزاهد يقول: يخرجون من قبورهم يتسكعون في الظلمات ألف عام، والأرض يومئذ نار كلها، وإن أسعد الناس يومئذ من وجد لقدمه موضعا.
وقال أيضا: حدثني هارون بن سفيان، أخبرنا ابن نفيل، عن النضر بن عربي قال: بلغني أن الناس إذا خرجوا من قبورهم كان شعارهم لا إله إلا الله، وكانت أول كلمة يقولها برهم وفاجرهم: ربنا ارحمنا.
وحدثني حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن سليمان، عن أبي صالح، قال: بلغني أن الناس يحشرون هكذا. ونكس رأسه، ووضع يده اليمنى على كوعه اليسرى.
وحدثني عصمة بن الفضل، حدثني يحيى بن يحيى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: سمعت سيارا الشامي قال: يخرجون من قبورهم وكلهم مذعورون، فيناديهم مناد: ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون [الزخرف: 68]. فيطمع فيها الخلق فيتبعها: الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين [ص:392] [الزخرف: 69]. فييأس منها الخلق غير أهل الإسلام.
وروى من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا يوم نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [فاطر: 34].
قلت: وله شاهد من القرآن العظيم قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ الآيات إلى قوله: ﴿وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 101 - 104].
وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا أبو حفص الصفار، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا إبراهيم بن عيسى اليشكري، قال: بلغنا أن المؤمن إذا بعث من قبره تلقاه ملكان، مع أحدهما ديباجة فيها برد ومسك، ومع الآخر كوب من أكواب الجنة فيه شراب، فإذا خرج من قبره خلط الملك ذلك البرد بالمسك فرشه عليه، وصب له الآخر شربة فيناوله إياها، فيشربها فلا يظمأ بعدها أبدا حتى يدخل الجنة.
فأما الأشقياء - والعياذ بالله - فقال الله تعالى:﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)﴾ [ص:393] [الزخرف: 36 - 39].
وذكرنا في " التفسير " أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانه، ويلزمه فلا يفارقه، حتى يرمى بهما في النار، وهكذا كل فاجر وفاسق غافل عن ذكر الله، مضيع لأمره. وقال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ [ق: 21]. أي: ملك يسوقه إلى المحشر، وآخر يشهد عليه بأعماله وهذا عام في الأبرار والفجار، وكل بحسبه لقد كنت في غفلة من هذا أي: أيها الإنسان الغافل عما خلق له﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: 22]. أي: نافذ قوي حاد ﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ [ق: 23]. أي: هذا الذي جئت به هو الذي وكلت به، فيقول الله تعالى عند ذلك للسائق والشهيد:﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25)﴾ [ق: 24، 25]. أي: ليس فيه خير، ويمنع غيره من الخير، ومع ذلك هو مريب أي: هو في شك وريب. ثم انتقل إلى من هو متلبس بأعظم من ذلك، وقد تجتمع في العبد هذه الأربعة المذمومة المقبوحة، التي هي أقبح الخصال، وأعظمها، وأقبحها الشرك بالله، فقال تعالى: ﴿االَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ [ق: 26 - 30]. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، هو ابن سعيد القطان، عن ابن [ص:394] عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ، قال: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس، يعلوهم كل شيء، من الصغار، حتى يدخلوا سجنا في جهنم، يقال له: بولس. فتعلوهم نار الأنيار، فيسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار. ورواه الترمذي، والنسائي جميعا عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن عجلان، به، وقال الترمذي: حسن.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عثمان العقيلي، حدثنا محمد بن راشد، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ:» يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة ". ثم قال: تفرد به محمد بن عثمان، عن شيخه.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " أهوال القيامة ": حدثنا عبد الله بن عمر الجشمي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، أنبا قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله ﷺ كان في بعض أسفاره، وقد [ص:395] تفاوت بين أصحابه السير، فرفع بهاتين الآيتين صوته: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحج: 1، 2]. فلما سمع ذلك أصحابه حثوا المطي، وعلموا أنه عند قول يقوله، فلما تأشبوا حوله، قال: «أتدرون أي يوم ذاك ؟ ذاك يوم ينادى آدم يناديه ربه ؟ يقول: يا آدم، ابعث بعث النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة». قال: فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة، فلما رأى ذلك قال: «اعملوا، وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج، ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس». قال: فسري عنهم، ثم قال: «اعملوا، وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة». وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن محمد بن بشار بندار، عن يحيى بن سعيد القطان، به، وقال الترمذي،: حسن صحيح. ///////////
ذكر طول يوم القيامة، وما ورد في مقداره
قال الله سبحانه: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: 47]. قال بعض المفسرين: هو يوم القيامة.
وقال تعالى: سأل سائل بعذاب واقع إلى قوله: فاصبر صبرا جميلا [المعارج: 1 - 5].
وقد ذكرنا في التفسير اختلاف السلف والخلف في معنى هذه الآية، فروى ليث بن أبي سليم وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: ذلك مقدار ما بين العرش إلى الأرض السابعة.
وقال ابن عباس في قوله: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: 5]. يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام. رواه ابن أبي حاتم.
ورواه ابن جرير، عن مجاهد أيضا، وذهب إليه الفراء، وقاله أبو عبد الله الحليمي، فيما حكاه عنه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب " البعث [ص:402] والنشور "، قال الحليمي: فالملك يقطع هذه المسافة في بعض يوم، ولو أنها مسافة يمكن البشر قطعها لم يتمكن أحد من قطعها إلا في مقدار خمسين ألف سنة. قال: وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل، بل هذا مقدار ما بين العرش إلى الأرض السابعة. ورجح الحليمي هذا بقوله تعالى:﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 3، 4] وذي المعارج: أي العلو والعظمة، كما قال تعالى: رفيع الدرجات ذو العرش [غافر: 15] ثم فسر ذلك بقوله: تعرج الملائكة والروح إليه أي في مسافة كان مقدارها خمسين ألف سنة، أي بعدها واتساعها هذه المدة.
فعلى هذا القول المراد بذلك: مسافة المكان. هذا قول. وقد حاول البيهقي الجمع بين هذه الآية وبين قوله: رفيع الدرجات بأن الملائكة تقطع هذه المسافة في الدنيا في ألف سنة، فإذا كان يوم القيامة لا تقطعها إلا في خمسين ألف سنة؟ لما يشاهدون من هول ذلك اليوم، وعظمته، وغضب الرب عز وجل، والله أعلم.
والقول الثاني: أن المراد بذلك مدة عمر الدنيا.
قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في " تفسيره ": حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله تعالى: كان مقداره خمسين ألف سنة. قال: الدنيا عمرها خمسون [ص:403] ألف سنة، ذلك عمرها يوم سماها الله تعالى يوما: تعرج الملائكة والروح إليه قال: اليوم الدنيا.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وعن الحكم بن أبان، عن عكرمة: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قالا: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة، لا يدري أحد كم مضى، ولا كم بقي إلا الله، عز وجل. وذكره البيهقي من طريق محمد بن ثور، عن معمر، به. وهذا قول غريب جدا، لا يوجد في كثير من الكتب المشهورة، والله أعلم. القول الثالث: أن المراد بذلك فصل ما بين الدنيا ويوم القيامة. وهو مدة المقام في البرزخ. رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي، وهو غريب أيضا.
القول الرابع: أن المراد بذلك مقدار الفصل بين العباد يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. قال: يوم القيامة. إسناده صحيح. ورواه الثوري، عن سماك، عن عكرمة من قوله، وبه قال الحسن، والضحاك، وابن زيد.
[ص:404] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس، حدثنا الحسن بن واقع، حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن يزيد الرشك، قال: يقوم الناس يوم القيامة أربعين ألف سنة، ويقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة. وقال الكلبي في " تفسيره "، وهو يرويه عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لو ولي محاسبة العباد غير الله تعالى لم يفرغ في خمسين ألف سنة.
وقال البيهقي: وفيما ذكر حماد بن زيد، عن أيوب، قال: قال الحسن: ما ظنك بيوم قام العباد فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى تقطعت أعناقهم عطشا، واحترقت أجوافهم جوعا، ثم انصرف بهم إلى النار، فسقوا من عين آنية، قد أنى حرها، واشتد نضجها. وقد ورد هذا في أحاديث متعددة، فالله أعلم.
قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول الله ﷺ: يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ ما أطول هذا اليوم ! فقال رسول الله ﷺ: " والذي نفسي بيده، إنه ليخفف على المؤمن، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة [ص:405] يصليها في الدنيا ". ورواه ابن جرير في " تفسيره "، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، به. ودراج أبو السمح وشيخه أبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري، ضعيفان، على أنه قد رواه البيهقي بلفظ آخر، وقال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي - وكان رجلا من الخائفين - قال: سمعت دراجا أبا السمح يخبر عمن حدثه، عن أبي سعيد الخدري، أنه أتى رسول الله ﷺ، فقال: أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى: يوم يقوم الناس لرب العالمين المطففين: 6 فقال«يخفف على المؤمن حتى يكون كالصلاة المكتوبة».
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور، يجلسون عليها، ويظلل عليهم الغمائم، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار، أو كأحد طرفيه. رواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال ".
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل كنزه صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها [ص:406] جبهته، وجنبه، وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار... ". وذكر بقية الحديث في مانع زكاة الغنم، والإبل، أنه يبطح لها بقاع قرقر، تطؤه بأخفافها وأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها، حتى يقضي الله بين العباد، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده ": أخبرنا وهيب بن خالد، وكان ثقة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، فذكر نحوه. وأخرجه مسلم من حديث روح بن القاسم، وعبد العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل، به مثله. وأخرجه مسلم أيضا من حديث زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا في الذهب، والفضة، والإبل، والبقر، والغنم.
وقد رواه الإمام أحمد، وأبو داود، من حديث شعبة، والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، عن أبي عمر الغداني، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من كانت له إبل لا يعطي حقها في [ص:407] نجدتها ورسلها - يعني في عسرها ويسرها - فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأخفافها، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله. وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله. وإذا كان له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله ".
قال البيهقي: وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم بخمسين ألف سنة مما تعدون، والله أعلم، ثم لا يكون ذلك كذلك إلا على الذي لا يغفر له، فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين، فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الحسن بن [ص:408] محمد بن حليم، أخبرنا أبو الموجه، أخبرنا عبدان، أخبرنا عبد الله، هو ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة، قال: يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر. ثم قال: هذا هو المحفوظ، وقد روي مرفوعا، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، حدثني عبد الله بن عمر بن علي الجوهري بمرو، حدثنا يحيى بن ساسويه بن عبد الكريم، حدثنا سويد بن نصر، حدثنا ابن المبارك، فذكره بإسناده مرفوعا.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي هانئ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: يوم يقوم الناس لرب العالمين [المطففين: 6]. قال«كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم».
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا سفيان، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء، ثم قرأ: ( ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم ). قال ابن المبارك: هكذا هي في قراءة ابن مسعود.
[ص:409] ثم قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: [الفرقان: 24]. قال: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء. ///////////
ذكر المقام المحمود الذي خص به رسول الله ﷺ من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ومن ذلك الشفاعة العظمى في أهل الموقف، ليجيء الرب عز وجل، فيفصل بينهم، ويريح المؤمنين من ذلك الحال إلى حسن المآل.
قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[الإسراء: 79].
قال البخاري: حدثنا علي بن عياش، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ قال«من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة». انفرد به دون مسلم.
[ص:410] وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا داود، وهو ابن يزيد بن عبد الرحمن الزعافري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء: 79]. قال«الشفاعة». إسناده حسن.
وثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث جابر، وغيره، عن رسول الله ﷺ أنه قال«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ; نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة».
فقوله«وأعطيت الشفاعة». يعني بذلك الشفاعة التي تطلب من آدم، فيقول: لست بصاحب ذاكم، اذهبوا إلى نوح، فيقول لهم كذلك ويرشدهم إلى إبراهيم، فيرشدهم إلى موسى، فيرشدهم موسى إلى عيسى، فيرشدهم عيسى إلى محمد ﷺ، فيقول«أنا لها، أنا لها». وسيأتي ذلك مبسوطا في أحاديث الشفاعة، في إخراج العصاة من النار، وقد ذكرنا ذلك بطوله مبسوطا عن جماعة من الصحابة عند تفسير هذه الآية.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «أنا سيد [ص:411] ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع». ولمسلم أيضا، عن أبي بن كعب; في حديث قراءة القرآن على سبعة أحرف، قال رسول الله ﷺ«فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم».
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر الأزدي، حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، عن النبي ﷺ قال«إذا كان يوم القيامة كنت إمام الأنبياء وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم غير فخر».
ورواه الترمذي، وابن ماجه، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثني محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال ؟ " يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي; فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود ".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي [ص:412] حبيب، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله ﷺ«أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له برفع رأسه، فأنظر إلى بين يدي، فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك». فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال«هم غر محجلون من أثر الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذريتهم».
وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون; أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس، عن أنس، قال: حدثني نبي الله ﷺ، قال«إني لقائم، أنتظر أمتي حتى تعبر الصراط إذ جاءني عيسى ابن مريم عليه السلام، فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألونك أو قال: يجتمعون إليك - يدعون الله عز وجل، أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله ; لغم ما هم فيه، فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت». فقال«انتظر حتى أرجع إليك». فذهب نبي الله ﷺ، «فقام تحت العرش، فيلقى ما لم يلق ملك [ص:413] مصطفى، ولا نبي مرسل. " فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد، وقل له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع. فشفعت في أمتي، فقال: أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا، فما زلت أتردد إلى ربي عز وجل، فلا أقوم منه مقاما إلا شفعت، حتى أعطاني الله عز وجل من ذلك أن قال: يا محمد، أدخل من خلق الله من أمتك من شهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا، ومات على ذلك».
وروى الإمام أحمد من حديث علي بن الحكم البناني، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، فذكر حديثا طويلا، وفيه أن رسول الله ﷺ قال«وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة». فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، وما ذلك المقام المحمود ؟ قال«ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله عز وجل: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد، فيغبطني به الأولون والآخرون». قال«ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض». وذكر تمام الحديث في صفة الحوض كما سيأتي قريبا.
وذكرنا في " المسند الكبير " عن حيدة الصحابي، عن رسول الله ﷺ [ص:414] قال«تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا، وأول من يكسى إبراهيم الخليل، يقول الله تعالى: اكسوا خليلي. ليعلم الناس فضله، ثم يكسى الناس على قدر الأعمال».
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال:«يطول على الناس يوم القيامة، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فليشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا. فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، فاشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين. فيأتونه، فيقولون: يا نوح، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله». قال«فيأتونه، فيقولون: يا إبراهيم، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا موسى الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه». قال: «فيأتونه، فيقولون: يا موسى، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا ; فإنه خاتم النبيين، وإنه قد حضر اليوم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ويقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه، هل كان [ص:415] يقدر على ما في ذلك الوعاء حتى يفض الخاتم ؟ فيقولون: لا. قال: فإن محمدا خاتم النبيين». قال رسول الله ﷺ«فيأتوني، فيقولون: يا محمد، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فأقول: نعم، فآتي باب الجنة، فآخذ بحلقة الباب، فأستفتح، فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد، فيفتح لي، فأخر ساجدا، فأحمد ربي عز وجل، بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي، ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقول: ارفع رأسك، وقل يسمع منك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي رب، أمتي أمتي، فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان». قال«فأخرجهم، ثم أخر ساجدا». فذكر مثل ذلك. {{حديث| فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال برة من إيمان، قال: فأخرجهم، ثم أخر ساجدا ". فذكر مثل ذلك. «فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، قال: فأخرجهم». وقد رواه البخاري ومسلم، من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، نحوه.
رواية أبي هريرة رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو حبان، حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله ﷺ بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، [ص:416] فنهس منها نهسة، ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه ؟ ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم. فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة، فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة، فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول: إن ربي قد [ص:417] غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله - وذكر كذباته - نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، اصطفاك الله برسالاته، وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه - قال: هكذا هو - وكلمت الناس في المهد، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنبا - اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتوني، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم فآتي تحت العرش، فأتي ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي، ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأقول: رب، أمتي أمتي، يا رب، أمتي أمتي، يا رب، أمتي أمتي. فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك [ص:418] من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب». ثم قال«والذي نفس محمد بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى». أخرجاه في الصحيحين، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان، به.
ورواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال "، عن أبي خيثمة، عن جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، فذكره بطوله، وزاد في السياق«وإني أخاف أن يطرحني في النار، انطلقوا إلى غيري». في قصة آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وهي زيادة غريبة جدا، ليست في الصحيحين، ولا في أحدهما، بل ولا في شيء من بقية " السنن "، وهي منكرة جدا، فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فقال: قال رسول الله ﷺ: «إنه لم يكن نبي إلا له دعوة قد تنجزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا [ص:419] فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر، ويطول يوم القيامة على الناس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبينا، فليشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا. فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربنا، فليقض بيننا. فيقول: إني لست هناكم، إني قد أخرجت من الجنة، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين». فذكر الحديث، كنحو ما تقدم إلى أن قال«فيأتوني، فيقولون: يا محمد، اشفع لنا إلى ربك، فليقض بيننا. فأقول: أنا لها، حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد الله أن يصدع بين خلقه، نادى مناد: أين أحمد وأمته؟ فنحن الآخرون الأولون; آخر الأمم، وأول من يحاسب، فتفرج لنا الأمم طريقا، فنمضي غرا محجلين من أثر الوضوء، فتقول الأم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها، فآتي باب الجنة». وذكر تمام الحديث في الشفاعة، في عصاة هذه الأمة.
وقد ورد هذا الحديث هكذا عن جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، من رواية حذيفة بن اليمان عنه، وسيأتي في أحاديث الشفاعة. والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث في أكثر طرقه، لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى، في إتيان الرب لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور، كما تقدم، وهو المقصود في هذا المقام.
[ص:420] ومقتضى سياق أول الحديث ; فإن الناس إنما يستشفعون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل الله عز وجل بين الناس ؟ ليستريحوا من مقامهم ذلك، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى المحز إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكأن مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، الذين ينكرون خروج أحد من النار بعد دخولها، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث، وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور، كما تقدم أن الناس يذهبون إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، ثم يأتون رسول الله ﷺ، فيذهب، فيسجد لله تحت العرش في مكان يقال له: الفحص. إلى أن قال«فيقول: شفعتك. أنا آتيكم فأقضي بينكم». قال«فأرجع، فأقف مع الناس». إلى أن قال«فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه». وذكر الحديث كما تقدم.
وقال عبد الرزاق: أنبا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين زين العابدين، قال: قال رسول الله ﷺ«إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم، حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه». قال رسول الله ﷺ«فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن عز وجل، والله ما رآه قبلها، فأقول: أي رب، إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي، فيقول الله: صدق. ثم أشفع، فأقول: يا رب، عبادك عبدوك في أطراف الأرض. فهو المقام المحمود».
[ص:421] هذا مرسل من هذا الوجه، وعندي أن معنى قوله«عبادك عبدوك في أطراف الأرض». أي وقوف في أطراف الأرض، أي الناس مجتمعون فى صعيد واحد، مؤمنهم وكافرهم، فيشفع عند الله ليأتي لفصل القضاء بين عباده، ويميز مؤمنهم من كافرهم في الموقف والمصير فى الحال، والمآل، ولهذا قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل فى قوله تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. هو المقام الذي يقومه رسول الله ﷺ يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، قال: سمعت ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان، اشفع، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي ﷺ، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا.
قال: ورواه حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي ﷺ.
وقد أسند ما علقه ههنا في موضع آخر من " الصحيح "، فقال في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، [ص:422] سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر، سمعت عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: ( لا يزال العبد يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ". وقال«إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك إذ استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمد ﷺ». زاد عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن ابن أبي جعفر«فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم».
وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب بن الليث، عن أبيه، به، بنحوه.//////////////
[ص:423] ذكر ما ورد في الحوض النبوي المحمدي، سقانا الله منه يوم القيامة، من الأحاديث المتواترة المتعددة من الطرق الكثيرة المتضافرة، وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة النافرة المكابرة القائلين بجحوده، المنكرين لوجوده، وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده، كما قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها. ولو اطلع المنكر للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها
روى أحاديث الحوض جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وثوبان مولى رسول الله ﷺ، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وجندب بن عبد الله البجلي، وحارثة بن وهب، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، والحسن بن علي، وحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد، وسويد بن جبلة، وعبد الله الصنابحي، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وعتبة بن عبد السلمي، وعثمان بن مظعون، والمستورد، وعقبة بن عامر الجهني، والنواس بن سمعان، وأبو إمامة [ص:424] الباهلي، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة الدوسي، وخولة بنت قيس، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة، رضي الله عنهم أجمعين.
رواية أبي بن كعب الأنصاري، رضي الله عنه: قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، أن رسول الله ﷺ ذكر الحوض، فقالوا: يا رسول الله، وما الحوض؟ فقال: «ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ومن صرف عنه لم يرو أبدا».
ورواه أبو بكر بن أبي عاصم، في كتاب " السنة ": حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، فذكره بإسناده، ولفظه: قيل: يا رسول الله، وما الحوض؟ قال: «والذي نفسي بيده، إن شرابه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك، وآنيته أكثر عددا من النجوم، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا، ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدا». لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، ولا الإمام أحمد.
[ص:425] رواية أنس بن مالك الأنصاري خادم النبي ﷺ: قال البخاري؟ حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس، قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك، رضي الله عنه; أن رسول الله ﷺ قال: «إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء». وكذا رواه مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب به.
طريق أخرى عن أنس بن مالك، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي ﷺ قال: «ليردن علي ناس من أصيحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي. فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك». ورواه مسلم، عن محمد بن حاتم، عن عفان، عن وهب بن خالد، عن عبد العزيز بن صهيب به.
طريق أخرى عن أنس: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: أغفى رسول الله ﷺ إغفاءة، فرفع رأسه متبسما، إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله ﷺ: [ص:426] إنه أنزلت علي آنفا سورة " فقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر: 1] حتى ختمها، ثم قال: «هل تدرون ما الكوثر» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم، فأقول: يا رب، إنه من أمتي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». هذا ثلاثي الإسناد.
ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، من حديث ابن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس، به.
ولفظ مسلم: «فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة». والباقي مثله. ومعنى ذلك: أنه يشخب من الكوثر وهو في الجنة ميزابان إلى الحوض، والحوض في موقف القيامة قبل الصراط; لأنه يختلج عنه، ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط. كما سيرد هذا من طرق متعددة، وجاء مصرحا به أنه في العرصات، كما ستراه قريبا إن شاء الله. وأما الكوثر فإنه نهر في الجنة.
طريق أخرى عن أنس، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، وأزهر بن القاسم، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله [ص:427] ﷺ قال: «مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء، أو مثل ما بين المدينة وعمان».
ورواه مسلم، عن هارون الحمال، عن عبد الصمد. وأخرجه مسلم أيضا عن عاصم بن النضر الأحول، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، بنحوه.
طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة. ورواه الإمام أحمد أيضا عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أنس; أن قوما ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره، وقال: ما الحوض ؟ فبلغ ذلك أنس بن مالك، فقال: لا جرم، والله لأفعلن. فأتاه، فقال: ذكرتم الحوض؟ فقال عبيد الله: هل سمعت رسول الله ﷺ يذكره؟ فقال: نعم، أكثر من كذا وكذا مرة يقول: «إن ما بين طرفيه كما بين أيلة إلى مكة أو بين صنعاء ومكة، وإن آنيته أكثر من عدد نجوم السماء» انفرد به أحمد.
وقد رواه يحيى بن محمد بن صاعد، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي ما بين كذا [ص:428] إلى كذا، فيه من الآنية عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه لم يظمأ أبدا، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا».
طريق أخرى: قال أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن، هو ابن سلام، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس; أن عبيد الله بن زياد قال: يا أبا حمزة، هل سمعت رسول الله ﷺ يذكر الحوض؟ فقال: لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد ﷺ.
طريق أخرى: قال أبو يعلى أيضا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة، هو ابن عمار، عن يزيد الرقاشي، قال: قلت: يا أبا حمزة، إن قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك. فقال أنس: أولئك شر الخلق والخليقة. قلت: ويكذبون بالحوض. فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن لي حوضا عرضه كما بين أيلة، إلى الكعبة - أو قال: صنعاء - أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه آنية عدد نجوم السماء، يمده ميزابان من الجنة، من كذب به لم يصب منه الشرب».
طريق أخرى: قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو داود، حدثنا المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي من كذا إلى كذا، فيه من الآنية [ص:429] عدد النجوم، أطيب ريحا من المسك، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا،» ثم قال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإسناد، ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس سواه، ولا رواه عنه إلا المسعودي. وهذا إسناد جيد، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب، ولا أحمد بن حنبل.
طريق أخرى: قال ابن أبي الدنيا: حدثني الحسن بن الصباح، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس، عن جده أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال: «أريت حوضي، فإذا على حافتيه آنية مثل نجوم السماء، فأدخلت يدي، فإذا عنبر أذفر».
رواية بريدة بن الحصيب الأسلمي: قال أبو يعلى: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن يمان، عن عائذ بن نسير العجلي عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي كما بين عمان إلى اليمن، فيه آنية عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا».
وهكذا رواه ابن صاعد، وابن أبي الدنيا، عن عبد الله بن الوضاح الأزدي اللؤلئي، عن يحيى بن يمان به. ولفظه:}} حوضي ما بين عمان، واليمن، فيه آنية [ص:430] عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وألين من الزبد، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ". لم يخرجوه.
رواية ثوبان: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سالم، عن معدان، عن ثوبان، أن رسول الله ﷺ قال: «أنا بعقر حوضي يوم القيامة، أذود عنه الناس لأهل اليمن، وأضربهم بعصاي حتى يرفض عنهم». قال: قيل: يا رسول الله: ما سعته ؟ قال: «من مقامي إلى عمان، يغت فيه ميزابان يمدانه».
ورواه الإمام أحمد أيضا عن عبد الصمد، عن هشام، عن قتادة. وعن عبد الوهاب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة به، فسئل رسول الله ﷺ عن عرضه، فقال: «من مقامي إلى عمان». وقال عبد الرزاق: «ما بين بصرى وصنعاء، أو ما بين أيلة ومكة». أو قال: «من مقامي هذا إلى عمان». وسئل عن شرابه، فقال: «أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان، يمدانه من الجنة; أحدهما من ذهب، والآخر من ورق».
[ص:431] وقال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر - هو ابن أبي شيبة - حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، أن النبي ﷺ قال: «أنا عند عقر حوضي أذود عنه الناس لأهل اليمن، إني لأضربهم بعصاي حتى يرفض». قال: وسئل رسول الله ﷺ عن سعة الحوض، قال: «مثل مقامي هذا إلى عمان، ما بينهما شهر، أو نحو ذلك». فسئل رسول الله ﷺ عن شرابه، فقال: «أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان، مداده - أو مدادهما - من الجنة، أحدهما ورق، والآخر ذهب».
وهكذا رواه مسلم، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ثلاثتهم عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، بنحوه.
طريق أخرى عن ثوبان: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم اللخمي، قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي، فحمل إليه على البريد، ليسأله عن الحوض، فقدم به عليه، فسأله فقال: سمعت ثوبان يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، [ص:432] وأحلى من العسل، وأكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين». فقال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: من هم يا رسول الله؟ قال: «هم الشعث رءوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد». فقال عمر بن عبد العزيز: لقد نكحت المتنعمات، وفتحت لي السدد، إلا أن يرحمني الله، والله لا أدهن رأسي، حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. ورواه الترمذي في الزهد، عن محمد بن إسماعيل، عن يحيى بن صالح. وابن ماجه فيه، عن محمود بن خالد الدمشقي، عن مروان بن محمد الطاطري، كلاهما عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم، عن أبي سلام.
قال شيخنا المزي في أطرافه: ورواه الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث، وشيبة بن الأحنف وغيرهما، عن أبي سلام.
وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا زيد بن واقد، حدثني بسر بن عبيد الله، حدثنا أبو سلام الأسود، عن [ص:433] ثوبان، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي كما بين عدن إلى عمان، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، أكاويبه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأكثر الناس علي واردة فقراء المهاجرين». قلنا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: «الشعث رءوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، الذين يعطون الذي عليهم، ولا يعطون الذي لهم». وهذه طريق جيدة أيضا.، ولله الحمد والمنة.
رواية جابر بن سمرة: قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثنا أبي، حدثنا زياد بن خيثمة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن رسول الله ﷺ قال: «إني فرطكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيه النجوم». وهكذا رواه مسلم عن أبي همام، به وقال: ( أنا فرط لكم ). والباقي مثله.
طريق أخرى عن جابر بن سمرة: قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن [ص:434] مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله ﷺ. قال: فكتب إلي: إني سمعته يقول: ( أنا الفرط على الحوض ).
رواية جابر بن عبيد الله: قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير; أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله ﷺ: «أنا على الحوض أنظر من يرد علي ). قال:» فيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي ". قال: «فيقال: وما يدريك ما عملوا بعدك؟ ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم». قال جابر: قال رسول الله ﷺ: «الحوض مسيرة شهر، وزواياه سواء - يعني عرضه مثل طوله - وكيزانه مثل نجوم السماء، وهو أطيب ريحا من المسك، وأشد بياضا من اللبن، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ). هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، ولم يروه، وقد روى من طريق زكريا، عن أبي الزبير، عن جابر، ستة أحاديث، ليس هذا منها.
طريق أخرى عن جابر: قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عمر بن هياج، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي، حدثنا عبيدة بن الأسود، عن مجالد، عن عامر - هو الشعبي - عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ قال:» إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم، فلا ترجعوا بعدي كفارا يقتل بعضكم بعضا ) فقال رجل: يا رسول الله، ما عرضه ؟ قال: «ما [ص:435] ببن أيلة - أحسبه قال - إلى مكة، فيه مكاكي أكثر من عدد النجوم، لا يتناول مؤمن منها واحدا فيضعه من يده حتى يتناول آخر ). ثم قال: لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه.
ورواه ابن أبي الدنيا، عن أبي عبد الرحمن القرشي، عن عبيدة بن الأسود به، رواية جندب بن عبد الله البجلي: قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرني أبي، عن شعبة، عن عبد الملك، سمعت جندبا: سمعت النبي ﷺ يقول:» أنا فرطكم على الحوض ).
ورواه مسلم من حديث شعبة، وزائدة، ومسعر، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، به. ورواه الإمام أحمد، من حديث هؤلاء عنه، وعن سفيان بن عيينة عنه، ثم قال سفيان: الفرط الذي يسبق.
رواية حارثة بن وهب الخزاعي: قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا شعبة، عن معبد بن خالد، أنه سمع حارثة بن وهب، يقول: سمعت النبي ﷺ، وذكر الحوض، فقال: ( كما بين المدينة [ص:436] وصنعاء. وزاد ابن أبي عدي، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة بن وهب، سمع النبي ﷺ قال: «حوضه ما بين صنعاء والمدينة ). فقال له المستورد: ألم تسمعه قال الأواني؟ قال: لا. قال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكواكب.
وقد رواه مسلم، عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة، عن حرمي بن عمارة، عن شعبة - كما ساقه البخاري. ورواه عن محمد بن عبد الله بن بزيغ، عن محمد بن عبد الله - وهو ابن أبي عدي - عن شعبة، كما ذكره البخاري سواء.
والمستورد هذا هو ابن شداد بن عمرو الفهري، صحابي جليل، علق له البخاري، وأسند ذلك مسلم، وروى له أهل السنن الأربعة، وله أحاديث.
الغفاري: أنبئنا عن الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي، رحمه الله، أنه قال في الجزء الذي جمعه في أحاديث الحوض: أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني بها، أن الحسن بن أحمد الحداد أخبرهم قراءة عليه، وهو حاضر، أنبأنا أحمد بن عبد الله - يعني أبا نعيم الأصبهاني - أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله سمويه، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا زيد بن الحسن، حدثنا معروف بن [ص:437] خربوذ، حدثنا أبو الطفيل، عن حذيفة بن أسيد، رضي الله عنه، قال: لما صدر النبي ﷺ عن حجة الوداع قال:» أيها الناس، إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون على حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه آنية عدد النجوم ). لم يروه من أصحاب الكتب أحد، ولا أحمد.
رواية حذيفة بن اليمان: قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا ابن هبيرة، أنه سمع أبا تميم الجيشاني، يقول: أخبرني سعيد، أنه سمع حذيفة يقول: غاب عنا رسول الله ﷺ يوما فلم يخرج، حتى ظننا أنه لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة، فظننا أن نفسه قد قبضت منها، فلما رفع رأسه قال: ( إن ربي تبارك وتعالى، استشارني في أمتي: ماذا أفعل بهم ؟ فقلت: ما شئت، أي رب، هم خلقك وعبادك. فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك. فقال: لا أحزنك في أمتك يا محمد. وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، ليس عليهم حساب، ثم أرسل إلي، فقال: ادع تجب، وسل تعط. فقلت لرسوله: أو معطي ربي سؤلي ؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي عز وجل ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمشي حيا صحيحا، وأعطاني أن لا تجوع أمتي، ولا تغلب، وأعطاني الكوثر، فهو نهر في الجنة، يسيل في حوضي، وأعطاني العز، والنصر، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا، وأعطاني أني أول [ص:438] الأنبياء أدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج ). هذا حديث حسن الإسناد والمتن.
طريق أخرى عنه: رواه الطبراني من حديث مبارك بن فضالة، عن خالد بن أبي الصلت، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، مرفوعا: «إنها ستكون عليكم أمراء يكذبون ويظلمون، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض غدا إن شاء الله ).
طريق أخرى: قال أبو القاسم البغوي: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن سعد بن طارق، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: قال رسول الله ﷺ» إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده، إني لأذود عنه الرجال كما يذود الراعي الإبل الغريبة عن حوضه ). قال: قيل يا رسول الله، تعرفنا يومئذ ؟ قال: «نعم تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء، وليست لأحد غيركم».
[ص:439] رواه مسلم، عن عثمان بن أبي شيبة بنحوه، وعلقه البخاري، فقال: وقال حصين، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي ﷺ.
حديث الحسن بن علي بن أبي طالب: قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن سلم الرازي، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، حدثنا علي بن عابس، عن بدر بن الخليل أبي الخليل، عن أبي كثير، قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي، فجاءه رجل، فقال: لقد سب عند معاوية عليا سبا قبيحا رجل يقال له: معاوية بن حديج. فقال: تعرفه؟ قال: نعم، قال: إذا رأيته فأتني به. قال: فرآه عند عمرو بن حريث، فأراه إياه، قال: أنت معاوية بن حديج؟ فسكت، فلم يجبه، ثلاثا، ثم قال: أنت السباب عليا عند ابن آكلة الأكباد؟ أما إنك إن وردت عليه الحوض - وما أراك ترده - لتجدنه مشمرا حاسرا عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله ﷺ كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها، قول الصادق المصدوق أبي القاسم ﷺ [ص:440] ورواه من طريق أخرى عن علي بن أبي طلحة، عن الحسن مرفوعا.
حديث أبي عمارة بن عبد المطلب رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أسامة بن زيد، أن رسول الله ﷺ أتى حمزة بن عبد المطلب يوما ولم يجده، فسأل امرأته عنه - وكانا من بني النجار - فقالت: خرج بأبي أنت وأمي آنفا عامدا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أفلا تدخل يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك أهنئك وأمرئك، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر. فقال: «أجل»، وعرصته ياقوت، ومرجان، وزبرجد، ولؤلؤ ". قالت: أحببت أن تصف لي حوضك بصفة أسمعها منك. فقال: ( هو ما بين أيلة، وصنعاء، فيه أباريق مثل عدد النجوم، وأحب واردها على قومك، يا بنت قهد الأنصاري ".
[ص:441] هذا حديث عزيز جدا، من رواية حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله ﷺ، ثم من رواية زوجته هذه، ورواية عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أسامة بن زيد منقطعة، وذكر أبو بكر الشافعي في " فوائده ": أن بينهما المسور بن مخرمة.
رواية زيد بن أرقم، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، قال: عمرو بن مرة أخبرني، قال: سمعت أبا حمزة أنه سمع زيد بن أرقم، قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فنزل منزلا، فسمعته يقول: «ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض من أمتي». قلنا لزيد: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة.
وكذا رواه عن هاشم، عن شعبة. ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة. ورواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، كلاهما، عن عمرو بن مرة به. ورواه أبو داود، عن حفص بن عمر، عن شعبة.
قلت: وأبو حمزة، هو طلحة بن يزيد الأنصاري الكوفي مولى قرظة بن كعب. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[ص:442] رواية أخرى عن زيد بن أرقم، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا أبو حيان التيمي،.
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا الحسن بن يعقوب العدل، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا جعفر بن عون، أنبأنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي، تيم الرباب - حدثنا يزيد بن حيان التيمي، قال: شهدت زيد بن أرقم، وبعث إليه عبيد الله بن زياد، فقال: ما أحاديث بلغني عنك تحدث بها عن رسول الله ﷺ؟ تزعم أن له حوضا في الجنة؟ فقال: حدثنا ذاك رسول الله ﷺ ووعدناه. فقال: كذبت، ولكنك شيخ قد خرفت. قال: أما إنه سمعته أذناي من رسول الله ﷺ وسمعته يقول: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وما كذبت على رسول الله ﷺ.
وستأتي روايته عن أخ له.
وأما رواية سلمان الفارسي، رضي الله عنه: فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة، رحمه الله، من حديث علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان، رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله ﷺ في آخر يوم من شعبان، فقال: «أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك...» وذكر تمام [ص:443] الحديث بطوله في فضل شهر رمضان، إلى أن قال: «ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة».
رواية سمرة بن جندب الفزاري، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا إبراهيم بن المستمر، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد - هو ابن بشير - عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي ﷺ قال: ( إن لكل نبي حوضا يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة ). وكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن محمد بن نيزك، عن محمد بن بكار بن بلال، عن سعيد بن بشير، وقال: هذا حديث غريب قال: ورواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن مرسلا، وهو أصح.
رواية سهل بن سعد الأنصاري الساعدي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال النبي ﷺ: «إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم». قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: «فأقول؟ إنهم مني. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي». وقال ابن عباس: [ص:444] سحقا: بعدا. يقال: سحيق: بعيد، سحقه، وأسحقه: أبعده. تفرد به من هذا الوجه. والله أعلم.
وأما رواية سويد بن جبلة، فذكرها القاضي عياض، وكذلك رواية عبد الله الصنابحي، ذكرها عياض أيضا.
رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، رضي الله عنه: ثبت في الصحيحين عنه، أن رسول الله ﷺ لما قسم غنائم حنين، فأعطى من أعطى من صناديد قريش، والعرب، فتغضب بعض الأنصار، فخطبهم، فقال لهم فيما قال: «إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».
رواية عبد الله بن عباس، رضي الله عنه: قال أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، حدثنا ليث - هو ابن أبي سليم، - عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إني آخذ بحجزكم أقول: إياكم وجهنم، إياكم والحدود، [ص:445] إياكم وجهنم، إياكم والحدود» - ثلاث مرات - " وإذا أنا مت تركتكم على البيضاء، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح، ويؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب - أحسبه قال: أصحابي - فيقال: ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم ". ثم قال: تفرد به ليث، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير.
وقال البخاري في باب الحوض من " صحيحه ": حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
قلت: وقد تقدم أنه يشخب من الكوثر الذي في الجنة إلى الحوض الذي في الموقف ميزابان من ذهب وفضة.
طريق أخرى عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الحارثي، [ص:446] حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي مسيرة شهر، زواياه سواء، أكوابه عدد نجوم السماء، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب - يعني ريحا - من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا».
طريق أخرى عن ابن عباس، رضي الله عنهما: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله ﷺ عن الوقوف بين يدي رب العالمين، هل فيه ماء؟ قال: «إي، والذي نفسي بيده، إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء».
رواية عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، قال: «أمامكم حوض، ما بين جرباء وأذرح».
[ص:447] ورواه الإمام أحمد، عن يحيى القطان، ورواه مسلم، من حديث عبيد الله، وأيوب، وموسى بن عقبة، وغيرهم، عن نافع.
وفي بعض الروايات؟ " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح - وهما قريتان بالشام - فيه أباريق عدد نجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ".
طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عمر بن عمرو أبو عثمان الأحموسي، حدثني المخارق بن أبي المخارق، عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول: إن رسول الله ﷺ قال: «حوضي كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، أكوابه مثل نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس عليه ورودا صعاليك المهاجرين». قال قائل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الشعثة رءوسهم، الشحبة وجوههم، الدنسة ثيابهم، لا يفتح لهم أبواب السدد، ولا ينكحون المتنعمات، الذين يعطون كل الذي عليهم، ولا يأخذون الذي لهم ". تفرد به أحمد.
[ص:448] طريق أخرى عنه: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، حدثنا عطاء بن السائب، قال: قال لي محارب بن دثار: ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت: كان سعيد يحدث عن ابن عباس، قال: هو الخير الكثير. قال محارب: أين يقع رأي ابن عباس؟ قال محارب: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: لما نزلت: إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر: ا]. قال لنا رسول الله ﷺ: «هو نهر في الجنة حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب ريحا من المسك، وطعمه أحلى من العسل، وماؤه أشد بياضا من الثلج».
ورواه البيهقي من حديث حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب بنحوه، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
رواية عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمير: قال النبي ﷺ " حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبدا ". ورواه مسلم، عن داود بن عمرو، عن نافع بن عمر، به. [ص:449] طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا حسين المعلم، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبي سبرة - واسمه سالم بن سبرة - قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض ؟ حوض محمد ﷺ، وكان يكذب به بعد ما سأل أبا برزة، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمرو، ورجلا أخر، وكان يكذب به، فقال أبو سبرة: أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا، إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدثني بما سمع من رسول الله ﷺ، وأملى علي، فكتبت بيدي، فلم أزد حرفا، ولم أنقص حرفا، حدثني أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله لا يحب الفحش، أو يبغض الفاحش، والمتفحش». قال: ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن، ويخون الأمين ". وقال: «ألا إن موعدكم حوضي، عرضه وطوله واحد، وهو كما بين أيلة ومكة، وهو مسيرة شهر، فيه مثل النجوم أباريق، شرابه أشد بياضا من الفضة، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده أبدا». فقال عبيد الله: ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا. فصدق به، وأخذ الصحيفة، فحبسها عنده.
طريق أخرى عنه: قال أبو بكر البزار في " مسنده ": حدثنا [ص:450] محمود بن بكر بن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير الليثي، عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن لي حوضا في الجنة مسيرته شهر، وزواياه سواء، ريحه أطيب من المسك، ماؤه كالورق، أقداحه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا». ثم قال: لا نعلم روى عبيد بن عمير، عن عبد الله بن عمرو غير هذا الحديث.
طريق أخرى أيضا: رواها الطبراني من حديث مسلم بن رئاب، عن عبد الله بن عمرو.
رواية عبد الله بن مسعود الهذلي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: «أنا فرطكم على الحوض». قال البخاري: وحدثنا عمرو بن علي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن المغيرة: سمعت أبا وائل، عن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». تابعه عاصم، عن أبي وائل، وقال حصين: عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي ﷺ.
[ص:451] طريق أخرى عنه في الحوض وغيره: قال الإمام أحمد: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا علي بن الحكم البناني، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن ابن مسعود، قال: جاء ابنا مليكة إلى النبي ﷺ، فقالا: إن أمنا ماتت وكانت تكرم الزوج، وتعطف على الولد - قال: وذكر الضيف - غير أنها كانت وأدت في الجاهلية، فقال: «أمكما في النار». قال: فأدبرا والشر يرى في وجوههما، فأمر بهما، فردا، فرجعا والسرور يرى في وجوههما رجاء أن يكون قد حدث شيء، فقال: «أمي مع أمكما». فقال رجل من المنافقين: وما يغني هذا عن أمه شيئا، ونحن نطأ عقبيه! فقال رجل من الأنصار - ولم أر رجلا قط أكثر سؤالا منه -: يا رسول الله، هل وعدك ربك فيهما ؟ قال: فظن أنه من شيء قد سمعه، فقال: ما سألته ربي، وما أطمعني فيه، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة ". فقال الأنصار: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: «ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، [ص:452] فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد، يغبطني به الأولون والآخرون». قال: «ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض». فقال المنافق: إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض. فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له حال أو رضراض؟ قال: «حاله المسك، ورضراضه التوم». فقال المنافق: لم أسمع كاليوم، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبت. فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له نبت؟ قال: «نعم، قضبان الذهب». قال المنافق: لم أسمع كاليوم، فإنه قلما نبت قضيب إلا أورق، وإلا كان له ثمر. قال الأنصاري: يا رسول الله، هل له ثمر ؟ قال: «نعم، ألوان الجوهر، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده، ومن حرمه لم يرو بعده». تفرد به أحمد، وهو غريب جدا.
رواية عتبة بن عبد السلمي، رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا [ص:453] أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن زيد البكالي، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ، فقال: ما حوضك هذا الذي تحدث عنه؟ فقال: «كما بين البيضاء إلى بصرى، يمدني الله فيه بكراع لا يدري إنسان ممن خلق الله أين طرفاه». قال أبو عبد الله القرطبي: وخرج الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " من حديث عثمان بن مظعون، عن النبي ﷺ أنه قال: «يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإنه من رغب عن سنتي، ثم مات قبل أن يتوب ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة».
رواية عقبة بن عامر الجهني، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله ﷺ خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر، فقال: «إني فرط لكم على الحوض، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، [ص:454] ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها».
ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، به. ومن حديث يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، به، وعنده: «إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم». قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله ﷺ على المنبر.
ذكر ما روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في ذلك: أسند البيهقي من طريق علي بن المديني، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول: إن رسول الله ﷺ رجم، ورجم أبو بكر، ورجمت، وسيكون قوم يكذبون بالرجم، والدجال، والحوض، والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار. وأما رواية المستورد فذكرها القاضي عياض.
ورواية النواس بن سمعان الكلابي، رضي الله عنه: قال عمر بن محمد بن بجير البجيري: حدثنا سليمان بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق بن [ص:455] إبراهيم، حدثنا ابن جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سمعان، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن حوضي عرضه وطوله كما بين أيلة إلى عمان، فيه أقداح كنجوم السماء، أول من يرده من أمتي من يسقي كل عطشان».
أورده الضياء من هذا الوجه، ثم قال: أرى أن هذا الحديث من صحاح البجيري، والله أعلم.
رواية أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي أمامة، أن يزيد بن الأخنس قال: يا رسول الله، فما سعة حوضك ؟ قال: «كما بين عدن إلى عمان، فأوسع، وأوسع - يشير بيده - فيه مثعبان من ذهب وفضة». قال: فما ماء حوضك ؟ فقال: «أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ولم يسود وجهه أبدا».
طريق أخرى عنه: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي يحيى، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قيل: يا رسول الله، ما سعة حوضك ؟ قال: «ما بين عدن، وعمان - وأشار بيده - وأوسع، وأوسع، وفيه مثعبان من ذهب وفضة». قيل: يا [ص:456] رسول الله، فما شرابه ؟ قال أبيض من اللبن، وأحلى مذاقا من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها، ولم يسود وجهه بعدها أبدا ".
رواية أبي برزة الأسلمي، رضي الله عنه: قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت، قال: شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد، فحدثني فلان - سماه مسلم - وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محمديكم هذا لدحداح. ففهمها الشيخ، فقال: ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد ﷺ. فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد لك زين غير شين. ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله ﷺ يذكر فيه شيئا؟ قال أبو برزة: نعم، لا مرة، ولا ثنتين، ولا ثلاثا، ولا أربعا، ولا خمسا، فمن كذب به فلا سقاه الله منه. ثم خرج مغضبا.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن مهزم العبدي، عن أبي طالوت العبدي، سمعت أبا برزة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول في الحوض، فمن كذب به فلا سقاه [ص:457] الله منه. وقد رواه البيهقي من طريق أخرى عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن قرة بن خالد، عن أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار، عن أبي برزة، في دخوله على عبيد الله بن زياد، بنحو ما تقدم.
طريق أخرى عن أبي برزة: قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا شداد بن سعيد، سمعت أبا الوازع، وهو جابر بن عمرو، سمع أبا برزة الأسلمي يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيه ميزابان يغتان من الجنة من ورق وذهب، أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، فيه أباريق عدد نجوم السماء.
طريق أخرى: قال ابن أبي عاصم: حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا محمد بن موسى الشيباني، عن صالح، عن سيار بن سلامة الرياحي، عن أبيه، عن أبي برزة: سمعت رسول الله ﷺ يقول:» إن لي حوضا يوم القيامة، عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ". ومن كذب به فلا سقاه الله. يعني منه.
[ص:458] رواية أبي بكرة الثقفي، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال ": حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله ﷺ قال: «أنا فرطكم على الحوض.
رواية أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه: قال مسلم بن الحجاج في صحيحه»: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر المكي - واللفظ لأبي بكر بن أبي شيبة - قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل». هذا لفظه إسنادا ومتنا.
رواية أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: قال ابن أبي عاصم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا زكريا، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ، قال: «إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أبيض مثل اللبن، آنيته عدد النجوم، وإني لأكثر الأنبياء تبعا [ص:459] يوم القيامة». ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد، أن رسول الله ﷺ قال: «إن لي حوضا طوله من الكعبة إلى بيت القدس، أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: لقد بلغت. وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة».
وروى البيهقي من طريق روح بن عبادة، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، أن رسول الله ﷺ قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة». ثم قال: ورواه البخاري من وجه آخر، عن مالك، وأخرجاه من حديث عبيد الله بن عمر، عن خبيب، بدون ذكر أبي سعيد. والله أعلم.
رواية أبي هريرة الدوسي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن خبيب، عن حفص بن [ص:460] عاصم، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي». ورواه البخاري أيضا، ومسلم من طرق، عن عبيد الله بن عمر، وأخرجه البخاري أيضا من حديث مالك، كلاهما عن خبيب بن عبد الرحمن، به.
طريق أخرى عنه: قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح، حدثنا أبي، حدثني هلال، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: «بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم. فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم. قلت: أين ؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم». انفرد به البخاري.
طريق أخرى: قال مسلم: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثنا الربيع - يعني ابن مسلم - عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: «لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل».
[ص:461] وحدثنيه عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ بمثله.
طريق أخرى عنه: قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد، وابن أبي عمر، جميعا عن مروان الفزاري، قال ابن أبي عمر: حدثنا مروان الفزاري، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «إن حوضي أبعد من أيلة من عدن، لهو أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه، كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه». قالوا: يا رسول الله، أتعرفنا يومئذ قال: «نعم، لكم سيما ليست لأحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء». هذا لفظه.
طريق أخرى عنه: أخرجه مسلم، من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
طريق أخرى عنه: روى الحافظ الضياء من حديث يحيى بن صالح، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا إبراهيم بن أبي أسيد، عن جده، عن أبي هريرة، [ص:462] أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أنا هلكت فإني فرطكم على الحوض». قيل: يا رسول الله، وما الحوض ؟ قال: «عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح، بياضه بياض اللبن، وهو أحلى من العسل والسكر، آنيته مثل نجوم السماء، من ورد علي شرب، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا، وإياكم أن ترد على أقوام أعرفهم ويعرفوني، فيحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: بعدا وسحقا لمن بدل بعدي.
ثم قال الحافظ الضياء: لا أعلم أني سمعت بلفظ السكر عن النبي ﷺ إلا في هذا الحديث. قلت: بلى، قد ورد لفظ السكر في حديث رواه البيهقي في باب الوليمة والنثار؟ أن رسول الله ﷺ حضر عقدا، فأتي بأطباق الجوز والسكر، فنثر، فجعل يخاطفهم ويخاطفونه. الحديث بتمامه، وهو غريب جدا.
طريق أخرى عنه: قال البخاري: وقال الإمام أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أن رسول الله ﷺ قال:» يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقول: إنك [ص:463] لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ".
قال: وقال شعيب، عن الزهري: كان أبو هريرة يحدث عن النبي ﷺ " فيجلون ". وقال عقيل: «فيحلئون». وقال الزبيدي: عن الزهري، عن محمد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.
وهذا كله تعليق، ولم أر أحدا أسنده في شيء من هذه الوجوه عن أبي هريرة، إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال: «يرد علي الحوض رجال من أصحابي، فيحلئون عنه، فأقول: يا رب، أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى».
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد، وغيره، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم - إمام مسجد بني بشير - عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، قال: كأني بكم صادرين على الحوض، يلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم.
[ص:464] ويلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: لا، واعطشاه !
رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن عمر، قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، قالت: قال النبي ﷺ: " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي. فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا.
ورواه مسلم، عن داود بن عمرو، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء، مثله.
رواية أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها: قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، حدثنا إبراهيم بن الحسين، حدثنا آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر، فقالت: هو نهر أعطيه نبيكم ﷺ في الجنة، حافتاه در مجوف، عليه من الآنية عدد النجوم. ورواه البخاري عن خالد بن يزيد الكاهلي، عن إسرائيل، واستشهد برواية مطرف.
[ص:465] وقال مسلم: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول، وهو بين ظهراني أصحابه: «إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال، فلأقولن: أي رب، مني ومن أمتي. فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك؟ ما زالوا يرجعون على أعقابهم». انفرد به مسلم.
رواية أم المؤمنين أم سلمة، رضي الله عنها: قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمر،، وهو ابن الحارث، أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي ﷺ أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله ﷺ فلما كان يوما من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله ﷺ، يقول: «أيها الناس». فقلت للجارية: استأخري عني. قالت: إنما دعا الرجال، ولم يدع النساء. فقلت: إني من الناس. فقال رسول الله ﷺ: «إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم، فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا ؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقا».
ثم رواه مسلم، والنسائي من حديث أفلح بن سعيد، عن عبد الله بن رافع [ص:466] عنها.
رواية أخ لزيد بن أرقم: قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن مطر، عن عبد الله بن بريدة، قال: شك عبيد الله بن زياد في الحوض فأرسل إلى زيد بن أرقم فسأله عن الحوض، فحدثه به حديثا مؤنقا فأعجبه، فقال له: سمعت هذا من رسول الله ﷺ ؟ قال: لا، ولكن حدثنيه أخي.
فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم، والمورد الكريم الممد من شراب الجنة من نهر الكوثر، الذي هو أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، وهو في غاية الاتساع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر.
وفي بعض الأحاديث المتقدمة أن كل ما له في زيادة واتساع، وأنه ينبت في حاله - أي في طينه - من المسك، وأن رضراضه من اللؤلؤ، وأنه ينبت على جوانبه قضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر، فسبحان الله الخالق الذي لا يعجزه شيء، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. ///////////
[ص:423] ذكر ما ورد في الحوض النبوي المحمدي، سقانا الله منه يوم القيامة، من الأحاديث المتواترة المتعددة من الطرق الكثيرة المتضافرة، وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة النافرة المكابرة القائلين بجحوده، المنكرين لوجوده، وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده، كما قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها. ولو اطلع المنكر للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها
روى أحاديث الحوض جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وثوبان مولى رسول الله ﷺ، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وجندب بن عبد الله البجلي، وحارثة بن وهب، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، والحسن بن علي، وحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد، وسويد بن جبلة، وعبد الله الصنابحي، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وعتبة بن عبد السلمي، وعثمان بن مظعون، والمستورد، وعقبة بن عامر الجهني، والنواس بن سمعان، وأبو أمامة [ص:424] الباهلي، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة الدوسي، وخولة بنت قيس، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة، رضي الله عنهم أجمعين.
رواية أبي بن كعب الأنصاري، رضي الله عنه: قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، أن رسول الله ﷺ ذكر الحوض، فقالوا: يا رسول الله، وما الحوض؟ فقال: «ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ومن صرف عنه لم يرو أبدا».
ورواه أبو بكر بن أبي عاصم، في كتاب " السنة ": حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، فذكره بإسناده، ولفظه: قيل: يا رسول الله، وما الحوض؟ قال: «والذي نفسي بيده، إن شرابه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك، وآنيته أكثر عددا من النجوم، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا، ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدا». لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، ولا الإمام أحمد.
[ص:425] رواية أنس بن مالك الأنصاري خادم النبي ﷺ: قال البخاري؟ حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس، قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك، رضي الله عنه; أن رسول الله ﷺ قال: «إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء». وكذا رواه مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب به.
طريق أخرى عن أنس بن مالك، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي ﷺ قال: «ليردن علي ناس من أصيحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي. فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك». ورواه مسلم، عن محمد بن حاتم، عن عفان، عن وهب بن خالد، عن عبد العزيز بن صهيب به.
طريق أخرى عن أنس: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: أغفى رسول الله ﷺ إغفاءة، فرفع رأسه متبسما، إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله ﷺ: [ص:426] إنه أنزلت علي آنفا سورة " فقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر: 1] حتى ختمها، ثم قال: «هل تدرون ما الكوثر» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم، فأقول: يا رب، إنه من أمتي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». هذا ثلاثي الإسناد.
ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، من حديث ابن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس، به.
ولفظ مسلم: «فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة». والباقي مثله. ومعنى ذلك: أنه يشخب من الكوثر وهو في الجنة ميزابان إلى الحوض، والحوض في موقف القيامة قبل الصراط; لأنه يختلج عنه، ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط. كما سيرد هذا من طرق متعددة، وجاء مصرحا به أنه في العرصات، كما ستراه قريبا إن شاء الله. وأما الكوثر فإنه نهر في الجنة.
طريق أخرى عن أنس، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، وأزهر بن القاسم، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله [ص:427] ﷺ قال: «مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء، أو مثل ما بين المدينة وعمان».
ورواه مسلم، عن هارون الحمال، عن عبد الصمد. وأخرجه مسلم أيضا عن عاصم بن النضر الأحول، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، بنحوه.
طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة. ورواه الإمام أحمد أيضا عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أنس; أن قوما ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره، وقال: ما الحوض ؟ فبلغ ذلك أنس بن مالك، فقال: لا جرم، والله لأفعلن. فأتاه، فقال: ذكرتم الحوض؟ فقال عبيد الله: هل سمعت رسول الله ﷺ يذكره؟ فقال: نعم، أكثر من كذا وكذا مرة يقول: «إن ما بين طرفيه كما بين أيلة إلى مكة أو بين صنعاء ومكة، وإن آنيته أكثر من عدد نجوم السماء» انفرد به أحمد.
وقد رواه يحيى بن محمد بن صاعد، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي ما بين كذا [ص:428] إلى كذا، فيه من الآنية عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه لم يظمأ أبدا، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا».
طريق أخرى: قال أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن، هو ابن سلام، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس; أن عبيد الله بن زياد قال: يا أبا حمزة، هل سمعت رسول الله ﷺ يذكر الحوض؟ فقال: لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد ﷺ.
طريق أخرى: قال أبو يعلى أيضا: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة، هو ابن عمار، عن يزيد الرقاشي، قال: قلت: يا أبا حمزة، إن قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك. فقال أنس: أولئك شر الخلق والخليقة. قلت: ويكذبون بالحوض. فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن لي حوضا عرضه كما بين أيلة، إلى الكعبة - أو قال: صنعاء - أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه آنية عدد نجوم السماء، يمده ميزابان من الجنة، من كذب به لم يصب منه الشرب».
طريق أخرى: قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو داود، حدثنا المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي من كذا إلى كذا، فيه من الآنية [ص:429] عدد النجوم، أطيب ريحا من المسك، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا، ثم قال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإسناد، ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس سواه، ولا رواه عنه إلا المسعودي. وهذا إسناد جيد، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب، ولا أحمد بن حنبل.
طريق أخرى: قال ابن أبي الدنيا: حدثني الحسن بن الصباح، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس، عن جده أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال: «أريت حوضي، فإذا على حافتيه آنية مثل نجوم السماء، فأدخلت يدي، فإذا عنبر أذفر».
رواية بريدة بن الحصيب الأسلمي: قال أبو يعلى: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا يحيى بن يمان، عن عائذ بن نسير العجلي عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي كما بين عمان إلى اليمن، فيه آنية عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا».
وهكذا رواه ابن صاعد، وابن أبي الدنيا، عن عبد الله بن الوضاح الأزدي اللؤلئي، عن يحيى بن يمان به. ولفظه:» حوضي ما بين عمان، واليمن، فيه آنية [ص:430] عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وألين من الزبد، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ". لم يخرجوه.
رواية ثوبان: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سالم، عن معدان، عن ثوبان، أن رسول الله ﷺ قال: «أنا بعقر حوضي يوم القيامة، أذود عنه الناس لأهل اليمن، وأضربهم بعصاي حتى يرفض عنهم». قال: قيل: يا رسول الله: ما سعته ؟ قال: «من مقامي إلى عمان، يغت فيه ميزابان يمدانه».
ورواه الإمام أحمد أيضا عن عبد الصمد، عن هشام، عن قتادة. وعن عبد الوهاب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة به، فسئل رسول الله ﷺ عن عرضه، فقال: «من مقامي إلى عمان». وقال عبد الرزاق: «ما بين بصرى وصنعاء، أو ما بين أيلة ومكة». أو قال: «من مقامي هذا إلى عمان». وسئل عن شرابه، فقال: «أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان، يمدانه من الجنة; أحدهما من ذهب، والآخر من ورق».
[ص:431] وقال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر - هو ابن أبي شيبة - حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، أن النبي ﷺ قال: «أنا عند عقر حوضي أذود عنه الناس لأهل اليمن، إني لأضربهم بعصاي حتى يرفض». قال: وسئل رسول الله ﷺ عن سعة الحوض، قال: «مثل مقامي هذا إلى عمان، ما بينهما شهر، أو نحو ذلك». فسئل رسول الله ﷺ عن شرابه، فقال: «أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان، مداده - أو مدادهما - من الجنة، أحدهما ورق، والآخر ذهب».
وهكذا رواه مسلم، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ثلاثتهم عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، بنحوه.
طريق أخرى عن ثوبان: قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن عياش، عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم اللخمي، قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي، فحمل إليه على البريد، ليسأله عن الحوض، فقدم به عليه، فسأله فقال: سمعت ثوبان يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، [ص:432] وأحلى من العسل، وأكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين». فقال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: من هم يا رسول الله؟ قال: «هم الشعث رءوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد». فقال عمر بن عبد العزيز: لقد نكحت المتنعمات، وفتحت لي السدد، إلا أن يرحمني الله، والله لا أدهن رأسي، حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. ورواه الترمذي في الزهد، عن محمد بن إسماعيل، عن يحيى بن صالح. وابن ماجه فيه، عن محمود بن خالد الدمشقي، عن مروان بن محمد الطاطري، كلاهما عن محمد بن المهاجر، عن العباس بن سالم، عن أبي سلام.
قال شيخنا المزي في أطرافه: ورواه الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث، وشيبة بن الأحنف وغيرهما، عن أبي سلام.
وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا زيد بن واقد، حدثني بسر بن عبيد الله، حدثنا أبو سلام الأسود، عن [ص:433] ثوبان، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي كما بين عدن إلى عمان، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، أكاويبه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأكثر الناس علي واردة فقراء المهاجرين». قلنا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: «الشعث رءوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، الذين يعطون الذي عليهم، ولا يعطون الذي لهم». وهذه طريق جيدة أيضا.، ولله الحمد والمنة.
رواية جابر بن سمرة: قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثنا أبي، حدثنا زياد بن خيثمة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن رسول الله ﷺ قال: «إني فرطكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيه النجوم». وهكذا رواه مسلم عن أبي همام، به وقال: ( أنا فرط لكم ). والباقي مثله.
طريق أخرى عن جابر بن سمرة: قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن [ص:434] مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله ﷺ. قال: فكتب إلي: إني سمعته يقول: ( أنا الفرط على الحوض ).
رواية جابر بن عبيد الله: قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير; أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله ﷺ: «أنا على الحوض أنظر من يرد علي ). قال:» فيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي ". قال: «فيقال: وما يدريك ما عملوا بعدك؟ ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم». قال جابر: قال رسول الله ﷺ: «الحوض مسيرة شهر، وزواياه سواء - يعني عرضه مثل طوله - وكيزانه مثل نجوم السماء، وهو أطيب ريحا من المسك، وأشد بياضا من اللبن، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ). هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، ولم يروه، وقد روى من طريق زكريا، عن أبي الزبير، عن جابر، ستة أحاديث، ليس هذا منها.
طريق أخرى عن جابر: قال أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عمر بن هياج، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي، حدثنا عبيدة بن الأسود، عن مجالد، عن عامر - هو الشعبي - عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ قال:» إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم، فلا ترجعوا بعدي كفارا يقتل بعضكم بعضا ) فقال رجل: يا رسول الله، ما عرضه ؟ قال: «ما [ص:435] ببن أيلة - أحسبه قال - إلى مكة، فيه مكاكي أكثر من عدد النجوم، لا يتناول مؤمن منها واحدا فيضعه من يده حتى يتناول آخر ). ثم قال: لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه.
ورواه ابن أبي الدنيا، عن أبي عبد الرحمن القرشي، عن عبيدة بن الأسود به، رواية جندب بن عبد الله البجلي: قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرني أبي، عن شعبة، عن عبد الملك، سمعت جندبا: سمعت النبي ﷺ يقول:» أنا فرطكم على الحوض ).
ورواه مسلم من حديث شعبة، وزائدة، ومسعر، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، به. ورواه الإمام أحمد، من حديث هؤلاء عنه، وعن سفيان بن عيينة عنه، ثم قال سفيان: الفرط الذي يسبق.
رواية حارثة بن وهب الخزاعي: قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا شعبة، عن معبد بن خالد، أنه سمع حارثة بن وهب، يقول: سمعت النبي ﷺ، وذكر الحوض، فقال: ( كما بين المدينة [ص:436] وصنعاء. وزاد ابن أبي عدي، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة بن وهب، سمع النبي ﷺ قال: «حوضه ما بين صنعاء والمدينة ). فقال له المستورد: ألم تسمعه قال الأواني؟ قال: لا. قال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكواكب.
وقد رواه مسلم، عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة، عن حرمي بن عمارة، عن شعبة - كما ساقه البخاري. ورواه عن محمد بن عبد الله بن بزيغ، عن محمد بن عبد الله - وهو ابن أبي عدي - عن شعبة، كما ذكره البخاري سواء.
والمستورد هذا هو ابن شداد بن عمرو الفهري، صحابي جليل، علق له البخاري، وأسند ذلك مسلم، وروى له أهل السنن الأربعة، وله أحاديث.
الغفاري: أنبئنا عن الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي، رحمه الله، أنه قال في الجزء الذي جمعه في أحاديث الحوض: أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني بها، أن الحسن بن أحمد الحداد أخبرهم قراءة عليه، وهو حاضر، أنبأنا أحمد بن عبد الله - يعني أبا نعيم الأصبهاني - أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله سمويه، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا زيد بن الحسن، حدثنا معروف بن [ص:437] خربوذ، حدثنا أبو الطفيل، عن حذيفة بن أسيد، رضي الله عنه، قال: لما صدر النبي ﷺ عن حجة الوداع قال:» أيها الناس، إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون على حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه آنية عدد النجوم ). لم يروه من أصحاب الكتب أحد، ولا أحمد.
رواية حذيفة بن اليمان: قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا ابن هبيرة، أنه سمع أبا تميم الجيشاني، يقول: أخبرني سعيد، أنه سمع حذيفة يقول: غاب عنا رسول الله ﷺ يوما فلم يخرج، حتى ظننا أنه لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة، فظننا أن نفسه قد قبضت منها، فلما رفع رأسه قال: ( إن ربي تبارك وتعالى، استشارني في أمتي: ماذا أفعل بهم ؟ فقلت: ما شئت، أي رب، هم خلقك وعبادك. فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك. فقال: لا أحزنك في أمتك يا محمد. وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا، ليس عليهم حساب، ثم أرسل إلي، فقال: ادع تجب، وسل تعط. فقلت لرسوله: أو معطي ربي سؤلي ؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي عز وجل ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمشي حيا صحيحا، وأعطاني أن لا تجوع أمتي، ولا تغلب، وأعطاني الكوثر، فهو نهر في الجنة، يسيل في حوضي، وأعطاني العز، والنصر، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا، وأعطاني أني أول [ص:438] الأنبياء أدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج ). هذا حديث حسن الإسناد والمتن.
طريق أخرى عنه: رواه الطبراني من حديث مبارك بن فضالة، عن خالد بن أبي الصلت، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، مرفوعا: «إنها ستكون عليكم أمراء يكذبون ويظلمون، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض غدا إن شاء الله ).
طريق أخرى: قال أبو القاسم البغوي: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر، عن سعد بن طارق، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: قال رسول الله ﷺ» إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده، إني لأذود عنه الرجال كما يذود الراعي الإبل الغريبة عن حوضه ). قال: قيل يا رسول الله، تعرفنا يومئذ ؟ قال: «نعم تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء، وليست لأحد غيركم».
[ص:439] رواه مسلم، عن عثمان بن أبي شيبة بنحوه، وعلقه البخاري، فقال: وقال حصين، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي ﷺ.
حديث الحسن بن علي بن أبي طالب: قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن سلم الرازي، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، حدثنا علي بن عابس، عن بدر بن الخليل أبي الخليل، عن أبي كثير، قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي، فجاءه رجل، فقال: لقد سب عند معاوية عليا سبا قبيحا رجل يقال له: معاوية بن حديج. فقال: تعرفه؟ قال: نعم، قال: إذا رأيته فأتني به. قال: فرآه عند عمرو بن حريث، فأراه إياه، قال: أنت معاوية بن حديج؟ فسكت، فلم يجبه، ثلاثا، ثم قال: أنت السباب عليا عند ابن آكلة الأكباد؟ أما إنك إن وردت عليه الحوض - وما أراك ترده - لتجدنه مشمرا حاسرا عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله ﷺ كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها، قول الصادق المصدوق أبي القاسم ﷺ [ص:440] ورواه من طريق أخرى عن علي بن أبي طلحة، عن الحسن مرفوعا.
حديث أبي عمارة بن عبد المطلب رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أسامة بن زيد، أن رسول الله ﷺ أتى حمزة بن عبد المطلب يوما ولم يجده، فسأل امرأته عنه - وكانا من بني النجار - فقالت: خرج بأبي أنت وأمي آنفا عامدا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أفلا تدخل يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك أهنئك وأمرئك، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر. فقال: «أجل»، وعرصته ياقوت، ومرجان، وزبرجد، ولؤلؤ ". قالت: أحببت أن تصف لي حوضك بصفة أسمعها منك. فقال: ( هو ما بين أيلة، وصنعاء، فيه أباريق مثل عدد النجوم، وأحب واردها على قومك، يا بنت قهد الأنصاري ".
[ص:441] هذا حديث عزيز جدا، من رواية حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله ﷺ، ثم من رواية زوجته هذه، ورواية عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أسامة بن زيد منقطعة، وذكر أبو بكر الشافعي في " فوائده ": أن بينهما المسور بن مخرمة.
رواية زيد بن أرقم، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، قال: عمرو بن مرة أخبرني، قال: سمعت أبا حمزة أنه سمع زيد بن أرقم، قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فنزل منزلا، فسمعته يقول: «ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض من أمتي». قلنا لزيد: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة.
وكذا رواه عن هاشم، عن شعبة. ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة. ورواه الإمام أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، كلاهما، عن عمرو بن مرة به. ورواه أبو داود، عن حفص بن عمر، عن شعبة.
قلت: وأبو حمزة، هو طلحة بن يزيد الأنصاري الكوفي مولى قرظة بن كعب. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[ص:442] رواية أخرى عن زيد بن أرقم، رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا أبو حيان التيمي،.
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا الحسن بن يعقوب العدل، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا جعفر بن عون، أنبأنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي، تيم الرباب - حدثنا يزيد بن حيان التيمي، قال: شهدت زيد بن أرقم، وبعث إليه عبيد الله بن زياد، فقال: ما أحاديث بلغني عنك تحدث بها عن رسول الله ﷺ؟ تزعم أن له حوضا في الجنة؟ فقال: حدثنا ذاك رسول الله ﷺ ووعدناه. فقال: كذبت، ولكنك شيخ قد خرفت. قال: أما إنه سمعته أذناي من رسول الله ﷺ وسمعته يقول: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وما كذبت على رسول الله ﷺ.
وستأتي روايته عن أخ له.
وأما رواية سلمان الفارسي، رضي الله عنه: فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة، رحمه الله، من حديث علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان، رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله ﷺ في آخر يوم من شعبان، فقال: «أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك...» وذكر تمام [ص:443] الحديث بطوله في فضل شهر رمضان، إلى أن قال: «ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة».
رواية سمرة بن جندب الفزاري، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا إبراهيم بن المستمر، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد - هو ابن بشير - عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي ﷺ قال: ( إن لكل نبي حوضا يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة ). وكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن محمد بن نيزك، عن محمد بن بكار بن بلال، عن سعيد بن بشير، وقال: هذا حديث غريب قال: ورواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن مرسلا، وهو أصح.
رواية سهل بن سعد الأنصاري الساعدي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن مطرف، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال النبي ﷺ: «إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم». قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها: «فأقول؟ إنهم مني. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي». وقال ابن عباس: [ص:444] سحقا: بعدا. يقال: سحيق: بعيد، سحقه، وأسحقه: أبعده. تفرد به من هذا الوجه. والله أعلم.
وأما رواية سويد بن جبلة، فذكرها القاضي عياض، وكذلك رواية عبد الله الصنابحي، ذكرها عياض أيضا.
رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، رضي الله عنه: ثبت في الصحيحين عنه، أن رسول الله ﷺ لما قسم غنائم حنين، فأعطى من أعطى من صناديد قريش، والعرب، فتغضب بعض الأنصار، فخطبهم، فقال لهم فيما قال: «إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».
رواية عبد الله بن عباس، رضي الله عنه: قال أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، حدثنا ليث - هو ابن أبي سليم، - عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إني آخذ بحجزكم أقول: إياكم وجهنم، إياكم والحدود، [ص:445] إياكم وجهنم، إياكم والحدود» - ثلاث مرات - " وإذا أنا مت تركتكم على البيضاء، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح، ويؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب - أحسبه قال: أصحابي - فيقال: ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم ". ثم قال: تفرد به ليث، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير.
وقال البخاري في باب الحوض من " صحيحه ": حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
قلت: وقد تقدم أنه يشخب من الكوثر الذي في الجنة إلى الحوض الذي في الموقف ميزابان من ذهب وفضة.
طريق أخرى عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الحارثي، [ص:446] حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: «حوضي مسيرة شهر، زواياه سواء، أكوابه عدد نجوم السماء، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب - يعني ريحا - من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا».
طريق أخرى عن ابن عباس، رضي الله عنهما: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله ﷺ عن الوقوف بين يدي رب العالمين، هل فيه ماء؟ قال: «إي، والذي نفسي بيده، إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء».
رواية عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ، قال: «أمامكم حوض، ما بين جرباء وأذرح».
[ص:447] ورواه الإمام أحمد، عن يحيى القطان، ورواه مسلم، من حديث عبيد الله، وأيوب، وموسى بن عقبة، وغيرهم، عن نافع.
وفي بعض الروايات؟ " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح - وهما قريتان بالشام - فيه أباريق عدد نجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ".
طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عمر بن عمرو أبو عثمان الأحموسي، حدثني المخارق بن أبي المخارق، عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول: إن رسول الله ﷺ قال: «حوضي كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، أكوابه مثل نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس عليه ورودا صعاليك المهاجرين». قال قائل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الشعثة رءوسهم، الشحبة وجوههم، الدنسة ثيابهم، لا يفتح لهم أبواب السدد، ولا ينكحون المتنعمات، الذين يعطون كل الذي عليهم، ولا يأخذون الذي لهم ". تفرد به أحمد.
[ص:448] طريق أخرى عنه: قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، حدثنا عطاء بن السائب، قال: قال لي محارب بن دثار: ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت: كان سعيد يحدث عن ابن عباس، قال: هو الخير الكثير. قال محارب: أين يقع رأي ابن عباس؟ قال محارب: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: لما نزلت: إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر: ا]. قال لنا رسول الله ﷺ: «هو نهر في الجنة حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب ريحا من المسك، وطعمه أحلى من العسل، وماؤه أشد بياضا من الثلج».
ورواه البيهقي من حديث حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب بنحوه، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
رواية عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمير: قال النبي ﷺ " حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبدا ". ورواه مسلم، عن داود بن عمرو، عن نافع بن عمر، به. [ص:449] طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا حسين المعلم، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبي سبرة - واسمه سالم بن سبرة - قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض ؟ حوض محمد ﷺ، وكان يكذب به بعد ما سأل أبا برزة، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمرو، ورجلا أخر، وكان يكذب به، فقال أبو سبرة: أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا، إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدثني بما سمع من رسول الله ﷺ، وأملى علي، فكتبت بيدي، فلم أزد حرفا، ولم أنقص حرفا، حدثني أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله لا يحب الفحش، أو يبغض الفاحش، والمتفحش». قال: ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن، ويخون الأمين ". وقال: «ألا إن موعدكم حوضي، عرضه وطوله واحد، وهو كما بين أيلة ومكة، وهو مسيرة شهر، فيه مثل النجوم أباريق، شرابه أشد بياضا من الفضة، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده أبدا». فقال عبيد الله: ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا. فصدق به، وأخذ الصحيفة، فحبسها عنده.
طريق أخرى عنه: قال أبو بكر البزار في " مسنده ": حدثنا [ص:450] محمود بن بكر بن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير الليثي، عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن لي حوضا في الجنة مسيرته شهر، وزواياه سواء، ريحه أطيب من المسك، ماؤه كالورق، أقداحه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا». ثم قال: لا نعلم روى عبيد بن عمير، عن عبد الله بن عمرو غير هذا الحديث.
طريق أخرى أيضا: رواها الطبراني من حديث مسلم بن رئاب، عن عبد الله بن عمرو.
رواية عبد الله بن مسعود الهذلي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: «أنا فرطكم على الحوض». قال البخاري: وحدثنا عمرو بن علي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن المغيرة: سمعت أبا وائل، عن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». تابعه عاصم، عن أبي وائل، وقال حصين: عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي ﷺ.
[ص:451] طريق أخرى عنه في الحوض وغيره: قال الإمام أحمد: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا علي بن الحكم البناني، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن ابن مسعود، قال: جاء ابنا مليكة إلى النبي ﷺ، فقالا: إن أمنا ماتت وكانت تكرم الزوج، وتعطف على الولد - قال: وذكر الضيف - غير أنها كانت وأدت في الجاهلية، فقال: «أمكما في النار». قال: فأدبرا والشر يرى في وجوههما، فأمر بهما، فردا، فرجعا والسرور يرى في وجوههما رجاء أن يكون قد حدث شيء، فقال: «أمي مع أمكما». فقال رجل من المنافقين: وما يغني هذا عن أمه شيئا، ونحن نطأ عقبيه! فقال رجل من الأنصار - ولم أر رجلا قط أكثر سؤالا منه -: يا رسول الله، هل وعدك ربك فيهما ؟ قال: فظن أنه من شيء قد سمعه، فقال: ما سألته ربي، وما أطمعني فيه، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة ". فقال الأنصار: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: «ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي، [ص:452] فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد، يغبطني به الأولون والآخرون». قال: «ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض». فقال المنافق: إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض. فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له حال أو رضراض؟ قال: «حاله المسك، ورضراضه التوم». فقال المنافق: لم أسمع كاليوم، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبت. فقال الأنصاري: يا رسول الله، هل له نبت؟ قال: «نعم، قضبان الذهب». قال المنافق: لم أسمع كاليوم، فإنه قلما نبت قضيب إلا أورق، وإلا كان له ثمر. قال الأنصاري: يا رسول الله، هل له ثمر ؟ قال: «نعم، ألوان الجوهر، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده، ومن حرمه لم يرو بعده». تفرد به أحمد، وهو غريب جدا.
رواية عتبة بن عبد السلمي، رضي الله عنه: قال الطبراني: حدثنا [ص:453] أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عامر بن زيد البكالي، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ، فقال: ما حوضك هذا الذي تحدث عنه؟ فقال: «كما بين البيضاء إلى بصرى، يمدني الله فيه بكراع لا يدري إنسان ممن خلق الله أين طرفاه». قال أبو عبد الله القرطبي: وخرج الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " من حديث عثمان بن مظعون، عن النبي ﷺ أنه قال: «يا عثمان، لا ترغب عن سنتي، فإنه من رغب عن سنتي، ثم مات قبل أن يتوب ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة».
رواية عقبة بن عامر الجهني، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله ﷺ خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر، فقال: «إني فرط لكم على الحوض، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، [ص:454] ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها».
ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، به. ومن حديث يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، به، وعنده: «إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم». قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله ﷺ على المنبر.
ذكر ما روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في ذلك: أسند البيهقي من طريق علي بن المديني، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول: إن رسول الله ﷺ رجم، ورجم أبو بكر، ورجمت، وسيكون قوم يكذبون بالرجم، والدجال، والحوض، والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار. وأما رواية المستورد فذكرها القاضي عياض.
ورواية النواس بن سمعان الكلابي، رضي الله عنه: قال عمر بن محمد بن بجير البجيري: حدثنا سليمان بن سلمة، حدثنا محمد بن إسحاق بن [ص:455] إبراهيم، حدثنا ابن جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سمعان، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن حوضي عرضه وطوله كما بين أيلة إلى عمان، فيه أقداح كنجوم السماء، أول من يرده من أمتي من يسقي كل عطشان».
أورده الضياء من هذا الوجه، ثم قال: أرى أن هذا الحديث من صحاح البجيري، والله أعلم.
رواية أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان، عن سليم بن عامر، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي أمامة، أن يزيد بن الأخنس قال: يا رسول الله، فما سعة حوضك ؟ قال: «كما بين عدن إلى عمان، فأوسع، وأوسع - يشير بيده - فيه مثعبان من ذهب وفضة». قال: فما ماء حوضك ؟ فقال: «أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ولم يسود وجهه أبدا».
طريق أخرى عنه: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي يحيى، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قيل: يا رسول الله، ما سعة حوضك ؟ قال: «ما بين عدن، وعمان - وأشار بيده - وأوسع، وأوسع، وفيه مثعبان من ذهب وفضة». قيل: يا [ص:456] رسول الله، فما شرابه ؟ قال أبيض من اللبن، وأحلى مذاقا من العسل، وأطيب ريحا من المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها، ولم يسود وجهه بعدها أبدا ".
رواية أبي برزة الأسلمي، رضي الله عنه: قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت، قال: شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد، فحدثني فلان - سماه مسلم - وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله قال: إن محمديكم هذا لدحداح. ففهمها الشيخ، فقال: ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد ﷺ. فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد لك زين غير شين. ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله ﷺ يذكر فيه شيئا؟ قال أبو برزة: نعم، لا مرة، ولا ثنتين، ولا ثلاثا، ولا أربعا، ولا خمسا، فمن كذب به فلا سقاه الله منه. ثم خرج مغضبا.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن مهزم العبدي، عن أبي طالوت العبدي، سمعت أبا برزة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول في الحوض، فمن كذب به فلا سقاه [ص:457] الله منه. وقد رواه البيهقي من طريق أخرى عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن قرة بن خالد، عن أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار، عن أبي برزة، في دخوله على عبيد الله بن زياد، بنحو ما تقدم.
طريق أخرى عن أبي برزة: قال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا شداد بن سعيد، سمعت أبا الوازع، وهو جابر بن عمرو، سمع أبا برزة الأسلمي يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله، فيه ميزابان يغتان من الجنة من ورق وذهب، أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، فيه أباريق عدد نجوم السماء.
طريق أخرى: قال ابن أبي عاصم: حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا محمد بن موسى الشيباني، عن صالح، عن سيار بن سلامة الرياحي، عن أبيه، عن أبي برزة: سمعت رسول الله ﷺ يقول:» إن لي حوضا يوم القيامة، عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ". ومن كذب به فلا سقاه الله. يعني منه.
[ص:458] رواية أبي بكرة الثقفي، رضي الله عنه: قال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال ": حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله ﷺ قال: «أنا فرطكم على الحوض.
رواية أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه: قال مسلم بن الحجاج في صحيحه»: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمر المكي - واللفظ لأبي بكر بن أبي شيبة - قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل». هذا لفظه إسنادا ومتنا.
رواية أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: قال ابن أبي عاصم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا زكريا، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ، قال: «إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أبيض مثل اللبن، آنيته عدد النجوم، وإني لأكثر الأنبياء تبعا [ص:459] يوم القيامة». ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد، أن رسول الله ﷺ قال: «إن لي حوضا طوله من الكعبة إلى بيت القدس، أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: لقد بلغت. وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة».
وروى البيهقي من طريق روح بن عبادة، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، أن رسول الله ﷺ قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة». ثم قال: ورواه البخاري من وجه آخر، عن مالك، وأخرجاه من حديث عبيد الله بن عمر، عن خبيب، بدون ذكر أبي سعيد. والله أعلم.
رواية أبي هريرة الدوسي، رضي الله عنه: قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن خبيب، عن حفص بن [ص:460] عاصم، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي». ورواه البخاري أيضا، ومسلم من طرق، عن عبيد الله بن عمر، وأخرجه البخاري أيضا من حديث مالك، كلاهما عن خبيب بن عبد الرحمن، به.
طريق أخرى عنه: قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح، حدثنا أبي، حدثني هلال، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: «بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم. فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم. قلت: أين ؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم». انفرد به البخاري.
طريق أخرى: قال مسلم: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثنا الربيع - يعني ابن مسلم - عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: «لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل».
[ص:461] وحدثنيه عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ بمثله.
طريق أخرى عنه: قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد، وابن أبي عمر، جميعا عن مروان الفزاري، قال ابن أبي عمر: حدثنا مروان الفزاري، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «إن حوضي أبعد من أيلة من عدن، لهو أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه، كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه». قالوا: يا رسول الله، أتعرفنا يومئذ قال: «نعم، لكم سيما ليست لأحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء». هذا لفظه.
طريق أخرى عنه: أخرجه مسلم، من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
طريق أخرى عنه: روى الحافظ الضياء من حديث يحيى بن صالح، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا إبراهيم بن أبي أسيد، عن جده، عن أبي هريرة، [ص:462] أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أنا هلكت فإني فرطكم على الحوض». قيل: يا رسول الله، وما الحوض ؟ قال: «عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح، بياضه بياض اللبن، وهو أحلى من العسل والسكر، آنيته مثل نجوم السماء، من ورد علي شرب، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا، وإياكم أن ترد على أقوام أعرفهم ويعرفوني، فيحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: بعدا وسحقا لمن بدل بعدي.
ثم قال الحافظ الضياء: لا أعلم أني سمعت بلفظ السكر عن النبي ﷺ إلا في هذا الحديث. قلت: بلى، قد ورد لفظ السكر في حديث رواه البيهقي في باب الوليمة والنثار؟ أن رسول الله ﷺ حضر عقدا، فأتي بأطباق الجوز والسكر، فنثر، فجعل يخاطفهم ويخاطفونه. الحديث بتمامه، وهو غريب جدا.
طريق أخرى عنه: قال البخاري: وقال الإمام أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أن رسول الله ﷺ قال:» يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقول: إنك [ص:463] لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ".
قال: وقال شعيب، عن الزهري: كان أبو هريرة يحدث عن النبي ﷺ " فيجلون ". وقال عقيل: «فيحلئون». وقال الزبيدي: عن الزهري، عن محمد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.
وهذا كله تعليق، ولم أر أحدا أسنده في شيء من هذه الوجوه عن أبي هريرة، إلا أن البخاري قال بعد هذا: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال: «يرد علي الحوض رجال من أصحابي، فيحلئون عنه، فأقول: يا رب، أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى».
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن عبيد، وغيره، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن كلثوم - إمام مسجد بني بشير - عن الفضل بن عيسى، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، قال: كأني بكم صادرين على الحوض، يلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: نعم.
[ص:464] ويلقى الرجل الرجل، فيقول: أشربت؟ فيقول: لا، واعطشاه !
رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما: قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن عمر، قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، قالت: قال النبي ﷺ: " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي. فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا.
ورواه مسلم، عن داود بن عمرو، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء، مثله.
رواية أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها: قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، حدثنا إبراهيم بن الحسين، حدثنا آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر، فقالت: هو نهر أعطيه نبيكم ﷺ في الجنة، حافتاه در مجوف، عليه من الآنية عدد النجوم. ورواه البخاري عن خالد بن يزيد الكاهلي، عن إسرائيل، واستشهد برواية مطرف.
[ص:465] وقال مسلم: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول، وهو بين ظهراني أصحابه: «إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال، فلأقولن: أي رب، مني ومن أمتي. فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك؟ ما زالوا يرجعون على أعقابهم». انفرد به مسلم.
رواية أم المؤمنين أم سلمة، رضي الله عنها: قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمر،، وهو ابن الحارث، أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي ﷺ أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله ﷺ فلما كان يوما من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله ﷺ، يقول: «أيها الناس». فقلت للجارية: استأخري عني. قالت: إنما دعا الرجال، ولم يدع النساء. فقلت: إني من الناس. فقال رسول الله ﷺ: «إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم، فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا ؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقا».
ثم رواه مسلم، والنسائي من حديث أفلح بن سعيد، عن عبد الله بن رافع [ص:466] عنها.
رواية أخ لزيد بن أرقم: قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن مطر، عن عبد الله بن بريدة، قال: شك عبيد الله بن زياد في الحوض فأرسل إلى زيد بن أرقم فسأله عن الحوض، فحدثه به حديثا مؤنقا فأعجبه، فقال له: سمعت هذا من رسول الله ﷺ ؟ قال: لا، ولكن حدثنيه أخي.
فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم، والمورد الكريم الممد من شراب الجنة من نهر الكوثر، الذي هو أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، وهو في غاية الاتساع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر.
وفي بعض الأحاديث المتقدمة أن كل ما له في زيادة واتساع، وأنه ينبت في حاله - أي في طينه - من المسك، وأن رضراضه من اللؤلؤ، وأنه ينبت على جوانبه قضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر، فسبحان الله الخالق الذي لا يعجزه شيء، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.////////
//////////////
[ص:467] ذكر أن لكل نبي حوضا، وأن حوض نبينا محمد ﷺ وعليهم أجمعين أعظمها، وأجلها، وأكثرها واردا جعلنا الله تعالى من وراده، وسقانا منه شربة لا نظمأ بعدها، ونعوذ بالله سبحانه أن نذاد عنه
قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا، رحمه الله، في كتاب " الأهوال ": حدثنا محمد بن سليمان الأسدي حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله ﷺ قال«إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: لقد بلغت. وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة».
ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن بشر، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عطية بن سعد العوفي، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ، بنحوه.
حديث آخر: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا الحسين بن محمد المروزي، حدثنا محصن بن عقبة اليمامي، عن الزبير بن شبيب، [ص:468] عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله ﷺ عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ فقال«إي والذي نفسي بيده، إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار، يذودون الكفار عن حياض الأنبياء». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس هو في شيء من الكتب الستة.
وتقدم ما رواه الترمذي، والطبراني، وغيرهما من حديث سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله ﷺ قال«إن لكل نبي حوضا، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة». ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد رواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن مرسلا، وهو أصح.
ورواه الطبراني أيضا من حديث خبيب بن سليمان، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله ﷺ قال: " إن الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحابا، وإني أرجو أن أكون يومئذ أكثرهم واردة، وإن كل رجل منهم يومئذ قائم على حوض ملآن، معه عصا يدعو من عرف من أمته، ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم.
[ص:469] وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حزم بن أبي حزم، سمعت الحسن البصري يقول: قال رسول الله ﷺ " إذا فقدتموني فأنا فرطكم على الحوض، إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه، بيده عصا، يدعو من عرف من أمته، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا، والذي نفسي بيده إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا ". وذكر تمام الحديث، وهذا مرسل عن الحسن، وهو حسن، صححه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقد أفتى شيخنا الحافظ المزي بصحته بهذه الطرق.
إن قال قائل: فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده؟ فالجواب أن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم: إنهم لم يزالوا يرتدون على أدبارهم، وأعقابهم منذ فارقتهم. فإن كان هؤلاء كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه، وقيل: إن الصراط طريق ومعبر إلى الجنة، فهو إنما ينصب للمؤمنين، والعصاة، والفساق، والظلمة، تحفظهم عليه الكلاليب، فمنهم المخدوش المسلم، ومنهم من يأخذ الكلوب فيهوي في النار على وجهه، وإن كان المشار إليهم بالردة عصاة من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض، لاسيما وعليهم سيما الوضوء، وقد قال رسول الله ﷺ«أعرفكم غرا محجلين من آثار الوضوء».
[ص:470] ثم من جاوز الصراط لا يكون إلا ناجيا مسلما، فمثل هذا لا يحجب عن الحوض، فالأشبه، والله أعلم أن الحوض قبل الصراط.
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس، قال: سألت رسول الله ﷺ: أن يشفع لي يوم القيامة. قال«أنا فاعل». قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله؟ قال«اطلبني أول ما تطلبني على الصراط». قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط ؟ قال«فأنا عند الميزان». قلت: فإن لم ألقك عند الميزان ؟ قال«فأنا عند الحوض، لا أخطئ هذه الثلاث مواطن يوم القيامة».
ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر، وابن ماجه في " تفسيره " من حديث عبد الصمد، كلاهما عن حرب بن ميمون أبي الخطاب الأنصاري البصري، من رجال مسلم، وقد وثقه علي بن المديني، وعمرو بن علي الفلاس، وفرقا بينه وبين حرب بن ميمون أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضا، صاحب الأغمية، وضعفا هذا.
وأما البخاري فجعلهما واحدا، وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال: كان هذا أكذب الخلق. وأنكر الدارقطني على البخاري، ومسلم في جعلهما هذين واحدا.
[ص:471] وقال شيخنا الحافظ المزي: جمعهما غير واحد، وفرق بينهما غير واحد، وهو الصحيح، إن شاء الله. قلت: وقد حررت هذا في " التكميل " بما فيه كفاية.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
والمقصود: أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان أيضا، وهذا لا أعلم به قائلا، اللهم إلا أن يكون المراد به حوضا آخر، يكون بعد قطع الصراط، كما جاء في بعض الأحاديث، ويكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد، والله سبحانه أعلم.
وإذا كان الظاهر كونه قبل الصراط، فهل يكون ذلك قبل وضع الكرسي لفصل القضاء أو بعد ذلك ؟ هذا مما يحتمل كلا من الأمرين، ولم أر في ذلك شيئا فاصلا، فالله أعلم أي ذلك يكون.
وقال القرطبي في " التذكرة ": واختلف في الميزان والحوض؟ أيهما يكون قبل الآخر؟ فقيل: الميزان قبل. وقيل: الحوض. قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل. قال القرطبي: والمعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم كما تقدم - فيقدم قبل الميزان والصراط.
[ص:472] قال أبو حامد الغزالي في كتاب " كشف علم الآخرة ": حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله. قال القرطبي: هو كما قال. ثم أورد حديث منع المرتدين على أعقابهم عن الحوض، ثم قال: وهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط ; لأن الصراط من جاز عليه سلم، كما سيأتي. قلت: وهذا التوجيه قد أسلفناه. ولله الحمد.
قال القرطبي: وقد ظن بعض الناس أن في تحديد الحوض تارة بجرباء وأذرح، وتارة كما بين الكعبة إلى كذا، وتارة بغير ذلك، اضطرابا. قال: وليس الأمر كذلك ؟ فإنه ﷺ حدث أصحابه به مرات متعددة، فخاطب في كل مرة لكل قوم بما يعرفون من الأماكن، وقد جاء في الصحيح تحديده بشهر في شهر. قال: ولا يخطر ببالك أنه في هذه الأرض، بل في الأرض المبدلة، وهي أرض بيضاء كالفضة، لم يسفك فيها دم، ولم يظلم على ظهرها أحد قط، تطهر لنزول الجبار جل جلاله، لفصل القضاء.
قال: وقد روي أن على كل زاوية من زوايا الحوض واحدا من الخلفاء الأربعة، فعلى الركن الأول أبو بكر، وعلى الثاني عمر، وعلى الثالث عثمان، وعلى الرابع علي، رضي الله عنهم. قلت: وقد رويناه في " الغيلانيات "، ولا يصح إسناده لضعف بعض رجاله. والله أعلم.////////
ابن كثير فصل في مجيء الرب سبحانه وتعالى كما يشاء يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه ////////////////
فصل في مجيء الرب سبحانه وتعالى كما يشاء يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه
ذكر في حديث الصور المتقدم أنه إذا ذهب رسول الله ﷺ فشفع عند الله عز وجل ليفصل بين العباد، فيقول الرب تعالى: أنا آتيكم فأقضي بينكم. ثم يرجع رسول الله ﷺ فيقف مع الناس في مقامه الأول، فحينئذ تنشق السماوات بغمام النور، وتنزل الملائكة تنزيلا، فينزل أهل السماء الدنيا، وهم قدر أهل الأرض من الجن والإنس، فيحيطون بهم دائرة، ثم تنشق السماء الثانية فتنزل ملائكتها وهم قدر الجن والإنس وقدر ملائكة سماء الدنيا، فيحيطون بمن هناك من الملائكة والجن والإنس دائرة، ثم كذلك أهل السماء الثالثة، والرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فكل أهل سماء تحيط بمن قبلهم دائرة، ثم تنزل الملائكة الكروبيون وحملة العرش، ومن حوله من المقربين، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتعظيم; يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت. ثم يأتيهم الله لفصل القضاء.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال ": حدثنا حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عوف، عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي، حدثنا شهر بن حوشب، حدثني ابن عباس، قال: إذا [ص:474] كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلائق بصعيد واحد; جنهم وإنسهم، فإذا كان كذلك قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها، فنثروا على وجه الأرض، ولأهل هذه السماء الدنيا وحدهم أكثر من جميع أهل الأرض، جنهم وإنسهم بالضعف، فإذا رآهم أهل الأرض فزعوا إليهم، ويقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا ليس فينا، وهو آت. ثم تقاض السماء الثانية، ولأهل السماء الثانية أكثر من أهل هذه السماء الدنيا، ومن جميع أهل الأرض بالضعف، فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض، ويقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا! ليس فينا، وهو آت. ثم تقاض السماوات سماء سماء، كلما قيضت سماء كانت أكثر من أهل السماوات التي تحتها، ومن جميع أهل الأرض بالضعف؟ جنهم وإنسهم، كلما نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض، ويقولون لهم مثل ذلك، ويرجعون إليهم مثل ذلك حتى تقاض السماء السابعة، ولأهلها وحدهم أكثر من أهل ست سماوات، ومن أهل الأرض بالضعف، ويجيء الله فيهم، والأمم جثا صفوف، فينادي مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم [ص:475] الحمادون لله على كل حال، فيقومون فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي ثانية: ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون [السجدة: 16]، فيقومون فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي ثالثة: ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم، ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار [النور: 37]، فيقومون فيسرحون إلى الجنة، فإذا لم يبق أحد من هؤلاء الثلاثة خرج عنق من النار، فأشرف على الخلائق، له عينان بصيرتان، ولسان فصيح، فيقول: إني وكلت بثلاثة، وكلت بكل جبار عنيد. فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيخنس بهم في جهنم، ثم يخرج الثانية، فيقول: إني وكلت بمن آذى الله ورسوله. فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيخنس بهم في جهنم، ثم يخرج الثالثة، فيقول: إني وكلت بأصحاب التصاوير. فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيخنس بهم في جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة، ومن هؤلاء ثلاثة، نشرت الصحف، ووضعت الموازين، ودعيت الخلائق للحساب.
وقد قال الله تعالى: [ص:476] كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [الفجر: 21 - 23]، الآيات. وقال تعالى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور [البقرة: 210] وقال تعالى: وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون [الزمر: 69، 70]. وقال تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا [الفرقان: 25، 26].
وقال في حديث الصور«فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه. يعني بذلك كرسي فصل القضاء، وليس هذا بالكرسي المذكور في آية الكرسي، ولا المذكور في» صحيح ابن حبان "«ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وما الكرسي في العرش إلا كتلك الحلقة بتلك الفلاة، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل».
وقد يطلق على هذا الكرسي اسم العرش، فقد ورد ذلك في بعض الأحاديث، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: سبعة يظلهم الله في ظله " - وفي رواية«في ظل عرشه» - " يوم لا ظل إلا ظله " الحديث بتمامه.
[ص:477] وثبت في صحيح البخاري من حديث الزهري، عن أبي سلمة، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال«إذا كان يوم القيامة فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فأفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور؟». فقوله«أم جوزي بصعقة الطور يدل على أن هذا الصعق الذي يحصل للناس يوم القيامة سببه تجلي الرب سبحانه لعباده لفصل القضاء، فيصعق الناس من تجلي العظمة والجلال، كما صعق موسى يوم الطور حين تجلى ربه للجبل فجعله دكا، وخر موسى صعقا.
فموسى، عليه السلام، إذا صعق الناس يوم القيامة ; إما أن يكون جوزي بصعقة الطور فلا يصعق يومئذ، وإما أن يكون صعق فأفاق، أي صعق صعقة خفيفة، فأفاق قبل الناس كلهم. والله أعلم.
وقد ورد في بعض الأحاديث، أن المؤمنين يرون الله في عرصات القيامة، كما ثبت في الصحيحين، واللفظ للبخاري من طريق قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: خرج علينا رسول الله ﷺ ليلة البدر، فقال:» إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته ". وفي رواية للبخاري: " إنكم سترون ربكم عيانا.
[ص:478] وجاء أنهم يسجدون له سبحانه يومئذ، كما قال ابن ماجه: حدثنا جبارة بن المغلس الحماني، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله ﷺ«إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود، فيسجدون له طويلا، ثم يقال: ارفعوا رءوسكم، فقد جعلنا عدتكم فداءكم من النار». وله شواهد من وجوه أخر، كما سيأتي.
وقال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال«حتى إن أحدهم ليتلفت فيكشف عن ساق، فيقعون سجودا، وترجع أصلاب المنافقين حتى تكون عظما، كأنها صياصي البقر». ثم قال: لا نعلم حدث به عن الأعمش إلا أبا عوانة، قلت: وسيأتي له شاهد من وجه آخر.
وذكر في حديث الصور«إن الله ينادي العباد يوم القيامة فيقول: إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا، أرى أعمالكم وأسمع أقوالكم، فأنصتوا لي، فإنما هي أعمالكم، وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».
وروى الإمام أحمد، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر [ص:479] بن عبد الله، أنه اشترى راحلة، وسار إلى عبد الله بن أنيس شهرا ; ليسمع منه حديثا بلغه عنه، فلما سأله عنه، قال: سمعت رسول الله يقول«يحشر الناس يوم القيامة - أو قال: العباد - عراة غرلا بهما». قلنا: وما بهما ؟ قال«ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة». قال: قلنا: وكيف وإنا إنما نأتي الله بهما ؟ قال«بالحسنات والسيئات».
وفى صحيح مسلم، عن أبي ذر، عن النبي ﷺ في الحديث الإلهي الطويل«يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».
وقد قال تعالى: إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد [هود: 103 - 105]. ثم ذا سبحانه ما أعده للأشقياء، وما أعده للسعداء، وقال تعالى: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبإ: 38].
وثبت في الصحيحين«ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل». وقد عقد [ص:480] البخاري، رحمه الله بابا في ذلك، فقال في كتاب التوحيد من " صحيحه ": باب كلام الرب، سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. ثم أورد فيه حديث أنس في الشفاعة بتمامه، وحديث عدي«ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه» الحديث، وحديث ابن عمر في النجوى.
ونحن نورد في هذه الترجمة أحاديث أخر، مناسبة لهذا الباب. وقد قال الله تعالى: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [المائدة: 109]. وقال تعالى: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين [الأعراف: 6، 7]. وقال تعالى: فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [الحجر: 92، 93].
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، أخبرنا عبد الله بن عثمان، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا رشدين بن سعد، أخبرني ابن أنعم المعافري، عن حبان بن أبي جبلة، يسنده إلى النبي ﷺ قال: " إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي؟ هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم يا رب، قد بلغته جبريل، فيدعى جبريل فيقال له: هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلغني. فيخلى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلغت الرسل. فتدعى الرسل [ص:481] فيقول لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم. فيخلى عن جبريل، ويقال للرسل: ما فعلتم بعهدي؟ فيقولون: بلغنا أممنا. فتدعى الأمم، فيقال لهم: هل بلغكم الرسل عهدي؟ فمنهم المكذب، ومنهم المصدق، فيقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك. فيقول: من يشهد لكم؟ فيقولون: أمة أحمد. فتدعى أمة أحمد، فيقول: أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم رب، شهدنا أن قد بلغوا. فتقول تلك الأمم: كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم الرب تعالى: كيف تشهدون على من لم تدركوا؟ فيقولون: ربنا، بعثت إلينا رسولا، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا. فيقول الرب: صدقوا. فذلك قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة: 143].
قال ابن أنعم: فبلغني أن أمة محمد ﷺ تشهد، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه./////////////
ذكر كلام الرب تعالى مع آدم، عليه السلام
قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال«أول من يدعى يوم القيامة آدم، فيقال: هذا أبوكم آدم. فيقول: يا رب، لبيك وسعديك. فيقول له ربنا: أخرج نصيب جهنم من ذريتك. فيقول: يا رب، وكم؟ فيقول: من كل مائة تسعة وتسعين». فقلنا: يا رسول الله، أرأيت إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعين، فماذا يبقى منا؟ قال«إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود».
ورواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد الديلي، عن سالم أبي الغيث، مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ قال«أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك». وذكر تمامه كما تقدم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: " يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، قم فابعث بعث النار. فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. قال: فحينئذ يشيب المولود، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [ص:483] [الحج: 2].
قال: فيقولون: فأينا ذلك الواحد؟ قال: فقال رسول الله ﷺ«تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومأجوج، ومنكم واحد». قال: فقال الناس: الله أكبر. فقال رسول الله ﷺ«والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة». قال: فكبر الناس. قال: فقال رسول الله ﷺ«ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض».
ورواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، به. ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، وأخرجاه من طرق أخر، عن الأعمش، به.
وفى صحيح البخاري عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع النبي ﷺ في قبة، فقال«أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قلنا: نعم. قال«أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟». قلنا: نعم. قال«أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة ؟». قلنا: نعم. قال: " والذي نفس محمد [ص:484] بيده، إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر ".////////
كلام الرب تعالى مع نوح، عليه السلام، وسؤاله إياه عن البلاغ
كما قال الله تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: 6].
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ«يدعى نوح، عليه السلام، يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه، فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير» أو«ما أتانا من أحد». قال«فيقال لنوح: من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته». قال: " فذلك قوله: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: 143]. قال«والوسط العدل»، قال«فيدعون، فيشهدون له بالبلاغ». قال«ثم أشهد عليكم».
وهكذا رواه البخاري، والترمذي، والنسائي، من طرق عن الأعمش، به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
[ص:485] وقد رواه الإمام أحمد، بلفظ أعم من هذا، فقال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ«يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم. فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. فيدعى وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا، فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا. فذلك قوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس قال: يقول:» عدلا، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة: 143]. وهكذا رواه ابن ماجه، عن أبي كريب، والإمام أحمد بن سنان، كلاهما عن أبي معاوية.
قلت: ومضمون هذا أن هذه الأمة يوم القيامة يكونون عدولا عند سائر الأمم والأنبياء، ولهذا يستشهد بهم سائر الأنبياء على أممهم، ولولا اعتراف أممهم بشرف هذه الأمة لما حصل إلزامهم بشهادتهم.
وفي حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده معاوية بن حيدة، أن رسول الله ﷺ قال«أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها، وأكرمها على الله عز وجل»./////
ذكر تشريف إبراهيم الخليل، عليه السلام، يوم القيامة على رءوس الأشهاد
قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾[العنكبوت: 27]. وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قام فينا النبي ﷺ يخطب، فقال: " إنكم محشورون حفاة عراة غرلا قالب:قرآنكَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ الآية [الأنبياء: 104]. وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب، أصحابي. فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم [المائدة: 117، 118]. قال«فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم». ////////
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق